Tuesday, December 21, 2004

خدمة العلم إلى نصف مدتها الأصلية

خدمة العلم إلى نصف مدتها الأصلية . والشباب اللبنانيون إلى مزيد من الرفض

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,440 كلمة)
تاريخ النشر 21 ديسمبر 2004




« ابني استفاد كثيرا من الخدمة العسكرية الإلزامية. صار أكثر انتظاما وتدبيرا في تصرفاته »، تقول هدى قبل أن تتابع: »كان يحب ابنة الجيران سيئة السمعة، لكنها تزوجت مع دخوله إلى الخدمة«. تقول هدى هذه العبارة، كما لو أنها أحلى هدية تلقتها في حياتها. فخدمة العلم وحدها تفوقت على جهود الوالدة الجبارة، وكانت القدر الذي فسخ علاقة ابنها مع ابنة الجيران. والآن، لا تولي الوالدة إهتماما لمسألة مدة الخدمة، طالما أن ابنها »المستهتر تحول بين ليلة وضحاها إلى شاب يحسب حساب القرش. ويفكر في المستقبل«.

كلام هدى جاء قبل أربعة أعوام من الآن، وتحديدا قبل انتخابات العام 2000. آنذاك، قدم النائب مصباح الأحدب اقتراحا يقضي بتعديل التجنيد الإجباري في لبنان، »نظرا لآثاره السلبية على كل من الشاب اللبناني وخزينة الدولة«. وآنذاك أيضا، اتهم النائب بالخيانة، »لطرحه مسألة حساسة تمس الأمن، فيما البلد في حال حرب مع إسرائيل«. بعد أشهر عدة يلتحق ابن هدى الثاني في »الجندية«، لكنها تبدو اليوم اكثر سعادة، فما الذي تغير بين اليوم والأمس؟

في 9 كانون الأول (ديسمبر) 2004، أقر مجلس الوزراء اللبناني، آخر تعديلاته على قانون خدمة العلم. وبموجب التعديل، الذي يفترض ان يقره مجلس النواب، خفضت مدة الخدمة العسكرية للمجندين، إلى ستة اشهر بدلا من سنة. وفتح مجال تمديد الخدمة للراغبين، لمدة لا تزيد على خمس سنوات. أعفي من الخدمة الشقيق الوحيد لمفقود. وتبدلت مادة إلغاء الإعفاء للمقيم في الخارج لمدة خمس سنوات، ليشمل مواليد العام 1987 وما بعد.

الشباب هم المستهدف الأول في هذا المشروع، معدلا أم غير معدل. غير أن آراءهم كثيرا ما همشت، واستعيض عنها بآراء السياسيين وتقديراتهم الخاضعة لمتطلبات انتخابية في الغالب. ما هو رأي الشباب في مشروع يستهلك ستة أشهر من حياتهم، تاركا فيها أثرا، قد يصعب محوه؟ وما هو موقف المجندين السابقين، من تعديل لم يستفيدوا من أي من بنوده؟

»نكاية« بالانصهار الوطني!

»أي جيش نريد؟«، سؤال يستحضره المعترضون على التعديل الأخير، مطالبين بإلغاء خدمة العلم كليا. ينطلقون في حججهم، من عدد العسكريين الذي يقارب المئة ألف (جيش، درك، قوى أمن، أمن عام...)، توفر خدمة العلم عشرين ألفا منهم، ليثبتوا وجهة نظرهم. »يوفر لبنان عسكريا لكل 35 مواطنا مقيما«، يقول رامي ساخرا من رفاهية الأمان التي يوفرها البلد لأبنائه.

تبلغ مساحة لبنان الإجمالية 10452 كيلومترا مربعا. »جيش لبنان النظامي غير قادر على شن حرب عسكرية أو الدخول في واحدة. ألا يكفي أربعون ألف عسكري المتطلبات العادية للمؤسسة العسكرية، لضبط الشؤون الداخلية وقمع التظاهرات؟« يسأل شاب. »العدد لم يعد مهما في جيوش العالم، بخاصة بعد بروز مصطلح الجيوش التقنية«، يقول النائب مصباح الأحدب الذي كان يحاضر أمام عشرات الطلاب..

معارضو خدمة العلم كثر، لكل منهم سبب واحد على الأقل يدفعه إلى رفض هدر أشهر كثيرة من شبابه. »الدخل العائلي«، يدفع سامر إلى تأجيل الالتحاق بالخدمة، بشتى السبل. سامر هو الثاني في الترتيب العائلي. أخته الكبرى متزوجة، فيما الصغير ما زال في المدرسة. والد سامر يعمل ناطورا في أحد الأبنية، ما يدفع الابن إلى العمل في محل ثياب ليساهم في إعالة الأسرة. يؤمن سامر بالانصهار الوطني وبأن خدمة الوطن واجبة، »لكن ليس في ظل ظروف مشابهة لظروفه«.

ظروف فادي ليست مشابهة أبدا لظروف سامر، لكنه يرفض التجنيد »نكاية بالانصهار الوطني. بتلك الآلة السحرية التي ندخلها مختلفين، ونخرج نسخة واحدة متكررة«، كما يقول.

الانصهار الوطني يتم في أشكال كثيرة غير التجنيد، وفي مجتمعات غير مفرزة مناطقيا وطائفيا. يمكن أن تحمل العبارة السابقة اكثر من تأويل، لكن ما قصده فادي هو أن »مؤسسات الدولة التي يتوجه إليها المجند بعد الخدمة، تفكك ما يمكن صهره خلال عقود... أما الوسائل، فأقلها الواسطة، والمحاصصة الطائفية في توزيع وظائف الدولة«. وينتقد فادي المفاهيم المختلفة للوطن، التي »تنتج من غياب التربية المدنية في المدارس«، فتفرز »مفاهيم مختلفة للوطن يختفي فيها أي إحساس بالانتماء«.

»ستة أشهر مثل السنة«، عبارة تمثل حجة رامي الذي يرفض ترك الجامعة لخدمة العلم. ويتنقل رامي منذ ست سنوات بين جامعة وأخرى، »لا رغبة في العلم، إنما رغبة في التأجيل«، ريثما يستكمل أوراق هجرته إلى كندا. رامي هو واحد من مئات الشبان الذين يفضلون »تضييع الوقت في الجامعة، على تضييعه في الخدمة«.

تواصل اجتماعي!

يبدو فؤاد اكثر اهتماما بالمصلحة المالية للبلاد، وبصورة اكثر تحديدا بنفقات الخزينة. »الخدمة حاجة لوجستية وأمنية للجيش. إلغاؤها يستتبع فتح باب التطوع، ما يؤدي إلى زيادة الأعباء على الدولة«، يقول.

من جهته، يثمن جاد التواصل الاجتماعي الذي تزكيه الخدمة. هو لم يجد فيها أي عائق، بل »فرصة لكي نتعرف الى المؤسسة العسكرية«. جاد أنهى خدمته الإلزامية العام الماضي، وقد تكون بطالته القسرية التي عاشها لأكثر من عامين، دفعته إلى الاستفادة القصوى من السنة التي أمضاها في الخدمة: »عرفتني الى عادات أهالي المناطق وتقاليدهم. وعرفتني الى شباب من جميع الطوائف اللبنانية«. أخ جاد الأصغر في السنة الجامعية الثانية، لا يوفر وسيلة لتأجيل الالتحاق، »لأن السنة التي تضيع في الخدمة، يمكن استغلالها في التدريب العملي«. وهو يفضل أن تبقى »الخدمة على ما هي عليه لكن بتسوية أوضاع الطلاب الذين يتابعون علومهم في الداخل والخارج. على أن يعفوا من الخدمة عند انتهاء تحصيلهم العلمي لكي يعودوا إلى بلدهم الذي ولدوا فيه، من اجل إعادة اعمار اقتصاده واسترداد حيويته«.

وبيتعدل!

»مجندو السنة« و»مجندو الستة أشهر«، مصطلحان سيميزان الشباب اللبناني، من الآن فصاعدا، وفقا لمدة خدمة كل منهم.

»ما حدا أحسن من حدا«، »المهم مصلحتي ومن بعدي الطوفان«، »ناس بسمنة وناس بزيت«، وغيرها كثير من تعليقات تعكس مرارة شبان كثيرين أضاعت الخدمة سنة من حياتهم. هؤلاء لن ينسوا أبدا انهم خضعوا »إلى مزاجية السلطة«، كما يقول هادي. »من المدهش في لبنان، كيف يتحول ما يقال انه مصلحة وطنية عليا اليوم، إلى مسألة قابلة للبحث وإعادة النظر فيها«، يضيف.

لكن، ماذا يمكن أن تفعل الدولة، للتخفيف من إحساس مجندي »السنة« بالمرارة؟

»وحده التعويض المادي، يشعرنا بأن المسؤولين قد التفتوا إلى وضعنا«، يجيب رائف، مؤكدا أن »ما من شي يعوضني عن عملي الذي فقدته بسبب التجنيد«.

»مجندو الستة اشهر«، هم العنصر الوحيد الذي لم يعرف القارئ رأيهم حتى اللحظة. هل يشعرون بالرضى التام عن المشروع؟

»ليس ثمة فارق جوهري بين الستة أشهر والسنة«، يقول وليد. هو يعرف انه ما أن يلتحق في »العسكرية« حتى يفقد وظيفته، لينضم بعد ستة اشهر إلى صفوف رفاقه العاطلين عن العمل. لكن حتى هذا الخطر المتوقع، لن يمنع وليد من الالتحاق في الدورة المقبلة.

في ملعب »جامعة بيروت العربية«، يعلن ماهر انه اكتشف الحل السحري لمشكلته: ينتسب إلى كلية العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، ومن بعدها إلى الحقوق أو الآداب. يمضي أيامه كما لو أن »الحياة بلا تجنيد«. و»بسيطة، بعد اشهر عدة سيعدلون القانون... أصلا هذا القانون ليس دستورا، ثم حتى وان كان دستورا سنعدله... ما نحنا بلبنان. وعندنا، كل شيء سهل، مان!«.

No comments:

Post a Comment