إنّها شوارع بيروت وأنا لن أعود
منال أبو عبس الحياة 2004/04/3
ايطاليا (البندقية) - آذار (مارس) 2020.
جميل صباح البندقية في نافذة شقتي الصغيرة. لوشيانو بافاروتي, كوب نسكافيه, و"مئة عام من العزلة". شرفة لا تتسع لأكثر من أرجوحة بمقعدين. أنانية شرفات البندقية... لا تتسع لأكثر من شخصين. هناك في الداخل سرير واحد, صور لأناس كثيرين لا اذكرهم, وتلفاز لا أشعله إلا في المناسبات المجيدة. قنوات فضائية عربية نصيبها محفوظ على أرقام جهاز التحكم.
"المؤسسة اللبنانية للإرسال - آل بي سي", تحتل الصدارة. ها هي مواطنتي المطربة تطل على الشاشة. مطار بيروت الدولي, مكان تصوير الحدث, لا يشبه ذاك الذي غادرته عام 2004 إلى غير رجعة. المطار فارغ إلا من قصاصات صحف قديمة, وامرأة تتشح بالسواد. تجول كاميرا الفضائية في الخارج. إنها شوارع بيروت, أبنيتها, حجارتها التي أعيد بناؤها بعد انتهاء الحرب الأهلية. إنها بيروت, لا تشبه نفسها. "بيروت 2020", يرد في اسفل الشاشة. المرأة المتشحة بالسواد ترافق المشهد. تجول في الطرقات الخالية, يورد المونتاج مشاهد قديمة لأناس متسخين, جائعين كما يبدو, يشبهون أولئك الذين كنت أتراصف معهم على أبواب السفارات منذ ست عشرة سنة. المونتاج لا يورد تظاهرات طالبية جرت في الماضي, الشبان والشابات لا يظهرون على الشاشة. لا أحد يظهر على الشاشة. وحدها المرأة المتشحة بالسواد. وحدهم الرؤساء خلف شاشات الكومبيوتر المحمول يرسمون صورة بيروت الجديدة. وحدها عروس ترقص مع عريسها بفستان اسود.
لم يصدمني البرنامج. مشاهد سوداوية عن بيروت مدينة الحياة. وحده من يحب بيروت يقر بأنها مدينة الحياة. وحده من يحب بيروت لن يجرؤ على العيش في مدينة تتشح بالسواد. وحده من يحب بيروت يقر. ولأنني احب بيروت, اقر أنا المذكور أدناه بأنني وبكامل قواي العقلية والنفسية لن تطأ قدماي مطار بيروت الدولي. لن أترنح كديك مذبوح. لن اتراقص بفستان اسود في صـالة الاستقبـال. لن انظر حولي بحثاً عن عجوز تركته ستينياً. لن أعود إلى بيروت الخالية إلا من قصاصات صحف قديمة. لن أعود إلى رؤساء بلا مرؤوسين, إلى شوارع بلا تظاهرات. لن أعود إلى المتحف الوطني اغني بلادي بين أعمدته. لن أعود عروساً أزف بفستان اسود إلى شاب يعدني الحياة في بيروت.
أتذكر الستيني العجوز الذي أحب... جميلة قبلاته في صباح بيروت.
لا شيء يشبه الصباح في نافذة شقتي الصغيرة. لا شيء يشبه شرفات مغطاة بالمياه تماماً تحت شرفتي الصغيرة.
(مدرسة الحياة)
جميل صباح البندقية في نافذة شقتي الصغيرة. لوشيانو بافاروتي, كوب نسكافيه, و"مئة عام من العزلة". شرفة لا تتسع لأكثر من أرجوحة بمقعدين. أنانية شرفات البندقية... لا تتسع لأكثر من شخصين. هناك في الداخل سرير واحد, صور لأناس كثيرين لا اذكرهم, وتلفاز لا أشعله إلا في المناسبات المجيدة. قنوات فضائية عربية نصيبها محفوظ على أرقام جهاز التحكم.
"المؤسسة اللبنانية للإرسال - آل بي سي", تحتل الصدارة. ها هي مواطنتي المطربة تطل على الشاشة. مطار بيروت الدولي, مكان تصوير الحدث, لا يشبه ذاك الذي غادرته عام 2004 إلى غير رجعة. المطار فارغ إلا من قصاصات صحف قديمة, وامرأة تتشح بالسواد. تجول كاميرا الفضائية في الخارج. إنها شوارع بيروت, أبنيتها, حجارتها التي أعيد بناؤها بعد انتهاء الحرب الأهلية. إنها بيروت, لا تشبه نفسها. "بيروت 2020", يرد في اسفل الشاشة. المرأة المتشحة بالسواد ترافق المشهد. تجول في الطرقات الخالية, يورد المونتاج مشاهد قديمة لأناس متسخين, جائعين كما يبدو, يشبهون أولئك الذين كنت أتراصف معهم على أبواب السفارات منذ ست عشرة سنة. المونتاج لا يورد تظاهرات طالبية جرت في الماضي, الشبان والشابات لا يظهرون على الشاشة. لا أحد يظهر على الشاشة. وحدها المرأة المتشحة بالسواد. وحدهم الرؤساء خلف شاشات الكومبيوتر المحمول يرسمون صورة بيروت الجديدة. وحدها عروس ترقص مع عريسها بفستان اسود.
لم يصدمني البرنامج. مشاهد سوداوية عن بيروت مدينة الحياة. وحده من يحب بيروت يقر بأنها مدينة الحياة. وحده من يحب بيروت لن يجرؤ على العيش في مدينة تتشح بالسواد. وحده من يحب بيروت يقر. ولأنني احب بيروت, اقر أنا المذكور أدناه بأنني وبكامل قواي العقلية والنفسية لن تطأ قدماي مطار بيروت الدولي. لن أترنح كديك مذبوح. لن اتراقص بفستان اسود في صـالة الاستقبـال. لن انظر حولي بحثاً عن عجوز تركته ستينياً. لن أعود إلى بيروت الخالية إلا من قصاصات صحف قديمة. لن أعود إلى رؤساء بلا مرؤوسين, إلى شوارع بلا تظاهرات. لن أعود إلى المتحف الوطني اغني بلادي بين أعمدته. لن أعود عروساً أزف بفستان اسود إلى شاب يعدني الحياة في بيروت.
أتذكر الستيني العجوز الذي أحب... جميلة قبلاته في صباح بيروت.
لا شيء يشبه الصباح في نافذة شقتي الصغيرة. لا شيء يشبه شرفات مغطاة بالمياه تماماً تحت شرفتي الصغيرة.
(مدرسة الحياة)
No comments:
Post a Comment