Tuesday, March 29, 2005

الشارع لسيدات المجتمع المدني

الشارع لسيدات المجتمع المدني استنكارا للتفجيرات

منال أبو عبس
Al-Hayat (658 كلمة)
تاريخ النشر 29 مارس 2005


عند الرابعة بعد ظهر أمس، سار الآلاف من نساء لبنان، خلف أعلام بلدهن وصور الرئيس الشهيد رفيق الحريري. اتخذن من الحجاب الأبيض أو المنديل الذي يلف الرقبة عنوانا لقضيتهم الرافضة للتفجيرات التي تستهدف المدنيين الآمنين والاقتصاد اللبناني.

من مكان الحدث الأخطر قرب فندق السان جورج انطلقن يرافقهن بضعة رجال فقط ملبين دعوة »نساء المجتمع المدني«، في تظاهرة سلمية من أمام مكان الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس الحريري ورفاقه، إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت حيث يرقدون، فاليوم يومهن و«الحقيقة كمان ما بيجيبها إلا ستاتها«، كما ستقول النائب غنوة جلول في نهاية التظاهرة. اللافتات التي رفعتها النسوة تشبه كثيرا تلك المرتفعة منذ عشرات الأيام الماضية، وان دخلت عليها امس تعابير من وحي الحدث: »ندين منطق الحقد والانتقام من الآمنين«،»وحدتنا أقوى من تفجيراتكم«، »حلم المستقبل من الشهيد إلى أخت الشهيد«

و»يا بهية رشي ورود خيك بالجنة موعود«، إضافة إلى هتافات تتناسب وانتماءات معظم المشاركات المعارضة للوجود السوري: »سورية تطلع برا« و«ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني«.

ساحة الشهداء بدورها تستعد إلى حدث يلازمها بصورة شبه يومية. المنصة المواجهة حيث ثبتت كاميرات المصورين تستقطب أنظار المتظاهرات، فيرفعن لافتاتهن عاليا، ويهتفن بما يردنه أن يصل إلى مسامع العالم. »ابنها معتقل في سورية«، تصرخ سيدة محاولة جذب انتباه المصور، من دون أن تفلح. لكن، قضية تظاهرة اليوم مختلفة عن قضية المرأة التي رفعت صورة ابنها الذي خرج منذ خمسة وعشرين عاما ولم يرجع. هي تعرف ذلك، وتعرف أيضا أن أرض تظاهرات اليوم الخصبة تتسع للجميع، »طالما أن الهدف واحد هو معرفة الحقيقة، حقيقة من قتل الحريري، أو اعتقل شباب لبنان«.

أمام المنصة المذكورة وبعيدا من الضريح حيث كانت تتلى آيات من الذكر الحكيم يتقاطع معها صوت الأغاني الوطنية، وصرخات الأمهات التي تترك في النفس وقعا مختلفا عما عداها. »لا نريد الحرب لأولادنا، نريدهم أن يعيشوا بسلام، لم نعد نحتمل الإحساس بالخطر«، تقول الأم الستينية في تظاهرتها الأولى. الأم لا يعنيها الوجود السوري أو عدمه »طالما انهم لم يتسببوا لي بأذى«، لكنها تطمح لـ«أن يعمل المسؤولون لتجنيب البلد ما أذاقنا المر قبلا«.

هتافات كثيرة أطلقتها النسوة بعفوية مختلفة عن مطالبة جلول بلجنة تحقيق دولية، أو النائبة نايلة معوض التي أعلنت أننا »سنكمل النضال«، وان »كل متفجرة سوف تزيد صفحة في ملف هذه السلطة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه«، أو حتى ممثلة المجتمع المدني أسماء اندراوس التي أعلنت »أنها أول مرة منذ الحرب أو منذ الاستقلال تنزل النساء إلى الشارع ليرفضن الخوف«.

انتهت كلمات النائبتين وممثلة المجتمع. وانصرف كثير من الأمهات إلى بيوتهن بعد تظاهرة قد تكون الأولى، وفي قلب كل منهن حلم بتاريخ قد يذكر يوما أن حركة أمهات لبنان اسكتت ناقوسا كان ينذر بالخطر.

وسيخرج الشارع الفاصل بين فندق السان جورج والمصرف البريطاني من نكبته ذات يوم. سترفع السيارات المحترقة عن جانبي الطريق (قد تعوض الدولة على أصحابها وقد لا تفعل)، وسيعاد ترميم المباني المتضررة. ستزاح حواجز الحديد ويعود الأمنيون المرابطون منذ 43 يوما ماضيا إلى منازلهم، ويروون لأولادهم تفاصيل حدث غير تاريخ مدينة صغيرة، وسيروون أيضا في المستقبل القريب حكاية نسوة كثيرات رفضن الا ان يكون لهن رأي في مستقبل بلدهن .

No comments:

Post a Comment