الإنجازات كثيرة والحديث عنها يحتاج إلى « قرار مركزي » ... ووعد بمفاجآت . اعتصام المعارضة ... على « جبهة » الصمت
منال أبو عبس
Al-Hayat (789 كلمة)
تاريخ النشر 25 أغسطس 2007
عرض جميع البيانات
على بعد خطوات من ساحة اعتصام المعارضة يجلس حارس مرأب للسيارات. أمامه، على الرصيف، وعاء بلاستيك أبيض فيه أعلام ثلاثة. ألوان الأعلام البرتقالي والأصفر والأخضر صارت باهتة، فلا يبدو أن ثمة مشترين لها في هذه الأيام. أمام البائع أيضاً قلادات وولاعات ورباطات تحمل صور زعماء المعارضة. هي أيضاً مكدسة.
من زاوية الحارس يمكن مشاهدة ساحة الاعتصام، وقد بدت شبه خالية. مشهد زحمة السير الخانقة في الطرق المتفرعة من الساحة المقفلة الخاوية يجعل الأخيرة تبدو كأنها خارج الزمان والمكان. من الزاوية أيضاً، يمكن رواية مشاهد استجدّت على محيط الاعتصام: العمال السوريون وقد عادوا إلى الجلوس تحت جسر فؤاد شهاب وعلى أكتافهم معدات »الشيالة«. الصورة لم تكن مألوفة في المرحلة التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتنامي الممارسات العنصرية في حق كثر منهم. اليوم يجلس العمال وخلف ظهورهم صور النائب ميشال عون وخيم »التيار الوطني الحر« في اعتصام المعارضة المفتوح في وسط بيروت.
صور الرئيس اللبناني اميل لحود بدورها عادت إلى محيط الساحة. الصور التي زرعت قبل التمديد واقتعلت بعد اغتيال الحريري عادت أيضاً. ومعها شعارات مثل »وطنية الوطن وحفظ المواطن«، ولا تبعد من لافتات أخرى تهنئ لحود »المقاوم الأول... بعيد الجيش«. الصورة من رصيف مرأب السيارات تبدو أكثر حيوية منها داخل المخيم. على المدخل المؤدي إلى ساحة الشهداء، يجلس شبان ثلاثة من انضباط »حزب الله«. مهمة الشبان تقضي بمنع السيارات غير المأذون لها من الدخول. ولا يتدخلون في شؤون المارة. على بعد خطوات منهم، يرفرف علم »الحزب السوري القومي الاجتماعي« وآخر لـ »تيار المردة« (يترأسه الوزير السابق سليمان فرنجية). ومن بعيد يصل صوت رجال عدة يحللون سبب عدم ترشيح المعارضة للنائب السابق نجاح واكيم للانتخابات الفرعية في بيروت.
داخل المخيم يصعب الحصول على من يملك الإذن بالحديث عن سبب بقائه. الخيم الكثيرة المزروعة داخل مرائب السيارات لم تعد تغص بالمعتصمين. والمنصة التي كانت مخصصة للاحتفالات المسائية، توقف عدادها الرقمي عند الرقم200، مع أننا في اليوم 277 من تاريخ الاعتصام. المنظمون أنفسهم توقفوا عن تنظيم نشاطات مسائية تستقطب المناصرين. لكن ذلك ليس كافياً لإقناع أحد بفشل الاعتصام، فـ »ثمة مخطط لاعادة تنشيط المخيم في الأيام المقبلة«، على حد قول أحد مسؤولي الانضباط. غير أن الدخول في التفاصيل يحتاج إلى قرار مركزي يسمح له بالتحدث إلى الإعلام، على ما يقول. يبتعد مع ابتسامة وكلمتين: »لننتظر المفاجآت«.
صورة الخواء المحيطة به، تضع مسؤول انضباط آخر في موقف المدافع عن قضية لا يجدها خاسرة: »الناس لم تعد تأتي لأسباب ثلاثة: الأول اقتصادي، والثاني بسبب الطقس الحار، والثالث بسبب اصطياف عدد كبير من المناصرين خارج بيروت«. لكن في المخيم شباناً آخرين، يحملون هواتف لاسلكية، ويمضون أوقات تشبه دوامات العمل. هؤلاء يضعون على صدورهم كلمة: انضباط، وبحسب المسؤول »ملتزمون مع أحزابهم التي يؤمن كل واحد منها تكاليف إقامة شبانه ومصاريفهم«. ومرة جديدة يجد الباحث عن إجابات أخرى نفسه أمام الحاجة الى »قرار مركزي« للكلام.
على مدخل آخر للمخيم، يجلس شاب عشريني. إلى جانبه يلف شريط أصفر مساحة من المكان تحولت إلى مرأب للدراجات النارية. مهمة الشاب الذي يبدو متحمساً، سؤال سائق الدراجة عن وجهته. سائق في معظم الأحيان عامل توصيل الوجبات إلى الموظفين في ما تبقى من مؤسسات في وسط بيروت. يرفض الشاب الحديث عن تفاصيل يومياته »إلا بعد الحصول على إذن من المسؤول عن الانضباط في المخيم«. ويقول إن مسؤولاً في حركة »أمل« في منطقته أخبره قبل شهر بأن دوره حان ليتولى الحراسة في المخيم، وهكذا كان.
بعد أسبوع واحد من الآن، يدخل اعتصام المعارضة شهره التاسع، من دون أن تظهر في الأفق أي بارقة أمل بولادة محتملة. فالاعتصام الذي انطلق بأهداف أولها إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لم يحقق أي هدف عملي حتى الساعة. وإن كان أحد مسؤولي الانضباط فيه يؤكد أن »ثمة أهدافاً كثيرة حققها الاعتصام«. ولا يكشف عن أي منها، لأن ذلك بحسب قوله، »يدخل في نطاق الإنجازات السياسية«. وهو ليس مخولاً له الإدلاء بأي تصريح سياسي.
في أحد مواقف السيارات المزروعة فيها خيم المعارضة يجلس مسؤول الانضباط، محاطاً بعدد من رفاقه يتقاسمون وجبة غداء تصلهم مع وجبتين إضافيتين كل يوم. الحديث عن تفاصيل الحياة في المخيم ممنوع على المسؤولين هنا، غير أن الجولة في المخيم تقود إلى استنتاج وحيد: اعتصام المعارضة في شبه غيبوبة.
منال أبو عبس
Al-Hayat (789 كلمة)
تاريخ النشر 25 أغسطس 2007
عرض جميع البيانات
على بعد خطوات من ساحة اعتصام المعارضة يجلس حارس مرأب للسيارات. أمامه، على الرصيف، وعاء بلاستيك أبيض فيه أعلام ثلاثة. ألوان الأعلام البرتقالي والأصفر والأخضر صارت باهتة، فلا يبدو أن ثمة مشترين لها في هذه الأيام. أمام البائع أيضاً قلادات وولاعات ورباطات تحمل صور زعماء المعارضة. هي أيضاً مكدسة.
من زاوية الحارس يمكن مشاهدة ساحة الاعتصام، وقد بدت شبه خالية. مشهد زحمة السير الخانقة في الطرق المتفرعة من الساحة المقفلة الخاوية يجعل الأخيرة تبدو كأنها خارج الزمان والمكان. من الزاوية أيضاً، يمكن رواية مشاهد استجدّت على محيط الاعتصام: العمال السوريون وقد عادوا إلى الجلوس تحت جسر فؤاد شهاب وعلى أكتافهم معدات »الشيالة«. الصورة لم تكن مألوفة في المرحلة التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتنامي الممارسات العنصرية في حق كثر منهم. اليوم يجلس العمال وخلف ظهورهم صور النائب ميشال عون وخيم »التيار الوطني الحر« في اعتصام المعارضة المفتوح في وسط بيروت.
صور الرئيس اللبناني اميل لحود بدورها عادت إلى محيط الساحة. الصور التي زرعت قبل التمديد واقتعلت بعد اغتيال الحريري عادت أيضاً. ومعها شعارات مثل »وطنية الوطن وحفظ المواطن«، ولا تبعد من لافتات أخرى تهنئ لحود »المقاوم الأول... بعيد الجيش«. الصورة من رصيف مرأب السيارات تبدو أكثر حيوية منها داخل المخيم. على المدخل المؤدي إلى ساحة الشهداء، يجلس شبان ثلاثة من انضباط »حزب الله«. مهمة الشبان تقضي بمنع السيارات غير المأذون لها من الدخول. ولا يتدخلون في شؤون المارة. على بعد خطوات منهم، يرفرف علم »الحزب السوري القومي الاجتماعي« وآخر لـ »تيار المردة« (يترأسه الوزير السابق سليمان فرنجية). ومن بعيد يصل صوت رجال عدة يحللون سبب عدم ترشيح المعارضة للنائب السابق نجاح واكيم للانتخابات الفرعية في بيروت.
داخل المخيم يصعب الحصول على من يملك الإذن بالحديث عن سبب بقائه. الخيم الكثيرة المزروعة داخل مرائب السيارات لم تعد تغص بالمعتصمين. والمنصة التي كانت مخصصة للاحتفالات المسائية، توقف عدادها الرقمي عند الرقم200، مع أننا في اليوم 277 من تاريخ الاعتصام. المنظمون أنفسهم توقفوا عن تنظيم نشاطات مسائية تستقطب المناصرين. لكن ذلك ليس كافياً لإقناع أحد بفشل الاعتصام، فـ »ثمة مخطط لاعادة تنشيط المخيم في الأيام المقبلة«، على حد قول أحد مسؤولي الانضباط. غير أن الدخول في التفاصيل يحتاج إلى قرار مركزي يسمح له بالتحدث إلى الإعلام، على ما يقول. يبتعد مع ابتسامة وكلمتين: »لننتظر المفاجآت«.
صورة الخواء المحيطة به، تضع مسؤول انضباط آخر في موقف المدافع عن قضية لا يجدها خاسرة: »الناس لم تعد تأتي لأسباب ثلاثة: الأول اقتصادي، والثاني بسبب الطقس الحار، والثالث بسبب اصطياف عدد كبير من المناصرين خارج بيروت«. لكن في المخيم شباناً آخرين، يحملون هواتف لاسلكية، ويمضون أوقات تشبه دوامات العمل. هؤلاء يضعون على صدورهم كلمة: انضباط، وبحسب المسؤول »ملتزمون مع أحزابهم التي يؤمن كل واحد منها تكاليف إقامة شبانه ومصاريفهم«. ومرة جديدة يجد الباحث عن إجابات أخرى نفسه أمام الحاجة الى »قرار مركزي« للكلام.
على مدخل آخر للمخيم، يجلس شاب عشريني. إلى جانبه يلف شريط أصفر مساحة من المكان تحولت إلى مرأب للدراجات النارية. مهمة الشاب الذي يبدو متحمساً، سؤال سائق الدراجة عن وجهته. سائق في معظم الأحيان عامل توصيل الوجبات إلى الموظفين في ما تبقى من مؤسسات في وسط بيروت. يرفض الشاب الحديث عن تفاصيل يومياته »إلا بعد الحصول على إذن من المسؤول عن الانضباط في المخيم«. ويقول إن مسؤولاً في حركة »أمل« في منطقته أخبره قبل شهر بأن دوره حان ليتولى الحراسة في المخيم، وهكذا كان.
بعد أسبوع واحد من الآن، يدخل اعتصام المعارضة شهره التاسع، من دون أن تظهر في الأفق أي بارقة أمل بولادة محتملة. فالاعتصام الذي انطلق بأهداف أولها إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لم يحقق أي هدف عملي حتى الساعة. وإن كان أحد مسؤولي الانضباط فيه يؤكد أن »ثمة أهدافاً كثيرة حققها الاعتصام«. ولا يكشف عن أي منها، لأن ذلك بحسب قوله، »يدخل في نطاق الإنجازات السياسية«. وهو ليس مخولاً له الإدلاء بأي تصريح سياسي.
في أحد مواقف السيارات المزروعة فيها خيم المعارضة يجلس مسؤول الانضباط، محاطاً بعدد من رفاقه يتقاسمون وجبة غداء تصلهم مع وجبتين إضافيتين كل يوم. الحديث عن تفاصيل الحياة في المخيم ممنوع على المسؤولين هنا، غير أن الجولة في المخيم تقود إلى استنتاج وحيد: اعتصام المعارضة في شبه غيبوبة.
No comments:
Post a Comment