< تحتل كلمة 'مصالحة' صدارة قائمة
الكلمات التي يتعرض لها اللبناني الآن. فبعد 'الفتنة' و'الخط الأحمر'
و'الانتصار' التي أخذ كل منها حيزا كاملا في مرحلة سابقة، خلت الساحة الآن
'للمصالحات' والدعوات إلى 'توسيع رقعتها' والحفاظ عليها
لأنها 'ضمانة للوطن'. وترافق ذلك، مع تهدئة على 'الجبهات' السياسية،
فبات الخطباء يتفادون إثارة المسائل الخلافية الكبرى، ما استلزم غياب بعضهم
عن المنابر، واكتفاء بعضهم الآخر بالحديث عن مواضيع عامة أو 'سياحية'... وبقدر
أقل مما قد يثير الحساسيات الداخلية.
لكن ما يدور في الكواليس السياسية، ليس هو ذاته ما
يدور في الشارع المنقسم - كما سياسييه - بين أكثرية ومعارضة
.والتهدئة السياسية التي تفترضها عمليات التحضير لمصالحة تكمل ما حصل في الجبل
والشمال، لم تنعكس تفاؤلا عاما لدى أنصار الفريقين في كل من الشارعين، والأمثلة
كثيرة :
ياسين مناصر ل 'حزب الله 'لا يبدو مهتما بما يدور من حديث عن
مصالحات .ف 'السياسة لم تعد تهمني، وفي النهاية كلهم مثل بعضهم ...كلهم
مستعدون أن يبيعونا فداء لمصالحهم '، يقول .هو يسعى وراء أي فرصة
للسفر وللحصول على جنسية جديدة .
ما يقوله ياسين قد يبدو مستفزا لدعاة 'الوطنية '، ولكن
بالنسبة إليه :'إذا كانت الوطنية هي عبر اللحاق بالزعيم وقت الحرب
وبالتطبيل له وقت المصالحة، فأنا لست وطنيا '.
على عكس ياسين، يبدو باسم أكثر اهتماما بالموضوع .هو يعمل ويعيش
في دبي، وكانت الأحداث الأمنية المتكررة منعته من زيارة أهله في لبنان العام الماضي
.أما الآن، ف 'الحمد لله، كلهم يحبون بعضهم، والله يديم الوفق حتى نظل نزور لبنان
'.ينفي باسم أن تكون قناعته هذه منطلقة من منفعته الذاتية، ويقول :'الأكيد
أن المصالحات أمر إيجابي، هي تخدم مصلحة البلد .ثم عمليا أيهما
أحسن، أن يتخاصموا وتكثر التوترات الأمنية والتفجيرات، أو يتصالحوا وتهدأ
الأمور '؟ .
سؤال باسم الأخير سيجيب عنه فادي المناصر ل 'القوات اللبنانية
'والمشغول الآن بأخبار المصالحة مع تيار 'المردة '.يقول فادي إن أجواء التهدئة وإن
لم تقض نهائيا على التوترات الأمنية المتنقلة، إلا أنها ساعدت في تخفيفها الى
حد كبير .ويتحدث عن ضرورة دعم الناس خطوات التهدئة والمصالحة 'لأن البلد لازم
يرتاح '، من دون أن يغفل الإشارة إلى دور فريقه 'التوفيقي 'في استيعاب الأطراف
الآخرين وتقديم الممكن للوصول إلى قواسم مشتركة 'تحمي
الجميع والبلد '.ولكن، هل فعلا ستحمي المصالحات لبنان؟ يبتسم
ويقول :'هل حمت جلسات الحوار البلد من حرب تموز '؟
حماية لبنان هي بالضبط ما يبحث عنه 'أبو ربيع '، فلا يجد من يسعى إليه في 'الطبقة السياسية
الحاكمة '.يتحدث عن بيروت التي كانت 'تحمي الجميع '، ليستنتج أن
ما يحصل الآن 'ليس مصالحات، بل تسويات تفرضها المرحلة '.فبالنسبة إليه 'ما
حصل في أيار (مايو )الماضي كانت تداعياته كبيرة على الناس
والنفوس، إذ فرز البلد بين قوي وضعيف '، ليسأل :'ما الذي تغير منذ أيار لتحصل
المصالحة، ثم من يصدق أن المصالحة بين القوي والضعيف ستكون متكافئة '؟ .
'لن تكون متكافئة '، يجيب نادر الذي يعمل نادلا في
أحد مقاهي وسط بيروت .نادر خريج إدارة أعمال في الجامعة اللبنانية
ويعمل بدوام جزئي في انتظار فرصة 'تحمل تذكرة سفر '.يقول إنه خلال السنوات
الثلاث الماضية لم يناصر أيا من الفريقين، بل على العكس 'كنت أسخر من رفاقي ومواقفهم
السياسية، واليوم تأكدت لهم صحة موقفي '.كيف؟ يجيب :'العالم منشغل بالأزمة المالية،
والبلد غارق في الديون، وأكثر من نصف الشباب عاطل من العمل، وعلى رغم ذلك يتلهى
سياسيونا بأمور تخدم مصالحهم وحدها .ليتهم يلتفتون إلى هموم الناس المعيشية وتأمين
فرص عمل بدل كل ما يفعلوه '.
'الأهم من المصالحات هو أجواء التهدئة التي
يعيشها لبنان '، هذا ما يسهل استنتاجه بعد استطلاع لآراء عدد من المواطنين .والأهم من أجواء التهدئة
أن أيا من الفريقين لم يعد ينظر إلى الآخر على أنه 'عدو مطلق
'، إنما صديق محتمل، من دون أن يغيب عن البال أن في الأفق انتخابات نيابية مقبلة
.
|
No comments:
Post a Comment