هيفا تريح « الحماصنة » من « سماجة » اللبنانيين !
منال أبو عبس
Al-Hayat (917 كلمة)
تاريخ النشر 18 يناير 2005
قد يكــــون من السذاجــــــــة أن يزيــــــــن شخص خفيف الظل تصرفاتـــــــه بميزان المنطق. خفة الظل تعبير يعادل خفة الدم أو »الهضامة« في المفهــــــــوم اللبنانــــي. ولكن ما هو الفــــارق بيــن »الهضـــامة« و»السماجة«؟ ومتى يتحول الشخص »المهضـــــوم« إلى مصدر إزعاج وتوتر للآخريــن؟
السؤال فضفاض. لا تتعب نفسك في البحث عن جواب عنه. خذ نفسا عميقا واحدا وتخيل...
السابعة والنصف صباحا، وأنت تعمل سائقا لسيارة أجرة. يقترب منك فجأة شاب في مطلع العشرين من العمر. »حمرا عيني؟« يسألك. الحمرا هو اسم شارع شهير في قلب بيروت يعج بالناس. تومئ برأسك الى الشاب كي يصعد. »لا... حمرا عيني؟«. يعيد السؤال مثبتا اصبعه على الجفن الأسفل لعينه اليمنى.
الشاب هو جاد »النكتجي«، كما يسميه رفاقه في الجامعة... لكن ذلك لا يهم، فأنت الآن سائق اجرة لا غير، ومن المؤكد انك لا تعرف جاد »النكتجي« ولست مستعدا بالتالي لتحمل »سماجته« الصباحية.
في هذه الحال، انت امام حلين، إما ان تستعيذ بالله وتكمل طريق رزقك، أو أن تطفئ محرك السيارة، ثم تترجل لتطفئ نار غيظك في لكمة واحدة تسددها مباشرة على عين جاد »الحمرا«. الاقتراح الثاني كان الأقرب الى ذهن السائق الحقيقي. فعاد جاد الى منزله قبل بدء الدوام الجامعي مع بقعة زرقاء جميلة تسور عينه اليمنى.
»النكتة« كلمة تطلق على العبارات التي تدفع سامعها إلى الضحك. ولما كان اللبنانيون يفاخرون منذ القدم بحسهم الفكاهي وتمتعهم بروح الدعابة، كانت كلمة »النكتجي« من اكثر الكلمات قربا إلى قلوبهم. ولكن، كيف يغذي هذا »النكتجي« اللبناني مخيلته الساخرة؟
الحماصنة، أي أهل منطقة حمص في سورية، الذين شكلوا على مدى أجيال طويلة مادة خصبة لهذه المخيلة.
يدير علي ظهر الكرسي إلى الأمام، ويجلس في طريقة مختلفة عن بقية رفاقه. »أربعة حماصنة انشأوا فريقا رياضيا سموه الشجعان الثلاثة«، يقول دافعا ظهر الكرسي إلى الأمام. تلامس يدا علي الأرض، وتنطلق الضحكات تعبيرا عن خفة دم »نكتجي« المجموعة.
النكتة المذكورة لا تثير هذا القدر الكبير من الضحك. يعرف أفراد المجموعة ذلك، لكن »طريقة الكلام هي التي تدفع المستمع إلى الضحك« تقول إحداهن.
إهانة علي أو النيل من قدره كـ»نكتجي« هو آخر ما أسعى إليه الآن. ولكن ما المضحك في أن »عشرة حماصنة رايحين عالحج، قال أحدهم: إذا استعجلنا نصل قبل العيد«... ربما، لا شيء. أما عندما »يشتري حمصي سيارة أوتوماتيك، فيقطع رجله اليسرى لأنه لن يستعملها«، ألا تختلف النكتة؟
الحرب على العراق لم تعد آنية. لكن صداها ما زال يتردد في أرجاء الدول المجاورة. سورية هي الأقرب جغرافيا. و»حمص ستربطها علاقات قوية بسورية« في النكتة التالية. الرئيس الأميركي جورج بوش لم يكن على علم بهذا التطور. ربما لهذا السبب »أصدر أهل حمص بيانا تهديديا إلى بوش، أكدوا فيه أن أي اعتداء على سورية هو بمثابة الاعتداء على حمص«.
في السنوات القليلة الماضية، لمع نجم عارضة أزياء لبنانية، تتمتع بقدر هائل من الجمال. هي هيفا وهبي. شغلت هيفا بسرعة البرق أحاديث الشارع اللبناني، وبالتالي نكاته. ومع انتقالها إلى الغناء والفيديو كليب انقلب السحر على الساحر. استراح الحماصنة من سماجة اللبنانيين التاريخية عليهم، وأنشأوا »تمثالا لهيفا في حمص... لأنها أراحتهم من التنكيت«. ولكن كيف تحول لبنان إلى المستفيد الأول من هذا الانقلاب؟
تابع النكتة الآتية: »لماذا تلبس هيفا الكعب العالي؟... حتى ترفع راس لبنان«.
اللبنانيات بدورهن لم يسلمن من الانتشار العربي لهيفا. »كل ما نسمعه عن هيفا في الجامعة، قرأته في أحد مواقع الإنترنت باسم اللبنانيات«، تقول رولا. وتضيف: »هيفا انسانة رائعة وذائعة الصيت، ومن الطبيعي أن يرد حاسدوها بهذه الأساليب غير الحضارية«. لا تستاء رولا مما يطلق من نكات لاذعة تطاول الفتيات اللبنانيات، »لأنها ليست سوى نكات تهدف الى إضحاك الآخرين«، مشيرة إلى أن الكثير من النكات القديمة مصدرها اختلاف اللهجات بين البلدان العربية، تماما مثل النكتة التي لحق فيها شاب مصري بفتاة لبنانية. قالت له: »حل عني«. فأجابها: »فين الأسئلة يا عسل؟«.
النكات التي تطلق على هيفا تحوي الكثير من القدح والذم والألفاظ النابية. لذا، لا تأمل بقراءة أي منها في ما بقي من هذا المقال. ولكن، عوضا منها، اليك هــــذه: بكت ابنة هيفــــــــا في أحد الصفــــوف، فسألها الاستاذ: ما بك؟ قالت »بدي ماما«، فانتحب الاستاذ هو ايضا وصرخ »كلنا بدنا ماما!«.
منال أبو عبس
Al-Hayat (917 كلمة)
تاريخ النشر 18 يناير 2005
قد يكــــون من السذاجــــــــة أن يزيــــــــن شخص خفيف الظل تصرفاتـــــــه بميزان المنطق. خفة الظل تعبير يعادل خفة الدم أو »الهضامة« في المفهــــــــوم اللبنانــــي. ولكن ما هو الفــــارق بيــن »الهضـــامة« و»السماجة«؟ ومتى يتحول الشخص »المهضـــــوم« إلى مصدر إزعاج وتوتر للآخريــن؟
السؤال فضفاض. لا تتعب نفسك في البحث عن جواب عنه. خذ نفسا عميقا واحدا وتخيل...
السابعة والنصف صباحا، وأنت تعمل سائقا لسيارة أجرة. يقترب منك فجأة شاب في مطلع العشرين من العمر. »حمرا عيني؟« يسألك. الحمرا هو اسم شارع شهير في قلب بيروت يعج بالناس. تومئ برأسك الى الشاب كي يصعد. »لا... حمرا عيني؟«. يعيد السؤال مثبتا اصبعه على الجفن الأسفل لعينه اليمنى.
الشاب هو جاد »النكتجي«، كما يسميه رفاقه في الجامعة... لكن ذلك لا يهم، فأنت الآن سائق اجرة لا غير، ومن المؤكد انك لا تعرف جاد »النكتجي« ولست مستعدا بالتالي لتحمل »سماجته« الصباحية.
في هذه الحال، انت امام حلين، إما ان تستعيذ بالله وتكمل طريق رزقك، أو أن تطفئ محرك السيارة، ثم تترجل لتطفئ نار غيظك في لكمة واحدة تسددها مباشرة على عين جاد »الحمرا«. الاقتراح الثاني كان الأقرب الى ذهن السائق الحقيقي. فعاد جاد الى منزله قبل بدء الدوام الجامعي مع بقعة زرقاء جميلة تسور عينه اليمنى.
»النكتة« كلمة تطلق على العبارات التي تدفع سامعها إلى الضحك. ولما كان اللبنانيون يفاخرون منذ القدم بحسهم الفكاهي وتمتعهم بروح الدعابة، كانت كلمة »النكتجي« من اكثر الكلمات قربا إلى قلوبهم. ولكن، كيف يغذي هذا »النكتجي« اللبناني مخيلته الساخرة؟
الحماصنة، أي أهل منطقة حمص في سورية، الذين شكلوا على مدى أجيال طويلة مادة خصبة لهذه المخيلة.
يدير علي ظهر الكرسي إلى الأمام، ويجلس في طريقة مختلفة عن بقية رفاقه. »أربعة حماصنة انشأوا فريقا رياضيا سموه الشجعان الثلاثة«، يقول دافعا ظهر الكرسي إلى الأمام. تلامس يدا علي الأرض، وتنطلق الضحكات تعبيرا عن خفة دم »نكتجي« المجموعة.
النكتة المذكورة لا تثير هذا القدر الكبير من الضحك. يعرف أفراد المجموعة ذلك، لكن »طريقة الكلام هي التي تدفع المستمع إلى الضحك« تقول إحداهن.
إهانة علي أو النيل من قدره كـ»نكتجي« هو آخر ما أسعى إليه الآن. ولكن ما المضحك في أن »عشرة حماصنة رايحين عالحج، قال أحدهم: إذا استعجلنا نصل قبل العيد«... ربما، لا شيء. أما عندما »يشتري حمصي سيارة أوتوماتيك، فيقطع رجله اليسرى لأنه لن يستعملها«، ألا تختلف النكتة؟
الحرب على العراق لم تعد آنية. لكن صداها ما زال يتردد في أرجاء الدول المجاورة. سورية هي الأقرب جغرافيا. و»حمص ستربطها علاقات قوية بسورية« في النكتة التالية. الرئيس الأميركي جورج بوش لم يكن على علم بهذا التطور. ربما لهذا السبب »أصدر أهل حمص بيانا تهديديا إلى بوش، أكدوا فيه أن أي اعتداء على سورية هو بمثابة الاعتداء على حمص«.
في السنوات القليلة الماضية، لمع نجم عارضة أزياء لبنانية، تتمتع بقدر هائل من الجمال. هي هيفا وهبي. شغلت هيفا بسرعة البرق أحاديث الشارع اللبناني، وبالتالي نكاته. ومع انتقالها إلى الغناء والفيديو كليب انقلب السحر على الساحر. استراح الحماصنة من سماجة اللبنانيين التاريخية عليهم، وأنشأوا »تمثالا لهيفا في حمص... لأنها أراحتهم من التنكيت«. ولكن كيف تحول لبنان إلى المستفيد الأول من هذا الانقلاب؟
تابع النكتة الآتية: »لماذا تلبس هيفا الكعب العالي؟... حتى ترفع راس لبنان«.
اللبنانيات بدورهن لم يسلمن من الانتشار العربي لهيفا. »كل ما نسمعه عن هيفا في الجامعة، قرأته في أحد مواقع الإنترنت باسم اللبنانيات«، تقول رولا. وتضيف: »هيفا انسانة رائعة وذائعة الصيت، ومن الطبيعي أن يرد حاسدوها بهذه الأساليب غير الحضارية«. لا تستاء رولا مما يطلق من نكات لاذعة تطاول الفتيات اللبنانيات، »لأنها ليست سوى نكات تهدف الى إضحاك الآخرين«، مشيرة إلى أن الكثير من النكات القديمة مصدرها اختلاف اللهجات بين البلدان العربية، تماما مثل النكتة التي لحق فيها شاب مصري بفتاة لبنانية. قالت له: »حل عني«. فأجابها: »فين الأسئلة يا عسل؟«.
النكات التي تطلق على هيفا تحوي الكثير من القدح والذم والألفاظ النابية. لذا، لا تأمل بقراءة أي منها في ما بقي من هذا المقال. ولكن، عوضا منها، اليك هــــذه: بكت ابنة هيفــــــــا في أحد الصفــــوف، فسألها الاستاذ: ما بك؟ قالت »بدي ماما«، فانتحب الاستاذ هو ايضا وصرخ »كلنا بدنا ماما!«.
No comments:
Post a Comment