Tuesday, March 29, 2005

عندما تخرج جامعة بيروت العربية عن هدوئها !

عندما تخرج جامعة بيروت العربية عن هدوئها !

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,091 كلمة)
تاريخ النشر 29 مارس 2005


يندر في لبنان أن تجد صرحا شبابيا أكثر هدوءا من جامعة بيروت العربية. الجامعة التي تضم خليطا من الجنسيات، تقع في واحدة اكثر مناطق العاصمة شعبية، منطقة الطريق الجديدة، المحتقنة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن، هل كان ذلك السبب الوحيد في المشكلات التي قلبت هدوء الجامعة رأسا على عقب؟

أمام باب المدخل الحالي للجامعة تقف الفتاة في مواجهة حارسين. الفتاة محجبة، وتحمل حقيبة مشابهة لتلك الخاصة بالطالبات وبضعة دفاتر. تومئ إلى شاب داخل الجامعة ليتوسط لدى الحارس، ليسمح لها بالدخول. ملامح الأخير العبوس لا تبشر بالخير. »عبد الله يعرفني«، تقول الفتاة من دون أن يهتز للحارس جفن.

»الصحافيون أيضا ممنوعون من الدخول، لا أحد يدخل غير طلاب الجامعة«، يقول حارس آخر. الرجلان يحرسان بوابة واحدة، بعدما أقفلت البوابات الثانوية الأخرى وتلك القريبة من قاعة جمال عبدالناصر، الخاصة بالندوات. والصحافيون سبب آخر لاحتقان الطلاب، »مثلهم مثل الحانوتي الذي ينتظر موت الناس ليمارس عمله«، كما يقول أحد المسؤولين في الجامعة. ويضيف: »بالأمس هاجت الدنيا وماجت ما أن دخل الصحافيون إلى المكان«.

المسؤول معذور، لأن الاحتقان الهائل في الشارع لن يلبث أن يجد أرضا خصبة في صدور الطلاب. فالجامعة العربية لم تسمح يوما لطلابها بممارسة النشاطات الحزبية، ولم ينعموا حتى الساعة بانتخاب مجلس للطلاب تمثل فيه الأحزاب والتيارات السياسية. وهكذا، اختارت لنفسها أن تكون بغنى عن المشكلات المتأتية من اختلاف آراء طلابها وانتماءاتهم السياسية أو الحزبية. تضم الجامعة خليطا من جنسيات مختلفة يمثل السوريون والفلسطينيون نسبة كبيرة منها، و«نريد سؤال الطلاب عن المشكلات التي وقعت أخيرا«... مطلب أدرجته الإدارة في قائمة المستحيلات، »في الوضع الحالي«.

خارج حرم الجامعة، يقف طلاب بانتظار سيارة أو باص يقلهم بعد انتهاء الدوام. »لست من متتبعي السياسة، فلم احضر الندوة التي أثارت المشكل«، تقول الطالبة التي تنتظر ألـ«فان رقم 4«، ليقلها إلى ضاحية بيروت الجنوبية. لكن، هل يوجد في لبنان اليوم شاب تكون السياسة همه الأخير؟ »أدرس التجارة، وأفكر بطريقة عملية، السياسة في لبنان رهن بمتغيرات إقليمية، ولا تصدقي أنها ستأخذ في الحسبان رأيي أو رأي أي شاب آخر«، تضيف.

الشابة لا ترى فائدة من المجاهرة بآرائها، بخلاف صديقها الذي يؤمن بأن الشباب هم عنصر التغيير »الأهم إن لم يكن الأوحد«. الشاب أيضا لا يعرف عن المشكلين الأخيرين »أي شيء، عدا ما تناقلته الصحف وبعض من كانوا حاضرين«، غير أن الإجابة الوحيدة الشافية تلفظ بها طالب آخر: »الإدارة ترفض التحدث بالأمر، وهي تحقق في الحادث ومسبباته. لا أحد من الطلاب سيغامر بمقابلة صحافية قد تهدد عامه الجامعي«، يقول حاسما الجدل.

لكن، ما الذي استجد قبل أيام عدة، فأخرج طلاب الجامعة عن هدوئهم؟ قبل أسبوع واحد من اليوم سقط جريحان في الجامعة، بعد ندوة تحدث خلالها ثلاثة من المعارضين للسلطة الحالية، هم: النائبان اكرم شهيب ووليد عيدو وعضو قيادة »اليسار الديموقراطي« زياد ماجد، في قاعة عمر فروخ قرب مباني الإدارة والكليات النظرية.

»كل طالب منفتح وعاقل هو مع المعارضة«، كانت الشيفرة التي تلفظ بها عيدو، فألهبت حماسة الحاضرين. غادر عدد من الطلاب القاعة احتجاجا، وتجمعوا في الخارج، مطالبين عيدو بالاعتذار والرحيل. فاعتذر الأخير عما ورد على لسانه، إلا أن الطلاب الذين قال أحد المنظمين انهم »ينتمون إلى جهات حزبية موالية للسلطة«، لم يقبلوا اعتذاره.

تدخلت القوى الأمنية بعد إصابة أحد الطلاب بجروح، نتيجة العراك الذي استهدف عيدو بشكل خاص، فيما أطلق المرافقون النار في الهواء، فأصيب آخر، وحل الأمنيون الأمر. قبل أسبوع إلا يوم واحد من الآن، قرابة الحادية عشرة قبل الظهر، حصلت مناقشة حادة بين طالبين في كافتيريا كلية التجارة في الجامعة. تطورت المناقشة إلى تلاسن مع طلاب آخرين، أعقبها تبادل تهم وسباب طائفي ومذهبي وتراشق بالكراسي، نقل على أثره طالبان إلى المستشفى للمعالجة. وكالعادة المستجدة على الجامعة، اتخذت القوى الأمنية تدابير مشددة حول الجامعة وفي محيطها، ومنعت دخول أي شخص إليها حتى الطلاب، حتى تهدأ الأجواء.

وكالعادة أيضا، استنكرت القوى الطلابية والشبابية في الجامعة (حزب الله، تيار المستقبل، الحزب التقدمي الاشتراكي، الجماعة الإسلامية) ما حدث، وأصدرت بيانا، أكدت فيه أن الجامعة »برسالتها الشاملة تستوعب كل الأفكار والاتجاهات في إطار من الود والاخوة«، وان »الحوادث الفردية التي تم تضخيمها لا تعكس حقيقة العلاقة بين طلاب الجامعة«. كما أكدت أن »جميع الأحداث الفردية التي وقعت في الجامعة بعيدة كل البعد عما صورتها وسائل الإعلام«.

ما الذي أخرج جامعة بيروت العربية عن هدوئها؟

ساحة الحرية: خرج مئات آلاف الشبان من منازلهم، ليعتصموا مطالبين بكشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الشبان ينتمون إلى التيارات المعارضة للسلطة.

ساحة رياض الصلح: تظاهر مئات آلاف الشبان الآخرين مطالبين بالوفاء لسورية. ينتمون إلى التيارات الموالية للسلطة.

الاسكوا: رفع عشرات آلاف الشبان الأعلام الحمراء مطالبين برفع الوصاية السورية والأجنبية عن لبنان وبكشف الحقيقة.

عائشة بكار: أطلق رئيس وزراء سابق من منزله خطا خاصا بمعزل عن كل ما ذكر.

مناطق أخرى: إطلاق نار. تفجيرات. مشادات. تدخل القوى الأمنية.

جامعة بيروت العربية: مشكل طلابي يوقع جريحين في اليوم الأول، واثنين آخرين في اليوم الثاني، والوضع الحالي لا يسمح للطلاب في التحدث عن الأمر أمام كل من الصحافي أو الحانوتي.

الشارع لسيدات المجتمع المدني

الشارع لسيدات المجتمع المدني استنكارا للتفجيرات

منال أبو عبس
Al-Hayat (658 كلمة)
تاريخ النشر 29 مارس 2005


عند الرابعة بعد ظهر أمس، سار الآلاف من نساء لبنان، خلف أعلام بلدهن وصور الرئيس الشهيد رفيق الحريري. اتخذن من الحجاب الأبيض أو المنديل الذي يلف الرقبة عنوانا لقضيتهم الرافضة للتفجيرات التي تستهدف المدنيين الآمنين والاقتصاد اللبناني.

من مكان الحدث الأخطر قرب فندق السان جورج انطلقن يرافقهن بضعة رجال فقط ملبين دعوة »نساء المجتمع المدني«، في تظاهرة سلمية من أمام مكان الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس الحريري ورفاقه، إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت حيث يرقدون، فاليوم يومهن و«الحقيقة كمان ما بيجيبها إلا ستاتها«، كما ستقول النائب غنوة جلول في نهاية التظاهرة. اللافتات التي رفعتها النسوة تشبه كثيرا تلك المرتفعة منذ عشرات الأيام الماضية، وان دخلت عليها امس تعابير من وحي الحدث: »ندين منطق الحقد والانتقام من الآمنين«،»وحدتنا أقوى من تفجيراتكم«، »حلم المستقبل من الشهيد إلى أخت الشهيد«

و»يا بهية رشي ورود خيك بالجنة موعود«، إضافة إلى هتافات تتناسب وانتماءات معظم المشاركات المعارضة للوجود السوري: »سورية تطلع برا« و«ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني«.

ساحة الشهداء بدورها تستعد إلى حدث يلازمها بصورة شبه يومية. المنصة المواجهة حيث ثبتت كاميرات المصورين تستقطب أنظار المتظاهرات، فيرفعن لافتاتهن عاليا، ويهتفن بما يردنه أن يصل إلى مسامع العالم. »ابنها معتقل في سورية«، تصرخ سيدة محاولة جذب انتباه المصور، من دون أن تفلح. لكن، قضية تظاهرة اليوم مختلفة عن قضية المرأة التي رفعت صورة ابنها الذي خرج منذ خمسة وعشرين عاما ولم يرجع. هي تعرف ذلك، وتعرف أيضا أن أرض تظاهرات اليوم الخصبة تتسع للجميع، »طالما أن الهدف واحد هو معرفة الحقيقة، حقيقة من قتل الحريري، أو اعتقل شباب لبنان«.

أمام المنصة المذكورة وبعيدا من الضريح حيث كانت تتلى آيات من الذكر الحكيم يتقاطع معها صوت الأغاني الوطنية، وصرخات الأمهات التي تترك في النفس وقعا مختلفا عما عداها. »لا نريد الحرب لأولادنا، نريدهم أن يعيشوا بسلام، لم نعد نحتمل الإحساس بالخطر«، تقول الأم الستينية في تظاهرتها الأولى. الأم لا يعنيها الوجود السوري أو عدمه »طالما انهم لم يتسببوا لي بأذى«، لكنها تطمح لـ«أن يعمل المسؤولون لتجنيب البلد ما أذاقنا المر قبلا«.

هتافات كثيرة أطلقتها النسوة بعفوية مختلفة عن مطالبة جلول بلجنة تحقيق دولية، أو النائبة نايلة معوض التي أعلنت أننا »سنكمل النضال«، وان »كل متفجرة سوف تزيد صفحة في ملف هذه السلطة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه«، أو حتى ممثلة المجتمع المدني أسماء اندراوس التي أعلنت »أنها أول مرة منذ الحرب أو منذ الاستقلال تنزل النساء إلى الشارع ليرفضن الخوف«.

انتهت كلمات النائبتين وممثلة المجتمع. وانصرف كثير من الأمهات إلى بيوتهن بعد تظاهرة قد تكون الأولى، وفي قلب كل منهن حلم بتاريخ قد يذكر يوما أن حركة أمهات لبنان اسكتت ناقوسا كان ينذر بالخطر.

وسيخرج الشارع الفاصل بين فندق السان جورج والمصرف البريطاني من نكبته ذات يوم. سترفع السيارات المحترقة عن جانبي الطريق (قد تعوض الدولة على أصحابها وقد لا تفعل)، وسيعاد ترميم المباني المتضررة. ستزاح حواجز الحديد ويعود الأمنيون المرابطون منذ 43 يوما ماضيا إلى منازلهم، ويروون لأولادهم تفاصيل حدث غير تاريخ مدينة صغيرة، وسيروون أيضا في المستقبل القريب حكاية نسوة كثيرات رفضن الا ان يكون لهن رأي في مستقبل بلدهن .

Tuesday, March 15, 2005

إقالة مسؤولي الأجهزة

الحشد الأكبر يطالب بكشف حقيقة 
اغتيال الحريري وإقالة مسؤولي الأجهزة

بيروت - منال أبو عبس الحياة 2005/03/15

تدفق مئات الآلاف من اللبنانيين الى قلب بيروت أمس تلبية لدعوة «تيار المستقبل» وأحزاب المعارضة في ذكرى مرور شهر على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وطالب المتظاهرون الذين قدّرت عددهم وكالات الأنباء العالمية بنحو مليون شخص بكشف الحقيقة في اغتيال الحريري وبمحاسبة المسؤولين الأمنيين. كما طالبوا بالخروج الكامل للقوات السورية واستخباراتها من لبنان. وألقى عدد من نواب المعارضة وشخصياتها كلمات في المناسبة كان أبرزها كلمة النائبة بهية الحريري (راجع ص 3) وكلمة النائب مروان حمادة (هذه الصفحة). وأجمع المتحدثون على إدانة أسلوب تعاطي السلطة مع الجريمة والمطالبة بإقالة رؤساء الأجهزة الأمنية.

عند الثالثة ظهراً، غطى المتظاهرون المناطق المحيطة بوسط بيروت وساحة رياض الصلح المجاورة، فيما توقف السير في مداخل: الدورة، الحازمية، المدينة الرياضية، المرفأ وغيرها بفعل المشاركة الكثيفة. كما اضطر المشاركون من منطقة البترون إلى استخدام الزوارق البحرية للوصول إلى العاصمة.

ومنذ العاشرة، كانت الساحة تستعد إلى حدث سيشهد كثيرون انه الأضخم في تاريخ لبنان. اتخذ الأمنيون إجراءات اعتادوا عليها منذ شهر مضى، وحمل الشبان والشابات الذين علقوا أعمالهم ودراستهم ليوم آخر أعلام لبنان وصور الرئيس الشهيد، متوجهين إلى ساحة يرتادها كثيرون منهم في شكل يومي.

«كلنا 100 % لبنانيي»، كُتب على اللافتة الأكثر انتشاراً في المكان. يمكن تمييز الشعارات المنتشرة وسماع الهتافات بسهولة. لا شيء من هذا سيغدو واضحاً بعد ساعات قليلة. «المعتصمون هم لبنانيون فقط»، كتب على لافتة أخرى، لكن ما هو سر إصرار المتظاهرين على تأكيد لبنانيتهم؟

«اللبنانيون الحقيقيون وحدهم يستحقون هذا اللقب، ومعظمهم موجود هنا اليوم لانتزاع استقلال بلدهم وكرامة عيشه، فهذه ليست تظاهرة، هي انتفاضة الاستقلال»، يقول جاد.

كثيرون من طلاب المدارس والجامعات عقدوا لقاءات في هذه الساحة أمس. بعضهم يسكن ويدرس في العاصمة، وبعضهم الآخر قصدها من مكان بعيد، فـ»الحريري رجل لكل الوطن، وحرام يضيع حقه»، بحسب ريما التي جاءت من قرية بريتال البقاعية مع رفاقها في المدرسة للمشاركة في التظاهرة. مدرسة ريما لم تقفل أبوابها أمس، لكن «اتفقنا مع الأساتذة على عدم الحضور للمشاركة في التظاهرة، فتجاوب كثيرون منهم مع مطلبنا»، تضيف.

في الحديقة غير المنجزة الفاصلة بين جانبي الطريق في ساحة الشهداء، تقف العجوز. ترفع مظلة سوداء كتب عليها «نريد أن نعرف الحقيقة»، وتوزع باليد الأخرى شموعاً على الشبان المجاورين، طالبة منهم إضاءتها قرب الضريح. العجوز التي تقيم في الجنوب كانت تتمنى المشاركة في مسيرة التشييع، ولم تشارك في التظاهرات السابقة التي دعت إليها تيارات المعارضة، «كنت انتظر أن تدعو عائلة الحريري إلى تظاهرة حتى أشارك»، تضيف.

المنطقة المحيطة بتمثال الشهداء أقفلت بحواجز حديد منذ ليل أول من أمس. عزلت الخيم الملونة والمعتصمون داخلها عن الخارج، وتحولت الباحة الصغيرة إلى غرفة طوارئ: بالونات حمر وبيض، قارورات هواء، زجاجات مياه، واعلام تنتظر إلصاقها بالعصي الخشب لترفرف عالياً بعد وقت قليل.

مدخل التمثال الذي يحظر دخوله إلا على الصحافيين وبعض المنظمين هو الوحيد المؤدي إلى المنصة حيث سيتحدث السياسيون الكثر. من جانب المنصة يمكن مشاهدة الأعداد تتضاعف في أوقات قياسية. تغص الساحة بالمشاركين، فيصعد بعضهم إلى سطوح الأبنية المجاورة ومسجد محمد الأمين. عريف الحفل يهتف بالمشاركين مزوداً إياهم بآخر التطورات الأمنية، وبهوية آخر الوافدين وأعدادهم، ويطلب منهم تسهيل مرور سيارت الصليب الأحمر. «تشير الساعة إلى الواحدة إلا خمس دقائق»، يقول. يطغى على الساحة صمت مرتقب لدقيقتين من الزمن، ثم يصدح النشيد الوطني عالياً، ويلف المنظمون تمثال الشهداء بقماشة زرقاء، رمز الحقيقة.

بين الواحدة والثالثة لم يتغير شيء في الصورة غير أعداد المشاركين المتضاعفة. الهتافات والشعارات تضيع بين الحشود. سورية بدورها لم تغب عن الحدث، وان لم تشهد تظاهرة الأمس هتافات عنصرية بالكميات السابقة نفسها.

الرئيس رفيق الحريري، كان الحاضر الأكبر في تظاهرة الأمس. «هديتك لنا في عيد العشاق. علمتنا كم تحبنا»، ترفعها الشابة عالياً، وقد غطت رأسها بعلم لبنان كتب على طرفه كلمة «لعيونك». و»سامحنا عرفناك لما فقدناك»، كتبت على البالون الأبيض الكبير الذي أطلق فوق رؤوس المتظاهرين.

في الفسحة الصغيرة المواجهة للمنصة، تجلس سيدة على كرسي منحها إياه المعتصمون في الخيم. «سنشارك في كل تحرك للمعارضة، لأن هذا يتعلق بمستقبل أولادنا»، تقول. السيدة تخطت الأربعين من العمر، لن تقبل «المزيد من الذل، نحن عشنا الذل على مدى سنوات طويلة. سنبقى هنا حتى نعرف الحقيقة. ولو لم نكن هنا منذ البداية لما تحرك أحد منهم»، تضيف. «الحقيقة والاستقلال»، هما مطلب سيدة أخرى «كي نرتاح». السيدة ليست أما لأي ولد، لكن «كل الشبان المتواجدين هنا كأولادي، جئت ادعمهم، وأعطيهم معنويات حتى يكملوا ما بدأوا به».

السترات الحمر وكلمات: الحقيقة، لأجل لبنان، و05 انتفاضة الاستقلال، تنتشر بكثرة في المكان. فالمنظمون كثر، «اكثر من 1250 شاباً من التيارات المعارضة كلها»، يقول عضو «الحزب التقدمي الاشتراكي» زياد شيا.

تقترب الساعة من الثالثة، ويصبح التحرك في المكان مستحيلاً. يستقطب أربعة شبان مكبلي الأيدي ومكممي الأفواه انتباه الكاميرات الكثيرة، فيما تغص المنصة بحركة الفنانين الكثيرين في المكان، تمهيداً لصعود السياسيين.

يطيّر المنظمون الأعلام والبالونات الملونة والأقمشة الزرق، وينشغل المتظاهرون في الاستماع لكلمات السياسيين والرد عليها تبعاً لمحتواها.

عند الثالثة ظهر أمس، شغل كثير من المتظاهرين في تأمين كميات من الهواء، خيل إليهم أنها اختفت بفعل الضغط الكثيف الذي أحدثه الزحام.

عند الثالثة ظهر امس، كان رفيق الحريري كعادته الجديدة مستلقياً على بعد خطوات قليلة من مناصريه، يسمع عريف الاحتفال وهو يطلب من المتظاهرين الصلاة عن روح الرئيس كل بحسب ديانته.

ثمة أوقات لا تصدق فيها أن رفيق الحريري لم يعد موجوداً.

قلب العاصمة فاض بالمتظاهرين

قلب العاصمة فاض بالمتظاهرين القادمين من المناطق اللبنانية كلها . الحشد الأكبر يطالب بكشف حقيقة اغتيال الحريري وإقالة مسؤولي الأجهزة

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,156 كلمة)
تاريخ النشر 15 مارس 2005


تدفق مئات الآلاف من اللبنانيين الى قلب بيروت أمس تلبية لدعوة »تيار المستقبل« وأحزاب المعارضة في ذكرى مرور شهر على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وطالب المتظاهرون الذين قدرت عددهم وكالات الأنباء العالمية بنحو مليون شخص بكشف الحقيقة في اغتيال الحريري وبمحاسبة المسؤولين الأمنيين. كما طالبوا بالخروج الكامل للقوات السورية واستخباراتها من لبنان. وألقى عدد من نواب المعارضة وشخصياتها كلمات في المناسبة كان أبرزها كلمة النائبة بهية الحريري (راجع ص 3) وكلمة النائب مروان حمادة (هذه الصفحة). وأجمع المتحدثون على إدانة أسلوب تعاطي السلطة مع الجريمة والمطالبة بإقالة رؤساء الأجهزة الأمنية.

عند الثالثة ظهرا، غطى المتظاهرون المناطق المحيطة بوسط بيروت وساحة رياض الصلح المجاورة، فيما توقف السير في مداخل: الدورة، الحازمية، المدينة الرياضية، المرفأ وغيرها بفعل المشاركة الكثيفة. كما اضطر المشاركون من منطقة البترون إلى استخدام الزوارق البحرية للوصول إلى العاصمة.

ومنذ العاشرة، كانت الساحة تستعد إلى حدث سيشهد كثيرون انه الأضخم في تاريخ لبنان. اتخذ الأمنيون إجراءات اعتادوا عليها منذ شهر مضى، وحمل الشبان والشابات الذين علقوا أعمالهم ودراستهم ليوم آخر أعلام لبنان وصور الرئيس الشهيد، متوجهين إلى ساحة يرتادها كثيرون منهم في شكل يومي.

»كلنا 100 % لبنانيي«، كتب على اللافتة الأكثر انتشارا في المكان. يمكن تمييز الشعارات المنتشرة وسماع الهتافات بسهولة. لا شيء من هذا سيغدو واضحا بعد ساعات قليلة. »المعتصمون هم لبنانيون فقط«، كتب على لافتة أخرى، لكن ما هو سر إصرار المتظاهرين على تأكيد لبنانيتهم؟

»اللبنانيون الحقيقيون وحدهم يستحقون هذا اللقب، ومعظمهم موجود هنا اليوم لانتزاع استقلال بلدهم وكرامة عيشه، فهذه ليست تظاهرة، هي انتفاضة الاستقلال«، يقول جاد.

كثيرون من طلاب المدارس والجامعات عقدوا لقاءات في هذه الساحة أمس. بعضهم يسكن ويدرس في العاصمة، وبعضهم الآخر قصدها من مكان بعيد، فـ«الحريري رجل لكل الوطن، وحرام يضيع حقه«، بحسب ريما التي جاءت من قرية بريتال البقاعية مع رفاقها في المدرسة للمشاركة في التظاهرة. مدرسة ريما لم تقفل أبوابها أمس، لكن »اتفقنا مع الأساتذة على عدم الحضور للمشاركة في التظاهرة، فتجاوب كثيرون منهم مع مطلبنا«، تضيف.

في الحديقة غير المنجزة الفاصلة بين جانبي الطريق في ساحة الشهداء، تقف العجوز. ترفع مظلة سوداء كتب عليها »نريد أن نعرف الحقيقة«، وتوزع باليد الأخرى شموعا على الشبان المجاورين، طالبة منهم إضاءتها قرب الضريح. العجوز التي تقيم في الجنوب كانت تتمنى المشاركة في مسيرة التشييع، ولم تشارك في التظاهرات السابقة التي دعت إليها تيارات المعارضة، »كنت انتظر أن تدعو عائلة الحريري إلى تظاهرة حتى أشارك«، تضيف.

المنطقة المحيطة بتمثال الشهداء أقفلت بحواجز حديد منذ ليل أول من أمس. عزلت الخيم الملونة والمعتصمون داخلها عن الخارج، وتحولت الباحة الصغيرة إلى غرفة طوارئ: بالونات حمر وبيض، قارورات هواء، زجاجات مياه، واعلام تنتظر إلصاقها بالعصي الخشب لترفرف عاليا بعد وقت قليل.

مدخل التمثال الذي يحظر دخوله إلا على الصحافيين وبعض المنظمين هو الوحيد المؤدي إلى المنصة حيث سيتحدث السياسيون الكثر. من جانب المنصة يمكن مشاهدة الأعداد تتضاعف في أوقات قياسية. تغص الساحة بالمشاركين، فيصعد بعضهم إلى سطوح الأبنية المجاورة ومسجد محمد الأمين. عريف الحفل يهتف بالمشاركين مزودا إياهم بآخر التطورات الأمنية، وبهوية آخر الوافدين وأعدادهم، ويطلب منهم تسهيل مرور سيارت الصليب الأحمر. »تشير الساعة إلى الواحدة إلا خمس دقائق«، يقول. يطغى على الساحة صمت مرتقب لدقيقتين من الزمن، ثم يصدح النشيد الوطني عاليا، ويلف المنظمون تمثال الشهداء بقماشة زرقاء، رمز الحقيقة.

بين الواحدة والثالثة لم يتغير شيء في الصورة غير أعداد المشاركين المتضاعفة. الهتافات والشعارات تضيع بين الحشود. سورية بدورها لم تغب عن الحدث، وان لم تشهد تظاهرة الأمس هتافات عنصرية بالكميات السابقة نفسها.

الرئيس رفيق الحريري، كان الحاضر الأكبر في تظاهرة الأمس. »هديتك لنا في عيد العشاق. علمتنا كم تحبنا«، ترفعها الشابة عاليا، وقد غطت رأسها بعلم لبنان كتب على طرفه كلمة »لعيونك«. و«سامحنا عرفناك لما فقدناك«، كتبت على البالون الأبيض الكبير الذي أطلق فوق رؤوس المتظاهرين.

في الفسحة الصغيرة المواجهة للمنصة، تجلس سيدة على كرسي منحها إياه المعتصمون في الخيم. »سنشارك في كل تحرك للمعارضة، لأن هذا يتعلق بمستقبل أولادنا«، تقول. السيدة تخطت الأربعين من العمر، لن تقبل »المزيد من الذل، نحن عشنا الذل على مدى سنوات طويلة. سنبقى هنا حتى نعرف الحقيقة. ولو لم نكن هنا منذ البداية لما تحرك أحد منهم«، تضيف. »الحقيقة والاستقلال«، هما مطلب سيدة أخرى »كي نرتاح«. السيدة ليست أما لأي ولد، لكن »كل الشبان المتواجدين هنا كأولادي، جئت ادعمهم، وأعطيهم معنويات حتى يكملوا ما بدأوا به«.

السترات الحمر وكلمات: الحقيقة، لأجل لبنان، و05 انتفاضة الاستقلال، تنتشر بكثرة في المكان. فالمنظمون كثر، »اكثر من 1250 شابا من التيارات المعارضة كلها«، يقول عضو »الحزب التقدمي الاشتراكي« زياد شيا.

تقترب الساعة من الثالثة، ويصبح التحرك في المكان مستحيلا. يستقطب أربعة شبان مكبلي الأيدي ومكممي الأفواه انتباه الكاميرات الكثيرة، فيما تغص المنصة بحركة الفنانين الكثيرين في المكان، تمهيدا لصعود السياسيين.

يطير المنظمون الأعلام والبالونات الملونة والأقمشة الزرق، وينشغل المتظاهرون في الاستماع لكلمات السياسيين والرد عليها تبعا لمحتواها.

عند الثالثة ظهر أمس، شغل كثير من المتظاهرين في تأمين كميات من الهواء، خيل إليهم أنها اختفت بفعل الضغط الكثيف الذي أحدثه الزحام.

عند الثالثة ظهر امس، كان رفيق الحريري كعادته الجديدة مستلقيا على بعد خطوات قليلة من مناصريه، يسمع عريف الاحتفال وهو يطلب من المتظاهرين الصلاة عن روح الرئيس كل بحسب ديانته.

ثمة أوقات لا تصدق فيها أن رفيق الحريري لم يعد موجودا.

Tuesday, March 8, 2005

مسيرة من ساحة الشهداء إلى السان جورج

في بداية الأسبوع الرابع على اغتيال الحريري . مسيرة من ساحة الشهداء إلى السان جورج تطالب بالحقيقة وإقالة رؤساء الأجهزة والانسحاب السوري

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,606 كلمة)
تاريخ النشر 08 مارس 2005


على رغم مرور ثلاثة أسابيع على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن لا شيء في الساحة ينذر بضيق صدر ساكنيها الجدد. ساحة الشهداء، أو ساحة الحرية كما يطيب للمعتصمين الدائمين فيها تسميتها، لم تهدأ منذ 22 يوما، منذ الرابع عشر من شباط (فبراير) الماضي.

ففي اليوم التالي لكلام الأمين العام لـ«حزب الله« السيد حسن نصرالله، بعد اجتماع الأحزاب الموالية الذي أعلن فيه انطلاق سلسلة تحركات شعبية، وفي اليوم التالي لإصابة شاب من المعارضة برصاصة في منطقة الصيفي، بعد إشكال مع موالين لسورية، انطلق عشرات الآلاف من الشبان اللبنانيين المطالبين بكشف حقيقة جريمة اغتيال الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان، في تظاهرة إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت حيث ضريح الرئيس الشهيد ورفاقه.

عند الثانية عشرة والنصف ظهر أمس، لا شيء جديدا في الساحة. المتظاهرون أنفسهم، يحملون الأعلام اللبنانية ذاتها، ويطلقون بين حين وآخر هتافات معادية لسورية وللسلطة الموالية لها. طلاب بعض المدارس التي أقفلت أبوابها رسموا وحدهم الصورة الجديدة. »جئنا لقراءة الفاتحة على روح الرئيس«، يقول الصبي متقدما رفاقه الذين جاؤوا إلى المكان بلباسهم المدرسي الموحد. يحمل الصبي وردة بيضاء، ويسير في الصف تبعا لإشارة المعلمة منظمة التحرك. لا أحد من الأطفال يردد شيئا غير ما سمعه في وسائل الإعلام، أو على ألسنة الأهل عن رئيس »علم الشباب على نفقته«، و«عمر البلد«، أو »لا اعرفه، لكن المعلمة قالت يجب أن نأتي«.

طلاب المدارس والجامعات كانوا جزءا أصيلا من تظاهرة أمس، غير أن عدم إقفال الجامعات والمدارس رسميا، »اضطرنا إلى تأجيل الحضور حتى انتهاء الدوام«، يقول الشاب معللا تأخره عن الالتحاق برفاقه الذين توافدوا منذ الصباح.

»إذا الشعب يوما أراد الحياة/ فلا بد أن يستجيب القدر«، يرتفع الصوت عاليا. لكن عدد المتظاهرين الذي لم يتعد بضعة آلاف حتى تلك اللحظة، جعل النداء محليا. »أهلي لم يسمحوا لي بالمشاركة في التظاهرة، يخافون من وقوع إصابات أو حوادث مفتعلة«، تقول الطالبة في الجامعة اليسوعية.

لكن، هل تؤثر حادثة كتلك في تحرك المعارضين؟ »من المؤكد أن الحادثة أثرت سلبا في التحرك، من المؤكد أن كثيرين خافوا من القدوم اليوم«، يقول الشاب. تقاطعه فتاتان ترتديان سترات كتب عليها »فخورون بكوننا لبنانيين« بالإنكليزية. »كان لازم نحشد اكثر«، تقول الأولى وتضيف: »يجب ألا نخاف من أحداث مفتعلة، يجب أن نبقى إلى حين تنفيذ مطالبنا«. ترد الثانية: »لن نخاف من إطلاق النار، نحن باقون«.

تقترب عقارب الساعة من الواحدة إلا خمس دقائق، الوقت الذي حصلت فيه جريمة الاغتيال. »صار الوقت«، يخرج الصوت من المكبر. يقف الجميع مذهولا، كمن تلقى نبأ صاعقا. تنقضي دقيقة الصمت، كما في كل اثنين منذ يوم وقوع الجريمة، ويصدح النشيد الوطني اللبناني يواكبه الشبان بسواعدهم مرفوعة نحو الأعلى.

دقائق قليلة تمضي قبل أن يبدأ الشبان بالتوافد، بعدما أنهى كثيرون منهم دوامهم الدراسي. ويرتفع العدد إلى أضعاف أضعاف. »دعوا وطني يعيش، لبنان وطن واجب الوجود«، يرفعها شاب مقعد بإحدى يديه، محركا عجلة كرسيه باليد الأخرى في محاولة منه للحاق بالشبان الراكضين نحو الساحة.

»Zoom out« و«Just go out«، كتب على اللافتات الجديدة التي ترفع للمرة الأولى في المكان، تعليقا على خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي اتهم وسائل الإعلام بتضييق »زوم« الكاميرات لتضخيم عدد المتظاهرين.

ينطلق المتظاهرون في مسيرة إلى مكان وقوع الجريمة في محيط السان جورج، يحملون نعشا رمزيا، وصورا لقادة الأجهزة الأمنية الذين طالبوا باقالتهم من مناصبهم: النائب العام التمييزي بالأصالة عدنان عضوم، مدير عام الأمن العام اللواء الركن جميل السيد، مدير الاستخبارات في الجيش العميد ريمون عازار، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج، المدير العام لأمن الدولة اللواء ادوار منصور، وقائد الحرس الجمهوري العميد الركن مصطفى حمدان، كتب تحتها كلمتا »الحقيقة« و«ارحلوا« بالإنكليزية.

ويرافق ذلك عدد من الهتافات التلقائية: »بزوم وبلا زوم سورية ما إلها لزوم«.

تصريحات

وألقى عدد من النواب كلمات في المتظاهرين. وقال النائب أكرم شهيب: »لا تعنينا من الاستشارات النيابية التي ستحصل إلا مطالب المعارضة: الحقيقة أولا، إقالة المسؤولين الأمنيين ثانيا واتمام الانسحابات ثالثا، وإلا فنحن واياكم على هذه الدرب. نحن واياكم هنا في لبنان، سننتصر سننتصر، وسيرتفع هذا العلم وحده على كل القمم في لبنان«.

وقال النائب وليد عيدو: »اننا نعرف من قتل رفيق الحريري، نريد الحرية والسيادة والنظام الديموقراطي وكلها تبدأ بخطوة أولى هي إقالة قادة الأجهزة الأمنية وإذا ذهبت الاستخبارات السورية فليلحقوا معلميهم، لا نريد أن نراهم بعد اليوم«. وتحدث عيدو عن استدعاء 350 شابا في منطقة البقاع للتحقيق.

ورأت النائبة نائلة معوض أن الحقيقة معناها تحقيق دولي، مؤكدة عدم الثقة بقضاء »جعلوه إمارة مخابراتية«.

وأمل النائب بطرس حرب في أن يلبي المجلس الأعلى اللبناني - السوري طلب المعارضة استعادة الاستقلال، فـ«نحن لا نريد إلا استقلالنا، لا نريد إسرائيل ولا العدو ولا نريد أن نختلف مع بعضنا بعضا نحن نريد لبنان مستقلا، وهذا هو السبب الذي جمعنا«.

وأكد النائب غطاس خوري مواصلة التحرك حتى رحيل هذا النظام الأمني الفاسد، »الحقيقة أن هذه الأجهزة كلها متواطئة على دم الشهيد رفيق الحريري، والحقيقة الأخرى التي أريد قولها هي أننا لن نرحل من هنا، سواء كانت هناك تظاهرات على جانبنا أم تحتنا أم فوقنا أم أينما كان، لن نرحل من هنا قبل أن نعرف الحقيقة، وقبل أن يرحل هذا النظام الأمني الفاسد وعلى رأسه رؤساء أجهزة أمنية متواطئون وفاسدون عاثوا في البلد فسادا«.

وقال النائب بيار الجميل: »لا نريد سيادة سورية ولا أجنبية على أرض لبنان، بل نريد سيادة لبنانية فقط«.

وأوضح عضو كتلة قرار بيروت النائب جان اوغاسابيان أن »المقاومة هي خط احمر ونحن نتمسك بها«.

وأكدت النائبة غنوة جلول »مطلب تطبيق الطائف وانسحاب كامل القوات السورية ومخابراتها من لبنان«.

وتمنى امين سر حركة اليسار الديموقراطي الياس عطالله على الشباب أن يكون نفسهم طويلا »لأن المعركة ستكون طويلة ونحن كل ليلة على موعد معكم هنا«.

وألقى رئيس جمعية شباب المستقبل نادر النقيب كلمة المنظمات الشبابية، معتبرا أن »الشعب اللبناني هو الذي شرعن المقاومة، فليطمئنوا إلى أننا لن نتخلى عن ثوابتنا«.

وتكلم النائب السابق كميل زيادة باسم حركة التجدد الديموقراطي، مؤكدا أن اللبنانيين »بدأوا يتنشقون هواء الحرية والاستقلال محييا تحرك الشباب لتحقيق التغيير المنشود«.

وخاطب عميد الكتلة الوطنية كارلوس اده المتظاهرين قائلا: »إن تاريخ لبنان سيشكركم قريبا وسنحقق حلمنا بلبنان حر من هيمنة أجنبية وسورية. يجب أن نظل موحدين لبناء الوطن الذي نحلم به«.

وتكلم ادي أبي اللمع باسم »القوات اللبنانية«، موضحا أن القوات وقوى المعارضة »لن ترد على الاستفزازات وآخرها تعرض أحد مناصريها شربل غانم لاطلاق نار، بل ستتمسك بخيار الاعتراض السلمي الديموقراطي حتى تحقيق السيادة والاستقلال ومعرفة من اغتال الرئيس الحريري«.

وتحدث جبران باسيل باسم »التيار الوطني الحر«، داعيا إلى الانسحاب السوري الكامل، آملا في أن تجمع انتفاضة الاستقلال قريبا كل اللبنانيين.

وأعلنت جمعية »المقاصد الخيرية الإسلامية«، في بيان أمس، »أن جميع طلابها تجمعوا في ملاعب المدارس في بيروت والقرى, الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والخمسين وقرأوا الفاتحة عن روح الشهيد الرئيس رفيق الحريري، مشاركين رفاقهم الطلاب في مدارس مؤسسات الحريري التربوية وشقيقاتها بالإصرار على السرعة في جلاء الحقيقة المنشودة من الجمــيع«. وقررت الجمعية »إلغاء الاحتفالات في مرافقها حدادا على الشهيد الرئيس الحريري.

وقرر المعلمون في المقاصد زيارة ضريح الشهيد في يوم المعلم وفاء منهم لذكرى رجل العلم والتربية«.

Friday, March 4, 2005

تشييع عبدالحميد غلاييني

تشييع عبدالحميد غلاييني مناسبة للمطالبة بترحيل الاجهزة

منال أبو عبس
Al-Hayat (720 كلمة)
تاريخ النشر 04 مارس 2005



عند الثانية عشرة والنصف ظهر أمس، تخترق السيارة الكبيرة الحشود أمام منزل عبد الحميد غلاييني في عين المريسة. السيارة بيضاء مغطاة بإكليلي ورد وصور رجل ستيني وفي داخلها نعش يلفه علم لبنان وعليه عباءة وطربوش تراثيان.

شباك السيارة المفتوح يسمح للمشيعين بالنظر إلى النعش الذي يحمل الجثمان، فينظرون. منه أيضا تنبعث روائح مطهرات ومعقمات إلى المحيط القريب. ينطلق الموكب تتصدره السيارة التي تقل النعش وحيدا. مئات من المشيعين الراجلين وعشرات من السيارات يشكلون موكبا يجتاز المسافة القصيرة الفاصلة بين منزل غلاييني وجامع عين المريسة حيث يصلى على جثمانه.

دقائق قليلة يقضيها الموكب تحت الأمطار أمام الجامع قبل أن ينطلق بعبد الحميد في رحلته البحرية الأخيرة. يسلك الموكب الشارع الموازي لمكان الانفجار الذي أودى بحياة الفقيد، قاصدا ساحة الشهداء في وسط بيروت. الساحة حيث تمثال الشهداء صارت تعرف أيضا بساحة الحرية.

»من قتل عبد الحميد غلاييني. نريد الحقيقة كاملة« و«قبضة الأجهزة مطلوب تفكيكها وترحيلها« و«اغتيال. إهمال. إرهاب... المسؤول واحد«، »ارفعوا يد المافيا الأمنية عن الوطن« لافتات سود وأخرى بيض ترفع في المكان مطالبة المسؤولين بالكشف عن الحقيقة.

أمام مسجد محمد الأمين حيث ضريح الرئيس رفيق الحريري، يتوقف الموكب لدقائق. يسترق بعض المشيعين فسحة من الوقت، فيتلون الفاتحة على ضريح الحريري ورفاقه. أمام المسجد تقف امرأة بالأسود تنتحب وتتوعد المجرمين »الله يحرقهم في يوم الحساب«. المرأة نفسها وقفت طوال الأيام الثلاثة التالية لاغتيال الحريري، أمام قصر قريطم، تتوعد المجرمين أنفسهم بيوم الحساب.

نواب المعارضة الذين اعتادوا التواجد في ساحة الشهداء، يقفون في استقبال الموكب. يشبكون أيديهم ويسيرون بين الحشود التي تنطلق بالجثمان إلى مدافن الباشورة حيث يوارى في الثرى.

على درج المدفن تقف ابنتا غلاييني وزوجته والنائبة غنوة جلول لأداء الصلاة والدعاء عن روحه. ابنتا غلاييني صورة حية لما يعرف بالمرأة القوية في الأزمات. تردد الابنتان بصوت قوي لا يرتجف الدعاء والصلاة. وتعودان قبل الحشود إلى منزلهما ما أن يوضع الجثمان في مكانه الأخير.

وأكد النائب وليد عيدو أن الذي حدث في الأمس »يؤكد ويثبت إهمال الدولة التي كان من المستحسن إليها عدم التعليق على الموضوع، الأمر الذي يشير إلى رغبة بالتضليل والتمويه ونوع من محاولات تمييع التحقيق تحت حجج واهية«. وأضاف: »أن المحققين الدوليين سيكتشفون مدى حرية المحققين اللبنانيين وبالتالي سيتبين لهم في خلال التشريح وطريقة الوفاة، إضافة إلى الأدلة الأخرى، أي نوع من الجرم وربما أي نوع من اليورانيوم استعمل لقتل الرئيس الحريري«.

كما طالب عضو »اللقاء الديموقراطي« النائب فؤاد السعد »رئيس الجمهورية العماد اميل لحود بالاستقالة لإنهاء كل هذا المسلسل الذي بدأ بالتعديل الدستوري الذي فرض على الشعب اللبناني الأمر الذي سمح بالتمديد للرئيس لحود«.

واعتبر النائب ميشال فرعون أن »فضيحة اكتشاف جثة غلاييني تثبت ان المسؤولين في الدولة يخدمون مصالحهم فقط ودليل تلكؤهم«.

وقال النائب عبد الله فرحات إن »عائلة الشهيد غلاييني تستطيع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي بالتقصير بالمسؤولية الجزائية وبعدم الاستجابة لطلباتها القانونية التي تقدمت بها لأصحاب الرأي القانوني وبالتالي تستطيع المطالبة بمحاكمة المسؤولين«.

وتساءل النائب باسم يموت: »كيف يمكن لهذه القوى وعلى رغم النداءات المتكررة لعائلته ألا تجد جثة الفقيد المطمورة تحت الأنقاض كل الوقت؟«، مطالبا بفتح »تحقيق جانبي في هذا الإهمال وتحديد المسؤوليات وانزال العقاب بمن كان مسؤولا عنه«.

Thursday, March 3, 2005

عائلة الغلاييني تعثر على جثته في مكان الانفجار

عائلة الغلاييني تعثر على جثته في مكان الانفجار « لو كان ابن أحد المسؤولين هل كانوا تركوه ؟ »

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,315 كلمة)
تاريخ النشر 03 مارس 2005



في 14 شباط (فبراير) الماضي خرج عبدالحميد غلاييني من منزله قاصدا الكورنيش البحري في منطقة عين المريسة. وفي 2 آذار الجاري وجد عبدالحميد جثة هامدة تحت عشر سنتيميترات من الركام في مكان الانفجار الذي استهدف الرئيس رفيق الحريري. لكن، كيف كانت صورة المكان، لحظة اكتشف أن غلاييني قضى أيامه ألـ 16 الماضية تحت الأنقاض؟

عند التاسعة صباح أمس، شرعت عائلة الفقيد في تنفيذ مخطط اتخذ في اعتصام اليوم السابق. حشدوتالأنصار والأصدقاء، وقررت التصرف بتلقائية، بعدما جبهت نداءاتها بأبواب المسؤولين المقفلة. استدعى أفرادها عددا من متطوعي الدفاع المدني، ولم تردعهم أوامر القوى الأمنية بالتراجع وعدم العبث بالأدلة الجنائية. »كان خالي يتحدث مع الضابط المسؤول عن المنطقة وفجأة وجد ذبابا يحوم حول أحد الأماكن«، تقول ابنة الفقيد. وتضيف: »لم يسمح لنا بدخول المنطقة حتى العاشرة والنصف، وعملنا على رفع التراب على عمق عشرة سنتيمترات فقط، ووجدنا الجثة من دون أي اثر للدم«.

السان جورج

يقف الشاب مذهولا في مواجهة الكاميرا. يرتجف، فيرفع يديه عاليا ليضرب وجهه من هول الصدمة. »لحود لازم يستقيل«، يقول، فلا يردعه أحد. يتوعد قاضي التحقيق »أبو عراج رح نفرجيه«. في الجانب الآخر للكاميرا يقف رجل آخر. الرجل لا يبدو من أقارب الفقيد، لكنه يحتضن الشاب طالبا منه »فش خلقك«. تلقى الكلمة صداها في صدور الأقارب والأصدقاء الذين يرجعون إلى أنفسهم الفضل في اكتشاف الجثة، وإلا »كان بقي شهورا عدة تحت الأنقاض«.

الجثة التي عثرت عليها العائلة، ليست مشوهة. »لو جرى البحث عنها بعد ساعة من وقوع الانفجار، لكان حيا يرزق«، تقول سيدة. ولكن، ما الذي عرقل مهمة البحث عنها؟ »للأسف ما عنا دولة« و«الإنسان ارخص ما في هذا البلد بنظر المسؤولين« و«يتقاعسون عن القيام بواجباتهم، لطمس الأدلة الجنائية«، تكون جواب الكثيرين الشافي. وفي أحيان أخرى، »لأنه ليس ابن أحد المسؤولين في السلطة«، تقول السيدة مخاطبة: »يا لحود لو كان ابنك أو والدك، هل كنت لتنتظر عشرين يوما للبحث عنه؟«. عشر دقائق كانت الفاصلة بين دخول العائلة إلى مكان وقوع الانفجار، وخروج سيارة الإسعاف حاملة الجثة إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.

تشق السيارة طريقها بين الحشود، فتمر بجانب لافتة »وينك يا بابا« المرفوعة منذ اليوم السابق.

تطغى رائحة الجثة المتآكلة على رواق المستشفى. الملابس أمكن تمييزها من الزوجة، وان غدت مهترئة. اليد اليمنى للفقيد مرفوعة الخنصر، »ربما لم يقو على التنفس لوقت طويل، فرفع اصبعه لشهادة أن لا اله إلا الله، بعدما أحس باقتراب اجله«، تقول الابنة. اليد الأخرى للفقيد سحب منها الهاتف الذي لازمه طيلة الفترة التي قضاها تحت الأنقاض.

وفور وصوله الى المستشفى، اعتبر عضو »كتلة قرار بيروت« النائب وليد عيدو ان »هذا الامر يجعل الانسان امام هذا النوع من التحقيق، هذا النوع من الاجرام الاضافي. الاجرام الاول وقع عندما حصل الانفجار والاجرام الاضافي وقع عندما عجزت كل الاجهزة ورجال الدولة ان يكتشفوا جثة مكشوفة تحت السيارة بعد اسبوع وان تكتشف جثة بواسطة الاهل بازاحة حجر بسيط بعد 16 يوما«. ثم تدخل احد العمال السوريين، فاشار الى استمرار اختفاء ثلاثة عمال سوريين منذ الحادثة، مضيفا الى ان اثنين منهم وجدا في براد مستشفى الجامعة الاميركية، محمد صالح الخلف ومحمود حمد المحمد وسيتم اليوم تسليم جثتيهما فيما يبقى الثالث فرحان احمد العيس من منطقة دير الزور مفقودا.

ورجح تقرير الطبيبية الشرعيين سامي القواس وعبد الرحمن الحوت، نظرا الى طبيعة الاصابات، ان تكون الوفاة حصلت فور وقوع الانفجار.

وزار نجلا الرئيس الحريري بهاء الدين وسعد الدين منزل عائلة غلاييني للتعزية، مبديين استعدادهما للوقوف الى جانب آل غلاييني.

وقال بهاء الدين بعد التعزية: »نريد الحقيقة«.

ردود فعل

ورأى النائب عاطف مجدلاني وجوب »استقالة جميع رؤساء الأجهزة الأمنية أو لإقالتهم ومحاكمتهم لكي لا تذهب دماء الشهداء الأبرار هدرا، وتشكل لجنة تحقيق دولية تقوم بكامل التحقيقات الضرورية وبكامل الصلاحيات لكشف الحقيقة التي تخفيها السلطة بطمسها للحقائق والقرائن«.

واصدر النائب غسان مخيبر بيانا، اعتبر فيه أن »ظروف وفاة المرحومين غلاييني وزاهي أبو رجيلي وظروف اكتشاف جثتيهما، تشكل جريمة كبيرة ثانية بالتقصير والإهمال وسوء التعامل«.

وزار نواب بيروت: غنوة جلول، ومحمد قباني ووليد عيدو اهل الفقيد غلاييني. وقالت النائبة جلول: انها فاجعة كبيرة ان تصبح القطط والذباب كفية اكثر من اجهزة الدولة الامنية والقضائية. ان الذي يحدث امر مخز جدا اذ وصلنا الى اقصى درجات الاهمال والتقصير والتخاذل وقلة الضمير وضعف المسؤولية«. وقال قباني: »من الواضح ان هذه السلطة ليست فقط مستهترة بل هي سلطة مجرمة بكل معنى الكلمة بعدد من رموزها واجهزتها. ان كل الجريمة هي موضــع شك بالنسـبة الينا حول تصرف السلطة اذ كيف يمكن ان تكتشف هذه الجثة بعد 17 يوما وبتدخل من اهل الشـــهيد. فأين السلطة والقضاء وقوى الامن والمحققون والدفــاع المدني الذي اتى الى موقع الجريمة فورا؟ ولماذا رفعت سيارات موكب الرئيس الحريري؟«، سائلا: »من كان يقوم بالاشغال في هذا الموقع ولماذا اغلقت الطـــريق قبل الجريمة بساعات، فمن يستطيع اغلاقها؟«.

واعتبر النائب هنري حلو ان العثور على جثة غلاييني هو »ام الفضائح لهذه السلطة وأجهزتها من خلال طمس معالم الجريمة النكراء«.

كما رأى النائب مروان حمادة ان الاعلان عن اكتشاف جثة عبدالحميد غلاييني فضيحة جديدة في ملف الاجهزة الامنية ويؤكد ضرورة رحيل رؤسائها.

وصدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ? شعبة العلاقات العامة البلاغ الآتي: على اثر وقوع الحادث الأليم الذي أدى إلى استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، اتخذت الإجراءات اللازمة لإخلاء المصابين وإخماد الحرائق بالتعاون مع الدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت، والمباشرة بمسح مكان الجريمة بحثا عن مفقودين واستخدام الكلاب البوليسية في مكان الانفجار والأماكن المحيطة به، بطريقة لا يعبث من خلالها بمسرح الجريمة، ثم صدور استنابات قضائية من جانب قاضي التحقيق وتكليف العميد ناجي ملاعب مساعد قائد شرطة بيروت ومساعدين له القيام بالتحقيق.

ونظرا للتشكيك في صحة التحقيق منذ اليوم الأول وما رافقه من مطالبة بإجراء تحقيق دولي وتكليف خبراء دوليين والإعلان عن تشكيل لجنة من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، فضلا عن طلب القضاء المختص إبقاء مسرح الجريمة على حاله وعدم تغيير معالمه خوفا من العبث به وضياع الأدلة أمام الخبراء الدوليين، وبتاريخ اليوم، وبعد موافقة القضاء المختص وعلى اثر انتهاء لجنة التقصي الدولية التابعة للأمم المتحدة في إجراء الكشف والمشاهدات، وبحضورها، تمت المباشرة بعملية رفع الركام والأنقاض القريبة من مكان الانفجار والمبنى المقابل لفندق السان جورج، حيث عثر على جثة المواطن محمد غلاييني تحت الركام وتم انتشالها«.

Wednesday, March 2, 2005

ساحة الشهداء أكثر هدوءا

ساحة الشهداء أكثر هدوءا بعد تحقق « المطلب الأول »

منال أبو عبس
Al-Hayat (410 كلمة)
تاريخ النشر 02 مارس 2005

وفي الصباح التالي لاستقالة الحكومة، لم يتغير المشهد في الساحة المقابلة لمسجد محمد الأمين في وسط بيروت كثيرا. شبان وشابات يرفعون أعلام لبنان ويطلقون الهتافات المطالبة بكـــشف حقيقة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وآخرون يستلقون في الخيم الكثيرة الموزعة في الباحة الداخلية لتمثال الشهداء. لم تهدأ الخيم الملونة تبعا لهوية حزب القابعين داخلها، منذ اللحظة التي نصبت فيها بعد وقوع عملية الاغتيال بأيام قليلة.

عدد الشبان المعتصمين تقلص كثيرا عما كان عليه في الأيام السابقة، حتى الهتافات المعادية للحكومة ولسورية في شكل عام، استبدلت بأخرى تلائم الوضـــع الراهن. فالحكومة سقطت، مزيحة من درب المعتصمين هــتافات كثيرة »حققت جدواها«، كما يقول أحد المعتصمين. وصيحات التهدئة ونداءات نواب المعارضة (أبرزهم رئيس »اللقاء الديموقراطي« وليد جنبلاط) المطالبة بتحاشي الهتافات العنصرية ضد سورية، نالت مرادها إلى حد ملحوظ في المكان. يرتفع صوت الأغاني الوطنية والثورية من المكبرات الموزعة في الأرجاء، ويرفرف العلم اللبناني وبضعة أعلام لمحطة »أم تي في« المقفلة عاليا فوق الرؤوس.

صدى استقالة الحكومة ما زال يسيطر على المنطقة المحيطة بساحة الشهداء، حــــيث »لا حديث سوى تحقق المطلب الأول على جدول مطالب المعارضة الكـــثيرة«. نشوة النصر التي تجسدت زحمة سير خانقة في شوارع بيروت ليل أول من أمس، استمرت وان بوتيرة اقل حتى اليوم التالي. تجول السيارات الشوارع رافعة صور زعيم حزب صاحبها المعارض حتما، وفي أحيان أخرى علم لبنان وصور الرئيس الشهيد.

في الباحة الداخلية للمسجد لم يتغير شيء يذكر. سمات الذهول وعدم التصديق ما زالت ترتسم على وجوه كثير من الزائـــرين. فـ«من الصعب تصديق أن رفيق الحريري لم يعد موجودا على الساحة السياسية«، تقول سيدة تزور الضريح للمرة الأولى. السيدة قدمت من الجنوب خصيصا لتلاوة الصلاة عن روح الفقيد، قبل أن تتوجه إلى كنيسة مارجرجس المجاورة كعادتها في كل زيارة للعاصمة.

يغطى ضريح الحريري للمرة الأولى بالعلم اللبناني محاطا بأكاليل ورد كثيرة، يحمل أحدها اسم وزيرة الثقافة الفنلندية. ويتضارب صوت تلاوة القرآن في المسجد مع صوت الأغاني الوطنية في الجوار.

Tuesday, March 1, 2005

... فكانت تظاهرتهم الأولى

خلف الشهيد مشى شباب مختلفون ... فكانت تظاهرتهم الأولى

منال أبو عبس
Al-Hayat (754 كلمة)
تاريخ النشر 01 مارس 2005

في 14 شباط (فبراير) الفائت، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. الاغتيال كلمة تتفاعل في قاموس السياسة اللبنانية منذ سنوات الحرب الأهلية. لكن صورة شوارع بيروت في الأيام التالية لعملية الاغتيال لم تكن تشبه مثيلاتها السابقة. فتيات يتبعن آخر صيحات الموضة: شعر مصبوغ بعناية، نظارات شمسية من ماركات عالمية، أحذية عالية الكعب، يسرن جنبا إلى جنب مع شبان ببذلات رسمية أنيقة، وشعر مصفف بعناية ونظارات في تظاهرات منظمة.

الاضطراب المسيطر على الشوارع بعد الحريري كان منظما. التظاهرات التي انطلقت من أمكنة متفرقة كانت منظمة بدورها. لكن الصورة لم تكن عادية. لم تكن مرآة لتظاهرات اعتادتها الشوارع. تظاهرات تندد وتطالب وتستنكر وتدين. الأصوات لم تكن نفسها، فالأشخاص حتما مختلفون.

الأسود الذي يغطي الشوارع ويزين المارة، كان مختلفا هذه المرة. »أسود عالم الـAUB«، يقول الشاب. الجامعة الأميركية في بيروت من أهم الجامعات الخاصة في لبنان. طلابها لا يشبهون كثيرا (ظاهرا على الأقل) زملاءهم في الجامعات الأخرى، وبخاصة اللبنانية.

في التظاهرة العفوية التي نظمت لتشييع الرئيس الحريري وتلك التي لحقتها، سار طلاب ألـLAU (اللبنانية الأميركية) واليسوعية والبلمند والأميركية واللبنانية وسواها بعضهم الى جانب بعضهم. فكانت الصورة مختلفة.

ينتمي عدد كبير من طلاب الجامعات الخاصة في لبنان إلى جمعيات غير سياسية. »استشهاد رفيق الحريري ليس شأن السياسيين وحدهم، السياسيون لا يحق لهم الكلام. الحريري كان إنسانيا في الدرجة الأولى«، تقول دانة التي تشارك في تظاهرتها الأولى. لا يكسر حدة اللون الأسود الذي يغطي الشابة من رأسها حتى قدميها إلا المنديل الأبيض الذي تلفه على الرقبة. الحذاء الجلدي العالي الكعب واللباس الرسمي يؤكدان أن صاحبتهما لا تجيد طقوس التظاهر. ترفع صورة الحريري إلى مستوى صدرها، حتى »يعرف العالم انه غال علينا، ولازم نعرف مين عملها (الجريمة)«.

التيار الوطني الحر والقاعدة الكتائبية والقوات اللبنانية والحزب الشيوعي والاشتراكيون واليسار الديموقراطي (اخيرا) مثلوا على مدى فترات طويلة أحزاب المعارضة. احتل طلاب هذه الأحزاب الشوارع مطالبين برغيف الخبز (العدة في هذه الحالة: طنجرة فارغة يطرقون عليها بملعقة حديد كبيرة ورغيف خبز يابس يفترشون الأرض قبالته)، أو بخروج الجيش السوري (العدة: صورة بائع كعك يعمل جاسوسا في الاستخبارات السورية، أو رجل متنكر بزي أسامة بن لادن وعلى صدره لافتة كتب عليها سورية إرهابية)، أو بأي مطلب آني آخر، كالاعتراض على منع الناقلات العاملة على المازوت في لبنان أو رفض الحرب على العراق. احتل طلاب الأحزاب المذكورة الشوارع في فترات سابقة، فباتت أشكالهم مألوفة: جينز وكنزة (مخصصة للتظاهر وما فيه من مياه ووحول) وعصبة الرأس والعلم وصورة القائد.

من نراهم اليوم في الشوارع لا يشبهون أيا من هؤلاء. ينتمون إلى تيارات قلما تهتم بالسياسة المحلية. خليط متنوع من جمعيات ثقافية ومدنية وبيئية، وبعض أفراد يهتمون بحقوق الحيوان. ذلك الخليط لم يسجل يوما على المعارضة اللبنانية، وان كانت التظاهرات الأخيرة ألصقت بهم هذه الصفة.

»طروحــــــات المعارضـــــــة لا تناسبني، لأن قادتها أمراء حرب في غالبيتهم«، تقول لينا متذمرة من الطابع الذي وسم به المتظاهرون. لكن ذلك لا يعني أنها »من جماعة السلطة«، لأن بحسب رأيها »السلطة الراهنة لا تمثل إلا أشخاصا قليلي النفوذ، يجاهرون بولائهم للأجهزة السورية«. انتسبت لينا إلى جمعية »شباب المستقبل« (التي خرجت إلى دائرة الضوء بعد وفاة مؤسسها رفيق الحريري) في سنوات دراستها الأولى، ثم غادرت إلى جمعية أهلية تهتم بالمعوقين.

ما يغطي شوارع بيروت جديد. الشابات والشبان الذين ساروا في التظاهرات، هتفوا بشعارات سياسية وليدة اللحظة. ما كان يجري على مرأى من العالم لم يكن خيالا. لم نكن نهذي ونحن ننظر إلى شبان من طبقات أقيم ضدها الكثير من التظاهرات. لم نكن نهذي ونحن ننظر إلى شابة أجرت اكثر من عملية تجميل، تسير بصعوبة وسط حشود غاضبة، تصــــرخ وتطالب وتنــــدد. لم تكـــن خيــــالا تلك الوردة الحمراء التي رفعـــــت في التظاهرة، ولا تلك الأعين الجميلة التي تورمت من كثرة البكاء.

الحشد لا يكل من ترداد الشعارات

كثر ناموا على الأرض حتى لا تفوتهم المشاركة . ساحة الاعتصام : الحشد لا يكل من ترداد الشعارات

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,006 كلمة)
تاريخ النشر 01 مارس 2005

يشبه مظهر الشبان الممددين على الأرض في محيط ضريح الرئيس رفيق الحريري، مظهر العاملين في ورش البناء. يسند عدد منهم رؤوسهم على حقائب جهزوها منذ اليوم السابق، ولا يقوون على رفع جفونهم ولو قليلا، لملاحظة نور الشمس الذي بدأ اختراق ظلمة وسط بيروت.

الساعة الآن الخامسة فجرا. بعض النواب يتوافدون إلى المكان. والمعتصمون ضد الوجود السوري في لبنان وسياسة الحكومة اللبنانية منقسمون بين حامل للعلم ومردد لهتافات معادية لسورية وللحكومة اللبنانية، وبين آخر أتعبه السهر الطويل، فافترش الأرض عله يستفيد من بضع ساعات تشحذ قواه استعدادا لليوم المنشود.

»هل نستطيع أن نكون جيران أحباء. طبقوا الطائف الآن«، تقول اللافتة التي ترفعها الشابة في مقابل تمثال الشهداء. الشابة واحدة من كثيرات وكثيرين اختاروا البقاء في ساحة الاعتصام، »لأن وزير الداخلية منع التظاهر، وقالوا لنا أن الدخول إلى هذه المنطقة سيمنع منذ الخامسة فجرا«. قرار المنع تبلغه المتظاهرون مساء أول من أمس، لكن ذلك لم يدفعهم إلى التراجع، بل إلى اتخاذ خطوات احترازية. »بداية ابلغنا أن منع التجول سيبدأ منذ الثامنة مساء، ثم نقلوا الموعد إلى العاشرة، وأخيرا استقر الرأي على الخامسة فجرا«، يقول أحد الذين اختار قضاء الليل هنا تحسبا لأي طارئ إلى جانب »كثيرين لن تقوى الإجراءات القمعية على منعهم من المطالبة بحقهم والتعبير عن آرائهم«.

النائب نائلة معوض وغيرها من نواب المعارضة حضروا إلى الساحة ذلك المساء. خطبوا في الحشود المتجمهرة. وأكدوا أن »ما من شيء سيمنعنا من المشاركة غدا«، مخاطبين الشبان والشابات: »من يستطيع قضاء الليل هنا فليبق، ومن لا يستطيع فليذهب شرط أن يعود عند الرابعة فجرا للمشاركة في التظاهرة«. تخاطب النائب معوض الحشود بانفعال امرأة سقط زوجها شهيدا قبل أعوام عدة، في عملية اغتيال مشابهة لعملية اغتيال الحريري. تقف على ما يشبه خشبة المسرح. وتطلق تساؤلات يرد عليها الواقفون بهتاف موحد: »من قتل الرئيس رينيه معوض؟«، فيجيب الشبان: »سورية«. تتوالى التسميات من بشير الجميل إلى المفتي حسن خالد وصولا إلى الحريري، والإجابة دائما: »سورية«. وحده سؤال »من قتل رشيد كرامي؟«، يوقع الحشود في حالة ضياع، فالمحكوم عليه في مقتل الرئيس كرامي (سمير جعجع) لا يدخل في جدول المغضوب عليهم (سورية والسلطة اللبنانية) حاليا... لكن، حتى ذلك لم يمنع بعض الأصوات من الهتاف: »سورية، شو هي وقفت ع كرامي«، في حين اختار آخرون صمت المرتبكين.

لم يقض النواب وقتا طويلا مع المعتصمين، انصرفوا قبل الثامنة مساء، موعد »نشرة الأخبار الأخيرة قبل الاستقلال«، كما يقول أحد منظمي التظاهرة. فيما انصرفت زوجة النائب وليد جنبلاط إلى جانب مسؤولي المنظمات الشبابية الأخرى لتوزع زجاجات المياه المعدنية على الشبان الذين تعذر خروجهم من المكان.

عند السادسة صباح أمس، كانت الصورة اعتيادية. عناصر الجيش يقفلون كل المحاور المؤدية إلى وسط بيروت، ما عدا ذلك الممتد من الصيفي- المرفأ حيث يسهل مرور المتظاهرين. فيما تشتد التعزيزات الأمنية بالقرب من محيط مجلس النواب. وفي الداخل تتلو النائب بهية الحريري سورا من القرآن على رأس ضريح شقيقها الشهيد. يملأ المتظاهرون المكان منذ الصباح، والتسهيلات الأمنية تسمح بازدياد عددهم. ومنهم أولئك الذين لم يقووا على مغادرة أكياس النوم، فاستلقوا إلى جانب قاذورات الليلة السابقة، بانتظار لحظة الصفر.

ينضم الوافدون الجدد إلى القدماء، وتنطلق الهتافات التي لم تخفت منذ أيام كثيرة: »إيه ويللا. سورية تطلع برا« و«بدنا نقول الحقيقة. سورية ما منطيقا«. تغيب عن المكان الأعلام الحزبية، ليحل مكانها علم لبنان، وآخر كتب عليه »نحو الحرية«. وتخفت الأناشيد الحزبية في شكل عام، لتسمع في تجمعات صغيرة منفصلة: »بالروح بالدم نفديك يا وليد«، »نحنا رجالك يا شمعون«. غير ان المتظاهرين لا ينسون الهدف المشترك، فتنطلق هتافات: »سوري مية بالمية. سليمان بيك فرنجية«، وأخرى تشتم الحكومة.

تصرف الأمنيين كان حضاريا، فالتسهيلات التي قدمها الجيش إلى المتظاهرين، لا يمكن التغاضي عنها. »في أيام الوزير السابق ما كنا لنحلم بالتظاهر بعد صدور قرار بالمنع«، يقول الشاب من دون أن يقبل الإشادة بحضارية وزير الداخلية الحالي.

يجذب صوت النواب المنطلق من مكبرات الصوت الموزعة في المكان انتباه المعتصمين. وينصت المتظاهرون إلى ما يدور على بعد أمتار منهم. »تصحيح العلاقات مع سورية« و«علاقتنا المميزة مع الشقيقة سورية«، يقول الرئيس عمر كرامي، فتنهال عليه الشتائم من كل حدب وصوب. وتنطلق هتافات »ايه يللا حكومة اطلعي برا«.

النائب بهية الحريري تكون التالية. »اللبنانيون يريدون معرفة عدوهم«، تكون بمثابة الشفرة التي تتلفظ بها النائب فيعلو الصراخ والتصفيق الذي يبلغ مداه مع: »ليصوت المجلس ضد الحكومة« و«فلتسقط الحكومة«.

النائب مروان حمادة يحتل مكانة متميزة في قلوب المتظاهرين هنا، إذ كاد الهتاف لا يتوقف منذ لحظة مباشرته الكلام. »أرى فراغا«، يقول حمادة قاصدا الحكومة، فيؤيده المتظاهرون. »هم الموتى الحقيقيون« و«سنجرهم إلى المحاكم« و«الحكومة ساقطة أصلا«، يضيف.

يعرف المتظاهرون أن مطالبهم لن تنتهي بانتهاء النهار، فيقرر بعضهم الخروج من المكان قليلا على أمل العودة في وقت لاحق. يصدح صوت مارسيل خليفة من جسر فؤاد شهاب المطل على منطقة وسط بيروت منذ أمسيات قليلة سابقة. يغطي الصوت المنطقة بأسرها: »منتصب القامة امشي. مرفوع الهامة امشي. في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي. وأنا أمشي«. مارسيل خليفة نفسه كان يغني لهم ليل أمس، »تصبحون على وطن، من سحاب ومن شجر«.