Thursday, November 22, 2007

جان عبيد... المفوه الصامت

جان عبيد... المفوه «الصامت» الذي يرشحه الآخرون



منال أبو عبس
Al-Hayat (844 كلمة)
تاريخ النشر 22 نوفمبر 2007


ينطبق على الوزير السابق جان عبيد إلى حد كبير توصيف « المرشح الذي يرشحه الآخرون ». فعبيد، « المرشح الدائم للرئاسة » منذ عام 1982، لم يعمد ولو لمرة واحدة إلى إعلان نفسه مرشحاً للمنصب، وإن كان نقل عنه قوله: « أريد أن أنال مرتبة الرئيس لا مرتبة المرشح ».

وعلى رغم أن خصومه يأخذون عليه أنه كان صديقاً متميزاً لسورية أيام كانت الناخب الأول والأقوى للرئيس اللبناني، فإن عبيد لم يحظ ولا مرة خلال 29 سنة من الوجود السوري في لبنان بلقب فخامة الرئيس، مع أن اسمه كان حاضراً في كل حديث عن لوائح رئاسية.

أما اليوم، وبعد أكثر من عامين من الخروج السوري واشتداد الأزمة الرئاسية ومشارفة ولاية الرئيس اميل لحود على الانتهاء، عاد اسم عبيد ليطرح مرشحاً توافقياً، لكنه لم يرد في لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير. وعلى رغم اختياره الصمت والابتعاد من الأضواء في أي نشاطات يقوم بها لتقديم نفسه مرشحاً توافقياً، إلا أن وقوفه خارج معسكري 8 و14 آذار كان الحجة الأبرز لمن يطرحه اسماً وسطياً.

جان بدوي عبيد، ماروني لبناني وقومي عربي. ولد في علما - قضاء زغرتا، شمال لبنان عام 1939. متزوج من لبنى البستاني ابنة قائد الجيش السابق اميل البستاني ولهما خمسة أولاد. والده بدوي كان مقرباً من حميد فرنجية وزير خارجية الاستقلال ووالد النائب الحالي سمير فرنجية وشقيق الرئيس السابق سليمان فرنجية.

دخل عالم الصحافة رئيساً لتحرير مجلة »الصياد«، وغادره عام 1968. تنقل عبيد بين مناصب عدة. عين مستشاراً لرئيسي الجمهورية إلياس سركيس وأمين الجميل. في عهد الجميل فسحت شبكة علاقاته الواسعة المجال لإبراز مهاراته في جمع المتناقضات وتقريب وجهات النظر. وألقيت على عاتقه مسؤولية تأمين اجتماعات الجميل بأكثر من طرف بينها الرئيس الشهيد رشيد كرامي ووليد جنبلاط وقادة فلسطينيين، فضلاً عن دوره الأساس صلة وصل بين الجميل ودمشق أيام الرئيس حافظ الأسد الذي كانت تربطه به علاقة متميزة (تدخل الأسد مباشرة لاطلاق سراح عبيد المخطوف على يد »منظمة الجهاد الإسلامي« عام 1987). ومع »اتفاق 17 أيار« ساءت العلاقة بين الجميل وعبيد الذي أعرب عن معارضته الاتفاق بالابتعاد من الجميل، لأن الأخير لم يطلعه على ما توصل إليه المفاوضون مع إسرائيل. غير أن الرفض الشعبي وتجدد الاقتتال الداخلي، دفعا الجميل إلى مطالبة عبيد بالعودة والمشاركة في مفاوضات إلغاء الاتفاق. فصاغ عبيد بيان الإلغاء.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لعب عبيد دور الوسيط بين اكثر من طرف: بين سورية واللبنانيين وبين الفلسطينيين واللبنانيين، كما بين اللبنانيين أنفسهم. شارك في مؤتمر جنيف لحل الصراع الداخلي اللبناني وإنهاء الحرب. وإثر اغتيال الرئيس رينيه معوض بعد اتفاق الطائف، اعتقد الجميع أن عبيد هو الرئيس البديل، خصوصاً أن نائب الرئيس السوري آنذاك عبد الحليم خدام اتصل برفيق الحريري في باريس متمنياً عليه إحضار عبيد إلى دمشق بسرعة. لكن الياس الهراوي صار هو الرئيس. وعين عبيد نائباً عام 1991 (وانتخب في الدورات اللاحقة حتى عام 2000)، ثم عيّن وزيراً للتربية عام 1996 في حكومة الرئيس الحريري خلال عهد الهراوي.

ومع اقتراب نهاية ولاية الهراوي، قيل إن الرئيس الحريري طرح اسم عبيد للرئاسة، لمنع وصول لحود إلى السلطة عام 1998، غير أن أمنية الحريري لم تتحقق. وعين عبيد عام 2003 وزيراً للخارجية في حكومة الرئيس الحريري خلال عهد لحود، ما اتاح له بناء علاقات عربية واسعة.

في الانتخابات النيابية عام 2005، لم يترشح بسبب انقسام البلد بين فريقي 8 و14 آذار، وشهدت الفترة نفسها توتر العلاقة بينه وبين الوزير السابق سليمان فرنجية.

اشتهر عبيد بقدرته على التوفيق بين أكثر من فريق. ولذلك، كان مقرباً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن السوريين في الوقت نفسه، وبخاصة أيام الرئيس حافظ الأسد. عهد الرئيس الحالي بشار الأسد شهد بداية الخلاف السوري مع عبيد، لسببين كلاهما نابع من حرصه على مصلحة سورية. السبب الأول، رفضه التمديد للرئيس لحود وتحذيره السوريين من تداعيات التمديد والقرار 1559. والثاني انتقاده حملات التهجم على الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي شنها حلفاء سورية في لبنان. لأن، بحسب عبيد، شيراك كان في مقدم الرؤساء الغربيين الذين زاروا سورية ورعوا تسلم بشار الأسد الرئاسة. لذلك فإن الخلاف معه لا يجوز.

السببان افرزا غضباً سورياً على عبيد، يضاف إليهما الحديث عن خلافات بينه وبين الرئيس لحود الذي كان يشكوه إلى دمشق، وهو ما أكده خدام في مقابلة مع »العربية« بعد انشقاقه عن النظام السوري.

يسجل مناصرو عبيد له أنه كان يطرح أفكاره من دمشق بعقلانية وصوت عال، إضافة إلى دوره في تعديل مشروع القرار 1559 في صيغته الأولى. وهنا يحسب له حسن استغلاله لمنصب وزير الخارجية لتعديل القرار الذي كان يطالب »بانسحاب القوات السورية من لبنان من دون تأخير«. وأثمرت جهوده عن شطب كلمة »سورية« من الصيغة المعدلة، ليطالب القرار بـ »سحب جميع القوات الأجنبية من لبنان من دون تأخير«.

يسجل لعبيد أيضاً، أنه حظي باحترام مسؤولين سعوديين وخليجيين بارزين، وربما ساعده في ذلك انه حجة في معرفة الشعر العربي وحفظه، إضافة إلى تبحره في التراث والدين الإسلامي وحفظه القرآن.

صحافي وخطيب ومتحدث لبق وديبلوماسي حلو الكلام، وغيرها أوصاف كثيرة رافقت مسيرة عبيد في عالم السياسة. غير أن إقلاله من التصريحات والإطلالات الإعلامية، وانكفاءه جزئياً عن عالم السياسة المنقسم بين معسكري 8 و14 آذار، جعلا منه مرشحاً صامتاً للرئاسة التي تشغل لبنان والعالم.

وينقل أصدقاؤه عنه قوله تعليقاً على سلبية بعض الجهات ازاء ترشحه، أنه يفضل الرئاسة بكرامة، وإلا فإنه يفضل أن يبقى محتفظاً بالكرامة من دون الرئاسة. وكان له نتيجة مواقفه المشابهة صداقات واسعة، لدى المقربين من زعماء الأطراف إلى درجة أن بعضهم يقول أن هناك حزباً اسمه حزب جان عبيد.

No comments:

Post a Comment