انفتاح الحريري على
سورية ينعكس ايجابا على جمهورهالبقاعي:
المياه تعود إلى مجاريها اقتصاديا واجتماعيا... وسياسيا
منالأبوعبس
يتحدث رجل من المرج في البقاع الغربي عن إحساسرئيس الحكومة سعد الحريري بأن 'أبناء منطقتنا لم يعودوا
قادرين على احتمال الوضعالاقتصادي
المتردي '.الرجل يدعى محمد .كان يعمل في محطة للوقود على طريق المصنعالحدودية مع سورية، بينما كان ولده الأكبر يعمل في محل لبيع
الأحذية في المنطقةنفسها
.كانت هذه حال العائلة حتى الأشهر القليلة التي تلت 14 شباط (فبراير )2005،حين خرج لبنان ومعه البقاع من حياة تدور في دائرة إلى أخرى
مفتوحة على احتمالاتكثيرة
.
في البقاع كلام كثير عما جرى خلال السنوات الخمس الماضية
.الكلامالجديد استدعاه حديث
الحريري إلى الزميلة 'الشرق الأوسط '، الذي وصف فيه اتهامهسورية باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري بأنه 'اتهام سياسي
'، مشيرا إلى 'أخطاءحصلت
من قبلنا مع سورية، مست بالشعب السوري، وبالعلاقة بين البلدين '.محمد يتحدث
عنالفترة التي سبقت هذا
الكلام ...عن تخفيض المحطة عدد الموظفين فيها بسبب 'تدني حركةالمرور على المصنع '، ما اضطره الى القبول بالعمل لقاء ما
يعادل نصف راتبه الشهري،بينما
اقفل المحل الذي كان يعمل فيه ابنه للسبب ذاته .يضاف الى ذلك أن طابع 'الخصومة
'الذي مهر الجو العام على جانبي الحدود، ادى الى امتناع تجار سوريين عندفع ما يتوجب عليهم من اقساط لصاحب المحل، ما جعل خسارته
مضاعفة .
اليوميبدو
الواقع مختلفا في مناطق البقاع الحدودية مع سورية .ف 'الجفاء 'ما عاد
مستحكما،وتدل على ذلك احاديث
البقاعيين الأكثر تخففا من القيود السابقة، و 'الروابطالعائلية والاجتماعية 'عادت لتكون حجة لتبرير ضرورة التقارب
بين البلدين .في بلداتمثل
مجدل عنجر وتعلبايا - شكلت خلال السنوات الخمس الماضية الخزان البشري
لمهرجانات 14 آذار- عاد الحديث حول
ضرورة البحث عما يريح المنطقة .وبحسبأبوعلي المتزوج بإبنة خالته السورية ويعيش في تعلبايا :'أيقطيعة بين سورية ولبنان لا يمكن ان تدوم .مئات البقاعيين
متزوجون من سوريات وبالعكس .ففي
بيتي مثلا، توجد 3 زيجات مختلطة '.أما بعيدا من روابط القربى، فحركة التبادلالتجاري بين البلدين، شكلت قيمة مضافة على الدعوات الى
تمتين الروابط التفاعلية بينالجارين
.ف 'في بلدة مثل المرج، كان أي دكان يغص بالبضائع السورية الصنع .هذه كانتأقل ثمنا من المستورد وحتى من اللبناني .وكان ابناء المنطقة
يطلبون المنتجاتالسورية
باسمائها كما لو انهم يعيشون في الشام '، بحسب أم خالد ربة المنزل التيكانت قبل 14 شباط تفضل المنتجات السورية التي خف وجودها كما
الطلب عليها في الفترةالتي
تلت ذلك .اليوم تبدو ربة المنزل التي شاركت في أكثر من مهرجان لقوى 14 آذاروهتفت ل 'عيون الشيخ سعد '، أكثر ارتياحا للطابع 'الأكثر
ودية 'الذي عاد مجددا، ف 'البقاعي معتاد منذ القدم
التسوق من الشام .كلما بنى احدنا بيتا، قصد الشام لشراءالالكترونيات ...أي عروس بقاعية لم تشتر فستان زفافها من
الشام؟ هناك الجهاز حلوورخيص
'.تتكرر على لسانها عبارة 'بلا مؤاخذة '، مقترنة ب 'تفهمين قصدي؟ في البقاعرواتب كثير من الرجال لا تتعدى 450 ألف ليرة '.
يتكرر الحديث عن البضاعةالسورية
على رغم أن لا شيء حال دون دخولها في السنوات الخمس الماضية، إلا بعض 'القيود
'التي فرضها كثيرون على أنفسهم .اليوم بات البقاع أكثر ارتياحا، وكثيرون منأبنائه في مرحلة 'نقد ذاتي 'سهل لهم تناغم السياسي مع
متطلبات الحياة اليومية،ومنها
'المازوت الذي كان يأتينا مهربا من الشام بأسعار زهيدة ...ونأمل أن يعودالينا مجددا '.
أبوعادل
يملك سيارة بيضاءكبيرة،
يقصده كثيرون ليقلهم الى الشام .يقول ان عامي 2004 و2005 كان 'الشغل مثلالنار، كنت انقل العائلات، وأرشدهم الى أمكنة يذهبون اليها
.بسبب هذه الصنعة بنيتثلاثة
بيوت .بعد 2005، تدهور عملي في شكل كبير، وصرت اقضي نهاري في دكان للسمانةيملكه ابني '.
قبل عيد الفطر بيوم واحد، جالأبوعادل على المصنع متفقدا أصحابا له يملكون محلات هناك
.المحلات المنتشرة في المصنع،لطالما
اعتاش اصحابها من حركة العابرين من والى سورية .أصحاب هذه المحلات وحتىدكاكين الصيرفة ومحطات البنزين يجمعون على أن تجارتهم تضررت
أخيرا، ما اضطر كثيرينمنهم
الى الاقفال او الانتقال الى اماكن اخرى .
يبدوأبوعادل مرتاحا لحال المصنع اليوم، حيث الزحمة على نقطةالجمارك تذكر بالسنوات الماضية :'هذا كله يأتي بالخير على
البلد .أعرف سوريينكثيرين
اعتادوا أن يأتوا للتنزه في لبنان، ما عادوا أتوا خلال السنوات الماضية .اليوم
يعودون، هذا ما تدل عليه السيارات السورية التي تعبر المصنع الى لبنان '.
يرىأبوعادل أن التطورات السياسية الاخيرةأراحت المواطن البقاعي، وبعثت فيه شيئا من الاطمئنان 'نأمل
ألا يتعكر '، ويضيف أن 'مجرد النظر الى واجهات
محلات المصنع وقد عادت لتمتلئ مرة جديدة بالبضاعة يريحالنفس .منظر المحلات شبه المهجورة كان يوحي بأننا في حال
حرب، وهذا كان يجلب النحس .اليوم الناس ارتاحت،
وعادت حركة السوريين لتنعش المنطقة، فضلا عن الزوار العربالذين يعبرون البلدات البقاعية في طريقهم الى سورية '.
المسافرون الذينيعبرون
لبنان الى سورية في حافلات كبيرة، هم من يسميهمأبوعلي الزوار العرب، مع أن اعدادا كبيرة من هذه الباصات تقلمسافرين ايرانيين .حركة الحافلات كانت السبب في انتشار
محلات بيع الالبان والاجبانوالمأكولات
الجاهزة على طول الخط البقاعي الى المصنع، وتدني معدل حركتها أدى الىالاستغناء عن خدمات عاملين فيها .اليوم يراهن أبناء البقاع
على عودة الحياةالاقتصادية
الى المنطقة لعودة النبض الى الشارع، ولعودة فرص عمل لشبان يحتاجوناليها .
ارتياح اقتصادي - سياسي
قبل العام 2005 لم يكن الشارعالبقاعي
يعرف انقساما سياسيا بالمعنى الحاد للكلمة .فمنذ الخمسينات، معظم البيوت (السنية
)كانت ترتفع فيها صور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بينما علىالطرقات كانت صور لزعماء منهم الرئيس السابق رفيق الحريري
والرئيس السوري الراحلحافظ
الاسد ونجله الرئيس بشار الاسد وأخرى للامين العام ل 'حزب الله 'السيد حسن
نصرالله .بعد التغيير
السياسي الطارئ منذ 2005، ترسخت صورة الحريري الاب الى جانب صورةنجله سعد الحريري وصور أخرى، وإن لم تغب عن البلدات المؤيدة
للمعارضة صور نصر الله،وصور
قادة المعارضة من المنطقة منهم الوزير السابق عبد الرحيم مراد ابن بلدة غزةوخصوصا في محيط المؤسسات التربوية التي يرأسها .
بعد العام 2005، تكرسالانقسام
السياسي في الشارع البقاعي في شكل حاد، وأفرز اشكالات متنقلة رافقت كلحدث، فانقسمت البلدات والعائلات بين فريق ل 'عيون الشيخ سعد
'وحلفائه، وبين الفريقالآخر
الذي ظل على ولائه لسورية .
اليوم، أرخى الخطاب الاخير للحريري هدوءاعم جمهوري الفريقين المتخاصمين، وإن بدا لسياسيي البقاع
خطوة اولى على الطريق .ويرىعضو
كتلة 'المستقبل 'النيابية زياد القادري أن 'البقاعي يعتبر أن الثقة
والارتياحالشعبي يحميان العلاقة
بين البلدين .والمنحى الذي يأخذه الحريري بدأ يريحها .نحن فيبداية طريق الاطمئنان '.أما الوزير السابق عبد الرحيم مراد،
فيرى بدوره أن 'جمهورالمعارضة
مرتاح الى الاوضاع .فالجمهور البقاعي عموما لطالما كان عقائديا وقومياعربيا .لكن منذ العام 2005 وبنتيجة التجييش تعرضنا لمضايقات
كثيرة .كنا نتعرضللتخوين
لمجرد أننا نزور سورية ويراقبون حركتنا على المصنع .اليوم الناس اكثرارتياحا '.
الراحة التي يتحدث عنها السياسيان ويؤكدها بقاعيون كثيرون
بعدكلام الحريري عن الاتهام
السياسي، 'ليست الا نتيجة الصفحة التي فتحناهامع
سورية،وهي فرصة لنؤسس عليها
لعلاقات طيبة '، يقول القادري، ويضيف أن 'ابن البقاع يعيش فيمنطقة حدودية مع سورية، هي عمقه وهو في تفاعل معها، لكن كي
تدوم العلاقة وتترسخ،فاننا
لن نبني الا على مداميك الصراحة والاحترام المتبادل والاعتراف بالمصالح
بيننا
'.وفي حين يرفض أن 'يزايد أحد على ابن
البقاع بانتمائه العربي والقومي '، يعتبر أنهخلال
السنوات القليلة الماضية 'لم يكن هناك أي شعور بالعداء، بل ما ساد كان
انتفاضةلتحقيق ما يحمي العلاقات
اللبنانية- السورية '.
الجمهور المسيس ...والتوضيحات
أما عن موقف الجمهور 'المسيس 'من التحولات الاخيرة، فيقولالقادري :'لا خوف من جانبنا من أن يذهب الناس الى اخصامنا
بسبب ما حصل .جمهورنايريد
الاستقرار وكرامة لبنان والدولة والمؤسسات والحقيقة والسلم الاهلي .هذه
عناوينحققنا الجزء الاساسي منها
.وانصارنا يؤيدوننا عن قناعة، لا عن عاطفة ولا تجييش '.
الامر الاخير يرد عليه مراد مؤكدا أن 'تيار المستقبل الذي
اكتسح فيالانتخابات النيابية عام
2005 الاصوات السنية بنسبة 70 في المئة، بدأ ينكفئ الى مانسبته 50 او 40 في المئة .هذا لا يعني ان المنكفئين جميعهم
يتركون المستقبل لينضمواالى
فريقنا، لكن هناك جزء استقطبناه ونراه في احتفالاتنا على عكس ما كان يجري
سابقا
.في الاحتفال الذي اقمناه تكريما للسفير السوري (علي عبد
الكريم علي )مثلا، تفاجأنابأعداد
الحاضرين من المرج والصويري وغيرها من البلدات المحسوبة على المستقبل '.
أما سبب هذا الانكفاء، فيقول مراد انه 'زيادة الوعي عند
الناس ووقفالتمويل (المستقبل )عنهم
.اضافة الى أن التغير (السياسي )الذي طرأ حاليا يساعدناعلى التحرك في الشارع، فما ساد خلال السنوات الماضية كان
ظاهرة غير طبيعية، ولنيدوم
طويلا قبل ان تزول كل مفاعليه ويعود الحال الى ما كان عليه '.
وعنالمطالبين
بتوضيحات عما طرأ على المشهد البقاعي في السنوات الماضية، يؤكد القادريأن 'الهدف ليس محاسبة مرحلة ماضية، بقدر ما هو مراجعة لخطأ،
ولا يعني التبرؤ منمرحلة
كاملة في البلد .عندنا الشجاعة السياسية والجرأة والوطنية لنقوم بنقد ذاتيلما فيه مصلحة لبنان '.المصلحة التي يتحدث عنها القادري بدت
مفاعيلها تظهر بقاعا،فبحسبه
'من الزاوية الاقتصادية هناك تحسن كبير .ازدياد بالحركة السياحية والتجاريةوالاقتصادية '.أما سياسيا، فيرى أن 'الدليل على نجاح مسعى
الحريري هو هجوم المعارضةعليه،
ما يعطينا دفعا لنسير قدما '.
المسعى الذي يقوم به الحريري، يراه مراد 'آنيا
'، ويؤكد ان 'الحل ليس بعلاقة آنية بين البلدين، بل بعلاقة متفق عليها
ببنديناساسيين، أولهما الدفاع
والامن وثانيهما السياسة الخارجية '.ويستند في رؤيته على أن 'هناك
قناعة لدى الشارع السني في شكل عام أن الهزات الامنية يمكن أن تتفاقم، بخاصةاذا صدر قرار ظني .وليس من السهل أن يستطيع لبنان أن يضبط
الوضع الامني، هو في حاجةالى
مساعدة خارجية، وعندما نحكي عن مساعدة خارجية، فاننا لا نتطلع الى دول بعيدةمنا .نحن دائما نتطلع الى سورية '، ويضيف أن 'سورية اثبتت
انها صمام الامانوالاستقرار
في لبنان، ففي بلدنا الامن عبارة عن مناخ عام '.
فصل السلطات
التجاور اللبناني - السوري، والعلاقات الاقتصادية
والاجتماعية والروابطالعائلية،
عبارات عادت تتردد على ألسنة كثيرة في البقاع بعدما خف بريقها خلالالسنوات الخمس الماضية .اليوم عادت عبارت مثل 'شعب واحد في
بلدين 'وصور تجمع شخصياتلبنانية
والاسد لترتفع في شوارع ضيقة في البقاع، لكن اللافت الى هذا التطور، تطورآخر يردده بقاعيون مقربون من 'تيار المستقبل 'وشبابه عن أن
مسافة رسمت بين سوريةوحليفتها
ايران، وبالتالي بين سورية و 'حزب الله '، وعن ان ما حصل ليس الا 'نجاحافي تقريب سورية إلينا '.
No comments:
Post a Comment