يعتبرون النسبية أفضل طريقة لتمثيل الأقليات . شباب لبنانيون يتهمون حكومتهم بأنها تخشاهم ... ويطالبونها بخفض سن الاقتراع الى الثامنة عشرة
منال أبو عبس
Al-Hayat (1,183 كلمة)
تاريخ النشر 04 يناير 2005
ينهي الشاب في لبنان تحصيله العلمي في الثامنة عشرة من العمر. يلتحق بالجامعة، ومعها ينطلق في حياة مخصصة للبالغين فقط.
القانون اللبناني يتقن التمييز بين البالغ وغــير البـــالغ. يهـــيئ لمن أتم الثامنة عشرة من العمر، عقابا شافيا على أي جريمة أو جنحة قد يرتكبها. وفي الوقت نفسه، يمتعه بسلسلة من المباحات، تتلاءم وسنه الجديد: يستخرج ابن الثامنة عشرة رخصة سوق، ويستدعى إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، وهكذا يصبح مواطنا كامل الحقوق والواجبات... مواطنا استأمنته الدولة، تبعا لرخصة القيادة التي يؤهله سنه الجديد الحصول عليها، على سلامته الشخصية، وسلامة المواطنين الآخرين. منحته شرف خدمة الوطن والدفـــاع عــنه. أطلقته في الحياة حرا، شــرط تحــمل تبــــعات أعماله غير القانونية... لكن ما هو رأي المادة 21 من الدستور اللبناني في الموضوع؟ تمنع المادة المذكورة على أي موطن لم يتم الحادية والعشرين من العمر، ممارسة حقه في الاقتراع.
سياسة المماطلة
في العام 1992 جرت أول انتخابات نيابية في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية فيه. وفي العام 1996 جرت الثانية، ثم بعد أربع سنوات جرت الثالثة، ويستعد لبنان خلال الأشهر القليلة المقبلة لخوض الرابعة. منذ العام 1992 حتى اليوم لا يوفر الشباب اللبناني فرصة لإثارة قضيتهم الموسمية التي ترتفع وتيرتها مع اقتراب موعد الانتخابات. يطالبون حكومتهم بقانون جديد يخفض فيه سن الاقتراع ليشمل من هم في سن الثامنة عشرة. لكن، هل السلطة في لبنان بعيدة كل هذا البعد عن هموم شبابها السياسية؟
»السلطة الديموقراطية ترد على مطالبــــنا كل مرة بعريـــضة يوقعها النواب، ووقت الجد تضـــيع القضية«، يقول سامي (20 عاما). يطالب سامي حكومته بسلسلة من الإصلاحات الدستورية، يحتل قانون الانـــتخاب البـــند الأول فيها. غير انه لا يخفي خوفه من سياسة المماطلة المعتمدة في بلــده: »ننتظر منذ العام 1992 قانونا يمثلنا بطريقة عادلة، وبدلا منه أعطينا ثلاثة قوانين مختلفة، فصلت على مقياس واضعيها، وبطريقة لا تخدم المصلحة العليا للبلاد«.
لا يأمل وائل (19 عاما) الكثير من »حكومة تصريف الأعمال« الحالية.
فبالنســـــبة إليه »لم تعـــط السلطة في لبــنان مواطنيها صلاحيات تقرير مصيرهم يوما«.
لا يرى وائل أن الظروف العامة تغيرت، وبالتالي »ما من بوادر في الأفق تشير إلى ان مجلس النواب سيمنح، بجرة قلم، الشباب بين 18 و21 لقب مواطنين كاملي الأهلية والصلاحيات«.
ويضيف وائل أن »عدم إشراك الشباب في العملية السياسية« هو دافعه الثاني بعد خدمة العلم إلى الهجرة من لبنان، إلى »بلد يحترم رأي شبابه«.
يلقى اقتراح تخفيض سن الاقتراع تأييدا حزبيا وسياسيا واضحا، فضلا عن المطالبة الشبابية الواسعة، لكن السلطة لم تقره حتى الساعة. وقد تكون »الحملة الوطنية الشبابية والطالبية من اجل النسبية وخفض سن الاقتراع« التي انطلقت في الآونة الأخيرة، أكثر الخطوات المتخذة عملية. إذ حمل نحو خمسمئة شاب وفتاة، تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والعشرين عاما، لافتات تطالب بـ»تمثيل الاقليات في المجلس النيابي، كي يؤخذ برأي الأكثرية والأقلية على حد سواء«. انطلق الشباب من منطقة جسر البربير حتى السرايا الحكومية في وسط بيروت. هتفوا مطالبين بـ»تتعزز الوحدة الوطنية عبر الانتماء إلى الوطن والدولة، لا إلى الطائفة أو العشيرة أو العائلة«، مؤكدين أن »الانتخابات النسبية هي الطريق الأفضل لتوسيع الممارسة الديموقراطية وتصحيح التمثيل الشعبي وإلغاء المحادل الانتخابية«. لكن، ما هي النسبية؟ وماذا تعني عبارة »المحادل الانتخابية« التي رددها المتظاهرون؟
»النسبية هي النظام الانتخابي الذي يضمن تمثيل الأقلية في المجلس النيابي«، تقول متظاهرة تلف رأسها بعلم فلسطين، وترتدي سترة طبعت عليها صورة تشي غيفارا. المتظاهرة في الثالثة والعشرين من عمرها، لكنها تطالب بحق »ابن الـ18« في الانتخاب. »غالبية الشبان في لبنان، ينتمون إلى التيارات المعارضة للسلطة. وهذا لا يناسب الأكثرية السياسية التي تعمل لتغييب وجهة نظر الأقليات، كي يتمثل أصحاب المصالح الكبرى في نظام انتخابي يهمش دور الشباب والمنظمات الشبابية«، تقول. إجابة المتظاهرة كانت اكثر منطقية من إجابات كثيرة غيرها، إذ غاب عن ذهن الكثيرين من رافعي اللافتات، التقصي عن المعنى الحقيقي لكلمة »النسبية«، فجاءت إجاباتهم سطحية وغير شافية، »يمكن إذا سمعتها السلطة، ان ترفع سن الانتخاب إلى الثلاثين عاما«، يعلق أحدهم.
أما في الواقع، فيهدف النظام النسبي إلى تقليص التفاوت بين حصة الحزب من مجموع الأصوات الوطنية وحصته من مقاعد البرلمان. فالحزب الرئيسي الذي يحصد أربعين في المئة من الأصوات، ينال نسبة موازية من المقاعد.
»المحادل الانتخابية«، عبارة احتلت الصدارة في قاموس الشباب للمرحلة الراهنة. العبارة فضفاضة، وتحتمل التأويل. منهم من يقصد بها رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي »احتكر السوق خلال الانتخابات الماضية، مستغلا نفوذه وثروته الكبيرين«، وآخرون يرون فيها »المعارضة التي تلتف على بعضها لتشكل أكثرية تكتسح ما عداها«، وصولا إلى »الحكومة الحالية التي تفصل كل شيء على مقاسها بهدف تحجيم الحريري«.
انقلابات!
»الدائرة الصغرى تعزز الطائفية«، »الدائرة الصغرى تنتج ممثلين حقيقيين يعبرون عن شرائحهم الناخبة«، »الدائرة الكبرى تعبر عن رأي الشارع اللبناني«، »النسبية هي الحل«، »النظام الأكثري يعزز الطائفية«، »تقسيم بيروت يتعارض مع وثيقة الوفاق الوطني«، »الطائف ينص على اعتماد المحافظة في الانتخاب«... وغيرها كثير من العبارات يفند بها كل ذي رأي حجة من يعارضه. المشاريع المطروحة حاليا كثيرة ومختلفة باختلاف مصالح المطالبين بها، غير انه على »المشروع الصحيح أن يضمن صحة التمثيل الشعبي ويزيل الكثير من الشوائــــب التي تعـــتري القوانين الانتخابية، وان يضمن انخراط الموالاة والمعارضة معا في مشروع بناء الدولة«، يقول أحد السياسيين المؤيدين للنسبية.
تخفيض سن الاقتراع ليس إلا بندا واحدا من بنود قانـــون انتخاب مرتقب خلال الأيام المقبلة. بند قد يكون اقـــل من غيـــره تعقـــيدا.
فما إن تطرح مواضيع أخرى كتقسيم الدوائر الانتـــخابية، والنظام الانتخابي المزمع اعــــتمــــاده، حتى تخـــرج القــــضية من إطارها الطبيعي، ويغيب النواب الموقعون على العريضة (المعتادة)، وتخرج إلى الواجهة عبارات أخرى مثل »ضرورة التنبه إلى الأخطار والانعطافات، والانقلابات السياســية التي تحصل على الساحتين الدولية والإقليمية، وعدم الوقــوف فقط عند موضوع قانون الانتخاب!«.
منال أبو عبس
Al-Hayat (1,183 كلمة)
تاريخ النشر 04 يناير 2005
ينهي الشاب في لبنان تحصيله العلمي في الثامنة عشرة من العمر. يلتحق بالجامعة، ومعها ينطلق في حياة مخصصة للبالغين فقط.
القانون اللبناني يتقن التمييز بين البالغ وغــير البـــالغ. يهـــيئ لمن أتم الثامنة عشرة من العمر، عقابا شافيا على أي جريمة أو جنحة قد يرتكبها. وفي الوقت نفسه، يمتعه بسلسلة من المباحات، تتلاءم وسنه الجديد: يستخرج ابن الثامنة عشرة رخصة سوق، ويستدعى إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، وهكذا يصبح مواطنا كامل الحقوق والواجبات... مواطنا استأمنته الدولة، تبعا لرخصة القيادة التي يؤهله سنه الجديد الحصول عليها، على سلامته الشخصية، وسلامة المواطنين الآخرين. منحته شرف خدمة الوطن والدفـــاع عــنه. أطلقته في الحياة حرا، شــرط تحــمل تبــــعات أعماله غير القانونية... لكن ما هو رأي المادة 21 من الدستور اللبناني في الموضوع؟ تمنع المادة المذكورة على أي موطن لم يتم الحادية والعشرين من العمر، ممارسة حقه في الاقتراع.
سياسة المماطلة
في العام 1992 جرت أول انتخابات نيابية في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية فيه. وفي العام 1996 جرت الثانية، ثم بعد أربع سنوات جرت الثالثة، ويستعد لبنان خلال الأشهر القليلة المقبلة لخوض الرابعة. منذ العام 1992 حتى اليوم لا يوفر الشباب اللبناني فرصة لإثارة قضيتهم الموسمية التي ترتفع وتيرتها مع اقتراب موعد الانتخابات. يطالبون حكومتهم بقانون جديد يخفض فيه سن الاقتراع ليشمل من هم في سن الثامنة عشرة. لكن، هل السلطة في لبنان بعيدة كل هذا البعد عن هموم شبابها السياسية؟
»السلطة الديموقراطية ترد على مطالبــــنا كل مرة بعريـــضة يوقعها النواب، ووقت الجد تضـــيع القضية«، يقول سامي (20 عاما). يطالب سامي حكومته بسلسلة من الإصلاحات الدستورية، يحتل قانون الانـــتخاب البـــند الأول فيها. غير انه لا يخفي خوفه من سياسة المماطلة المعتمدة في بلــده: »ننتظر منذ العام 1992 قانونا يمثلنا بطريقة عادلة، وبدلا منه أعطينا ثلاثة قوانين مختلفة، فصلت على مقياس واضعيها، وبطريقة لا تخدم المصلحة العليا للبلاد«.
لا يأمل وائل (19 عاما) الكثير من »حكومة تصريف الأعمال« الحالية.
فبالنســـــبة إليه »لم تعـــط السلطة في لبــنان مواطنيها صلاحيات تقرير مصيرهم يوما«.
لا يرى وائل أن الظروف العامة تغيرت، وبالتالي »ما من بوادر في الأفق تشير إلى ان مجلس النواب سيمنح، بجرة قلم، الشباب بين 18 و21 لقب مواطنين كاملي الأهلية والصلاحيات«.
ويضيف وائل أن »عدم إشراك الشباب في العملية السياسية« هو دافعه الثاني بعد خدمة العلم إلى الهجرة من لبنان، إلى »بلد يحترم رأي شبابه«.
يلقى اقتراح تخفيض سن الاقتراع تأييدا حزبيا وسياسيا واضحا، فضلا عن المطالبة الشبابية الواسعة، لكن السلطة لم تقره حتى الساعة. وقد تكون »الحملة الوطنية الشبابية والطالبية من اجل النسبية وخفض سن الاقتراع« التي انطلقت في الآونة الأخيرة، أكثر الخطوات المتخذة عملية. إذ حمل نحو خمسمئة شاب وفتاة، تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والعشرين عاما، لافتات تطالب بـ»تمثيل الاقليات في المجلس النيابي، كي يؤخذ برأي الأكثرية والأقلية على حد سواء«. انطلق الشباب من منطقة جسر البربير حتى السرايا الحكومية في وسط بيروت. هتفوا مطالبين بـ»تتعزز الوحدة الوطنية عبر الانتماء إلى الوطن والدولة، لا إلى الطائفة أو العشيرة أو العائلة«، مؤكدين أن »الانتخابات النسبية هي الطريق الأفضل لتوسيع الممارسة الديموقراطية وتصحيح التمثيل الشعبي وإلغاء المحادل الانتخابية«. لكن، ما هي النسبية؟ وماذا تعني عبارة »المحادل الانتخابية« التي رددها المتظاهرون؟
»النسبية هي النظام الانتخابي الذي يضمن تمثيل الأقلية في المجلس النيابي«، تقول متظاهرة تلف رأسها بعلم فلسطين، وترتدي سترة طبعت عليها صورة تشي غيفارا. المتظاهرة في الثالثة والعشرين من عمرها، لكنها تطالب بحق »ابن الـ18« في الانتخاب. »غالبية الشبان في لبنان، ينتمون إلى التيارات المعارضة للسلطة. وهذا لا يناسب الأكثرية السياسية التي تعمل لتغييب وجهة نظر الأقليات، كي يتمثل أصحاب المصالح الكبرى في نظام انتخابي يهمش دور الشباب والمنظمات الشبابية«، تقول. إجابة المتظاهرة كانت اكثر منطقية من إجابات كثيرة غيرها، إذ غاب عن ذهن الكثيرين من رافعي اللافتات، التقصي عن المعنى الحقيقي لكلمة »النسبية«، فجاءت إجاباتهم سطحية وغير شافية، »يمكن إذا سمعتها السلطة، ان ترفع سن الانتخاب إلى الثلاثين عاما«، يعلق أحدهم.
أما في الواقع، فيهدف النظام النسبي إلى تقليص التفاوت بين حصة الحزب من مجموع الأصوات الوطنية وحصته من مقاعد البرلمان. فالحزب الرئيسي الذي يحصد أربعين في المئة من الأصوات، ينال نسبة موازية من المقاعد.
»المحادل الانتخابية«، عبارة احتلت الصدارة في قاموس الشباب للمرحلة الراهنة. العبارة فضفاضة، وتحتمل التأويل. منهم من يقصد بها رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي »احتكر السوق خلال الانتخابات الماضية، مستغلا نفوذه وثروته الكبيرين«، وآخرون يرون فيها »المعارضة التي تلتف على بعضها لتشكل أكثرية تكتسح ما عداها«، وصولا إلى »الحكومة الحالية التي تفصل كل شيء على مقاسها بهدف تحجيم الحريري«.
انقلابات!
»الدائرة الصغرى تعزز الطائفية«، »الدائرة الصغرى تنتج ممثلين حقيقيين يعبرون عن شرائحهم الناخبة«، »الدائرة الكبرى تعبر عن رأي الشارع اللبناني«، »النسبية هي الحل«، »النظام الأكثري يعزز الطائفية«، »تقسيم بيروت يتعارض مع وثيقة الوفاق الوطني«، »الطائف ينص على اعتماد المحافظة في الانتخاب«... وغيرها كثير من العبارات يفند بها كل ذي رأي حجة من يعارضه. المشاريع المطروحة حاليا كثيرة ومختلفة باختلاف مصالح المطالبين بها، غير انه على »المشروع الصحيح أن يضمن صحة التمثيل الشعبي ويزيل الكثير من الشوائــــب التي تعـــتري القوانين الانتخابية، وان يضمن انخراط الموالاة والمعارضة معا في مشروع بناء الدولة«، يقول أحد السياسيين المؤيدين للنسبية.
تخفيض سن الاقتراع ليس إلا بندا واحدا من بنود قانـــون انتخاب مرتقب خلال الأيام المقبلة. بند قد يكون اقـــل من غيـــره تعقـــيدا.
فما إن تطرح مواضيع أخرى كتقسيم الدوائر الانتـــخابية، والنظام الانتخابي المزمع اعــــتمــــاده، حتى تخـــرج القــــضية من إطارها الطبيعي، ويغيب النواب الموقعون على العريضة (المعتادة)، وتخرج إلى الواجهة عبارات أخرى مثل »ضرورة التنبه إلى الأخطار والانعطافات، والانقلابات السياســية التي تحصل على الساحتين الدولية والإقليمية، وعدم الوقــوف فقط عند موضوع قانون الانتخاب!«.
No comments:
Post a Comment