Tuesday, April 26, 2005

غرف مهدمة ومواقع أحرقت قبل إخلائها

غرف مهدمة ومواقع أحرقت قبل إخلائها . السوريون يغادرون وعنجر منطقة عسكرية والبقاعيون يترحمون « على من خلصنا »

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,346 كلمة)
تاريخ النشر 26 أبريل 2005
.

الله يرحم اللي خلصنا«، يقول الميكانيكي العجوز، مشيرا إلى صورة للرئيس الشهيد رفيق الحريري معلقة على حائط المبنى. ورشة الميكانيكي تقع في قلب بلدة قب الياس البقاعية التي شهدت أحداث شغب مناوئة لسورية ووجودها العسكري بعد اغتيال الرئيس الحريري، لأن »أبناء الضيعة حاميين، والوضع لا يسكت عنه«.

قب الياس صارت خالية من الوجود العسكري السوري، هذا ما تؤكده الابتسامة المرتسمة على وجه الحاج محمد، ما أن نسأله عن المراكز العسكرية. يشير إلى السهل والتلة والجامع، و«الحمد لله، تركوها الأسبوع الماضي«، يقول مؤكدا انتهاء معاناة أصحاب الأرض المصادرة منذ اكثر من 15 عاما.

في السهل المقابل لوقوف الحاج محمد، لا غرف أو مواقع عسكرية، إنما فقط بقايا جدران طليت بالأبيض قبل هدمها لإخفاء الشعارات والأعلام المرسومة عليها، وثلاثة إطارات كبيرة محترقة كانت تقطع الطريق على من يحاول الدخول إلى ما كان موقعا في السهل المجاور لبضعة أبنية سكنية. »هدموا الغرف وأهلكونا برائحة الدخان«، تقول السيدة التي خرجت ما إن رأت كاميرا المصور. لا تذكر السيدة تاريخ قدوم السوريين إلى المكان، لكنها تعرف أن خلافات كانت تقوم بين الحين والآخر بين قاطني الأرض وبين أصحابها الذين منع عليهم زراعتها ولاحقا زيارتها بحجة أنها منطقة عسكرية.

لا تكن السيدة أي مشاعر عداء إلى الجيران القدامى، فنادرا ما تسبب وجودهم بمشكلات لها أو لعائلتها. لكن هذه ليست حال الجميع في تلك المنطقة، فعلى بعد خطوات من منزل السيدة يقع معمل حجارة الباطون حيث اعتاد السوريون أن »يأخذوا« المواد مجانا، وإضافة غرف سكنية إلى موقعهم العسكري.

في مقابل خيم العمال البلاستيك التي تركها ساكنوها السوريون بعدما تواردت أنباء عن ضرب أبناء البلدة للعمال السوريين، تجلس سيدة تقارب السبعين من العمر. تلف رأسها بمنديل ابيض، وتحاول جاهدة الإجابة عن سؤالنا حول تاريخ دخول الجيش السوري إلى الـبلدة.

تعود بالذاكرة إلى حين كانت أما لأربعة أولاد، و«دب خلاف بين أبناء القرية المسلمين والمسيحيين، فجاء السوريون لفض الخلاف، وسكنوا في البستان المجاور لمنزلنا«، تكون تحليلها الخاص لحرب طائفية دامت 17 عاما. تتخيل الأم منظر صاحب الأرض يجهد في إقناع العسكر باختيار ارض أخرى للإقامة فيها، فترتسم تعابير الرجاء على وجهها، لكنهم »أخذوها غصبا عنه، كانت كرما يلمع العنقود فيه«.

أمس، كان صاحب الأرض يقف فرحا بعودة أرضه إليه، يروي كيف كان جالسا في منزل أصدقائه في الجوار، عندما رأوهم »يحملون أمتعتهم ويرحلون، صرنا نراقبهم إلى أن اختفوا«.

لكن حال قب الياس، ليست نفسها في كل مناطق وقرى البقاع، فعلى مدخل شتورا ما زال عناصر الاستخبارات السورية يرابطون أمام حاجزهم الذي طلي بالأبيض. يسيرون كل في اتجاه، حاملين أسلحتهم فيما ينظم كل منهم السير على طريقته. تمثال باسل الأسد المقابل للحاجز لم يعد موجودا على ساحته، والحاجز نفسه خاو من الداخل، ما ينذر باقتراب ساعة الصفر.

في ساحة شتورا يبدو الأمر شديد الغرابة، إذ بدت الساحة التي كانت تعج بالسوريين عمالا وجنودا وحتى سيارات أجرة شبه خاوية منهم، فيما يتكثف الوجود الأمني اللبناني وعناصر مكافحة الشغب في المكان.

وأمام أحد الدكاكين على طريق عام تعنايل، يؤكد صاحبه الجالس في مواجهة دبابات الجيش اللبناني الموزعة على طول طريق شتورا- المصنع، أن السوريين لم يرحلوا جميعهم، »رحلوا فقـــط من المواقع التي هدموها«، يقول مشيرا إلى منزل بلا أبواب، مؤكدا أن الرجل الواقف داخله »مخابرات سورية«. يعدد الرجل مواقع كثيرة لم يخلها السوريون »في الحوش ومجدل عنجر وفي عنجر نفسها وغزة«، عارضا مرافقتنا ليثبت كلامه.

على بعد كيلومترات قليلة يقع مدخل بلدة المرج التي لم تشهد وجودا عسكريا سوريا يذكر، إلا على مدخلها. لكن الحاجز المعتاد سلم إلى الجيش اللبناني، وجنوده السوريين الذين اعتدنا رؤيتهم يرتدون القبعة الحديد »الطاسة«، ويزنر الشريط الأحمر سواعدهم لم يعودوا موجودين.

منع للتجول في عنجر

»لن أخبرك شيئا، اذهبي وشاهدي ودوني بنفسك«، يقول صاحب الكافيتيريا خلف مركز عمر المختار التربوي في الخيارة. يشير بيده إلى طريقين، لكل منهما حكايته مع الانسحاب السوري من لبنان.

تقود الطريق الأولى إلى بلدة الدكوة التي ترتفع عن جوارها ما جعلها موقعا عسكريا استراتيجيا. تبدو البلدة شبه خالية من السكان، فيما تبدو المنازل الأقرب إلينا مهجورة، وقد عريت من كل محتوياتها ما عدا الحجارة التي بنيت منها. في واجهة البـــلدة ينــتـــصب منـــزل يــبدو كبيرا من الخارج، لكن لا أبواب ولا شبابيك ولا إمدادات صحية فـــيه، فقط جدران لونـــت بالأســـود بعدما احرق السوريون الذيــن قطنوه اكثر من 15 عاما، الأوراق والدوالـــيب داخله. لم يعلم صاحب المنزل الذي بنــاه مـــع بداية الحرب أن منــــزله أخلي، فهو سافر إلى ألمـــــانيا منذ اللحظة الأولى التي استولى فيها العسكريون على منزله الجديد، عازما على عدم العودة إلى لبنان.

تقود الطريق الأخرى إلى بلدة السلطان يعقوب، هذا ما يؤكده الفلاح بينما يروي الأرض المواجهة لما كان موقعا عسكريا. يشير إلى ما يشبه التلال الترابية، موضحا: »هذه البؤرة خصصت للمدافع، والأخرى للدبابات«.

على جانب الطريق تتوزع غرف عدة، لا سقوف لها، مطلــية بالأبيض وعلى أرضها أوراق ممزقة غير محترقة كتب عليها: »ممنوع الدخول- فصيلة الإشــــارة« و«مــركز عسكري مــــمنوع الاقتراب، أو الدخول تحت طائلة المسؤولية«. على جدار إحدى الغرف تبدو صورة الرئيس الحريري الملصقة جديدة، فيما ترفرف أعلام لبنانية كثيرة وجديدة على شرفات المنازل المجاورة للموقع الذي أخلي.

على مدخل عنجر الرئيسي تنتصب دبابتان للجيش اللبناني وأكثر من جيب. الصورة تبدو مرادفة لما اكتسبته عنجر من أهمية في الآونة الأخيرة، فداخلها يقع مقرا القيادتين العسكرية والاستخباراتية السورية بقيادة اللواء رستم غزالة.

ينتفض النقيب في الجيش اللبناني الواقف عند الحاجز ما أن يعرف أن السيارة تقل صحافيين، فـ«الكاميرات ممنوعة«، يقول حازما ما يجعل إقناعه أمرا مستحيلا.

على بعد خطوات عدة، يؤدي مدخل آخر إلى داخل عنجر، وإنكار هوية راكبي السيارة تبدو الأمر الأكثر منطقية لدخول البلدة. في الداخل يقف جندي سوري هو الأول في الرحلة البقاعية أمس، محولا وجهة السير باتجاه معاكس لمقر القيادتين، في حين تبدو البلدة شبه خاوية، كما لو كانت خاضعة لمنع التجول.

في الشارع المعاكس لمرورنا يرفع الجنود السوريون المغادرون في شاحنة عسكرية لنا إشارات النصر، ويقطعون الحاجز السوري ملقين التحية على زميلهم العسكري أثناء تأدية مهمته.

في بلدة عنجر ما زال الحاجز السوري موجودا، وما زال الموقع العسكري الذي وصلنا إليه من طريق الخطأ يحوي جنودا سوريين، وإن كان جميع من التقيناهم من أهل البلدة يؤكدون خلوها من »السوريين« منذ ثلاثة أيام ماضية.

No comments:

Post a Comment