اللون الأسود في كل مكان : الرئيس بخير ... الرئيس قضى
منال أبو عبس
Al-Hayat (1,169 كلمة)
تاريخ النشر 15 فبراير 2005
هل يهم فعلا أكان البلد في حال حرب معلنة أم لم يكن؟ دوي الانفجار وحده لن يفارق ذاكرتك ما أن تسمعه للمرة الأولى. وإذا صودف أن اختبرته في السابق، فقد عرفت جزءا كبيرا مما حدث أمس: تغوص الأرض قليلا نحو الأسفل، يهز صوت «بوف» الأجواء، وتنطلق صفارات «واوو... واوي». تنظر إلى السماء، وترافق اللون الأسود الذي يغطي مساحات كبيرة منها.
ساحة بشارة الخوري لا تبعد كثيرا عن محيط عين المريسة، الأرض فيها اهتزت بقوة، وتساقط جزء من زجاج الأبنية المحيطة. الدخان الأسود تصاعد بسرعة نحو الأعلى. وطريق وسط بيروت (سوليدير) أمكن اجتيازها ركضا بوقت قياسي.
زجاج المكاتب المقابلة للسرايا الحكومية تناثر على الأرض. والزوار الأجانب تركوا مقاعد المقاهي المجاورة، جهزوا كاميراتهم الرقمية وركضوا باتجاه مكان الانفجار. وجوه الناس تتشابه في «مناسبات» كهذه: صفراء، شاحبة، لا تفلح الابتسامات المفتعلة في تبديد سمات ذهولها.
مبنى «ستاركو» يشبه ذلك الذي كان عليه في زمن الحرب. السقوف الخشب انهارت، والعمال لم يؤجلوا مهمة التنظيف وكنس الزجاج إلى وقت لاحق. «لن يسمحوا لكم بالمرور"، يقول الشاب بينما يركض باتجاه وسط بيروت. عناصر من الجيش اخبروا الشاب أن عبوة ناسفة أخرى زرعت في المكان، وبأنهم يحاولون تفكيكها. «كذبة بائتة"، يرد صديقه، فـ"لدى اللبنانيين ماجستير في فنون حروب العبوات، وأكاذيب الأمنيين المكشوفة لتخويف الناس بقصد تفريقهم». يسخر من الشائعات المنتشرة بسرعة البرق حول حدوث «انفجار ثان على البربير».
الفنادق القريبة من محيط الانفجار تدخل في قائمة المناطق السياحية، وتنسب إلى طبقة الأثرياء. لكن ستائر طوابقها العليا المغطاة بلون الدخان، ترفرف خارج النوافذ التي تناثر زجاجها في الأسفل. بين فنادق «المونرو» و"فينيسيا» و"السان جورج» كانت الصورة. وأكثر تحديدا على الطريق الفاصل بين واجهة السان جورج المطلة على فينيسيا، والبناء الجديد الملاصق لمصرف HSBC كانت «الكارثة».
سيارات الإطفاء والدفاع المدني وعناصر الصليب الأحمر والجيش اللبناني، ليسوا الوحيدين في المكان. خليط هائل من شبان وشابات وعجائز وأطفال وعمال يركضون باتجاه ساحة الحدث. لا تمنعهم الشرائط الصفر التي لا يعلم كيف أحضرت، لكنها سيجت المكان في دقائق.
«عم فتش على مرتي"، يقول الشاب وقد غطى وجهه سخام أسود. الشاب متزوج حديثا، وزوجته جاءت تسدد قسط قرض أخذته من المصرف المجاور. يبكي الشاب متأبطا ذراع رجل ستيني، مستجديا العنصر الأمني السماح له الدخول: «بس شوي خليني اقترب». لكن الأمني يتقن تنفيذ المهمة، ولا يسمح بدخول المدنيين، إنما «فقط المصورين والصحافيين"، وبحجة منطقية: «أدلة جنائية، ولحم القتلى اختلط بالزفت».
السيارات المركونة على بعد أمتار من مكان التفجير كشطت ألوانها، تغيرت معالمها فاستحالت كعجينة فضية اللون التصق بها لحم اسود متفحم. والمعلومة الأكيدة الوحيدة حتى الساعة هي أن التفجير"استهدف موكب الحريري». لكن «الرئيس بخير وقد أجروا معه اتصالا من المستشفى"، يقول أحد الأمنيين.
أحدث الانفجار حفرة بعمق مترين ونصف متر، وعرض أربعة أمتار. تطايرت الشرفات الإسمنتية من فندق السان جورج واستقرت على الطريق. والأمني يقول أن الرئيس بخير. فـ"سيارته مصفحة، وهو الذي يقودها في العادة"، ترد السيدة التي تمسح دموعها بمنديل ابيض، بعدما تأكد نبأ وفاة مرافق الحريري أبو طارق العرب.
«السيارة التي حملت المتفجرة من نوع «بي أم"، «المتفجرة وضعت تحت الزفت"، «التفجير تم عبر عبوة ناسفة من دون سلك"، «المفجرون يعرفون أن موكب الحريري يشوش على الرادارات المحيطة، لذلك اعتمدوا طريقة التفجير بالتوقيت"، كانت بعضا من التحليلات الكثيرة المتطايرة من كل حدب وصوب.
«هيدا مين هو فرجوني إياه"، يصرخ مدير احدى المؤسسات القريبة التي خسرت خمسة من موظفيها. «ما هو شكله، هل كان على الطريق من ناحية البنك؟"، يسأل. الأمني يخبره بأن «الجثث بلا رؤوس، ما فيك تشوف"، لكنها اخرجت من السيارات المتوقفة جانبا. «لا ليس هو. لم يكن في سيارة"، يقول وينطلق إلى زاوية أخرى. الثانية والربع، بعد ساعة واحدة من وقوع الانفجار، تأكد خبر استشهاد الرئيس الحريري، بعد نحو ساعة من خروجه من جلسة اللجان النيابية المخصصة لمناقشة مشروع قانون الانتخاب.
النائب باسم يموت رأى أن المعارضة هي المسؤولة. لا أدلة يملكها النائب «الحريري السابق» لكنه يوصف المعارضة بالغبية، ويعتبر أنها ستقود البلد إلى انقلاب بالقوة. قبل يموت تفقد رئيس الحكومة عمر كرامي المكان. جال فيه لدقائق وذكر الموجودين بأنه كان حذر من «أمور مماثلة في السابق"، فـ"الإحتقان سيؤدي إلى مصائب».
يوسع عناصر الجيش طوق الحظر. ويدفعون الحشود إلى الوراء، فالمهم أن نبأ الوفاة تأكد. يتركون الساحة، مفسحين المجال إلى سياسيين كثر، سيتفقدون المكان، وسيحملون جهات كثيرة المسؤولية.
قتلى وجرحى
أكدت ادارة مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت في بيان صدر عنها امس، ان الرئيس الحريري نقل متوفيا ومشوه الجثة الى المستشفى. واحصت تسع جثث ونحو مئة جريح احضروا بعد الانفجار. وعلقت على الجدران الخارجية لقسم الطوارئ اسماء 33 جريحا ابقوا قيد العلاج وهم: بسام دياب، فاروق شيخ علي، شكري بول رزق، عدنان بلال عيتاني، زياد مازن عيد، يوسف احمد مياسي، يوسف مزهر، مروان سامر طالب، ابراهيم خليل عرب، خالد علي دوغان، زينه وليد شهاب، علي راشد حمود، بسام سعد عريسي، طلال قبيسي، ابو سليمان خشفة، رفيق مجدي ابو نجم، رضا سايد احمد، طوني نجم غنيمة، رفيق مجدي ابو نجم، تركي باتان، احمد عادل حسيني، مجدي نديم ابو نجم، عماد بكداشي، رانيا وهبه، فؤاد نهرا، نبيل طبارة، باسم كستي، منصور روسبان، هيليني ديفسيان، سهى عصام احمد، سلمان معروف، انيس خليل صيداني وأمل ابو نجم. كما عرف من الجرحى هيثم عثمان، ونقل 30 جريحا الى مستشفى طراد. وأصيب في الانفجار النائب باسل فليحان الذي كان مع الرئيس الحريري ونقل الى مستشفى الجامعة الأميركية وهو في حال الخطر الشديد نتيجة الحروق البالغة التي أصيب بها، وثمة مساع لنقله الى خارج لبنان للمعالجة على متن طائرة فرنسية طبية كان الرئيس شيراك أرسلها الى لبنان فور وقوع الانفجار لنقل الحريري والجرحى للمعالجة في فرنسا. وعرف من القتلى مرافق الحريري يحيى العرب (أبو طارق). واقام الصليب الأحمر اللبناني خيمة استشفاء للاسعافات الاولية.
منال أبو عبس
Al-Hayat (1,169 كلمة)
تاريخ النشر 15 فبراير 2005
هل يهم فعلا أكان البلد في حال حرب معلنة أم لم يكن؟ دوي الانفجار وحده لن يفارق ذاكرتك ما أن تسمعه للمرة الأولى. وإذا صودف أن اختبرته في السابق، فقد عرفت جزءا كبيرا مما حدث أمس: تغوص الأرض قليلا نحو الأسفل، يهز صوت «بوف» الأجواء، وتنطلق صفارات «واوو... واوي». تنظر إلى السماء، وترافق اللون الأسود الذي يغطي مساحات كبيرة منها.
ساحة بشارة الخوري لا تبعد كثيرا عن محيط عين المريسة، الأرض فيها اهتزت بقوة، وتساقط جزء من زجاج الأبنية المحيطة. الدخان الأسود تصاعد بسرعة نحو الأعلى. وطريق وسط بيروت (سوليدير) أمكن اجتيازها ركضا بوقت قياسي.
زجاج المكاتب المقابلة للسرايا الحكومية تناثر على الأرض. والزوار الأجانب تركوا مقاعد المقاهي المجاورة، جهزوا كاميراتهم الرقمية وركضوا باتجاه مكان الانفجار. وجوه الناس تتشابه في «مناسبات» كهذه: صفراء، شاحبة، لا تفلح الابتسامات المفتعلة في تبديد سمات ذهولها.
مبنى «ستاركو» يشبه ذلك الذي كان عليه في زمن الحرب. السقوف الخشب انهارت، والعمال لم يؤجلوا مهمة التنظيف وكنس الزجاج إلى وقت لاحق. «لن يسمحوا لكم بالمرور"، يقول الشاب بينما يركض باتجاه وسط بيروت. عناصر من الجيش اخبروا الشاب أن عبوة ناسفة أخرى زرعت في المكان، وبأنهم يحاولون تفكيكها. «كذبة بائتة"، يرد صديقه، فـ"لدى اللبنانيين ماجستير في فنون حروب العبوات، وأكاذيب الأمنيين المكشوفة لتخويف الناس بقصد تفريقهم». يسخر من الشائعات المنتشرة بسرعة البرق حول حدوث «انفجار ثان على البربير».
الفنادق القريبة من محيط الانفجار تدخل في قائمة المناطق السياحية، وتنسب إلى طبقة الأثرياء. لكن ستائر طوابقها العليا المغطاة بلون الدخان، ترفرف خارج النوافذ التي تناثر زجاجها في الأسفل. بين فنادق «المونرو» و"فينيسيا» و"السان جورج» كانت الصورة. وأكثر تحديدا على الطريق الفاصل بين واجهة السان جورج المطلة على فينيسيا، والبناء الجديد الملاصق لمصرف HSBC كانت «الكارثة».
سيارات الإطفاء والدفاع المدني وعناصر الصليب الأحمر والجيش اللبناني، ليسوا الوحيدين في المكان. خليط هائل من شبان وشابات وعجائز وأطفال وعمال يركضون باتجاه ساحة الحدث. لا تمنعهم الشرائط الصفر التي لا يعلم كيف أحضرت، لكنها سيجت المكان في دقائق.
«عم فتش على مرتي"، يقول الشاب وقد غطى وجهه سخام أسود. الشاب متزوج حديثا، وزوجته جاءت تسدد قسط قرض أخذته من المصرف المجاور. يبكي الشاب متأبطا ذراع رجل ستيني، مستجديا العنصر الأمني السماح له الدخول: «بس شوي خليني اقترب». لكن الأمني يتقن تنفيذ المهمة، ولا يسمح بدخول المدنيين، إنما «فقط المصورين والصحافيين"، وبحجة منطقية: «أدلة جنائية، ولحم القتلى اختلط بالزفت».
السيارات المركونة على بعد أمتار من مكان التفجير كشطت ألوانها، تغيرت معالمها فاستحالت كعجينة فضية اللون التصق بها لحم اسود متفحم. والمعلومة الأكيدة الوحيدة حتى الساعة هي أن التفجير"استهدف موكب الحريري». لكن «الرئيس بخير وقد أجروا معه اتصالا من المستشفى"، يقول أحد الأمنيين.
أحدث الانفجار حفرة بعمق مترين ونصف متر، وعرض أربعة أمتار. تطايرت الشرفات الإسمنتية من فندق السان جورج واستقرت على الطريق. والأمني يقول أن الرئيس بخير. فـ"سيارته مصفحة، وهو الذي يقودها في العادة"، ترد السيدة التي تمسح دموعها بمنديل ابيض، بعدما تأكد نبأ وفاة مرافق الحريري أبو طارق العرب.
«السيارة التي حملت المتفجرة من نوع «بي أم"، «المتفجرة وضعت تحت الزفت"، «التفجير تم عبر عبوة ناسفة من دون سلك"، «المفجرون يعرفون أن موكب الحريري يشوش على الرادارات المحيطة، لذلك اعتمدوا طريقة التفجير بالتوقيت"، كانت بعضا من التحليلات الكثيرة المتطايرة من كل حدب وصوب.
«هيدا مين هو فرجوني إياه"، يصرخ مدير احدى المؤسسات القريبة التي خسرت خمسة من موظفيها. «ما هو شكله، هل كان على الطريق من ناحية البنك؟"، يسأل. الأمني يخبره بأن «الجثث بلا رؤوس، ما فيك تشوف"، لكنها اخرجت من السيارات المتوقفة جانبا. «لا ليس هو. لم يكن في سيارة"، يقول وينطلق إلى زاوية أخرى. الثانية والربع، بعد ساعة واحدة من وقوع الانفجار، تأكد خبر استشهاد الرئيس الحريري، بعد نحو ساعة من خروجه من جلسة اللجان النيابية المخصصة لمناقشة مشروع قانون الانتخاب.
النائب باسم يموت رأى أن المعارضة هي المسؤولة. لا أدلة يملكها النائب «الحريري السابق» لكنه يوصف المعارضة بالغبية، ويعتبر أنها ستقود البلد إلى انقلاب بالقوة. قبل يموت تفقد رئيس الحكومة عمر كرامي المكان. جال فيه لدقائق وذكر الموجودين بأنه كان حذر من «أمور مماثلة في السابق"، فـ"الإحتقان سيؤدي إلى مصائب».
يوسع عناصر الجيش طوق الحظر. ويدفعون الحشود إلى الوراء، فالمهم أن نبأ الوفاة تأكد. يتركون الساحة، مفسحين المجال إلى سياسيين كثر، سيتفقدون المكان، وسيحملون جهات كثيرة المسؤولية.
قتلى وجرحى
أكدت ادارة مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت في بيان صدر عنها امس، ان الرئيس الحريري نقل متوفيا ومشوه الجثة الى المستشفى. واحصت تسع جثث ونحو مئة جريح احضروا بعد الانفجار. وعلقت على الجدران الخارجية لقسم الطوارئ اسماء 33 جريحا ابقوا قيد العلاج وهم: بسام دياب، فاروق شيخ علي، شكري بول رزق، عدنان بلال عيتاني، زياد مازن عيد، يوسف احمد مياسي، يوسف مزهر، مروان سامر طالب، ابراهيم خليل عرب، خالد علي دوغان، زينه وليد شهاب، علي راشد حمود، بسام سعد عريسي، طلال قبيسي، ابو سليمان خشفة، رفيق مجدي ابو نجم، رضا سايد احمد، طوني نجم غنيمة، رفيق مجدي ابو نجم، تركي باتان، احمد عادل حسيني، مجدي نديم ابو نجم، عماد بكداشي، رانيا وهبه، فؤاد نهرا، نبيل طبارة، باسم كستي، منصور روسبان، هيليني ديفسيان، سهى عصام احمد، سلمان معروف، انيس خليل صيداني وأمل ابو نجم. كما عرف من الجرحى هيثم عثمان، ونقل 30 جريحا الى مستشفى طراد. وأصيب في الانفجار النائب باسل فليحان الذي كان مع الرئيس الحريري ونقل الى مستشفى الجامعة الأميركية وهو في حال الخطر الشديد نتيجة الحروق البالغة التي أصيب بها، وثمة مساع لنقله الى خارج لبنان للمعالجة على متن طائرة فرنسية طبية كان الرئيس شيراك أرسلها الى لبنان فور وقوع الانفجار لنقل الحريري والجرحى للمعالجة في فرنسا. وعرف من القتلى مرافق الحريري يحيى العرب (أبو طارق). واقام الصليب الأحمر اللبناني خيمة استشفاء للاسعافات الاولية.
No comments:
Post a Comment