الأمن 'العاتب 'على بعض
السياسيين يلجأ الى شعار 'كل مواطن خفير"
كاميرات المراقبة الحكومية في لبنان
تمنعها التحفظات السياسية
منالأبوعبس
< قبل نحو خمس سنوات، خرج إلى الواجهة
السياسيةفي لبنان مطلب ظنه كثيرون حيويا لمحاولة ضبط موجة اغتيالات
سياسية راحت تضرب من كلحدب وصوب: كاميرات للمراقبة في بيروت ومناطق أخرى، تساعد في
معرفة بعض تفاصيل مايهدد الأمن والاستقرار في البلد، على غرار ما يجرى في بلدان
أخرى أبرزها بريطانياودبي.
غير أن المطلب اللبناني 'الأكثري '(نسبة إلى فريق 14 آذار
)حينها،اصطدم كالعادة برفض 'أقلوي 'من جانب المعارضة .أما حجج
الرفض فتنوعت بين حمايةمشروع المقاومة واحتمال استفادة إسرائيل من المعلومات التي
يمكن لهذه الكاميرات أنتجمعها، وطبعا رصد تحركات المقاومين ومخازن الأسلحة .وبرزت
أصوات لم تعل كثيراتحدثت عن اختراق هذه الكاميرات لحريات اللبنانيين الشخصية .
لهذه الأسبابوغيرها، طوي المطلب -
المشروع، على رغم أن مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة آخر 2006، أقر وضع كاميرات
في بيروت الكبرى قبل أن يؤدي رفض 'حزب الله 'للمشروع الىتجميده
.وظلت الكاميرات المنتشرة في شوارع بيروت وبعض المناطق هي تلك الخاصةالعائدة
الى السفارات ومبان ومصارف ومؤسسات وغيرها .مع العلم أن لبنان استفاد فيأوقات
متفرقة من التسجيلات التي التقطتها كاميرات خاصة خلال عدد من الحوادث، نذكرمنها
:محاولة اغتيال النائب مروان حمادة، إذ التقطت كاميرا عائدة إلى مدرسة قريبةالمشهد
السابق للتفجير (غير انه سرعان ما اختفى الشريط )، وأيضا استفاد من أخرى فيعملية
اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، بعد تحليل محتويات الشريط الذيسجلته
كاميرا مثبتة أمام مصرف 'اتش أس بي سي 'في السان جورج .وكان هذا الشريطالمصدر
الوحيد للصور التي أظهرت آلية ال 'ميتسوبيشي 'البيضاء تنفجر لحظة مرورالموكب
.
< بعد سنوات من سحب مشروع كاميرات
المراقبة من دائرة الضوءالإعلامي، وبعد توقف موجة الاغتيالات واستتباب 'الأمن
السياسي'، انكشفت الغيوم عنمشكلة أخرى لا تقل أهمية عن المشكلة الأولى، وإن كانت لم
تحظ بالاهتمام نفسه. موجةمن السرقات المكثفة وعمليات سلب بقوة السلاح، وصولا الى
عمليات قتل ومحاولات قتلبدوافع منها السرقة. ومعظم هذه العمليات تمت في مناطق حيوية
أو على طرق رئيسة، ليسفي معظمها كاميرات (خاصة) يمكن الاستفادة من تحليل تسجيلاتها.
إذ بعدما كانت عملياتسرقة السيارات (رباعية الدفع غالبا) تسجل في مناطق البقاع
الشمالي خصوصا، امتدت منهفي شكل متزايد السنة الماضية الى مناطق متفرقة وصولا الى
قلب بيروت. وحتى نفق سليمسلام الذي لا ينقطع عنه السير ليلا ولا نهارا، ويعد شريانا
أساسيا لبيروت، شهدمحاولات لسرقة سيارات وعمليات سلب بقوة السلاح نفذ عددا
منها سائقون لسيارات أجرة.
نجاح عمليات كثيرة، قد يكون السبب في تشجع خارجين عن
القانون على اقتحامالميادين كافة .فعلى بعد أمتار من ثكنة لقوى الأمن الداخلي
في الطيونة، أطلق ستةمسلحين النار على سيارة ابنة نائب عن بيروت، وسلبوها
سيارتها بقوة السلاح، بينماكانت عائدة من المطار من دون أن يتدخل أحد .وقبل نحو شهر،
قتلت امرأة في محل لبيعالمجوهرات في الغازية في وضح النهار، بعدما اقفل القتلة باب
المحل الحديد، وأطلقواالرصاص عليها وسلبوا محتويات الواجهة .وقبل ذلك، جرت عملية
اختطاف الموظف في شركة 'طيران الشرق الأوسط 'جوزف صادر على طريق المطار في الضاحية
الجنوبية لبيروت قبلأكثر من سنة، على رغم الازدحام الذي يشهده الطريق عادة،
ومرور دورية لقوى الأمن علىالمقلب الآخر من الشارع .ويكاد يندر أن يمضي يوم من دون
الحديث عما يفوق في أحيانكثيرة عشر عمليات سرقة ونشل حقائب وصولا الى جرائم القتل
واستخدام السلاح في شكلغير شرعي .لكن، أي دور يمكن أن تلعبه كاميرات المراقبة في
ضبط الأمن في لبنان،خصوصا في ضبط السرقات؟
الكاميرات تسهل عمل قوى الأمن
مصدر رفيع فيقوى الأمن الداخلي، أكد ل
'الحياة 'أن كاميرات المراقبة المثبتة على الطرق الرئيسةوفي
مناطق محددة هي أداة مهمة في ضبط الأمن في معظم عواصم العالم، وبخاصة في دبيولندن
ومدريد، حيث لعبت دورا أساسيا في كشف أكبر الجرائم (كشف اغتيال القائد في 'حماس 'محمود المبحوح ومن
قبله المغنية اللبنانية سوزان تميم في دبي ).ولفت المصدرذاته
الى أن القوى الأمنية في لبنان طورت إمكاناتها لحفظ الأمن والحد من الجرائموالسرقات،
'لكن لو جرى بت موضوع كاميرات المراقبة، لكان ذلك ساعدنا الى حد كبير فيالقيام
بمهماتنا على اكمل وجه، على الأقل في موضوع السرقات '، منتقدا العرقلة التيواجهها
مشروع تركيب الكاميرات الذي طرح على بساط البحث في مجلس الوزراء تزامنا معموجة
الاغتيالات السياسية التي تلت اغتيال الحريري .
وقال :'نحن أعددنا ملفاكاملا حول الموضوع،
وأحلناه الى مجلس الوزراء، وصار هناك عرقلة حالت دون تمريره .والملف الآن موجود لدى
وزارة الداخلية '، داعيا الى 'إعادة طرحه لأنه يسهل مهمتناالى
أقصى حد '.
ولم يجد المصدر مانعا دون استفادة لبنان من تنفيذ مشروعكهذا،
مؤكدا أن إقراره 'يحتاج فقط الى قرار سياسي، ونحن جاهزون لتنفيذه '.
قبل كلام المصدر، صدر كلام مشابه عن قائد الدرك في لبنان
العميد انطوانشكور خلال زيارته صيدا على خلفية الجرائم وعمليات السلب
.غير أن كلام شكور عكسإدراكا بأن احتمال بت موضوع المراقبة لن يكون قريبا .فأوجد
من جهته مخرجا آخر، ألقىعبره عبء الأمن على كاهل المواطنين، على قاعدة أن 'كل مواطن
خفير '.إذ طلب شكور منالمواطن 'المساعدة بالنسبة الى كاميرات المراقبة والشهود من
أجل الإفادة منها .كمانطلب من المؤسسات التجارية والخاصة تركيب كاميرات مراقبة
'.وأضاف في رده على سؤالعن عدم قيام قوى الأمن بهذه المهمة :'قوى الأمن الداخلي
ليست مؤسسة خاصة لتركيبكاميرات في الشوارع، كذلك ليس لدينا إمكانية لتعزيز
قطاعاتنا بالوسائل اللازمةلأشغال كهذه، فهذه الأعمال يجب أن تؤمن لها الأموال اللازمة
'.
لكن، حتىدعوة شكور لم تشفع للمستجيبين لها .فبعد أيام قليلة من كلام
قائد الدرك، نشر فيجريدة لبنانية خبر تحت عنوان :'جهة سياسية في صيدا تتجسس
على تفاصيل كثيرة فيالمدينة '، وفيه أن 'تيار سياسي تحت ذريعة حماية مؤسساته
المالية والسياسية باتيتجسس على نسبة كبيرة من تفاصيل حركة الشوارع والمواطنين في
المدينة عبر كاميراتمراقبة تتمتع بتقنية حديثة وبإمكانها تغطية مساحة واسعة جدا
(...)الكاميرات موصولةجميعا الى شاشة موحدة، في ما يشبه غرفة العمليات '.وهكذا
عاد الحديث مرة أخرى عنكاميرات المراقبة، لينتهي بكلمات مثل حماية - تجسس - تقنية
...التي تصب كلها فيإطار 'تسهيل مراقبة جهات خارجية لبنان '.وهنا يبدو السؤال
ضروريا، هل فعلا يثيروجود كاميرات المراقبة في الأماكن العامة المخاوف من عمليات
تجسس محتملة، وصولا الىتشكيل خطر على أمن المقاومة؟
'حزب الله 'لا يعلق
عضو كتلة 'الوفاءللمقاومة 'النيابية علي
عمار (حزب الله )هو أيضا عضو في لجنة الدفاع والأمنالنيابية
التي يفترض أن تناقش أي مشروع يحيله المجلس النيابي إليها ويندرج في إطارتركيب
كاميرات للمراقبة، يقول أن المشروع لم يحل الى اللجنة لمناقشته، وإنه لايمكنه
أن يعلق على شيء ليس معروضا أمامه .
غير أن 'حزب الله 'نفسه الذياعترض في السابق على
المشروع بحجة ما قيل أنه 'تهديد لأمن المقاومة '، له قصته معكاميرات
المراقبة .فواحدة منها كانت من الأسباب الأولى التي مهدت للوصول الى صدام 7أيار
(مايو )2008، حين أثار النائب وليد جنبلاط قصة تثبيت الحزب كاميرات مراقبةلاسلكية
في حاوية للنفايات في محيط مطار بيروت الدولي لمراقبة المدرج 17 في المطار .كما نشرت جريدة النهار
'المستندات التي تؤكد وجود هذه الكاميرات (مراسلات بين وزيرالدفاع
الياس المر والجيش الذي أكد الأمر وأحال الملف الى النيابة العامة ).
النائب أحمد فتفت الذي كان وزيرا للداخلية خلال الفترة التي
وافق فيهامجلس الوزراء على تركيب كاميرات للمراقبة في بيروت الكبرى،
يقول إن 'ما طرحه مجلسالوزراء حينها كان تثبيت كاميرات سلكية في أماكن محددة، ولا
سلكية في أخرى، وذلكلدواعي عدم توافر تغطية الأراضي اللبنانية كافة '.
ويأسف لأن 'موضوعالكاميرات لم يطرح لاحقا،
بسبب اعتراضات سياسية عليه من بعض الأطراف الذين اعتبرواانه
يشكل خطرا على المقاومة ويمس بأمنها وأيضا بسبب كلفته المرتفعة '، لكن موضوعالكلفة
كان السنيورة تحدث عن حلول له عبر مساعدات وعبر الاستدانة من المصارف .
ويعلق فتفت على مطالبة شكور المؤسسات بتركيب كاميرات لضبط
السرقات، مؤكداأن 'كاميرات المراقبة لا يمكن أن تكون مفيدة، إلا إذا كانت
مربوطة بشبكة مركزية .شبكة موحدة على الطريقة الإنكليزية تلاحق الشخص المشتبه به
في كل المناطق داخلالبلد الواحد '.
وعن المس بأمن المقاومة، لا يرى فتفت أن كاميرات المراقبةسواء
اعتمدت سلكيا أو لاسلكيا 'تشكل خطرا على أمن المقاومة، لم يكن هناك خطر علىالمقاومة
أصلا .كان المشروع وضع كاميرات مراقبة في بيروت الكبرى بداية، تمهيدالتوسيعه
ليشمل كل البلد '.ويقول :'المشروع توقف كليا '.
غير أن تقنيا فيمجال كاميرات المراقبة،
يؤكد أن كاميرات المراقبة التي تعتمد الطرق السلكية تتطلبوجود
غرفة عمليات موحدة وتمديدات خاصة بها .وهذا النوع من الكاميرات مستخدم حول
مايعرف بالمربعات الأمنية في بيروت وسواها وحول السفارات
وأماكن أخرى .وهي بطبيعةالحال، غير مرتبطة بالهاتف الدولي ولا الأقمار الاصطناعية
ولا الإنترنت، وبالتاليلا يمكن للعدو الاستفادة منها .
والنوع الآخر، والذي يسهل لجهات أجنبيةاختراقه
والاستفادة من تسجيلاته، هو النوع اللاسلكي، بحيث تبث هذه الكاميرات صوراعبر
الأقمار الاصطناعية أو الإنترنت عبر اعتماد طرق خاصة منها استخدام الهاتف .
لكن، بغض النظر عن السجال السياسي، وإذا ما قرر لبنان فجأة
أن يراقب مايدور على طرقه ومناطقه الرئيسة، هل يمكن أن يقف القانون
اللبناني في وجه المشروععلى قاعدة انتهاكه الحريات الشخصية وحياة اللبنانيين
الخاصة؟
بحسب متابعين،فإن القانون يسمح
باستخدام هذه التقنية داخل الممتلكات الخاصة فقط، والمؤسساتالتجارية
.
(نشر في العدد :17181 ت .م :19-04-2010 ص :26 ط :الرياض )
No comments:
Post a Comment