Wednesday, April 27, 2005

الجيش السوري يستكمل انسحابه

.احتفال وداعي في رياق يشيد بالدعم والتضحيات السورية طوال 29 عاما . الجيش السوري يستكمل انسحابه من لبنان « موفيا بالتزاماته تجاه القرار الـ1559 »

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,505 كلمة)
تاريخ النشر 27 أبريل 2005

عند الثالثة والنصف ظهر أمس، عاد آخر جندي سوري في القوات العسكرية العاملة في لبنان إلى بلاده التي استقبلته بلافتات كتب عليها: »اشتقنالكم يا حبايب الوطن«، منهيا بذلك وجودا عسكريا واستخباراتيا استمر 29 عاما.

وفي احتفال عسكري الطابع، غابت عنه عامة الشعبين وممثليهم، ودعت قيادة الجيش اللبناني في القاعدة الجوية في بلدة رياق البقاعية، القوات العربية السورية العاملة في لبنان. واقتصر الحضور على القيادتين العسكريتين اللبنانية والسورية، فكان ابرز الحاضرين من الجانب السوري رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة العماد علي حبيب ومسؤول جهاز الأمن والاستطلاع العميد الركن رستم غزالة، ومن الجانب اللبناني قائد الجيش العماد ميشال سليمان. كما حضر الاحتفال ممثلون عن قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، إضافة إلى عدد من الملحقين العسكريين الأجانب والعرب.

وكانت دخلت قبل ساعات قليلة من بداية المراسم، وحدة من القوات الخاصة السورية الثكنة على وقع هتافات: »نار نار نار دماؤنا هدية للأسد بشار« و«أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة«، وتميز أفرادها بقبعاتهم الحمر وصور الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ونجليه الراحل باسل والرئيس الحالي بشار مثبتة على صدورهم، لينتظموا في الأماكن المخصصة لهم مقابل المنصة إلى جوار نظرائهم اللبنانيين.

وبدأ الاحتفال بوضع الحجر الأساس لنصب شهداء الجيش العربي السوري في لبنان على وقع قرع الطبول وهتافات الجنود: »لن ننساهم أبدا« و«لنتذكر شهداؤنا«، وعزفت الموسيقى نشيد الموتى وتلتها لازمتا النشيد الوطني ونشيد الشهداء. ثم انتقلت القيادتان، إلى المنصة الرسمية حيث جرى تبادل تقليد الأوسمة وتسليم البراءات لينتهي الاحتفال بعزف موسيقى الجيش النشيدين العربي السوري ثم الوطني اللبناني.

وقبل إعلان انتهاء الاحتفال، أكد حبيب في كلمة ألقاها أمام العسكريين من البلدين أن »القرارات التاريخية تتطلب قادة تاريخيين قادرين على اتخاذها عندما يدعو الواجب، وتحديد الزمان والمكان المناسبين لوضعها موضع التنفيذ، ولذا فالتاريخ يخلد العظماء، لأنهم يتركون بصماتهم واضحة على جبين الزمن، ومهما دأبت الأبواق الإعلامية المعادية وسعت لتشويه الدور القومي المشرف الذي قامت به القوات السورية على الساحة اللبنانية«، موضحا أن »القرار التاريخي الذي اتخذه القائد الخالد حافظ الأسد بمد يد العون والمساعدة وإغاثة الشعب اللبناني، إنما يمثل إكليل غار يطوق هام سورية التي أثبتت بالقول والفعل إنها القلب النابض بالحياة والرئة التي تمد أوردة الأمة بالأوكسجين المطلوب، مجسدة أروع آيات التضحية والإيثار والوقوف إلى جانب الشقيق، لا لشيء إلا لأنه الشقيق، وعلاقة الأشقاء تبقى عصية على الأعداء لأنها علاقة دم وانتماء وهوية«.

وأضاف حبيب أن »علاقة سورية بلبنان تتضمن ذلك كله وتضيف إليه وقفة التصدي البطولي المشرف لما حيك ويحاك من مخططات تستهدف بسط الهيمنة والنفوذ على كامل المنطقة تحت شعارات براقة لا تعدو أن تكون كلمات حق يراد بها باطل، ولأن سورية تدرك ذلك، وتدرك أيضا أن الجيش اللبناني قد اشتد عوده وصلبت قناته بعدما أعيد بناؤه على أسس وطنية سليمة، وانه أضحى قادرا على حماية دولة المؤسسات، وعلى تحمل مسؤولياته الوطنية على أكمل وجه، لذلك كله كان القرار التاريخي الذي اتخذه السيد الرئيس الفريق بشار الأسد بعودة القوات العربية السورية العاملة في لبنان بالكامل إلى داخل الأراضي السورية«، موضحا أن »القوات العربية السورية لم تدخل لبنان بناء على طلبها بل استجابة لنداء الحكومة اللبنانية وتلبية لرغبة الشعب اللبناني، وبناء على طلب الجامعة العربية وموافقتها، ولم يكن في يوم من الأيام لسورية أي مطامع في لبنان إلا الحفاظ عليه، لا بل أن وجود القوات السورية في لبنان، كلف سورية الكثير، وقد قدمت سورية وستظل تقدم كل ما تستطيع للدفاع عن لبنان ليبقى عصيا على أعدائه«.

وذكر حبيب بأن »لا أحد يستطيع أن ينكر أن تحرير الجزء الأكبر من جنوب لبنان على يد أبطال المقاومة الوطنية اللبنانية إنما تم وأنجز بدعم سورية للمقاومة، وليس بدعم الخارج المتباكي على حرية لبنان، ومسيرة الوفاق الوطني والسلم الأهلي«، مشيرا إلى أن »علاقة سورية بالمنظمة الدولية منذ إنشائها كانت وستبقى موضع إعجاب المجتمع الدولي وتقديره، لأن سورية كانت وستبقى مع قرارات الشرعية الدولية، وتعمل سرا وعلانية للحفاظ على هيبة المنظمة الدولية وسمعتها، وتقدم كل ما هو مطلوب لتفعيل دورها ليس في هذه المنطقة فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، وفي ضوء هذا يمكن فهم قرار عودة القوات العربية السورية بالكامل إلى الأراضي السورية تنفيذا لاتفاق الطائف ومعاهدة الصداقة والأخوة والتنسيق بما ينسجم والقرار الرقم 1559، وسورية اليوم تكمل انسحاب قواتها إلى داخل الحدود السورية وتكون بذلك قد أوفت بكل التزاماتها تجاه القرار 1559، الذي أحيط بهالة من القداسة لأغراض وأهداف لم تعد خافية على أحد».

وفي الختام، اعتبر سليمان انه »لا يسعنا إلا أن نقف وقفة تأمل وضمير أمام الدور النبيل والقومي للقوات العربية السورية عند دخولها إلى لبنان عام 1976، وكان الوطن على مفترق المصير، فمنعت التقسيم وحمت العيش المشترك«، مؤكدا »لن ننسى شهداءها الذين سقطوا في كل المناطق اللبنانية دفاعا عن وحدته وسلامة أراضيه، كما أننا نثمن عاليا جهود سورية الحثيثة في إعادة توحيد الجيش اللبناني وبنائه بعد انتهاء الأحداث الأليمة التي عصفت بالبلاد، وتدريبه ومده بالعتاد والسلاح الضروريين من دون مقابل، والوقوف إلى جانبه في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وفي الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وترسيخ سلمه الأهلي وصون مسيرة النهوض والاعمار والازدهار، يحدوها في ذلك دافع قومي أصيل سيبقى دائما موضع عرفان وتقدير كبيرين من قيادة الجيش وكل عناصره«. وأضاف سليمان: »إن دعم المقاومة اللبنانية البطلة ضد الاحتلال الإسرائيلي كان ولا يزال دورا قوميا عربيا سوريا ثابتا، أسهم في الماضي القريب في تحرير القسم الأكبر من جنوبنا ويستمر اليوم لتحرير مزارع شبعا واستعادة كامل حقوقنا المشروعة بما فيها حق العودة للاجئين الفلسطينيين«.

وختم سليمان: »منذ عام 2000 اجتمعنا مرارا ونفذنا مراحل إعادة انتشار القوات العربية السورية وفقا لاتفاق الطائف، واليوم أنجزنا المرحلة الأخيرة بعودتها الكاملة إلى داخل سورية الشقيقة. وقد جرى كل ذلك على ضوء تنامي القدرات الأمنية والدفاعية للجيش اللبناني الذي بلغ بفضل دعمكم وجهودكم مستوى عاليا من الجاهزية، مما أهله للقيام بمهماته وواجباته الوطنية الكبرى. معا سنبقى دائما، رفاق سلاح في مواجهة العدو الإسرائيلي وفي الدفاع عن أمننا واستقرارنا وفي التنسيق الدائم في مختلف المجالات وفي استمرار وتطوير علاقات التعاون على أنواعها».

ومع بداية مراسم الوداع، هتف قائد المجموعة السورية: »أخوة السلاح إلى اللقاء«، وردت مجموعته: »إلى اللقاء«، ثم صرخ قائد المجموعة اللبنانية: »أخوة السلاح شكرا لتضحياتكم«، وردت المجموعة: »شكرا لتضحياتكم«.

وبعد الانتهاء من الكلمات وزع البند الرابع من اتفاق الطائف الذي يتحدث عن العلاقات اللبنانية - السورية ونسخ من معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق الموقعة بين البلدين في 22 أيار (مايو) العام 1991، واتفاق الدفاع والأمن اللبنانية - السورية الموقعة في 22 أيار العام 1991 والاتفاقات المنبثقة من معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق على الموجودين.

وشمل الاحتفال الوداعي عرضا عسكريا أقيم داخل الثكنة شارك فيه 300 جندي سوري من الوحدات الخاصة، ونحو 300 عسكري لبناني.

ومع استعداد الجنود السوريين لمغادرة القاعدة، نفى غزالة في حديث إلى الصحافيين خوفه من وصاية دولية على لبنان، موضحا «أن الشعب اللبناني لا يريد ذلك، فنحن أنجزنا الانسحاب الكلي، وإننا عائدون إلى بلدنا الأول سورية بعدما كنا موجودين في بلدنا الثاني لبنان«. وأضاف: »الأمور نراها جيدة وممتازة، ونؤمن بالكلمة الحرة، ولكن يبقى السؤال للصحافة».

وعن إمكان زيارته للبنان، قال غزالة: »إنها ممكنة وقد تكون شخصية واجتماعية«، مضيفا: »نحن لا نخشى على الأمن في لبنان».

وعن الخط العسكري وإقفاله بين لبنان وسورية، أجاب غزالة: »هذا الأمر عند القيادة العسكرية اللبنانية وهم أدرى بهذا الموضوع».

ومع انتهاء الاحتفال، سلك المغادرون طريق رياق باتجاه نقطة المصنع الحدودية، حيث لوحظ انتشار كثيف لعناصر من الجيشين اللبناني والسوري، وقطعت الشاحنات العسكرية شارعا حمل أخيرا اسم »شارع الشهيد رفيق الحريري».

ومع وصولهم إلى نقطة المصنع رفع الجنود شارة النصر ولوحوا لكاميرات الصحافيين وبضعة أشخاص وقفوا في المكان لوداعهم، بعدما سبقهم غزالة الذي ترجل من سيارته في تلك المنطقة ليحيي شخصيات من »حزب البعث العربي الاشتراكي» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» قدمت لوداعه.

Tuesday, April 26, 2005

غرف مهدمة ومواقع أحرقت قبل إخلائها

غرف مهدمة ومواقع أحرقت قبل إخلائها . السوريون يغادرون وعنجر منطقة عسكرية والبقاعيون يترحمون « على من خلصنا »

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,346 كلمة)
تاريخ النشر 26 أبريل 2005
.

الله يرحم اللي خلصنا«، يقول الميكانيكي العجوز، مشيرا إلى صورة للرئيس الشهيد رفيق الحريري معلقة على حائط المبنى. ورشة الميكانيكي تقع في قلب بلدة قب الياس البقاعية التي شهدت أحداث شغب مناوئة لسورية ووجودها العسكري بعد اغتيال الرئيس الحريري، لأن »أبناء الضيعة حاميين، والوضع لا يسكت عنه«.

قب الياس صارت خالية من الوجود العسكري السوري، هذا ما تؤكده الابتسامة المرتسمة على وجه الحاج محمد، ما أن نسأله عن المراكز العسكرية. يشير إلى السهل والتلة والجامع، و«الحمد لله، تركوها الأسبوع الماضي«، يقول مؤكدا انتهاء معاناة أصحاب الأرض المصادرة منذ اكثر من 15 عاما.

في السهل المقابل لوقوف الحاج محمد، لا غرف أو مواقع عسكرية، إنما فقط بقايا جدران طليت بالأبيض قبل هدمها لإخفاء الشعارات والأعلام المرسومة عليها، وثلاثة إطارات كبيرة محترقة كانت تقطع الطريق على من يحاول الدخول إلى ما كان موقعا في السهل المجاور لبضعة أبنية سكنية. »هدموا الغرف وأهلكونا برائحة الدخان«، تقول السيدة التي خرجت ما إن رأت كاميرا المصور. لا تذكر السيدة تاريخ قدوم السوريين إلى المكان، لكنها تعرف أن خلافات كانت تقوم بين الحين والآخر بين قاطني الأرض وبين أصحابها الذين منع عليهم زراعتها ولاحقا زيارتها بحجة أنها منطقة عسكرية.

لا تكن السيدة أي مشاعر عداء إلى الجيران القدامى، فنادرا ما تسبب وجودهم بمشكلات لها أو لعائلتها. لكن هذه ليست حال الجميع في تلك المنطقة، فعلى بعد خطوات من منزل السيدة يقع معمل حجارة الباطون حيث اعتاد السوريون أن »يأخذوا« المواد مجانا، وإضافة غرف سكنية إلى موقعهم العسكري.

في مقابل خيم العمال البلاستيك التي تركها ساكنوها السوريون بعدما تواردت أنباء عن ضرب أبناء البلدة للعمال السوريين، تجلس سيدة تقارب السبعين من العمر. تلف رأسها بمنديل ابيض، وتحاول جاهدة الإجابة عن سؤالنا حول تاريخ دخول الجيش السوري إلى الـبلدة.

تعود بالذاكرة إلى حين كانت أما لأربعة أولاد، و«دب خلاف بين أبناء القرية المسلمين والمسيحيين، فجاء السوريون لفض الخلاف، وسكنوا في البستان المجاور لمنزلنا«، تكون تحليلها الخاص لحرب طائفية دامت 17 عاما. تتخيل الأم منظر صاحب الأرض يجهد في إقناع العسكر باختيار ارض أخرى للإقامة فيها، فترتسم تعابير الرجاء على وجهها، لكنهم »أخذوها غصبا عنه، كانت كرما يلمع العنقود فيه«.

أمس، كان صاحب الأرض يقف فرحا بعودة أرضه إليه، يروي كيف كان جالسا في منزل أصدقائه في الجوار، عندما رأوهم »يحملون أمتعتهم ويرحلون، صرنا نراقبهم إلى أن اختفوا«.

لكن حال قب الياس، ليست نفسها في كل مناطق وقرى البقاع، فعلى مدخل شتورا ما زال عناصر الاستخبارات السورية يرابطون أمام حاجزهم الذي طلي بالأبيض. يسيرون كل في اتجاه، حاملين أسلحتهم فيما ينظم كل منهم السير على طريقته. تمثال باسل الأسد المقابل للحاجز لم يعد موجودا على ساحته، والحاجز نفسه خاو من الداخل، ما ينذر باقتراب ساعة الصفر.

في ساحة شتورا يبدو الأمر شديد الغرابة، إذ بدت الساحة التي كانت تعج بالسوريين عمالا وجنودا وحتى سيارات أجرة شبه خاوية منهم، فيما يتكثف الوجود الأمني اللبناني وعناصر مكافحة الشغب في المكان.

وأمام أحد الدكاكين على طريق عام تعنايل، يؤكد صاحبه الجالس في مواجهة دبابات الجيش اللبناني الموزعة على طول طريق شتورا- المصنع، أن السوريين لم يرحلوا جميعهم، »رحلوا فقـــط من المواقع التي هدموها«، يقول مشيرا إلى منزل بلا أبواب، مؤكدا أن الرجل الواقف داخله »مخابرات سورية«. يعدد الرجل مواقع كثيرة لم يخلها السوريون »في الحوش ومجدل عنجر وفي عنجر نفسها وغزة«، عارضا مرافقتنا ليثبت كلامه.

على بعد كيلومترات قليلة يقع مدخل بلدة المرج التي لم تشهد وجودا عسكريا سوريا يذكر، إلا على مدخلها. لكن الحاجز المعتاد سلم إلى الجيش اللبناني، وجنوده السوريين الذين اعتدنا رؤيتهم يرتدون القبعة الحديد »الطاسة«، ويزنر الشريط الأحمر سواعدهم لم يعودوا موجودين.

منع للتجول في عنجر

»لن أخبرك شيئا، اذهبي وشاهدي ودوني بنفسك«، يقول صاحب الكافيتيريا خلف مركز عمر المختار التربوي في الخيارة. يشير بيده إلى طريقين، لكل منهما حكايته مع الانسحاب السوري من لبنان.

تقود الطريق الأولى إلى بلدة الدكوة التي ترتفع عن جوارها ما جعلها موقعا عسكريا استراتيجيا. تبدو البلدة شبه خالية من السكان، فيما تبدو المنازل الأقرب إلينا مهجورة، وقد عريت من كل محتوياتها ما عدا الحجارة التي بنيت منها. في واجهة البـــلدة ينــتـــصب منـــزل يــبدو كبيرا من الخارج، لكن لا أبواب ولا شبابيك ولا إمدادات صحية فـــيه، فقط جدران لونـــت بالأســـود بعدما احرق السوريون الذيــن قطنوه اكثر من 15 عاما، الأوراق والدوالـــيب داخله. لم يعلم صاحب المنزل الذي بنــاه مـــع بداية الحرب أن منــــزله أخلي، فهو سافر إلى ألمـــــانيا منذ اللحظة الأولى التي استولى فيها العسكريون على منزله الجديد، عازما على عدم العودة إلى لبنان.

تقود الطريق الأخرى إلى بلدة السلطان يعقوب، هذا ما يؤكده الفلاح بينما يروي الأرض المواجهة لما كان موقعا عسكريا. يشير إلى ما يشبه التلال الترابية، موضحا: »هذه البؤرة خصصت للمدافع، والأخرى للدبابات«.

على جانب الطريق تتوزع غرف عدة، لا سقوف لها، مطلــية بالأبيض وعلى أرضها أوراق ممزقة غير محترقة كتب عليها: »ممنوع الدخول- فصيلة الإشــــارة« و«مــركز عسكري مــــمنوع الاقتراب، أو الدخول تحت طائلة المسؤولية«. على جدار إحدى الغرف تبدو صورة الرئيس الحريري الملصقة جديدة، فيما ترفرف أعلام لبنانية كثيرة وجديدة على شرفات المنازل المجاورة للموقع الذي أخلي.

على مدخل عنجر الرئيسي تنتصب دبابتان للجيش اللبناني وأكثر من جيب. الصورة تبدو مرادفة لما اكتسبته عنجر من أهمية في الآونة الأخيرة، فداخلها يقع مقرا القيادتين العسكرية والاستخباراتية السورية بقيادة اللواء رستم غزالة.

ينتفض النقيب في الجيش اللبناني الواقف عند الحاجز ما أن يعرف أن السيارة تقل صحافيين، فـ«الكاميرات ممنوعة«، يقول حازما ما يجعل إقناعه أمرا مستحيلا.

على بعد خطوات عدة، يؤدي مدخل آخر إلى داخل عنجر، وإنكار هوية راكبي السيارة تبدو الأمر الأكثر منطقية لدخول البلدة. في الداخل يقف جندي سوري هو الأول في الرحلة البقاعية أمس، محولا وجهة السير باتجاه معاكس لمقر القيادتين، في حين تبدو البلدة شبه خاوية، كما لو كانت خاضعة لمنع التجول.

في الشارع المعاكس لمرورنا يرفع الجنود السوريون المغادرون في شاحنة عسكرية لنا إشارات النصر، ويقطعون الحاجز السوري ملقين التحية على زميلهم العسكري أثناء تأدية مهمته.

في بلدة عنجر ما زال الحاجز السوري موجودا، وما زال الموقع العسكري الذي وصلنا إليه من طريق الخطأ يحوي جنودا سوريين، وإن كان جميع من التقيناهم من أهل البلدة يؤكدون خلوها من »السوريين« منذ ثلاثة أيام ماضية.

Saturday, April 23, 2005

تشييع سياسي وشعبي لـباسل فليحان

شيراك معزيا أرملته : لن نألو جهدا لكشف الجريمة . تشييع سياسي وشعبي لـباسل فليحان في بيروت

منال أبو عبس
Al-Hayat (841 كلمة)
تاريخ النشر 23 أبريل 2005

عند الثانية والنصف بعد ظهر أمس، خرج موكب جثمان النائب باسل فليحان من قصر قريطم، وخلفه خرج الرسميون والسياسيون الذين جاؤوا للمشاركة في الجنازة، يتقدمهم نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري سعد الدين وشقيقته بهية ووزير الداخلية حسن السبع. القصر نفسه اكتسب طابعا آخر بعد الرئيس الشهيد، واكتسب زواره (الشعبيون) خبرة في التمركز حيث يمكنهم متابعة المشهد كاملا، ومن ثم الانطلاق سيرا وراء الموكب.

الواقفون عند مدخل القصر جاء معظمهم منذ الصباح، ويشبهون كثيرا من قضوا الأيام التالية لاغتيال الرئيس الحريري أسيري الشارع نفسه. هتافاتهم التي تختلط مضامينها بين التعزية بوفاة فليحان والتوعد لـ«المجرمين الله يحرق قلبهم«، لتصب في مصلحة »أبو بهاء«، و«يا بيروت سيري سيري، وراء سعد الحريري«، تقطعها أحاديث جانبية عن الانتخابات النيابية المرتقبة، وموقع آل الحريري فيها.

ينطلق الموكب في موعده المحدد من القصر، سالكا الطريق التي قطعها الأمنيون في وقت مسبق لتسهيل مرور المشيعين، فيما يقف أصحاب المحلات التجارية على جانبي الطريق بعدما اقفلوا محالهم احتراما للموكب. ويتوقف الجثمان المغطى بعلم لبنان في مدخل منزل النائب الشهيد في الصنائع مودعا العائلة والجيران، ثم يحمل على عربة حصان مزينة بالورود، بمواكبة أحصنة أخرى يرفع راكبوها الصبيان أعلام لبنان، فيما ينشد الحاضرون النشيد اللبناني.

أمام منزل النائب الشهيد ينضم عدد آخر من السياسيين إلى الجنازة، بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزير السابق فؤاد السنيورة وآخرون. ويهرول أحد منظمي الجنازة طالبا من آلاف المشاركين عدم الهتاف، »لأن أهل الفقيد يريدون مسيرة صامتة في الفترة المتبقية«.

وفي شارع سبيرز القريب من الكنيسة الإنجيلية حيث سيصلى على جثمان فليحان، ترفع أعلام سود وتنثر الورود والرز على الموكب الذي تتقدمه والدة الفقيد رضا وزوجته يسمى وابنته رينا بفستانها الأبيض وابنه ريان وشقيقه رمزي ورجال دين. ومع اقتراب الموكب من محطته قبل الأخيرة، تقرع أجراس كنيسة مار جرجس المجاورة.

في الكنيسة التي تغص بالحاضرين، تنفذ الترتيبات المعدة سلفا، وان كانت الصورة من المكان المخصص للصحافيين في الطابع العلوي، تجعله اقرب ما يكون إلى المجلس النيابي في أكثر أيامه نشاطا.

وفي الصف الثاني جلس النائب وليد جنبلاط إلى جانب ميقاتي، فيما جلس السفيران الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار ايمييه في الصف الأول.

وبعد الصلاة عن نفس الفقيد، تلا الوزير فؤاد السنيورة كلمة باسم عائلة الحريري نوه فيها بمزايا الفقيد، وتبعتها كلمات أخرى تواسي العائلة وتعدد مزايا الراحل. وفي الختام تلا رمزي فليحان كلمة العائلة باللغة الإنكليزية، قبل أن ينقل الجثمان إلى مدافن العائلة ليوارى الثرى.

من جهته، اكد رئيس الجمهورية اميل لحود في اتصال هاتفي مع نائب رئيس المجمع الاعلى للطائفة الانجيلية القس حبيب بدر ان »الشعب اللبناني يشترك مع أرملة الشهيد وأفراد عائلته وأبناء الطائفة الانجيلية الكريمة في الصلاة ليرحم الله النائب الشهيد باسل فليحان ويسكنه دار الخلود«.

وكان جثمان النائب الشهيد وصل الى مطار بيروت الدولي الثانية فجر امس، على متن طائرة خاصة للرئيس الشهيد رفيق الحريري، ترافقه زوجته ووالدته وشقيقه رمزي وعدد من الاصدقاء.

وتوجه الموكب الذي يقل النعش من المطار الى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسط بيروت، فمكان وقوع الجريمة في السان جورج، ثم الى مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت.

وفي هذا الإطار، أبرق الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى زوجة النائب الراحل معزيا، وجاء في برقيته: »أعلم ان علاقة من التقدير والثقة المتبادلة، كانت تربط زوجك بالسيد رفيق الحريري، وأن قدرا مأسويا قربهما من بعضهما بعضا حتى ساعة المنية. لقد فقد لبنان، برحيله، احدى الشخصيات التي كان في استطاعتها ان تلعب دورا مهما في هذه اللحظة التي تنفتح فيها آفاق جديدة بالنسبة اليه. ان الآلام التي تحملها زوجك، ثم وفاته تثير من دون ادنى شك نقمة لدى كل من يتمسك بالحرية والديموقراطية، من الضروري ان يتم القاء الضوء كاملا على هذه الجريمة النكراء. وفرنسا لن تألو جهدا في هذا الصدد. وانني اذ اعرب لك عن تضامني الكامل في هذه المحنة الاليمة، واذ اخص بالتفكير ولديك الصغيرين، اتوجه اليك، سيدتي، سائلا اياك ان تتقبلي فائق الاحترام المصبوغ بالحزن، وعربون صداقتي المخلصة في هذه المحنة المريعة«.

Friday, April 15, 2005

رفعوا القبضات كي تقوم المدينة « من تحت الردم »

علم بألوان الفرح والمحتشدون رفعوا القبضات كي تقوم المدينة « من تحت الردم » حنجرة ماجدة الرومي تبعث « لبنان الحلم » في قلب بيروت

منال أبو عبس
Al-Hayat (804 كلمة)
تاريخ النشر 15 أبريل 2005


ما طغى على شوارع بيروت منذ 14 شباط (فبراير) الماضي، لم يعد نفسه. استبدل الشعور العارم بالكآبة وترقب الأسوأ والخوف من تفجير هنا أو هناك، بشعور آخر مختلف، مع انطلاق نشاطات »يوم الوحدة الوطنية« الذي دعت إليه النائبة بهية الحريري تحت شعار »لبنان للجميع، وطن للحياة«، في التاسع من نيسان (أبريل) الجاري، لمناسبة الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية.

وقفت ماجدة الرومي مع فرقة بقيادة جهاد عقل على خشبة المسرح وسط ساحة الشهداء، وغلب على الآلاف الذين حضروا ختام النشاطات الممتدة لخمسة أيام متتالية، طابع الهدوء. عدد الحاضرين كبير، لكن شيئا ما تغير في نفوس الذين احتشدوا في تلك الساحة. لا عراك ولا صدامات، والجميع يبدون متشابهين، لكثرة ما رفعوا من أعلام.

»لبنان الجديد«، اسم تطلقه سيدة أربعينية على ما ظهر في صورة ساحة الشهداء، تلك الليلة. تقف السيدة التي عايشت »مرارة« الحرب بين الشبان والشابات، مفاخرة بوعي »أبناء من تقاتلوا سبعة عشر عاما« وحسهم الوطني. وتتساءل حول القدرة الغريبة للبنانيين على الخروج من قلب الأزمات، معتبرة أن »ما حصل بعد اغتيال الرئيس الحريري، ترفع له القبعات لشدة حضاريته«. غير أن تفاؤل السيدة لا يختذل الصورة، ففي الجانب الآخر من الساحة، يراقب شاب تأثر الحاضرين بالأغنيات وتمايل قبضاتهم على وقع الموسيقى الوطنية، وإن كان »من دون أي حس وطني«، متسائلا: »أين كانت كل هذه المحبة عندما كانوا يذبحون بعضهم بعضا على الهوية؟«.

على المسرح تغني ماجدة الرومي »يا بيروت يا ست الدنيا يا بيروت قومي من تحت الردم«، تلوح الأيدي فوق الرؤوس وتهتز الأعلام. بين الجمهور فتيات كثيرات حملهن على الأكتاف لـ«رؤية ماجدة«، وأخريات غطين حجابهن بعلم لبنان، ووقفن في »أقرب مكان ممكن«. الوحدة الوطنية هي العبارة الأكثر تكرارا في الآونة الأخيرة، لكن »ليتني أصدق أن اللبنانيين نسوا الحرب وصاروا يحبون بعضهم بعضا، على رغم أن ما يجري هنا جميل جدا«، يقول شاب يدل عمره على انه لم يعايش من الحرب إلا في أيامها الأخيرة.

»حاصر حصارك لا مفر، اضرب عدوك لا مفر«، تقول ماجدة. ينقطع الصوت، فلا يصل إلى آذان الجمهور. يكمل الحاضرون الأغنية كما لو أن الأمر مخطط. »حاصر حصارك« تذكر كثيرين بـ«حرب التحرير« في أواخر الثمانينات. لكن اللبنانيين اليوم موحدون، ومعظم الحاضرين لا يعرفون من الحرب إلا مقتطفات.

إلا أن شيئا جديدا لا سابقة له صار يحدث، فقبل ساعات قليلة من الحفلة، التقى ممثلون عن 15 طائفة من أصل 18 طائفة يتألف منها الشعب اللبناني حاملين بأيديهم أغصان زيتون، وأعلاما لبنانية، ورددوا قسما موحدا يؤكد الوحدة الوطنية.

يختلف المشهد مع أغنية »أقسم بأرضك بلادي«، يرفع الحاضرون القبضات عاليا في حركة متناسقة. و«قوم تحدى الظلم تمرد، فجر هالصمت اللي فيك«، تثير حماسة الشبان وهتافاتهم. ومع »عم بحلمك يا حلم يا لبنان« تبرز قدرات ماجدة الصوتية الخارقة.

الموجودون في الساحة اليوم، لم يملوا من رفع القبضات والهتاف عاليا، كما انهم لم يتعبوا من نشاط استمر خمسة أيام كسروا عبرها حدة الحزن والصمت الذي خيم على بيروت طوال شهرين. ورقص بعضهم ودبك على وقع »طلوا حبابنا طلوا نسم يا هوا بلادي« لزكي ناصيف، تماما كما دبك قبل يوم واحد رواد المقاهي في شارع المعرض على وقع أغنية »على لبنان لاقونا، اشتقنا وطالت غربتنا« لصباح، معيدين إلى المكان زحمته التي غيبها الحدث.

تألقت ماجدة الرومي في تلك الحفلة، فكررت الأغاني نفسها مرات عدة، ومع حلول أولى ساعات الفجر، انصرفت تاركة المكان لشبان رابطوا فيه أياما كثيرة، والى علم عملاق رفعته بهية الحريري فوق الساحة، شاهدا على ما قدمه الرئيس الراقد في ضريح قريب من تضحيات.

في احتفال كهذا، قد يكون صوت المطرب آخر ما يهم الحاضرين، لكن صوت ماجدة الرومي نجح في جمع الآلاف تحت راية علم تشبه ألوانه ألوان الفرح، ولا يترك مكانا للون الحداد. على بعد شارعين من ساحة الشهداء، نصب المنظمون مسرحا آخر في مقابل الحمامات الرومانية الأثرية. أنشدت سمية بعلبكي أغنية »قولوا الله«، التي رثى بها الفنان أحمد قعبور الرئيس الشهيد. وتلا الشعراء يحيى جابر وطلال حيدر وجوزيف عيساوي بعضا من أشعارهم.

Tuesday, April 12, 2005

مطربون يخلعون حلة الحزن عن ساحة الشهداء

من حنين إلى وديع الصافي . مطربون يخلعون حلة الحزن عن ساحة الشهداء



منال أبو عبس
Al-Hayat (446 كلمة)
تاريخ النشر 12 أبريل 2005


خلعت ساحة الشهداء مساء أول من أمس، حلة الحزن التي ارتدتها منذ 55 يوما. وكسر وسط بيروت جدار العزلة المفروضة عليه قسرا، ليستقبل عشرات آلاف اللبنانيين والأجانب، ممن أحيوا معا »يوم الوحدة الوطنية في الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان« (من 9 إلى 13 من الجاري) الذي أطلقته النائبة بهية الحريري، تحت شعار »لبنان للجميع، فوق الجميع، وطن للحياة«، ونظمته »الهيئة الوطنية للنهوض والصداقة«.

أول من أمس، كان الثاني في جدول النشاطات التي أطلقت في المناسبة، وكان أحدها حفلة فنية أحياها أكثر من عشرين فنانا وفنانة، وتخللتها أغان وطنية من وحي المناسبة.

واستهل الفنانون الذين اعتلوا المسرح في وسط الساحة، الحفلة بتعداد حجم الخسائر التي تكبدها لبنان بسبب الحرب الأهلية. ثم انطلقت الأغاني مع رئيس نقابة الفنانين المحترفين احسان صادق وعدد من الفنانيين الذين قدموا أغنية »شعب واحد جيش واحد«، وتلاهم عدد كبير من الفنانين أمثال: حنين وطوني حنا ودينا حايك وطوني كيوان ورامي عياش ووليد توفيق وزين العمر وباسكال صقر وسمية البعلبكي. ومع الفنان وديع الصافي علا التصفيق والهتاف، ما دفع الصافي إلى غناء أغنيتين، بخلاف المطربين السابقين.

وعلى رغم الطابع الفني للمناسبة، فإن الشعارات السياسية وصور الرئيس رفيق الحريري لم تغب عن الساحة، فارتفعت هتافات »أبو بهاء«، و«شوفو شوفو يا عميان مين اللي عمر لبنان« و« بتمون لعيونك«، كلما بثت الشاشة العملاقة صورا لأبنية دمرتها الحرب الأهلية ثم أعيد إعمارها في عهد الرئيس الشهيد.

وتواصلت نشاطات »يوم الوحدة الوطنية« أمس، في مناطق عدة من لبنان. وقدم أفراد فريق »هارلم« لكرة السلة بهلوانيات وقفزات »فضائية« وعروضا مثيرة، استقطبت جمهورا كبيرا إلى ملاعب كرة السلة في منطقة الصيفي.

كما شهد أمس، نشاطات مختلفة منها: معارض صور، وورشة عمل »طيارات من ورق سماء وهواء« مع سامي صايغ، ومنطاد الركاب في مقابل فندق فينيسيا، دورة الاتحاد لكرة اليد في »نادي الصداقة«، عرض أفلام لبنانية، تطيير بالونات في ساحة الشهداء، حفلة موسيقية لساري واياد خليفة، ترانيم الحب الإلهي لنداء أبو مراد، انشاد لمجموعة صدى الوطنية والتراثية في النادي الثقافي العربي، وحفلة موسيقية لغي مانوكيان و«إنشادية الأرض والإنسان« لجاهدة وهبي.

Monday, April 11, 2005

الحياة تعود الى وسط بيروت

الحياة تعود الى وسط بيروت : نشاطات رياضية يخيم عليها اغتيال الحريري


منال أبو عبس
Al-Hayat (753 كلمة)
تاريخ النشر 11 أبريل 2005



ما إن خيم مساء أول من أمس، حتى تبدلت الصورة التي خيمت على وسط بيروت منذ الرابع عشر من شباط (فبراير) الماضي، وتاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فقد غصت المقاهي والمطاعم التي بقيت شبه خالية على مدى أربعة وخمسين يوما، بعشرات آلاف المواطنين والأجانب الذين لبوا دعوة النائبة بهية الحريري إلى »يوم الوحدة الوطنية في الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان« (من 9 إلى 13 من الجاري) تحت شعار »لبنان للجميع، فوق الجميع، وطن للحياة«، وتنظيم »الهيئة الوطنية للنهوض والصداقة«.

وملأ الوافدون المقاهي والمطاعم والاستراحات، على مرأى من النائبة الحريري التي جالت في المكان، وأعلنت أن اللبنانيين يتابعون »حلم« الرئيس الشهيد رفيق الحريري في نهوض وطنهم، فيما اكتفى كثيرون ممن لم يجدوا لهم مكانا للجلوس، بالسير ومشاهدة صور الرئيس الراحل التي زينت أعمدة الأبنية المجاورة.

مقهى »الإيتوال« حيث أمضى الرئيس الشهيد الدقائق الأخيرة من حياته تحول مزارا توافد إليه الزائرون والمصورون، بعدما لفتت انتباههم صورة الحريري الكبيرة التي نصبها القائمون على المقهى، في المكان الذي اعتاد الراحل الجلوس فيه.

وتواصلت أمس، نشاطات اليوم الثاني من البرنامج. وتحت شعار »منركض متحدين«، وملصقات »اشتقنا لعيونك« و«نستحق لبنان. نستحق رفيق الحريري«، انطلق الماراتون المصغر الذي نظمته »لجنة ماراتون بيروت« الرياضية في إطار نشاطات »يوم الوحدة الوطنية«.

واحتشد منذ التاسعة من صباح أمس، عشرات الآلاف من المشاركين والمتفرجين، من أعمار وجنسيات مختلفة في ساحة رياض الصلح التي

زينت بالبالونات الحمر والبيض والخضر، في مقابل صورة عملاقة للرئيس الحريري تغطي مبنى اللعازارية المجاور، فيما انشغلت إحدى السيدات بتوزيع الشرائط الحمر (ترمز إلى توجيه الشكر إلى القوى الأمنية والجيش اللبناني) على الحاضرين. وشارك عدد من السياسيين والفنانين بلباسهم الرياضي في النشاط.

»جئنا نركض بعيدا من السياسة والعمل، شكلنا فرقا من الأصدقاء وسجلنا للمشاركة في النشاط«، يقول أحد المشاركين وهو يقف تحت منصة الانطلاق التي زينت بمجسمات ملونة لرياضيين ورياضيات.

ومع اقتراب موعد الانطلاق، جالت النائبة الحريري في المكان، فانطلقت هتافات التأييد والتصفيق. »لا خوف على لبنان طالما اللبنانيين يملأون الساحات، ولن يتركوها للعابثين«، تقول الحريري، وتضيف: »هذه الرسالة هي بوجودكم في قلب بيروت الذي أراده رفيق الحريري نموذجا للعيش المشترك ودليلا على إرادة اللبنانيين بالنهوض بوطنهم. انتم هنا لتوجهوا رسالة إلى كل الأصدقاء والأشقاء والمصطافين والمستثمرين أن يأتوا إلى لبنان، ويتضامنوا مع لبنان رفيق الحريري. لا خوف على لبنان طالما هذا الشعب العظيم مصر على تمسكه بوحدته الوطنية وسلمه الأهلي واستقلاله ودولته الأمنية«.

ثم انشدت النائبة الحريري مع الفنان وديع الصافي النشيد الوطني اللبناني، وأدت الفنانة سمية البعلبكي مقطعا من أغنية »لبنان يا قطعة سما«

قبل أن تطلق البالونات الملونة و 50 حمامة بيضاء في الهواء، تعبيرا عن رغبة اللبنانيين في السلام.

وقبل أربع دقائق من انطلاق صفارة البدء، انطلق المعوقون الرياضيون المشاركون في الماراتون، ثم تلاهم المشاركون في سباق الركض، فيما تولت وحدات من قوى الأمن الداخلي والجيش حفظ أمن مسيرة المشاركين المنطلقين من ساحة رياض الصلح مرورا بموقع حادثة اغتيال الرئيس الحريري أمام فندق سان جورج، صعودا باتجاه ساحة الشهداء حيث ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وترافق هذا النشاط مع نشاطات فنية ورياضية أخرى كانت تقام في ساحة الشهداء، استعدادا لوصول المتسابقين.

وحصل كل الواصلين على ميداليات رمزية، وزرعت شجرة زيتون في ساحة الشهداء، ونثر عليها تراب مجموع من كل المحافظات اللبنانية.

Saturday, April 9, 2005

اجراءات الأمن الفردية تتحول ظاهرة عامة

اجراءات الأمن الفردية تتحول ظاهرة عامة في بيروت لم يعد ركن السيارة في مرآب أمرا بسيطا ...

منال أبو عبس
Al-Hayat (605 كلمة)
تاريخ النشر 09 أبريل 2005


اكتسبت الإجراءات الأمنية الفردية التي اتخذها بعض المحلات التجارية الكبرى مع بدء مسلسل التفجيرات في لبنان طابعا عاما. ومع مواصلة المجهولين استهداف القطاع الاقتصادي والمؤسسات التجارية أخذت ظاهرة الأمن الخاص في التحول تدريجا إلى ظاهرة عامة، إذ يندر أن يمضي المواطن اللبناني يومه خارج المنزل من دون أن يتعرض إلى حملة تفتيش واحدة على الأقل. وتبلغ هذه الظاهرة ذروتها على أبواب مواقف السيارات في المراكز التجارية الكبرى مثل »سبينس« و«مونوبري« والفنادق والمؤسسات السياحية، وقد اتخذت هذه الأماكن تدابير أمنية مشددة خلال الأسبوع الماضي.

مراكز التسوق

في المنعطف الضيق المؤدي إلى موقف السيارات الأرضي للمركز التجاري تتراصف السيارات الواحدة خلف الأخرى. تبدو الصورة مختلفة عن سابقيها، إذ لطالما امتازت هذه المراكز بسهولة ارتيادها والتسوق فيها. في نهاية المنعطف يقف أربعة شبان بلباس موحد، وعلى صدر كل منهم اسم شركة الأمن الخاصة حيث يعملون. يمسك الأول بمقود مرآة مربعة، يمررها تحت السيارة، للكشف عما إذا كانت تخبئ شيئا، فيما يعمل الآخر على فتح صندوق السيارة الأمامي والخلفي. تبدو مهمة الثالث أكثر صعوبة، إذ عليه أن يطلب بلطف من السائق الترجل، ليمارس مهمته في تفتيش داخل السيارة أرضيتها وحتى سقفها. ويقف الأخير في انتظار إنهاء رفاقه مهمتهم ليرشد السيارة »الآمنة« إلى مكان ركنها.

الشبان الأربعة يعملون في واحدة من أهم شركات الحماية الخاصة في لبنان، و«التي تستقبل يوميا طلبات توظيف كثيرة نظرا إلى إقبال المؤسسات على اعتماد هذا النوع من الحماية«، كما يقول الشاب. المواطنون أنفسهم لم يبدوا تأففا من الإجراءات الأمنية التي تأخذ حيزا من وقتهم »لكن الهدف من هذه الإجراءات هو حمايتنا في الدرجة الأولى، والشباب الله يحميهم شو ذنبهم«، تقول السيدة متذمرة من تأفف البعض من عمل الشبان »وكأن الدنيا ستطير«.

أمن ذاتي

في موازاة هذا التحرك المنظم لأصحاب المؤسسات، اتخذ بعض الشبان في مناطق متفرقة من لبنان، إجراءات أمنية عفوية. فما أن يخيم الليل على الحي السكني حتى يتمركز الشبان على مداخله، سائلين الداخل والخارج عن وجهته، فيما ينصرف قسم منهم إلى الاتصال بال112 (رقم الطوارئ) في حال الاشتباه بأي جسم غريب.

خطوة الشبان التلقائية التي باتت تعرف ب«الأمن الذاتي«، تلقى ترحيبا من فئات كبيرة من اللبنانيين، ف«الشباب لازم يحموا بلادهم، ويحافظوا على أمنهم«، كما أن »أولاد الحي يعرفون هوية القاطنين وتفاصيل المنطقة أكثر من رجال الأمن، وهم بذلك يساعدون الدولة«، تكون بعضا من تبريرات الإجراء الجديد.

الأمن الذاتي والأمن الخاص ردان لبنانيان على التفجيرات المتسلسلة في الآونة الأخيرة، وصورة من صور كثيرة تدفع سائق التاكسي الستيني إلى شتم البلد كلما صادفه حاجز عسكري أو نقطة تفتيش يذكره ب«أيام الحرب التي قصفت عمرنا... تنذكر ت ما تنعاد«.

والجدير بالذكر ان المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن، أشار الى مبادرات الامن الذاتي، محذرا من انها قد تكون نواة لميليشيات مقبلة.