Wednesday, April 14, 2010


الأمن 'العاتب 'على بعض السياسيين يلجأ الى شعار 'كل مواطن خفير"
كاميرات المراقبة الحكومية في لبنان تمنعها التحفظات السياسية 
منال أبو عبس


<
قبل نحو خمس سنوات، خرج إلى الواجهة السياسية في لبنان مطلب ظنه كثيرون حيويا لمحاولة ضبط موجة اغتيالات سياسية راحت تضرب من كل حدب وصوب: كاميرات للمراقبة في بيروت ومناطق أخرى، تساعد في معرفة بعض تفاصيل ما يهدد الأمن والاستقرار في البلد، على غرار ما يجرى في بلدان أخرى أبرزها بريطانيا ودبي.

غير أن المطلب اللبناني 'الأكثري '(نسبة إلى فريق 14 آذار )حينها، اصطدم كالعادة برفض 'أقلوي 'من جانب المعارضة .أما حجج الرفض فتنوعت بين حماية مشروع المقاومة واحتمال استفادة إسرائيل من المعلومات التي يمكن لهذه الكاميرات أن تجمعها، وطبعا رصد تحركات المقاومين ومخازن الأسلحة .وبرزت أصوات لم تعل كثيرا تحدثت عن اختراق هذه الكاميرات لحريات اللبنانيين الشخصية .

لهذه الأسباب وغيرها، طوي المطلب - المشروع، على رغم أن مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة آخر 2006، أقر وضع كاميرات في بيروت الكبرى قبل أن يؤدي رفض 'حزب الله 'للمشروع الى تجميده .وظلت الكاميرات المنتشرة في شوارع بيروت وبعض المناطق هي تلك الخاصة العائدة الى السفارات ومبان ومصارف ومؤسسات وغيرها .مع العلم أن لبنان استفاد في أوقات متفرقة من التسجيلات التي التقطتها كاميرات خاصة خلال عدد من الحوادث، نذكر منها :محاولة اغتيال النائب مروان حمادة، إذ التقطت كاميرا عائدة إلى مدرسة قريبة المشهد السابق للتفجير (غير انه سرعان ما اختفى الشريط )، وأيضا استفاد من أخرى في عملية اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، بعد تحليل محتويات الشريط الذي سجلته كاميرا مثبتة أمام مصرف 'اتش أس بي سي 'في السان جورج .وكان هذا الشريط المصدر الوحيد للصور التي أظهرت آلية ال 'ميتسوبيشي 'البيضاء تنفجر لحظة مرور الموكب .

<
بعد سنوات من سحب مشروع كاميرات المراقبة من دائرة الضوء الإعلامي، وبعد توقف موجة الاغتيالات واستتباب 'الأمن السياسي'، انكشفت الغيوم عن مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن المشكلة الأولى، وإن كانت لم تحظ بالاهتمام نفسه. موجة من السرقات المكثفة وعمليات سلب بقوة السلاح، وصولا الى عمليات قتل ومحاولات قتل بدوافع منها السرقة. ومعظم هذه العمليات تمت في مناطق حيوية أو على طرق رئيسة، ليس في معظمها كاميرات (خاصة) يمكن الاستفادة من تحليل تسجيلاتها. إذ بعدما كانت عمليات سرقة السيارات (رباعية الدفع غالبا) تسجل في مناطق البقاع الشمالي خصوصا، امتدت منه في شكل متزايد السنة الماضية الى مناطق متفرقة وصولا الى قلب بيروت. وحتى نفق سليم سلام الذي لا ينقطع عنه السير ليلا ولا نهارا، ويعد شريانا أساسيا لبيروت، شهد محاولات لسرقة سيارات وعمليات سلب بقوة السلاح نفذ عددا منها سائقون لسيارات أجرة.

نجاح عمليات كثيرة، قد يكون السبب في تشجع خارجين عن القانون على اقتحام الميادين كافة .فعلى بعد أمتار من ثكنة لقوى الأمن الداخلي في الطيونة، أطلق ستة مسلحين النار على سيارة ابنة نائب عن بيروت، وسلبوها سيارتها بقوة السلاح، بينما كانت عائدة من المطار من دون أن يتدخل أحد .وقبل نحو شهر، قتلت امرأة في محل لبيع المجوهرات في الغازية في وضح النهار، بعدما اقفل القتلة باب المحل الحديد، وأطلقوا الرصاص عليها وسلبوا محتويات الواجهة .وقبل ذلك، جرت عملية اختطاف الموظف في شركة 'طيران الشرق الأوسط 'جوزف صادر على طريق المطار في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أكثر من سنة، على رغم الازدحام الذي يشهده الطريق عادة، ومرور دورية لقوى الأمن على المقلب الآخر من الشارع .ويكاد يندر أن يمضي يوم من دون الحديث عما يفوق في أحيان كثيرة عشر عمليات سرقة ونشل حقائب وصولا الى جرائم القتل واستخدام السلاح في شكل غير شرعي .لكن، أي دور يمكن أن تلعبه كاميرات المراقبة في ضبط الأمن في لبنان، خصوصا في ضبط السرقات؟

الكاميرات تسهل عمل قوى الأمن

مصدر رفيع في قوى الأمن الداخلي، أكد ل 'الحياة 'أن كاميرات المراقبة المثبتة على الطرق الرئيسة وفي مناطق محددة هي أداة مهمة في ضبط الأمن في معظم عواصم العالم، وبخاصة في دبي ولندن ومدريد، حيث لعبت دورا أساسيا في كشف أكبر الجرائم (كشف اغتيال القائد في 'حماس 'محمود المبحوح ومن قبله المغنية اللبنانية سوزان تميم في دبي ).ولفت المصدر ذاته الى أن القوى الأمنية في لبنان طورت إمكاناتها لحفظ الأمن والحد من الجرائم والسرقات، 'لكن لو جرى بت موضوع كاميرات المراقبة، لكان ذلك ساعدنا الى حد كبير في القيام بمهماتنا على اكمل وجه، على الأقل في موضوع السرقات '، منتقدا العرقلة التي واجهها مشروع تركيب الكاميرات الذي طرح على بساط البحث في مجلس الوزراء تزامنا مع موجة الاغتيالات السياسية التي تلت اغتيال الحريري .

وقال :'نحن أعددنا ملفا كاملا حول الموضوع، وأحلناه الى مجلس الوزراء، وصار هناك عرقلة حالت دون تمريره .والملف الآن موجود لدى وزارة الداخلية '، داعيا الى 'إعادة طرحه لأنه يسهل مهمتنا الى أقصى حد '.

ولم يجد المصدر مانعا دون استفادة لبنان من تنفيذ مشروع كهذا، مؤكدا أن إقراره 'يحتاج فقط الى قرار سياسي، ونحن جاهزون لتنفيذه '.

قبل كلام المصدر، صدر كلام مشابه عن قائد الدرك في لبنان العميد انطوان شكور خلال زيارته صيدا على خلفية الجرائم وعمليات السلب .غير أن كلام شكور عكس إدراكا بأن احتمال بت موضوع المراقبة لن يكون قريبا .فأوجد من جهته مخرجا آخر، ألقى عبره عبء الأمن على كاهل المواطنين، على قاعدة أن 'كل مواطن خفير '.إذ طلب شكور من المواطن 'المساعدة بالنسبة الى كاميرات المراقبة والشهود من أجل الإفادة منها .كما نطلب من المؤسسات التجارية والخاصة تركيب كاميرات مراقبة '.وأضاف في رده على سؤال عن عدم قيام قوى الأمن بهذه المهمة :'قوى الأمن الداخلي ليست مؤسسة خاصة لتركيب كاميرات في الشوارع، كذلك ليس لدينا إمكانية لتعزيز قطاعاتنا بالوسائل اللازمة لأشغال كهذه، فهذه الأعمال يجب أن تؤمن لها الأموال اللازمة '.

لكن، حتى دعوة شكور لم تشفع للمستجيبين لها .فبعد أيام قليلة من كلام قائد الدرك، نشر في جريدة لبنانية خبر تحت عنوان :'جهة سياسية في صيدا تتجسس على تفاصيل كثيرة في المدينة '، وفيه أن 'تيار سياسي تحت ذريعة حماية مؤسساته المالية والسياسية بات يتجسس على نسبة كبيرة من تفاصيل حركة الشوارع والمواطنين في المدينة عبر كاميرات مراقبة تتمتع بتقنية حديثة وبإمكانها تغطية مساحة واسعة جدا (...)الكاميرات موصولة جميعا الى شاشة موحدة، في ما يشبه غرفة العمليات '.وهكذا عاد الحديث مرة أخرى عن كاميرات المراقبة، لينتهي بكلمات مثل حماية - تجسس - تقنية ...التي تصب كلها في إطار 'تسهيل مراقبة جهات خارجية لبنان '.وهنا يبدو السؤال ضروريا، هل فعلا يثير وجود كاميرات المراقبة في الأماكن العامة المخاوف من عمليات تجسس محتملة، وصولا الى تشكيل خطر على أمن المقاومة؟

'
حزب الله 'لا يعلق

عضو كتلة 'الوفاء للمقاومة 'النيابية علي عمار (حزب الله )هو أيضا عضو في لجنة الدفاع والأمن النيابية التي يفترض أن تناقش أي مشروع يحيله المجلس النيابي إليها ويندرج في إطار تركيب كاميرات للمراقبة، يقول أن المشروع لم يحل الى اللجنة لمناقشته، وإنه لا يمكنه أن يعلق على شيء ليس معروضا أمامه .

غير أن 'حزب الله 'نفسه الذي اعترض في السابق على المشروع بحجة ما قيل أنه 'تهديد لأمن المقاومة '، له قصته مع كاميرات المراقبة .فواحدة منها كانت من الأسباب الأولى التي مهدت للوصول الى صدام 7 أيار (مايو )2008، حين أثار النائب وليد جنبلاط قصة تثبيت الحزب كاميرات مراقبة لاسلكية في حاوية للنفايات في محيط مطار بيروت الدولي لمراقبة المدرج 17 في المطار .كما نشرت جريدة النهار 'المستندات التي تؤكد وجود هذه الكاميرات (مراسلات بين وزير الدفاع الياس المر والجيش الذي أكد الأمر وأحال الملف الى النيابة العامة ).

النائب أحمد فتفت الذي كان وزيرا للداخلية خلال الفترة التي وافق فيها مجلس الوزراء على تركيب كاميرات للمراقبة في بيروت الكبرى، يقول إن 'ما طرحه مجلس الوزراء حينها كان تثبيت كاميرات سلكية في أماكن محددة، ولا سلكية في أخرى، وذلك لدواعي عدم توافر تغطية الأراضي اللبنانية كافة '.

ويأسف لأن 'موضوع الكاميرات لم يطرح لاحقا، بسبب اعتراضات سياسية عليه من بعض الأطراف الذين اعتبروا انه يشكل خطرا على المقاومة ويمس بأمنها وأيضا بسبب كلفته المرتفعة '، لكن موضوع الكلفة كان السنيورة تحدث عن حلول له عبر مساعدات وعبر الاستدانة من المصارف .

ويعلق فتفت على مطالبة شكور المؤسسات بتركيب كاميرات لضبط السرقات، مؤكدا أن 'كاميرات المراقبة لا يمكن أن تكون مفيدة، إلا إذا كانت مربوطة بشبكة مركزية .شبكة موحدة على الطريقة الإنكليزية تلاحق الشخص المشتبه به في كل المناطق داخل البلد الواحد '.

وعن المس بأمن المقاومة، لا يرى فتفت أن كاميرات المراقبة سواء اعتمدت سلكيا أو لاسلكيا 'تشكل خطرا على أمن المقاومة، لم يكن هناك خطر على المقاومة أصلا .كان المشروع وضع كاميرات مراقبة في بيروت الكبرى بداية، تمهيدا لتوسيعه ليشمل كل البلد '.ويقول :'المشروع توقف كليا '.

غير أن تقنيا في مجال كاميرات المراقبة، يؤكد أن كاميرات المراقبة التي تعتمد الطرق السلكية تتطلب وجود غرفة عمليات موحدة وتمديدات خاصة بها .وهذا النوع من الكاميرات مستخدم حول ما يعرف بالمربعات الأمنية في بيروت وسواها وحول السفارات وأماكن أخرى .وهي بطبيعة الحال، غير مرتبطة بالهاتف الدولي ولا الأقمار الاصطناعية ولا الإنترنت، وبالتالي لا يمكن للعدو الاستفادة منها .

والنوع الآخر، والذي يسهل لجهات أجنبية اختراقه والاستفادة من تسجيلاته، هو النوع اللاسلكي، بحيث تبث هذه الكاميرات صورا عبر الأقمار الاصطناعية أو الإنترنت عبر اعتماد طرق خاصة منها استخدام الهاتف .

لكن، بغض النظر عن السجال السياسي، وإذا ما قرر لبنان فجأة أن يراقب ما يدور على طرقه ومناطقه الرئيسة، هل يمكن أن يقف القانون اللبناني في وجه المشروع على قاعدة انتهاكه الحريات الشخصية وحياة اللبنانيين الخاصة؟

بحسب متابعين، فإن القانون يسمح باستخدام هذه التقنية داخل الممتلكات الخاصة فقط، والمؤسسات التجارية .

(
نشر في العدد :17181 ت .م :19-04-2010 ص :26 ط :الرياض )
الموضوع :عام
المصدر :الحياة


Saturday, April 3, 2010



رئيس المحكمة الخاصة بلبنان أكد ان الجزء المرتبط بالتحقيق في تقريره أعده بلمار نفسه
كاسيزي لـ'الحياة': لم نواجه حتى الآن أي رد فعل سلبي وأهم تحد أمامنا هو نفاد صبر المجتمع الدولي تجاه عملنا

منال ابو عبس


<
يبدو رئيس المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان القاضي انطونيو كاسيزي مرتاحا الى ما أنجزته حتى الآن المحكمة المكلفة النظر في قضية اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري والجرائم ذات الصلة. وبحسب القاضي الإيطالي الذي تولى سابقا رئاسة المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، فإن محكمة لبنان 'لم تواجه حتى الآن بأي رد فعل سلبي من طرف دولي'.

غير أن كلامه هذا لا يعني أن 'الطرق الدولية 'مفروشة أمام المحكمة بالورود، إذ يمكن لرفض الدول التصديق على اتفاق التعاون مع المحكمة كمثال واحد، أن يحيي المخاوف مما يمكن أن يواجه عملها في المستقبل .فالمحكمة أعدت اتفاق تعاون شامل وعممته على دول في المنطقة ودول أخرى فيها جاليات لبنانية، ويقول كاسيزي انه 'لم تتم المصادقة على هذا الاتفاق حتى الآن من جانب أي دولة، وكان الرد أن تبني الاتفاق يفترض اعتماده على مستوى البنى القانونية الوطنية، الأمر الذي سيتطلب سنوات طويلة '.وعلى رغم تأكيد رئيس المحكمة أن 'هذا لا يعني أن الدول رفضت، بل أن آليات اعتماد هذا الاتفاق ستتطلب إجراءات معقدة مثل إحالة هذا الاتفاق على المجلس النيابي لتصديقه '، فإنه لا ينفي انتقال المحكمة من 'صيغة الاتفاق الملزم الى صيغة التعاون البراغماتي 'عبر 'تبني وسيلة تبادل الرسائل مع بعض الدول تتعهد خلالها بالتعاون على أساس الاتفاق، وهذا بطبيعة الحال ليس ملزما '.

تحد آخر تخوف كثيرون من أنه سيواجه المحكمة :التمويل .غير أن كاسيزي يؤكد أن التحدي الذي تواجهه محكمة لبنان في هذا الإطار 'هو نفسه الذي تواجهه كل المحاكم الدولية، وهو ظاهرة نفاد صبر المجتمع الدولي تجاه هذه المحاكم نظرا لكلفتها '.ويحمل كلامه جانبا تطمينيا الى الممولين ب 'أننا نبذل جهدا كبيرا من أجل اقتصار نفقاتها واستخدام الموارد على الشكل الأمثل '.

'
الحياة 'عبر مكتبها في بيروت، أجرت مقابلة مع كاسيزي عبر مكتبه في لاهاي، هذا نصها :

تناول تقريرك الأخير الذي أصدرته في مناسبة مرور سنة على انطلاقة المحكمة معلومات عن التحقيق، وهو ما قلت سابقا إنه من صلاحية المدعي العام دانيال بلمار التحدث عنه، فإلى ماذا استندت في حديثك؟

-
من المهم جدا أن أؤكد هنا مبدأ أساسيا جدا في عمل المحكمة وهو سرية التحقيق، ما يعني أن المعلومات بخصوص التحقيق هي تحت سلطة المدعي العام ولا مجال لأي من الأجهزة الأخرى أن تكون مطلعة عليها، بما فيها أنا باعتباري رئيسا للمحكمة ورئيسا لغرفة الاستئناف أيضا .

التقرير السنوي الذي أصدرته عن السنة الأولى للمحكمة هو حصيلة عمل الأجهزة الأربعة للمحكمة وهو مراكمة لأعمال هذه الأجهزة من دون أن يعني ذلك أنني شخصيا مطلع عليها .في ما يتعلق بالقسم الخاص بالتحقيق فقد تم إعداده في مكتب المدعي العام ودوري كان أنني أضفت هذا القسم الى التقرير .الجدير بالذكر هنا أن رئيس المحكمة هو المخول إصدار التقرير السنوي باعتباره رأس المحكمة، وهذا لا يعني انه شخصيا يعد كل قسم منه، بل انه المسؤول رسميا عن تقديمه .المحكمة تتشكل من أربعة أجهزة مستقلة تماما وما ضمنته في الأقسام الخاصة بقلم المحكمة ومكتب الادعاء ومكتب الدفاع هو ما أعدته هذه الأجهزة عن حصيلة عملها .

قلة صبر

ألمحت في تقريرك الى تحديات تواجه الموازنة، ما هو سبب بروز هذه التحديات، وماذا تحقق لتأمين موازنة السنة المقبلة، خصوصا ما ذكر عن تقليص مساهمات عدد من الدول للعام 2010، ومساهمة دولة واحدة بمبلغ زهيد في موازنة العام 2011؟

-
إن التحدي الذي تواجهه المحكمة الخاصة بلبنان هو نفسه التحدي الذي تواجهه كل المحاكم الدولية وهو ظاهرة قلة صبر المجتمع الدولي تجاه هذه المحاكم نظرا لكلفتها .أستطيع أن أؤكد أننا لم نواجه حتى الآن أي مشكلة في التمويل وحصلنا على تمويل كاف للسنة الجارية (55 .4 مليون دولار تم التزام تأمين 90 في المئة منها ).كما أننا لا نشعر بقلق حيال تأمين التمويل اللازم بالنسبة للسنة المقبلة .

صحيح أن نفقات المحاكم الدولية كبيرة، إلا أننا نبذل جهدا كبيرا من اجل اقتصار نفقاتها واستخدام الموارد على الشكل الأمثل .أستطيع أن اقدم مثلا وهو أن ثلاثة قضاة فقط من اصل 11 يواظبون حاليا على العمل في المحكمة ويتقاضون رواتب نظرا لعدم انطلاق الإجراءات القضائية حتى الآن .كما أن هناك سكرتيرة واحدة لسبعة أشخاص في الغرف .الأمر نفسه ينطبق على الأقسام الأخرى .إذ اخترنا عدم تعيين نائب رئيس للقلم لهذه السنة لعدم وجود حاجة ملحة لذلك، الأمر الذي يستتبع أيضا خفضا في النفقات .نحن نحاول أن نقيم موازنة بين ضرورة إنجاز عملنا بجودة وبين مراعاة محدودية الموارد وضرورة استخدامها بما يحقق الإفادة القصوى .

كذلك، أريد أن أوضح أن الإمكانات المتوافرة للمحكمة مخصصة في شكل كبير منها هذه السنة لدعم التحقيق للتمكن من الانتقال الى مرحلة إصدار القرار الظني .

ذكرت في تقريرك أن المحكمة ستنتقل الى العمل القضائي في شكل فاعل السنة المقبلة، هل هذا يعني أن بلمار سيصدر قراره الاتهامي قبل نهاية 2010؟

-
اكرر مجددا أنني لست على اطلاع على تفاصيل عمل المدعي العام وأنه لا مجال للحديث عن مهل لإصدار القرار الاتهامي .

أود أيضا أن اشدد على أن كل ما يساق حول اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي أو ابتعاد هذا الموعد هو مجرد تكهنات لا علاقة لها بعملنا، لأن الوحيد القادر على البت بالأمر هو المدعي العام الذي سيقول كلمته في نهاية المطاف .

وما جاء في تقريري في الفقرة 240 منه هو انه خلال الأشهر ال12 المقبلة، تنوي المحكمة الخاصة بلبنان إنجاز أهداف منها :دعم جهود المدعي العام الآيلة إلى اتخاذ كل التدابير المعقولة لرفع وتيرة التحقيقات وعملية جمع الأدلة، ومباشرة الإجراءات التمهيدية فور تقديم المدعي العام لقرار اتهام وتصديقه من قبل قاضي الإجراءات التمهيدية، بهدف تعجيل موعد المحاكمة .

في الفقرة 66 تذكر أنه 'يفصل بين مباشرة ادعاء محكمة دولية وبين بدء إجراءات المحاكمة سنتان الى 3 كقاعدة عامة، هل تتوقع أن تكون المدة بالنسبة الى محكمة لبنان أطول أم اقصر، بنتيجة التحديات التي تواجهها؟ وفي السياق نفسه، لماذا لم تذكر في التقرير المدة التي تحكم بدء عمل المحكمة وصدور القرار الظني، خصوصا أن صدور القرار الظني في محكمة يوغسلافيا السابقة صدر بعد اشهر عدة من تعيين المدعي العام؟

-
لا أستطيع أن اعلق على مدد طويلة أو قصيرة، لكننا ملتزمون اختصار المدد وعدم التأخير .كما أننا اعددنا أساسا كل البنى التحتية القانونية والعملية الأساسية لعملنا والتي من دونها لا يمكن إطلاق العمل القضائي ونحن الآن في حالة جاهزية تامة في انتظار صدور القرار الاتهامي .كل ما أستطيع قوله هو أن المدعي العام يعمل بجد ومكتبه يعمل بكل طاقته .كما اننا اعددنا كل البنى التحتية القانونية الضرورية من اجل إتاحة المجال أمام قاضي الإجراءات التمهيدية لمباشرة عمله فور صدور القرار الاتهامي لدراسة الملف المحال إليه من قبل المدعي العام .

أنا شخصيا غير مطلع على تفاصيل التحقيق، وكما ذكرت سابقا فإن سرية التحقيق مبدأ أساسي لا يمكن أن نفرط به .إلا أننا ملتزمون ضمان إجراءات قضائية نزيهة تراعي أعلى معايير العدالة الدولية من دون تسويف في الوقت أو إهدار للإمكانات في الوقت نفسه .إن عملية الموازنة تلك صعبة لكننا حريصون جدا على النجاح بهذا التحدي .

ذكرت في خانة عمل المحكمة وتحدياتها أن عمل المحكمة يحكمه عنصر التجربة والخطأ، هل ما قلته في الفقرة 192 عن 'سحب بعض الأدلة والمعلومات غير الموثوق بها 'هو نتيجة خطأ ما؟ وهل هذا متعلق بمحمد زهير الصديق مثلا؟

-
ما ورد في تقريري حول التحقيق هو حرفيا ما قدمه مكتب المدعي العام، وأنا لست في موقع التعليق عليه لأنني لست مطلعا على تفاصيل التحقيق .

طبعا ليس هناك من 'أخطاء '، ولا يمكن أن نتحدث عن 'أخطاء '.وألفت هنا الى مبادئ عامة في هذا النوع من التحقيق وهي أن المدعي العام يستطيع إعادة توجيه مسار التحقيق أو تعديله أو البقاء عليه وتعزيزه بحسب الأدلة المتوافرة لديه وصلابتها أو ضعفها وذلك تقليد معهود بالنسبة لهذا النوع من التحقيقات .

نية التعاون موجودة

من هي الدول التي وقعت المحكمة معها اتفاقات في شأن التعاون الأفقي مع الدول الثالثة، ومن هي الدول التي لم توقع؟ خصوصا أنك أوضحت في الفقرة 104 أنكم تقدمتم بمسودات اتفاق حول التعاون القانوني وتنفيذ الأحكام الى 20 دولة .وما هو عدد الدول التي صادقت على هذه الاتفاقات؟

-
لقد أعددت اتفاق تعاون شامل وقمنا بتعميمه على دول في المنطقة ودول أخرى فيها جاليات لبنانية .لم تتم المصادقة على هذا الاتفاق حتى الآن من جانب أي دولة، وكان الرد أن تبني الاتفاق يفترض اعتماده على مستوى البنى القانونية الوطنية .الأمر الذي سيتطلب سنوات طويلة .لا يعني ذلك أن هذه الدول رفضت، بل أن آليات اعتماد هذا الاتفاق ستتطلب إجراءات معقدة مثل إحالة هذا الاتفاق على المجلس النيابي بصدد تصديقه، وذلك لكون الاتفاق شاملا ويغطي مجالات واسعة جدا .

انتقلنا من مقاربة طموحة للتعاون مع الدول الى مقاربة اكثر براغماتية، إذ اخترنا أخيرا تبني وسيلة تبادل الرسائل مع بعض الدول تتعهد خلالها بالتعاون على أساس الاتفاق، لكن باعتباره مجموعة من المبادئ التوجيهية وليس اتفاقا ملزما .

أستطيع أن أؤكد أن نية التعاون موجودة لدى الجميع ولم نحصل على أي رد سلبي حتى الآن .ما جرى هو أننا انتقلنا من مقاربة طموحة جدا الى اعتماد آليات اكثر واقعية الهدف منها ضمان المزيد من الفاعلية لإجراءاتنا .

هل امتناع بعض الدول عن التوقيع على اتفاقات ينذر بما أشرت إليه في الفقرة 61 بأن 'المحكمة قد تصبح عاجزة إذا لم تقدم لها الدول الدعم المطلوب '؟

-
المحكمة لم تواجه حتى الآن أي رد فعل سلبي من طرف دولي .إن الدول تفضل أن تتعاون في إطار حالات محددة وليس بناء على اتفاق تعاون ملزم يفترض اعتماده إجراءات طويلة ومعقدة .وجدنا أننا كنا طموحين جدا في تصور اتفاق من هذا النوع، وأن علينا أن نكون اكثر واقعية، إلا أن ذلك لا يعني أننا واجهنا رفضا أو أن الدول غير راغبة في التعاون .انتقلنا من صيغة الاتفاق الملزم الى صيغة التعاون البراغماتي .

المحكمة ليس لديها سلطة إرغام الدول على التعاون، كما ليس لديها أدواتها الخاصة كالشرطة .وفي هذه الظروف فإن السبيل الوحيد هو الإقناع عبر الطرق الديبلوماسية .

اجراءات مرتبطة بالشهود

هل هناك تدابير اتخذت حتى الآن في ما يخص (حماية )بعض الشهود؟

-
القاعدة العامة هي أن المحاكمات علنية، إلا أن بعض الشهود قد يقدم حجة راجحة لعدم مثوله علنا، فيدلي بشهادته أمام الادعاء والدفاع فقط .في حالات استثنائية جدا، رأت هذه الإجراءات أن يقتصر معرفة هوية شاهد على قاضي الإجراءات التمهيدية من دون الطرفين .إلا أن الإجراءات ارتأت وذلك من باب التأكيد على نزاهة المحاكمة أن لا يصدر اتهام بحق طرف ما بناء على شهادة شاهد لا تكشف هويته .

فالمادة 93 من قواعد الإجراءات والإثبات أجازت لقاضي الإجراءات التمهيدية، بناء على طلب من المدعي العام أو الدفاع أو الممثل القانوني لمتضرر مشارك في الإجراءات استجواب الشاهد في غياب الفريقين، أو في غياب الممثل القانوني للمتضرر المشارك في الإجراءات، إذا كان هناك، في أية مرحلة من الإجراءات :

خطر جدي قد يهدد حياة شاهد أو شخص مقرب من الشاهد أو قد يعرضه للإصابة بأضرار بدنية أو عقلية خطيرة جراء الكشف عن هويته .2 )خطر جدي قد يمس بالمصالح الأمنية الوطنية الأساسية في حال الكشف عن :هوية الشاهد أو انتمائه .وبحسب المادة نفسها، يتيح قاضي الإجراءات التمهيدية للمدعي العام والدفاع والممثلين القانونيين للمتضررين المشاركين في الإجراءات فرصة توجيه أسئلة إلى الشاهد من دون الكشف عن هويته .وتنقل الأسئلة نفسها الى الشاهد .يجوز أيضا لقاضي الإجراءات التمهيدية استجواب الشاهد من تلقاء نفسه .إلا أن المادة 159 من قواعد الإجراءات والإثبات وضعت حدودا للجوء الى مثل هذه الشهادات، إذ نصت على انه 'لا يمكن أن تستند الإدانة، فقط أو في شكل حاسم، إلى إفادة أدلى بها شاهد وفقا للمادة 93 '.

ما ردك على بعض الانتقادات التي طاولت التقرير في لبنان، وأشارت الى أنه استفاض في العموميات وتعريف أنواع الجرائم وغيرها ليبرر تأخر صدور القرار الظني؟

-
على عكس ما تقولون، التقرير السنوي الذي أصدرته لم يغص في العموميات، بل تحدث وبالتفصيل عن نشاطات السنة الأولى على مستوى الأجهزة الأربعة مقدما معلومات عملية وبالتفصيل .ليس لدينا ما نخفيه .لقد شرحت مرارا أن التحقيق في الجرائم الإرهابية مسألة معقدة والمحكمة الخاصة بلبنان هي أول من يتصدى لهذه المهمة على مستوى المحاكم الدولية .

القرار الظني سيصدر عندما يصبح المدعي العام جاهزا، لكننا أنجزنا عملا هائلا خلال سنة خصوصا لجهة اعتماد البنى القانونية الأساسية لعملنا والتي من دونها لا يمكن أن تنطلق الإجراءات القضائية فضلا عن إعداد قاعة المحاكمة التي ستتميز بأحدث التقنيات وسيتم إنجازها في غضون أسابيع قليلة .

التسريبات ...

في شأن الاستقالات الخمسة التي حصلت خلال السنة الماضية، ما هو مصير المعلومات التي اطلع عليها كل من المستقيلين؟ وكيف تضمن المحكمة عدم تسريب هذه المعلومات؟

-
الضمانة الفعلية لعدم تسريب المعلومات هي النزاهة الكبيرة والمهنية العالية التي يتمتع بها فريق العمل في المحكمة، كما أن استقالة مسؤولين أمر معهود في المحكمة الدولية إذ هناك دوما حركة ذهاب وإياب مستمرة، خصوصا أن العاملين في هذه المحاكم ينتمون الى جنسيات مختلفة، وعادة يرغبون في العودة الى بلادهم .أريد أن أقول ان تلك حالة مشتركة لدى كل المحاكم الدولية، وفي كل الحالات يطلع الموظفون على معلومات خاصة .إلا أن ذلك لا يعني انهم سيقومون بتعميم هذه المعلومات لدى انتقالهم الى منصب جديد .تلك طبيعة عمل المحاكم الدولية وما يجرى في المحكمة الخاصة بلبنان ليسن غريبا في عالم القضاء الدولي .

ماذا عن الاتهامات بالتسريبات التي ساقتها بعض وسائل الإعلام ضد الفريق العامل في المحكمة؟

-
أولا، أريد أن أوضح مسألة في غاية الأهمية، أننا بدءا مني ووصولا الى كل فريق العمل بكل أفراده لسنا مطلعين أساسا على أي معلومات عن التحقيق الذي يخضع لسرية مطلقة .كما أن مكتب المدعي العام حريص الى أقصى الحدود على سرية التحقيق وحمايته .

أريد هنا أن أعلق على سوق بعض وسائل الإعلام اتهامات للمتحدثة الرسمية باسم المحكمة السيدة فاطمة العيساوي بتسريب معلومات .وأنا اعتبر هذه الاتهامات أمرا مؤسفا، وأشدد على تأكيد ثقتي الكاملة بالسيدة العيساوي، كما ثقة كل الأجهزة بها .وهي على درجة كبيرة من المهنية والنزاهة كما أنها لا يمكن أن تكون مصدر تسريب لأي أمر، خصوصا أنها كما الآخرين في أجهزة المحكمة غير المعنية، ليست على علم بمجريات التحقيق .

لا خيار الا النجاح

في حال قرر لبنان وحكومته، لأي سبب من الأسباب الخاصة به، انه لم يعد بمقدوره أن يدفع نسبة ال49 في المئة المتوجبة عليه لسداد مستحقات المحكمة، هل يعني ذلك أن المحكمة ستتوقف؟ وفي حال كان الجواب لا، ما تأثير ذلك في عمل المحكمة، وما هي الإجراءات البديلة؟

-
ليس هناك من توجه لوقف الأموال، ولسنا قلقين حيال ذلك .لقد لقينا تجاوبا كبيرا من الحكومة اللبنانية وهذا التجاوب لا يزال قائما .كما أريد أن ألفت الى أن النظام التأسيسي للمحكمة لحظ أيضا وسائل تمويل بديلة، إلا أننا لسنا في خوف من مواجهة موقف كهذا .فقد نصت المادة الخامسة من الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة على انه في حال عدم كفاية التبرعات لتنفيذ المحكمة لولايتها، يقوم الأمين العام ومجلس الأمن باستكشاف وسائل بديلة للتمويل .

يقول البعض أن عمل المحكمة وأجهزتها في الفترة الحالية مقتصر على العلاقات الإعلامية، بمعنى تنظيم لقاءات وحوارات وزيارات، وأن مصاريف هذه العلاقات يكبد المحكمة مصاريف لا لزوم لها، ما هو رأيك؟

-
ما تسميه علاقات إعلامية، نسميه نحن برنامج التواصل الخارجي وهو أساسي لتقريب المسافة بيننا وبين اللبنانيين .هذه المحكمة أساسا أنشئت من اجل اللبنانيين ومن دون دعم الرأي العام اللبناني لا يمكن أن ننجح في مهمتنا، خصوصا أن هناك الكثير من التصورات المغلوطة حول عملنا ومحاولات تسييس لعملنا ووضعنا في هذه الخانة أو تلك .

نحن نعي أن عمل المحكمة معقد، وقد يكون من الصعب على اللبنانيين فهمه من هنا ضرورة التواصل معهم من خلال هذا البرنامج الذي ننوي تعزيزه هذه السنة .

متى يمكن القول أن محكمة لبنان فشلت في تأدية مهمتها؟

-
الفشل ليس احتمالا مطروحا للمحكمة .لا خيار أمامنا إلا النجاح والنجاح فقط .إن سمعة القضاء الدولي معلقة على المحكمة وليس فقط سمعة قضاتها وفريقها العامل .نحن نعي أن التحدي كبير، إلا أننا مستعدون لمواجهته

(
نشر في العدد :17165 ت .م :03-04-2010 ص :11 ط :الرياض )
الموضوع :عام
المصدر :الحياة