Monday, February 28, 2005

مبادرة مشتركة بين شركتي « انتل » و« أي بي ام »

بفضل مبادرة مشتركة بين شركتي « انتل » و« أي بي ام » معلوماتية النفط والغاز تتخذ من ابوظبي مقرا وتقدم الحوسبة الالكترونية للباحثين عن الطاقة في العالم !

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,226 كلمة)
تاريخ النشر 28 فبراير 2005

لا تبعد امارة أبو ظبي كثيرا عن جارتها دبي المتألقة، في المعلوماتية والاعمال. لا يفصل الامارتين سوى ساعتين من السفر بالسيارة، فوق رمال لم تعد فراغا في العمران. ومن السيارة، لا يصعب ملاحظة ان ما يشبه الجسر العمراني بات يصل بين مكانين يشكلان جزءا من كيان سياسي واحد: الامارات العربية المتحدة. تستقطب دبي رؤوس الأموال من كل حدب وصوب. ومن نافذة الطائرة، يتشابه منظر الامارتين في الليل. كلاهما كبة من ضياء يمتد بين قتامتي الصحراء وماء الخليج العربي.

لعل هذه الصورة لمدن تنهض في الصحراء، دفعت شركتي »إنتل« Intel و«أي بي ام« IBM, وكلاهما من عمالقة تكنولوجيا المعلوماتية، لاختيار ابوظبي مقرا لمبادرتهما المشتركة المتمثلة في انشاء »مركز الامتياز لقطاع الطاقة« Energy Competency Center. ويعتبر مركزا أول من نوعه في دول العالم، من حيث تخصصه في المعلوماتية المتصلة بقطاع النفط والغاز على المستوى الدولي. والمعلوم ان شركة »انتل« تمثل اكبر صانع مفرد للرقاقات الالكترونية عالميا، فيما تتخصص »أي بي ام« في الحوسبة والاجهزة الالكترونية، علما انها صنعت اول جهاز كومبيوتر مكتبي في التاريخ.

ابوظبي مستقرا لمعلوماتية الطاقة

انطلاقا من الأهمية العلمية الفائقة للمركز، التي يزيدها الارتفاع التاريخي راهنا لاسعار النفط ، دعت الشركتان صحافيين من العالم لحضور إطلاق مبادرتهما العالمية المذكورة, في مستهل الأسبوع الفائت.

ثمة جديد طرأ على قطاع النفط في العالم العربي في الآونة الأخيرة. ثمة تخمينات تقول باقتراب حدوث طفرة نفطية جديدة، تترافق مع ارتفاع أسعار النفط عالميا. وثمة شركات تكنولوجية تتطور يوما بعد يوم، تخط منفذا إلى حقول مملوءة بالثروات. فيتنامى الرابط بين حقول النفط والغاز وبين مراكز البيانات. لكن، هل يسهم تطور التكنولوجيا في تطوير الاستفادة من الثروات النفطية؟ وما هي طبيعة الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في هذا القطاع وأهميته؟

في العام 2002، انطلقت فكرة تأسيس المركز، عبر حوار مشترك بين شركتي »انتل« و«آي بي أم« في إمارة أبو ظبي. وحتى قبل اكتماله، نجح في تلبية الاحتياجات العلمية لشركات الاستكشاف والتطوير وخدمات النفط مثل »شلمبرجيه« و«لاندمارك« اللتين استفادتا من إمكاناته المتطورة في تعزيز اعمالهما العملاقة في قطاع الطاقة.

من البديهي ان تعتبر انطلاقة المركز واحدة من اهم الاعلانات التكنولوجية في قطاع الطاقة في المنطقة، التي ترتكز اقتصاداتها على النفط الى حد كبير. وقد كشفت شركتا »انتل« و«آي بي أم« عن عدد من الأنظمة الجديدة التي سيتم توفيرها من خلال »مركز الامتياز لقطاع الطاقة« الذي استضافته كليات جامعة التقنية العليا في أبو ظبي.

على يسار الرواق الطويل الفاصل بين قاعات احد المباني في الجامعة يقع المركز المؤلف من غرفتين صغيرتين. الأرجح ان أجهزة الكومبيوتر الحديثة السود، والعلب الضخمة التي تشبه خزائن المنزل قلما تعني شيئا إلى الأشخاص غير المعنيين بعملها. تجلس مجموعة من الشبان والشابات خلف هذه الأجهزة. ويتولى كل منهم عملا محددا، لينفذه بدقة واحتراف. مهمة المركز صعبة ودقيقة، فـ«لكل ركن فيه عمل خاص«، كما يشرح أحد المهندسين. »المركز مزود بأكثر المعدات والبرمجيات والبرمجيات الوسيطة تطورا وانفتاحا على مستوى العالم، اذ يضم تشكيلة واسعة من أجهزة خوادم »آي بي أم« من النوع المعروف بال«السلسلة اكس« eServer xSeries ، وكذلك الاجهزة التي يشار اليها باسم »محطات العمل«، والتي تديرها رقاقات الكترونية متخصصة في البيانات البصرية (غرافيكية)، ضمن سلسلة رقاقات »بانتيوم 4« التي تصنعها شركة »انتل«. تعمل المحطات بواسطة نظام التشغيل المفتوح المصدر »لينوكس« Linux. لكن، لا شيء مما يقول يبدو مألوفا إلى كثير من الصحافيين الذين توافدوا لزيارة المكان.

المحاكاة البصرية للبيانات

تتخذ أجهزة الكومبيوتر السود مثبتة على طاولات متفرقة، شكل حرف »يو« U، مما يترك مكانا في الواجهة لشاشة عملاقة تعرض خرائط وصورا بيانية لمكان البحث. نفهم لاحقا أن المركز يقدم تقنية »تكوين الصور باستخدام الحوسبة المعمقة« Deep Computing Visuality، واختصارا »دي في سي« DCV، التي تحاول تقديم حلول حوسبية ذات كفاية عالية. وتعتمد تقنية »دي في سي« على النظم المفتوحة المصدر، مما يخفض من تكلفة الحلول التي تقدمها.

ومن ناحية اخرى، تحسن تقنية DCV واجهة الرسوم البيانية الخاصة بالمستخدم. وتمكن من الوصول عن بعد إلى عدد من التطبيقات المعلوماتية بسهولة ويسر.

تجلس الباحثة خلف جهاز الكومبيوتر الخاص بها. تراقب بتمعن الصور الملونة لطبقات الأرض التي تظهر أمامها على الشاشة. »يمكن مشاهدة الرسوم البيانية العالية المستوى في أسلوبين من أساليب تكوين الصور: »الشبكة الصورية القابلة للقياس« Survillence Visual Network، واختصارا SVN لزيادة مستوى الوضوح في الشاشة وزيادة حجم الصورة، و«الشبكة الصورية عن بعد« Remote Visual Network، واختصارا RVN, التي تتيح استخدام الاجهزة من مسافات بعيدة. ويمكن هذان الأسلوبان من الوصول إلى قرارات دقيقة في شكل اكبر بالاعتماد على تحاليل البيانات المعقدة«، تقول الفتاة موضحة أن SVN ، على سبيل المثال، يسمح بتجسيم البيانات المعقدة، بأسلوب المحاكاة الافتراضية، فتغدو صورا سهلة الإدراك.

لكن، ما هو الثمن الذي يتقاضاه المركز لقاء خدماته؟ »لا مقابل ماديا«، يقول المسؤول. ويتيح المركز للشركات العاملة في قطاع النفط والغاز أن تختبر استراتيجيات فاعلة من اجل تحسين قدرتها على إدارة الخزانات والمنشآت وعمليات الإنتاج من خلال الاعتماد على بيئات عمل تعتمد على مفاهيم التعاون والعمل المشترك. من هذا المنطلق، لن يستفيد المركز في شكل مباشر. وتستفيد شركتا »إنتل« و«آي بي ام« في شكل غير مباشر، عبر اعتماد شركات النفط للأنظمة والأجهزة التي تصنعها الشركتان، والتي تختبر في المركز.

»ما عرض على العملاء يمثل تقنية تكوين الصور الممتلكة، وكان يمكن أن يكلف العملاء وقتا ومالا اكثر«، يقول نائب رئيس IBM ديف توريك. ويضيف أن تقنية DCV من »آي بي أم« تشتمل على جزء داخلي متكون من برمجية كومبيوتر يمكن العمل عليها من حواسيب رائجة ورخيصة الثمن. وكذلك تمكن التقنية الجديدة الزبون من استبدال الأنظمة القديمة ذات الأداء الوظيفي الخفيض«.

ويخلص اختصاصي المعلوماتية جون دايفيس، من شركة »انتل«، إلى أن الشركتين تهدفان »إلى تقديم حلول تكوين الصور الافتراضية المتطورة، بتكلفة مناسبة«. وتنحصر الفوائد العملية الناتجة من الأنظمة المذكورة في قدرتها على تسريع الاتصالات وتعزيز التعاون بين جميع حلقات سلسلة الاستكشاف والإنتاج، نظرا إلى أن بيئة العمل في قطاع النفط تزخر بكميات هائلة من البيانات المتعلقة بطبقات الأرض وأحوال الآبار وغيرها من البيانات الجيوفيزيائية والجيولوجية التي تلعب كلها دورا مهما في اتخاذ القرارات العملية الحساسة: » كان من الطبيعي أن تلعب إمكانية التخيل والتعاون البصريان دورا في غاية الأهمية في هذه البيئة«.

Saturday, February 26, 2005

إشكال في باحة ضريح الحريري

إشكال في باحة ضريح الحريري بين الزوار والنائبين يموت وعرقجي

منال أبو عبس
Al-Hayat (531 كلمة)
تاريخ النشر 26 فبراير 2005

بعد 11 يوما على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، لم تستطع الحشود المتجمهرة أمام ضريحه وضرائح رفاقه في وسط بيروت ضبط النفس، وكان الإشكال الأول. فبعد ظهر أمس، وما ان دخل النائبان باسم يموت وعدنان عرقجي الى المكان لتلاوة الفاتحة على روح الرئيس، حتى علت الأصوات من كل حدب وصوب، وفقد المكان سكونا سيطر عليه لأيام كثيرة سابقة. »دخلوا إلى المكان بسلاحهم، وراحوا يدفعون المارة«، يقول الشاب منتقدا العناصر المرافقة للنائبين. ويضيف: »لم يحترموا حرمة المكان، لأن من يريد تلاوة الفاتحة والتعزية لا يعامل الآخرين بهذه الطريقة الهمجية«.

أما يموت وعرقجي فاتهما مناصري »القوات اللبنانية« و»الوطنيين الأحرار« والاشتراكيين بمنعهما من تلاوة الفاتحة على الضريح وقالا ان »هؤلاء غرباء« عن بيروت.

التفاصيل تبدو شيئا مستحيلا في هذه الظروف. فلحظات قليلة مضت بين دخول النائبين وخروجهما، كانت كافية لإشعال المشكل. غير أن بعض النسوة القابعات في المكان منذ ساعات، افلحن في تظهير الصورة في شكل واضح. »دخل المرافقون وبدأوا يدفعون الناس، لتوسيع الطريق أمام النائبين، ما أشعل غضب بعض الشبان الذين يحملون السلطة، والناطقين باسمها وأبرزهم النائب يموت مسؤولية اغتيال الرئيس«، تقول السيدة.

وفي النتيجة، لم يتمكن النائب يموت من التـعـبير عن »حزنه« نزولا عـنـد رغبة الجماهير، فغـادر المكان في حماية عـنـاصر مـن قـوى الأمن، فـيما تـوزع الشبــان في ساحة المسجد. وانتشرت شاحنات الجيش بعد دقائق قليلة في الخارج، وتوزع عناصر قوى الأمن الداخلي على الطريق الفاصل بين ساحة الشهداء والمسجد من دون أن يدخلوا الى باحة الضريح«.

مسجد محمد الأمين حيث الضريح يغص بالحشود، حتى يكاد يضيق بها. وفود تأتي وأخرى ترحل، ونسوة ورجال وأطفال يمضون نهارهم أو ليلهم في النظر إلى ضريح رئيس لم يريدوا »التصديق انه مات«. الأطفال كانوا أمس الأكثر تواجدا في المكان. أطفال يشكلون وفودا تمثل مدارسهم أو جمعياتهم أو نواديهم، يحملون الورود ويضيئون الشموع.

واستمرت امس برقيات التعزية بالتوافد من شخصيات رسمية واجتماعية وديبلوماسية من مختلف انحاء العالم. ومن ابرز المبرقين: رئيس جمهورية سلوفاكيا ايفان غسباروبيتش، الرئيس الليبي معمر القذافي، رئيس جمهورية تشيلي ريكاردو لاغوس اسكوبار، رئيس مجلس الشعب المصري احمد فتحي سرور، رئيس مجلس الامة الكويتي جاسم محمد الخرافي، رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلوسكوني، رئيس وزراء بولندا مارك بلكا، رئيس وزراء أرمينيا اندرانيك مارغريان، رئيس الوزراء الاردني فيصل الفايز، رئيس الوزراء في باكستان مير ظفر الله خان جمالي، رئيس الحكومة الاسبانية خوسيه لويس رودريغس، رئيس مجلس الوزراء القطري عبدالله بن خليفة آل ثاني، وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر، وزير المال المصري يوسف بطرس غالي، وزير خارجية ارمينيا فارتان اوسكانيان، الامين العام للاتحاد البرلماني العربي نور الدين بوشكوش، المدير العام لليونيسكو كويشيرو ماتسورا والمدير العام لصندوق النقد الدولي جاسم المناعي.

Friday, February 18, 2005

المرافقون ... لكل شهيد قصته

المرافقون ... لكل شهيد قصته

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,187 كلمة)
تاريخ النشر 18 فبراير 2005


خلف نوافذ 15 منزلا في لبنان، يكتسب الحزن طابعا آخر. تذرف دموع عزيزة، لكن قلة من يدرون بأمرها. فـ"لبنان خسر عموده الفقري"، والكارثة «بحجم الوطن"، والنبأ المفاجئ باغتيال الرئيس يطمس ما عداه.

استشهد في الانفجار الذي استهدف الرئيس الراحل رفيق الحريري، 15 شخصا آخرين. ربما يرتفع العدد إلى 16 أو 17 في الأيام المقبلة، لكن، هل يغير الرقم الأخير شيئا في معادلة يطمس فيها الحزن العام مثيله الخاص؟

توزعت الخسارة على محافظات لبنان الخمس (بيروت، البقاع، الشمال، جبل لبنان، والجنوب)، فنالت كل منها نصيبا متساويا من الحزن: حي العرب (ضاحية بيروت الجنوبية)، بدنايل (البقاع)، النبطية (الجنوب)، البترون وعكار (الشمال)، بيروت (العاصمة)، المتن الأعلى (جبل لبنان)...

المرافقون

يضرب الوالد بكفي يديه على هيكل سيارة الإسعاف الخارجي. الوالد يعلم أن جثمان ابنه القابع في خلفية السيارة لن يستيقظ ليرد على صرخاته ومناداته، لكن المصاب الأليم لا يترك مجالا للتفكير والتحليل. تغيب الكاميرات عن هذه النقطة من المسيرة، لتعود في اللحظة التي وصلت فيها الجثامين إلى باحة مسجد محمد الأمين. تنقل مباشرة رحلة مرافقي الرئيس الراحل إلى مثواهم الأخير، وتصب الصورة لما تبقى من أيام على ضريح الرئيس الذي تحول محجة لأنصاره ومحبيه.

أضرحة مرافقي الرئيس تقبع على بعد خطوات عدة من مكان دفنه، وقد يكون موقعها هذا السبب الوحيد الذي دفع آلاف الزائرين إلى إضاءة الشموع وتلاوة الصلوات عن أرواحهم، بعد فعل المثل أمام ضريح الرئيس الشهيد. لكن، قلة قليلة فقط من الزائرين تعلم انه كان لكل واحد من المرافقين السبعة قصة، ولكل منهم نهاية كان يحلم ببلوغها.

أبو طارق العرب هو الأشهر بينهم. قبل أيام من وفاته، انزلق المرافق الشخصي للرئيس الحريري في الحمام. لم يصب بأذى فعاد إلى العمل. في الرابع عشر من شباط (فبراير) الحالي، كان أبو طارق العرب أول من أعلن نبأ وفاته اثر الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس. يحيى العرب متأهـل ولديه ثلاثة أولاد، وكان يعيـــش في ضاحية بيروت الجنوبية.

يصل صوت النحيب والصراخ إلى الشارع المجاور، فيعرف زائر «حي العرب» في الضاحية الجنوبية أن نكبة أصابت المكان. صوت الحاجة فايزة أخت الشهيد يصدح في الأرجاء، وكلمة «يا خيي» عندما تقال بحسرة، تقع في الأنفس كضربات السيف. «الله يصبرني عفراقك يا خيي، بشوفك عالتلفزيون بدعيلك الله يحفظك"، تقول الأخت أمام عائلة خسرت ركنا من أركانها، الركن الأهم، على الأرجح، فـ"مين بدو يقوم فينا بعد اليوم؟ الموت حق بس فراق الحبايب صعب». يستلقي أبو طارق اليوم إلى جوار زملائه والعاملين تحت أمرته، ورئيسه الذي صار رفيقه الأبدي.

بعض من مدنيين

أولا، نزلت آلاء حسن عصفور (20 عاما) من بلدتها بريقع (قضاء النبطية) إلى بيروت لتقديم طلب وظيفة في إحدى الشركات، التي قرأت إعلانا عنها. قصدت آلاء برفقة ابنة خالتها يمامة كامل ضامن (27 سنة) منطقة الأسواق التجارية في وسط بيروت للمرة الأولى في حياتها. وقع الانفجار القاتل الذي استهدف الرئيس رفيق الحريري، ولم تحصل آلاء على وظيفة تساعد من خلالها عائلتها. شيعت الفتاتان في بلدة بريقع في موكب مهيب.

ثانيا، «إن الشهيد رواد هو عنوان لقصيدة لم تكتب وما زالت تفتش لها عن عنوان"، يقول شاعر المقاومة المحامي حسين حيدر في مأتم ابنه رواد الذي سار فيه الآف من أبناء منطقة بدنايل البقاعية ورسميون.

ثالثا، خرجت الدكتورة ريما بزي (32 عاما، بنت جبيل) من المصرف البريطاني عند الواحدة ظهرا، سارت خطوات عدة ووقع المحظور. شيعت الشهيدة في بيروت إلى جبانة الشهيدين بمشاركة حشد كبير من أهالي البلدة، الذين توافدوا إلى بيروت للمشاركة في الجنازة في حضور النائب علي بزي.

رابعا، كان جوزيف عون يعمل في فندق «السان جورج» عندما طاوله الانفجار وهو جالس الى مكتبه المقابل للشارع الذي حصل فيه الانفجار. شيع عون في مأتم أقيم في كنيسة مار اسطفان في مسقط رأسه في البترون، في حضور النائب بطرس حرب وحشد كبير من المشيعين.

خامسا، كان هيثم عثمان (مواليد 1975) يعمل في أحد مطاعم بيروت وكان يقوم بنقل طلبية على دراجته النارية لحظة الانفجار. شيعته بلدته مجدلا (قضاء عكار) عقب صلاة الظهر في جبانة البلدة، وسط جو من الحزن الشديد.

سادسا، كان عبدو توفيق بو فرح (مواليد 1940) جالسا خلف مكتبه في «فندق السان جورج» يتابع عمله كالمعتاد. شيع عبدو في قاعة «كنيسة مار جرجس» في حمانا، في حضور نواب «اللقاء الديموقراطي» وفاعليات حزبية وسياسية ومخاتير.

مازن لم يمت

أقيم في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت حفل تأبين لمازن عدنان الذهبي (1974) الذي تخرج في برنامج تدريب الممرضين في المركز الطبي وعمل فيه قبل أن يصبح الممرض الشخصي للرئيس رفيق الحريري، وقضى معه في الانفجار.

يرقد مازن اليوم إلى جوار مرافقي الحريري في باحة المسجد. يتابع من مكانه الجديد ما يجرى من حوله. فالأموات يعلمون بوجودنا، أليس كذلك؟

لكن، هل يعلم أي من زائري المكان أن مازن انضم حديثا إلى قائمة موظفي الحريري؟ وهل يعلم أي منهم أن مازن الذي عقد قرانه منذ أشهر عدة، كان ينوي الزواج أوائل الصيف المقبل؟ وهل يعلم أحد أن خطيبة الشهيد ترفض بكاءه «لأنه لم يمت"، لأن «راح نتلاقى بيوم من الأيام"؟

كثيرون يعلمون أن مازن سقط شهيدا يوم عيد الحب، لكن قلة قليلة فقط فكرت انه ربما اختار ليومه نهاية أخرى. ربما أراد أن ينهي مناوبته، ليشتري لها وردة حمراء ويطبع على جبينها قبلة، ويعدها بعيـــد جديد يقضيانـــه في منزلهما الخاص، «إذا الله أراد».

Thursday, February 17, 2005

الجميع الى الشارع في يوم الحزن الكبير

الجميع الى الشارع في يوم الحزن الكبير

منال أبو عبس
Al-Hayat (949 كلمة)
تاريخ النشر 17 فبراير 2005


أمام دار الطائفة الدرزية في بيروت وقفوا بالآلاف. رفعوا رايات «الحزب التقدمي الاشتراكي"، تعلوها شارات سود. وهتفوا: «جايي الوليد يودعك/ ودع رفيقك يا رفيق/ وحياة دمك يا صديق/ منعاهدك نمشي الطريق». الوليد (وليد جنبلاط) لم يكن بين الشبان، لعله كان في قصر قريطم في تلك الساعة، أو قبلها ربما، فالحشود ترتصف من شارع فردان المتفرع من تلة الخياط منذ السابعة صباحا. عند التاسعة غطت المسيرة معظم أوتوستراد قريطم والشوارع المتفرعة منه.

في بيروت يندر أن تجد شارعا يخلو من لافتات العزاء التي يختلف مغزى بعضها عن الآخر. «رحم الله الشيخ رفيق وعوضنا بأبنائه، وعلى رأسهم الشيخ بهاء"، ترفع في أمكنة متفرقة من الطريق المؤدي إلى قصر قريطم. بهاء، أكبر أبناء الرئيس الشهيد صار فجأة في دائرة الضوء. بقي صامدا على رغم هول المصاب، يدعو أنصار الرئيس الشهيد إلى «الرواق"، ويخاطبونه في هتافاتهم: «يا بهاء لا تعبس/ بدك عسكر رح نلبس». هل سيتحول بهاء إلى وليد جنبلاط الطائفة السنية؟ لا أحد يعلم، لكن لا شيء يجعل الحشود تصب في اتجاه واحد، اكثر من المصائب.

تقترب الساعة من العاشرة، موعد انطلاق مسيرة التشييع. تتقدم نسوة متشحات بالسواد المسيرات الفرعية، فيما تواكب أخريات من شرفات منازلهن الحدث. صور الراحل وأعلام لبنان تكسو الأبنية المجاورة، وحبات الرز تنثر من كل حدب وصوب.

في الباحة المقابلة لقصر قريطم لا مكان لالتقاط الأنفاس. الباحة أمام القصر لم تهدأ منذ إعلان استشهاد الرئيس. لكن صورة أمس بدت اكثر شبها بتلك المرتسمة في المخيلات عن يوم الحشر، فيما تستغل النسوة أي ثغرة بين الحشود تتيح لهن النحيب على «رفيق الفقراء... وين رحت وتركتهم"، وللدعاء على مرتكبي الجريمة «الذين أعطيتهم باليمين وطعنوك بالشمال».

«بلوك» النساء كان الأبعد عن القصر. الشبان تحملوا عناء الوصول إلى البوابة، ليترجموا حزنهم إلى عبارات سخط على السلطة بدءا من رئيس الجمهورية اميل لحود مرورا برئيس الحكومة عمر كرامي وصولا إلى وزير الداخلية سليمان فرنجية، ولم تسلم الطوافات العسكرية التي تحوم فوق القصر من سباب المحتشدين. كذلك نالت سورية حصتها من الشتائم: «بدنا نقول الحقيقة / سورية ما منطيقها"، «بدنا التار وبدنا التار/ من لحود ومن بشار».

المسنون وحدهم قاسوا الأمور بمقياس المنطق، واختاروا انتقاما يترجم في موعد قريب، في انتخابات أيار حيث ستكون «كلها ونص يا بهاء» (كلها ونص، العبارة الشهيرة التي أطلقها الحريري في انتخابات عام 2000 التي فازت فيها اللائحة المدعومة منه كاملة).

«افتحوا الطريق لنعش الرئيس"، يقول الحارس. وتنطلق صيحات «الله اكبر» و"لا اله إلا الله». «اللي بيحب الرئيس يرجع"، يضيف الحارس فيــتراجع الجميع إلى الخلف، لتخرج سيارات الإسعاف التي تقل جثامين الرئيس ومرافقيه الشهداء.

التشييع كان شعبيا، كما أراد أهل الرئيس. لا حكوميون ولا رجال سلطة. فقط رجال ببزات رسمية ونسوة بملابس سود يقفون على جانبي الطريق، يضعون اليد على اليد، فوق منطقة البطن، ويذرفون الدموع على رئيس سقط شهيدا. يلوح الجميع مودعين المسيرة التي تنطلق بالشهداء إلى مثواهم الأخير، وينثرون حبات الرز من شرفات تعذر على أصحابها المشاركة، فأطلقوا الزغاريد كما صيحات «الله أكبر» باتجاه المسيرة المنظمة عفويا. «لغيرو ما بمشي هالمشي"، تقول سيدة أتعبها السير، لكنها أصرت على إكمال الطريق الذي توزعت فيه مكبرات للصوت تنطلق منها الآيات القرآنية.

المنطقة القريبة من جامع محمد الأمين، مرقد الشهداء، تضيق بالحشود. «التيار الوطني الحر» (الموالي للعماد ميشال عون) كان ممثلا بلافتة مقابلة للجامع. الشيوخ والمفتون احتلوا أماكنهم داخل باحة الجامع، يتلون الآيات القرآنية في انتظار وصول الجثامين.

حضور الاشتراكيين طاغ في المكان، يرفعون أعلامهم على السقالات الحديد الخاصة بالمسجد غير المنجز، فيما يحاول بعضهم تثبيت العلم أعلى الونش المركون داخل الحرم. «دعاية انتخابية مجانية"، يعلق البعض، لكن إمام المسجد أصر على عدم إقامة الصلاة، ما لم تختف الأعلام جميعا، فلا يبقى مرفوعا إلا علم «لا اله إلا الله». أدراج الجامع غطيت بأكاليل الورود، ولافتة: «لن ننساك يا أبا بهاء».

دقائق قليلة، وتصل الجثامين ويحتل المنهارون ومن أغمي عليهم جانبي الطريق. «أيها القوم... أيها القوم... يا أيها القوم، اسمعوني، نريد ان نصلي عليه، لو سمحتم ابتعدوا... لا نريد الدقائق الأخيرة هكذا..."، يخاطب بهاء الحريري الحشود طالبا منهم التزام الهدوء. تنقل جثامين الرئيس الشهيد ومرافقيه: يحيى العرب وطلال ناصر وعمر المصري ومحمد غلاييني ومازن الذهبي وزياد طراف إلى مثواها الأخير.

ويغمى على شفيق (شقيق الرئيس) وبهاء، فيعالج الأول في المكان، فيما ينــقل الــثاني إلى قصر قريطم وليس إلى المستشفى كما ذكرت المحـــطات التـــلفزيونـــية.

تحين لحظة الوداع. جثمان، اثنان، ثلاثة، لن يتغير الشعور خلال النظر إلى توابيت تقل جثامين محترقة. هناك أسباب لم يسأل أحد عنها في تلك الساعة، هناك خلفيات، وبالتأكيد هناك يوم جديد سيعود غدا.

Wednesday, February 16, 2005

حين صرخ الأخرس

حين صرخ الأخرس ... وبكت الحشود أمام منزل « الرئيس الشهيد »

منال أبو عبس
Al-Hayat (620 كلمة)
تاريخ النشر 16 فبراير 2005




«الرجاء لا تلمس الباب لأن الزجاج مكسور"، تقول اللافتة التي علقت على باب مطعم «كاسبير آند غامبيني» في وسط بيروت. المطعم يبعد خطوات من جامع محمد الأمين حيث سيرقد جثمان الرئيس الراحل اليوم. أما أمس، فلم يكن وسط بيروت يشبه نفسه: المقاهي مقفلة والإنارة خافتة وصور الراحل ترفع على زجاج السيارات وواجهات المحال التجارية الكبرى.

لا شيء من بيروت كان يشبه نفسه أمس. قليلون استغلوا شمس النهار الساطعة بعد عاصفة ثلجية ضربت لبنان أياما عدة، لتنجلي يوم رحيل الرئيس. العمال الأجانب الشبان كسروا إضرابا فرضه اللبنانيون على أنفسهم، فورشة استقبال الجثمان يجب أن تسير على اكمل وجه: السور الخشب المحيط بالجامع يعاد طلاؤه باللون البيض. وصوت المؤذن يرتفع من الجامع الواقع الى يسار تمثال الشهداء الذي لم يخل من صور الراحل وعلم جمعية «شباب المستقبل» مزروعا في أحد ثقوبه. السيارات المغطاة بصور الشهيد والشموع البيض المضاءة تكسو المكان، وتلطف من حدة الحركة المتسارعة للجرافات والآليات التي لم تعد تملك الكثير من الوقت لإنجاز المهمة. في الساحة الداخلية للمسجد، كان القائمون يرسمون صورة مسبقة للغد. يقيسون المسافة بالسنتيمترات وفي أذهانهم ترتسم صورة السجاد الأخضر الذي ستثبت عليه الكراسي البلاستيكية البيض آخر النهار، وتغطيه الخيم القماشية على أعمدة من حديد. مرقد الرئيس مكان حدده القائمون مسبقا: حديقة المسجد الذي وضع الراحل حجره الأساس.

بين مسجد الأمين وقصر قريطم، مقر الرئيس الحريري، مسافة كبيرة غلفها جو من الكآبة. لا أمكنة تسلية ولا مطاعم أو دور سينما. فقط إحساس بالحزن تزيد من حدته الأعلام السود التي رفعها أنصار الرئيس على سياراتهم وجالوا فيها في شوارع العاصمة. سيارة مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني تنطلق مسرعة من أمام القصر. خلفها يركض شابان يحاولان اللحاق بها، وجيب درك. «موكب المفتي تعرض إلى اعتداء وحطم الشبان زجاج سيارته"، تكون دليل امتعاض أنصار الحريري من استقبال المفتي لرئيس الحكومة عمر كرامي ليلة وقوع الجريمة. داخل القصر مراسم عزاء عادية. النائب بهية الحريري تتقبل التعازي وقد بدت عليها سمات الانهيار، ونازك (زوجة الراحل) عزلت نفسها عن الجميع بعدما انهارت من هول الصدمة. خارج القصر كان المشهد اقل رسمية. وقف العجوز الأخرس أمام الحشود، وقد ضاق به الخناق. أطلق صرخة كأنما اختزلت مآسي سني عمره الكثيرة. وضرب على وجهه الذي غطته الدموع بكفي يديه. العجوز لم يحسن التحدث عما يختلج في قلبه، لكن أحزانه بالتأكيد لم تقل عن أحزان من وقفوا أمام القصر منذ وقوع الانفجار.

«ثلاثة أيام وتنسون ما حدث"، «البلد ع كف عفريت"، «يا الله خذ له حقه يا الله"، «كان يساعد الكل"، «كل ما واحد مات بفرنسا بيتلفنوا للحريري حتى يجيبه بطيارته، يللا الحريري راح مين بدو يجيب اللي بيموتو؟"، كانت بعضا من الصرخات التي أطلقتها النسوة المتشحات بالسواد.

في المفترق المحاذي للقصر توجد جمعية «شباب المستقبل» التي أسسها الرئيس الشهيد. أعضاء الجمعية شبان جامعيون ملونون بألوان طوائف لبنان الكثيرة. جلسوا على الكراسي يتابعون التطورات أمام شاشة عملاقة، فيما توزع قسم منهم داخل القصر لتقديم المساعدة، أو لتقديم الصور والأعلام إلى طالبيها.

في شوارع بيروت رفعت اللافتات المنددة بعملية الاغتيال، وغطيت إعلانات دار الأيتام اللبنانية على الطرقات بقماشات سود، كتب عليها «رحمات الله عليك"، كما اقفل أحد المتاجر الكبرى أبوابه، ورفع عليها صور الحريري على خلفية بيضاء وكلمة «إضراب مفتوح».

Tuesday, February 15, 2005

حيث البحر بلا شاطئ

على كورنيش بيروت حيث البحر بلا شاطئ ارتشفت قهوتي في الغولف الحمراء

منال أبو عبس
Al-Hayat (886 كلمة)
تاريخ النشر 15 فبراير 2005



كان الفتى ذكيا عندما رمى الوردة من نافذة السيارة ورحل. نافذة السيارة يسهل فتحها وإغلاقها، على عكس بابها الأحمر. الفتى لا يتجاوز التاسعة. نظر في وجهي المتجهم، ولم تردعه إيماءة يدي العدائية. فتحة النافذة ضيقة جدا، والوردة على حضني.

ثقل يوم بيروتي هائل سأنزعه في هذه اللحظة. وحدها بيروت تثقل الكاهل على مدار الساعة. أشاهد السيارات تدوس بيروت مسرعة. ابتسم بتشف ثوري منظم.

على الكورنيش البحري بين فندق السان جورج وعين المريسة تكتسب الحياة طابعا آخر.

لا شاطئ هنا ليلامس القدمين. السور الحديد يسيج الرصيف العالي ويمنع القفز تحت طائلة المسؤولية. هل من مجنون يقفز في مياه بحر لا شاطئ له؟ المياه تعلو. ترتطم بالحاجز. تنفصل قطراتها. تنقذف كطفل دفعه أبوه نحو أعلى مرات متتالية. تصل بعض القطرات إلى المقهى المجاور. «أنكل ديك"، هو اسم المقهى. «أنكل ديك» حيث لا كراسي ولا طاولات، حيث فناجين بلاستيكية يحملها العجوز الواقف خارجا، مقابل 500 ليرة بخشيش في احسن الأحوال. «أنكل ديك» حيث كوب القهوة ب750 ليرة. والكوبان بألف وخمسمئة ليرة، يغذيان جلسة تستمر لساعات، على بحر بلا شاطئ. لا يكف رأسي عن الدوران.

سيارة الغولف الحمراء صغيرة، لكنني أحبها. اوتيل «فينيسيا» كبير، ينتصب أمام عيني مباشرة. الحديد قاسم مشترك بين الغولف الصغيرة والفندق الكبير. ضوء السيارة عنصر سيغيب في هذه اللحظة. ومعه ستغيب مخلفات يوم مزعج بدأ مع سائق «السيرفيس» صباحا، وانتهى بخبر مزعج في وكالة أنباء رصدتها لساعات طويلة. تنعكس أضواء الفندق الذهب على الأحمر الذي يلون معظم السيارات المركونة جانبا. انظر عبر شباك الطابق الأخير الذي أراه مثلما أحب أن اراه... صالة أعراس. أرى شابة تتمايل بفستان ابيض إلى جانب رجل يكبرها بأعوام كثيرة. في النقطة الأبعد من العروسين أرى فتى وصبية وأسمع أغنية عاطفية مضحكة. تتحدث الأغنية عن الحب والخبز والزيتون. الطاولة أمام الشابين مملوءة بصنوف مختلفة من الأطعمة، لكن الأغنية تمجد الخبز والزيتون. ما هي العلاقة بين كبر السن والمال؟ يشغل السؤال بالي، وأتذكر أنني تخليت قبل قليل عن ثقل يومي البيروتي الهائل.

تعصب اللبنانيين الأعمى، يخرجني من مزاجي المريح. تعصب شابين لم تعجبهما لكنة بائع الفستق. أجنبي على كورنيش بحر مشرع للجميع. يمسك البائع عربته بيده اليسرى، دافعا عنه أحد الشابين باليمنى. العربة تحمل كمية كبيرة من الفستق. يخرج البخار الرمادي من عمود يتوسطها، فأعرف أن الفستق ما زال دافئا. الخناقة تقع سريعا. وحماية العربة ثقل إضافي على كاهل الغريب. يتلقى البائع ضربة أولى على خده الأيمن. لا يدير خده الأيسر. هو ليس متسامحا. وينال اللبناني نصيبا وافرا من اللكمات. الكاتب التشيكي ميلان كونديرا، ليس موجودا على الكورنيش. كونديرا يعرف أن المرء لا يتصرف على طبيعته بوجود الكاميرا. في «خفة الكائن التي لا تحتمل» يتحدث كونديرا عن التغيير الذي يطاول تصرف الشخص، ما إن يصير محطا لأنظار الغير. يصير الشاب فجأة محط أنظار المارة وأنا. ذكوريته تأبى أن يرحل. يستجمع قامته القصيرة، ويفر من أيدي المصلحين قاصدا انتقاما علنيا.

لا أعلم ما الذي دار في رأس الشاب قبل أن يضرب بائع الفستق. هل دفعه ثقل يومه إلى خناقة، هي الأمثل ليوم يشبه يومي المزعج (نزعت ثقله عني قبل قليل)؟ كلمة «يدور» يستخدمها سائقو التاكسي في لبنان عادة بعد كلمة «يلف» التي تؤدي المعنى نفسه. يحتج السائقون على اللف طيلة النهار مقابل «لا شيء"! هل يعمل الإنسان من دون مقابل؟ ليس السؤال مهما. فالسائق لم يكن سببا في ثقل يوم الشاب البيروتي الهائل.

استدعي سائق التاكسي إلى هذا المكان من النص بداعي الصدفة. كونديرا والغولف الحمراء ويوميات عين المريسة كلها دخلت حياتي من طريق صدفة. لا شيء احلى من حياة تدب فيك من طريق الصدفة. ولكن، هل فعلا ثمة شيء اسمه صدفة؟ كونديرا لا يؤمن بذلك، أما أنا فبلى.

على الكورنيش البحري بين فندق السان جورج وعين المريسة تكتسب الحياة طابعا آخر. الكورنيش البحري ومساحة تقل عما تمكن رؤيته بالعين المجردة كانت تشكل بيروت القديمة. تغيرت معالم بيروت واتسعت، وغدت يومياتي اكثر ثقلا. لم اكن اعلم أنني احمل يوميا ثقل بيروت المتسعة فأفرغه في أضيق نقطة فيها. الأمكنة الضيقة حميمة، وبيروت تحشرني في زاويتي الضيقة. في الغولف الحمراء، اجلس يوميا، انظر إلى الفندق الفخم، وأبحث في فنجان القهوة عن بضع قطرات تجعل جلوسي يدوم ساعات طويلة.

طابق، اثنان، ثلاثة، أربعة... ثلاثة وعشرون. بلمح البصر ارتفع البناء المقابل لكورنيش السان جورج. أراني اقف في الطابق الأخير. انظر إلى بيروت من فوق. أنظر إلى تفصيل صغير حشر صدفة في بداية النص. انظر إلى الفتى الذي كان ذكيا عندما رمى الوردة من نافذة السيارة ورحل.

الرئيس بخير ... الرئيس قضى

اللون الأسود في كل مكان : الرئيس بخير ... الرئيس قضى

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,169 كلمة)
تاريخ النشر 15 فبراير 2005


هل يهم فعلا أكان البلد في حال حرب معلنة أم لم يكن؟ دوي الانفجار وحده لن يفارق ذاكرتك ما أن تسمعه للمرة الأولى. وإذا صودف أن اختبرته في السابق، فقد عرفت جزءا كبيرا مما حدث أمس: تغوص الأرض قليلا نحو الأسفل، يهز صوت «بوف» الأجواء، وتنطلق صفارات «واوو... واوي». تنظر إلى السماء، وترافق اللون الأسود الذي يغطي مساحات كبيرة منها.

ساحة بشارة الخوري لا تبعد كثيرا عن محيط عين المريسة، الأرض فيها اهتزت بقوة، وتساقط جزء من زجاج الأبنية المحيطة. الدخان الأسود تصاعد بسرعة نحو الأعلى. وطريق وسط بيروت (سوليدير) أمكن اجتيازها ركضا بوقت قياسي.

زجاج المكاتب المقابلة للسرايا الحكومية تناثر على الأرض. والزوار الأجانب تركوا مقاعد المقاهي المجاورة، جهزوا كاميراتهم الرقمية وركضوا باتجاه مكان الانفجار. وجوه الناس تتشابه في «مناسبات» كهذه: صفراء، شاحبة، لا تفلح الابتسامات المفتعلة في تبديد سمات ذهولها.

مبنى «ستاركو» يشبه ذلك الذي كان عليه في زمن الحرب. السقوف الخشب انهارت، والعمال لم يؤجلوا مهمة التنظيف وكنس الزجاج إلى وقت لاحق. «لن يسمحوا لكم بالمرور"، يقول الشاب بينما يركض باتجاه وسط بيروت. عناصر من الجيش اخبروا الشاب أن عبوة ناسفة أخرى زرعت في المكان، وبأنهم يحاولون تفكيكها. «كذبة بائتة"، يرد صديقه، فـ"لدى اللبنانيين ماجستير في فنون حروب العبوات، وأكاذيب الأمنيين المكشوفة لتخويف الناس بقصد تفريقهم». يسخر من الشائعات المنتشرة بسرعة البرق حول حدوث «انفجار ثان على البربير».

الفنادق القريبة من محيط الانفجار تدخل في قائمة المناطق السياحية، وتنسب إلى طبقة الأثرياء. لكن ستائر طوابقها العليا المغطاة بلون الدخان، ترفرف خارج النوافذ التي تناثر زجاجها في الأسفل. بين فنادق «المونرو» و"فينيسيا» و"السان جورج» كانت الصورة. وأكثر تحديدا على الطريق الفاصل بين واجهة السان جورج المطلة على فينيسيا، والبناء الجديد الملاصق لمصرف HSBC كانت «الكارثة».

سيارات الإطفاء والدفاع المدني وعناصر الصليب الأحمر والجيش اللبناني، ليسوا الوحيدين في المكان. خليط هائل من شبان وشابات وعجائز وأطفال وعمال يركضون باتجاه ساحة الحدث. لا تمنعهم الشرائط الصفر التي لا يعلم كيف أحضرت، لكنها سيجت المكان في دقائق.

«عم فتش على مرتي"، يقول الشاب وقد غطى وجهه سخام أسود. الشاب متزوج حديثا، وزوجته جاءت تسدد قسط قرض أخذته من المصرف المجاور. يبكي الشاب متأبطا ذراع رجل ستيني، مستجديا العنصر الأمني السماح له الدخول: «بس شوي خليني اقترب». لكن الأمني يتقن تنفيذ المهمة، ولا يسمح بدخول المدنيين، إنما «فقط المصورين والصحافيين"، وبحجة منطقية: «أدلة جنائية، ولحم القتلى اختلط بالزفت».

السيارات المركونة على بعد أمتار من مكان التفجير كشطت ألوانها، تغيرت معالمها فاستحالت كعجينة فضية اللون التصق بها لحم اسود متفحم. والمعلومة الأكيدة الوحيدة حتى الساعة هي أن التفجير"استهدف موكب الحريري». لكن «الرئيس بخير وقد أجروا معه اتصالا من المستشفى"، يقول أحد الأمنيين.

أحدث الانفجار حفرة بعمق مترين ونصف متر، وعرض أربعة أمتار. تطايرت الشرفات الإسمنتية من فندق السان جورج واستقرت على الطريق. والأمني يقول أن الرئيس بخير. فـ"سيارته مصفحة، وهو الذي يقودها في العادة"، ترد السيدة التي تمسح دموعها بمنديل ابيض، بعدما تأكد نبأ وفاة مرافق الحريري أبو طارق العرب.

«السيارة التي حملت المتفجرة من نوع «بي أم"، «المتفجرة وضعت تحت الزفت"، «التفجير تم عبر عبوة ناسفة من دون سلك"، «المفجرون يعرفون أن موكب الحريري يشوش على الرادارات المحيطة، لذلك اعتمدوا طريقة التفجير بالتوقيت"، كانت بعضا من التحليلات الكثيرة المتطايرة من كل حدب وصوب.

«هيدا مين هو فرجوني إياه"، يصرخ مدير احدى المؤسسات القريبة التي خسرت خمسة من موظفيها. «ما هو شكله، هل كان على الطريق من ناحية البنك؟"، يسأل. الأمني يخبره بأن «الجثث بلا رؤوس، ما فيك تشوف"، لكنها اخرجت من السيارات المتوقفة جانبا. «لا ليس هو. لم يكن في سيارة"، يقول وينطلق إلى زاوية أخرى. الثانية والربع، بعد ساعة واحدة من وقوع الانفجار، تأكد خبر استشهاد الرئيس الحريري، بعد نحو ساعة من خروجه من جلسة اللجان النيابية المخصصة لمناقشة مشروع قانون الانتخاب.

النائب باسم يموت رأى أن المعارضة هي المسؤولة. لا أدلة يملكها النائب «الحريري السابق» لكنه يوصف المعارضة بالغبية، ويعتبر أنها ستقود البلد إلى انقلاب بالقوة. قبل يموت تفقد رئيس الحكومة عمر كرامي المكان. جال فيه لدقائق وذكر الموجودين بأنه كان حذر من «أمور مماثلة في السابق"، فـ"الإحتقان سيؤدي إلى مصائب».

يوسع عناصر الجيش طوق الحظر. ويدفعون الحشود إلى الوراء، فالمهم أن نبأ الوفاة تأكد. يتركون الساحة، مفسحين المجال إلى سياسيين كثر، سيتفقدون المكان، وسيحملون جهات كثيرة المسؤولية.

قتلى وجرحى

أكدت ادارة مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت في بيان صدر عنها امس، ان الرئيس الحريري نقل متوفيا ومشوه الجثة الى المستشفى. واحصت تسع جثث ونحو مئة جريح احضروا بعد الانفجار. وعلقت على الجدران الخارجية لقسم الطوارئ اسماء 33 جريحا ابقوا قيد العلاج وهم: بسام دياب، فاروق شيخ علي، شكري بول رزق، عدنان بلال عيتاني، زياد مازن عيد، يوسف احمد مياسي، يوسف مزهر، مروان سامر طالب، ابراهيم خليل عرب، خالد علي دوغان، زينه وليد شهاب، علي راشد حمود، بسام سعد عريسي، طلال قبيسي، ابو سليمان خشفة، رفيق مجدي ابو نجم، رضا سايد احمد، طوني نجم غنيمة، رفيق مجدي ابو نجم، تركي باتان، احمد عادل حسيني، مجدي نديم ابو نجم، عماد بكداشي، رانيا وهبه، فؤاد نهرا، نبيل طبارة، باسم كستي، منصور روسبان، هيليني ديفسيان، سهى عصام احمد، سلمان معروف، انيس خليل صيداني وأمل ابو نجم. كما عرف من الجرحى هيثم عثمان، ونقل 30 جريحا الى مستشفى طراد. وأصيب في الانفجار النائب باسل فليحان الذي كان مع الرئيس الحريري ونقل الى مستشفى الجامعة الأميركية وهو في حال الخطر الشديد نتيجة الحروق البالغة التي أصيب بها، وثمة مساع لنقله الى خارج لبنان للمعالجة على متن طائرة فرنسية طبية كان الرئيس شيراك أرسلها الى لبنان فور وقوع الانفجار لنقل الحريري والجرحى للمعالجة في فرنسا. وعرف من القتلى مرافق الحريري يحيى العرب (أبو طارق). واقام الصليب الأحمر اللبناني خيمة استشفاء للاسعافات الاولية.

Tuesday, February 8, 2005

« ابعتلي إيميل » سبقت « ابعتلي جواب »!

... « ابعتلي إيميل » سبقت « ابعتلي جواب »!

منال أبو عبس
Al-Hayat (718 كلمة)
تاريخ النشر 08 فبراير 2005


عندمـــا غنــى الفنان صباح فخري »ابعت لي جواب«، كان بالتأكيد يقصد »ابعت لي« رسالة ورقية تقليدية. لم تكن شبكة الإنترنت ذائعة الصيت آنذاك. والمطرب ما كان ليطلب من »حبيبه« (يخاطب المذكر) أن »يطمئنه« بوسيلة مستحيلة نسبيا. لذلك، وقف الفنان على خشبة المسرح ببزته السوداء، مناشدا الحبيب إرسال جواب يطمئنه.

دخلت شبكة الإنترنت حياة »الجماهير الغفورة«، وانقلبت الصورة. تحول »الجواب« »إيميلا« e- mail وتغيرت صورة صباح فخري، لتحل محلها صـورة فنانــــــــة لبنانيـــة - فرنسيــة تدعـــى سابيــن، مترافقــــة مع أغنية »ابعــــت لــــي e-mail«. سابيـــن التي أطلقها غسان الرحباني أخيرا تعرف لغة السوق، تماما مثلما كان صباح فخري يعرفها في السابق.

لم تقف على خشبة المسرح (الذي لم يعد رائجا)، بل خاطبت »الجماهير« من خلال فيديو كليب يستوفي متطلبات الانتشار: شعر أشقر، بنطال جينز ممزق، كنزة تغيب فوق منطقة البطن، ورقصات غربية، تطلب فيها بعنف من الحبيب إرسال e-mail ويحكيها، كي ترد له حبها كله.

وبالتأكيد عززت الفنانة انطلاقتها بموقع »نتعرف فيه اكثر على سابين وسيرتها الذاتية وأرشيف صورها وألبومها الجديد«.

الـ»جــواب« بالمصريـــة أو الرسالة الـ»e-mail« يؤديان الوظيفة نفسها (في زمنين مختلفين)، شأنهما في ذلك شأن صباح فخري وسابين.

ولكن، هل الفارق بين وسيلتي الاتصال، هو نفسه بين الفنانيـــن؟

أنصــار الرسائـــل الورقية يتضــــاءل عددهــــم يومــا بعــد يوم، وحجــــج الماضي لم تعـــد تلائم متطلبـــات اليـــوم. »بين القلــم والورقة والقلب علاقة حميمة.

لا أحد ينسى احرفا رسم أشكالها بيده«، يقول الرجل الستيني. يحتفظ الرجل منذ سنوات بمراسلات ورقية تبادلها مع رفاق، قضى بعضهم منذ أمد بعيد، ولم تلامس أصابعه يوما لوحة مفاتيح كومبيوتر أولاده، خوفا من شعور بالذنب ازاء ورقته وقلمه.

الـ»e-mail«، عبارة عالمية اجتازت الفروق اللغوية ودخلت منازل الجميع تقريبا.

أول شيء تفعله رنا عند وصولها إلى العمل، يكون تفقد بريدها الإلكتروني. »يومياتي تبدأ، لا شعوريا، مع ما أتلقاه من رسائل الأصدقاء«، تقول معيدة إرسال بعض الرسوم الكاريكاتورية forward إلى رفاقها الآخرين. تكتفي رنا ببريد إلكتروني واحد على خلاف كثيرين سواها. فدخول الشبكة مجاني تقريبا، والمواقــع لا تفرض على زائريها رسوما مادية.

يملك علي أربعة مواقع بأسماء مختلفة، »لكل منها استعمالها الخاص«، في حين تملك صديقته كلمة سر password بريد واحد. »الشفافية في العلاقة العاطفية مطلوبة«، يقول علي مبررا منحه صديقته حق الدخول إلى بريده الخاص، محتفظا لنفسه بثلاثة أخرى »بالسر«، وبحق الإطلاع على بريدها الخاص »من باب الاحتياط«.

»الحميمية« و»العاطفية« صفتان لا تثيران انتباه أنصار الـ e- mail. فـ»صفحـــــة البريـــد تقـــدم خيارات كثيرة، تمكن المستخدم من تصنيف الرسائل وفرزها في ملفات خاصة«، تقول رانيا.

أما معضلة الحنين إلى الورقة الملموسة وإمكان احتضانها والتفاعل معها، فحلها الإلكترونيون بما يأتي: »تنقر على اسم المرسل، فتفتح الرسالة من تلقاء نفسها. تعمل select على النص المذكور، وتنقله إلى word document. تضغط على زر الـprint، وتحفظ الورقة الخارجة من آلة الطباعة في صندوق خشبي عتيق للذكرى«، يعلق الشاب.

وعودة إلى الفارق بين وسيلتي الاتصال الورقية والإلكترونية: هو نفسه الفارق بين فنانين من زمنين متباعدين.

Saturday, February 5, 2005

تعاونية مربي النحل في لبنان

تعاونية مربي النحل في لبنان أنشأها « شاب » في الثالثة والثمانين

منال أبو عبس
Al-Hayat (672 كلمة)
تاريخ النشر 05 فبراير 2005

يبلغ عجاج الثالثة والثمانين من العمر. اسهم العام 1991 في إنشاء تعاونية للنحالين تضم 51 تعاونية من مناطق لبنانية مختلفة. نظم عجاج برامج تدريب عدة لتعزيز الوعي حول أهمية قطاع النحل وتطوير قدرات النحالين. واشترك على مدى ثلاث سنوات في تحريش جبل فالوغا (بلدته) بالتعاون مع البلدية. يترأس عجاج اليوم تعاونية النحالين في المتن الأعلى، ويزاول نشاطه كنحال وناشط بيئي. على بعد خطوات قليلة من عجاج، تقف فتاة تصغره بستين عاما. تدرس سهام (32 عاما) الرياضيات، انضمت إلى أندية عكار (شمال لبنان) التطوعية والحركة الاجتماعية منذ ثلاثة عشر عاما. تبحث سهام اليوم عن عمل لا يحرمها من ممارسة أنشطتها التطوعية وتقول: »يمكن أن اعمل معلمة وأوفق بين عملي وتطوعي«.

في مناسبة اليوم العالمي للتطوع الذي يصادف في 5 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، وقفت سهام وعجاج إلى جانب عشرة متطوعين آخرين في قاعة المؤتمرات الرئيسة في بيت الأمم المتحدة في بيروت. رفعوا عاليا دروعا تكريمية قدمها لهم »برنامج متطوعي الأمم المتحدة« التابع لـ»برنامج الأمم المتحدة الإنمائي« لمشاركتهم في دعم التنمية المستدامة ونشر العمل التطوعي في المجالات كافة.

لم يتضمن التكريم جوائز مادية، غير أن اللفتة المعنوية وحدها بدت كافية لإرضاء المكرمين. »نحس أن جهودنا لم تذهب سدى« يقول نزار (82 عاما). أمضى نزار طفولته في الأندية التطوعية التي تصادم بعضها مع السلطة. »عندما تكون أهداف الجمعية معارضة لبعض السياسات الحكومية، مثل القانون الذي يشرع عمل الكسارات والمرامل (الكسارات شرعية ومرخصة لكنها تتعارض مع اهداف الجمعية البيئية) يأتي دور المتطوعين ليكملوا دور الدولة من اجل حماية الطبيعة«، يضيف نزار مفسرا.

خلال التكريم، استعرض ممثل المكرمين عن منطقة عكار نقولا عيسى (75 عاما، بوبينا - شمال لبنان) مسيرته التطوعية التي بدأت في الستينات من القرن الماضي، وما زالت مستمرة بأشكال وأطر مختلفة. يعمل نقولا مع الشباب ويشجعهم على العمل التطوعي باعتباره (التطوع) »المعلم الأول في الحياة«. يتذكر عيسى بدايات نشاطاته التطوعية: »عندما كنا نهدف إلى تحقيق ذواتنا واثبات حضورنا الاجتماعي، كنا نرغب في أن نكون مقبولين وحاولنا أن نلعب دور الأبطال الرواد في بعض الظروف. المهم في ذلك، أنني تعلمت في ما بعد أن تحقيق الذات هو ركيزة أساسية من ركائز الشخصية الاجتماعية«.

»إن نمو ظاهرة التطوع والمجتمع المدني هما اكثر الاتجاهات أهمية في التنمية الدولية«، يقول ممثل المكرمين من جبل لبنان روجيه العشي (14 عاما). أسس العشي نادي شباب المختارة الذي يضم شبابا متطوعين يوفرون خدمات تطوعية تدريبية لشباب المنطقة حول المعلوماتية والشؤون الثقافية الأخرى. ويؤمن بأن للعمل التطوعي »على الأقل فائدتين أساسيتين. فائدة اقتصادية، إذ أن التطوع يؤدي مساهمة اقتصادية مهمة إلى المجتمع، ويمكن أن يخفف من عجز مالية الدولة. وفائدة اجتماعية، لأن التطوع يساعد في بناء مجتمع قوي متماسك يعزز الثقة بين المواطنين«.

وتطرق ممثل متطوعي الأمم المتحدة زياد شيا إلى »الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يسهم كثيرا في ملاقاتنا لتأكيد أهمية العمل التطوعي... رأينا كيف اصطدمنا بوقائع أسهمت في بعض المجالات في إحباط ما كنا نتخطاه بفعل الإرادة الشخصية«.

في الباحة الخارجية للقاعة، وقف محمد الذي كان من بين المدعوين. علامات الفرح والرضا تعلو وجهه، فالتطوع يعني الكثير بالنسبة إليه: »رسالة لإثبات الوجود على صعيد شخصي« و»خدمة للمجتمع من دون مقابل« و»تعبير مادي عن محبة الشخص لوطنه«. درس محمد المعلوماتية، وأنهى خدمة العلم. يشغل وقت فراغه بالنشاطات التطوعية، »بدل التسكع في المقاهي«. يبحث حاليا عن عمل. وإلى حين حصوله على وظيفة تشغل معظم وقته، »أكيد سأبقى متطوعا، لأنني أحب وطني، وأحب عكار (منطقته)...