توقف مجلتين عن الصدور نهاية السنة الجارية . أزمة التمويل تهدد مستقبل « مؤسسة الدراسات الفلسطينية »
منال أبو عبس
Al-Hayat (935 كلمة)
تاريخ النشر 20 أكتوبر 2004
في مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2004، تقدم اللجنة التنفيذية في «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» الى مجلس أمنائها اقتراحا مصيريا قسريا يقضي بإيقاف مجلتين فصليتين تصدرهما المؤسسة بالفرنسية والعربية، في حين تبقى على اثنتين تصدران بالانكليزية. وكانت المؤسسة أوقفت نشر كتب أجنبية، في خطوة أولى للحد من عجز النفقات، فـ«مراكز الأبحاث يستحيل ان تعيش من دون تأمين الدعم المالي لها»، كما يقول مدير المؤسسة محمود سويد.
الصعوبات المالية والاقتصادية ليست أمرا طارئا على المؤسسة المذكورة. إذ أشارت صحف عدة سابقا الى تدابير وقائية يتوقع أن تتخذها المؤسسة لتضمن استمراريتها ولو جزئيا.
تعتبر «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» منذ تأسيسها في بيروت عام 1963 أول هيئة علمية عربية مستقلة، تهدف الى دراسة القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي، واطلاع الرأي العام العربي والدولي على حقائق القضية وإظهار الحق العربي في فلسطين وإبراز دعائمه التاريخية والقانونية والسياسية والقومية.
بدأ نشاط المؤسسة عام 1966 عبر إصدار سلاسل توثيقية ودراسية باللغات العربية والأجنبية، ثم أنشئت دائرة أبحاث ضمت قسما للشؤون الاسرائيلية وقسما للشؤون الفلسطينية العربية وقسما للشؤون الدولية والمكتبة. وفي عام 1971 أصدرت المؤسسة مجلة (Journal of Palestine studies) بالانكليزية، ثم مجلة (Revue dصetude Palastiniennes) بالفرنسية. ومع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، انتقلت المجلة بالفرنسية مع محرريها الى باريس، والمجلة الانكليزية مع محرريها الى واشنطن، فيما استمر مكتب بيروت يعمل في ظروف قاسية.
وعلى رغم ان «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» غير مرتبطة بأي تنظيم حكومي أو حزبي ولا تقوم بأي نشاط سياسي، إلا أن كلمة «فلسطيني» في التسمية أثرت في شكل سلبي في عملها. فعندما وافقت جامعة كاليفورنيا في نيويورك على توزيع منشورات (Journal of Palestin Studies) من دون التدخل في المضمون أو في التحرير، ثارت ثائرة «لوبي» أساتذة اسرائيليين وأميركيين متعاطفين مع اليهود، «عملوا ثورة وطالبوا بوقف النشر. الفريق المؤيد للمشروع أعاد دراسة مضمون المجلة، فوجد أنها علمية وأكاديمية لا يمكن رفضها. بعد فترة وجيزة تشكلت لجنة ضمت أساتذة من التيار اليهودي. قدموا، بعد دراسة المحتوى، تقريرا يفيد بأنها تعبر عن وجهة نظر الطرف الفلسطيني والعربي، لكن في اطار علمي موضوعي هادئ، ليس فيه استفزاز أو عنصرية...». كان هذا جزءا مما استند اليه سويد ليعلن انه «ما في حدا عربي وصل لهون».
ولكن ماذا تعني كلمة «هون» في كلام سويد؟
«ليس من السهل أن ينشر كتاب عليه اسم مؤسسة دراسات فلسطينية الى جانب اسم جامعة كاليفورنيا»، يجيب سويد مشيدا بانجازات المؤسسة التي نشرت خمسة كتب ضمن سلسلة مؤسسة الدراسات المقدسية وجامعة كاليفورنيا. يفاخر بنجاح المؤسسة التي اخترقت «قلب النسيج الجامعي والثقافي الفرنسي والانكليزي، وأثبتت فاعليتها في المحيط، حتى أصبح من المستحيل اعادة اصدارها من بيروت، لأنها باتت تصدر من داخل بيئة معينة، غير عربية لتخاطب أميركيين أو أوروبيين بأسلوبهم ولغتهم».
لكن نتاج المؤسسة لا يقتصر على المجلات، بل يتعداها الى الدراسات والأبحاث المبتكرة بالعربية والانكليزية والفرنسية، في شأن استراتيجيات اسرائيل والأطراف الدولية، «حتى بات من المستحيل ان تخلو قائمة المراجع في أي أطروحة غربية عن فلسطين، من اسم المؤسسة ودراساتها».
مكتبة مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت أو «مكتبة قسطنطين زريق» كما يطلق عليها، نقطة ايجابية اخرى أوجدتها المؤسسة. «إحدى أهم المكتبات في العالم، متخصصة في القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي، وفي الشؤون اليهودية والصهيونية»، يقول سويد مضيفا ان «الكثير من الباحثين الغربيين يقصدونها لأخذ مراجع غير موجودة في مكتبة الكونغرس».
التمويل
قبل عام 1991 لم تعان المؤسسة من صعوبات مالية تذكر، وكانت المجلة العربية تصدر بالتعاون مع جامعة الكويت التي تتولي تمويلها. وعندما شن العراق الحرب على الكويت، كان عدد المجلة لا يزال في المطبعة. وطلبت الحكومة الكويتية من القيمين على المجلة كتابة استنكار للحرب على صفحتها الأولى. رفض القيمون الأمر بحجة «عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية»، فأوقفت الكويت دعمها، بعدما حجزت مبلغ 500 الف دولار، هي قيمة التبرعات المودعة في «البنك الوطني الكويتي». ثم أعقب ذلك وقف الدعم المادي من دول الخليج وجامعة الدول العربية، فما كان على المؤسسة إلا أن تتحمل تبعات الموقف السياسي الفلسطيني، وتخضع لقرارات الدول العربية الصادرة عن «أعلى المستويات» والرافضة لدخول المنشورات «ذات الطابع الفلسطيني».
« ليس للمؤسسة أي علاقة بالسلطة الفلسطينية حتى عندما كانت الأخيرة في بيروت»، هذا ما حاول القيمون على المؤسسة ايصاله الى المعنيين. لكن الجواب بقي: «القرار صادر عن أعلى المستويات».
«لم نعد قادرين على الاستمرار من دون موارد مالية»، يقول سويد، مشيرا الى اجراءات التقشف التي اعتمدتها المؤسسة بدءا من وقف نشر الكتب الانكليزية والفرنسية، ووصولا الى الاجراء المرتقب بإقفال المجلتين العربية والفرنسية في مرحلة أولى.
No comments:
Post a Comment