وطى المصيطبة حيث الإشاعات تزيد وقع المصيبة
منال أبو عبس
Al-Hayat (597 كلمة)
تاريخ النشر 27 أبريل 2007
في الشارع زحمة أصوات وكاميرات وبيت صغير أزرق وأصفر. الشارع متفرع من منطقة وطى المصيطبة في بيروت. والبيت الملون هو الذي غادره زياد الغندور (12 سنة) مع جاره زياد قبلان (25 سنة) الاثنين الماضي إلى اختطافهما.
تلف الوحشة جوانب البيت الملون وتحط بثقل في حضن سميرة والدة زياد »الصغير«، كما تحب أن تسميه. من وراء الكنبة حيث تجلس، يتدلى سلم خشب يصل بين غرفة البيت الوحيدة وبين غرفة أخرى ينام فيها زياد وشقيقته نوال التي تكبره بعامين والتي غادرت باكراً إلى مدرستها.
هناك على الكنبة تعيش سميرة في عالم تدور أحداثه في مخيلتها. تنظر إلى حضنها حيث صورة زياد. وتخاطبه كما لو كان معها على الهاتف: »يا حبيبي يا أمي. بترجع عالبيت اليوم. وبكرا إن شاء الله تروح عالمدرسة«. تفرك إحدى يديها بكف الأخرى، كأنما تنفس عن ألم صار يفوق الاحتمال، قبل أن تستدرك، فتقول: »آه. بكرا الجمعة. ومدرستك مقفلة. حسناً تعود اليوم. وتذهب السبت إلى المدرسة«.
على وجه الوالدة الفلسطينية الشابة والمتزوجة من منير اللبناني ترك الأرق علامات قاسية. ولم تحل محاولاتها للبقاء متماسكة دون دخولها في نوبات بكاء عميق بين حين وآخر، تروي بعدها أن ابنها غادر بيته مع جاره من دون أن يكمل واجباته المدرسية. سميرة عرفت في اليوم التالي لغياب زياد أنه اختطف. »وجدنا السيارة ولم نجدهم في داخلها. تأكدنا أن أحداً أخذهم«، لكنها لا تشك بـ »أي إنسان ولا علاقة لنا بالإشاعات«.
والإشاعات التي تتحدث سميرة عنها، قادت منير والد زياد إلى العناية المركزة في أحد المستشفيات. تروي إحدى قريباتها أن زائرة »ثقيلة« جاءت في الصباح وقالت إنهم وجدوا الفتى مذبوحاً تحت جسر الكولا. لم يحتمل الوالد الذي يعاني مرضاً في القلب الخبر، ووقع أرضاً.
ترد سميرة على إشاعات أخرى تقول إن الخاطفين هم أخوة عدنان شمص الذي قضى في أحداث الجامعة العربية، وان ابنها وقبلان اختطفا بداعي الثأر. وتوجه ما قد يكون رسالة إلى الخاطفين: »الولد كان في المدرسة أثناء أحداث الجامعة. وزياد قبلان كان في عمله. لم يكونا في المنطقة أصلاً«. وتضيف لتزيل أي داع آخر للربط بين القضيتين: »المنطقة محسوبة على »الحزب التقدمي الاشتراكي«. ونحن نسكن في المنطقة فقط، ولا ننتمي نحن أو أهل زياد قبلان إلى أي حزب سياسي«.
منزل حسين قبلان والد زياد (مواليد بيروت) لا يبعد إلا شارعاً واحداً من منزل آل الغندور. يمنع التعب والانتظار الوالد ذا الأصل الكردي (kaplan بالكردية وتعني نمراً بالعربية) والجنسية اللبنانية من الحديث عن الحادثة. ويقول أن »لا جديد في الموضوع«. قبل يوم واحد استدعي أهل المخطوفين إلى المحكمة العسكرية للإدلاء بإفادتهم، وحتى الكشف عن مصير ابنه يفضل حسين أن يتفرغ لاستقبال الأقارب.
الطريق من منزل قبلان تقود مرة أخرى إلى المنزل الملون. هناك كان يقف أربعة فتيان بزي مدرسي موحد. هم رفاق زياد جاؤوا يسألون أمه عن أخبار جديدة. صورتهم أمام البيت أعادت سميرة إلى انهيار جديد. خرجت منه لتناشد الخاطفين أن يعيدوا زياد و«أنا أسامحكم. لا أريد منكم شيئاً. أعيدوه وأنتم مسامحون«.
منال أبو عبس
Al-Hayat (597 كلمة)
تاريخ النشر 27 أبريل 2007
في الشارع زحمة أصوات وكاميرات وبيت صغير أزرق وأصفر. الشارع متفرع من منطقة وطى المصيطبة في بيروت. والبيت الملون هو الذي غادره زياد الغندور (12 سنة) مع جاره زياد قبلان (25 سنة) الاثنين الماضي إلى اختطافهما.
تلف الوحشة جوانب البيت الملون وتحط بثقل في حضن سميرة والدة زياد »الصغير«، كما تحب أن تسميه. من وراء الكنبة حيث تجلس، يتدلى سلم خشب يصل بين غرفة البيت الوحيدة وبين غرفة أخرى ينام فيها زياد وشقيقته نوال التي تكبره بعامين والتي غادرت باكراً إلى مدرستها.
هناك على الكنبة تعيش سميرة في عالم تدور أحداثه في مخيلتها. تنظر إلى حضنها حيث صورة زياد. وتخاطبه كما لو كان معها على الهاتف: »يا حبيبي يا أمي. بترجع عالبيت اليوم. وبكرا إن شاء الله تروح عالمدرسة«. تفرك إحدى يديها بكف الأخرى، كأنما تنفس عن ألم صار يفوق الاحتمال، قبل أن تستدرك، فتقول: »آه. بكرا الجمعة. ومدرستك مقفلة. حسناً تعود اليوم. وتذهب السبت إلى المدرسة«.
على وجه الوالدة الفلسطينية الشابة والمتزوجة من منير اللبناني ترك الأرق علامات قاسية. ولم تحل محاولاتها للبقاء متماسكة دون دخولها في نوبات بكاء عميق بين حين وآخر، تروي بعدها أن ابنها غادر بيته مع جاره من دون أن يكمل واجباته المدرسية. سميرة عرفت في اليوم التالي لغياب زياد أنه اختطف. »وجدنا السيارة ولم نجدهم في داخلها. تأكدنا أن أحداً أخذهم«، لكنها لا تشك بـ »أي إنسان ولا علاقة لنا بالإشاعات«.
والإشاعات التي تتحدث سميرة عنها، قادت منير والد زياد إلى العناية المركزة في أحد المستشفيات. تروي إحدى قريباتها أن زائرة »ثقيلة« جاءت في الصباح وقالت إنهم وجدوا الفتى مذبوحاً تحت جسر الكولا. لم يحتمل الوالد الذي يعاني مرضاً في القلب الخبر، ووقع أرضاً.
ترد سميرة على إشاعات أخرى تقول إن الخاطفين هم أخوة عدنان شمص الذي قضى في أحداث الجامعة العربية، وان ابنها وقبلان اختطفا بداعي الثأر. وتوجه ما قد يكون رسالة إلى الخاطفين: »الولد كان في المدرسة أثناء أحداث الجامعة. وزياد قبلان كان في عمله. لم يكونا في المنطقة أصلاً«. وتضيف لتزيل أي داع آخر للربط بين القضيتين: »المنطقة محسوبة على »الحزب التقدمي الاشتراكي«. ونحن نسكن في المنطقة فقط، ولا ننتمي نحن أو أهل زياد قبلان إلى أي حزب سياسي«.
منزل حسين قبلان والد زياد (مواليد بيروت) لا يبعد إلا شارعاً واحداً من منزل آل الغندور. يمنع التعب والانتظار الوالد ذا الأصل الكردي (kaplan بالكردية وتعني نمراً بالعربية) والجنسية اللبنانية من الحديث عن الحادثة. ويقول أن »لا جديد في الموضوع«. قبل يوم واحد استدعي أهل المخطوفين إلى المحكمة العسكرية للإدلاء بإفادتهم، وحتى الكشف عن مصير ابنه يفضل حسين أن يتفرغ لاستقبال الأقارب.
الطريق من منزل قبلان تقود مرة أخرى إلى المنزل الملون. هناك كان يقف أربعة فتيان بزي مدرسي موحد. هم رفاق زياد جاؤوا يسألون أمه عن أخبار جديدة. صورتهم أمام البيت أعادت سميرة إلى انهيار جديد. خرجت منه لتناشد الخاطفين أن يعيدوا زياد و«أنا أسامحكم. لا أريد منكم شيئاً. أعيدوه وأنتم مسامحون«.
No comments:
Post a Comment