Wednesday, February 16, 2005

حين صرخ الأخرس

حين صرخ الأخرس ... وبكت الحشود أمام منزل « الرئيس الشهيد »

منال أبو عبس
Al-Hayat (620 كلمة)
تاريخ النشر 16 فبراير 2005




«الرجاء لا تلمس الباب لأن الزجاج مكسور"، تقول اللافتة التي علقت على باب مطعم «كاسبير آند غامبيني» في وسط بيروت. المطعم يبعد خطوات من جامع محمد الأمين حيث سيرقد جثمان الرئيس الراحل اليوم. أما أمس، فلم يكن وسط بيروت يشبه نفسه: المقاهي مقفلة والإنارة خافتة وصور الراحل ترفع على زجاج السيارات وواجهات المحال التجارية الكبرى.

لا شيء من بيروت كان يشبه نفسه أمس. قليلون استغلوا شمس النهار الساطعة بعد عاصفة ثلجية ضربت لبنان أياما عدة، لتنجلي يوم رحيل الرئيس. العمال الأجانب الشبان كسروا إضرابا فرضه اللبنانيون على أنفسهم، فورشة استقبال الجثمان يجب أن تسير على اكمل وجه: السور الخشب المحيط بالجامع يعاد طلاؤه باللون البيض. وصوت المؤذن يرتفع من الجامع الواقع الى يسار تمثال الشهداء الذي لم يخل من صور الراحل وعلم جمعية «شباب المستقبل» مزروعا في أحد ثقوبه. السيارات المغطاة بصور الشهيد والشموع البيض المضاءة تكسو المكان، وتلطف من حدة الحركة المتسارعة للجرافات والآليات التي لم تعد تملك الكثير من الوقت لإنجاز المهمة. في الساحة الداخلية للمسجد، كان القائمون يرسمون صورة مسبقة للغد. يقيسون المسافة بالسنتيمترات وفي أذهانهم ترتسم صورة السجاد الأخضر الذي ستثبت عليه الكراسي البلاستيكية البيض آخر النهار، وتغطيه الخيم القماشية على أعمدة من حديد. مرقد الرئيس مكان حدده القائمون مسبقا: حديقة المسجد الذي وضع الراحل حجره الأساس.

بين مسجد الأمين وقصر قريطم، مقر الرئيس الحريري، مسافة كبيرة غلفها جو من الكآبة. لا أمكنة تسلية ولا مطاعم أو دور سينما. فقط إحساس بالحزن تزيد من حدته الأعلام السود التي رفعها أنصار الرئيس على سياراتهم وجالوا فيها في شوارع العاصمة. سيارة مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني تنطلق مسرعة من أمام القصر. خلفها يركض شابان يحاولان اللحاق بها، وجيب درك. «موكب المفتي تعرض إلى اعتداء وحطم الشبان زجاج سيارته"، تكون دليل امتعاض أنصار الحريري من استقبال المفتي لرئيس الحكومة عمر كرامي ليلة وقوع الجريمة. داخل القصر مراسم عزاء عادية. النائب بهية الحريري تتقبل التعازي وقد بدت عليها سمات الانهيار، ونازك (زوجة الراحل) عزلت نفسها عن الجميع بعدما انهارت من هول الصدمة. خارج القصر كان المشهد اقل رسمية. وقف العجوز الأخرس أمام الحشود، وقد ضاق به الخناق. أطلق صرخة كأنما اختزلت مآسي سني عمره الكثيرة. وضرب على وجهه الذي غطته الدموع بكفي يديه. العجوز لم يحسن التحدث عما يختلج في قلبه، لكن أحزانه بالتأكيد لم تقل عن أحزان من وقفوا أمام القصر منذ وقوع الانفجار.

«ثلاثة أيام وتنسون ما حدث"، «البلد ع كف عفريت"، «يا الله خذ له حقه يا الله"، «كان يساعد الكل"، «كل ما واحد مات بفرنسا بيتلفنوا للحريري حتى يجيبه بطيارته، يللا الحريري راح مين بدو يجيب اللي بيموتو؟"، كانت بعضا من الصرخات التي أطلقتها النسوة المتشحات بالسواد.

في المفترق المحاذي للقصر توجد جمعية «شباب المستقبل» التي أسسها الرئيس الشهيد. أعضاء الجمعية شبان جامعيون ملونون بألوان طوائف لبنان الكثيرة. جلسوا على الكراسي يتابعون التطورات أمام شاشة عملاقة، فيما توزع قسم منهم داخل القصر لتقديم المساعدة، أو لتقديم الصور والأعلام إلى طالبيها.

في شوارع بيروت رفعت اللافتات المنددة بعملية الاغتيال، وغطيت إعلانات دار الأيتام اللبنانية على الطرقات بقماشات سود، كتب عليها «رحمات الله عليك"، كما اقفل أحد المتاجر الكبرى أبوابه، ورفع عليها صور الحريري على خلفية بيضاء وكلمة «إضراب مفتوح».

No comments:

Post a Comment