والد شهيد « الحزب الديموقراطي » منع الحديث عن الجريمة ... والصراخ والشتائم . لبنان : صالح العريضي يشيع اليوم والاتهامات تركز على « أعداء المصالحة »
منال أبو عبس
Al-Hayat (899 كلمة)
تاريخ النشر 12 سبتمبر 2008
منال أبو عبس
Al-Hayat (899 كلمة)
تاريخ النشر 12 سبتمبر 2008
عند التاسعة والنصف ليل الاربعاء، أودى انفجار عبوة ناسفة بحياة القيادي في « الحزب الديموقراطي اللبناني » صالح فرحان العريضي في بلدته بيصور في جبل لبنان. ومعه عاد شبح مسلسل الاغتيالات السياسية الذي كان شهد لبنان آخر حلقاته مع اغتيال الرائد في فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وسام عيد في كانون الثاني (يناير) الماضي.
ويأتي اغتيال العريضي (55 عاما) وهو الأول بعد توقيع اتفاق الدوحة بين الزعماء اللبنانيين في أيار (مايو) الماضي، في مرحلة هدوء سياسي »نسبي«، مع انطلاق المصالحة في طرابلس، ودعوة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الزعماء اللبنانيين إلى الحوار الوطني الأسبوع المقبل، في ظل آمال بمصالحات جديدة.
يذكر أن العريضي الذي كان ينتمي إلى »الحزب التقدمي الاشتراكي« برئاسة رئيس »اللقاء الديموقراطي« النائب وليد جنبلاط قبل أن ينتقل عام 1999 إلى »الحزب الديموقراطي اللبناني« الذي يرئسه الوزير طلال ارسلان، لعب دورا في التقارب بين الزعيمين الدرزيين جنبلاط وأرسلان، وكان يتولى ملف اتصالات »الديموقراطي« مع الأحزاب. وهو أب لأربعة أولاد وفتاة.
وعند الثانية عشرة ظهر اليوم يشيع العريضي في بيصور، على أن يتخلل التشييع كلمات لكل من أرسلان ولعائلة الشهيد، ومن المتوقع أن يكون هناك كلمة أيضا لجنبلاط.
< يلف الشــريط الأصفر الساحة الأمامية لمنزل العريضي، مانعا أيا كان من الاقتراب. السيارة ما زالت في الســـاحة هـــنا، محترقة وقد تطايرت أجزاء كثيرة منها، فبدت مثل »علكة« رميت للتو. في الطابق الأول من المـــبنى المطل على الســاحة شرفة منزل محترقة بالكامل من جراء الانفجار. هو منزل شقيق صالح. أما منزل صالح الملاصق لمنزل أخيه، فلم تحترق شرفته.
داخل الشريط الأصفر خبراء وفنيون كثر. يلبسون قفازات بيضا ويرفعون أدلة من السيارة وعن الأرض، ويدونون على أوراق بيض أمامهم. حركاتهم الدقيقة والفنية لا تطمئن قلة من الشبان يقفون على مقربة من مكان الانفجار. »التفجيرات السابقة كانت أكثر وضوحا من هذا«، يقول رواد ويضيف: »القاتل فيها كان معروفا، وعلى رغم ذلك لم يصل المحققون إلى نتيجة«. إلى جانب رواد يقف شاب آخر كان أول الواصلين لحظة وقوع الانفجار. قبل قليل كان يروي الحادثة بالتفصيل لعناصر من الجيش اللبناني متمركزين بأسلحتهم في جيب عسكري أمام موقع الانفجار. يقول الشاب إنه كان في مقهى للإنترنت يبعد عشرين مترا من منزل العريضي. سمع دويا كبيرا، غير أنه لم يرد على باله أو بال أي من الذين في الداخل أنه انفجار، ظنوا أنه »حادث سير ضخم«. خرج الشاب ومن معه ليتفقدوا ما حصل، ففاجأتهم السنة النار ترتفع من سيارة أمام منزل العريضي، قبل أن يبدأ إطلاق النار في الهواء.
يتحدث الشاب عن حال الهلع التي سادت المنطقة: »لا أحد كان يعتقد أن انفجارا سيقع في هذه الفترة في بيصور«. إذ أن البلدة مختلطة طائفيا وتضم إلى »الحزب التقدمي الاشتراكي« و«الحزب الديموقراطي اللبناني« أنصارا لـ »الحزب القومي السوري« و »الحزب الشيوعي«.
يشيد رجل من البلدة بمسيرة العريضي الشهيد. الرجل »اشتراكي«، لكنه يعترف بدور بارز للعريضي في »العمل على تقريب وجهات النظر بين الزعماء الدروز لتحييد الجبل في أحداث أيار«.
في الطابق الأرضي لمنزل العريضي، ملحمة وصيدلية ومحل لبيع الألعاب. المحلات الثلاثة أصيبت بأضرار بالغة، وسقط فيها ثلاثة جرحى. وبين الجرحى اثنان من المارة، وآخر كان يتناول الطعام في المطعم المقابل.
»شهيد وحدة الجبل«
أمام ساحة الانفجار أولاد يلعبون بالحجارة، وشبان لا يتجاوز عددهم العشرة. كل ما يحصل هنا لا يشبه ما كان يحصل غداة أي من الانفجارات السابقة. لا اتهامات أكيدة ولا شتائم ولا تحميل للمسؤولية... العبارات نفسها التي تلفظ بها زعماء الدروز تتكرر على ألسنة من نصادفهم، فيكون العريضي »شهيد وحدة الجبل«، أما الفاعل، فـ«من ليس له مصلحة في وحدة الدروز«، أي المجهول. وإجماع على أن »الاغتيال سياسي لضرب المصالحة« بين جنبلاط وإرسلان.
من ساحة الانفجار، يمكن تتبع خطوات النسوة المتشحات بالأسود والمناديل البيض للوصول إلى قاعة التعزية التي تبعد بضع عشرات من الأمتار. تنقسم القاعة إلى قسمين، واحد خاص بالرجال وآخر بالنساء، ولا تطل أي منهما على الأخرى.
في قاعة الرجال يجلس والد الفقيد الشيخ أبو صالح فرحان وبجواره الوزير غازي العريضي وسياسيون ومعزون، فيما تتلى آيات من القرآن الكريم. والد الفقيد من مشايخ الدورز البارزين في بيصور. وهو اتخذ منذ اليوم السابق قرارا حظر فيه على العائلة والمقربين الحديث عن الجريمة أو العائلة. وحده الأمين العام لـ »الحزب الديموقراطي« زياد شويري تحدث قليلا عن الحادث، وقال إن العريضي خرج مساء من منزله وتوجه إلى ساحة بيصور لوقت قصير، ثم عاد إلى منزله، وأوقف سيارته بعيدا من المنزل، ثم عاد بعد فترة ليركنها قرب المنزل، ولدى وصوله، وقع الانفجار.
في القسم بالخاص بالنساء يبدو الحزن أكثر بروزا. هنا تلتف أخوات صالح حول النعش. وتتوسطه صورة لصالح مبتسما والخلفية حمراء. على مقربة من النعش أيضا تجلس زوجة صالح ووالدته تتوسطهما زوجة ارسلان، لتقبل التعازي.
للحزن هنا طــابع رسمي فرضــته إرادة الشيخ أبو صالح، فلا شتــائم ولا صراخ، إنما نحيـــب يرتــفع ويــخفت، وعــبارات: »يا خيي« و »يا صالح«.
إجماع على المصالحة
يخيم الحزن على قسمي القاعة. في القسم الخاص بالرجال الطابع السياسي الرسمي، وإن لم تغب العاطفة. فأرسلان الذي قطع سفره وعاد بسبب الاغتيال، لم يفلح في الحفاظ على صلابته. وقف أمام المعزين كتفا بكتف مع الوزير العريضي. وخاطب ارسلان الفقيد كأنه يقف أمامه. تحدث عما هو مشترك، فغلبته عاطفته وذرف دموعا على من سماه »رفيق الدرب والعمر«. قبل ذلك بليلة واحدة، بعد وقت قليل من وقوع الجريمة في المساء كان جنبلاط يقف كتفا بكتف مع والد الفقيد. يخاطب الجمهور نفسه ويحذر من الفتنة ويؤكد »وحدة الجبل«.
وإلى جنبلاط وارسلان والعريضي توالى سياسيون كثر الى القاعة لتقديم التعازي، بينهم الوزير وائل أبو فاعور والنائب الياس عطا الله وعضو المجلس السياسي لـ«حزب الله« محمود قماطي الذي اتهم إسرائيل بالتفجير.
أمس، في محيط قاعة تقبل التعازي لم يكن ثمة شعارات مرفوعة في الهواء وعلى الوجوه. وحدها مشاعر يختلط فيها الحزن بالجهل. الجهل بهوية الفاعل أو على الأقل عدم القدرة على توجيه إصبع الاتهام في أي اتجاه.
ويأتي اغتيال العريضي (55 عاما) وهو الأول بعد توقيع اتفاق الدوحة بين الزعماء اللبنانيين في أيار (مايو) الماضي، في مرحلة هدوء سياسي »نسبي«، مع انطلاق المصالحة في طرابلس، ودعوة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الزعماء اللبنانيين إلى الحوار الوطني الأسبوع المقبل، في ظل آمال بمصالحات جديدة.
يذكر أن العريضي الذي كان ينتمي إلى »الحزب التقدمي الاشتراكي« برئاسة رئيس »اللقاء الديموقراطي« النائب وليد جنبلاط قبل أن ينتقل عام 1999 إلى »الحزب الديموقراطي اللبناني« الذي يرئسه الوزير طلال ارسلان، لعب دورا في التقارب بين الزعيمين الدرزيين جنبلاط وأرسلان، وكان يتولى ملف اتصالات »الديموقراطي« مع الأحزاب. وهو أب لأربعة أولاد وفتاة.
وعند الثانية عشرة ظهر اليوم يشيع العريضي في بيصور، على أن يتخلل التشييع كلمات لكل من أرسلان ولعائلة الشهيد، ومن المتوقع أن يكون هناك كلمة أيضا لجنبلاط.
< يلف الشــريط الأصفر الساحة الأمامية لمنزل العريضي، مانعا أيا كان من الاقتراب. السيارة ما زالت في الســـاحة هـــنا، محترقة وقد تطايرت أجزاء كثيرة منها، فبدت مثل »علكة« رميت للتو. في الطابق الأول من المـــبنى المطل على الســاحة شرفة منزل محترقة بالكامل من جراء الانفجار. هو منزل شقيق صالح. أما منزل صالح الملاصق لمنزل أخيه، فلم تحترق شرفته.
داخل الشريط الأصفر خبراء وفنيون كثر. يلبسون قفازات بيضا ويرفعون أدلة من السيارة وعن الأرض، ويدونون على أوراق بيض أمامهم. حركاتهم الدقيقة والفنية لا تطمئن قلة من الشبان يقفون على مقربة من مكان الانفجار. »التفجيرات السابقة كانت أكثر وضوحا من هذا«، يقول رواد ويضيف: »القاتل فيها كان معروفا، وعلى رغم ذلك لم يصل المحققون إلى نتيجة«. إلى جانب رواد يقف شاب آخر كان أول الواصلين لحظة وقوع الانفجار. قبل قليل كان يروي الحادثة بالتفصيل لعناصر من الجيش اللبناني متمركزين بأسلحتهم في جيب عسكري أمام موقع الانفجار. يقول الشاب إنه كان في مقهى للإنترنت يبعد عشرين مترا من منزل العريضي. سمع دويا كبيرا، غير أنه لم يرد على باله أو بال أي من الذين في الداخل أنه انفجار، ظنوا أنه »حادث سير ضخم«. خرج الشاب ومن معه ليتفقدوا ما حصل، ففاجأتهم السنة النار ترتفع من سيارة أمام منزل العريضي، قبل أن يبدأ إطلاق النار في الهواء.
يتحدث الشاب عن حال الهلع التي سادت المنطقة: »لا أحد كان يعتقد أن انفجارا سيقع في هذه الفترة في بيصور«. إذ أن البلدة مختلطة طائفيا وتضم إلى »الحزب التقدمي الاشتراكي« و«الحزب الديموقراطي اللبناني« أنصارا لـ »الحزب القومي السوري« و »الحزب الشيوعي«.
يشيد رجل من البلدة بمسيرة العريضي الشهيد. الرجل »اشتراكي«، لكنه يعترف بدور بارز للعريضي في »العمل على تقريب وجهات النظر بين الزعماء الدروز لتحييد الجبل في أحداث أيار«.
في الطابق الأرضي لمنزل العريضي، ملحمة وصيدلية ومحل لبيع الألعاب. المحلات الثلاثة أصيبت بأضرار بالغة، وسقط فيها ثلاثة جرحى. وبين الجرحى اثنان من المارة، وآخر كان يتناول الطعام في المطعم المقابل.
»شهيد وحدة الجبل«
أمام ساحة الانفجار أولاد يلعبون بالحجارة، وشبان لا يتجاوز عددهم العشرة. كل ما يحصل هنا لا يشبه ما كان يحصل غداة أي من الانفجارات السابقة. لا اتهامات أكيدة ولا شتائم ولا تحميل للمسؤولية... العبارات نفسها التي تلفظ بها زعماء الدروز تتكرر على ألسنة من نصادفهم، فيكون العريضي »شهيد وحدة الجبل«، أما الفاعل، فـ«من ليس له مصلحة في وحدة الدروز«، أي المجهول. وإجماع على أن »الاغتيال سياسي لضرب المصالحة« بين جنبلاط وإرسلان.
من ساحة الانفجار، يمكن تتبع خطوات النسوة المتشحات بالأسود والمناديل البيض للوصول إلى قاعة التعزية التي تبعد بضع عشرات من الأمتار. تنقسم القاعة إلى قسمين، واحد خاص بالرجال وآخر بالنساء، ولا تطل أي منهما على الأخرى.
في قاعة الرجال يجلس والد الفقيد الشيخ أبو صالح فرحان وبجواره الوزير غازي العريضي وسياسيون ومعزون، فيما تتلى آيات من القرآن الكريم. والد الفقيد من مشايخ الدورز البارزين في بيصور. وهو اتخذ منذ اليوم السابق قرارا حظر فيه على العائلة والمقربين الحديث عن الجريمة أو العائلة. وحده الأمين العام لـ »الحزب الديموقراطي« زياد شويري تحدث قليلا عن الحادث، وقال إن العريضي خرج مساء من منزله وتوجه إلى ساحة بيصور لوقت قصير، ثم عاد إلى منزله، وأوقف سيارته بعيدا من المنزل، ثم عاد بعد فترة ليركنها قرب المنزل، ولدى وصوله، وقع الانفجار.
في القسم بالخاص بالنساء يبدو الحزن أكثر بروزا. هنا تلتف أخوات صالح حول النعش. وتتوسطه صورة لصالح مبتسما والخلفية حمراء. على مقربة من النعش أيضا تجلس زوجة صالح ووالدته تتوسطهما زوجة ارسلان، لتقبل التعازي.
للحزن هنا طــابع رسمي فرضــته إرادة الشيخ أبو صالح، فلا شتــائم ولا صراخ، إنما نحيـــب يرتــفع ويــخفت، وعــبارات: »يا خيي« و »يا صالح«.
إجماع على المصالحة
يخيم الحزن على قسمي القاعة. في القسم الخاص بالرجال الطابع السياسي الرسمي، وإن لم تغب العاطفة. فأرسلان الذي قطع سفره وعاد بسبب الاغتيال، لم يفلح في الحفاظ على صلابته. وقف أمام المعزين كتفا بكتف مع الوزير العريضي. وخاطب ارسلان الفقيد كأنه يقف أمامه. تحدث عما هو مشترك، فغلبته عاطفته وذرف دموعا على من سماه »رفيق الدرب والعمر«. قبل ذلك بليلة واحدة، بعد وقت قليل من وقوع الجريمة في المساء كان جنبلاط يقف كتفا بكتف مع والد الفقيد. يخاطب الجمهور نفسه ويحذر من الفتنة ويؤكد »وحدة الجبل«.
وإلى جنبلاط وارسلان والعريضي توالى سياسيون كثر الى القاعة لتقديم التعازي، بينهم الوزير وائل أبو فاعور والنائب الياس عطا الله وعضو المجلس السياسي لـ«حزب الله« محمود قماطي الذي اتهم إسرائيل بالتفجير.
أمس، في محيط قاعة تقبل التعازي لم يكن ثمة شعارات مرفوعة في الهواء وعلى الوجوه. وحدها مشاعر يختلط فيها الحزن بالجهل. الجهل بهوية الفاعل أو على الأقل عدم القدرة على توجيه إصبع الاتهام في أي اتجاه.
No comments:
Post a Comment