Sunday, December 31, 2006

مخاض عسير لـ 1701 أنهى الحرب

مخاض عسير لـ 1701 أنهى الحرب

منال أبو عبس
Al-Hayat (990 كلمة)
تاريخ النشر 31 ديسمبر 2006


عند الثامنة من صباح 14 آب (أغسطس) 2006 كان الكثير من معالم الضاحية الجنوبية لبيروت تغير. في تلك الساعة كان بند « وقف الأعمال العدائية » المذكور في القرار 1701 دخل حيز التنفيذ، ومعه صار في إمكان من أجبروا على الرحيل قبل 33 يوماً أي قبل الحرب بين إسرائيل و « حزب الله » أن يعودوا إلى منطقتهم المنكوبة حيث رائحة الحريق تختلط بالرائحة القاسية لبقايا الدمار والبقايا البشرية.

قبل يومين من 14 آب صدر القرار الدولي 1701 الذي تلقفه المواطنون كحبل نجاة. دعا إلى وقف تام للأعمال القتالية، مستنداً في صورة خاصة إلى وقف »حزب الله« كل الهجمات فوراً، ووقف إسرائيل الفوري كل العمليات العسكرية الهجومية. وطالب الحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة في لبنان، بنشر قواتهما معاً في كل أنحاء الجنوب، وطالب الحكومة الإسرائيلية بسحب كل قواتها من الجنوب في شكل موازٍ.

وأكد القرار الذي ولد بعد مخاض عسير وتبناه مجلس الأمن في 12 آب »أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على كل أراضيه وان تمارس كامل سيادتها، حتى لا تكون هناك أي أسلحة من دون موافقة حكومة لبنان ولا سلطة غير سلطتها«.

وإضافة إلى بنود أخرى تتحدث عن مساعدات إنسانية ومالية وعودة اللاجئين، دعا القرار الدولي »إسرائيل ولبنان إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار، وحل طويل الأمد استناداً إلى: الاحترام التام للخط الأزرق من كلا الطرفين، واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة، بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان وفق ما أذنت به الفقرة 11 والمنشورة في هذه المنطقة، والتنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف والقرارين 1559 (2004) و1680 (2006) التي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، حتى لا تكون هناك أي أسلحة أو سلطة في لبنان عدا ما يخص الدولة اللبنانية، عملاً بقرار مجلس الوزراء اللبناني المؤرخ في 27 تموز (يوليو) 2006، ومنع وجود قوات أجنبية في لبنان من دون موافقة حكومته، ومنع مبيعات أو إمدادات الأسلحة والمعدات ذات الصلة إلى لبنان عدا ما تأذن به حكومته، وتزويد الأمم المتحدة الخرائط المتبقية للألغام الأرضية في لبنان، الموجودة في حوزة إسرائيل«.

وسمح القرار بـ »زيادة قوام قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان إلى حد أقصى مقداره 15000 جندي، وأن تتولى مهمات: رصد وقف النار، مرافقة القوات المسلحة اللبنانية ودعمها (قرار الحكومة اللبنانية إرسال 15000 جندي لبناني إلى الجنوب) أثناء انتشارها في كل أرجاء الجنوب، بما في ذلك على طول الخط الأزرق، وأثناء سحب إسرائيل لقواتها المسلحة من لبنان (...) ومساعدة القوات المسلحة اللبنانية في اتخاذ خطوات ترمي إلى إنشاء المنطقة المشار إليها في الفقرة 8«.

كما أذن القرار لـ »قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات في مناطق نشر قواتها وكما ترتأي في حدود قدراتها لكفالة ألا تستخدم منطقة عملياتها للقيام بنشاطات معادية من أي نوع، ولمقاومة محاولات تجرى بوسائل القوة لمنعها من القيام بواجباتها بموجب ولاية مجلس الأمن، ولحماية موظفي الأمم المتحدة ومرافقها ومنشآتها ومعداتها، وكفالة أمن تنقل موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني وحريتهم ولحماية المدنيين المعرضين لتهديد وشيك بالعنف البدني، من دون المس بمسؤولية حكومة لبنان«. وطالب الحكومة بتأمين الحدود اللبنانية »وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتاد إلى لبنان من دون موافقتها«، وطلب إلى قوة الأمم المتحدة الموقتة »وفق ما أذنت به الفقرة 11 مساعدة حكومة لبنان بناء على طلبها«.

وقبل ولادة القرار 1701 عاش اللبنانيون يوميات القتل والدمار، تحت هواجس مشاريع قرارات لم تبصر النور. والأبرز بينها مشروعان أميركي وفرنسي، اعتبر وزير الخارجية (المستقيل) فوزي صلوخ أنهما لا يرقيان إلى مستوى الطموحات اللبنانية، خصوصاً أنهما يتفقان على عدم حصول وقف فوري للنار، بل على مراحل، ولا يبلوران أمر تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وفند نقاط الاختلاف بين المشروعين، مشيراً الى ان الأميركيين يريدون أن يشمل القرار كل القضايا وأن يصدر وفقاً للفصل السابع، بينما يرى الفرنسيون صدور قرار وفقاً للفصل السادس على أن يصدر لاحقاً قرار وفق الفصل السابع، يقضي بإنشاء العقوبة الدولية التي ستكون مجازة من مجلس الأمن. وكرر مطالب لبنان المتمثلة بوقف فوري للنار وانسحاب اسرائيلي إلى خلف الخط الأزرق وتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وعودة النازحين اللبنانيين إلى قراهم وتسليم خرائط الألغام .

لكن نقاط الاختلاف بين المشروعين سرعان ما اختفت، وأفرزت ما عُرف بمشروع القرار الأميركي - الفرنسي الذي رفضته الحكومة اللبنانية ورئيسها فؤاد السنيورة المصر آنذاك على أن يشمل أي قرار لإنهاء الحرب البنود السبعة التي طرحها في مؤتمر روما لدعم لبنان، وأهمها الانسحاب الفوري ووقف النار، كما أكد »حزب الله« أنه يرفض أي قرار لا يشمل البنود على رغم تحفظه عن بعضها.

وهكذا، استمرت المناورات إلى حين ولادة القرار 1701 الذي وضع حداً للحرب، من دون أن يحظى بتصفيق جماعي في لبنان. ففي حين أعلن الأمين العام لـ«حزب الله« السيد حسن نصر الله أن »القرار الدولي غير عادل وغير منصف، ولن نكون عائقاً أمام الحكومة« التي وصف سلوكها مشيراً الى أنها »تتصرف بمسؤولية وطنية«، ومشدداً على أن الأولوية هي لوقف العدوان واستعادة الأرض وعودة النازحين. ومع بدء تنفيذ القرار ووقف الحرب تواصل تدفق المساعدات العربية والدولية إلى لبنان بحرية أكبر مما كانت عليه خلال القصف الاسرائيلي بسبب تقطيع أوصال البلد وإقفال مرافقه، فضلاً عن استهداف الطائرات الإسرائيلية قوافل المساعدات في اكثر من منطقة.

Thursday, December 14, 2006

المعتصمون يستعدون للشتاء بخيمة لـ 5 آلاف شخص

يتشددون في مطالبهم أكثر من زعمائهم . المعتصمون يستعدون للشتاء بخيمة لـ 5 آلاف شخص

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,282 كلمة)
تاريخ النشر 14 ديسمبر 2006


يخال الداخل إلى الخيمة الكبيرة بغرفتيها الواسعتين انه في صالة انتظار إحدى الشركات الكبرى. الخيمة تقع على أطراف موقف اللعازارية في وسط بيروت، ومنها تدار شؤون الخيم المشاركة في اعتصام المعارضة اللبنانية المفتوح لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.

على إحدى كنبات الجلد الأسود الثلاث يجلس بلال (حزب الله) المسؤول عن التنظيم في المخيم، ليؤكد أن التحرك مستمر حتى تحقيق مطالب المعارضة كافة. خلفه تبدو خريطة كبيرة للمخيم بالرسوم والأرقام، وفي الزاوية تلفزيون وأجهزة هاتفية، يقول بلال إنها »سنترال يصل بين أطراف المخيم«، وعلى الأرض أسلاك كهربائية كثيرة.

لا يبدو بلال مهتماً بالحديث عن تفاصيل المبادرات التي تطرح بين حين وآخر لحل الأزمة، فـ »نحن ملتزمون قرار (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله، وقرارات القيادة واضحة: الثلث زائد واحد«، ويضيف أن »الاعتصام مستمر حتى تنفيذ مطالبنا، وليس فقط حتى الاتفاق على حلول«.

يعرف بلال أن تحقيق المطالب قد يطول إلى ما بعد هطول الأمطار المتوقعة، لذلك يشير إلى »أن كل شيء مؤمن للخيم سلفاً: دفايات وفرشات اسفنج وشوادر سميكة تمنع تسرب المياه ودعائم حديد تثبت الخيم بالأرض في وجه العواصف«.

من الغرفة الثانية للخيمة الرئيسية، يخرج الشبان دعائم خشب يوزعونها على من سيتولون تثبيتها لاحقاً على الأرض، حتى تجري مياه الأمطار من تحتها. الدعائم ستغطى بموكيت اخضر كما في الخيمة الرئيسية.

»وقت الشتاء سنكون جهزنا مناقل الفحم والكستناء للسهرات«، يقول رفيق بلال، معلناً »أننا اعتدنا على الحياة هنا، ولا نريد الرحيل«، بينما يدخن النارجيلة. غير بعيد من الخيمة الرئيسية تدب الحياة في الوسط »المعتصم« وكأن الأزمة ستدوم أبداً. تنتشر أكشاك وعربات لبيع المأكولات والمشروبات على الأرصفة والزوايا، وقد أضيفت إليها خيم لبيع كاسيتات أغاني لـ »فرقة الولاية« وشارات أحزاب المعارضة وصور زعمائها.

في أول المخيم لجهة بشارة الخوري تقع خيمة »الحزب الشيوعي اللبناني«. ترفع عليها صور الأسير سمير القنطار ولينين ويصل صوت قرع الطبلة والأغاني من الخيم المجاورة.

يقول احمد ابن بلدة مشغرة في البقاع الغربي انه لم يفارق الخيمة منذ اليوم الأول. يبدو الشاب العشريني الذي يلف نفسه بشارات الحزب وصور غيفارا مهتماً بالمبادرات الساعية إلى حل الأزمة، ولا يغضبه حتى الحل الذي يؤدي إلى بقاء السنيورة في منصبه، »هو عميل. لكن يمكننا أن نسامحه، فكل إنسان يخطئ«.

كلام احمد يبدو مرفوضاً في شكل قاطع بالنسبة إلى رفيقه هاني ناصيف الذي يعتبر أن ما يطرح من مبادرات هو »مجرد صفقات«. ويقول: »نحن عندنا مبادئ واطروحات. نطالب بانتخابات مبكرة وإسقاط الحكومة، لتحل محلها حكومة وطنية فنحن لا نجلس مع عملاء«.

إلغاء الطائفية السياسية يبدو الهم الأول للشاب الملتحي، لكنه يعرف أن مطلبه ليس واحداً من مطالب المعارضة، فيوضح: »لا يمكن للأحزاب اليسارية أن تبقى على الحياد. من هنا سنقود أول حرب لنصل إلى حكومة الوحدة الوطنية، ومن ثم نخوض حربنا لإلغاء المحاصصة«. لكن اذا تم القبول بإحدى المبادرات، يؤكد هاني انه سيعود ليعارض المعارضة.

تتراصف الخيم الى جانب بعضها بعضاً، فتكاد تتلاصق في تلك الساحة. عصام ومحمد وعلاء وغادة يجلسون بحلقة دائرية ويقرعون على الطبلة. خلفهم ترتفع صور معروف ومصطفى وأسامه سعد، قادة »تنظيم الشعبي الناصري«، وعلى خيمتهم صورة مشتركة للرئيسين المصري الراحل جمال عبد الناصر والفنزويلي هوغو تشافيز والسيد نصر الله، وأسفله كتب على التوالي: أوقد شعلة التحرير، رمز الممانعة العالمية، والوعد الذي صدق.

يقول الشبان انهم »مبسوطون أصلاً بالبقاء هنا«، على رغم أن جميعهم تركوا المدارس والتحقوا بسوق العمل، قبل ان يتحولوا بعد التحاقهم بالاعتصام إلى عاطلين من العمل.

يوضح أحمد: »هنا لسنا في حاجة الى نقود. كل شيء مؤمن هنا، وفي الليل نقيم حلقة نار ونسهر حولها«.

لا يتقبل الشبان أي حل لا يؤمن لزعيمهم حصة في الحكومة، ويقول محمد أن »إذا اتفقوا وفلينا وبقي السنيورة أحس كأنني لم أحقق شيئاً«، وتقوده تفاصيل أخرى إلى القول: »عندها سنعيد التفكير جدياً بعضويتنا في التنظيم«.

بين خيمة الناصريين وخيم العونيين ترتفع أعلام أحزاب كثيرة: حركة الشعب وحزب الاتحاد والسوري القومي الاجتماعي والمردة وغيرها.

يقول انطوان فرنجية (مردة) إن »قادتنا طلبوا الحد الأدنى من المطالب ولا يمكن أن نخرج من دون تحقيقها كاملة«. ويضيف: »لن نتهاون بالإنجازات التي قمنا بها من حرب تموز حتى اليوم. نحن نمثل اكثر من نصف الشعب اللبناني ولن يصعب علينا أن نبقى في الخيمة حتى لو سنة«. يتحدث انطوان عن »شبان كثر طردوا من أعمالهم لأن اسمهم علي أو لأن رؤساءهم في العمل رأوا صورهم في هذه التحركات«، ويؤكد ان »لا قرار مركزياً بتعطيل الأعمال حتى الآن، من كان لديه عمل او دراسة فليذهب إليه ويعود مساء الى الاعتصام«.

في المقلب الآخر من الساحة اختار أنصار »التيار الوطني الحر« زاويتهم المستقلة. تغلب مظاهر الاحتفال على البقعة المسورة بسياج خشب لتبدو أشبه بحديقة. وتنتشر بين الخيم أشجار الميلاد المزينة باللون البرتقالي. وترتفع لافتات: »ليس من تاريخنا لا عمالة ولا عمولة« و »ابتاعوا وسائل الإعلام لكنهم عجزوا عن شراء مشاهديها وقرائها«

خارج إحدى الخيم يجلس الياس، وأمامه طاولة بلاستيك وكراس ونارجيلة وركوة قهوة. يبادر الرجل الأربعيني وقد ارتدى شارات التيار البرتقالية إلى تقديم القهوة، ويؤكد انه باقٍ حتى »إسقاط الحكومة وخلاص لبنان«.

يقول الياس انه عاطل من العمل منذ الحرب، ولا شيء مختلفاً بالنسبة إليه، سواء كان في المنزل أم هنا.

في ساحة رياض الصلح تتواصل الحركة لليوم الثالث عشر على التوالي. على الساحة أضيفت صور للرئيس السنيورة وهو يقبل وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، ولافتة ضخمة تقول: »لا دموع بعد اليوم«.

في الساحة ايضاً، استحدث المنظمون مسرحاً تبث منه برامج تلفزيونية لقناتي »المنار« والـ »ان بي ان« مباشرة، كما يجري العمل على تركيب خيمة تضم خمسة آلاف معتصم.

في الساحتين لا يبدو المعتصمون منزعجين من البقاء. تقول هناء انها زارت وسط بيروت للمرة الأولى منذ 13 يوماً، وأنها أحبت المكان كثيراً. تقول أيضاً انه »سيكون جميلاً لو بقي التحرك قائماً حتى عيد الميلاد«، وتشير بيدها الى شجرة مزينة بكرات برتقالية.

Sunday, December 3, 2006

خيم جديدة و « خدمات عامة » لإقامة قد تطول

وفود تغادر وأخرى تأتي والحشد يبلغ ذروته مساء 
 اليوم الثاني لاعتصام المعارضة في وسط بيروت : خيم جديدة و « خدمات عامة » لإقامة قد تطول

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,032 كلمة)
تاريخ النشر 03 ديسمبر 2006



دخل اعتصام قوى المعارضة اللبنانية المفتوح في وسط بيروت لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يومه الثاني أمس من دون ان يلوح في الأفق ما يشي بحلول قريبة. وفرغت المقاهي والمحال التجارية من روادها فيما ارتفعت الأصوات في الشوارع ومواقف السيارات بالهتافات المتقطعة على »دويّ« قرع الطبول. وطوال النهار كانت وفود تأتي الى المنطقة وأخرى تغادر في اتجاه الضاحية الجنوبية »الخزان« البشري الأكبر للاعتصام. وبلغ الحشد ذروته مساء مع المهرجان الخطابي الذي تحدث فيه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو.

فمنذ مساء أول من أمس، اكتسبت المنطقة الممتدة من اسفل جسر فؤاد شهاب حتى جامع محمد الأمين، طابعاً مختلفاً. زرعت الساحات الخضر المنتشرة على جوانب الطرق نزولاً وصعوداً بالخيم التي وزعها المنظمون على مناصريهم. وحتى مساء أمس، كانت أسافين خيم جديدة تدق كل حين. حتى حديقة الصيفي الصغيرة المزينة بالعشب الأخضر والإنارة الملونة لم تسلم من المناسبة، وآوت عدداً لا يستهان به من الخيم والمعتصمين.

وعلى رغم مطالبة المنظمين مناصريهم بالتزام الشعارات الموحدة وعلم لبنان، إلا أن هوية قاطني الخيم كانت جلية: غلب اللون البرتقالي وشعار »التيار الوطني الحر« على خيم العونيين الذين قطنوا الساحة القريبة من كنيسة الأرمن والصيفي. وارتفعت صور العماد ميشال عون على السيارات المركونة إلى جانب الرصيف، فيما بثت مكبرات الصوت خطاب عون الأخير، وقد اجتمع أنصاره، يلفون حول رقابهم شارات »التيار«، يستمعون إليه.

قضى بشير سلامة ورالف سلوان ليلتهما أول من أمس هنا. ويقول الشابان انهما سيبقيان هنا إلى أن يستقيل السنيورة، لأنه: »ندرس ونأخذ شهادات ولا نجد عملاً«.

كلام الشابين هذا يبدو منطقياً، لكنه ليس من ضمن مطالب المعارضة السياسية. يستدرك بشير الأمر، فيفسر: »إذا حصلنا على قانون انتخاب عادل يمكن أن تحل كل مشاكلنا«، ويضيف رالف: »الجنرال صادق وليس من هواة السلطة، هو يريد شراكة مع كل الباقين. وإذا نجحت مطالب المعارضة ممكن نصير نلاقي شغل«. ثم يعلن الاثنان انهما سيذهبان من الساحة إلى الجامعة ويعودا، »تماماً كما فعلنا في 14 آذار«. وخلف الشابين تظهر خيمة كتب عليها: »حركة الشعب«.

في الساحة الواقعة وسط الطريق ذي الاتجاهين تطغى خيم »حزب الله« وحركة »أمل« و »المردة« وأنصار طلال ارسلان الذين الصقوا صوره على إشارات المرور. على الخيم أيضاً تكتب شعارات مثل: »حب إلى الأبد« ومقتطفات من خطابات الأمين العام لـ »حزب الله« السيد حسن نصر الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ويرسم سيف الإمام علي وتلصق صور ارسلان وفرنجية وعون. وتعبق الأجواء برائحة المعسل المنبعثة من الأراكيل المنتشرة في كل مكان.

في هذه الخيم يوجد »الطبل والدربكة« ويصل صدى قرعهما إلى المباني المجاورة، وعلى وقعهما يتولى منظمون توزيع وجبات الغداء على المعتصمين الذين انصرف عدد منهم لتأدية الصلاة في الساحة.

على الرصيف المقابل يكدس باعة المياه بضاعتهم فوق بعضها بعضاً. بائع الفول والترمس، واكسبرس القهوة والشاي عناصر مستجدة على المنطقة. كذلك بائعو الكعك، وبائعة البسكويت التي افترشت الأرض، وذلك الصبي يلوح بيده فيرسم بالمنقل وفيه الفحم المشتعل دائرة في الهواء.

موقف السيارات في الجانب الآخر من الشارع مقابل بناية اللعازارية كان يعج بالسيارات، قبل أن تركن فيه الخيم. هناك لم نجد المسؤول عن الموقف ليخبرنا أين ذهب العاملون فيه وكيف جرى التنسيق مع القائمين عليه. وبعيداً منهم تبدو غرف بلاستيكية وضعها المنظمون لتستخدم كحمامات.

يطل الموقف من إحدى جهاته على جامع محمد الأمين الذي كان يحاول ظهر أمس، مجموعة من الصبية تسلق جداره، للوصول إلى النافذة. على الأرض أمامهم كانت مجموعة أخرى تطلق الشتائم المغناة لقوى 14 آذار من دون أن تفضل أحداً. إلا أن عناصر الانضباط كانوا دوماً بالمرصاد.

في ساحة رياض الصلح تقف سيارات الدفاع المدني وعناصره. عمال »سوكلين« يعملون على مدار الساعة هنا لرفع النفايات عن الأرض. وتصدح الأغاني المستوحاة من المناسبة في الأرجاء كل الوقت. تلي خطاب بري المسجل أغنية حماسية تثير حماسة الحاجة المتشحة بالسواد في موقف السيارات في ساحة رياض الصلح، فتقف وتلوح بيديها وكتفيها بحركات راقصة.

الزحمة الشعبية الفائقة، طابع مستجد على ساحة رياض الصلح أيضاً. لا شيء فيها ومن ساحة الشهداء عاد يشبه نفسه. هنا الأعلام الحزبية تلوح كل الوقت. وعلم لبنان رفع على تمثال رياض الصلح الذي يتسلقه الأولاد، بينما تتجه الأنظار كل حين ناحية السرايا الحكومية، حيث يحاول البعض اجتياز الشريط الشائك الذي وضعه الأمنيون لمنع المتظاهرين من الوصول الى السرايا.

أسفل التمثال يجلس علي وحسين اللذان انهيا للتو دوامهما المدرسي وجاءا للمشاركة. »نتظاهر لنسقط الحكومة، ويتحسن الوضع المعيشي«، يقول علي، مؤكداً نيته وصديقه البقاء في الساحة الى حين تحقيق المطالب. يعرف الصبيان انهما قد يخسران سنتهما الدراسية، لكن حسين يوضح أن »مش مهم. المهم ننقذ البلد«!

عبد الله فقيه أيضاً ترك بيته في النبطية أول من أمس. يعمل الرجل الخمسيني في شركة صناعة المعادن، وهو بات ليلته الأولى مع المتظاهرين. يؤكد فقيه انه مستمر بالاعتصام حتى »تغيير الوضع السيئ الحالي إلى احسن: تحسين المعيشة والمدارس والمستشفيات وتحقيق التعددية«.

في هذه البقعة حيث غلبة للمراهقين والشبان لا تسلم الفتيات من التحرش الشفوي. ووقاحة بعض الشبان تفلت كثيراً هنا من رقابة عناصر الانضباط وخصوصاً في الأمسيات.

Saturday, December 2, 2006

موجة بشرية من الضاحية والهتافات تخرق « الضوابط »

موجة بشرية من الضاحية والهتافات تخرق « الضوابط »

منال أبو عبس
Al-Hayat (874 كلمة)
تاريخ النشر 02 ديسمبر 2006


مبكراً بدأ نهار المعارضين المتظاهرين لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أمس. منذ ما قبل الحادية عشرة صباحاً كانت الطريق المؤدية إلى ساحة الشهداء وسط بيروت، تشهد إقبالاً ملحوظاً، سيصير كثيفاً ما أن تتجاوز عقارب الساعة الثانية عشرة ظهراً.

مبكراً أيضاً، بدأ باعة الأعلام نهارهم. احتلوا بأعلام »حزب الله« وحركة »أمل« و »التيار الوطني الحر« وأعلام لبنان جوانب الطرق المؤدية إلى الساحة. لكن المشترين سيكونون ممن صادر عناصر الانضباط أعلامهم الحزبية، واستبدلوها لهم بأعلام لبنان مباشرة من »البيك آب« المتمركز على تقاطع بشارة الخوري.

من وسط بيروت صعوداً، تقود الطريق »المحمية« بعناصر الجيش اللبناني وآلياتهم إلى الضاحية الجنوبية. الطريق نفسها تربط بيروت بالبقاع والجبل. على هذه الطريق تحتشد الحافلات والسيارات منذ الصباح، ويصعب إحصاء عددها. حافلات النقل المشترك بدورها تحتشد على هذه الطريق. وعلى معظمها رفعت صور الأمين العام لـ »حزب الله« السيد حسن نصر الله، وبضع صور لطلال ارسلان والوزير السابق سليمان فرنجية والجنرال ميشال عون.

الحافلات بمعظمها أتت من البقاع، بحسب ما تدل اللافتات الملصقة على الزجاج الأمامي: تمنين التحتا، الكرك، القرعون، رياق، يحمر، شعث، بعلبك، وأسماء بلدات كثيرة أخرى. على اللافتات أيضاً، كتبت عبارات مثل: »القطاع الثالث: حيدر. شعبة: رياق«، للتعريف بوجهة قدوم المشاركين.

من الحافلات تنطلق هتافات كثيرة. معظم الهتافات موجهة ضد الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس الهيئة التنفيذية في »القوات اللبنانية« سمير جعجع ووزير الداخلية بالوكالة (سابقاً) أحمد فتفت. وعلى رغم تشديد الداعين على ضرورة الالتزام بورقة الضوابط التي وزعوها على المارة والسيارات والتي تشدد على التظاهر السلمي والحضاري. بدا بعض الهاتفين أبعد ما يكون من الآداب العامة، وأطلقوا هتافات قاسية في حق السنيورة وجعجع وفتفت.

على هذه الطريق المؤدية إلى الضاحية إذاً، لا يمكن إحصاء أعداد الحافلات المتجهة إلى ساحة التظاهر. السائرون إلى الساحة مشياً أيضاً، يصعب إحصاء عددهم. لكن، الدفعة الأولى من المتظاهرين ستظهر في وقت مبكر متوقفة في المنطقة الممتدة من البربير في انتظار رص صفوفها. لم تستغرق عملية الرص وقتاً طويلاً، وبعدها تحولت الدفعة إلى جمع كبير.

»ما بدن يعطونا الثلث. يعطونا أفا (قفا) ضهورن«، تقول إحدى اللافتات المرفوعة. وتحتها تصدح أصوات النسوة والشابات المحجبات بهتاف: »يا سنيورة نزال. هيدي الكرسي بدا رجال«. في المقلب الآخر، مجموعة من الشبان يصرخون ساخرين: »بدنا حكومة نظيفة وبدنا نزرع حشيشة«.

في محيط مستديرة الطيونة، تشبه الصورة صورة ساحة شتورا في البقاع. الحافلات والسيارات تكاد تدوس بعضها بعضاً. وسط هذه الزحمة يتمركز بائع الشارات الملونة بالأصفر (حزب الله) والأخضر (أمل) والبرتقالي (تيار وطني حر) وصور نصر الله، وتشهد خيمته إقبالاً شديداً. حواجز الجيش تتكثف أيضاً، في هذه المنطقة. ويتمترس العناصر على مداخل الطرق المؤدية إلى المناطق المسيحية.

من الطيونة إلى كنيسة مار مخايل، تشهد الطريق التي كانت خط تماس بين المناطق المسيحية والإسلامية خلال الحرب الأهلية، زحمة حافلات ومارة. في الأحياء الممتدة يمين السائر في اتجاه الضاحية (الشياح) تجول مكبرات الصوت وتدعو الناس إلى المشاركة للمطالبة بشراكة في الوطن. بينما تبدو المناطق على يسار السائر خالية إلا من الأمنيين، الذين لم يسلموا بدورهم من شتائم المتظاهرين، فقوبلوا بهتافات من نوع: »اثنين قهوة وواحد شاي. فتفت أكبر قبضاي« و »شاي يا وطن«. ومع اقتراب عقارب الساعة من الواحدة ظهراً، تكون الطرق اختنقت بالمتظاهرين. ويستحيل تقدم السيارات والحافلات إلى الأمام. إلا أن سائق سيارة الـ »بيجو« بزجاج أسود ومن دون نمرة، وجد في الرصيف ضالته، فتسلقه بسيارته، وتبعته بقية السيارات والفانات، ما جعل مهمة المتظاهرين سيراً أكثر صعوبة.

في تقاطع المشرفية تمتزج المواكب الآتية من البقاع مع تلك الآتية من الضاحية. يتولى عناصر الانضباط تنظيم السير. وتنطلق هتافات: »الله. نصر الله. الضاحية كلها«، و »يا نصر الله لا تهتم عندك شيعة بتشرب دم«، وفي أماكن أخرى: »عندك شعب بيشرب دم« و »بدنا نقولها عالمكشوف، قوات ما بدنا نشوف«.

»شيبني السنيورة والله«، يكتب أحد المتظاهرين على ورقة ألصقها على رأسه المغطى بشعر اصطناعي أبيض اللون. »لا أخاف الموت لكن تقتلني دمعة السنيورة«، و »كما النصر التغيير آت آت«، كتب على لافتات أخرى.

في طريق العودة من الضاحية الى ساحة رياض الصلح، رفع عدد من أعلام لبنان على شرفات المنازل. الخطوة تدل على ان أصحاب المنازل من أنصار قوى 14 آذار. الإعلام المثبتة على الشرفات كانت كفيلة بإثارة حفيظة عدد من الشبان المتظاهرين، فوجهوا الشتائم الى رافعيها، وطالبوهم بأن »طلوا عالبرندات«، هاتفين: »هالعقدة بدنا نحلا. وبيروت بدنا نحتلا«.

Friday, November 24, 2006

مشاركون يسألون عن القتلة

مشاركون يسألون عن القتلة ... والهتافات « لم ترحم » المعارضين

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,177 كلمة)
تاريخ النشر 24 نوفمبر 2006


لا يشبه العرض في ساحة الشهداء أمس، عروض الاستقلال السابقة. أمس، استعار المدنيون من العسكريين ساحتهم، »فعزلوهم« في أطرافها. وجالت الطوافات العسكرية في سماء الساحة كما في السنوات السابقة، لكن هذه المرة لالتقاط الصور للمشاركين في تشييع الوزير بيار الجميل.

قبل العاشرة من صباح أمس، لم تكن الساحة امتلأت بعد. تعبر مجموعات متفرقة من الشبان والشابات شارع بشارة الخوري المؤدي إلى الساحة رافعين أعلاماً هي بمعظمها لـ »تيار المستقبل« و »الحزب التقدمي الاشتراكي«، ومرددين هتافات لا يكاد يصل صداها إلى البنايات المقابلة. إلا أن الصورة سرعان ما تنقلب، وتملأ الحشود المكان، وينهمك العسكريون المنتشرون في المنطقة الفاصلة بين الأحياء »المسيحية« و »الإسلامية«، في تأدية المهمة التي أوكلت إليهم منذ انتشارهم، أي منذ يوم اغتيال الوزير بيار الجميل. ويشكل العسكريون وآلياتهم حواجز تمنع رافعي الأعلام من الدخول إلى المناطق الداخلية، الشيعية بمعظمها، منعا لحصول استفزازت ومشاكل... لا تلبث أن تقع في وقت لاحق من النهار.

قرابة الحادية عشرة، المجموعات تملأ الطريق نزولاً إلى الساحة. الهتافات تشبه كثيراً ما اعتدنا عليه في السنتين الماضيتين، إلا أن الخلاف الحاد بين المعارضة والسلطة أفرز شعارات أكثر تطرفاً ضد الأمين العام لـ »حزب الله« السيد حسن نصر الله ومن بعده النائب ميشال عون فرئيس الجمهورية اميل لحود والقادة السوريون.

»لبيك يا سعد الدين«، يقول الهتاف الأكثر ترداداً على ألسن المجموعة الآتية من طريق الجديدة. يترافق الهتاف مع قبضة اليد مضمومة ومرفوعة عالياً، فيشبه ذلك الذي يقول: »لبيك يا نصر الله« في احتفالات »حزب الله«. »عددنا كبير جداً«، يقول أحمد. وما تبقى من كلامه يدل على أن مجيئه ومن معه كان »تلبية لدعوة الشيخ سعد (الحريري)، ورسالة إلى المطالبين برحيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة«.

أهالي الضنية كثر أيضاً، لكنهم جاؤوا على دفعات. يقول منسق »تيار المستقبل« في المنطقة نظيم الحايك ان المشاركة في تشييع الوزير الشهيد، »لم تخرج عن إطار المشاركات الطبيعية في المناسبات الوطنية، والتي تؤكد وقوف الضنية في صلب حركة 14آذار، في سبيل تحقيق الحرية والسيادة والاستقلال على أكمل وجه«.

بين المشاركين من الضنية صبيّة تحمل طفلين يتقاتلان للحصول على العلم الوحيد. وتقول إنها لم تترك طفليها عند أحد الأقارب، لأن »الكل نزلوا عالتظاهرة«. لكن أيضاً، لأن »على ولديّ أن يشاركا، لنقول للقتلة أن يكفوا عن القتل، كي نعيش بأمان«.

ومع تدفق المشاركين، تصبح مهمة العسكريين الموزعين تحت جسر فؤاد شهاب اكثر صعوبة. يفتشون حقائب الشابات ويراقبون دخول الشبان، ومن خلفهم تبدو ساحة الحرية شبه ممتلئة.

»لا سلاح إلا السلاح الشرعي«، تقول واحدة من اللافتات الكثيرة المصورة على خلفية حمراء، وموقعة بـ: »احب الحياة«. اللافتة الثانية تسخر من النائب عون، سائلة: »أنت عون، ولا عونيك«، وأخرى عليها صورته وسؤال: »من شق الصف«، والرابعة عليها صورة لحود مقلوباً رأسه إلى أسفل، وعبارة: »شيلوه« (أخرجوه)، وأخرى: »1701 الآن«، وأخرى أيضاً، عليها صورة الرئيس السوري بشار الأسد وبالإنكليزية عبارة »أبعد حربك الأهلية«.

كثرة من اللافتات كانت تغمز من قناة النقاط الخلافية مع المعارضة: »وحدها المحكمة الدولية تحمينا«، و«إجلاء الحقيقة هو ملك كل الطوائف ومن دونه لا يبنى لبنان الطائف«، و«السنيورة رئيس حكومة لبنان«.

في الساحة تختلف الهتافات باختلاف انتماءات الهاتفين. في المنطقة الأكثر قرباً من الجسر، تتراوح الهتافات بين »الله معك يا فتفت«، و«سنيورة باقي باقي« و«يا سعد ما تعبس، بدك عسكر رح نلبس«، مع طغيان لأعلام »المستقبل«.

وفي الداخل، يذوب »المستقبليون« مع الحلفاء الذين اعتادوا وجودهم. ولا يبدو الآتون من أماكن بعيدة بأغراب عن المكان. »بدنا نخلص«، يقول الحاج يحيى الذي جاء وعائلته من بلدة عرسال البقاعية. الحاج لم يستقل الحافلات التي أمنها »تيار المستقبل« لنقل المشاركين، ويؤكد أن »نص عرسال جاءت منذ الصباح الباكر، لتشارك في تشييع الشهيد«. ومن كويخات حلبا في عكار »نزلت 60 حافلة للمشاركة في التشييع«، بحسب محمد مصطفى طحبوش الذي يوضح أن »بدنا نعطي دمنا لسعد ونخلص«.

من البقاع الغربي جاءت حافلات كثيرة. تقول سناء إنها ستأتي الى الساحة ألف مرة، »بس المهم كلمتنا تمشي«. وتضيف ابنتها: »نحن فدا سعد وبدنا نعرف من الذي يقتل الناس، ولماذا كل القتلى من فريقنا. ولماذا يقفون هذه الوقفة ضد الرئيس السنيورة«.

في المنطقة الأكثر قرباً من ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تتلون الأعلام بوجود »الاشتراكي« و«القوات اللبنانية« و«حزب الكتائب« و«الوطنيين الأحرار«، وهتافات: »أبو تيمور«، و »حسون حسون حسونة« و »صورايخك هرونا« و »كل ما نفقعهم صاروخ بالغارات بيهرونا«، و«أصفر أخضر ليموني، مش رح تسقط الحكومة«. وتقول لافتات: »فاجئونا بسكوتكم«، و«المحكمة آتية لا محالة«، وتكثر صور الرئيس فؤاد السنيورة، وعلى واحدة منها: »دموع الرئيس فؤاد السنيورة أقوى من صواريخكم«.

ويقول ثائر باز الذي جاء مع »كل أهل الجبل منذ الصباح«، إن »البلد لا يحكم بالتهديد والقوة«. ويضيف أن »نحن في حاجة إلى وفاق الرجال وليس وفاق العملاء للمحاور الإيرانية والسورية«، بينما يرد صديقه عصمت ناصر الدين مشاركته الى انها »من اجل المحكمة«، يعود فيستدرك أن »المحكمة آتية لا محالة وبلا جميلة حدا«. ويرد ناصر الدين، قائلاً إن »ليس الجبل وحده جاء اليوم تلبية لدعوة وليد بيك (جنبلاط). بل كل الدروز جاؤوا، من عدا واحد (طلال ارسلان)«.

ومع اقتراب عقارب الساعة من الواحدة، تتلون الساحة أكثر مع مجيء أنصار »حزب الكتائب« و«القوات اللبنانية« الذين غلب الصمت على صفوفهم. وتتضاعف أعداد صور الوزير الجميل، وعليها: »العدالة لك أيضا«. صور رئيس الهيئة التنفيذية في »القوات اللبنانية« سمير جعجع، والرئيس الراحل بشير الجميل، تزيد أعدادها أيضاً، وعلى إحداها: »لن نحيد عن خط حددناه بالدم«. ويطلق حاملوها هتافات تصب في معظمها ضد عون ولحود. وتعلو صرخات: »إيه ويللا عون اطلع برا« و«بيكفي بيكفي ع بعبدا بدنا نكفي«. وعلى الأرض بقايا صور عون والرئيس الأسد بعد حرقها.

وفي الواحدة، يمر نعش الوزير الجميل، أمام ضريح الرئيس الحريري، ويجتاز جامع محمد الأمين حيث ترفع صورة عملاقة للجميل، وعليها عبارة: فدى لبنان. مع مرور النعش يصفق الحاضرون بقوة. ويخرج أحدهم من جيبه صورة مطوية للشهيد، ينظر إليها ملياً ويبتسم.

Thursday, November 23, 2006

هنا دارة العائلة ... حيث الحزن في كل مكان

هنا دارة العائلة ... حيث الحزن في كل مكان

منال أبو عبس
Al-Hayat (771 كلمة)
تاريخ النشر 23 نوفمبر 2006



في قلب الغرفة يقف الشيخ أمين الجميل. الرئيس السابق يبدو متماسكاً، تماسك رجل دولة ألمت به مصيبة. غير بعيد منه يقف نجله سامي، وابن أخيه نديم بشير الجميل.

هنا في وسط الغرفة الفسيحة في قصر بكفيا، دارة مؤسس »حزب الكتائب« بيار الجميل، يستلقي نعش بيار الجميل الحفيد، وقد سقط شهيداً.

تقطع شهقات زوجته باتريسيا، الصمت المطبق على المكان. الى جانبها تركع شقيقته نيكول على الأرض، ملقية بثقل رأسها على نعش أخيها. حزن الأخت على أخيها له طابع آخر. حزن يحرق القلب على سند رأس أزاحه الموت. العمة الراهبة ارزة لم تكف عن تلاوة الصلاة. إيمان العمة التي نذرت نفسها للكنيسة يخفف عليها وطأة المصيبة.

النعش يتوسط الغرفة، والحجارة الصخر التي شيد منها المكان، تضاعف الإحساس بالكآبة. يمر المعزون واحداً تلو الآخر. يمدون أيديهم، فتتلقفها أيد أخرى تبحث عن مواساة. لا تقوى أيدي جويس، والدة الشهيد على تلقف أيدي المواسين. قدماها أيضاً لم تقويا على حملها، فسقطت على المقعد القريب من مقعد ابنها سامي. أي قدمين تحملان أما تنظر الى نعش ابنها يتوسط الغرفة؟

يمر السياسيون واحداً تلو الآخر، كما في شريط سينمائي. لا هيبة للسياسي وقت تقع المصيبة، ولا أهمية لتصريحات من هنا وأخرى من هناك. يمر السياسيون، ولولا وسائل الإعلام تتحلق من حولهم، لما انتبه أحد لوجودهم.

تمسد باتريسيا بيديها على النعش، وقد كسته بالدموع. تمرر يديها برفق على علم يلف النعش. لا أحد يعلم أي ذكريات تمر في رأس باتريسيا الحزينة الآن.

يغص القصر وشرفته ودرجه بالبشر. تشبه الصورة صوراً كثيرة اعتدنا عليها منذ نحو سنتين وحتى قبل ذلك. صور نعوش تتوسط الغرف. صور نساء يبكين دفئاً لن يلمسنه يوماً آخر. وصور مصورين يلتقطون الحزن في أعين الزوجة والأم والأب والأولاد.

تغص الساحة حيث حديقة القصر بالبشر. تلتصق الأجساد بعضها ببعض، ويستحيل التحرك خطوة واحدة. ساعات تمر قبل أن يصل المعزون في الساحة الى الغرفة التي يتوسطها النعش.

هنا الحزن في كل مكان. في الساحة المكتظة بالبشر. في الزاروب المؤدي الى ساحة أخرى ثم الى درج يوصل الى الغرفة التي يتوسطها النعش.

الساحة الخارجية تغص أيضاً بالبشر. شبان وشابات في الأغلب. بعض الرجال المسنين يجلسون على الكراسي البلاستيك. في هذه الساحة لا يسود الصمت. تنعقد حلقات الحوار ويغلف الانفعال والغضب وجوه البشر. يقول جان: »لن نرتاح قبل أن يسقط اميل لحود وميشال عون حاميا النظام السوري«. جان كان كتائبياً عندما اندلعت الحرب الأهلية. وخسر في القتالات التي شارك فيها قدمين وعيناً، ويضيف أن »الهدف من اغتيال الشيخ بيار هو إلغاء المحكمة الدولية وإسقاط الحـكومة لخلق فراغ دستوري«. يقول إن »ســورية دخــلت الى لبنــان في ظروف مشابهة للظروف الحالية. وان سـورية واسـرائيل متفـقتان علينا«.

رفيق جان الجالس الى جانبه، يقول: »إننا معتادون على أن يقتلوا لنا زعيماً كل فترة«. يرى في المشهد شبهاً لما سبق الحرب الأهلية، لكنه يؤكد »أننا اليوم أقوى. عندنا وحدة وطنية سنية ومسيحية ودرزية«، والوضع شديد الخطورة.

في المقلب الآخر من الساحة يجلس ثلاثة شبان وفتاة. يقولون انهم خسروا مثالاً أعلى آخر بعد الشيخ بشير. يفهمون خطاب الشيخ أمين الذي دعاهم الى التهدئة. ولا يفهمون لماذا »يحق للفريق الآخر النزول الى الشارع وإشعال الإطارات وتحطيم الأملاك العامة، إذا تعرض قائدهم للنقد في أحد البرامج التلفزيونية، أما نحن فيقتلون قادتنا، ويطلبون منا ضبط النفس«.

يغطي اللون الأسود الساحة الفسيحة. وتكسو الطرق المؤدية الى دارة آل الجميل صور شهداء انتفاضة الاستقلال وعبارة: »لن ننسى«. وأمس أضيفت صورة بيار الجميل مبتسماً، وخلفه السيارة التي اخترق زجاجها الرصاص في وضح النهار، وفوقها عبارة: »لن ننسى«.

Friday, November 17, 2006

صور السنيورة ترد على الهجمة الشرسة

من عالم المال البارد ... في مواجهة « الأستاذ والرئيس والمعلم »
 صور السنيورة ترد على الهجمة الشرسة بـ « الحبيب » و « أشرف الناس »

منال أبو عبس
Al-Hayat (725 كلمة)
تاريخ النشر 17 نوفمبر 2006


يقول أبو زياد ان رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة يتعرض لهجمة شرسة. يغوص في شرح سياسات المحاور الاقليمية وتداخلاتها الدولية، ويرد على السائل عن سبب رفعه صورة السنيورة على شرفة منزله، متعجباً كأن في السؤال طعناً بولاءاته الوطنية.

»الشرفة تخصني، ولا أحد اكثر من الرئيس السنيورة ولاء للوطن لأرفع له صورته«، يقول. ثم تقود تفاصيل أخرى الى ما مفاده ان الصورة رفعت على شرفة أبو زياد مباشرة بعد الخطاب الأخير للأمين العام لـ »حزب الله« السيد حسن نصر الله. وبالتحديد بعدما استبدل جيرانه في البناية المقابلة بالصورة القديمة للسيد نصر الله أخرى حديثة تذيلها عبارة: »صدق وعد الله«.

»نعم، نكاية بالجيران«، يقر أبو زياد أخيراً، ممسداً بإصبعه عبارة خُطّت أسفل صورة الرئيس السنيورة: »أشرف الناس«.

حكاية أبو زياد والصورة، واحدة من حكايات كثيرة أخرى، ساهمت مجتمعة في انتشار صور السنيورة في اكثر من منطقة في بيروت. الظاهرة لا يمكن الا ملاحظتها، فرئيس حكومة لبنان لم يكن يوماً مرشحاً للمجلس النيابي، وقبل الأزمة الأخيرة لم ترفع له صور في بيروت ولا في ضواحيها. كما ان الرجل الآتي الى النادي السياسي من عالم المال البارد، لم يكن ذكره محبباً إلى قلوب الجماهير وجيوبهم... خصوصاً بعد الربط بينه وبين الضريبة على القيمة المضافة، وقبلها مشاريعه الكثيرة حين كان وزيراً للمال.

»الحبيب الغالي« عبارة تذيل صورة أخرى للسنيورة. تتدلى الحبال التي تحمل الصورة من شرفتي بنايتين متقابلتين، فتتوسط شارع مار الياس التجاري المكتظ دوماً بالمارة والسيارات. »لم يكن للسنّة يوماً زعيم يرفعون صوره قبل الرئيس الشهيد رفيق الحريري«، يقول أبو خالد، القاطن في المنطقة منذ أكثر من 30 سنة. ويضيف أن الصورة ترتفع في وجه المشككين في زعامة »حافظ الامانة«، أي رئيس الحكومة، وبالتالي تأتي رداً مباشراً »في وجه الذين يطالبون برحيل السنيورة«.

غير بعيد من الشارع المكتظ، يبدي سائق التاكسي انزعاجه من الصورة المرفوعة للسنيورة، فوق عبارة: »يا جبل ما يهزك ريح«. يجيب عن سبب تغطيته الزجاج الخلفي لسيارته بصورة للسيد نصر الله، بأن »على كل انسان أن يلتف حول قادته، والسيد رفع راسنا عالياً«. لا يقبل السائق ان يجادله أحد في قناعته، لكن الطريق سرعان ما يؤدي الى تلك الصورة المرفوعة في منطقة زقاق البلاط للرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون والسيد نصر الله، وتحتها اختصر أحدهم مستقبل لبنان السياسي بعبارة »استاذنا. رئيسنا. معلمنا«، وقد كتبت أسفل صورة الزعماء الثلاثة.

صور النائب سعد الحريري وعبارات مثل »سعد لبنان« أو »ابن الحبيب«، أيضاً ليست جديدة، وتكاد ان تكسو لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن انتشار صور السنيورة أخيراً، على رغم مرور نحو سنة ونصف سنة على توليه رئاسة الحكومة، يثير كثيراً من التساؤلات.

»لم يبقَ الا أن يتهموا رئيسنا بالعمالة. القصة كبرت. والجميع يعرف انه اذا تخلى السنيورة عن المحكمة الدولية، يصير أحسن زعيم«... تعني العبارة ان الالتفاف حول الأخير يجسد احتجاجاً على الانتقادات التي يتعرض لها. تسأل باسمة القاطنة في الطريق الجديدة عن سبب انقلاب »بعضهم« على السنيورة، وتبدو أكيدة أنه »لن يساوم على دماء الرئيس الحريري«، لكنها تقول انها ترفع صورته في متجر زوجها لـ »يعرف الجميع اننا نحب الرئيس السنيورة ونقدره«.

مساء أول من أمس، ألصق شبان صوراً للسنيورة في الشوارع المتفرقة من مار الياس والزيدانية، كتب عليها: »سنيورة لبنان أولاً«. ويقول احد الشبان إن »الرئيس السنيورة خط أحمر«. على عمود للكهرباء في منطقة بشارة الخوري ترتفع صورة للسيد نصر الله مبتسماً. فوق الوجه كتب: »من سينزع سلاح المقاومة«، وتحته: »باق، باق، باق«.

منطقة الطريق الجديدة تبدو نسبياً بعيدة من بشارة الخوري. في شارع التمليص القريب ترتفع صورة للسنيورة، وعليها: »باق، باق، باق«.

Monday, October 16, 2006

العاصفة عطلت مهرجان « التيار الوطني »

العاصفة عطلت مهرجان « التيار الوطني » في ذكرى 13 تشرين الأول ومسيرات جابت المناطق . عون يحذر من إضاعة « آخر فرصة لبناء الوطن » : حكومة اتحاد وقانون انتخاب ومجلس دستوري ورئيس جديد

منال أبو عبس
Al-Hayat (2,373 كلمة)
تاريخ النشر 16 أكتوبر 2006



حالت الأمطار التي سقطت على لبنان أمس، دون لقاء رئيس تكتل »التغيير والإصلاح« النيابي ميشال عون جمهوره مباشرة، وإن كانت لم تمنعه من التوجه إليه بخطاب عبر الاعلام تميز بنبرة حاسمة وبهدوء قلما اتسمت به خطاباته السابقة.

وخاطب عون اللبنانيين في مناسبة ذكرى إخراجه من القصر الجمهوري في 13 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1990 على يد الجيشين اللبناني والسوري، في مؤتمر صحافي عقده في الرابية، بدلاً من مجمع ميشال المر في ضبيه الذي تم تجهيزه ليستوعب ما كان متوقعاً أن يكون مئات آلاف المشاركين، يرد بهم مناصروه على المشككين بشعبيته.

وإذا كانت العاصفة نجحت في تعطيل أجهزة الصوت في مكان المهرجان، كما قال عون، إلا أنها فشلت في تعطيل إرادة مناصري »التيار الوطني الحر« وأصدقائه في إحياء المناسبة. وجابت المواكب السيارة المناطق اللبنانية كلها، رافعة الشعارات العونية والأعلام اللبنانية وأعلام »التيار«. فضلاً عن وصول أعداد كبيرة الى ساحة المهرجان.

قال العماد ميشال عون أمام وزراء سابقين ونواب وشخصيات: »أخاطبكم في هذه الذكرى الأليمة، لا لنكء الجراح بعد زمن، بل لنعمّق معاً ايماننا المطلق بأن الإنسان قيمة، وأن مجتمعنا لا يستقيم إلاّ وفق مسلّمات تتصدرها قيم الحق والخير والعدل«، مؤكداً انه »كانت لنا رؤيتنا الإستراتيجية، التي تجسدت في المبادئ التي تضمَّنها ميثاق التيّار الوطني الحرّ وخطابنا التأسيسي، وكذلك في ورقة التفاهم مع »حزب الله«، التي أردناها، الى كونها غاية في ذاتها، على أهميتها، منطلقاً لحوار جدي وبنّاء، طالما سعينا الى تحقيقه مع الأفرقاء اللبنانيين جميعاً«.

وهاجم عون الحكومة الحالية، معتبراً أن »البيان الوزاري بقي كأساً فارغة لا تروي ظمأ«، وقال: »ها هي الحكومة الحالية، المنبثقة من أكثريَّة وهميّة، تُشَرْعِنُ اللامبالاة إزاء هموم الناس ومتطلباتهم، فتعيث في البلاد فساداً، وتسخِّر أموال الدولة والشعب، كما أنها أعادت البلاد الى سياسة المحاور«، متهماً الحكومة بأنها »تفتقد بتكوينها الى شمولية تمثيل اللبنانيين، لذلك هي لا توحي بالطمأنينة. كما تفتقد بقراراتها الى شمولية المنفعة، مما يضفي عليها صبغة فئويَّة. وهي كذلك احادية في أخذ القرارات المصيرية. ناهيك بتعطيلها دور مؤسسات الرقابة كافة، والتي هي في النظم الديمقراطيَّة أساس الدولة وأعمدتها«.

وأشار عون الى »الفراغ من خلال بيان وزاري لم ينفَّذ منه حرف واحد، ومن خلال انحطاط في الأداء يتجاوز حدود الخطأ المعقول الى التصميم المبرمج للاستفزاز«، مهدداً بأنه »لم ولن نتوانى عن تحميل هذه الحكومة كل تطور سلبي قد تشهده البلاد«.

ورأى عون ان الفراغ ظهر في أداء الحكومة حين »تخلت عن دورها في التصدي للعدوان لتقوم بدور الوسيط بين المقاومة والأمم المتحدة، كما تهرّبت من أداء مهماتها الإنسانية والإغاثة«، مؤكداً رفضه »أي ضغوط مهما اشتدت، وخصوصاً تلك التي تحمل في طياتها بذور الفتنة«.

وحدد عون قناعاته حول عملية التغيير، وقال: »نؤمن بالديموقراطية نظاماً للحكم وأسلوباً للحياة، ونعتبر أنها النظام الوحيد الذي يحفظ كرامة الإنسان، ونعلن تمسّكنا بحقوق الإنسان، كما أقرّتها الوثائق الدولية، وبالحريات العامة، ونتطلع إلى مجتمع أشمل إنسانية وعدالة، حيث تأخذ المواطنية أبعادها الحقيقية، مجتمع يتضامن مع فئاته الضعيفة والمهمّشة، ونلتزم الوحدة الوطنية، ونشدد على العروبة الحضارية المنفتحة والمتفاعلة مع الثقافات كافة، ونعتبر أن للبنان دوراً في نشر ثقافة السلام في محيطه والعالم«، معتبراً أن »بناء الدولـة وإصلاحها لا يتمان إلا بتعزيز حكم القانون من خلال فصل السلطات، وتكريس وتعزيز ونشر مبدأ التوافق، فلا يكون تفرّد أو استئثار أو طغيان أكثرية حاكمة على أقلية مهمشة ومقموعة«.

وشدد على ضرورة الإسراع في«إقرار قانون عصري للإنتخاب، يضمن صحة التمثيل، ويحدّ من تأثير عوامل المال السياسي والعصبية الطائفية«، مؤكداً انه »من المستحيلات أن تبنى دولة تقوم على الفساد والرشوة«. وتابع: »من واجبنا أيضاً مكافحة الفساد والرشوة عبر تفعيل هيئات الرقابة، والتفتيش، والتدقيق المالي والإداري، وإقرار ما يلزم ذلك من تشريعات، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب«.

وأضاف عون: »الأمن الحقيقي ليس أمناً فئوياً، كما درج البعض على وصفه. فهذا النوع من الأمن يؤدي الى التصادم الجماعي ولا يبعث الطمأنينة في النفوس«.

الأمن

وأكد أن »واجب القوى الأمنيَّة مكافحةَ الجريمة التي هي حال شاذة في المجتمع، ويبقى الأخطر منها الجريمة المنظمة التي تتمثل بالإرهاب الذي يهدد جميع المجتمعات وأي تراخٍ في التعاطي والإهمال في التحسب للمفاجآت الناجمة، يشكل غطاء له«، موضحاً أن »الأمن المسلح الواجب بناؤه وتعميمه على كامل التراب الوطني هو الأمن الذي يحفظ الاستقرار، ويحمي المواطنين، ويلتزم حكم القانون، ويحترم حقوق الإنسان وحرياته. هذا الأمن هو الذي يجيب في الوقت ذاته على تحديات الإرهاب والجريمة، وتَشَكّل المجموعات المسلحة غير الشرعية، والأمن الذاتي. ولا يتحقق إلا بإعادة الاعتبار إلى صدقية الجهاز الأمني اللبناني وفصله عن السياسة، وإيلاء المسؤوليات إلى من يُشهد لهم بالكفاءة والمناقبية، إضافةً إلى تحصين القوى المسلحة ضد كل تأثير خارجي، والارتقاء بها فوق الطائفية والمحسوبية، وتسليحها وتطويرها، لتصبح قادرة على الدفاع عن الوطن والذود عن كرامة بنيه«.

وقال عون: »إن القضاء العادل والنزيه والمستقل يكون من خلال تحييده عن التجاذبات السياسيَّة والاستنساب، والتطلع الى تجاوز الحاجة لكل أشكال القضاء الاستثنائي، وإعادة العمل بالمجلس الدستوري بما هو محكمة ساهرة على دستورية التشريع، وصحة عمليات الانتخاب«.

أما بالنسبة الى التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، فرأى أن »الهمّ الاقتصادي والاجتماعي مادة الحياة، ومجال الخيارات الكبرى التي يتخذها أبناء الوطن عن إدراك تكاليفها ومكاسبها«، مشيراً الى أن »الديون تراكمت على لبنان بسبب ضمور النمو الاقتصادي، فشهد توسعاً مروعاً في الهجرة، وتعمّق عجز مبادلاته الخارجية. وهو يقف اليوم أمام تحديين توأمين: نمو معطَّل، وأعباء مالية رازحة«.

ولفت عون الى أن »السيادة الوطنية والتحديات الخارجية تؤكد أن المحافظة على الاستقلال الوطني لا تقل صعوبة عن تحقيقه. ومن حق لبنان الذي عاد سيداً حراً مستقلاً أن يستعمل مختلف الوسائل لمواجهة كل اعتداء على أرضه وشعبه، أو كل تدخل في شؤونه الداخلية«، مشيراً الى »تحديات كثيرة تواجهنا اليوم لا سيما حرب تموز وما كشفته لنا من مشكلات«.

وقال: »لا شك في أن ما حققه اللبنانيون عبر مقاومتهم، بأشكالها العسكرية والمدنية هو انتصار حقيقي أعاد الاعتبار الى القضية اللبنانيّة بحيث لم يعد لبنان جائزة ترضية لأحد ولا ساحة أو ممراً سهلاً للمؤامرات والتسويات على حساب سيادته واستقلاله وكرامة شعبه«، معلناً انه »من التحديات أيضاً ألا يعزل لبنان ذاته عن محيطه والعالم«، ومؤكداً انه »لا بد من التأكيد أن العلاقة مع السياسة الدوليَّة يجب أن تكون واضحة. فالحق لا يجتزأ بل يكون هو ذاته أينما كان«.

العلاقات اللبنانية - السورية

وركز عون على العلاقات اللبنانية - السورية، وقال: »نريدها علاقات طبيعية وصحيحة وذلك بمراجعة الماضي وأخذ العبر منه، ورفض العودة إليه وإلى أي شكل من أشكال الوصاية«، مشيراً الى أن هذه العلاقات »تستوجب إرساءها على قواعد السيادة الوطنية والاستقلال، والاحترام المتبادل، والندية، وحفظ المصالح المشروعة والمشتركة. وهذا يقتضي تثبيت لبنانية مزارع شبعا وترسيم كامل الحدود بين الدولتين وضبطها، وكشف مصير اللبنانيين المعتقلين في سورية واطلاقهم. كما يجب اعتماد التمثيل الديبلوماسي بين الدولتين، ونقل العلاقات السياسية إلى المستويات الرسمية والمؤسسية. وفي هذا السياق يصبح بالإمكان مراجعة الإتفاقات المعقودة وإعادة تأسيسها على مبدأ التكافؤ ومصالح البلدين«.

ورأى ان »عجز المجتمع الدولي حتى الآن عن إيجاد حل يسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، لن يجعل لبنان يقبل بتحول طابع وجودهم من مرحلي وموقت إلى نهائي ودائم«، داعياً الى »إطلاق حوار جاد وسريع مع السلطة الفلسطينية وممثليها في لبنان من أجل معالجة شاملة للملف الفلسطيني بهدف تأمين ظروف معيشية طبيعية داخل المخيمات، والقيام بالإجراءات اللازمة لتمكين الفلسطينيين من الانتقال داخل لبنان وخارجه، بما يؤكد التزام حقهم في العودة إلى وطنهم ويُثبِت في الوقت عينه الرفض القاطع لتوطينهم في لبنان، ومعالجة ملف السلاح الفلسطيني لانتفاء مبررات بقائه وتحوله مصدر قلق«.

وفي شأن النزاع مع إسرائيل ومسألة حماية لبنان، أوضح عون أن »خيار لبنان هو التطلع إلى سلام حقيقي يتخطى إنهاء حال الحرب، ويؤسَّس على العدالة والشمولية فتقبله الشعوب، وتحقيق هذا السلام ممكن من خلال المبادرة العربية التي أقرّت في قمة بيروت«، معتبراً ان »لبنان عانى احتلالات استوجبت مقاومة سياسية وعسكرية، هي حق شرعي مقدس، مارسه أبناؤه من أجل تحرير أرضهم، مستندين في ذلك إلى الشرعية الدولية وقراراتها. وهذا ما أثبت جدواه في حرب تموز العدوانيَّة الأخيرة«.

وأضاف: »حيث أن اللبنانيين تشاركوا في أثمان التحرير، فهم مدعوون اليوم الى حماية لبنان وصون سيادته وحفظ كيانه فيعملون مجتمعين متضامنين لأجل استتباب الهدوء على الحدود وفرض سلطة الدولة الفعلية على كامل التراب الوطني، وذلك من خلال تطبيق القرار 1701 الذي يتضمن تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر وإطلاق الأسرى اللبنانيين في إسرائيل وضمان وقف الانتهاكات الإسرائيلية الأجواء والمياه والأراضي اللبنانية«.

وأكد عون أنّ »حماية لبنان هي مسؤولية وطنية يتقاسم أعباءها اللبنانيون ويتوافقون عليها من خلال حوار وطني جامع، فيحددون خطة ديبلوماسية وإستراتيجية دفاعية يتم اعتمادها في مؤسسات الدولة الشرعية، وسلاح حزب الله يدرج في هذا الإطار«. وقال: »إن هذا السلاح، الذي ما وجد إلا للدفاع عن لبنان، هو موقت. وسعينا الى إيجاد الإطار الملائم، والظروف الموضوعية التي تنهي دوره، وذلك بإقامة الدولة القادرة والعادلة التي حددناها في ورقة التفاهم، والنابعة من قناعاتنا الوطنية وحاجاتنا. وما يقال خارج هذا الإطار ليس سوى مآرب خاصة لا تتخطى الرغبة في التسلط وإثارة العصبيات. وما الكلام عن دولة إسلامية وما الى ذلك من انقلابات واستعمال سلاح وفوضى، إلا لتعزيز الخوف ونشر الرعب في البلاد«.

الدولة الحديثة

ودعا عون الى بناء دولة ديمقراطية حديثة وعادلة تلبي حاجات الشعب اللبناني وتحقق طموحاته في العدالة الصحيّة وديموقراطية التربية والتعليم، والى علاقات خارجية تضمن استقلال لبنان وسيادته وقال: »نتطلع مع سائر اللبنانيين إلى كشف الحقيقة عن كل الجرائم الإرهابية التي هزّت ضمير اللبنانيين وطالت استقرارهم وإحقاق العدالة، وندعو إلى عودة المهجرين بكرامتهم إلى ديارهم ورجوع اللبنانيين النازحين الى إسرائيل«.

وقال عون: »إذا شئنا أن نخرج من الأزمة الحالية فلا بد لنا من البدء بتأسيس سلطة وطنية قائمة على تمثيل صحيح. وهذا لا يتم إلا باتباع مسار ديموقراطي تتوالد منه المؤسسات الدستورية في شكل طبيعي«، مشيراً الى أن »المسار الطبيعي لبناء الوفاق الوطني والسلطة الوطنية القادرة يبدأ بتأليف حكومة اتحاد وطني تعمل على إقرار قانون انتخابي جديد ضمن المواصفات التي ذكرنا، وإحياء المجلس الدستوري، وأن يقوم المجلس النيابي الجديد بانتخاب رئيس الجمهورية، ويعمد الرئيس المنتخب الى تأليف حكومة جديدة وفقاَ للدستور والأعراف«.

وقال: »عبثاً يتشبث البعض بشرعية ما هو قائم، بالادعاء أن دول العالم تتعاطى مع هذه السلطة وتعترف بها، لأننا نعرف أن هذه الدول طالما تعاطت وتتعاطى مع أنظمة الأمر الواقع من دون أن تضفي عليها أي مشروعية، فمشروعية السلطة لا يعطيها إلا الشعب ولا تنبثق إلا من إرادته. ونحن سنتعاطى بتحفظ مع كل سلطة خارجية لا تحترم مقومات الديموقراطية الحقة وتحاول أن تغطي هذه الألاعيب«.

وأوضح عون أن »طاولة الحوار في المجلس النيابي فشلت لأنها رفضت معالجة الأمور بمقاربة تصلح ما أفسدته الانتخابات من تأسيس للسلطة الحرة، واستعملت لتغطية فشل الحكومة، محذراً من »أن يضيّعوا آخر فرصة متاحة لهم لبناء الوطن، والتي لا بد من أن تمر بالمسار الذي طرحناه ويبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية«.

تجمعات شعبية

ولم يحل إعلان اللجنة المنظمة لمهرجان 13 تشرين الأول تأجيله، من دون تدفق عشرات آلاف المناصرين الى منطقة الدورة مستعيضين عن المهرجان بتجمع شعبي حاشد.

وجابت المسيرات السيارة شوارع العاصمة منذ ليل أول من أمس، رافعة صور عون وأعلام »التيار« والشارات البرتقالية، إضافة الى عدد محدود من أعلام »حزب الله« وتيار »المردة«.

وعلى طول الطريق المؤدية الى ضبيه، رفعت لافتات: »الوطن شراكة« و»رح نـبقى هون« و»ما بدنا من حدا عون. عنا عون بيكفينا«.

كما غصت الطرقات المؤدية الى أوتــوستراد الدورة بالسيارات القادمة من بيروت والبترون وزغــرتـا ومنـيــارة وزحـلة والبـقـاع الغربي والمتن ومرجعيون.

وكانت محطة »المنار« التابعة لـ »حزب الله« خصصت البث يوم أمس، لمهرجان التيار. وتوزع مراسلو »المنار« على المناطق، يستفتون من في المسيرات السيارة عن سبب خروجهم في اليوم العاصف، وعن ردهم على من يشككون بشعبية عون كزعيم مسيحي ويروجون أنها ضعفت نتيجة تحالفه مع »حزب الله«.

Sunday, July 2, 2006

هنا كل شيء احترق إلا القنصلية الدنماركية

لجنة من الجيش باشرت مسح الأضرار في الأشرفية ... هنا كل شيء احترق إلا القنصلية الدنماركية !

منال أبو عبس
Al-Hayat (905 كلمة)
تاريخ النشر 02 يوليو 2006



يسقط السؤال عن الذي جرى في شارع التباريس في الأشرفية أول من أمس، على مسمع غابي، كدلو من الماء الساخن. يدور حول نفسه دورة كاملة، ويقول: »بس شاطرين على أهل الأشرفية، لو انهم رجال كانوا راحوا على عين الرمانة (حيث انطلقت الشرارة الأولى للحرب). هناك... لكانت النساء عرفت كيف ترد عليهم«.

يقع محل القهوة الصغير في شارع متفرع من التباريس حيث اندلعت أعمال الشغب خلال التظاهرة ضد القنصلية الدنماركية. يعترض صاحب المحل على كلام غابي، لأن »الذين خربوا المنطقة لم يكونوا من أبناء البلد، ولا يعبرون عن أدياننا«. غير أن كلامه لم يبرد أعصاب أي من الزبائن الذين كانوا من أبناء المنطقة. »رأيت وجوه كثر منهم، وسمعتهم يتكلمون بلهجات غير لبنانية. لم يكن بين الذين خربوا رجال دين مسلمون (معتدلون). بعضهم يشبهون جماعة الضنية الذين أطلق سراحهم أخيراً، وكثير منهم أجانب. لكنهم لا يمثلون المسلمين اللبنانيين«.

يبدو صاحب المحل متعاطفاً مع رجال الدين الذين انطلقت التظاهرة باسمهم، قبل أن يتحولوا وقوداً لها. ويقول: »رأينا بأعيننا متظاهرين يضربون رجلي دين من دار الفتوى بالعصي، بعدما حاولا منعهما من رشق المباني بالحجارة«، مستشهداً بكلام جارته جانيت التي دخلت للتو، مبادرة بعبارة »الحمد لله على السلامة«، للتحية. تقطن جانيت في مبنى أعلى الشارع المتفرع من مبنى سنا، حيث وضع الأمنيون الشريط الشائك لمنع المتظاهرين من التقدم نحو القنصلية، ولم يصمد إلا دقائق عدة. وتبدو مشاعرها اكثر احتقاناً، إذ »شاهدت وعائلتي من وراء الستائر الموت بأعيننا ولم نستطع أن نفعل شيئاً«، شارحة الجهود التي قامت بها لمنع ابنها من النزول إلى الشارع والدفاع عن سيارته تتعرض للتكسير. »السيارة بتتعوض، ما هي أصلاً رينو قديمة ثمنها نحو 300 دولار«، تقول، ثم تستدرك: »من له الحق في التعدي على أملاك الناس، لن يتمكن ابني من استبدالها في وقت قريب«.

يشبه المشهد على الطريق الرئيسية إلى التباريس، المشهد نفسه صبيحة أي تفجير من التفجيرات الكثيرة الأخيرة. الأسلاك الشائكة التي لم تصمد طويلاً في وجه المتظاهرين، رفعت إلى الرصيف. والشركات والمحلات التجارية على الجانبين، لملمت زجاجها المنثور، وباشرت حملة إعادة تأهيل ما أمكن، في حضور رجال الأمن من شركات امنية خاصة، الذين عادوا إلى عملهم المعتاد.

»الحمد لله أن عناصر الجيش كانوا يقفون أمام محلي، وإلا لما عرفنا ما كان سيحصل«، يقول ايلي صاحب محل انطوان حنا دانيال للألعاب. محل ايلي كان مقفلاً أثناء التظاهرة، لكنه نزل مع الجيران إلى الشارع لمتابعة ما كان يحدث في منطقتهم من بعيد. »في بداية الأمر كان رجال قوى الأمن يقفون أمام المحلات، ثم انسحبوا تاركين الساحة للمتظاهرين الغاضبين«، يقول ويضيف: »الشارع المقابل ترك من دون رجال أمن. فكسر المتظاهرون واجهات المحلات الزجاج وضربوا الأبواب الحديد بالعصي والرفوش والمعاول التي أحضروها معهم«. ولم يعتق المتظاهرون محل عبود لبيع الأثاث لغرف الأطفال، فكان حاله كحال محلات أخرى منها واحد لبيع الحلويات وآخر لبيع المجوهرات، ذنبها الوحيد أن واجهتها لم تكن من الحديد!

الشارع المقابل تشبه حاله ما وصفه ايلي. تصطف السيارات المكسرة بالعشرات على جانبي الطريق، وقد غطاها أصحابها بأغطية بلاستيك، وتركوا عليها أرقام هواتفهم وأسماءهم، علها ترشد من قد يكلف البحث في التعويضات.

مبنى من زمن الحرب

يسهل الوصول إلى مبنى التباريس المحترق بسبب عجقة المتفرجين على الرصيف المقابل. يقف الأمنيون على حطام المكاتب المدمرة، خلف الشريط البلاستيك الأصفر، لتفحص هوية الداخلين والخارجين. ويبدو المبنى كأنما خرج للتو من حرب دامت سنوات.

في الداخل لا يمكن تمييز شيء. فقط حطام لما كان شركات تجارية، وبقايا أجهزة محترقة يجمعها العاملون لنقلها إلى مكان آخر، فيما يتفقد أصحاب الشركات الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم. على يمين الداخل إلى المبنى ترتفع لافتة »بنك اللاتي« فوق الأنقاض. مدير المصرف جوزيف اللاتي يجول بين الداخلين سائلاً كلاً منهم عن الجهة التي ينتمي إليها. يحمّل اللاتي المسؤولية إلى الدولة، التي »لو أخبرتنا أنها لن تسيطر على المتظاهرين، لكنا اتخذنا تدابير وقائية«، معلناً أن »الدولة لم تقم بما توجب عليها، وان كل شي في المبنى احترق إلا القنصلية الدنماركية التي لم تتعرض للأذى«.

عند تقاطع الشارعين الذين يمتد إليهما مبنى التباريس المحترق، تقع بناية السريان السكنية، التي كادت تشهد كارثة جماعية، كما يقول أحد سكانها. »قالوا للمتظاهرين أن السفارة في الطابق الرابع، فجاؤوا يحملون قوارير الأوكسيجين لإشعال المبنى. لا أذكر كيف أقنعناهم بأنه مبنى سكني، ليغادروا«، يضيف، مؤكداً أن المبنى تعرض إلى الرشق بالحجارة والى تحطيم مدخله.

يسهل اقتفاء أثر ما خلفته التظاهرة على طول الطريق الرئيسي إلى الأشرفية. هواتف عمومية وماكينة لسحب الأموال الخاصة ببنك »الاعتماد اللبناني« وغيرها شكلت جانباً واحداً من اضرارها. لكن ما بدا جديداً أمس، عدد من المراهقين يقودون سيارات ترتفع منها أصوات أغان حماسية كانت خاصة بالميليشيات المسيحية في زمن الحرب.

Friday, June 2, 2006

متظاهرون يحرقون القنصلية الدنماركية

بيروت : متظاهرون يحرقون القنصلية الدنماركية وأعمال شغب واعتداءات على ممتلكات عامة وخاصة

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,048 كلمة)
تاريخ النشر 02 يونيو 2006



انحرفت التظاهرة التي دعت إليها »الحملة اللبنانية لمواجهة الإساءات الدنماركية« عن هدفها المعلن، وهو استنكار نشر الصور المسيئة الى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتحولت منطقة التباريس في الأشرفية امس الى ساحة مواجهة بين قوى الأمن والمتظاهرين بعد اعمال شغب طاولت الأملاك العامة والخاصة ولم توفر حتى دور العبادة.

فمنذ العاشرة صباح أمس، غصت الطرق المؤدية الى الأشرفية من ناحية بشارة الخوري بآلاف المحتشدين تلبية لدعوة الجماعة الإسلامية ومنظمات اخرى وبمباركة من دار الفتوى. ورفع المشاركون الرايات الخضر والسود، والشعارات.

لكن، ما الذي اخرج الاعتصام عن طابعه المقرر سلفاً؟

لم يكن ثمة فاصل زمني يذكر بين وصول أول فوج من أفواج المتظاهرين وبين انطلاق شرارة المواجهة الأولى مع عناصر قوى الأمن على بعد 300 متر من مبنى القنصلية الدنماركية. ولم يصمد الحاجز الذي أقامه العسكريون بمساندة سيارتين للدفاع المدني على مدخل التباريس، إلا دقائق عدة، اقتلعت على أثرها الأسلاك الشائكة من جذورها، ورميت حواجز الحديد بعيداً، فيما نجح المعتصمون في »تحرير« السيارتين من عناصر الدفاع المدني.

المشهد السابق لم ينذر بوجود خطة أمنية حقيقية لمواجهة المعتصمين، إذ اقتصر دور العسكريين على إلقاء القنابل المسيلة للدموع في اتجاه المتظاهرين، ثم تلقي أخرى رميت عليهم من جهات مجهولة.

ومع وصول الأفواج الأخرى، انضم المتظاهرون الجدد الى السابقين، وهجم الجميع دفعة واحدة على الحاجز، فاجتاحوه. ثم قفز من استطاع الى ظهر السيارتين، لرفع الأعلام، واكملوا الطريق نحو الهدف.

ومع تأمين الوسيلة، كان تحديد الوجهة هو الخطوة المنطقية التالية. وبالتالي باشر المتظاهرون بالاستفسار عن مكان القنصلية الهدف، من دون أن يفلح رصاص العسكريين الحي (أطلق في الهواء) في عرقلة مسيرتهم.

وبما أن الهدف ما زال بعيداً، أضرم المحتجون النار بسيارة للدفاع المدني، ورشقوا كنيسة مار مارون المجاورة بالحجارة، وقلبوا سيارة كانت مركونة خارجها. كما استغلوا الوقت الإضافي في تكسير السيارات المركونة على جانبي الطريق. واستخدم البعض العصي والحجارة في تحطيم كل ما تقع عليه أعينهم، من محلات وممتلكات خاصة. وقلبوا مستوعبات القمامة على الأرض، محاولين تحطيمها بعصي أعلامهم. كما احرقوا العلم الدنماركي أكثر من مرة.

ومع اقتراب المتظاهرين من الهدف، كثف العسكريون من استخدامهم الرصاص الحي، لكن ذلك لم يثن من وصفوا بـ »العناصر المندسة«، بعدما غادر الكثير من النسوة والأطفال والرجال التظاهرة مع بدء أعمال الشغب. لأن »نحن أتينا لندافع عن الرسول الأكرم، وليس لنحطم الممتلكات العامة، ونسب الأديان الأخرى«، كما تقول الحاجة أم خالد، عن ألسنة كثيرين غيرها.

وبعد نحو ساعة ونصف، وصل المتظاهرون وبينهم »المندسون« الى غايتهم في التباريس، على رغم محاولات رجال الدين (منظمو التحرك) منعهم القيام بأعمال شغب، فنال العلماء نصيبهم من اللكمات والحجارة.

وفي الموقع المقصود، كان مبنى القنصلية واحداً من ثلاثة مبان أحدها سكني، والآخر فيه مكتب إعلامي لإحدى الشركات، والثالث فيه القنصلية. فكسروا بداية المكتب الإعلامي، واخرجوا محتوياته على الأرض، ولما اكتشفوا انه ليس هو المقصود، غادروه محملين بغنائم ليس اقلها ماكينة كهربائية لتحضير القهوة وهواتف منزلية.

أما الدمار الأكبر، فكان من نصيب القنصلية التي غادرها طاقمها ليل أول من أمس. وأضرم المتظاهرون النار في المبنى لتحقيق الهدف، ترافقهم صيحات: »الله اكبر«. واعتق المنتصرون البناية الثالثة، بعدما خرج أحد قاطنيها، معلناً أنها سكنية، وفيها الكثير من الأطفال.

وبعد إحراق القنصلية، ارتفعت احتجاجات من تبقى من »غير المندسين«، فأعلنت الجماعة الإسلامية انسحابها من التحرك لانحرافه عن أهدافه،

وأعلن عدد من شيوخ دار الفتوى استنكارهم أعمال الشغب وإحراق المباني. وكان بعض الموالين لـ »حزب الله« انسحبوا في وقت مبكر.

ولم تتمكن فرق الإطفاء من الوصول الى المبنى المحترق، إلا بعد اكثر من ساعة، بعدما صعد عدد من الشيوخ على متنها، في محاولة للتوسط بين الأمنيين والمعتصمين.

ونحو الساعة الواحدة ظهراً، قطع الجيش الطريق الى الاشرفية معلناً انتهاء الاعتصام. وغادر المتظاهرون منطقة التباريس التي بدت كأنها ساحة حرب. ونقل الجرحى من الطرفين، الذين تضرر بعضهم بفعل القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي (3 اشخاص) إلى المستشفيات.

وفي مقاهي وسط بيروت، كان عدد من الأهالي يعبرون عن سخطهم لما جرى. »أتينا لنشارك في الاعتصام للدفاع عن الرسول، وأذ بنا نفاجأ بأنهم أرادوا أن يقلبونا على بيت الحريري، وللتشويش على التحرك المتوقع في 14 شباط (فبراير)«، تقول السيدة، وتضيف: »لكننا سنشارك«.

الكحالة

واستنكاراً لما حصل في بيروت، قطع أهالي بلدة الكحالة (شرق بيروت) الطريق الدولية، فأشعلوا الإطارات على وقع قرع أجراس الكنائس. وحضرت وحدة من الجيش وأزالت الإطارات. وتحدث البعض عن استفزازات قام بها مشاركون في تظاهرة الأشرفية اثناء عودتهم الى البقاع.

كما أقدم بعض المتظاهرين في طريقهم الى الشمال، على تكسير بعض السيارات في منطقة الضبية.

Monday, May 1, 2006

« الشاهد المقنع »

مادايان : نظارتا « الشاهد المقنع » وصفتهما له أرملة الشهيد . عائلة حاوي تنوي طلب استجواب غزالي وهسام

منال أبو عبس
Al-Hayat (600 كلمة)
تاريخ النشر 01 مايو 2006



أطلق رافي مادايان نجل أرملة الأمين العام السابق لـ »الحزب الشيوعي اللبناني« الشهيد جورج حاوي جملة من التساؤلات في مناسبة ظهور صور جديدة لمصورين مختلفين تؤكد وجود عنصر الاستخبارات السوري (الشاهد المقنع) هسام هسام في موقع جريمة اغتيال حاوي في وطى المصيطبة، في حزيران (يونيو) الماضي.

وأعلن في مؤتمر صحافي عقده باسم العائلة في مكتب المحامي محمد مطر في ستاركو أمس، أن العائلة »ستتقدم عبر وكيلها بطلب إلى السلطات القضائية اللبنانية لاستجواب هسام كمشتبه به في قضية اغتيال حاوي، كما ستطالب العائلة بأن يتم استجواب (رئيس جهاز الأمن والاستطلاع للقوات السورية العاملة في لبنان سابقاً) العميد رستم غزالي والقادة الأمنيين السوريين واللبنانيين في موضوع الاغتيال وفي ملابسات وجود عضو الاستخبارات السورية هسام في منطقة الجريمة اكثر من مرة قبل فراره إلى سورية«.

وقال مادايان في بيان تلاه بعد امتناع وكيل العائلة المحامي محمد مطر عن المشاركة، بسبب قرار أصدره نقيب المحامين يمنعهم من الخوض إعلامياً في ملفات موكلة اليهم: »ماذا كان يفعل هسام في موقع الجريمة وأمام منزل الشهيد؟ ولماذا يظهر في اكثر من مسرح للجريمة؟ فهو وجد بالقرب من مكان تفجير موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري بحسب رواية خطيبته، وفي موقع اغتيال حاوي«، مؤكداً أن »ظهوره في مكان الجريمة يدعو إلى الاشتباه فيه، لا سيما أنه عضو في جهاز أمني. وهذا معروف من جانب شهود لبنانيين، ووجوده في مكان الجريمة يدحض مقولة انسحاب القوات والاستخبارات السورية من لبنان ويتناقض مع بنود القرار 1559. كما يطرح السؤال حول دور الاستخبارات السورية في الاغتيال«.

وسأل مادايان عن دور الشركاء اللبنانيين للاستخبارات السورية وعن صحة المعلومات والتسريبات السورية »التي تتهم أجهزة أمنية لبنانية مقربة من دوائر القصر الجمهوري في جريمة اغتيال حاوي«، موضحاً أن »غزالي اتصل للتعزية في اليوم التالي لوقوع الجريمة. كان كلامه مقتضباً، وكان يتكلم بالإيحاءات، وأنا افهم إيحاءات هؤلاء. ثم جاءت تسريبات من دمشق تقول انهم ليسوا المسؤولين«.

وأضاف: »سكتنا عن كلام غزالي لأننا أردنا أن ننسق في الموضوع من دون إثارة الضجة، والحفاظ على المعلومات، لكن بعدما ظهرت الصور طفح الكيل«، مستغرباً »عودة هسام إلى وطى المصيطبة في 20 أيلول (سبتمبر) 2005، أي بعد الإدلاء بإفادته كشاهد مقنع أمام لجنة التحقيق الدولية وزيارته عيادة أرملة الشهيد الدكتورة سوسي مادايان برفقة شخص آخر، وكانا يحملان أسلحة فردية. وقال هسام للطبيبة انه يشكو من ضعف النظر، مقدماً نفسه باسم عبدالوهاب محمد حسن مواليد 1985 باعتبار انه لم يكن معروفاً حينها«. وقال: »النظارات التي ظهر بها هسام في مؤتمره الصحافي في دمشق وصفتها له زوجة الشهيد«.

واعتبر مادايان أن تحرك الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حداده لا صفة قانونية له، »لا سيما انه انتظر ستة اشهر قبل أن يقدم شكوى في هذا المجال«، لافتاً إلى أن »الحزب معروف بخلافه السياسي مع حاوي حتى قبل اغتياله. فحاوي طرف في 14 آذار (مارس)، بينما الشيوعي في موقع سياسي آخر اقرب إلى السلطة (8 آذار)«.

وأوضح مادايان انه يشكك في »حلفاء سورية في النظام اللبناني، ربما العميد مصطفى حمدان أو أطراف آخرين«، مشيراً إلى أن »الأجهزة الأمنية التي تشكلت خلال الوجود السوري ما زالت موجودة في الإدارات«.

Friday, March 17, 2006

شبلي ملاط الباحث عن الرئاسة في طرق غير معبدة

شبلي ملاط الباحث عن الرئاسة في طرق غير معبدة

منال أبو عبس
Al-Hayat (842 كلمة)
تاريخ النشر 17 مارس 2006



في كانون الأول (ديسمبر) 2005، طرح المحامي شبلي ملاط نفسه »أول مرشح مستقل وديموقراطي للرئاسة اللبنانية«. لم تكن معركة الرئاسة اللبنانية قد فتحت فعلياً، إلا أن ملاط الآتي من خارج النادي السياسي، كان ينقب منذ ذلك الحين عن طرق غير معبدة تقود إلى القصر.

لا شيء في مكتب ملاط الكبير في المتحف يوحي بالتقليدية. العلم الكبير ولوحة التعريف: www.mallatforpresident.com، يكشفان مباشرة عن الهدف المعلن لصاحب المكتب: »لست هنا للتقدم بنموذج مثالي. بدي صير رئيس جمهورية، هلكت. المهمة شاقة وتتطلب مني ومن فريقي العمل 24 ساعة يومياً«.

الطريق التي اختار ملاط تعبيدها للوصول إلى الرئاسة لا تشبه تلك العادية. الشعب، في طريقته، يحتل موقع الصدارة، لـ«يشارك في حملة انتخابية متصاعدة في مسار منفتح وتنافسي بحيث ينجح المرشح الأفضل بالاستناد إلى برنامج معلن وإنجازات شاهدة وقوة إقناع«، بحسب ما يعلنه الكتيب الخاص ببرنامجه الرئاسي.

»الهدف من الطريقة الجديدة في الترشح، هو التعبير عن أن النهج مختلف، بحيث يتناسب مع الحرية الجديدة في البلد الذي صار جديداًَ«، يقول مضيفاً إنها »أول مرة في تاريخ الجمهورية يكون الترشيح لشخصية لها برنامج، بمعنى أن يعرف الشعب من هو الشخص الذي سيحتل المنصب الأهم في الجمهورية، وما هي تطلعاته، كما يتمكن من محاسبته في ما بعد على ما فعله وما لم يفعله«.

لكن، هل ثمة دور فعلي للشعب في العملية الرئاسية؟

»للأسف الانتخابات الرئاسية عندنا لا تتم مباشرة من جانب الشعب، بل النواب«، يقول، كاشفاً عن مخرج مبتكر يتناسب وطرحه المختلف: »عندما أكون بين الناس، أقول لهم: لا أريد صوتكم، بل دعمكم. اتصلوا بالنواب واخبروهم بأنكم تدعمون فلاناً في الوصول إلى الرئاسة وساعدوني في الحملة«.

وعلى ماذا يستند ملاط للوصول إلى هدفه المعلن؟ »لا استند إلى حزب سياسي، ولم ادخل مسبقاً في أي تسوية سياسية«، نقطة إيجابية يسجلها ملاط لمصلحته، معلناً انه »قبل سنوات طرح علي أن أكون نائباً، ورفضت لأنها كانت تقتضي مني الاتصال بعنجر«.

التواصل مع »النواب والناس ورؤساء الكتل«، نقطة أخرى يعتمد عليها، خصوصاً مع زعماء 14 آذار، و«الصديق القديم وليد جنبلاط«، معلناً عن »تواصل قدر الإمكان مع »التيار الوطني« و«حزب الله« (لم يلتق قيادتي الحزبين) ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، لكنه تواصل أصعب لأنهم يعرفون مواقفي، كما انهم لم يحسموا أمرهم من موضوع الرئاسة«.

ويجد في المواصفات التي طرحها البطريرك الماروني نصر الله صفير، الداعم الأكبر: »البطريرك تحدث عن رئيس يكون شاباً ومثقفاً ووسطياً ومتواصلاً مع الآخرين، ما يعني انه يحذف شخصية معينة«.

لا يشبه خطاب ملاط، خطاب أي من المرشحين للمنصب نفسه، وان كان في مواقفه السياسية أقرب إلى فريق 14 آذار (مارس). لا يرى في مواقفه المعلنة سابقاً عن »حزب الله« وسلاحه أي تأثير سلبي في فرصه بالفوز. »خطابي صريح ومعلن. فقبل مدة أخبرت القائم بالأعمال الإيراني في بيروت انه لا يمكن أن نسمح لفئة واحدة بحمل السلاح. ماذا أقول لشعبي المسيحي أو للسنة إذا قرروا أن يتسلحوا أسوة بالحزب«. ويضيف: »كما طالبت السفير الأميركي، أن يخففوا الحديث عن موضوع سلاح المقاومة لأن هذه ليست المشكلة في لبنان بل المشكلة هي الرئاسة«، كاشفاً عن دور وسط يلعبه بين المدافعين عن الحزب والمناهضين له، إذ »لا أريد أن أرضي الجميع، لكن يجب أن نعرف ما هي الاولويات ونسير بحسبها«.

يجد في علاقاته بـ »الأطراف الخارجية« والتي يسجلها البعض هذه، نقطة لمصلحته. ويقول: »عندي علاقة مميزة مع أعلى قيادات النجف، وهذه علاقات افتخر بها. كما لدي علاقات مع أقطاب في الولايات المتحدة وفرنسا. وهذه العلاقات تقع في قلب مقومات رئاسة الجمهورية، ومن هنا كانت عظمة (الرئيس الشهيد رفيق) الحريري الذي كان على تواصل مع أصحاب القرار الدوليين«.

يهتم المحامي المرشح كثيراً بالإحاطة بعناصر قضيته الجديدة. برنامجه الرئاسي معد سلفاً ومرتب في ملفات تحمل صورته وعبارة: شبلي ملاط رئيساً. ينطلق من إرادة »الوصول إلى رئيس لا عنفي يتناسب مع الثورة اللبنانية المميزة، وهذا يغير الشرق الأوسط كله«.

وكان ملاط توجه الى واشنطن على أن يلتقي (مساء أمس) الرئيس الأميركي جورج بوش ضمن وفد من الحزب الجمهوري في أميركا.

Friday, March 3, 2006

... وهل يستحق « احتجازنا » كل هذه الإجراءات ؟

... وهل يستحق « احتجازنا » كل هذه الإجراءات ؟

منال أبو عبس
Al-Hayat (479 كلمة)
تاريخ النشر 03 مارس 2006



لم يضع المعنيون بأمن »المتحاورين الوطنيين« لافتات أو أسهماً ترشد الى مدى اقترابنا من »مربعهم الأمني« الجديد. إلا أن كل ما يأتي بعد الخطوة التالية لاجتياز الحاجز الذي صار مألوفاً أول شارع المعرض، كفيل بالمهمة.

لكن، على بعد عشرات الأمتار من الحاجز، وتحديداً في ساحة النجمة حيث مقر مجلس النواب، يكتسب الأمن طابعاً مكثفاً. في تلك البقعة، يحفظ كل عنصر مهمته عن ظهر قلب، ويطبقها، بمعزل عن الآخر. يرافق بعضهم السياسيين الى مكاتبهم، في انتظار بدء الحوار. وينصرف الآخرون الى تحديد وجهة سير الصحافيين وفق خطة معدة سلفاً.

لا شيء في تلك الساحة، يجعلها تشبه ما تكون عليه في جلسات مجلس النواب العادية. الإجراءات الأمنية مضاعفة، وتحركات الصحافيين رهن بإشارة العسكريين وتوجيهاتهم الصارمة. حتى مواكب السياسيين لا تشبه نفسها. ربما لأن السياسيين ليسوا النواب أنفسهم، هم زعماء الطوائف وزعماء الكتل النيابية وقادة من المستوى الأرفع، هذه المرة.

ومع اقتراب عقارب الساعة من الحادية عشرة، تكتسب مسيرة الصحافيين طابعاً جديداً. تفتح المكتبة في المبنى المجاور أبوابها واسعة لاستقبالهم، ثم لا تلبث أن تضيق، فتقفل لتحول دون خروجهم الى الساحة. في تلك القاعة، تكتسب المسيرة طابعاً جديداً. ينصرف الصحافيون الى تبادل أحاديث ودية، في انتظار فتات أخبار قد تصلهم من الخارج عبر النوافذ أو عبر الهواتف الخليوية. في حين تشكل النوافذ صلة الوصل التي تربطهم بما يدور في الساحة خارجاً. من هناك يراقبون وصول مواكب السياسيين واحداً بعد الآخر. يفكون ألغاز هوية السياسي في كل موكب، كوسيلة لتمضية الوقت، ويفاخر بعضهم بقدرته على التمييز بين المواكب الوهمية والأخرى الحقيقية.

في المكتبة يضيق المربع الأمني على الصحافيين الموضوعين تحت الإقامة الجبرية. وتستحيل مهمة المصورين في الحصول على »لقطة« بأي طريقة. ولا تخدم النوافذ الكبيرة ضرورات السبق الصحافي، والحصول على »اللقطة« للسياسي المترجل من سيارته. ويكلف ذلك بعض المصورين مشاكل جانبية في ما بينهم، لا يغيب عنها الصراخ والتدافع.

»هذه هي المرة الأولى التي يحجز فيها الصحافيون في قاعة بعيداً من مكان جلوس المؤتمرين«، و »لو اخبرونا بإجراءاتهم المعقدة، لكنا بقينا في المكاتب وانتظرنا انتهاء الحوار«، هذه العبارات كانت جزءاً من تعليقات الصحافيين.

وعلى رغم تفهمها لدواعي الإجراءات الأمنية المكثفة، تشكو إحدى الزميلات من التفتيش المكثف الذي سبق الحصول على البطاقة المعدة سلفاً لتغطية المؤتمر: »هل يستحق »احتجازنا« في هذه المكتبة كل إجراءات التفتيش هذه؟«.

Wednesday, February 15, 2006

وفود انطلقت عند الفجر لتصل في الموعد

بهية الحريري تتلو الفاتحة بوشاح لم ترفعه منذ سنة . وفود انطلقت عند الفجر لتصل في الموعد

منال أبو عبس
Al-Hayat (916 كلمة)
تاريخ النشر 15 فبراير 2006


لا يعرف ابراهيم ابن بلدة عرسال البقاعية، ما الذي جاء به إلى بيروت في مثل هذا الصباح. يحمل علماً يفوقه طولاً، ويجلس إلى جانب أبناء قريته على حافة الرصيف في وسط بيروت.

متعباً يبدو إبراهيم ابن الثمانية اعوام وقد لونت ساعات الجلوس تحت الشمس وجهه بالأحمر. »جئنا بالسيارة من عرسال، أنا وأخواتي مروة وصفا وأمل، وكمان بابا وماما«، يقول ويلتفت صوب والده طالباً المساندة للإجابة عن سبب قدومهم. »من أجل الحريري«، يجيب زميله رامي الذي جاء مع خمسة من أفراد عائلته للمشاركة في التظاهرة.

لا ترضي إجابات الولدين الجارة المكتسية بالسواد. »عرسال كلها زحفت منذ الخامسة صباحاً«، تؤكد بانفعال أن »دمنا فداء للحريري، والله ينصر الوطن«.

وفد عرسال حضر في وقت مبكر من صباح أمس، لكنه لم يكن الوحيد الذي سلك طريق بشارة الخوري نزولاً نحو ساحة الحرية. وفود أخرى من مناطق بقاعية وجبلية مختلفة سلكت الطريق نفسه، غير أن لـ »متظاهري الجبل« كالعادة لونهم الخاص وهتافاتهم الساخرة والملحنة.

تضج الطريق بهتافات ضد القيادة السورية ورئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود، ترافقها صرخات التأييد لزعيم »الحزب التقدمي الاشتراكي« وليد جـــنبلاط وحلفائه، على وقع قرع الطبول. وترتفــع بــضعة أعلام للتقدمي، ثم تختفي تدريجياً مع اقـــتراب حـــامليها من موقع التظاهر. »كلــنا رهــن إشـــارة من أبي تيــمور (جنبلاط)«، تقــول ريــما التــي شاركــت في كــل تظــاهــرات الحــزب مــنذ عــام حــتى الآن.

يتواصل تدفق المتظاهرين مع تقدم الوقت. يتبادلون التحية مع العسكريين على الحاجز الأمني أمام وزارة المالية. ولا يبدو عليهم اثر الانزعاج من إجراءات التفتيش الأولى على مدخل التظاهرة، والتي ستليها إجراءات مماثلة من المنظمين وسط الساحة.

ومع وصول وفد الطريق الجديدة (بيروت)، تثار في المحيط ضجة من نوع آخر. ترتفع صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشارات الزرق (شارات الحقيقة)، وتهتز الساحة لهتافات تنادي بأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة، تشتم القيادة السورية ومعها لحود.

وعلى رغم امتلاء الساحة بمن فيها، لم يتوقف تدفق الشبان والرجال والنساء من أنحاء مختلفة، إلى الساحة التي تستقبلهم بصورتين عملاقتين للرئيس الشهيد تتدليان من جسر فؤاد شهاب، مذيلتين بعبارتي »اشتقنالك« و«خافوك فقتلوك«.

في قلب التظاهرة من ناحية الأشرفية صورة تجذب عدسات المصورين. سيدتان في العقد السابع، تشبكان ذراعيهما ببعضهما بعضاً. الأولى تضع حجاباً ابيض على رأسها، والأخرى تعلق صليباً في السلسة حول عنقها. السيدتان جاءتا من الأشرفية مع بقية أهل الحي للمشاركة في ذكرى من قضوا العام الماضي. وكي »يبقى لبنان لنا ولأولادنا، ومستعدون للمجيء كل يوم من أجل لبنان«، تقول الأولى. وترد الثانية على سؤال لم نسأله: »منذ 48 عاماً لم نفترق، سكنا المبنى نفسه، وسنبقى العمر كله معاً مسيحيين ومسلمين«.

تتشابه أسباب جميع المشاركين من ناحية الخطوط العريضة: »تحرير لبنان« و »استنكار أعمال القتل« و »رفع الوصاية« و«معرفة الحقيقة«. وان كان شباب »اليسار الديموقراطي« وضعوا نصب أعينهم سبباً واحداً: »استقالة لحود حتى تحقق الانتفاضة أهدافها«. يفــاخر عضو الحركة مارك ضو بـ »أننا تمكنا من بناء قرار ومسار«، مؤكداً أن التحرك »إنجاز عظيم، فقد بنينا خلال انتفاضة الاستقلال جسوراً بين بعضنا بعضاً، وتخطينا الطائفية والمنـاطقية«.

عند الحادية عشرة ظهراً، لم يكن التحرك بلغ ذروته، غير أن الحركة في الساحة تحولت مستحيلة. تلتصق أجساد المتظاهرين ببعضهم بعضاً، وتقتصر الرؤية على أعلام لبنان الملونة ترفرف في الهواء، إلى جانب صور الشهداء وبعض اللافتات. يتكئ الفتى الذي لم يبلغ السابعة من العمر على عصا العلم، ولا يفلح بوجهه الأحمر في استدرار عطف أمه التي تؤكد »أننا لن نغادر قبل أن يأتي الشيخ سعد« (الحريري).

ومع تقدم الوقت يعود عدد من المشاركين إلى منازلهم، قبل أن تبدأ كلمات السياسيين، في حين ينصرف آخرون إلى الشوارع المجاورة ليستمدوا قوة تسعفهم على ما تبقى من الوقت. غير أن تدفق الوفود من المناطق لم يتوقف في أي وقت.

لم يمض وقت طويل قبل أن تتحول الأنظار إلى جامع محمد الأمين حيث ضريح الرئيس الشهيد ورفاقه. في الداخل يقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مع آخرين. يتلو الصلاة على روح »رفيقه«، من دون أن يرفع نظره عن الصورة الكبيرة المنصبة فوق باقات الورود. يرفع نظارتيه عن عينيه لمسح دموعه ويرحل.

بعد وقت قصير يدخل سعد الحريري ترافقه عمته بهية وعمه شفيق الحريري. يتلو سعد الصلاة، ويحتضن عمته، ثم يتوجه مع عمه إلى أضرحة المرافقين. تطيل بهية الوقوف أمام الضريح. لا تمسح دموعها، لكنها تتلو الفاتحة والكثير من آيات القرآن. تضبط وشاحاً ابيض لم ترفعه عن رأسها منذ عام. و«الله يعينها«، يقول أحدهم.