الأنتخابات البلدية في لبنان تدير ظهرها للشباب
منال أبو عبس
Al-Hayat (1,472 كلمة)
تاريخ النشر 04 مايو 2004
منال أبو عبس
Al-Hayat (1,472 كلمة)
تاريخ النشر 04 مايو 2004
في العام 1998 جرت أول انتخابات بلدية في لبنان، بعد انقطاع دام 48 عاما. لم تشهد تلك الانتخابات أحداثا تذكر، وان ألغيت بلديات العديد من القرى والمناطق لأسباب تتعلق بأمية بعض رؤسائها وعدم صلاحية بعضهم الآخر لشغل المناصب. وابتداء من 2 أيار (مايو) 2004 يأتي الاستحقاق البلدي والاختياري مرة ثانية. المرشحون كثر كما في كل مرة، معظمهم اعتاد العمل السياسي في إطاره الضيق. وعلى رغم تحديد القانون البلدي سن الترشح ابتداء من الحادية والعشرين، إلا أن غالبية المرشحين تتجاوز أعمارهم الـ50 عاما، إذ يبلغ متوسط الأعمار في المجلس البلدي الحالي لمدينة بيروت 55 عاما.
الشباب في لبنان، وان كانوا، لا يغيبون الشأن السياسي عن سجل اهتماماتهم، يستثنون منه تقريبا الشأن البلدي، لأسباب قد تكون واحدة منها، تلك الصورة المرتسمة في أذهانهم، والتي تختزل العمل البلدي بشخص وجيه العائلة، الذي تقتصر مهماته في نظرهم على استقبال أو توديع الرسميين لدى زيارتهم إلى المنطقة. أما سلطاته، من وجهة نظر الغالبية، فتنحصر في تعيين شرطيي البلدية، ورافعي النفايات، ويغيب عنها أي دور في الحياة السياسية والاقتصادية في داخل البلد في صورة عامة.
يعتبر وليد (21 عاما)، أن الحائل الوحيد دون ترشحه إلى الانتخابات البلدية في قريته الجنوبية، هو عدم تأديته للخدمة العسكرية الإلزامية التي تعتبر شرطا أساسيا للترشح: «فكرت في الترشح باسم الشباب، من دون أي دعم حزبي أو فئوي، كي نسجل موقفا ونمارس حقنا في الانتخاب والترشح على اكمل وجه». وليد الذي لا يبدو راضيا عن أي من المرشحين في دائرته، حسم أمره بالتصويت «بورقة بيضاء لأن أحدا لا يعبر عن طموحاتي ومطالبي». ويخالف حسين (21 عاما) وليد في الرأي، إذ يوضح أن الترشح ليس بالأمر السهل. كما «يجب الفصل والتمييز بين الانتخابات البلدية والنيابية»، فالغرض الأساسي من البلدية بالنسبة إليه هو «الإنماء الاجتماعي والعمراني، وبالتالي أريد أن يصل شباب تكنوقراط لتولي الشؤون البلدية بعيدا من التجاذبات السياسية التي تبغي المصلحة الحزبية والفئوية على حساب إنماء المناطق». لا يفكر حسين بالترشح «لأنني اعتبر أن المرشح يجب أن يقدم مشروعا إنمائيا متكاملا للنهوض بمستوى البلدة المعنية، فضلا عن توافر شروط كالنزاهة في الأداء والتنفيذ». ويخالف مكرم (22عاما) الرأيين السابقين، مشيرا إلى أن «بلوغ سن العشرين لا تؤهل الشاب إلى ممارسة العمل السياسي، في هذه المرحلة من العمر تكون اهتمامات الشاب محدودة». ويستشهد بالانتخابات السابقة في بلدته في جبل لبنان، التي جاءت بالشخص الراشد الكفي إلى موقع السلطة. وينتقد طوني (31 عاما)، الطريقة التي تجرى بها الانتخابات في لبنان، «لا تأخذ في الاعتبار مكان إقامة المقترع، فتفرض عليه التصويت لمصلحة أشخاص لا يعرف عنهم شيئا».
يرفض طوني المشاركة في العمل السياسي «من أساسه»، إلا انه سينتخب على أساس إنمائي وبحسب المشروع الذي يطرحه كل مرشح، و«في حال لم أجده مناسبا امتنع عن الانتخاب».
وإذا كانت الآراء السابقة تصب في مصلحة المشاركة في الحياة السياسية رغبة في التغيير أو قناعة بما هو موجود، فان شبانا آخرين لا يقدمون على التصويت، إلا مراعاة للأقرباء المرشحين.
وفي هذا الإطار، لا يؤمن وسام (22عاما) بالانتخابات في لبنان، «لأنها معلبة»، ولا يفكر في السياسة مهنة مستقبلية. إلا انه سيقترع لمصلحة أحد أقربائه. وهذا أيضا هو حال أليسار (21عاما) التي لا تعرف أيا من المرشحين في بلدتها (عدا خالها المرشح)، إلا أنها ستقدم على انتخاب خالها ولائحته، كما قررت عائلتها. وتبدو أليسار اكثر اهتماما من زملائها في الشأن البلدي، إذ تفكر جديا في الترشح للدورة المقبلة، وفق برنامج رسمت بعضا من خطوطه: «القيام بنشاطات تفيد البلدة وتعيد إليها الحيوية عبر دم جديد، لئلا تكون البلدة محكومة من خلال أحزاب وأشخاص مسيسين». وعند انتخابها مستقبلا، ستتناول أليسار «مشروع البيئة وآخذه على عاتقي، كما سأقيم النشاطات الفنية التي تهم الشباب».
وتنتقد ميرا (25 عاما) التي تنتمي إلى أحد الأحزاب اليسارية في لبنان، أفكار كل من أليسار ووسام. وترفض أن ينتخب الشباب «خجلا من فلان أو مراعاة لفلان». أما هي فستصوت وفقا لما يقرره حزبها.
وتعكس نظرة الشباب إلى الانتخابات في كثير من الأحيان نظرتهم إلى الحياة السياسية في لبنان. ومن هذا المنطلق يحلل فراس (24عاما) التركيبة السياسية السائدة: «لا أؤمن بإمكان فوز أي من المرشحين نتيجــة خطابه أو برنامجه، هذا من الشكليات». والسبب الحقيقي لفوز المرشح برأيه هو «انتمائه إلى أحزاب معينة». وعي فراس هذه الحقيقة دفعه إلى «الطريق الصحيح، إذ انتسبت إلى أحد الأحزاب الفاعلة. كما أتابع التطورات كلها على الساحة المحلية وفي بعض الدول المؤثرة في المنطقة، وبدأت توسيع شبكة علاقاتي الاجتماعية». إلا أن مخططات فراس تبدو من وجهة نظره، اكبر حجما من العمل البلدي: «البلديات هي الخـطوة الأولى في طريق العمل السياسي، وعادة ما يعهد إليها إلى الأشخاص الأميين أو ذوي الدرجات العلمية الابتدائية، لذلك لا أفكر مطلقا في الترشح الى البلديات، وقد أترشح في الانتخابات النيابية المقبلة».
غير أن تفاؤل فراس وطموحاته السياسية التي لا ترضى بأقل من النيابة منطلقا لها، تقابل بسوداوية محمد (23 عاما) التي تعكس نظرة شريحة لا يستهان بها من أبناء جيله: «لا أجد نفسي في أي شيء في البلد. جيل الشباب مهمش. وإذا فكرنا في الدخول إلى المجلس البلدي لن نتمكن من القيام بشيء على رغم أننا سنحمل أفكارا جديدة». أما السبب، فـ«لأن الهيئة المسيطرة على السلطة منذ وقت طويل لن تتنازل بسهولة، ولن تسمح لنا بمشاركتها السلطة».
وعلى رغم كون الشباب السابقة آراؤهم في السنوات الجامعية الأخيرة، وعلى رغم حماسة بعضهم إلى اختبار العمل السياسي في وقت قريب، فإن الكثيرين منهم يفضلون العمل النيابي على البلدي، وغابت عن أذهانهم وظائف البلديات ومنها: تقرير وتنفيذ مشاريع البنية التحتية والخدماتية والإنشائية ذات المنفعة العامة، التوجيه الإنمائي والعمراني بما يحقق لكل بلدة هويتها وشخصيتها، والحفاظ على البيئة وقمع التعديات الواقعة عليها، ورعاية الشؤون الاجتماعية والصحية والثقافية والرياضية وادارة الأملاك البلدية، وتقرير وتنفيذ كل ما من شأنه تحقيق المنفعة البلدية العامة.
وبين جامعيين يهزأون من الانتخابات البلدية، ومرشحين تخطت أعمار الغالبية العظمى منهم الـ50 عاما، عمد بعض الشبان (في منتصف عمر الثلاثين) المنتمين إلى «التيار الوطني الحر» (الموالي للجنرال ميشال عون) إلى إعلان ترشيحهم وفق خطاب انتخابي يحمل التغيير عنوانا. وفيه يعترف المرشحون بأن «هذا البرنامج على تقدميته وواقعيته يبقى بعيدا من التحقق ما لم تنهض النخب الأهلية لتبنيه وتنفيذه». مطالبين بـ«أن تعهد المجالس البلدية لمن تتوافر فيهم صفة النزاهة والكفاية، مضافا إليها إرادة إحداث التغيير وتجاوز منطق التناحر العائلي والشخصي، والارتقاء بالاستحقاق الانتخابي إلى ما هو اعمق من مجرد استبدال رئيس بآخر أو استهداف لهذه أو تلك من العائلات المتساوية كلها في الكرامة واصالة الانتماء الوطني».
وعلى رغم تبني المرشحين الشبان، التغيير خطابا، إلا أن برنامجهم الانتخابي ينبع من صميم عقيدة التيار وأفكاره المعادية للوجود السوري في لبنان: «لأن هويتنا اللبنانية مستهدفة وهي في خطر حقيقي وجب على البلديات أن تسعى وتعمل بتصميم وعزم لتكوين وابراز شخصية مميزة لكل بلدة وقرية، بإنشاء الساحات والحدائق والمباني العامة وغيرها من المشاريع التي تعبر حضاريا عن مضمون هويتنا اللبنانية. لاستذكار الرموز المبدعة من الشخصيات اللبنانية الوطنية والفكرية، بإطلاق أسمائها على الشوارع والساحات، وحتى النصب التذكارية حيث تتوافر الإمكانات».
ويتصاعد برنامج الشباب، فيخيل انه تعدى إطاره البلدي المحدود، إلى درجة أن وصفه البعض بـ«برنامج وطن»، إذ يعهد إلى البلديات مهمة «إنشاء وتجهيز العيادات الطبية البلدية المجانية وفقا لمواصفات متقدمة تقنيا ولائقة إنسانيا، وتجميل البلدات والقرى، وتنفيذ مشاريع أبنية سكنية لذوي الدخل المحدود حيث تتوافر الإمكانات البلدية وهي متوفرة في العديد من البلديات المتوسطة والكبرى، وإنشاء وتجهيز مكتب بلدي لشؤون العمل والاستخدام ومحاولة توفير فرص عمل، واعتماد خطة قابلة للتنفيذ الفعلي والمبرمج للحد من الجريمة وللتخفيف من انحراف الشبيبة وحل المشكلات الناجمة عن إدمان الكحول والمخدرات عبر مبادرات مباشرة أو عبر تخصيص موازنة بلدية للجمعيات والهيئات المدنية المتخصصة»، مع تخصيص مساحة من البرنامج لشؤون الشباب والرياضة.
مرشحو التيار ليسوا الوحيدين من جيل الشباب، إذ يلاحظ وجود مرشحين آخرين في الثلاثينات من العمر، إلا أن برنامجهم الضخم أخرج الانتخابات البلدية من طابعها العائلي المعهود، ليضعها في قلب العمل السياسي.
No comments:
Post a Comment