Monday, December 17, 2007

ميشال سليمان : عماد التوافق

ميشال سليمان : عماد التوافق ... ينتظر التعديل


منال أبو عبس
Al-Hayat (1,052 كلمة)
تاريخ النشر 17 ديسمبر 2007
تبدو حركة العماد ميشال سليمان مكثفة. يجول بين مرجعيات تختلف سياسياً حاصداً عبارات تشيد بـ »حكمته« و«حسن إدارته الأزمات«. ويُسجل له الإجماع على وطنيته، وأنه حيّد نفسه والمؤسسة العسكرية عن انقسام الحياة السياسية بين فريقين. يرد سليمان على الزوار والمستقبلين مؤكداً التزام الجيش مسؤولياته ودوره في حفظ الأمن.

بعد نحو أربعة أسابيع على الفراغ في سدة الرئاسة اللبنانية، وشهر ونصف على سحب اسمه من التداول وصدور بيان عن قيادة الجيش ينفي ترشحه للمنصب الأول في الجمهورية، عاد اسم سليمان إلى الواجهة. وبدا انه المرشح الوحيد الباقي، ولا ينقص إلا العملية الإجرائية لانتخابه رئيساً. فمن هو ميشال سليمان الذي تولى قيادة الجيش منذ تولي سلفه اميل لحود الرئاسة عام 1998؟ ولماذا تحول فجأة إلى مرشح لكلا الفريقين المتصارعين، علماً أن اسمه لم يرد في لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير؟ وهل تمهد تجربته في قيادة الجيش لوصوله إلى الرئاسة؟ وكيف يمكن الحكم على تجربته خلال الأزمة السياسية؟

بعد 14 شباط (فبراير) 2005، بدء الاختبار الفعلي لقدرة سليمان على إدارة الأزمات. قبل ذلك التاريخ لم يكن كامل القرار الأمني أو حتى السياسي في أيدي اللبنانيين أنفسهم. والتطورات المتسارعة التي أنتجها اغتيال الرئيس رفيق الحريري تركت الجيش وقيادته أمام مسؤوليات كبرى، لم يختبر نوعها في أي وقت سابق.

في تظاهرة 14 آذار 2005، وضع الجيش عملياً في الميدان. القرار السياسي لحكومة الرئيس عمر كرامي كان بمنع التحرك. لكن أي منع كان في نظر قائد الجيش يعني وقوع اشتباكات بين الجيش والمدنيين، بالتالي دماً كثيراً لن يقوى الجيش على حمله. التقى سليمان مرجعين بارزين في فريق 8 آذار، وكانت النصيحة أن الدستور يحمي حرية التعبير، وهو أقوى من القرار السياسي. بناء على النصيحة، رفض العماد القرار السياسي واحتمى بالدستور. وفي اليوم التالي نشرت وكالات الأنباء العالمية الصور الشهيرة لمتظاهر يقدم وردة حمراء إلى عسكري يفصله عنه شريط شائك. في تظاهرة 14 آذار بدا أن ثمة تغييراً كبيراً ينتظره البلد، وأن الجيش نجح في الاختبار الأول. ولم يرفع ثوار الأرز صور سليمان، على رغم انهم رفعوا صور جميع رؤساء الأجهزة الأمنية أيام الوصاية السورية، مطالبين محاسبتهم. فقائد الجيش لم يخض يوماً في الصراع السياسي الذي كان الضباط الأربعة (المعتقلون منذ أكثر من سنتين) غرقوا فيه مع المعارضين العلنيين لسورية، أمثال القوى المسيحية ولاحقاً النائب وليد جنبلاط، أو مع المعارضين بصمت، وعلى رأسهم الرئيس رفيق الحريري. ولم يكن لدى قوى المعارضة حينها (قوى 14 آذار) سبب لاستعداء مؤسسة الجيش المهابة والمجمع عليها وطنياً، ولا سبب أيضاً لاستعداء قائدها.

في التحركات والتحركات المضادة التي جاءت لاحقاً، مارس الجيش سياسة الحياد ذاتها. ولم يرد قائده مرة على انتقادات اتهمته بأنه لم يقم بدوره خلال تحرك المعارضة في الشارع في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي أو بعده بيومين، فلم يقمع المعترضين بالقوة. غير أن الجيش، ولمرة ثانية، بدا قوة ليس بالإمكان التخاصم معها، فظلت الانتقادات خافتة.

محطتان مفصليتان

يقول عارفون في شؤون اليرزة إن ثمة محطتين مفصليتين في مسيرة سليمان. الأولى كانت العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز (يوليو) 2006 والثانية كانت الاشتباكات في مخيم نهر البارد. في حرب تموز لم يكن الجيش هو المستهدف، لكن سليمان أعلن منذ اللحظة الأولى أن الجيش ليس على الحياد، وتصرف العسكريون على هذا الأساس. ولم يترك سليمان الجنود لقدرهم في أرض المعركة. فطلب من المعنيين أن يُفتح صندوق قائد الجيش وتوزع عائداته على العسكريين في الجنوب، ليتدبروا أمورهم في ظروف الحرب، لئلا يقال إن عسكرياً اضطر للجوء إلى أحد لتدبر سبل حياته.

الإنزال الإسرائيلي في صور كان برهاناً آخر على عدم تحييد الجيش. إذ تزامن مع اتصال إسرائيلي بسنترال مركز الجيش في صور يفيد بأنه ليس هو المستهدف، بالتالي يجب عليه ألا يتدخل. غير أن الجيش تدخل حيث اقتضى الواجب. في إنزال البازورية أيضاً، كان للجيش واستخباراته الدور الأكبر في إفشاله.

في حرب تموز ساند الجيش المقاومة، وليس فقط بالكلام. وعلم أن قائده رفض عدداً من المطالب الإسرائيلية التي كانت تصل في شكل غير مباشر، بينها تزويد الجيش اللبناني إسرائيل جدول مواعيد تحرك آلياته، كما رفض الطلب الإسرائيلي بأن يرفع العلم اللبناني على الجانب الأيمن لآليات الجيش للإشارة إلى أن الآلية تعود إليه وليس لغيره. فبالنسبة إلى قائد الجيش، علم لبنان لن يكون علامة للخيانة.

معركة البارد كانت المحطة الأقسى على قلب سليمان. في بداياتها قال إنها ستستغرق بين 3 و6 أشهر، رغم ما أشاعه آخرون من أنها ستستغرق أسبوعين. تابع مجريات المعارك لحظة بلحظة، فلم يترك مكتبه لأكثر من ثلاثة أشهر. ساءه القول إن المخيم »خط أحمر«، غير أنه لم يقف عنده. وأعلن الحرب على المعتدين على »هيبة لبنان«، وعسكره بعدما فوضت إليه الحكومة اتخاذ الإجراءات المناسبة. وهو لم يعر انتباهاً في اجتماعه مع الحكومة، إلى بعض الوزراء الذين طالبوا بهجوم ساحق. وبرهن قائد الجيش مرة أخرى عن حكمة وهدوء في مواجهة الأزمات الكبرى.

علاقة سليمان لم تكن مقطوعة مع أي من الأطراف اللبنانيين. علاقته مع الرئيس السابق لحود لم تكن وطيدة، ورأى كثر في ذلك »توتراً روتينياً بين قادة الجيش والرؤساء«. غير أن القائد لم يقاطع القصر، وحافظ على الزيارات الدورية.

المجلس العسكري بدوره، استثمره سليمان لمصلحة الجيش. فوظف التنوع الطائفي لضباطه في خدمة المؤسسة العسكرية، وصار كل ضابط جسر اتصال بين قائد الجيش والمرجعية السياسية لطائفة الضابط، على أن يكون الأخير بذلك ممثلاً للمؤسسة أولاً وأخيراً.

على الصعيد الخارجي، لا يبدو أن لأي من الدول ذات الصلة في الشأن الرئاسي اللبنانية »فيتو« على سليمان. إذ يأخذ عليه بعضهم قربه من سورية، في حين يأخذ عليه آخرون أن الأكثرية طرحت اسمه مرشحاً، على رغم أن رموزاً في الأكثرية لطالما انتقدت تجربة العسكر في السلطة، مستندة في ذلك إلى تجربة العمادين ميشال عون واميل لحود. لكن مطلعين على آرائه يقولون إن سليمان وعلى رغم انتمائه إلى المدرسة الشهابية، يبدو مؤمناً بصعوبة تكرار بعض جوانب تجربة الرئيس (اللواء) فؤاد شهاب في الظروف الراهنة، كما أن نظرته إلى العسكر أيام الثمانينات والتسعينات غير إيجابية، إذ يحكى أن وصوله إلى الرئاسة سيشكل نقطة قطع مع تجربة العسكر في تلك الحقبة.

ويقول بعض عارفيه إنه إذا كانت صورة المؤسسة اهتزت نتيجة تجربتي عون ولحود في الحكم، فالعماد يبدو مصراً على محو هذا الاهتزاز في الصورة، إذا حظي بلقب »فخامة الرئيس«.

ولد ميشال نهاد سليمان في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 في عمشيت - قضاء جبيل. يحمل إجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية، ويتقن اللغتين الإنكليزية والفرنسية. تخرج عام 1970 من المدرسة الحربية برتبة ملازم. وعين عام 1990 رئيساً لفرع الاستخبارات في جبل لبنان، ثم بعد سنة أميناً لأركان قيادة الجيش. بين عامي 1993 و1996 تولى قيادة لواء المشاة الحادي عشر، وتخللت الفترة مواجهات عنيفة على جبهة البقاع الغربي والجنوب مع إسرائيل. وفي 1996 رقي سليمان إلى رتبة عميد، وعين قائداً للواء المشاة السادس. وبعد انتخاب القائد السابق للجيش اميل لحود لرئاسة الجمهورية عام 1998، رقي سليمان إلى رتبة عماد وعين قائداً للجيش اللبناني.

Monday, November 26, 2007

ينتظرون نتائج «انابوليس» ويهجسون بالتقسيم

ينتظرون نتائج « انابوليس » ويهجسون بقرارات التقسيم
اللبنانيون يعيشون أيام الفراغ «بهدوء»


منال أبو عبس
Al-Hayat (433 كلمة)
تاريخ النشر 26 نوفمبر 2007

عرض جميع البيانات


لا يبعث مشهد الآليات العسكرية المنتشرة بكثافة في شوارع بيروت وأزقتها على الطمأنينة. مشهد العسكريين أيضاً، بثيابهم المرقطة لا يوحي بأن الحال على ما يرام. فاليوم هو واحد من الأيام التالية لرحيل الرئيس السابق اميل لحود من قصر بعبداً، من دون انتخاب خلف له. والفراغ، وإن كان متوقعاً من جانب لبنانيين كثر، إلا أن لرهبته وقعاً ثقيلاً على حال المدينة الحية وأهلها. ويبقى لكل منهم طريقة خاصة في رؤيته والتعامل معه.

سعيد ابن منطقة المزرعة كان فتياً حين وقعت البلاد في الفراغ عام 1988. يذكر من تلك المرحلة تفاصيل مستقاة بمعظمها من تجارب أهله وأحكامهم، ليؤكد أن »اليوم الوضع مختلف«. يقول إنه عاش عام 1988 خوفاً أكبر بكثير مما يعيشه اليوم. وعلى رغم انه صار مسؤولاً عن زوجة وثلاثة أولاد، توحي »نظرة معمقة إلى مختلف الأطراف اللبنانيين، بأن لا أحد منهم قادراً حالياً على المغامرة بخوض حرب جديدة«. لذلك فهو مطمئن، وإن كان امتنع عن الخروج من بيته مساء، »مبدئياً إلى حين معرفة نتائج مؤتمر أنابوليس«.

المنطقة حيث يعيش سعيد أشبه بسوق تجاري. غير أن حال الهدوء الحذر المسيطرة عليها في اليومين الماضيين، تشبه تماماً الحال بعد كل تفجير أو عملية اغتيال. وكما في أسواق أخرى، المحال شبه فارغة من الزبائن. والباعة يقطعون الجلسات الطويلة وراء المكتب، بـ »كزدورة« على الرصيف المجاور.

تعمل ريما بائعة في محل للألبسة النسائية في شارع مار الياس، وتقطن في الشارع نفسه. تشير بيدها إلى شارع مجاور، وتتحدث كيف أيقظ دوي الرصاص من كان نائماً ليلة رحيل لحود. تروي بإعجاب ظاهر كيف اختلطت أصوات المفرقعات بأصوات الرصاص الحي، وكيف نزل شبان من المنطقة ليلاً إلى الشوارع لتوزيع الحلوى احتفاء بـ »طي صفحة سوداء من تاريخ لبنان«.

لا تبدو ريما مهتمة كثيراً بما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة. فبالنسبة إليها: »عندنا حكومة تتولى الأمر إلى حين تأمين رئيس جديد«.

صاحب المحل حيث تعمل ريما يؤيد توجهاتها السياسية. ولا يبدو عليه أنه يولي أهمية فعلية لعدم اعتراف البعض بالحكومة القائمة ومؤسساتها، فـ »هذا كله حكي بالسياسة، وعلى الأرض الواقع مختلف... ببساطة: من أين يتقاضى المشككون بدستورية الحكومة وشرعيتها رواتبهم؟«.

الباحث عن رأي مخالف للرأيين السابقين لن يحتاج إلى أكثر من خطوتين في الشارع نفسه. محمد يبدو متأثراً برحيل لحود من سدة الرئاسة. بالنسبة إليه »لحود كان الرئيس الوحيد الذي دعم المقاومة ولم يكن طائفياً«. يسخر من المحتفلين برحيل لحود، ويقول كمن يرد على الشامتين: »الرئيس لم يرحل غصباً عنه. هو اختار تسليم الجيش مسؤولياته بعدما انتهت ولايته، وبقي حتى اللحظة الأخيرة على مواقفه«. يمهل محمد اللبنانيين فترة عهدين لـ »يروا من سيأتي بعده ويعرفوا قيمته ويترحموا على أيامه«.

في السوق نفسه، ينعكس القلق عبارات كثيرة على السنة المارة. بعضهم يتحدث عن هدوء نسبي إلى حين انتهاء مؤتمر »انابوليس«، وبضعهم الآخر يبدي مخاوف كبيرة من سيناريوات خارجية لتقسيم لبنان.

Friday, November 23, 2007

الماروني الأحمر... مطارد الصهيونية

ميشال اده «الماروني الأحمر» ... مطارد الصهيونية


منال أبو عبس
Al-Hayat (727 كلمة)
تاريخ النشر 23 نوفمبر 2007



يرى مؤيدو الوزير السابق ميشال اده في قربه من البطريرك الماروني نصر الله صفير حجة لتسويقه مرشحاً توافقياً للرئاسة. ويجد المؤيدون في دعم البطريرك لإده للوصول إلى رئاسة الرابطة المارونية عام 1993 دليلاً على حظوة الأخير بالـ »بركة الرسولية«. ويقللون من وقع إعلانه ذات يوم إنه سيقف أمام الدبابات السورية منعاً لانسحابها من لبنان، سلباً على حظوظ وصوله إلى الرئاسة. فبالنسبة إليهم: متغيرات كثيرة جرت بين الأمس واليوم.

ولعل لعبة شد الحبال الدائرة حول اللائحة الأخيرة التي قدمها صفير إلى كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس كتلة »المستقبل« النيابية سعد الحريري هي التي أعادت طرح اسم اده للرئاسة، بعد تكاثر الحديث عن فيتوات متبادلة لكل من فريقي الأكثرية والمعارضة على مرشحي الفريقين بطرس حرب ونسيب لحود وميشال عون، وعن تحفظات على كل من روبير غانم وميشال الخوري ورياض سلامة الذي أضاف صفير إلى اسمه على اللائحة عبارة: »ما لم يتطلب انتخابه تعديلاً دستورياً«، في حين يجرى حديث عن مفاوضات بين الفريقين على اسم اده، على رغم وجود إشارات رفض له من كل من الحريري وعون.

غير أن لعبة خلط الأوراق التي تجرى في كل دقيقة، تترك السؤال وارداً: هل يكون اده رئيس لبنان المقبل؟

ولد ميشال اده في 16 شباط (فبراير) 1928. درس في مدرسة الآباء اليسوعيين في بيروت. ونال الإجازة في القانون من جامعة القديس يوسف سنة 1945، حيث كان زميلاً في الدراسة لعدد من رؤساء لبنان مثل إلياس سركيس ورينيه معوض. تفتح وعيه السياسي عام 1947، فشارك طالباً بتظاهرات ضدّ قرار تقسيم فلسطين. ثم ما لبث شغفه بالقضية الفلسطينية أن حوله إلى خبير في القضايا العربية - الإسرائيلية. وساعدته في البحث في تاريخ إسرائيل والصهيونية، معرفته بالمفكر ميشال شيحا الذي أيضاً كان سبب صداقته مع ميشال بشارة الخوري وشارل حلو.

وتحوّل اده اليوم بفعل شغفه بالقراءة والتعمق بالدراسات على مر السنين إلى موسوعة في تاريخ الحركة الصهيونية وقياداتها وحافظاً لخططها عن ظهر قلب.

وسعى في كتاباته الكثيرة، ومنها: »هيكل هيرودوس لا هيكل سليمان« إلى كشف »الادعاءات والمزاعم والأضاليل التي تمكّنت إسرائيل بعد حرب 7691 خصوصاً من الترويج لها«، والتأكيد على أن »إسرائيل دأبت على محاولة فرض مزاعمها على الرأي العام العالمي بصفتها حقائق لا يرقى إليها شكّ، مستندة في ذلك إلى النفوذ الصهيوني الفعّال في معظم وسائل الإعلام والاتصال الأساسية في العالم«.

وعلى رغم نشأته في بيئة مارونية متدينة، تأثر اده بالفيلسوف والكاتب الفرنسي إيمانويل مونييه صاحب نظرية الشخصانية. كما تأثر بالنظرية الماركسية، فلقب في الإعلام بـ »الماروني الأحمر«، من دون ان يدفعه ذلك الى الابتعاد من التزامه المسيحي. فهو تبرع بعد الحرب الأهلية ببناء عدد من الكنائس ومنها، كنيسة مار جاورجيوس للموارنة التي كان بناها أجداده في وسط بيروت.

كاد اده أن ينال لقب »فخامة الرئيس« مرتين، إلا أن الكرسي كانت تسحب من تحته في اللحظة الأخيرة. عام 1982 حال الاجتياح الإسرائيلي دون وصوله إلى الرئاسة. وبحسب السفير الأميركي الاسبق في بيروت جون غونتر دين، ومن ثم الرئيس الياس سركيس عام 1984، فإن الرئاسة »مرقت من تحت أنفك (اده)، وكانت مضمونة لولا الاجتياح الإسرائيلي«.

وبعد اتفاق الطائف عام 1989، قيل إن اده سقط في الامتحان السوري للوصول إلى الرئاسة بسبب موقفه الرافض لاستعمال القوة ضد العماد ميشال عون، في حين كان السوريون يميلون إلى إنهاء »ظاهرة العماد« بالقوة.

لم يترشح اده يوماً إلى الانتخابات النيابة، الأمر الذي يرده مقربون إلى رفضه التقيد بكتل وتحالفات سياسية. وعيّن وزيراً لخمس مرات منذ عام 1966 حتى عام 1996 في عهود مختلفة، آخرها في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري خلال رئاسة الرئيس الراحل الياس الهراوي.

يأخذ المعترضون على وصول اده إلى الرئاسة، عليه مواقفه الداعمة لسورية وللرئيس الحالي اميل لحود. فهو قال في احتفال عام 2004: »انتصرنا بفضل المقاومة على الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، على رغم فارق القوة الكبير، والدور الأساسي في هذا الانتصار كان للرئيس الراحل حافظ الأسد و«حزب الله« وطبعاً لمواقف الرئيس لحود«.

غير أن مواقف اده السابقة والمؤيدة لمن هم فريق المعارضة اليوم، لم تحيده كلياً من مرمى بعض نيرانهم. وكان الهجوم الأقسى بحق اده على لسان الوزير السابق سليمان فرنجية عام 2006، إذ حمل على الرابطة المارونية ورئيسها. وقال فرنجية: »كنا نعتقد بأن ميشال اده مات دهساً تحت الدبابات السورية عند مغادرة الجيش السوري لبنان، لأنه كان دائماً يقول انه سيقف أمام الدبابات السورية لمنعها من مغادرة لبنان«. ويبدو أن موقف فرنجية هذا يتعارض مع موقفه منه اليوم، إذ تردد أخيراً أن فرنجية سعى لدى عون لتسويق اده للرئاسة.

واده المتحدر من عائلة سياسية، القارئ من الطراز الرفيع هو ذواقة في فنون المأكولات الشرقية والغربية، كما يرأس منذ عام 1990 الشركة العامة للطباعة والنشر التي تصدر صحيفة »لوريان لوجور«. وهو متأهل من يولا ضومط وله بنت وأربعة صبيان.

Thursday, November 22, 2007

جان عبيد... المفوه الصامت

جان عبيد... المفوه «الصامت» الذي يرشحه الآخرون



منال أبو عبس
Al-Hayat (844 كلمة)
تاريخ النشر 22 نوفمبر 2007


ينطبق على الوزير السابق جان عبيد إلى حد كبير توصيف « المرشح الذي يرشحه الآخرون ». فعبيد، « المرشح الدائم للرئاسة » منذ عام 1982، لم يعمد ولو لمرة واحدة إلى إعلان نفسه مرشحاً للمنصب، وإن كان نقل عنه قوله: « أريد أن أنال مرتبة الرئيس لا مرتبة المرشح ».

وعلى رغم أن خصومه يأخذون عليه أنه كان صديقاً متميزاً لسورية أيام كانت الناخب الأول والأقوى للرئيس اللبناني، فإن عبيد لم يحظ ولا مرة خلال 29 سنة من الوجود السوري في لبنان بلقب فخامة الرئيس، مع أن اسمه كان حاضراً في كل حديث عن لوائح رئاسية.

أما اليوم، وبعد أكثر من عامين من الخروج السوري واشتداد الأزمة الرئاسية ومشارفة ولاية الرئيس اميل لحود على الانتهاء، عاد اسم عبيد ليطرح مرشحاً توافقياً، لكنه لم يرد في لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير. وعلى رغم اختياره الصمت والابتعاد من الأضواء في أي نشاطات يقوم بها لتقديم نفسه مرشحاً توافقياً، إلا أن وقوفه خارج معسكري 8 و14 آذار كان الحجة الأبرز لمن يطرحه اسماً وسطياً.

جان بدوي عبيد، ماروني لبناني وقومي عربي. ولد في علما - قضاء زغرتا، شمال لبنان عام 1939. متزوج من لبنى البستاني ابنة قائد الجيش السابق اميل البستاني ولهما خمسة أولاد. والده بدوي كان مقرباً من حميد فرنجية وزير خارجية الاستقلال ووالد النائب الحالي سمير فرنجية وشقيق الرئيس السابق سليمان فرنجية.

دخل عالم الصحافة رئيساً لتحرير مجلة »الصياد«، وغادره عام 1968. تنقل عبيد بين مناصب عدة. عين مستشاراً لرئيسي الجمهورية إلياس سركيس وأمين الجميل. في عهد الجميل فسحت شبكة علاقاته الواسعة المجال لإبراز مهاراته في جمع المتناقضات وتقريب وجهات النظر. وألقيت على عاتقه مسؤولية تأمين اجتماعات الجميل بأكثر من طرف بينها الرئيس الشهيد رشيد كرامي ووليد جنبلاط وقادة فلسطينيين، فضلاً عن دوره الأساس صلة وصل بين الجميل ودمشق أيام الرئيس حافظ الأسد الذي كانت تربطه به علاقة متميزة (تدخل الأسد مباشرة لاطلاق سراح عبيد المخطوف على يد »منظمة الجهاد الإسلامي« عام 1987). ومع »اتفاق 17 أيار« ساءت العلاقة بين الجميل وعبيد الذي أعرب عن معارضته الاتفاق بالابتعاد من الجميل، لأن الأخير لم يطلعه على ما توصل إليه المفاوضون مع إسرائيل. غير أن الرفض الشعبي وتجدد الاقتتال الداخلي، دفعا الجميل إلى مطالبة عبيد بالعودة والمشاركة في مفاوضات إلغاء الاتفاق. فصاغ عبيد بيان الإلغاء.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لعب عبيد دور الوسيط بين اكثر من طرف: بين سورية واللبنانيين وبين الفلسطينيين واللبنانيين، كما بين اللبنانيين أنفسهم. شارك في مؤتمر جنيف لحل الصراع الداخلي اللبناني وإنهاء الحرب. وإثر اغتيال الرئيس رينيه معوض بعد اتفاق الطائف، اعتقد الجميع أن عبيد هو الرئيس البديل، خصوصاً أن نائب الرئيس السوري آنذاك عبد الحليم خدام اتصل برفيق الحريري في باريس متمنياً عليه إحضار عبيد إلى دمشق بسرعة. لكن الياس الهراوي صار هو الرئيس. وعين عبيد نائباً عام 1991 (وانتخب في الدورات اللاحقة حتى عام 2000)، ثم عيّن وزيراً للتربية عام 1996 في حكومة الرئيس الحريري خلال عهد الهراوي.

ومع اقتراب نهاية ولاية الهراوي، قيل إن الرئيس الحريري طرح اسم عبيد للرئاسة، لمنع وصول لحود إلى السلطة عام 1998، غير أن أمنية الحريري لم تتحقق. وعين عبيد عام 2003 وزيراً للخارجية في حكومة الرئيس الحريري خلال عهد لحود، ما اتاح له بناء علاقات عربية واسعة.

في الانتخابات النيابية عام 2005، لم يترشح بسبب انقسام البلد بين فريقي 8 و14 آذار، وشهدت الفترة نفسها توتر العلاقة بينه وبين الوزير السابق سليمان فرنجية.

اشتهر عبيد بقدرته على التوفيق بين أكثر من فريق. ولذلك، كان مقرباً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن السوريين في الوقت نفسه، وبخاصة أيام الرئيس حافظ الأسد. عهد الرئيس الحالي بشار الأسد شهد بداية الخلاف السوري مع عبيد، لسببين كلاهما نابع من حرصه على مصلحة سورية. السبب الأول، رفضه التمديد للرئيس لحود وتحذيره السوريين من تداعيات التمديد والقرار 1559. والثاني انتقاده حملات التهجم على الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي شنها حلفاء سورية في لبنان. لأن، بحسب عبيد، شيراك كان في مقدم الرؤساء الغربيين الذين زاروا سورية ورعوا تسلم بشار الأسد الرئاسة. لذلك فإن الخلاف معه لا يجوز.

السببان افرزا غضباً سورياً على عبيد، يضاف إليهما الحديث عن خلافات بينه وبين الرئيس لحود الذي كان يشكوه إلى دمشق، وهو ما أكده خدام في مقابلة مع »العربية« بعد انشقاقه عن النظام السوري.

يسجل مناصرو عبيد له أنه كان يطرح أفكاره من دمشق بعقلانية وصوت عال، إضافة إلى دوره في تعديل مشروع القرار 1559 في صيغته الأولى. وهنا يحسب له حسن استغلاله لمنصب وزير الخارجية لتعديل القرار الذي كان يطالب »بانسحاب القوات السورية من لبنان من دون تأخير«. وأثمرت جهوده عن شطب كلمة »سورية« من الصيغة المعدلة، ليطالب القرار بـ »سحب جميع القوات الأجنبية من لبنان من دون تأخير«.

يسجل لعبيد أيضاً، أنه حظي باحترام مسؤولين سعوديين وخليجيين بارزين، وربما ساعده في ذلك انه حجة في معرفة الشعر العربي وحفظه، إضافة إلى تبحره في التراث والدين الإسلامي وحفظه القرآن.

صحافي وخطيب ومتحدث لبق وديبلوماسي حلو الكلام، وغيرها أوصاف كثيرة رافقت مسيرة عبيد في عالم السياسة. غير أن إقلاله من التصريحات والإطلالات الإعلامية، وانكفاءه جزئياً عن عالم السياسة المنقسم بين معسكري 8 و14 آذار، جعلا منه مرشحاً صامتاً للرئاسة التي تشغل لبنان والعالم.

وينقل أصدقاؤه عنه قوله تعليقاً على سلبية بعض الجهات ازاء ترشحه، أنه يفضل الرئاسة بكرامة، وإلا فإنه يفضل أن يبقى محتفظاً بالكرامة من دون الرئاسة. وكان له نتيجة مواقفه المشابهة صداقات واسعة، لدى المقربين من زعماء الأطراف إلى درجة أن بعضهم يقول أن هناك حزباً اسمه حزب جان عبيد.

Sunday, November 18, 2007

نايلة معوض ... الرئاسة ولو بالنصف + 1

نايلة معوض... الرئاسة ولو بالنصف + 1


منال أبو عبس
Al-Hayat (660 كلمة)
تاريخ النشر 18 نوفمبر 2007


تقتحم نايلة معوض عالم الرجال محملة بأثقال كثيرة وبإرث سياسي لم تقو يوماً على التفريط به. أرملة الشهيد رينيه معوض رئيس لبنان 17 يوماً، لم تغفل يوماً أن على كتفيها ترزح تركة »رئيس« الطائف الذي قضى اغتيالاً عشية عيد الاستقلال عام 1989. ومنذ ذلك الوقت، وهي تحمل إرث شهيدها وتسير به في دهاليز الحياة السياسية، لترتقي من نائب منذ عام 1991، إلى مرشحة لرئاسة الجمهورية من موقعها في لقاء »قرنة شهوان« المعارض للسلطة الموالية لسورية عام 2004، إلى وزيرة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2005، ثم مرشحة للرئاسة مرة جديدة عام 2007. مرشحة لا تعارض انتخابها بنصاب النصف زائداً واحداً شرط حصولها على دعم مسيحيي فريق 14 آذار الذي تنتمي إليه.

نايلة عيسى الخوري هو اسمها. ولدت عام 1940 في بيروت، ابنة ثالثة للمحامي نجيب عيسى الخوري وايفلين روك الفلسطينية من أصل فرنسي. تلقت علومها في مدرسة »راهبات الفرنسيسكان« في المتحف، ثم سافرت وشقيقاتها إلى لندن حيث تعلمت الإنكليزية وحصلت على إجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة كامبردج.

لم تعش نايلة يوماً في بيئة غير سياسية. عمها ندرة كان نائباً سابقاً وأحد زعماء بشري، ووالدها شارك في وضع القانون الذي أقر للمرأة حق الاقتراع. عملت في مطلع شبابها في جريدة »الأوريان« (1962- 1965)، قبل أن تبدأ أخذ الدروس في القانون والدستور على يدي القانوني حسن الرفاعي. وولاؤها منذ الصبا كان للرئيس فؤاد شهاب. رئيس لبنان الذي قدم إلى القصر من عالم جنرالات العسكر. أولئك الذين تعارض نايلة وصول أحدهم إلى الرئاسة اليوم.

تستند نايلة في معاركها السياسية كافة، إلى التاريخ والشرعية اللذين تركهما لها زوجها الرئيس، وميثاقه الذي تسعى إلى إعادة إحيائه. »نضالها« في صفوف المعارضة (قرنة شهوان) أيام الوجود السوري في لبنان، دفعها إلى الترشح لرئاسة الجهورية عام 2004، في وجه التمديد لإميل لحود المدعوم من سورية. آنذاك، كانت معوض الشخصية الثانية بعد العميد الراحل ريمون إدّه التي تترشح رسمياً أمام الشعب، وحصدت وقتها تصفيق مؤيديها ودعماً نسائياً غير محدود في لبنان والأقطار العربية.

عام 2004، أطلقت معوض شعار »لبننة الاستحقاق«، وكانت سباقة في رفعه. وفسرته بأنها مع أي رئيس يجب أن يكون قراره بيده وعليه إيجاد إطار توافق بين اللبنانيين، آخذاً في الاعتبار العلاقات الإقليمية وليس العكس. وأعلنت وقت كان مقر الاستخبارات السورية لا يزال في بيروت، ضرورة إقناع سورية بأن »استمرار النهج القائم سيؤدي حتماً إلى الانهيار«، وانه »إذا لم يتم إقناع سورية بالإصلاح وإصلاح نظرتها الى العلاقة مع لبنان لا يمكن تطبيق أي مشروع إصلاحي«، وذلك على رغم أن خصومها يأخذون عليها توددها للسوريين للوصول إلى مناصب سياسية.

عام 2004، لم توفق معوض بالوصول إلى الرئاسة. ومدد لإميل لحود 3 سنوات إضافية، عاش لبنان فيها أصعب مراحل وجوده. وبعد سلسلة أحداث وضعت لبنان في مهب الريح، وبدأت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري والخروج السوري من لبنان وتوتر العلاقات اللبنانية- السورية، عادت معوض لتعلن ترشحها للرئاسة، من دون أن يتم ذلك باسم فريق 14 آذار الذي تبنى ترشيح النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود دون غيرهما. وإن كانت أعلنت أنها اتفقت مع حرب ولحود على أن »أي واحد منا تكون حظوظه أكثر من الآخر، فإن المرشحين الآخرين يدعمونه حتى النهاية«. وأضافت: »أكرر أن الهدف ليس السباق بين المرشحين، بل إيصال رئيس يحمل مبادئ جمهور 14 آذار«.

تمارس وزيرة الشؤون الاجتماعية اليوم عملها من منزلها في الحازمية، والذي لا تكاد تفارقه خوفاً من عمليات الاغتيال المتنقلة. المنزل كان اشرف على بنائه زوجها الذي رحل تاركاً لها ولدين (ميشال متزوج وله أولاد وريما التي تمارس المحاماة في نيويورك). وعلى رغم خوفها من موجة الاغتيالات التي طاولت زملاء لها من فريقها السياسي، لا تهادن معوض في مواقفها السياسية. تطالب دوماً بحصر السلاح في يد الدولة، وبتفرد الأخيرة بقرار الحرب والسلم. كما تعلن أن البلد مقسوم بين فريقها السياسي الذي يضع مصلحة لبنان أولاً وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، وبين فريق آخر، »فريق المشروع السوري - الإيراني«. وتكرر المطالبة بعلاقات جيدة مع سورية ضمن سيادة البلدين والحفاظ على استقلالهما.

وعلى رغم انتمائها إلى فريق 14 آذار ومبادئه، ترى معوض أنه »لا يمكن للرئيس المقبل أن يكون رئيساً لجمهور 14 آذار فحسب، بل لكل لبنان وأن يحترم التزاماته العربية والسيادة«. وتشدد على ضرورة أن يسعى الرئيس المقبل إلى تطبيق اتفاق الطائف، النقاط السبع، مقررات طاولة الحوار والقرار 1701.

Saturday, November 10, 2007

ماذا لو انطلقت الرصاصة الأولى للحرب الأهلية؟

يفكرون بالهرب إلى سويسرا أو الخليج وبعضهم بالانتحار... من صخرة الروشة
اللبنانيون غارقون في سؤال يخيفهم:
ماذا لو انطلقت الرصاصة الأولى للحرب الأهلية؟

منال أبو عبس
Al-Hayat (747 كلمة)
تاريخ النشر 10 نوفمبر 2007

تنطلق الجملة من فم الشاب بانفعال وجدية، فيحسم الحديث الدائر منذ ساعات. يقول كما لو انه يستهل للتو خطاب قسم: »ما ان تنطلق الرصاصة الأولى، حتى أذهب إلى الكورنيش وانتحر برمي نفسي قبالة صخرة الروشة«. تترك عبارته علامات ذهول على وجهي رفيقيه.

أعمار الشبان الثلاثة لا تتجاوز الرابعة والعشرين. بالتالي، فإن أحداً منهم لم يعش فعلياً تجربة الحرب الأهلية في لبنان. غير أن من يستمع إلى حديثهم الطويل لا بد من أن يقف أمام عبارة: »إذا رجعت الحرب«، تتكرر مرة بعد مرة بعد مرة، وتلحق بها »خطوات« كثيرة مفترضة ينوي كل منهم اتخاذها مع انطلاق الرصاصة الأولى، أي »الشرارة« بلغة اللبنانيين »الحربية«.

الخوف من الحرب و »شرارتها« لا يقف عند هؤلاء فقط. هو هاجس تسمع عنه في سيارات الأجرة وفي محل الملابس والسوبر ماركت. ونادراً ما يمكنك اليوم، وأنت تسترق السمع إلى حديث دائر بين شخصين أو أكثر، إلا وأن تعلق في أذنك كلمة أو أكثر من قبيل: »الحرب«، »المسيحيون«، »المسلمون« أو »هم ونحن«، »8 و14 آذار«، وأيضاً »الاستحقاق الرئاسي« (العبارة الفصحى التي اخترقت القاموس العامي للبنانيين، فصارت من يوميات الجميع).

وتتبدل الأولويات والنظرات إليها تبعاً لمنطقة مطلقها التي تدل (في معظم الأحيان) الى انتمائه السياسي، وهنا الدليل:

في حي اللجا، المتفرع من شارع مار الياس التجاري، نفوذ شبه تام لـ »حزب الله« و »حركة أمل«. في الحي باعة خضار ومحال أحذية وألبسة. ولذلك فإن نصف ساعة من السير في الشارع تكفي لمعرفة مرشحه الرئاسي، والاستعدادات التي ينوي أبناء المنطقة اتخاذها إذا انطلقت »الشرارة«، و »خطوط التماس« الجديدة و »المجاعة« المقبلة على لبنان.

»يقولون إن لبنان على أبواب مجاعة بعد رأس السنة«، تسأل السيدة بائع الخضار. تستوقفه العبارة، فيبدأ بكيل الشتائم إلى الحكومة وباريس -2 الذي »لم يأتنا منه إلا الضرائب«. المجاعة إذاً واردة بحسب بائع الخضار والسيدة التي اشترت أربعة أكياس مملوءة بالفاكهة.

على الرصيف المقابل لبائع الخضار يشير شابان بأصابعهما إلى تقاطع الحي مع الشارع الرئيسي. »هنا سيكون الحاجز الرئيسي الذي سيقطع شارع مار الياس عن جواره«، يقول شاب ممازحاً صديقه. حديث الشابين عن الخطة الأمنية جاء تالياً لحديثهما عن أن لا رئيس جمهورية جديداً للبنان، مع احتمال إيجاد حكومتين. ويضيف الصديق إحداثيات جديدة إلى الخطة التي ينويان اتباعها إذا »انفجر الوضع، بسبب تعنت الأكثرية«. ولكن، »هذا فقط من باب التسلية، وإذا وقعت الحرب لا أحد غير الله يعلم كيف ستصير حالنا«، ويرسم بساعده نصف دائرة في الهواء تدل إلى محيط الحي حيث أكثرية من لون طائفي آخر.

إحداثيات الحرب المفترضة، لها ما يشبهها في مكان آخر، مقابل سياسياً. في منطقة عين الرمانة حيث النفوذ واسع لـ »القوات اللبنانية« وحزب »الكتائب« يدور حديث مماثل عن تقطيع أوصال ومحاور جديدة، وتبدل في خطوط التماس. »الحال لم تعد كما في السابق، اليوم التحالفات اختلفت. لن تكون حرب مسيحي - مسلم«، يقول اندريه الذي شارك في الحرب السابقة وخسر فيها ساقه. »اليوم هناك مسيحيون في 14 آذار وفي 8 آذار، وهناك أيضاً سنّة وشيعة ودروز في الفريقين، وأي تقسيم سيؤدي إلى كوارث على الجميع«، يضيف.

كلام اندريه لا يتوافق مع كلام زكي (26 عاماً) الذي يعلق أهمية كبيرة على الانتخابات الرئاسية. يقول زكي إن »فرنسا لن تترك لبنان يذهب إلى الهاوية، ولا بد من توافق دولي على رئيس من الأكثرية«. ويرفض أي إشارة إلى احتمالات وصول مرشح من المعارضة، »لأن الزمن السوري في لبنان ولّى«.

الحال في عين الرمانة وحي اللجا لا تختلف كثيراً عنها في منطقة الطريق الجديدة. تبدلات كثيرة استجدت على حياة المنطقة البيروتية التي تحتضن جامعة بيروت العربية وتلامس أطرافها مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين. عبارات من نوع »كلنا وراء الشيخ سعد الحريري« و »فداء للشيخ سعد« صارت تنطلق تلقائياً من أفواه كثر، ما ان يتعلق السؤال بالوضع السياسي العام. في الشارع خوف من أحداث مماثلة لحادثة جامعة بيروت العربية الدموية، والتي خشي اللبنانيون يومها من أن شرارة الحرب قد انطلقت فيها، ليعود البلد بعدها إلى ما كان يسمى بلغة الحرب »هدوءاً نسبياً« ما زال مستمراً. الثقة الكبيرة عند ناس الطريق الجديدة هي في أن »أبناء المنطقة قادرون على حماية أنفسهم«.

الخوف من الحرب ودرس الإحداثيات حديث تجده حاضراً أيضاً في مناطق نفوذ »الحزب التقدمي الاشتراكي«. في وطى المصيطبة يستعيد رامي حادثة مقتل الزيادين (خطف الشابين زياد غندور وزياد قبلان وقتلهما ورميهما في خلده). يقول إن »الوضع أكثر من سيئ، والناس لم تعد قادرة على الاحتمال«. يذكر بعضاً من أحاديث تدور بينه وبين رفاقه في الجامعة، ولا يخرج أي منها من إطار الجو السياسي الخانق، وأزمة الخوف من الآخر والأسئلة عمن يحمي من؟

رامي في سنته الجامعية الأخيرة. بعد شهور عدة سيصير مهندساً معمارياً، وبحسب توقعاته، فإن شركات كثيرة ستتزاحم لكسبه مهندساً في طاقمها. تفاؤل رامي تقطعه عبارة »إذا ما خربت البلد«، المكررة على ألسنة كثيرة.

»حين أحمل شهادتي في يدي«، يقول رامي، »سأحزم حقيبتي وأسافر إلى الخليج أو إلى أي بلد مثل سويسرا«.

Friday, October 12, 2007

لبنان منقسم بين الانتخاب بالنصف +1 والثلثين

الاستحقاق الرئاسي من وجهة نظر قانونيَين من 8 و14 آذار
لبنان منقسم بين الانتخاب بالنصف +1 والثلثين...
واللبنانيون ينتظرون حصيلة «ألعاب» نوابهم «الدستورية»


منال أبو عبس
Al-Hayat (1,377 كلمة)
تاريخ النشر 12 أكتوبر 2007


أيام معدودة تفصل اللبنانيين عن 23 تشرين الأول (اكتوبر) الجاري، موعد الجلسة الجديدة لانتخاب رئيس للجمهورية. الدعوة وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى النواب، مباشرة بعد تأجيل جلسة 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، التي لم تنعقد في الأصل. وعلى رغم جرعات التفاؤل الموسمية التي تصيب اللبنانيين مع كل حديث عن وفاق محتمل يمكن أن يسبق الموعد الجديد، فإن الخلاف ما زال على أشده بين فريقي الأكثرية والمعارضة حول النصاب المطلوب لانعقاد جلسة الانتخاب. ففي حين ترى الأكثرية أن الجلسة يمكن أن تفتتح بنصاب النصف زائداً واحداً، أي بحضور 65 من أصل 127 نائباً يتشكل منهم المجلس حالياً بعد اغتيال النائب أنطوان غانم، تتمسك المعارضة بنصاب الثلثين أي بحضور 85 نائباً. وبين الاثنين لا يمكن تنصيب المادة 49 من الدستور اللبناني حَكَماً. إذ يسهم الغموض الذي يحيط بها في تغذية التباين الكبير. فهي تنص على أنه »ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي«، من دون أن تحدد النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة. كما يشرّع غموض النص الأبواب والنوافذ أمام تأويلات وتفسيرات كثيرة ومتناقضة للنصاب. وهو ما يبدو جلياً في رأي رجلي قانون التقتهما »الحياة«، فعكست رؤيتهما للمادة نفسها طرفي النقيض من أزمة النصاب.

الصراحة وما يفيدها!

يستغرب الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة الدكتور يوسف سعد الله أحد الرموز الدستورية والقانونية في لبنان الذي ينتمي إلى »التيار الوطني الحر« برئاسة العماد ميشال عون، الجدل الدائر حول نص المادة 49، ويرى أنه »عندما يفيد النص بأن الانتخاب يتم بغالبية الثلثين، فهو يحدّد أن النصاب المطلوب هو الثلثان«.

يستند الخوري إلى خبرته الطويلة في حقل القانون ومعايشته انتخابات رئاسية متتالية. ويقول: »النص تكلم بما يفيد الصراحة. والصراحة وما يفيد الصراحة تعنيان الأمر نفسه. النص هنا ليس في حاجة لتفسير ولا لتأويل أو لقياس واجتهاد«.

يوجه الخوري إلى المشككين بحتمية الثلثين سؤالاً حاسماً: »حين يقول النص بالانتخاب بأكثرية الثلثين، فماذا سيكون النصاب؟«. بعبارة أخرى: »كيف يمكننا أن ننتخب رئيساً بالثلثين، إذا اجتمعنا بنصاب النصف زائداً واحداً؟«.

الجواب عن سؤال الخوري، نجده عند النائب في الأكثرية نقولا فتوش. وهو أيضاً يدرّس القانون في الجامعة اليسوعية ويشرف على رسائل الدكتوراه.

في جعبة فتوش في مقر إقامته »الجبرية« في فندق فينيسيا دراسة هي الثانية منذ أشهر عن الاستحقاق الرئاسي. ولا يرى في المادة 49 ما يشير إلى ضرورة حضور ثلثي أعضاء المجلس. يفلش أوراقاً كثيرة أعدها بعناية، ويستحضر مواد كثيرة من الدستور والنظام الداخلي للمجلس النيابي تخدم فكرته. »المادة 34 من الدستور التي تنص على أنه: لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه وتتخذ القرارات بغالبية الأصوات«، ثم يفسر أن »المادة 49 تثبت أن نصاب انعقاد الجلسة وفقاً للمادة 34 هو الأكثرية المطلقة. أي أن الجلسة تنعقد بنصاب الأكثرية المطلقة وانتخاب الرئيس في دورة الاقتراع الأولى يستوجب حصوله على الثلثين، أما في دورات الاقتراع التي تلي فتكفي الأكثرية المطلقة للانتخاب«.

يستعين فتوش بالمادة 79 من الدستور التي تشترط نصاب الثلثين لانعقاد جلسة تعديل الدستور، والتصويت بالغالبية نفسها. ويقول: »لو كان النصاب هو الثلثان، لفرضت المادة 49 أحكاماً مشابهة لأحكام المادة 79 من الدستور، بدليل أن الأكثرية المطلوبة تختلف بين دورة الاقتراع الأولى والدورات اللاحقة«.

يتناول فتوش في دراسته مواد لم يتم التطرق إليها قبلاً لاثبات وجهة نظره حول النصاب. ويقرأ إنه »في ضوء المادة 44 من الدستور يمكن انتخاب رئيس المجلس النيابي في الدورة الثالثة بالأكثرية النسبية في حال تعذر انتخابه في الدورتين الأولى والثانية بالأكثرية المطلقة. كما أن الأكثرية المطلوبة لنيل الحكومة الثقة هي الأكثرية النسبية وليست المطلقة«. ويحسم بأن »المهم أن يتوافر النصاب القانوني لافتتاح الجلسة عملاً بالمادة 34 من الدستور و55 من النظام الداخلي«.

لا يبدو كلام فتوش مقبولاً من الخوري الذي يؤكد أن »المادة 34 تأتي تحت باب أحكام عامة. والنص العام يتعلق بكل ما يقوم به مجلس النواب، وهو مختلف عما تكون له نصوص خاصة. وانتخاب الرئيس له نص خاص (المادة 49)، وفي المبادئ العامة للقانون انه عندما يتعارض نصان أحدهما خاص والآخر عام في الموضوع نفسه، فالخاص يكسر العام«، حاسماً الأمر بأن »ليس هناك إطلاقاً أي ريب أو شك في أن النصاب يكون في الثلثين«.

هنا أيضاً نجد الرد عند فتوش الذي يقول انه »إذا سلمنا أن الأكثرية المطلوبة دائماً هي الثلثان، فهذا يعني أن الثلث أي الأقلية باتت تتحكم بالأكثرية وهذا مخالف للديموقراطية ولشرعة حقوق الإنسان. والمشترع لم يحدد الثلثين لأنه يخاف من أن تتفق الحكومة مع الأقلية وتعطل الأمر«.

دورات لاحقة

يعكس كلام الخوري وفتوش الرأيين اللذين يحكمان الساحة السياسية اللبنانية في ما خص نصاب انعقاد الجلسة الأولى. ومعهما يبدو الوصول إلى رأي واحد متفق عليه من المستحيلات. أما الحل، فيبدو من كلام فتوش انه في الدورة الثانية من الاقتراع. أي انه »بحسب المادة 34 فإن الجلسة تصير قانونية بمجرد حضور النصف زائداً واحداً، وعلى الرئيس أن يفتتحها. وعندما لا ينال أي مرشح الثلثين، يتم الانتقال فوراً إلى دورات اقتراع تالية حتى يحصل أحد المرشحين على الغالبية المطلوبة للفوز وهي النصف زائداً واحداً«.

ويضيف أن »ما يؤكد التفسير القانوني للمادة 49، هو ما نصت عليه المادة 55 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وفيها أنه: لا تفتتح جلسة المجلس إلا بحضور الغالبية من عدد أعضائه، ولا يجوز التصويت إلا عند توافر النصاب في قاعة الاجتماع«. ويشير إلى أن »النظام الداخلي المكمل للدستور أوجب افتتاح الجلسة عند حضور الغالبية من أعضاء المجلس«.

لكن، هنا أيضاً للخوري رأي آخر، فـ »النص (المادة 49) يقول إن الرئيس ينتخب في الدورة الثانية بالأكثرية المطلقة. ولا يقول في الجلسة الثانية، إذ حتى تفتتح الجلسة نحن في حاجة إلى الثلثين. وعندما تفتتح ويتم التصويت ولا يحصل أي مرشح على الثلثين في الدورة الأولى، تجرى دورة ثانية، بالنصاب نفسه وينتخب عندها الرئيس بالأكثرية«. ويجزم بأنه »لا تفتتح الجلسة من دون الثلثين. وعندما تفتتح لا تُرفع حتى الانتخاب. وبغير هذه الطريقة يكون الانتخاب غير دستوري بالمطلق وباطل ولا يمكن الاعتراف به«. ومع التيقن من صعوبة التسوية بين الرأيين في مجال النصاب، يكثر الحديث عن خطر الأيام العشرة الأخيرة. هذه الأيام جاء الحديث عنها في المادة 73 من الدستور، ونصها: »إذا لم يدع المجلس لهذا الغرض، فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس«.

لا يعول الخوري أهمية كبيرة على الأيام العشرة الأخيرة. ووفقاً لتفسيراته فإن »جلسة انتخاب الرئيس لا تعقد قبل الوصول إلى الأيام العشرة الأخيرة إلا بدعوة من رئيس المجلس. وإذا لم يدع الرئيس إلى جلسة، فإن المجلس ينعقد حكماً في الأيام العشرة الأخيرة من دون دعوة الرئيس، لكن أيضاً ضمن الأحكام التي تنص عليها المادة 49 أي نصاب الثلثين. ولا يمكن أن تنعقد الجلسة بمن حضر«.

كلام الخوري يتناقض تناقضاً تاماً مع تفسير فتوش. إذ يبدو الأخير معولاً على الأيام العشرة الأخيرة. ويقول: »عندما يجتمع المجلس حكماً أي بحكم الدستور، فإن ذلك يعني عدم مراعاة الشكليات التي كانت مفروضة في الأحوال العادية. عندها يمكن للمجلس المكتمل نصابه وفقاً للمادة 34 من الدستور أن يباشر انتخاب رئيس الجمهورية، ولا يكون مقيداً لناحية توجيه الدعوة من رئيس المجلس أو حتى لجهة الانتخاب بالثلثين، بل بالأكثرية المطلقة«. ويزيد أنه »من غير الضروري أن يحضر رئيس المجلس الجلسة في هذه الحال. عندها يرأس نائب رئيس المجلس (فريد مكاري المنتمي إلى الأكثرية) الاجتماع الحكمي«.

انتخابات عبر التاريخ

لم تطرح أزمة النصاب تاريخياً بالحدة نفسها التي تطرح بها اليوم. ولم تنعقد أي جلسة لانتخاب أي رئيس من الرؤساء منذ ما قبل الحرب الأهلية حتى الرئيس الحالي من دون توفّر نصاب الثلثين. في استحقاقات كثيرة منها كان الخوري يشغل مناصب رسمية مهمة. ويؤكد أنه »في كل مرة كان يتوفر الثلثان، لأنهم كانوا يعملون بحسب الدستور«، مستعرضاً بعض الوقائع: »في جلسة انتخاب الرئيس بشير الجميل، انتظروا في الفياضية نحو ثلاث ساعات حتى توفر نصاب الثلثين، على رغم الاجتياح الإسرائيلي. وعام 1988 لم ينتخب الرئيس بسبب عدم اكتمال النصاب المطلوب«. ويبدي استغرابه من أن »هذه المرة الأولى التي يُحكى فيها عن النصاب«.

إجابات فتوش حاضرة كالعادة أيضاً. هو يرى أنه »لا لزوم للحديث عن القديم، ففي العام 1991 وضع دستور جديد للبنان (اتفاق الطائف)«.

تغيب النواب قانوني!

لا مادة في القانون تجبر النواب على الحضور أو التغيب عن جلسات انتخاب الرئيس. وعدا عن قرار قال اتخذه الرئيس نبيه بري سابقاً بحسم جزء من رواتب النواب المتغيبين عن الجلسات من دون عذر، فلا إجراءات قانونية يمكن للأكثرية التذرع بها أو المطالبة باتخاذها في حق النواب المتغيبين بحجة ممارسة اللعبة الديموقراطية. وهو ما يتيح لنواب المعارضة استمرار التشبث بمواقفهم المطالبة بتأمين نصاب الثلثين، مع معرفتهم المسبقة باستحالة تأمين هذا النصاب ما داموا معتكفين عن الجلسات.

أيــــام قليـــلة تفصل اللبنـــانيين عـــــن 23 تشرين الأول. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الجلوس على الشرفة واستعادة وقائع جلسة 25 أيلول قد توفر على اللبنانيين زحمة السير الخانقة في شوارع بيروت والإجراءات الأمنية المشددة ليوم إضافي. وسيجد اللبنانيون ربما، متسعاً من الوقت للتفكير في الاحتمالات السيئة للمصير الذي قد يذهب بلدهم إليه.

Wednesday, September 26, 2007

تفعيل اعتصام المعارضة رهن الجلسات

تفعيل اعتصام المعارضة رهن الجلسات وتعاطف شعبي مع إجراءات الجيش


منال أبو عبس
Al-Hayat (660 كلمة)
تاريخ النشر 26 سبتمبر 2007
عرض جميع البيانات


يتأبط العسكري سلاحه ويقف إلى جانب دبابة تسد المنفذ المؤدي إلى وسط بيروت. على بعد خطوات منه تقف مجموعة من العسكريين الى جانب دبابة أخرى، تسد منفذاً آخر، ثم دبابة أخرى ومنفذاً آخر...

منذ الخامسة فجر أمس، كانت الخطة الأمنية لحماية النواب المشاركين في جلسة المجلس النيابي اكتملت. ومعها تحول وسط بيروت ومحيطه إلى منطقة عسكرية، تشبه مربعاً أمنياً من حلقات عدة. يحرس جنود من الجيش اللبناني الحلقة المحيطة باعتصام المعارضة لجهة جسر فؤاد شهاب. وتتمثل مهمتهم بمنع السيارات من سلوك الطرق المحاذية لساحة الاعتصام، ومن الوقوف في محيطها حتى المساء، كما يتولون تفتيش الداخلين مشياً إلى الوسط. ولا تثير إجراءاتهم أي اعتراضات أو تأفف من شاكلة تلك التي كانت تواجه عناصر الانضباط الحزبية على مداخل مخيم الاعتصام.

»الانضباطيون« من »حزب الله« وحركة »أمل« بدورهم، كانوا أمس، أقل حركة من المعتاد. وربما أسهمت إجراءات العسكريين الصارمة على بعد خطوات منهم، في رفع هاجس المراقبة والتفتيش عن كاهلهم، فتفرغوا لقراءة الصحف أو للتسامر والاستمتاع بطقس أيلول (سبتمبر).

في داخل المخيم لا شيء يوحي بتبدل يذكر. عدد المعتصمين ما زال رمزياً. و »الانضباطيون« تقلص عددهم عن اليوم السابق. هؤلاء كالعادة، ممنوعون من الكلام إلى الصحافة. إلا أن حديثاً على الهامش، يتركنا مع استنتاج بأن القرار برفع الاعتصام أو تفعيله يتحدد تبعاً لجلسات المجلس النيابي وانتخاب الرئيس، وأن »لا قرار في شأن الاعتصام من المنظمين حتى الساعة، غير أن الحرية مكفولة لمن يريد المجيء الى الساحة«.

على مقربة من مدخل المخيم، يجلس ستة شبان خارج خيمة لـ »الحزب السوري القومي الاجتماعي«. يدخن الشبان السجائر ويلعبون الورق، ولا يبدو أن أحداً منهم تجاوز سن العشرين. »ماشيين على مبادئ الحزب«، يقول أحدهم. الشبان منتسبون إلى الحزب، وجميعهم تركوا المدارس والعمل وتفرغوا للاعتصام. لا يولي الشبان أهمية تذكر إلى الجلسة الدائرة على بعد أمتار منهم. وبحسب قولهم، فإن قرارهم مرهون بقرار حزبهم: »ننتظر إشارة لنري الجميع كيف ستصير السرايا وغير السرايا«.

لا يبدو الشبان منزعجين من إجراءات الجيش على مدخل المخيم. وبحسب أحدهم: »الجيش محترمون، لكن الدرك (قوى الأمن) لا. الدرك يشتموننا خلال مرورهم ويصوروننا«.

إلى جانب خيمة »القومي«، ترفرف أعلام »التيار الوطني الحر« البرتقالية. يتابع عدد من الرجال عبر شاشة تلفزيون بالأبيض والأسود، تطورات جلسة المجلس. هؤلاء أيضاً لا يولون أهمية تذكر للجلسة، ويقولون إن بقائهم في الساحة مرهون بقرار من قوى المعارضة.

بين الجالسين رجل مضى على وجوده في المخيم ستة أشهر. يقول إنه منتسب إلى »التيار« وإن رأيه لا يمثل إلا نفسه. لدى الرجل كلام كثير عن الأكثرية ورموز فيها، يؤكد أنهم »شاركوا في الحرب الأهلية وفي مجازر القتل الجماعي«. ولا يبدو عليه أنه مهتم بمتابعة الجلسة المنقولة مباشرة على التلفزيون أمامه. بالنسبة إليه »العماد (ميشال) عون قال من فرنسا انه لا يريد أن يكون رئيساً، على شرط أن يأتوا برئيس يحارب الفساد والمفسدين«، ليضيف أن الأكثرية »عاجزون عن الإتيان برئيس كهذا«.

في جعبة الرجل وصديق الى جانبه يناديه »أبونا« كلام عن »خضوع فريق الأكثرية للوصاية الأميركية«، وعن »مخططات الاغتيال التي ينفذها الأميركيون بحق نواب الأكثرية« وعن »الحماية التي يمكن أن تؤمنها لنا الجارة سورية إذا هجمت علينا إسرائيل« وعن أشياء كثيرة أخرى، لا تدخل بينها مواقف من جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلا من باب انتظار ما تقرره قيادة المعارضة.

Saturday, September 8, 2007

البحث عن النصاب في دستور « غامض »

المشاركة النيابية جوهر المشكلة والتعديل الدستوري « لأسباب شخصية » علة دائمة . الانتخابات الرئاسية اللبنانية ... البحث عن النصاب في دستور « غامض »


منال أبو عبس
Al-Hayat (2,594 كلمة)
تاريخ النشر 08 سبتمبر 2007
عرض جميع البيانات


في 25 أيلول (سبتمبر) الجاري يدخل لبنان رسمياً مرحلة الاستحقاق الرئاسي لانتخاب رئيس يخلف الرئيس الحالي إميل لحود.

وعلى رغم إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في وقت سابق، أن جلسة انتخاب الرئيس ستعقد في اليوم الأول من المهلة الدستورية، فإن تأكيده أن لا جلسة من دون حضور ثلثي عدد النواب، يفاقم الجدل بين فريقي الأكثرية والمعارضة حول النصاب القانوني لعقد الجلسة. ففي حين يرى فريق الأكثرية إمكان إجراء انتخابات بحضور نصف عدد النواب زائداً واحداً وأن المادة 49 من الدستور لا تحدد النصاب بثلثي النواب (إذ تنص على أن يحصل المرشح في الدورة الأولى على أصوات ثلثي نواب المجلس وعلى النصف زائداً واحداً في الدورة الثانية ليصبح رئيساً منتخباً)، يرى فريق المعارضة استحالة حصول هذا الأمر، متذرعاً بجلستي الانتخاب عامي 1982 و1976 عندما تأجل عقدها ساعات في كل مرة لتأمين نصاب الثلثين، وانتخابات العام 1988 التي لم تعقد لعدم تأمين النصاب.

من انتخاب الرئيس سليمان فرنجية قبل الحرب الأهلية (1970) حتى الرئيس لحود، أزمات كثيرة شهدتها ولادات الرؤساء اللبنانيين التي جاءت كلها متعثرة، إما بسبب التدخلات الخارجية أو بسبب الاقتتال الداخلي والاحتلال الإسرائيلي أو كل هذه العوامل مجتمعة.

منذ عام 1970 حتى 2007، مراحل كثيرة مرت بها الانتخابات الرئاسية: حوادث مفتعلة لمنع النواب من الحضور وتطيير النصاب، خطط سرية للاتفاق على مكان انتخاب آمن بعيداً من مرمى نيران أحد المتضررين من انتخاب رئيس جديد، وتعديلات تمارس على الدستور اللبناني لمصلحة أشخاص صاروا رؤساء.

صور من جلسات الحرب

شهدت جلسة انتخاب الرئيس في 17 آب (أغسطس) 1970 ولادة ما يسمى بأزمة الثلثين. في تلك الجلسة، حضر جميع النواب الذين كان يتشكل منهم المجلس، وكان عددهم 99 نائباً. حاز إلياس سركيس 45 صوتاً، في مقابل 38 لفرنجية. غير أن واحداً من المرشحين لم يحصد الثلثين. انتقل المرشحان الى دورة ثانية ألغيت بدورها، بسبب وجود ورقة إضافية على عدد النواب الـ 99. في الدورة الثالثة فاز فرنجية بـ 50 صوتاً، أي بفارق صوت واحد وبنسبة النصف زائد واحد.

بعد عامين من بدء ولاية فرنجية انتُخب المجلس النيابي الأخير قبل اندلاع الحرب الأهلية. المجلس تألف من 99 نائباً، وكان يجدد له تلقائياً كل أربع سنوات بسبب تعذر إجراء انتخابات نيابية جديدة في ظروف الحرب. تفاقمت الأوضاع الأمنية وتناقص عدد النواب لأسباب عدة، وصار عدد النواب الكافي لتأمين نصاب الثلثين يتأرجح بين جلسة وأخرى.

في 22 أيلول 1976، وبعد شهور على انطلاقة الحرب، حل موعد انتهاء ولاية فرنجية. وسبقت ذلك وساطات أقنعته بتعديل المادة 73 من الدستور، بهدف إجراء انتخابات مبكرة عن المهلة الأصلية في الدستور. وفي 10 نيسان (ابريل) صوّت المجلس على التعديل، ليجتمع مجلس النواب في 8 أيار (مايو) 1976، في ظل تدهور أمني عنيف وظروف أمنية صعبة في مقره الموقت في قصر منصور قرب المتحف لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وأصر رئيس المجلس آنذاك كامل الأسعد على حضور ثلثي عدد النواب، أي 66 نائباً للشروع في الاقتراع.

انتظر رئيس المجلس 3 ساعات حتى تمكن 67 نائباً من الوصول تحت القصف وأعمال القنص. ونال إلياس سركيس، المرشح الوحيد، 63 صوتاً ووجدت خمس أوراق بيض. هنا أيضاً لم يحصل أي من المرشحين على أصوات الثلثين من الدورة الأولى، فجرت عملية اقتراع ثانية. ونال سركيس 66 صوتاً، أعلن بعدها الأسعد فوزه بالرئاسة. في أيلول 1982 أنهى سركيس ولايته وسط اجتياح إسرائيلي لنصف الأراضي اللبنانية.

في 19 آب 1982 دعا الأسعد الى جلسة انتخاب في قصر منصور. في تلك الفترة، كان توفي قتلاً أو لأسباب طبيعية خمسة نواب وصار المجلس مؤلفاً من 94 نائباً. في هذه الجلسة عادت أزمة نصاب الثلثين مرة جديدة، واحتسب المجلس استناداً الى فتوى جورج فيديل نصاب المجلس بعدد النوات الأحياء. وتقرر بالنتيجة نصاب ثلثي النواب الأحياء بـ 62 نائباً.

في تلك الجلسة، لم تفلح الضغوط التي مورست على النواب في تأمين حضور 62 نائباً، فأعلن الأسعد موعداً جديداً هو 23 آب، ونقل مكان الانعقاد الى المدرسة الحربية في ثكنة الفياضية لأسباب أمنية. وكانت المنطقة ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي.

في 23 آب 1982، موعد الجلسة الجديدة، كان يؤتى بالنواب من منازلهم لتأمين نصاب الثلثين. وبعد تأخر عقد الجلسة ساعتين ونصف الساعة حضر 62 نائباً، من أصل 94. بعد اكتمال النصاب، انتخب بشير الجميل رئيساً بـ 57 صوتاً، ووجدت في الصندوق خمس أوراق بيض. في 14 أيلول وقبل تسلمه مهماته بتسعة أيام، أودت عبوة ناسفة بحياة بشير في الأشرفية.

بعد أسبوع واحد على اغتيال بشير الجميل في 21 أيلول 1982 اجتمع المجلس النيابي وانتخب شقيقه أمين الجميل رئيساً بأكثرية 77 صوتاً في مقابل 3 أوراق بيض، في ما بدا شبه إجماع. وفي 22 أيلول 1988، انتهت ولايته بعد إحداث أول فراغ دستوري يمر به لبنان، إذ بقي سليم الحص يمارس مهماته رئيساً للحكومة، فيما بقي قائد الجيش ميشال عون في قصر بعبدا رئيساً لحكومة عسكرية من وزيرين ضابطين في الجيش.

في ظل أزمة الفراغ التي كانت تلوح في الأفق، حدد رئيس المجلس آنذاك، حسين الحسيني موعد جلسة انتخاب الرئيس في 18 آب 1988، وترشح سليمان فرنجية الى المنصب. في موعد الجلسة، مورست تهديدات على النواب لمنعهم من تأمين نصاب الثلثين الذي صار 53 نائباً. في ذلك اليوم وصل الى المجلس النيابي 38 نائباً فقط. ولم يتأمن النصاب، فرفعت الجلسة الى موعد آخر.

عاد الحسيني وحدد 22 أيلول، قبل يوم واحد من انتهاء ولاية الجميل، موعداً لانتخاب رئيس جديد، في مقر المجلس القديم في ساحة النجمة، إلا أن النواب المسيحيين رفضوا الحضور وأصروا على قصر منصور. وتعطلت جلسة 22 أيلول، بسبب عدم تأمين نصاب الثلثين.

ما بعد الفراغ الدستوري والطائف

بعد نحو سنة من الفراغ الدستوري، أبصر اتفاق الطائف النور. شعر عون بالارتباك ودعا حكومته الى الاجتماع وعقد لقاءات مع حلفائه. آنذاك، بدأ المجلس النيابي التحضير لانتخاب الرئيس، وقد صار نصاب الثلثين 48 نائباً (من أصل 72 نائباً يتشكل منهم المجلس)، وهو الأدنى منذ بدء الحرب. وظلت عقدة المكان قائمة خوفاً من التعطيل، إذ ان عون كان رفع سقف تهديداته للنواب.

اتخذ رئيس المجلس تحضيرات سرية، وتبلغ النواب بأن يجتمعوا في منزل رئيس المجلس حسين الحسيني، ليتوجهوا الى مطار القليعات في الشمال من طريق البقاع، على أن يصل النواب الى القليعات عبر دمشق. وهكذا حصل. في تلك الجلسة حضر 58 نائباً، أي أكثر من الثلثين. وفي الدورة الأولى، نال رينيه معوض 35 صوتاً، في مقابل 16 صوتاً لجورج سعادة و5 أصوات للياس الهراوي وورقتين بيضاوين، ولم يحرز أي منهم ثلثي الأصوات. في الدورة الثانية انتخب معوض بأكثرية 52 صوتاً، وست أوراق بيض، بعدما انسحب له سعادة والهراوي، وكان انسحب قبلاً مخايل الضاهر وسليمان فرنجية.

بعد 17 يوماً على انتخابه وفي يوم عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) اغتيل معوض، وبدا للوهلة الأولى أن البلاد تسير في اتجاه فراغ آخر.

بعد ساعات من اغتيال معوض، وجّه الحسيني دعوة لانتخاب رئيس جديد. عقدت الجلسة في فندق »بارك أوتيل« في شتورا، وحضر النواب. عند الثامنة من مساء 24 تشرين الثاني 1989 انتخب الياس الهراوي رئيساً بـ47 صوتاً من أصل 52 نائباً شاركوا في الجلسة. ولم يترشح أحد ضده.

تعديل للهراوي وتعديلان للحود

عام 1995 عدلت المادة 49 من الدستور اللبناني التي تحدد ولاية الرئيس بست سنوات. ومددت ولاية الهراوي 3 سنوات أخرى، حتى 24 تشرين الثاني 1998.

وعلى رغم أن التعديل للهراوي نص على أنه »لمرة واحدة وبصورة استثنائية«، فإن تعديلاً جديداً ما لبث أن أطل عام 1998 و »لمرة واحدة استثنائية«، مجيزاً انتخاب رئيس الجمهورية من موظفي الفئة الأولى، فانتخب قائد الجيش إميل لحود رئيساً في 15 تشرين الأول (اكتوبر) 1998 بإجماع النواب الـ 118 الحاضرين، وبغياب 10 نواب.

بعد ستة أعوام، أي عام 2004 عدل الدستور مرة جديدة و »لمرة واحدة استثنائية«، ومدد للحود ثلاث سنوات إضافية في ظل معارضة شديدة.

في 14 شباط (فبراير) 2005، اغتيل رئيس الحكومة رفيق الحريري، وفتحت على لحود أبواب معارضة شديدة. وشهد عهده الممدد له خروج القوات السورية بعد 30 عاماً من دخولها الى لبنان، كما شهد حرباً إسرائيلية جديدة على لبنان في تموز (يوليو) 2006، وانقساماً داخلياً حاداً لم تشهده البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية فيها.

في 24 تشرين الثاني تنتهي ولاية لحود، وقبلها بعشرة أيام تنتهي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد. وحتى ذلك الحين، تبقى المراهنة على العرف السائد في لبنان، بأن تسوية انتخاب رئيس جديد تتم عادة في ربع الساعة الأخير.

المادة 49 أو مادة »لمرة واحدة واستثنائياً«

< تعتبر المادة 49 من الدستور اللبناني الأكثر إثارة للجدل في ما يخص الانتخابات الرئاسية في لبنان. وهي خضعت الى أكثر من تعديل »لمرة واحدة واستثنائياً« خلال السنوات التي سبقت والتي تلت اتفاق الطائف، لناحية التمديد لولاية الرئيس، فضلاً عن التعديل الخاص بمنع ترشح موظفي الفئة الأولى الذي قاد إميل لحود الى سدة الرئاسة.

وتنص المادة 49 القديمة (دستور 1926) على أن »ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجموع أصوات الشيوخ والنواب ملتئمين في مجمع نيابي، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ثلاث سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه مرة ثانية إلا بعد ثلاث سنوات من انقضاء مدة ولايته. ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً الشروط التي تؤهله للنيابة«.

وعدلت المادة بموجب القانون 17/10/1927 على النحو الآتي: »ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجموع أصوات مجلس النواب، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ثلاث سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه مرة ثانية إلا بعد ثلاث سنوات من انقضاء مدة ولايته. ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهله للنيابة«.

ثم عدلت بموجب القانون 8/5/1929 حيث باتت تنص على: »ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجموع أصوات الشيوخ والنواب ملتئمين في مجمع نيابي، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات من انقضاء مدة ولايته. ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً الشروط التي تؤهله للنيابة«.

فقرة موقتة: »لا يستفيد رئيس الجمهورية الحالي من أحكام هذه المادة التي جعلت مدة الرئاسة ست سنوات بدلاً من 3 سنوات. بناء عليه فإن مدة رئاسته تنتهي في 26 أيار سنة 1932«.

وعدلت المادة 49 أيضاً بموجب القانون الدستوري الصادر في 22/5/1948 الرامي الى إعادة انتخاب رئيس الجمهورية (الشيخ بشارة الخوري) مرة ثانية حيث نصت على: »خلافاً لأحكام المادة 49 من الدستور وبصورة استثنائية تجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية الحالي مرة ثانية ولا تجوز إعادة انتخابه مرة ثالثة إلا بعد ست سنوات من انتهاء مدة ولايته الثانية«.

ورست المادة المذكورة في صيغتها النهائية على النص الآتي: »رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يترأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء.

ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد 6 سنوات من انتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح. كما أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد.

- المادة 49 (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 19/10/1995): أضيفت الى المادة 49 من الدستور الفقرة الآتية: لمرة واحدة وبصورة استثنائية تستمر ولاية رئيس الجمهورية الحالي (إلياس الهراوي) ثلاث سنوات تنتهي في الثالث والعشرين من تشرين الثاني 1998.

إشارة الى أن التعديل جاء بناء على اقتراح قانون دستوري سنداً الى المادة 76 من الدستور التي تنص على الآتي: تمكن إعادة النظر في الدستور بناء على اقتراح رئيس الجمهورية، فتقدم الحكومة مشروع القانون الى مجلس النواب. ووقع الهراوي اقتراح القانون بعد مناشدة مزدوجة من رئيسي المجلس النيابي (نبيه بري) والحكومة (رفيق الحريري) له لتوقيعه وإحالته على المجلس النيابي.

- المادة 49 (المعدلة بالقانون الدستوري في 31/10/1998): أضيفت الى المادة 49 من الدستور الفقرة الآتي نصها: لمرة واحدة، وبصورة استثنائية، يجوز انتخاب رئيس الجمهورية من القضاة أو موظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام. وهذا التعديل أتاح انتخاب الرئيس الحالي إميل لحود، وقد اقترحه الهراوي وأقره مجلس الوزراء ووقعه الهراوي والحريري وأحالاه على المجلس النيابي الذي أقره بدوره.

Saturday, August 25, 2007

اعتصام المعارضة ... على « جبهة » الصمت

الإنجازات كثيرة والحديث عنها يحتاج إلى « قرار مركزي » ... ووعد بمفاجآت . اعتصام المعارضة ... على « جبهة » الصمت


منال أبو عبس
Al-Hayat (789 كلمة)
تاريخ النشر 25 أغسطس 2007
عرض جميع البيانات


على بعد خطوات من ساحة اعتصام المعارضة يجلس حارس مرأب للسيارات. أمامه، على الرصيف، وعاء بلاستيك أبيض فيه أعلام ثلاثة. ألوان الأعلام البرتقالي والأصفر والأخضر صارت باهتة، فلا يبدو أن ثمة مشترين لها في هذه الأيام. أمام البائع أيضاً قلادات وولاعات ورباطات تحمل صور زعماء المعارضة. هي أيضاً مكدسة.

من زاوية الحارس يمكن مشاهدة ساحة الاعتصام، وقد بدت شبه خالية. مشهد زحمة السير الخانقة في الطرق المتفرعة من الساحة المقفلة الخاوية يجعل الأخيرة تبدو كأنها خارج الزمان والمكان. من الزاوية أيضاً، يمكن رواية مشاهد استجدّت على محيط الاعتصام: العمال السوريون وقد عادوا إلى الجلوس تحت جسر فؤاد شهاب وعلى أكتافهم معدات »الشيالة«. الصورة لم تكن مألوفة في المرحلة التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتنامي الممارسات العنصرية في حق كثر منهم. اليوم يجلس العمال وخلف ظهورهم صور النائب ميشال عون وخيم »التيار الوطني الحر« في اعتصام المعارضة المفتوح في وسط بيروت.

صور الرئيس اللبناني اميل لحود بدورها عادت إلى محيط الساحة. الصور التي زرعت قبل التمديد واقتعلت بعد اغتيال الحريري عادت أيضاً. ومعها شعارات مثل »وطنية الوطن وحفظ المواطن«، ولا تبعد من لافتات أخرى تهنئ لحود »المقاوم الأول... بعيد الجيش«. الصورة من رصيف مرأب السيارات تبدو أكثر حيوية منها داخل المخيم. على المدخل المؤدي إلى ساحة الشهداء، يجلس شبان ثلاثة من انضباط »حزب الله«. مهمة الشبان تقضي بمنع السيارات غير المأذون لها من الدخول. ولا يتدخلون في شؤون المارة. على بعد خطوات منهم، يرفرف علم »الحزب السوري القومي الاجتماعي« وآخر لـ »تيار المردة« (يترأسه الوزير السابق سليمان فرنجية). ومن بعيد يصل صوت رجال عدة يحللون سبب عدم ترشيح المعارضة للنائب السابق نجاح واكيم للانتخابات الفرعية في بيروت.

داخل المخيم يصعب الحصول على من يملك الإذن بالحديث عن سبب بقائه. الخيم الكثيرة المزروعة داخل مرائب السيارات لم تعد تغص بالمعتصمين. والمنصة التي كانت مخصصة للاحتفالات المسائية، توقف عدادها الرقمي عند الرقم200، مع أننا في اليوم 277 من تاريخ الاعتصام. المنظمون أنفسهم توقفوا عن تنظيم نشاطات مسائية تستقطب المناصرين. لكن ذلك ليس كافياً لإقناع أحد بفشل الاعتصام، فـ »ثمة مخطط لاعادة تنشيط المخيم في الأيام المقبلة«، على حد قول أحد مسؤولي الانضباط. غير أن الدخول في التفاصيل يحتاج إلى قرار مركزي يسمح له بالتحدث إلى الإعلام، على ما يقول. يبتعد مع ابتسامة وكلمتين: »لننتظر المفاجآت«.

صورة الخواء المحيطة به، تضع مسؤول انضباط آخر في موقف المدافع عن قضية لا يجدها خاسرة: »الناس لم تعد تأتي لأسباب ثلاثة: الأول اقتصادي، والثاني بسبب الطقس الحار، والثالث بسبب اصطياف عدد كبير من المناصرين خارج بيروت«. لكن في المخيم شباناً آخرين، يحملون هواتف لاسلكية، ويمضون أوقات تشبه دوامات العمل. هؤلاء يضعون على صدورهم كلمة: انضباط، وبحسب المسؤول »ملتزمون مع أحزابهم التي يؤمن كل واحد منها تكاليف إقامة شبانه ومصاريفهم«. ومرة جديدة يجد الباحث عن إجابات أخرى نفسه أمام الحاجة الى »قرار مركزي« للكلام.

على مدخل آخر للمخيم، يجلس شاب عشريني. إلى جانبه يلف شريط أصفر مساحة من المكان تحولت إلى مرأب للدراجات النارية. مهمة الشاب الذي يبدو متحمساً، سؤال سائق الدراجة عن وجهته. سائق في معظم الأحيان عامل توصيل الوجبات إلى الموظفين في ما تبقى من مؤسسات في وسط بيروت. يرفض الشاب الحديث عن تفاصيل يومياته »إلا بعد الحصول على إذن من المسؤول عن الانضباط في المخيم«. ويقول إن مسؤولاً في حركة »أمل« في منطقته أخبره قبل شهر بأن دوره حان ليتولى الحراسة في المخيم، وهكذا كان.

بعد أسبوع واحد من الآن، يدخل اعتصام المعارضة شهره التاسع، من دون أن تظهر في الأفق أي بارقة أمل بولادة محتملة. فالاعتصام الذي انطلق بأهداف أولها إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لم يحقق أي هدف عملي حتى الساعة. وإن كان أحد مسؤولي الانضباط فيه يؤكد أن »ثمة أهدافاً كثيرة حققها الاعتصام«. ولا يكشف عن أي منها، لأن ذلك بحسب قوله، »يدخل في نطاق الإنجازات السياسية«. وهو ليس مخولاً له الإدلاء بأي تصريح سياسي.

في أحد مواقف السيارات المزروعة فيها خيم المعارضة يجلس مسؤول الانضباط، محاطاً بعدد من رفاقه يتقاسمون وجبة غداء تصلهم مع وجبتين إضافيتين كل يوم. الحديث عن تفاصيل الحياة في المخيم ممنوع على المسؤولين هنا، غير أن الجولة في المخيم تقود إلى استنتاج وحيد: اعتصام المعارضة في شبه غيبوبة.

Monday, August 6, 2007

بكفيا وفية للجميل

بكفيا وفية للجميل وجوارها يتوزعه مع حلفاء عون


منال أبو عبس
Al-Hayat (966 كلمة)
تاريخ النشر 06 أغسطس 2007
عرض جميع البيانات


لم تشهد المعركة الانتخابية في المتن أي أحداث أمنية تذكر، وإن كان سجل فيها نسبة ملحوظة من الإشارات ذات الطبيعة الطائفية والمذهبية، بل العنصرية. واستحضر مناصرو كل من »الكتائب اللبنانية« و »التيار الوطني الحر«، في غياب مناصرين أو مندوبين للمرشح الثالث جوزف الأسمر، كل ما يمكن أن يسيء حتى إلى تاريخ وجذور كل من الحزبين والزعيمين من دون أن يوفروا الحلفاء. واتهم كل من الفريقين الآخر بالتبعية للخارج والمجيء بالمجنسين من سورية لترجيح الكفة لمصلحته.

يعمل مارون مندوباً لمرشح »التيار« كميل خوري في »مدرسة بكفيا الرس«، قلم الاقتراع مية »الكتائب الوحيد في بكفيا موطن مرشح » الرئيس السابق أمين الجميل. يجلس مارون ورفاقه الأربعة تحت صورة للنائب ميشال عون على بعد خطوات من مندوبي الكتائب. ويستعرض متذمراً استفزازات مناصري الجميل له ولرفاقه المتشحين بالبرتقالي رمز تيارهم. »كأن المعركة بين السنة والشيعة والمسيحيين«، يقول في إشارة إلى تحالف تياره مع »حزب الله«. ويضيف: »ينادونني بأسماء شيعية. ينادونني علي«، مهللاً لـ »رقي« مناصري فريقه على »أرض المعركة«.

رفيقة مارون بدورها تتحدث عن استفزازات الكتائبيين وتشير بإصبعها إلى عبارة »أدن كلن« التي تزيّن صورة عون، قائلة إنه »وحده من يزعجهم«. وتقول الرفيقة إن »حضور الكتائبيين طاغ في بكفيا. يستغلون مرورنا ليطلقوا الشتائم. أحدهم قال إن كل المماسح في بيته لونها برتقالي«. لكن التصرفات الأخيرة هي آخر ما يزعج المندوبين، فبحسب قولهم، »كثر صوتوا لنا في هذا المركز، لكنهم لا يظهرون انتماءاتهم إلى العلن ولا يأتون إلى المركز بلباسهم البرتقالي خوفاً من مضايقات قد يتعرضون لها«. الأقوال هذه لا تجد دليلاً على صحتها، باعتبار أن أحداً من المقترعين لم يؤكدها. في بكفيا، ينتشر مندوبو الكتائب بكثافة في محيط المركز، موزعين صور الشهيد بيار والورود البيض تعبيراً عن وفائهم له. الساحة هنا ساحتهم، والمسيرات السيارة التي لم تتوقف منذ ساعات الصباح رافعة أعلام »القوات اللبنانية« و »الكتائب«، فضلاً عن لافتات الدعم للجميل، تثبت أن المنطقة تدين بغالبيتها لآل الجميل.

الطريق بين مركز الاقتراع ومنزل الجميل في بكفيا يغص بالمشاة والسيارات. في ساحة المنزل كما في حديقته الخلفية، يتحلق المناصرون حول شاشة التلفزيون. يتلقفون أي تصريح من أي طرف منافس ليشنوا حرب تعليقات تتدرج نحو الشتائم.

في الطابق الأول من المنزل يجلس الجميل متابعاً تصريح النائب ميشال المر الذي يقول انه لم يترك الخيار لمناصريه بانتخاب من يشاؤون. حول الجميل يتحلق عدد من المناصرين المقربين, بينهم باتريسيا زوجة بيار، ووالدته جويس، وابنه سامي، ونديم بشير الجميل. ينتهي تصريح المر، فينصرف الجميل بعد عناق طويل مع رئيس الكتائب كريم بقرادوني إلى مكان آخر. يبدو نهار الجميل منهكاً، وهو بدأ بصلاة أداها وزوجته أمام ضريح نجله، قبل أن يدلي بصوته في ثانوية بكفيا الرسمية حيث أكد أن »الاستحقاق مفصلي«، وأن »هناك أحزاباً عقائدية تلتزم الموقف السوري والتطلعات والأهداف السورية وطموحاتها في لبنان، وهي المعنية بالمعركة لا سيما »حزب الله« و »الحزب القومي السوري«، ونعرف أن من صفوف القوميين من هم غير مرتاحين لمجرى المعركة وخصوصاً في المرحلة الأخيرة، فالقيادة لأسعد حردان وكذلك في »البعث« لعاصم قانصوه وهم ضدنا اليوم، كما ان هناك اطرافاً أخرى وأحزاباً تعلن ولاءها الكامل لسورية ولتحالفاتها معها وكلها تخوض المعركة ضدنا«.

وسأل: »هل أن وقوف كل هذه الأحزاب إلى جانب التيار العوني مجاني أو أن هناك أهدافا أخرى وحلفاء آخرين يحاولون استعادة الدور السوري على أرض لبنان«.

باتريسيا بدورها زارت النصب التذكاري الذي أقيم لزوجها في الجديدة، وخاطبت أهل المتن بالقول إن »كل ورقة تضعونها في صندوق الانتخاب مكتوب عليها أمين الجميل، هي وردة بيضاء نرسلها إلى بيار حيث هو في السماء«.

وجويس من جهتها توجهت إلى أهل المتن بالقول: »هم يستخفون بعقولكم وبقلوبكم، انهم يهينونكم عندما يطلبون منكم أن تصوتوا لشخص لا تعرفونه، وتفضلونه على شهيد أعطى حياته لهذا البلد، فهذا غير مقبول. أهل المتن ليسوا مجنسين وليسوا غرباء ولا يمكنكم إدارتهم كما تشاؤون«، معتبرة أن في خطاب الفريق الآخر »احتقاراً لأهالي المتن«. بعد ذلك انطلقت في جولة انتخابية على عدد من المناطق.

في الطريق إلى بكفيا ترتفع لافتة: »قاتل بيار الجميل هو المسيح الدجال«. وتختلط صور »أمين« تدريجاً مع صور العماد عون، الذي يبدو وكأنه المرشح الفعلي في المعركة. إذ تكاد تندر صور المرشح الخوري على الطريق المؤدية إلى ضهور الشوير.

هذه المنطقة الأخيرة هي موطن مؤسس »الحزب السوري القومي الاجتماعي« انطون سعادة، والأكثرية فيها موالية للحزب، وبالتالي موالية لمرشح التيار. ينتشر مراهقون بقبعات تحمل شعار الحزب القومي في محيط ثانوية ضهور الشوير الرسمية. ويسجل حضور كثيف لمندوبي التيار الذين يبدون أكثر ارتياحاً من رفاقهم في بكفيا. الناخبون هنا يبدون أكثر تعاطفاً مع عون منهم مع مرشحه. تقول السيدة إنها ستصوت الى »ذاك... ما اسمه«، فترد ابنتها بانه كميل الخوري. الابنة تقول إن والدتها لا تعرف شيئاً عن مرشح التيار، لكن »المهم انه مرشح عون. هو يمثل خط التيار ونحن مقتنعون بوطنية الجنرال، ونعتبر أن الجميل تابع لفريق نشك بوطنيته«.

في برمانا تبدو الصورة شبيهة بضهور الشوير مع غياب القوميين طبعاً. ويختلط مؤيدو التيار بمؤيدي الكتائب. كما تتكثف اللافتات المؤيدة للجيش ويحمل كل منها توقيع مناصري طرف من الاثنين.

Sunday, July 8, 2007

مجموعة الأزمات تتوقع الأسوأ للبنان

مسؤول ينفي تلقيها أموالاً من سورية . مجموعة الأزمات تتوقع الأسوأ للبنان بفعل المحكمة الدولية « الرادعة »

منال أبو عبس
Al-Hayat (842 كلمة)
تاريخ النشر 08 يوليو 2007
عرض جميع البيانات


« العاصفة واصلة »، بهذه العبارة يستهل المسؤول في « مجموعة الأزمات الدولية » حديثه الى عدد من الصحافيين اللبنانيين. »العاصفة«، بلغته تعني أن الوضع الأمني في لبنان لم يصل إلى الأسوأ بعد، وأن احتمالات التصعيد والتدهور كبيرة ومتوقعة.

من مكتب الاجتماعات في مبنى المنظمة، تمكن مشاهدة مدينة بروكسيل مثل كف اليد. تبدو آمنة وحية، ولا تشبه أبداً بيروت التي يتحدث المسؤول عن مستقبلها بتشاؤم مفرط. يقول إنه »شخصياً« يعارض تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري »على المدى الطويل«، لأن »في حال كان السوريون هم من قتل الحريري، سينهون لبنان. سيستعملون كل إمكاناتهم لتدمير لبنان ومؤسساته. ولن يبقى هناك دولة لتسلم القتلة«!

تبدو العبارة الأخيرة للمسؤول قاطعة وحازمة، ولا مجال لنقاشه فيها. هو يعتبر أن »معركة المحكمة بالنسبة إلى النظام السوري مسألة حياة أو موت«، و »من المستحيل أن يقبل بها«. ولكن، كيف سيتخلى لبنان عن المحكمة التي ناضل قبل تحويلها إلى قرار دولي؟ »يجب أن تكون المحكمة موجودة، فقط للردع ولوقف الاغتيالات. بمعنى أن يكون هناك قرار لمجلس الأمن يتعلق بالمحكمة، يتجدد تلقائياً كل ستة اشهر«، يجيب المسؤول مبشّراً بأن »الوضع في لبنان لن يهدأ قبل صلح عربي- إسرائيلي شامل، ولن يكون هناك سلم في المنطقة إن لم نتحدث مع سورية. سورية لا تبني ولكن يمكنها أن تخرب الأوضاع في العراق والأراضي الفلسطينية«.

كلام المسؤول يشكل إضافات خطيرة إلى التقرير الأخير الذي أصدرته المجموعة عن لبنان في كانون الأول (ديسمبر) 2006. في التقرير رأت المجموعة تحت بند »تسوية مسألة سورية«، أن »استراتيجية واشنطن المتمثلة بالضغط والعزلة والتهديدات الضمنية لسورية أتت بنتائج عكسية. وبرهنت دمشق أنها تستطيع زعزعة استقرار لبنان إذا تم تجاهل ما تعتبره مصالحها الحيوية أو إذا شعرت بأنها محاصرة«. واعتبر التقرير تحت البند عينه، ان »على واشنطن ودمشق مناقشة مخاوف كل منهما من الآخر«. ولحظ التقرير أن »التسوية في لبنان تشمل علاقات ديبلوماسية طبيعية بين دمشق وبيروت، مع تخلي سورية عن التدخل السياسي أو العسكري المباشر في لبنان، والاعتماد على أدوات مشروعة - حلفائها اللبنانيين التاريخيين، واعتماد لبنان على سورية في التجارة ? كي تسعى إلى الحفاظ على نفوذها«.

وفي ما خص اغتيال الحريري، اقترح التقرير »أن يستمر التحقيق لمعرفة المسؤول، مع إدراك أن (بالاستعانة بتعديلات على قواعد المحكمة الدولية من الناحية المذكورة أعلاه) الهدف ليس زعزعة النظام الحالي، إنما ? بافتراض الخروج بالدليل الذي يدين سورية من أجل إعاقة الإقدام على عمل محظور في لبنان«.



وفي ما خص »حزب الله«، لفت التقرير إلى أن »سورية لن تخفف روابطها مع العدد القليل المتبقي من حلفائها الاستراتيجيين، طالما بقيت مرتفعات الجولان محتلة«، مضيفاً أن »في سياق الارتباط المتجدد مع الولايات المتحدة، عليها أن تمارس نفوذها لتضمن بقاء حزب الله هادئاً على الحدود مع إسرائيل«.لا علاقة للتمويل بالمضمون

لا يبدو كلام المسؤول عن خطورة المرحلة المقبلة على لبنان في حال باشرت المحكمة مهماتها، جديداً. هو يشبه كثيراً الاشاعات التي تطلق على ألسنة العامة في لبنان، وبعضهم في خانة تخويف الناس من الآتي، تمهيداً لسحب غطاء التأييد الشعبي للمحكمة.

الفكرة الأخيرة يرفضها المسؤول في المنظمة، ويعتبر إن »هذا الكلام على رغم قسوته هو رؤية المجموعة للحل في لبنان«، مؤكداً أن »هناك معارضة كبيرة لتقريرنا في لبنان، ولكن لا أحد يطرح البديل«.

كما يرفض المسؤول اتهامات موجهة الى المجموعة بتلقي أموال من سورية أو إيران، لإصدار التقرير الأخير الذي يثير خوفاً لدى اللبنانيين من المحكمة، موضحاً أن »المنظمة غير حكومية وتعمل بتبرعات من الدول التي تطلب التقارير وتبيع تقاريرها. كما تتولى التمويل 30 دولة وعدد من المؤسسات وبعض الشركات العالمية الكبيرة«. ويستدرك أن »الدول قد تمول التقارير، ولكن لا دخل لها بما سيرد فيها من معلومات«.

ويقول: »نسوّق توصياتنا لدى الحكومات والجيوش والسياسيين لاقناعهم بضرورة الأخذ بها لحل النزاعات«.

مجموعة الأزمات

ومجموعة الأزمات الدولية لديها 20-25 مكتباً في العالم، وتعمل على كل النزاعات في أنحائه ما عدا الشيشان. وتهدف التقارير التي تصدرها إلى تقديم فكرة عن كيفية تسوية النزاعات أو الأزمات المتفجرة.

Wednesday, July 4, 2007

مصدر في حلف شمال الأطلسي

مصدر في حلف شمال الأطلسي : لا موقف من « حزب الله » ولا « قاعدة » في الجنوب

منال أبو عبس
Al-Hayat (836 كلمة)
تاريخ النشر 04 يوليو 2007
عرض جميع البيانات


أكد مصدر في حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن منظمته غير معنية في شكل رسمي بالأوضاع الأمنية في لبنان، نافياً وجود »معلومات أو تقارير عن نية الحلف بناء قاعدة عسكرية في جنوب لبنان«، وموضحاً أن ليس لدى الحلف أي موقف من »حزب الله«. كما أكد أن »ما يقدمه الحلف إلى إسرائيل ليس اكثر مما يقدمه إلى الدول العربية«.

وكشف المصدر خلال زيارة، هي الأولى، لوفد صحافي لبناني إلى مقر الحلف في بروكسيل، أنه »إذا طلب من ناتو المشاركة بقوات عسكرية في الشرق الأوسط، سيؤخذ الموضوع في الاعتبار، شرط أن يكون وجود قواته موضع ترحيب من مختلف الأطراف«.

وأكد المصدر أن »الحكومة اللبنانية لم تطلب من الحلف المشاركة بقوات عسكرية في جنوب لبنان بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل في تموز (يوليو) العام الماضي«. وقال إن »الإسرائيليين رحبوا بفكرة انتشار قواتنا على الحدود اللبنانية في الجنوب، إلا أن أطراف النزاع الآخرين (في لبنان) لم يرحبوا بالأمر«.

وأشار المصدر إلى أنه »إذا أراد ناتو مستقبلاً لعب دور في لبنان، فعلى ذلك أن يكون تحت رعاية الأمم المتحدة«، معتبراً أن »الوضع المتأزم في لبنان يمكن حله بعد تدخل دول الجوار الأقوياء والذين يؤثرون في القرار في البلد«. كما أعلن أن لا نية للحلف إرسال قوات إلى غزة لحفظ الأمن.

لا عمليات لـ »ناتو« في المياه اللبنانية

وعن عمليات المراقبة التي تقوم بها سفن »ناتو« في البحر المتوسط والتي بدأت بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) لمساعدة أميركا على محاربة الإرهاب، أعلن المصدر أن »ست سفن تابعة للحلف تتولى عمليات المراقبة في البحر المتوسط. واستجوبت 95 ألف سفينة وأوقفت 115«، لكنه أشار رداً على سؤال، إلى أن »تفتيش السفن اللبنانية لا يتم على الشواطئ الإسرائيلية«. كما لفت إلى أن المراقبة تتم خارج المياه الإقليمية اللبنانية التي تخضع للمراقبة من القوات البحرية الألمانية العاملة في »يونيفيل«، مؤكداً أن »لا علاقة للرقابة التي تقوم بها قطع ناتو في مياه البحر المتوسط بعمل القوات الدولية التي تتولى مراقبة السفن في المياه اللبنانية«.

ونفى المصدر أن يكون الحلف يسعى إلى التمدد في المنطقة العربية، معتبراً أن »التحديات الأمنية الجديدة تفرض الحوار مع دول حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط التي تملك إمكانات هائلة«.

وقال: »الحلفاء قرروا التعاون مع دول الشرق الأوسط من خلال مبادرة اسطنبول للتعاون (تتضمن عرض المساعدة والمشورة والحوار حول القضايا الأمنية ما بين دول حلف شمال الأطلسي والدول التي تهمها هذه القضايا في منطقة الشرق الأوسط على نحو أوسع نطاقاً) وتقديم اتفاقات شراكة ثنائية إلى دول مجلس التعاون الخليجي التي ما زالت غير مستعدة لذلك، بسبب خصوصيتها التاريخية والاقتصادية وتحدياتها الأمنية«، كاشفاً أن »تونس والمغرب وإسرائيل اكثر انفتاحاً على الحوار من الآخرين«. وقال: »الناتو هو المكان الوحيد الذي يمكن لكندا وأميركا وإسرائيل والعرب أن يناقشوا من خلاله تحدياتهم الأمنية«، معتبراً أن الموقف السلبي لشعوب الدول العربية من »ناتو« ناجم من »سوء فهم ثقافي وحضاري وديني وعقائدي جعل الناس تربط بين أميركا والحلف«. وقال: »أميركا ليست إلا واحدة من الدول الـ26 الأعضاء في الحلف«.

الوضع في أفغانستان.. صعب جدا!

ولفت المصدر إلى أن »ناتو« هو المنظمة العسكرية- السياسية الوحيدة في العالم، و«ليست لديها قوات خاصة بها، بل هي قوات الدول الأعضاء والتي تحتاج إلى تدريب خاص قبـل المشـاركة في عمليـات ناتـو«. وقالت: »لدينا اليوم أكثر من 50 ألف جندي في أرض العمليات، 40 ألفا منهم في أفغانستان حيث الوضع صعب جدا«، مؤكداً أن »التعاون الإيراني قد يكون مفيداً في أفغانستان«.

رحلة الوصول إلى مبنى المنظمة

وكان أعضاء الوفد اللبناني أمضوا نصف ساعة من زيارتهم على المدخل الأمامي للمقر، حيث أخضعوا وحقائبهم إلى تفتيش آلي دقيق. كما منع عليهم إدخال كاميرات أو آلات تسجيل.

واستدعت الإشارة الصوتية التي انطلقت خلال تـفتـيـش أحد الزملاء إلكتـرونـيـاً، حـضـور المفتشين والكلاب البوليسية. وبعد تفتيـش واستـجـواب دقيـق تبين أن سبب انطلاق الإشارة هو رصاصة فارغة أحضرها الزميل من جنوب لبنان بعد الحرب الأخيرة. وبعد معاينة الرصاصة أعادها المفتشون إلى الشاب ليحتفظ بها لما تبقى من زيارته بروكسيل.

Saturday, June 30, 2007

برلمانية أوروبية تحذر من عزل سورية

زميل لها رأى ان لا حرب اسرائيلية جديدة قبل سنتين أو ثلاث
 برلمانية أوروبية تحذر من عزل سورية : انفتاحنا عليها لا يؤثر في دعمنا المحكمة


منال أبو عبس
Al-Hayat (807 كلمة)
تاريخ النشر 30 يونيو 2007
عرض جميع البيانات


أكَدت عضو التكتل الاشتراكي في البرلمان الأوروبي فيرونيك دي كايزر أن « لا ارتباط لسياسة الانفتاح على سورية بدعم الاتحاد الأوروبي للمحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري والجرائم التي تلت جريمة اغتياله«، مشيرة إلى أن »المحكمة أقرت في لبنان وهي تملك الصلاحية لتمارس عملها«.

وأوضحت دي كايزر أن المفاوضات مع دمشق في شأن انضمامها إلى الشراكة الأوروبية، التي توقفت عام 2005، »لن تتأثر بموقف سورية من المحكمة الدولية«.

وقالت النائبة الأوروبية في لقاء مع صحافيين لبنانيين في مبنى البرلمان الأوروبي في بروكسيل، إن »علاقتنا مع سورية تشبه علاقاتنا مع باقي دول البحر المتوسط، وهناك تبادل اقتصادي بيننا وبينها، مثل التعاون الاقتصادي بيننا وبين لبنان«، وأضافت: »نحن لم ولن نجمد علاقاتنا مع سورية«.

وانتقدت دي كايزر الموقف الأميركي بعزل سورية سياسياً، معتبرة ان ذلك »سيدفعها إلى أحضان حلفاء مثل إيران وهو ما لا نرغب به«، معترفة للسوريين بـ »دور أساس في الوصول إلى تسوية شاملة تنهي النزاع في الشرق الأوسط وتؤدي إلى الاستقرار في المنطقة«.

وأعلنت أن الاتحاد الأوروبي يعمل على إعادة إحياء المفاوضات الإسرائيلية - السورية للوصول إلى حل شامل. ورأت أن »أي تغيير في النظام في سورية يجب ألا يتم وفق النموذج العراقي، بل من خلال المعارضة السورية التي ندعمها«، مؤكدة ان »أي تدخل عسكري خارجي لتغيير النظام سيفرز المزيد من الأصوليات في المنطقة«.

وعن العلاقة مع الأطراف اللبنانيين، أكدت دي كايزر »ان الاتحاد لا يعمل مع طرف ضد آخر«. وقالت: »خلال زيارتي الأخيرة لبنان، طالبت المجلس النيابي بإعادة عقد جلساته، كما قلت اننا نعارض إنشاء المحكمة تحت الفصل السابع لأن على اللبنانيين ان يأخذوا قراراتهم بأنفسهم«.

وانتقدت دي كايزر الحديث عن دعم أوروبي لسورية، وقالت: »نحن متواجدون جداً في لبنان، ومشاركتنا أساسية في القوات الدولية. وقبل أسبوع خسرنا 6 جنود«.

ملتزمون استقرار لبنان

وفي لقاء مماثل، أعلن عضو بعثة المشرق العربي في البرلمان الأوروبي كارلوس نيكاييلو أن »الهجمات الأخيرة على يونيفيل لن تحقق هدف المجرمين بخروج القوات الدولية من لبنان«. وقال: »نحن سنقوم بكل ما في وسعنا لضمان أمن لبنان واستقراره«، مطالباً »الحكومة اللبنانية القيام بكل ما يلزم لكشف الفاعلين«.

وشدد نيكاييلو على ضرورة إبقاء العلاقات والحوار مع سورية، مؤكداً أن على الأخيرة »أن تحترم الخطوط الحمر في لبنان، لأن لديها مصلحة في استقراره«.

وعن الموقف السوري من المحكمة الدولية، قال إن »رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي سيرج براميرتز راض عن التعاون السوري، وفي خصوص المحكمة فإننا سنحض السوريين على التعاون«، مؤكداً ان »مهما كان موقف السوريين من المحكمة فهذا لن يوثر على الحوار السوري - الأوروبي«.

وأكد نيكاييلو دعم الاتحاد الأوروبي لـ »مبادرة السلام الفرنسية للحوار بين الأطراف اللبنانية«.

وعن الموقف السوري من »حزب الله«، قال: »الاتحاد لا يعتبر الحزب منظمة إرهابية، ويعترف به كقوة سياسية ممثلة في الحكومة اللبنانية«، لكنه أضاف أن »حزب الله ميليشيا مسلحة تؤثر على استقرار لبنان«، ودعا إلى »انضمامه إلى القوى الأمنية في لبنان«.

ورداً على سؤال، أعلن أن »الإسرائيليين يريدون إنهاء عملهم وتدمير »حزب الله« لحماية أنفسهم وهذا منطقي«، لكنه اكد أن »لا حرب إسرائيلية قبل عامين أو ثلاثة لأن رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد يسعى إلى إعادة بناء قواته«.

دعم فريق مراقبة الحدود

ولفتت مصادر في الاتحاد الأوروبي إلى »وجود نقاشات حول نية الاتحاد تقديم دعم مالي إلى البعثة الألمانية لمراقبة الحدود اللبنانية - السورية«، مؤكدة أن الدعم لن يتضمن إرسال قوات أوروبية إلى الحدود.

Friday, June 15, 2007

أرملة النائب تختزل كل الحزن

مشهد تشييع الشهداء يتكرر ... أرملة النائب تختزل كل الحزن


منال أبو عبس
Al-Hayat (827 كلمة)
تاريخ النشر 15 يونيو 2007
عرض جميع البيانات


يشير الشاب بإصبعه إلى امرأة خمسينية تتوسط الغرفة. أم خالد التي فقدت قبل يوم واحد زوجاً وابناً لا تقوى على الكلام. تسند رأسها بكف يدها وترد على المعزين بإيماءة من رأس صار مثقلاً بأحزان كبيرة.

هنا الطبقة الأولى من بناية البرجين في فردان حيث منزل النائب الشهيد وليد عيدو. تغص الطبقة بالناس وباللون الأسود. ومن الأدراج المليئة بالمعزين يصل النحيب إلى الشارع. داخل المنزل يصعب العثور على موطئ قدم. ولا أحد يقوى على الكــلام إلا للرد علـــى تعــزية.

»جايين تشوفوا أبو خالد وخالد. جايين تشوفوا مصيبتينا الاثنتين. راح الأب وابنه بأبشع الطرق«، تصرخ سيدة الى جانب أم خالد. تقطع كلماتها الصمت، ويعلو صوت النحيب مرة جديدة تاركاً الأم المفجوعة في عالم من الحزن الخالص. يصل الصوت إلى الغرفة المجاورة حيث تقبل تعازي الرجال. هناك، يتقبل الابن الثاني زاهر التعازي والى جانبه عمه. وفي انتظار نعوش عيدو ونجله خالد ومرافقه سعيد شومان لم ينقطع توافد السياسيين واحداً بعد الآخر للتعزية: النائبان وائل أبو فاعور وفيصل الصايغ والنائب السابق تمام سلام ورئيس »التيار الشيعي الحر« الشيح محمد الحاج حسن...

في الباحة الأمامية للمبنى كان الانتظار سيد الموقف. لا شيء في الصورة يوحي بأن ثمة حشداً سياسياً أو حزبياً للتشييع. فقط مجموعة من الصحافيين على الرصيف المقابل، وعدد من المواطنين. تصل هتافات »أبو بهاء« و »سعد سعد« متقطعة من مسيرة دراجات نارية تجوب شارع تلة الخياط وتلتف إلى فردان. ويرفع المشاركون فيها أعلام »تيار المستقبل«.

ومع اقتراب الساعة من الحادية عشرة، يتكثف حضور رجال الأمن ويبدأون إملاء التعليمات. تعاطي الأمنيين يدل على أن وصول سياسيي الفئة الأولى صار وشيكاً. فيتوزع المصورون في الزوايا بحثاً عن المكان الأمثل.

في زاوية غير رئيسية من الشارع يدلي وزير الإعلام غازي العريضي بتصريح إلى أحد التلفزيونات. لا يبدو العريضي مرئياً إلى الصحافيين الآخرين وبالتالي إلى المتجمهرين أمام المبنى. خلف العريضي مباشرة يتكئ رئيس »اللقاء النيابي الديموقراطي« وليد جنبلاط على حافة مدخل أحد الأبنية. يقف جنبلاط في زاويته أكثر من ربع ساعة كاملة من دون أن يلحظ وجوده إلا عدد محدود جداً من الصحافيين. ومع وصول موكب رئيس كتلة »المستقبل« النيابية سعد الحريري، ينسحب جنبلاط والعريضي إلى بناية البرجين.

ترافق هتافات: »أبو بهاء« و »سعد« وقوف الحريري أمام جمهوره في الشارع الذي اكتظ فجأة. ترتفع القبضات عالياً وتترافق مع صرخات: »الله. حريري. طريق الجديدة« و »الله يحرسك يا شيخنا«.

ومع وصول النعوش الثلاثة في سيارات الإسعاف الملفوفة بأعلام لبنان، ترتفع هتافات: »لا اله إلا الله والشهيد حبيب الله«، و »الله أكبر«. وترافقها شعارات معادية للنظام السوري والرئيس اللبناني اميل لحود والأمين العام لـ »حزب الله« السيد حسن نصر الله.

لا تمضي النعوش وقتاً طويلاً أمام البناية. يتلو الحاضرون الفاتحة عن روح الشهداء. ومن شرفة منزلها تلوح أم خالد إلى فقيديها ومرافقهما بعدما أسندتها بعض النسوة.

يعود السياسيون إلى مواكبهم، لتتقدم مع سيارات الإسعاف مسيرة المشيعين. تسلك المسيرة، ترافقها سيارات قوى الأمن الداخلي ودراجاتهم النارية ودراجات مدنية أخرى ويتقدمها نجلا عيدو مازن وزاهر والنائب السابق سلام والأقارب، شارع تلة الخياط وصولاً إلى كورنيش المزرعة. وينضم حشد من المواطنين إلى موكب التشييع أمام مقر حركة »اليسار الديموقراطي« يتقدمهم النائب الياس عطا الله وأعضاء من الحركة. ومن شرفات بيوتهن، تنثر النسوة الرز والورود على المسيرة.

ومع انضمام الأهالي الموزعين على جوانب الطرق إلى الموكب، تتحول المسيرة إلى مسيرات. وتنضم أعلام »المرابطون« و »الناصريين الأحرار« و »القوات اللبنانية« إلى أعلام »المستقبل« و »الحزب التقدمي الاشتراكي«.

ولدى مرور المسيرة أمام مقر »الحزب التقدمي الاشتراكي« في وطى المصيطبة ينضم عدد جديد من المشاركين. ثم يلاقي حشد من المشايخ الدروز في الكولا القادمين من الكورنيش، وينطلق معهم وزير الاتصالات مروان حماده والنائب أكرم شهيب أيضاً اللذان انتظرا وصول الموكب تحت إحدى الشرفات على التقاطع.

وأمام اللوحات العملاقة للنائب عيدو ونجله التي تحمل عبارة: »رجال العدالة. شهداء العدالة«، ترتفع هتافات: »هزي هزي يا بيروت وليد عيدو ما بيموت«.

Thursday, May 3, 2007

اسبوع « الزيادين »

في حضور جنبلاط وممثل رئيس « القوات » ووزراء ونواب ... وغياب المعارضة
اسبوع « الزيادين » يجمع رؤساء الطوائف الاسلامية وآل شمص يعزون ويتبرأون من المتورطين



منال أبو عبس
Al-Hayat (979 كلمة)
تاريخ النشر 03 مايو 2007


عرض جميع البيانات


لم يطل وعد رئيس « اللقاء النيابي الديموقراطي » اللبناني وليد جنبلاط كثيراً. أمس، حضر النائب السابق يحيى شمص على رأس وفد من عائلات وعشائر بقاعية للتعزية بالشهيدين زياد الغندور وزياد قبلان بعد أسبوع واحد من قول جنبلاط له إنه سيتمكن من تقديم واجب العزاء قريباً لمناسبة مرور اسبوع على استشهادهما، وأمس، أقام ذوو الشهيدين احتفالاً تأبينياً عن روحهما أمام منزل الغندور في وطى المصيطبة، حضره النائب السابق شمص على رأس وفد من عائلات وعشائر بقاعية. وتحولت الذكرى إلى مناسبة لغسل قلوب أهالي الفقيدين وعائلة شمص التي تبرأت من عدد من أبنائها تشير الدلائل إلى تورطهم في الجريمة.

وفي موقف السيارات المجاور للمنزل الملون تحول الحدث الحزين إلى مناسبة سياسية بامتياز. هناك جلس السياسيون والروحيون وأهالي الفقيدين. في الصف الأول جلس مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني إلى جانب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن. في الصف المقابل مطارنة وبطاركة ممثلون عن الطوائف المسيحية ووفود البقاع. في جانب آخر من الصف جلس وليد جنبلاط والوزراء مروان حمادة وغازي العريضي وخالد قباني والنائب انطوان زهرا (ممثلاً رئيس الهيئة التنفيذية في »القوات اللبنانية« سمير جعجع) وعدد من نواب الأكثرية، وغاب ممثلو المعارضة.

رفاق زياد في مدرسته وطى المصيطبة شاركوا أيضاً في الذكرى. حمل الفتيان والفتية صور رفيقهم، وعبارات »اشتقنا لك« مكتوبة بخط اليد ولافتات: »زياد ملاك يغرد في جنة الشهداء«. وخلف الرفاق سارت معلمات بلباس اسود.

واستهل الشيخ حسن الخطابات، موجهاً التحية الى جنبلاط »الذي اسمه في قلوبنا جميعاً، لأنني أعلم علم اليقين أن الوفاق ونبذ الفتنة من شيمه، وأن دولة القانون والعدالة من طموحاته، آملاً أن يؤسس هذا الموقف الوطني إلى مرحلةٍ جديدةٍ من الحوار والوفاق لخلاص وطننا لبنان من المأزق الذي يعيش فيه«.وأضاف: »عندما تسلمت مهماتي سُئلت في دارة سماحة المفتي قباني هل تدعم حكومة السنيورة؟ أجبت بأنني أدعم الحق، أنا كرجل قانون أدعم الحق واليوم وجدتني من خلال توقنا إلى الوطن والعدالة والقضاء ودور الجيش الوطني وإلى دور قوى الأمن الداخلي، أؤيد حكومة الرئيس السنيورة، وليعذرني الشيخ عبدالأمير قبلان، ولكن لن نقفل الأمل أبداً على رئيس حركة »أمل« رئيس مجلس النواب على أمل إنقاذ الاستحقاق الرئاسي المقبل«.

ثم قال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني إن »جريمة قتل الشابين التي جعلت من أبوي الشهيدين أولاً يرتفعان فوق الجراح ثم ارتفع أيضاً القادة السياسيون اللبنانيون فوق الجراح وقاموا بدورٍ هامٍ في احتواء آثار هذه الجريمة وطالبوا كما نطالب بالتحقيق لكشف المجرمين ومثولهم أمام القضاء وأخذ القصاص عن طريق القانون، هذا العمل هو الذي أخذ الجريمة وآثارها من أيدي الناس في الشارع لتكون في يد القضاء اللبناني العادل وفي يد الدولة الحريصة على جميع اللبنانيين«.

وحيا قباني »مواقف القادة السياسيين والروحيين الذين احتووا هذه الجريمة وآثارها«. وقال: »مما يرفع الفتن من بين أيدينا أن نرفع الغطاء عن أي مرتكب سواء لهذه الجريمة أو لأي جريمة«، داعياً »إلى العودة بالعمل السياسي إلى المؤسسات الدستورية وترك الشارع«.

ثم وجّه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبدالأمير قبلان كلمته إلى »الزعيم الوطني ابن المرحوم كمال جنبلاط وليد جنبلاط لأقول له: يا أخي يا أبا تيمور، ابنك تيمور تزوج من آل زعيتر يعني أنه صار شيعياً. وأقول لك الدال على الخير كفاعله، فعلتَ جميلاً وأسستَ لمستقبلٍ وطني كبير«، مضيفاً: »لا غرابة أن تبقى يا وليد بك على خط الإعتدال، فهناك أمور قد تخرجك عن اعتدالك أو عن صوابيتك فنحن نعذرك ولكن أتمنى عليك وعلى أمثالك من السياسيين أن تشدوا أزر من يدعو الى وحدة الوطن واستقراره«.

ودعا قبلان جنبلاط الى أن »يقود المصالحة الوطنية، وتعمل لوحدة لبنان ولوحدة مؤسساته«، مؤكداً أن »الشيعة لا يكرهون أحداً، وحركة »أمل« معكم، و »حزب الله« معكم، ونحن جميعاً ضد الإجرام وضد القتل وضد العدوان«.وتابع: »جئنا مع آل شمص الكرام ووجوه البقاع، مستنكرين هذه الجريمة سواء كانت منا أو من غيرنا، نقول للقضاء إحزم أمرك، وركز وأعط الحق لأهله. نريد الاستقرار، لا نريد سلاح أي سلاح كان يضر بالبلد، أما السلاح الذي يكون موجهاً ضد إسرائيل فكلنا قنابل موقوتة ضد إسرائيل«.

وبدوره، شكر العريضي »الحضور والذين جاؤوا من البقاع من عائلات البقاع وعشائرها للقيام بهذا الواجب، وخصوصاً من العائلة الكريمة آل شمص«، مؤكداً »الالتزام بالدولة ومؤسساتها وبالقانون مرجعاً وحيداً لنا«، مشيراً إلى أن »المواقف الوطنية الجامعة الرافضة المستنكرة لهذه الجريمة هي الأساس في حماية البلد«.ولفت العريضي إلى أن »التحقيق أصبح على مشارف النهاية، وباتت معظم المعلومات متوافرة لدى الأجهزة الأمنية، ونحن ننتظر إعلان الحقيقة«، مناشداً »الجميع أن يكون تعاونٌ من قبلهم لتسهيل عمل الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية كي يُسلَم القتلة«. وأضاف: »نأمل بعد كشف الحقيقة أن نلتقي وإياكم يا أهلنا من آل شمص في واجبٍ آخر نقوم به عندكم عسى أن تؤسس المواقف الوطنية الكبرى لوحدةٍ وطنيةٍ حقيقيةٍ ونقاشٍ سياسيٍ جدي مفتوح بين كل القوى السياسية لحوار حول القضايا الخلافية نخرج منه باتفاق سياسي واضح المعالم«.

وفي الختام قدم السياسيون والروحيون التعازي الى أهالي الفقيدين.

وكان عقد في دار الفتوى اجتماع بين قباني وقبلان يرافقه وفد من آل شمص، في حضور والدي الشهيدين والوزيرين العريضي وقباني.

Saturday, April 28, 2007

بيروت شيعت « الزيادين » وسط حداد وغضب

جنبلاط وشخصيات من « 14 آذار » رافقوا الجنازة ... ومنعوا هتافات ضد المعارضة ورموزها
 بيروت شيعت « الزيادين » وسط حداد وغضب ... ونداءات التهدئة خفضت التوتر

ناجية الحصري - منال أبو عبس
Al-Hayat (2,364 كلمة)
تاريخ النشر 28 أبريل 2007


نجحت نداءات التهدئة والدعوات الى ضبط النفس التي وجهها كل من رئيس « اللقاء الديموقراطي » النيابي اللبناني وليد جنبلاط ورئيس كتلة « المستقبل » النيابية سعد الحريري والبيانات الصادرة عن حركة « امل » و« حزب الله » والاتصالات التي اجريت مع اقطاب سياسيين، فور العثور على المخطوفين الشاب زياد قبلان والفتى زياد الغندور جثتين هامدتين عند المفرق المؤدي الى بلدة جدرا مساء اول من امس، في خفض منسوب التوتر المذهبي في الشارع البيروتي والجبل، وضبط ردود الفعل الغاضبة خلال الجنازة الرسمية والشعبية التي اقيمت للضحيتين امس، وسط حداد عام في بيروت والمناطق، اغلقت خلاله المؤسسات التربوية.

وكانت الحركة في شوارع العاصمة تراجعت منذ اللحظة التي اعلن فيها عن مقتل المخطوفين، وسجل انتشار كثيف للجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي في الاحياء التي تتداخل فيها تجمعات الاكثرية والمعارضة، وفي محلة وطى المصيطبة حيث يسكن اهالي الضحيتين الغندور وقبلان والتي احكم الجيش اقفالها منعاً لردود الفعل.

وتجلى الحداد على المغدورين في مناطق الكولا والجامعة العربية والطريق الجديدة ومحيط قصقص وكورنيش المزرعة حيث اقفلت المحلات ابوابها ولبست نساء كثيرات الأسود، وتعاطف الناس في أحاديثهم مع اهالي الضحيتين خصوصاً ان احدهما طفل لم يتجاوز 12 سنة وان اشاعات كانت روجت انهما تعرضا الى التعذيب قبل تصفيتهما باطلاق النار على رأسيهما.

التاسعة والنصف صباح امس، تحوّل موقف السيارات المجاور لمنزل منير الغندور في وطى المصيطبة الى دارة لاستقبال التعازي. هناك تجلس سميرة والدة زياد الغندور في حالة تشبه الغياب عن الوعي. وتتمتم بعبارات لا يكاد يسمع منها شيء. ثم تصرخ: »خبرني كيف تحملت كل هذا الضرب. كيف طلعت روحك يا أمي«.

العبارة الأخيرة قاسية. يزيد من وطأتها الحديث الدائر في المكان عن تعذيب شديد تعرض له الشاب والفتى. تقع كلمات سميرة شديدة على مسامع النسوة المتحلقات حولها، فيعلو صوت النحيب: »عندما كنت أرفع يدي في وجهه كان جسمي يرتجف. زياد حساس لا يتحمل الضرب. كيف تحمل ضربهم له«. هنا لا تكاد تخلو يد امرأة من مناديل تمسح العيون التي صارت حمراً. تقطع سميرة الصمت بين حين وآخر. وتفرج عن فكرة موجعة تمر في خاطرها: »وجدوه مقتولاً بثياب المدرسة. لم يودعني قبل أن يرحل. ليه ما ودعتني يا أمي«.

يتشابه كلام الأمهات الثكالى كثيراً. كلام سميرة يختلط فيه الحزن بالعتب. تستغل اقتراب ميكروفون قناة »المستقبل«، لتطلق تمنياً يغلفه استياء من تقصير لحق بابنها: »الدولة يجب أن تبدأ البحث عن المفقودين منذ لحظة التبليغ عن اختفائهم. لماذا الانتظار 24 ساعة؟ الولد يموت في لحظة«. يستفز كلام سميرة جارتها. وتكيل بالشتائم لـ »الدولة التي ما عدت أطيقها، وأجهزتها الأمنية التي لا تبحث عن المفقودين«.

بين المعزيات جارات تربط أبناءهن بزياد صداقات متينة، »زادت من حرقتنا عليه«. الجارة الجالسة على مقربة من سميرة تقول إن ابنها صار يتخيل أشخاصاً يأتون لاختطافه، ويسأل أمه: »لماذا أطلقوا النار على وجه زياد«؟. تخاف الجارة كثيراً على ابنها، ولن تسمح له مجدداً باللعب إلا تحت مرأى منها. سميرة بدورها كانت أخبرتنا أول من أمس، إنها لن تسمح لزياد باللعب خارج المنطقة عندما يرجع.

في مدخل الموقف المشرف على الشارع الضيق تقف خالة زياد. الشارع تحول أيضاً إلى مكان لتقبل التعازي، بعدما قطع مداخله عناصر القوى الأمنية. تبدو الخالة أكثر إصراراً على الظهور متماسكة في وجه المصيبة. لكن دموعها لن تلبث أن تنهمر غزيرة وهي تتحدث عن زياد الذي »قال انه ذاهب إلى ضبية ليتسلى«. تصب الخالة وقريباتها غضبهن على الرسميين الذين يتوافدون للتعزية. وتقول: »كلهم أخفوا الخبر عنا. كانوا يعلمون منذ اليوم الأول أن الشاب والولد مقتولان، وأخفوا ذلك عنا لتسوية المسألة«.

يزيد الحديث عن تعذيب تعرض له الفتى من حرقة الخالة. »يقولون إنهم وجدوا آثار حروق ناجمة عن إطفاء أعقاب سجائر على جسديهما. حتى أمه لا يمكنها أن تودعه. قد يقتلها المشهد. من يفعل هذا بصبي بثياب المدرسة. حتى إسرائيل لم تفعلها«. تصمت قليلاً، ثم تفسر: »إسرائيل رأفت بحال الأسرى في سجونها ولم تقتلهم. وهنا ينتقمون من طفل. والله إسرائيل ارحم منهم«.

تتحدث الخالة عن امرأة جاءت أول من أمس، وقالت إن جثة الفتى موجودة قرب مكب نفايات في الجية. تقول إنها أخبرت وزير الإعلام غازي العريضي بذلك، ولكن لا أحد يعرف شيئاً عن المرأة التي تشك الخالة بصلتها بالحادثة.

في الشارع الضيق المقابل للموقف، يجلس الرجال على كراسي بلاستيك. هنا يجلس منير والد زياد العائد للتو من المستشفى الذي دخله قبل يوم واحد. والى جانبه يجلس شقيقه جميل على كرسي مدولب. يتولى جميل الكلام بالنيابة عن أخيه المنهار، ويوجه رسالة واحدة للقتلة: »الله لا يسامحهم«. ثم يدخل في تفاصيل: »أنهم يلعبون بالنار لإشعال حرب طائفية ومذهبية. ونحن مع دعوات التهدئة التي أطلقتها كل الأطراف من وليد بيك إلى الحكومة وسعد الحريري إلى »حزب الله« والأستاذ نبيه (بري)«. ويدعو »إخواننا في حزب الله وبالأخص السيد حسن. أقول له برحمة الشهيد هادي أن يسعى مع الرئيس بري للكشف عن قتلة طفل البراءة. نحن مع القضاء«.

يقطع حديث جميل نداء رجل: »يللا يا شباب«. عقارب الساعة تقترب من العاشرة والربع. وموعد إحضار النعشين من مستشفى المقاصد حان. يمسك شابان بيدي الوالد المصدوم. وينطلقون في موكب سيراً في اتجاه بيت الفقيد الآخر زياد قبلان.

المشهد في بيت قبلان يبدو أكثر رسمية. لا نساء هنا يبكين ولا صرخات ترافق الإعلان عن موعد الانطلاق. والدة قبلان المنهارة منذ يوم اختفاء ابنها، غادرت البيت في وطى المصيطبة إلى بيت آخر في منطقة سليم سلام. والصدمة تمنعها من لقاء أحد. هنا يجلس الوالد والأقارب وأصدقاء زياد وسط حزن يثقل الجو.

ينطلق الجميع نحو المستشفى. وبعد أكثر من ساعة يدوي في المكان هتاف: »لا اله الا الله والشهيد حبيب الله«. فيستقبله من أمام منزل الغندور طلب بأن »ما حدا يصرخ. استقبلوا شهداءكم بالزغاريد. اولئك عرسان من دون عرائس«.

تخرج سميرة وقد غطت رأسها بحجاب أسود ومنديل أبيض. تتكئ الأم على ابنتها نوال التي تكبر شقيقها الوحيد بعامين. ويدخلها مشهد النعشين المرفوعين على الأكف في الغيبوبة.

تغطي أصوات المفرقعات النارية ومن ثم صوت الرصاص من مسدس أحدهم، على هتافات »الله أكبر« و »لا اله إلا الله، الى هتافات معادية للأمين العام لـ »حزب الله« السيد حسن نصر الله سيعمل الأقارب على منع هاتفه من تكرارهما. ويرتفع صوت العمة: »حرقت لي صميم قلبي يا عمتي«. وعلى وقع الرز والورود المنثورة يغادر النعشان على أكتاف عشرات الشبان الذين رفعوا أيضا رايات »الحزب التقدمي الاشتراكي«.

أمام مقر الحزب التقدمي

ومن منزل الغندور ينتقل النعشان إلى مقر »الحزب التقدمي الاشتراكي«. هناك انضم الى الموكب رئيس »اللقاء الديموقراطي« وليد جنبلاط ووزراء الاتصالات مروان حمادة والإعلام غازي العريضي والسياحة جو سركيس (ممثلاً) رئيس الهيئة التنفيذية لـ »القوات اللبنانية« سمير جعجع) ونواب من »اللقاء« ومن كتلة »المستقبل«: علاء الدين ترو، فيصل الصايغ، وائل أبو فاعور ، وليد عيدو، فؤاد السعد، عاطف مجدلاني، اكرم شهيب، والياس عطا الله وعميد »الكتلة الوطنية« كارلوس اده، رئيس »التيار الشيعي الحر« الشيخ محمد الحاج حسن، إلى حشد كبير من المواطنين.

وتداخلت صيحات التكبير مع الهتافات المعادية للسيد نصر الله ورئيس الجمهورية اميل لحود، والتي تدخل جنبلاط لوقف اطلاقها، فتحولت الهتافات الى »بالروح بالدم نفديك أبو تيمور« و »يا زياد وين ما تروح، دمك هدر ما بيروح«. وبعد وقفة أمام مقر الحزب، انطلق الموكب في اتجاه مسجد الخاشقجي الملاصق لمدافن الشهداء في محلة قصقص.

رايات وهتافات

في الثانية عشرة وصل الموكب إلى منطقة الملعب البلدي. هنا أيضاً انضم حشد كبير من انصار تيار »شباب المستقبل« إلى موكب التشييع وسط حالة من الحزن والأسى عمت المنطقة التي شهدت إقفالاً تاماً. ورفعت أعلام »تيار المستقبل« والحزب التقدمي و »حركة الناصريين المستقلين« (المرابطون)، إضافة إلى رايات إسلامية. وعادت الهتافات المذهبية والشتائم بحق زعماء في المعارضة، وأيضاً تدخل سياسيون من 14 آذار لمنعها. وحلت محلها هتافات: »الله حريري طريق الجديدة«.

ومع وصول الموكب إلى أمام مسجد الإمام علي، تلا المحتشدون في صلاة الجمعة الفاتحة عن روحي الشهيدين. ثم انضمت تظاهرة كبيرة امام مدرسة عمر حمد الرسمية الى الموكب، وتقدمها النائب السابق غطاس خوري والنائب عمار حوري (ممثلاً النائب سعد الحريري).

مسجد الخاشقجي

الطرق الى محيط مسجد الخاشقجي كانت قطعت امام حركة السيارات منذ الصباح، وتعتبر هذه المنطقة شرياناً أساسياً يربط الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت.

دبابات للجيش وعشرات العناصر من المكافحة وأمن الدولة وقوى الامن الداخلي ورجال امن بلباس مدني مزودين بأسلحة بارزة، تولوا الترتيبات لحماية الجنازة من المتطفلين وحماية المشاركين فيها من سياسيين نادراً ما يظهرون في اماكن عامة منذ تزايد وتيرة الاغتيالات.

على الباب الحديد للمسجد الصقت ورقة نعي لـ »شهيد الغدر المأسوف على شبابه« زياد قبلان، وذيلت بأسماء عائلات بيروتية وأخرى من أصل كردي.

وبدا واضحاً ان ثمة قراراً باستبعاد الحشد الحزبي عن التشييع، فالوافدون الى المسجد استباقاً لموكب التشييع جلهم من الاقارب والشبان والفتية من رفاق الفقيدين، وصل بعضهم على دراجات نارية. لكن استبعاد الحضور الحزبي للمشيعيين لم يحل دون حضور راياتهم التي انضمت اليها راية »ط ج - فهود الطريق الجديدة«، الى جانب اعلام لبنانية ضخمة.

اقتراب اصوات ابواق سيارات قوى الامن والاسعافات التي رافقت الموكب، انذر المتجمعين بوصول »الزيادين« الى مكان وداعهما الاخير. اُدخل السياسيون الى قاعة الاستقبال الملاصقة للمسجد، فيما اُدخل النعشان المرفوعان على الاكف الى حرمه وخلفهما دخل المصلـون وسط هتافات خرجت عن خطـوطها الحمر، لتطاول شتائمها النظام السوري، فيما هتف بعضهم لصدام حسين، وبالغ آخرون في الهتافات المذهبية وتعالت دعوات النساء ضد الظالمين، والقتلة.

انضم الى قاعة الاستقبال: الوزير حسن السبع (ممثلاً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة) والوزير جان اغاسبيان، النائب ياسين جابر(ممثلا الرئيس نبيه بري)، النائب بطرس حرب، النائب عبد اللطيف الزين، النائب بيار دكاش، النائب محمد الحجار، النائب عبد الله بو فرحات، ومفتي صور وجبل عامل السيد علي الامين، وممثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ غسان الحلبي، ووفد من الجماعة الاسلامية. وشارك في التشييع ايضاً، النواب السابقون: نسيب لحود، غطاس خوري، كميل زيادة، وغاب عن التشييع أي تمثيل للرئيس لحود و »حزب الله« وحركة »امل«.

ووضعت الورود على الادراج المؤدية الى حرم المسجد، فيما نثر الرز على النعشين، وثبتت امام القاعة اكاليل زهر من الرئيس السنيورة ومن اركان وزارة وصندوق المهجرين، وتولى عناصر من الدفاع المدني تابعون لـ »الجماعة الاسلامية« تنظيم دخول المصلين.

الصلاة على الضحيتين

وفي قاعة الاستقبال، اُجلس والد الضحية زياد الغندور بين النائبين الزين وجابر، واُجلس والد الضحية زياد قبلان الى جانب الوزير العريضي، وبدا الوالدان المنكوبان اكثر تماسكاً مع توالي كلمات التعاطف مع العائلتين والاشادة بحكمتهما. اما الوالدتان فلم تكن تنفع كلمات المواساة في التخفيف من ألم فقدان الابناء بل كانت تزيد من حرقة الافئدة والاجهاش بالبكاء، خصوصاً بعد انتهاء الصلاة عن روحيهما وتسجية النعشين في قاعة الاستقبال لوداع اخير.

وتحلق أفراد العائلتين امام النعشين وراحت الايدي تلامس الصندوقين المتواضعين وقد وضع عليهما علمان لبنانيان صغيران، امتدت يد »ام زياد« الغندور الى الطربوش الموضوع فوق نعش طفلها لتصلح مكانه، فيما غمرت »ام زياد« قبلان نعش ولدها تقبله مرات ومرات وتخاطبه قائلة »باي يا زياد، الله معك«، وتصرخ شقيقتها »قتلوك الجهال«.

ولدى اخراج النعشين من القاعة بعد القاء الكلمات، صفق الجميع للضحيتين واطلقت افواه الشبان والفتية صفيراً للتعبير على طريقتهم عن وداع رفيقي درب الطفولة والشباب.

في مدافن الشهداء حيث اختلط حضور الرجال مع النساء والاطفال تلا الجميع الفاتحة اكثر من مرة اثناء مراسم الدفن، وذرف كثيرون الدمع من جديد، وراح محارب قديم من محازبي »التقدمي« يراقب المشهد من بعيد قلقاً من ان تتكرر حروب قال انه لم يشف حتى الآن من جروح تلك التي سبقتها.

Friday, April 27, 2007

وطى المصيطبة حيث الإشاعات تزيد وقع المصيبة

وطى المصيطبة حيث الإشاعات تزيد وقع المصيبة

منال أبو عبس
Al-Hayat (597 كلمة)
تاريخ النشر 27 أبريل 2007



في الشارع زحمة أصوات وكاميرات وبيت صغير أزرق وأصفر. الشارع متفرع من منطقة وطى المصيطبة في بيروت. والبيت الملون هو الذي غادره زياد الغندور (12 سنة) مع جاره زياد قبلان (25 سنة) الاثنين الماضي إلى اختطافهما.

تلف الوحشة جوانب البيت الملون وتحط بثقل في حضن سميرة والدة زياد »الصغير«، كما تحب أن تسميه. من وراء الكنبة حيث تجلس، يتدلى سلم خشب يصل بين غرفة البيت الوحيدة وبين غرفة أخرى ينام فيها زياد وشقيقته نوال التي تكبره بعامين والتي غادرت باكراً إلى مدرستها.

هناك على الكنبة تعيش سميرة في عالم تدور أحداثه في مخيلتها. تنظر إلى حضنها حيث صورة زياد. وتخاطبه كما لو كان معها على الهاتف: »يا حبيبي يا أمي. بترجع عالبيت اليوم. وبكرا إن شاء الله تروح عالمدرسة«. تفرك إحدى يديها بكف الأخرى، كأنما تنفس عن ألم صار يفوق الاحتمال، قبل أن تستدرك، فتقول: »آه. بكرا الجمعة. ومدرستك مقفلة. حسناً تعود اليوم. وتذهب السبت إلى المدرسة«.

على وجه الوالدة الفلسطينية الشابة والمتزوجة من منير اللبناني ترك الأرق علامات قاسية. ولم تحل محاولاتها للبقاء متماسكة دون دخولها في نوبات بكاء عميق بين حين وآخر، تروي بعدها أن ابنها غادر بيته مع جاره من دون أن يكمل واجباته المدرسية. سميرة عرفت في اليوم التالي لغياب زياد أنه اختطف. »وجدنا السيارة ولم نجدهم في داخلها. تأكدنا أن أحداً أخذهم«، لكنها لا تشك بـ »أي إنسان ولا علاقة لنا بالإشاعات«.

والإشاعات التي تتحدث سميرة عنها، قادت منير والد زياد إلى العناية المركزة في أحد المستشفيات. تروي إحدى قريباتها أن زائرة »ثقيلة« جاءت في الصباح وقالت إنهم وجدوا الفتى مذبوحاً تحت جسر الكولا. لم يحتمل الوالد الذي يعاني مرضاً في القلب الخبر، ووقع أرضاً.

ترد سميرة على إشاعات أخرى تقول إن الخاطفين هم أخوة عدنان شمص الذي قضى في أحداث الجامعة العربية، وان ابنها وقبلان اختطفا بداعي الثأر. وتوجه ما قد يكون رسالة إلى الخاطفين: »الولد كان في المدرسة أثناء أحداث الجامعة. وزياد قبلان كان في عمله. لم يكونا في المنطقة أصلاً«. وتضيف لتزيل أي داع آخر للربط بين القضيتين: »المنطقة محسوبة على »الحزب التقدمي الاشتراكي«. ونحن نسكن في المنطقة فقط، ولا ننتمي نحن أو أهل زياد قبلان إلى أي حزب سياسي«.

منزل حسين قبلان والد زياد (مواليد بيروت) لا يبعد إلا شارعاً واحداً من منزل آل الغندور. يمنع التعب والانتظار الوالد ذا الأصل الكردي (kaplan بالكردية وتعني نمراً بالعربية) والجنسية اللبنانية من الحديث عن الحادثة. ويقول أن »لا جديد في الموضوع«. قبل يوم واحد استدعي أهل المخطوفين إلى المحكمة العسكرية للإدلاء بإفادتهم، وحتى الكشف عن مصير ابنه يفضل حسين أن يتفرغ لاستقبال الأقارب.

الطريق من منزل قبلان تقود مرة أخرى إلى المنزل الملون. هناك كان يقف أربعة فتيان بزي مدرسي موحد. هم رفاق زياد جاؤوا يسألون أمه عن أخبار جديدة. صورتهم أمام البيت أعادت سميرة إلى انهيار جديد. خرجت منه لتناشد الخاطفين أن يعيدوا زياد و«أنا أسامحكم. لا أريد منكم شيئاً. أعيدوه وأنتم مسامحون«.