Monday, November 26, 2007

ينتظرون نتائج «انابوليس» ويهجسون بالتقسيم

ينتظرون نتائج « انابوليس » ويهجسون بقرارات التقسيم
اللبنانيون يعيشون أيام الفراغ «بهدوء»


منال أبو عبس
Al-Hayat (433 كلمة)
تاريخ النشر 26 نوفمبر 2007

عرض جميع البيانات


لا يبعث مشهد الآليات العسكرية المنتشرة بكثافة في شوارع بيروت وأزقتها على الطمأنينة. مشهد العسكريين أيضاً، بثيابهم المرقطة لا يوحي بأن الحال على ما يرام. فاليوم هو واحد من الأيام التالية لرحيل الرئيس السابق اميل لحود من قصر بعبداً، من دون انتخاب خلف له. والفراغ، وإن كان متوقعاً من جانب لبنانيين كثر، إلا أن لرهبته وقعاً ثقيلاً على حال المدينة الحية وأهلها. ويبقى لكل منهم طريقة خاصة في رؤيته والتعامل معه.

سعيد ابن منطقة المزرعة كان فتياً حين وقعت البلاد في الفراغ عام 1988. يذكر من تلك المرحلة تفاصيل مستقاة بمعظمها من تجارب أهله وأحكامهم، ليؤكد أن »اليوم الوضع مختلف«. يقول إنه عاش عام 1988 خوفاً أكبر بكثير مما يعيشه اليوم. وعلى رغم انه صار مسؤولاً عن زوجة وثلاثة أولاد، توحي »نظرة معمقة إلى مختلف الأطراف اللبنانيين، بأن لا أحد منهم قادراً حالياً على المغامرة بخوض حرب جديدة«. لذلك فهو مطمئن، وإن كان امتنع عن الخروج من بيته مساء، »مبدئياً إلى حين معرفة نتائج مؤتمر أنابوليس«.

المنطقة حيث يعيش سعيد أشبه بسوق تجاري. غير أن حال الهدوء الحذر المسيطرة عليها في اليومين الماضيين، تشبه تماماً الحال بعد كل تفجير أو عملية اغتيال. وكما في أسواق أخرى، المحال شبه فارغة من الزبائن. والباعة يقطعون الجلسات الطويلة وراء المكتب، بـ »كزدورة« على الرصيف المجاور.

تعمل ريما بائعة في محل للألبسة النسائية في شارع مار الياس، وتقطن في الشارع نفسه. تشير بيدها إلى شارع مجاور، وتتحدث كيف أيقظ دوي الرصاص من كان نائماً ليلة رحيل لحود. تروي بإعجاب ظاهر كيف اختلطت أصوات المفرقعات بأصوات الرصاص الحي، وكيف نزل شبان من المنطقة ليلاً إلى الشوارع لتوزيع الحلوى احتفاء بـ »طي صفحة سوداء من تاريخ لبنان«.

لا تبدو ريما مهتمة كثيراً بما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة. فبالنسبة إليها: »عندنا حكومة تتولى الأمر إلى حين تأمين رئيس جديد«.

صاحب المحل حيث تعمل ريما يؤيد توجهاتها السياسية. ولا يبدو عليه أنه يولي أهمية فعلية لعدم اعتراف البعض بالحكومة القائمة ومؤسساتها، فـ »هذا كله حكي بالسياسة، وعلى الأرض الواقع مختلف... ببساطة: من أين يتقاضى المشككون بدستورية الحكومة وشرعيتها رواتبهم؟«.

الباحث عن رأي مخالف للرأيين السابقين لن يحتاج إلى أكثر من خطوتين في الشارع نفسه. محمد يبدو متأثراً برحيل لحود من سدة الرئاسة. بالنسبة إليه »لحود كان الرئيس الوحيد الذي دعم المقاومة ولم يكن طائفياً«. يسخر من المحتفلين برحيل لحود، ويقول كمن يرد على الشامتين: »الرئيس لم يرحل غصباً عنه. هو اختار تسليم الجيش مسؤولياته بعدما انتهت ولايته، وبقي حتى اللحظة الأخيرة على مواقفه«. يمهل محمد اللبنانيين فترة عهدين لـ »يروا من سيأتي بعده ويعرفوا قيمته ويترحموا على أيامه«.

في السوق نفسه، ينعكس القلق عبارات كثيرة على السنة المارة. بعضهم يتحدث عن هدوء نسبي إلى حين انتهاء مؤتمر »انابوليس«، وبضعهم الآخر يبدي مخاوف كبيرة من سيناريوات خارجية لتقسيم لبنان.

Friday, November 23, 2007

الماروني الأحمر... مطارد الصهيونية

ميشال اده «الماروني الأحمر» ... مطارد الصهيونية


منال أبو عبس
Al-Hayat (727 كلمة)
تاريخ النشر 23 نوفمبر 2007



يرى مؤيدو الوزير السابق ميشال اده في قربه من البطريرك الماروني نصر الله صفير حجة لتسويقه مرشحاً توافقياً للرئاسة. ويجد المؤيدون في دعم البطريرك لإده للوصول إلى رئاسة الرابطة المارونية عام 1993 دليلاً على حظوة الأخير بالـ »بركة الرسولية«. ويقللون من وقع إعلانه ذات يوم إنه سيقف أمام الدبابات السورية منعاً لانسحابها من لبنان، سلباً على حظوظ وصوله إلى الرئاسة. فبالنسبة إليهم: متغيرات كثيرة جرت بين الأمس واليوم.

ولعل لعبة شد الحبال الدائرة حول اللائحة الأخيرة التي قدمها صفير إلى كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس كتلة »المستقبل« النيابية سعد الحريري هي التي أعادت طرح اسم اده للرئاسة، بعد تكاثر الحديث عن فيتوات متبادلة لكل من فريقي الأكثرية والمعارضة على مرشحي الفريقين بطرس حرب ونسيب لحود وميشال عون، وعن تحفظات على كل من روبير غانم وميشال الخوري ورياض سلامة الذي أضاف صفير إلى اسمه على اللائحة عبارة: »ما لم يتطلب انتخابه تعديلاً دستورياً«، في حين يجرى حديث عن مفاوضات بين الفريقين على اسم اده، على رغم وجود إشارات رفض له من كل من الحريري وعون.

غير أن لعبة خلط الأوراق التي تجرى في كل دقيقة، تترك السؤال وارداً: هل يكون اده رئيس لبنان المقبل؟

ولد ميشال اده في 16 شباط (فبراير) 1928. درس في مدرسة الآباء اليسوعيين في بيروت. ونال الإجازة في القانون من جامعة القديس يوسف سنة 1945، حيث كان زميلاً في الدراسة لعدد من رؤساء لبنان مثل إلياس سركيس ورينيه معوض. تفتح وعيه السياسي عام 1947، فشارك طالباً بتظاهرات ضدّ قرار تقسيم فلسطين. ثم ما لبث شغفه بالقضية الفلسطينية أن حوله إلى خبير في القضايا العربية - الإسرائيلية. وساعدته في البحث في تاريخ إسرائيل والصهيونية، معرفته بالمفكر ميشال شيحا الذي أيضاً كان سبب صداقته مع ميشال بشارة الخوري وشارل حلو.

وتحوّل اده اليوم بفعل شغفه بالقراءة والتعمق بالدراسات على مر السنين إلى موسوعة في تاريخ الحركة الصهيونية وقياداتها وحافظاً لخططها عن ظهر قلب.

وسعى في كتاباته الكثيرة، ومنها: »هيكل هيرودوس لا هيكل سليمان« إلى كشف »الادعاءات والمزاعم والأضاليل التي تمكّنت إسرائيل بعد حرب 7691 خصوصاً من الترويج لها«، والتأكيد على أن »إسرائيل دأبت على محاولة فرض مزاعمها على الرأي العام العالمي بصفتها حقائق لا يرقى إليها شكّ، مستندة في ذلك إلى النفوذ الصهيوني الفعّال في معظم وسائل الإعلام والاتصال الأساسية في العالم«.

وعلى رغم نشأته في بيئة مارونية متدينة، تأثر اده بالفيلسوف والكاتب الفرنسي إيمانويل مونييه صاحب نظرية الشخصانية. كما تأثر بالنظرية الماركسية، فلقب في الإعلام بـ »الماروني الأحمر«، من دون ان يدفعه ذلك الى الابتعاد من التزامه المسيحي. فهو تبرع بعد الحرب الأهلية ببناء عدد من الكنائس ومنها، كنيسة مار جاورجيوس للموارنة التي كان بناها أجداده في وسط بيروت.

كاد اده أن ينال لقب »فخامة الرئيس« مرتين، إلا أن الكرسي كانت تسحب من تحته في اللحظة الأخيرة. عام 1982 حال الاجتياح الإسرائيلي دون وصوله إلى الرئاسة. وبحسب السفير الأميركي الاسبق في بيروت جون غونتر دين، ومن ثم الرئيس الياس سركيس عام 1984، فإن الرئاسة »مرقت من تحت أنفك (اده)، وكانت مضمونة لولا الاجتياح الإسرائيلي«.

وبعد اتفاق الطائف عام 1989، قيل إن اده سقط في الامتحان السوري للوصول إلى الرئاسة بسبب موقفه الرافض لاستعمال القوة ضد العماد ميشال عون، في حين كان السوريون يميلون إلى إنهاء »ظاهرة العماد« بالقوة.

لم يترشح اده يوماً إلى الانتخابات النيابة، الأمر الذي يرده مقربون إلى رفضه التقيد بكتل وتحالفات سياسية. وعيّن وزيراً لخمس مرات منذ عام 1966 حتى عام 1996 في عهود مختلفة، آخرها في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري خلال رئاسة الرئيس الراحل الياس الهراوي.

يأخذ المعترضون على وصول اده إلى الرئاسة، عليه مواقفه الداعمة لسورية وللرئيس الحالي اميل لحود. فهو قال في احتفال عام 2004: »انتصرنا بفضل المقاومة على الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، على رغم فارق القوة الكبير، والدور الأساسي في هذا الانتصار كان للرئيس الراحل حافظ الأسد و«حزب الله« وطبعاً لمواقف الرئيس لحود«.

غير أن مواقف اده السابقة والمؤيدة لمن هم فريق المعارضة اليوم، لم تحيده كلياً من مرمى بعض نيرانهم. وكان الهجوم الأقسى بحق اده على لسان الوزير السابق سليمان فرنجية عام 2006، إذ حمل على الرابطة المارونية ورئيسها. وقال فرنجية: »كنا نعتقد بأن ميشال اده مات دهساً تحت الدبابات السورية عند مغادرة الجيش السوري لبنان، لأنه كان دائماً يقول انه سيقف أمام الدبابات السورية لمنعها من مغادرة لبنان«. ويبدو أن موقف فرنجية هذا يتعارض مع موقفه منه اليوم، إذ تردد أخيراً أن فرنجية سعى لدى عون لتسويق اده للرئاسة.

واده المتحدر من عائلة سياسية، القارئ من الطراز الرفيع هو ذواقة في فنون المأكولات الشرقية والغربية، كما يرأس منذ عام 1990 الشركة العامة للطباعة والنشر التي تصدر صحيفة »لوريان لوجور«. وهو متأهل من يولا ضومط وله بنت وأربعة صبيان.

Thursday, November 22, 2007

جان عبيد... المفوه الصامت

جان عبيد... المفوه «الصامت» الذي يرشحه الآخرون



منال أبو عبس
Al-Hayat (844 كلمة)
تاريخ النشر 22 نوفمبر 2007


ينطبق على الوزير السابق جان عبيد إلى حد كبير توصيف « المرشح الذي يرشحه الآخرون ». فعبيد، « المرشح الدائم للرئاسة » منذ عام 1982، لم يعمد ولو لمرة واحدة إلى إعلان نفسه مرشحاً للمنصب، وإن كان نقل عنه قوله: « أريد أن أنال مرتبة الرئيس لا مرتبة المرشح ».

وعلى رغم أن خصومه يأخذون عليه أنه كان صديقاً متميزاً لسورية أيام كانت الناخب الأول والأقوى للرئيس اللبناني، فإن عبيد لم يحظ ولا مرة خلال 29 سنة من الوجود السوري في لبنان بلقب فخامة الرئيس، مع أن اسمه كان حاضراً في كل حديث عن لوائح رئاسية.

أما اليوم، وبعد أكثر من عامين من الخروج السوري واشتداد الأزمة الرئاسية ومشارفة ولاية الرئيس اميل لحود على الانتهاء، عاد اسم عبيد ليطرح مرشحاً توافقياً، لكنه لم يرد في لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير. وعلى رغم اختياره الصمت والابتعاد من الأضواء في أي نشاطات يقوم بها لتقديم نفسه مرشحاً توافقياً، إلا أن وقوفه خارج معسكري 8 و14 آذار كان الحجة الأبرز لمن يطرحه اسماً وسطياً.

جان بدوي عبيد، ماروني لبناني وقومي عربي. ولد في علما - قضاء زغرتا، شمال لبنان عام 1939. متزوج من لبنى البستاني ابنة قائد الجيش السابق اميل البستاني ولهما خمسة أولاد. والده بدوي كان مقرباً من حميد فرنجية وزير خارجية الاستقلال ووالد النائب الحالي سمير فرنجية وشقيق الرئيس السابق سليمان فرنجية.

دخل عالم الصحافة رئيساً لتحرير مجلة »الصياد«، وغادره عام 1968. تنقل عبيد بين مناصب عدة. عين مستشاراً لرئيسي الجمهورية إلياس سركيس وأمين الجميل. في عهد الجميل فسحت شبكة علاقاته الواسعة المجال لإبراز مهاراته في جمع المتناقضات وتقريب وجهات النظر. وألقيت على عاتقه مسؤولية تأمين اجتماعات الجميل بأكثر من طرف بينها الرئيس الشهيد رشيد كرامي ووليد جنبلاط وقادة فلسطينيين، فضلاً عن دوره الأساس صلة وصل بين الجميل ودمشق أيام الرئيس حافظ الأسد الذي كانت تربطه به علاقة متميزة (تدخل الأسد مباشرة لاطلاق سراح عبيد المخطوف على يد »منظمة الجهاد الإسلامي« عام 1987). ومع »اتفاق 17 أيار« ساءت العلاقة بين الجميل وعبيد الذي أعرب عن معارضته الاتفاق بالابتعاد من الجميل، لأن الأخير لم يطلعه على ما توصل إليه المفاوضون مع إسرائيل. غير أن الرفض الشعبي وتجدد الاقتتال الداخلي، دفعا الجميل إلى مطالبة عبيد بالعودة والمشاركة في مفاوضات إلغاء الاتفاق. فصاغ عبيد بيان الإلغاء.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لعب عبيد دور الوسيط بين اكثر من طرف: بين سورية واللبنانيين وبين الفلسطينيين واللبنانيين، كما بين اللبنانيين أنفسهم. شارك في مؤتمر جنيف لحل الصراع الداخلي اللبناني وإنهاء الحرب. وإثر اغتيال الرئيس رينيه معوض بعد اتفاق الطائف، اعتقد الجميع أن عبيد هو الرئيس البديل، خصوصاً أن نائب الرئيس السوري آنذاك عبد الحليم خدام اتصل برفيق الحريري في باريس متمنياً عليه إحضار عبيد إلى دمشق بسرعة. لكن الياس الهراوي صار هو الرئيس. وعين عبيد نائباً عام 1991 (وانتخب في الدورات اللاحقة حتى عام 2000)، ثم عيّن وزيراً للتربية عام 1996 في حكومة الرئيس الحريري خلال عهد الهراوي.

ومع اقتراب نهاية ولاية الهراوي، قيل إن الرئيس الحريري طرح اسم عبيد للرئاسة، لمنع وصول لحود إلى السلطة عام 1998، غير أن أمنية الحريري لم تتحقق. وعين عبيد عام 2003 وزيراً للخارجية في حكومة الرئيس الحريري خلال عهد لحود، ما اتاح له بناء علاقات عربية واسعة.

في الانتخابات النيابية عام 2005، لم يترشح بسبب انقسام البلد بين فريقي 8 و14 آذار، وشهدت الفترة نفسها توتر العلاقة بينه وبين الوزير السابق سليمان فرنجية.

اشتهر عبيد بقدرته على التوفيق بين أكثر من فريق. ولذلك، كان مقرباً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن السوريين في الوقت نفسه، وبخاصة أيام الرئيس حافظ الأسد. عهد الرئيس الحالي بشار الأسد شهد بداية الخلاف السوري مع عبيد، لسببين كلاهما نابع من حرصه على مصلحة سورية. السبب الأول، رفضه التمديد للرئيس لحود وتحذيره السوريين من تداعيات التمديد والقرار 1559. والثاني انتقاده حملات التهجم على الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي شنها حلفاء سورية في لبنان. لأن، بحسب عبيد، شيراك كان في مقدم الرؤساء الغربيين الذين زاروا سورية ورعوا تسلم بشار الأسد الرئاسة. لذلك فإن الخلاف معه لا يجوز.

السببان افرزا غضباً سورياً على عبيد، يضاف إليهما الحديث عن خلافات بينه وبين الرئيس لحود الذي كان يشكوه إلى دمشق، وهو ما أكده خدام في مقابلة مع »العربية« بعد انشقاقه عن النظام السوري.

يسجل مناصرو عبيد له أنه كان يطرح أفكاره من دمشق بعقلانية وصوت عال، إضافة إلى دوره في تعديل مشروع القرار 1559 في صيغته الأولى. وهنا يحسب له حسن استغلاله لمنصب وزير الخارجية لتعديل القرار الذي كان يطالب »بانسحاب القوات السورية من لبنان من دون تأخير«. وأثمرت جهوده عن شطب كلمة »سورية« من الصيغة المعدلة، ليطالب القرار بـ »سحب جميع القوات الأجنبية من لبنان من دون تأخير«.

يسجل لعبيد أيضاً، أنه حظي باحترام مسؤولين سعوديين وخليجيين بارزين، وربما ساعده في ذلك انه حجة في معرفة الشعر العربي وحفظه، إضافة إلى تبحره في التراث والدين الإسلامي وحفظه القرآن.

صحافي وخطيب ومتحدث لبق وديبلوماسي حلو الكلام، وغيرها أوصاف كثيرة رافقت مسيرة عبيد في عالم السياسة. غير أن إقلاله من التصريحات والإطلالات الإعلامية، وانكفاءه جزئياً عن عالم السياسة المنقسم بين معسكري 8 و14 آذار، جعلا منه مرشحاً صامتاً للرئاسة التي تشغل لبنان والعالم.

وينقل أصدقاؤه عنه قوله تعليقاً على سلبية بعض الجهات ازاء ترشحه، أنه يفضل الرئاسة بكرامة، وإلا فإنه يفضل أن يبقى محتفظاً بالكرامة من دون الرئاسة. وكان له نتيجة مواقفه المشابهة صداقات واسعة، لدى المقربين من زعماء الأطراف إلى درجة أن بعضهم يقول أن هناك حزباً اسمه حزب جان عبيد.

Sunday, November 18, 2007

نايلة معوض ... الرئاسة ولو بالنصف + 1

نايلة معوض... الرئاسة ولو بالنصف + 1


منال أبو عبس
Al-Hayat (660 كلمة)
تاريخ النشر 18 نوفمبر 2007


تقتحم نايلة معوض عالم الرجال محملة بأثقال كثيرة وبإرث سياسي لم تقو يوماً على التفريط به. أرملة الشهيد رينيه معوض رئيس لبنان 17 يوماً، لم تغفل يوماً أن على كتفيها ترزح تركة »رئيس« الطائف الذي قضى اغتيالاً عشية عيد الاستقلال عام 1989. ومنذ ذلك الوقت، وهي تحمل إرث شهيدها وتسير به في دهاليز الحياة السياسية، لترتقي من نائب منذ عام 1991، إلى مرشحة لرئاسة الجمهورية من موقعها في لقاء »قرنة شهوان« المعارض للسلطة الموالية لسورية عام 2004، إلى وزيرة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2005، ثم مرشحة للرئاسة مرة جديدة عام 2007. مرشحة لا تعارض انتخابها بنصاب النصف زائداً واحداً شرط حصولها على دعم مسيحيي فريق 14 آذار الذي تنتمي إليه.

نايلة عيسى الخوري هو اسمها. ولدت عام 1940 في بيروت، ابنة ثالثة للمحامي نجيب عيسى الخوري وايفلين روك الفلسطينية من أصل فرنسي. تلقت علومها في مدرسة »راهبات الفرنسيسكان« في المتحف، ثم سافرت وشقيقاتها إلى لندن حيث تعلمت الإنكليزية وحصلت على إجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة كامبردج.

لم تعش نايلة يوماً في بيئة غير سياسية. عمها ندرة كان نائباً سابقاً وأحد زعماء بشري، ووالدها شارك في وضع القانون الذي أقر للمرأة حق الاقتراع. عملت في مطلع شبابها في جريدة »الأوريان« (1962- 1965)، قبل أن تبدأ أخذ الدروس في القانون والدستور على يدي القانوني حسن الرفاعي. وولاؤها منذ الصبا كان للرئيس فؤاد شهاب. رئيس لبنان الذي قدم إلى القصر من عالم جنرالات العسكر. أولئك الذين تعارض نايلة وصول أحدهم إلى الرئاسة اليوم.

تستند نايلة في معاركها السياسية كافة، إلى التاريخ والشرعية اللذين تركهما لها زوجها الرئيس، وميثاقه الذي تسعى إلى إعادة إحيائه. »نضالها« في صفوف المعارضة (قرنة شهوان) أيام الوجود السوري في لبنان، دفعها إلى الترشح لرئاسة الجهورية عام 2004، في وجه التمديد لإميل لحود المدعوم من سورية. آنذاك، كانت معوض الشخصية الثانية بعد العميد الراحل ريمون إدّه التي تترشح رسمياً أمام الشعب، وحصدت وقتها تصفيق مؤيديها ودعماً نسائياً غير محدود في لبنان والأقطار العربية.

عام 2004، أطلقت معوض شعار »لبننة الاستحقاق«، وكانت سباقة في رفعه. وفسرته بأنها مع أي رئيس يجب أن يكون قراره بيده وعليه إيجاد إطار توافق بين اللبنانيين، آخذاً في الاعتبار العلاقات الإقليمية وليس العكس. وأعلنت وقت كان مقر الاستخبارات السورية لا يزال في بيروت، ضرورة إقناع سورية بأن »استمرار النهج القائم سيؤدي حتماً إلى الانهيار«، وانه »إذا لم يتم إقناع سورية بالإصلاح وإصلاح نظرتها الى العلاقة مع لبنان لا يمكن تطبيق أي مشروع إصلاحي«، وذلك على رغم أن خصومها يأخذون عليها توددها للسوريين للوصول إلى مناصب سياسية.

عام 2004، لم توفق معوض بالوصول إلى الرئاسة. ومدد لإميل لحود 3 سنوات إضافية، عاش لبنان فيها أصعب مراحل وجوده. وبعد سلسلة أحداث وضعت لبنان في مهب الريح، وبدأت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري والخروج السوري من لبنان وتوتر العلاقات اللبنانية- السورية، عادت معوض لتعلن ترشحها للرئاسة، من دون أن يتم ذلك باسم فريق 14 آذار الذي تبنى ترشيح النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود دون غيرهما. وإن كانت أعلنت أنها اتفقت مع حرب ولحود على أن »أي واحد منا تكون حظوظه أكثر من الآخر، فإن المرشحين الآخرين يدعمونه حتى النهاية«. وأضافت: »أكرر أن الهدف ليس السباق بين المرشحين، بل إيصال رئيس يحمل مبادئ جمهور 14 آذار«.

تمارس وزيرة الشؤون الاجتماعية اليوم عملها من منزلها في الحازمية، والذي لا تكاد تفارقه خوفاً من عمليات الاغتيال المتنقلة. المنزل كان اشرف على بنائه زوجها الذي رحل تاركاً لها ولدين (ميشال متزوج وله أولاد وريما التي تمارس المحاماة في نيويورك). وعلى رغم خوفها من موجة الاغتيالات التي طاولت زملاء لها من فريقها السياسي، لا تهادن معوض في مواقفها السياسية. تطالب دوماً بحصر السلاح في يد الدولة، وبتفرد الأخيرة بقرار الحرب والسلم. كما تعلن أن البلد مقسوم بين فريقها السياسي الذي يضع مصلحة لبنان أولاً وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، وبين فريق آخر، »فريق المشروع السوري - الإيراني«. وتكرر المطالبة بعلاقات جيدة مع سورية ضمن سيادة البلدين والحفاظ على استقلالهما.

وعلى رغم انتمائها إلى فريق 14 آذار ومبادئه، ترى معوض أنه »لا يمكن للرئيس المقبل أن يكون رئيساً لجمهور 14 آذار فحسب، بل لكل لبنان وأن يحترم التزاماته العربية والسيادة«. وتشدد على ضرورة أن يسعى الرئيس المقبل إلى تطبيق اتفاق الطائف، النقاط السبع، مقررات طاولة الحوار والقرار 1701.

Saturday, November 10, 2007

ماذا لو انطلقت الرصاصة الأولى للحرب الأهلية؟

يفكرون بالهرب إلى سويسرا أو الخليج وبعضهم بالانتحار... من صخرة الروشة
اللبنانيون غارقون في سؤال يخيفهم:
ماذا لو انطلقت الرصاصة الأولى للحرب الأهلية؟

منال أبو عبس
Al-Hayat (747 كلمة)
تاريخ النشر 10 نوفمبر 2007

تنطلق الجملة من فم الشاب بانفعال وجدية، فيحسم الحديث الدائر منذ ساعات. يقول كما لو انه يستهل للتو خطاب قسم: »ما ان تنطلق الرصاصة الأولى، حتى أذهب إلى الكورنيش وانتحر برمي نفسي قبالة صخرة الروشة«. تترك عبارته علامات ذهول على وجهي رفيقيه.

أعمار الشبان الثلاثة لا تتجاوز الرابعة والعشرين. بالتالي، فإن أحداً منهم لم يعش فعلياً تجربة الحرب الأهلية في لبنان. غير أن من يستمع إلى حديثهم الطويل لا بد من أن يقف أمام عبارة: »إذا رجعت الحرب«، تتكرر مرة بعد مرة بعد مرة، وتلحق بها »خطوات« كثيرة مفترضة ينوي كل منهم اتخاذها مع انطلاق الرصاصة الأولى، أي »الشرارة« بلغة اللبنانيين »الحربية«.

الخوف من الحرب و »شرارتها« لا يقف عند هؤلاء فقط. هو هاجس تسمع عنه في سيارات الأجرة وفي محل الملابس والسوبر ماركت. ونادراً ما يمكنك اليوم، وأنت تسترق السمع إلى حديث دائر بين شخصين أو أكثر، إلا وأن تعلق في أذنك كلمة أو أكثر من قبيل: »الحرب«، »المسيحيون«، »المسلمون« أو »هم ونحن«، »8 و14 آذار«، وأيضاً »الاستحقاق الرئاسي« (العبارة الفصحى التي اخترقت القاموس العامي للبنانيين، فصارت من يوميات الجميع).

وتتبدل الأولويات والنظرات إليها تبعاً لمنطقة مطلقها التي تدل (في معظم الأحيان) الى انتمائه السياسي، وهنا الدليل:

في حي اللجا، المتفرع من شارع مار الياس التجاري، نفوذ شبه تام لـ »حزب الله« و »حركة أمل«. في الحي باعة خضار ومحال أحذية وألبسة. ولذلك فإن نصف ساعة من السير في الشارع تكفي لمعرفة مرشحه الرئاسي، والاستعدادات التي ينوي أبناء المنطقة اتخاذها إذا انطلقت »الشرارة«، و »خطوط التماس« الجديدة و »المجاعة« المقبلة على لبنان.

»يقولون إن لبنان على أبواب مجاعة بعد رأس السنة«، تسأل السيدة بائع الخضار. تستوقفه العبارة، فيبدأ بكيل الشتائم إلى الحكومة وباريس -2 الذي »لم يأتنا منه إلا الضرائب«. المجاعة إذاً واردة بحسب بائع الخضار والسيدة التي اشترت أربعة أكياس مملوءة بالفاكهة.

على الرصيف المقابل لبائع الخضار يشير شابان بأصابعهما إلى تقاطع الحي مع الشارع الرئيسي. »هنا سيكون الحاجز الرئيسي الذي سيقطع شارع مار الياس عن جواره«، يقول شاب ممازحاً صديقه. حديث الشابين عن الخطة الأمنية جاء تالياً لحديثهما عن أن لا رئيس جمهورية جديداً للبنان، مع احتمال إيجاد حكومتين. ويضيف الصديق إحداثيات جديدة إلى الخطة التي ينويان اتباعها إذا »انفجر الوضع، بسبب تعنت الأكثرية«. ولكن، »هذا فقط من باب التسلية، وإذا وقعت الحرب لا أحد غير الله يعلم كيف ستصير حالنا«، ويرسم بساعده نصف دائرة في الهواء تدل إلى محيط الحي حيث أكثرية من لون طائفي آخر.

إحداثيات الحرب المفترضة، لها ما يشبهها في مكان آخر، مقابل سياسياً. في منطقة عين الرمانة حيث النفوذ واسع لـ »القوات اللبنانية« وحزب »الكتائب« يدور حديث مماثل عن تقطيع أوصال ومحاور جديدة، وتبدل في خطوط التماس. »الحال لم تعد كما في السابق، اليوم التحالفات اختلفت. لن تكون حرب مسيحي - مسلم«، يقول اندريه الذي شارك في الحرب السابقة وخسر فيها ساقه. »اليوم هناك مسيحيون في 14 آذار وفي 8 آذار، وهناك أيضاً سنّة وشيعة ودروز في الفريقين، وأي تقسيم سيؤدي إلى كوارث على الجميع«، يضيف.

كلام اندريه لا يتوافق مع كلام زكي (26 عاماً) الذي يعلق أهمية كبيرة على الانتخابات الرئاسية. يقول زكي إن »فرنسا لن تترك لبنان يذهب إلى الهاوية، ولا بد من توافق دولي على رئيس من الأكثرية«. ويرفض أي إشارة إلى احتمالات وصول مرشح من المعارضة، »لأن الزمن السوري في لبنان ولّى«.

الحال في عين الرمانة وحي اللجا لا تختلف كثيراً عنها في منطقة الطريق الجديدة. تبدلات كثيرة استجدت على حياة المنطقة البيروتية التي تحتضن جامعة بيروت العربية وتلامس أطرافها مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين. عبارات من نوع »كلنا وراء الشيخ سعد الحريري« و »فداء للشيخ سعد« صارت تنطلق تلقائياً من أفواه كثر، ما ان يتعلق السؤال بالوضع السياسي العام. في الشارع خوف من أحداث مماثلة لحادثة جامعة بيروت العربية الدموية، والتي خشي اللبنانيون يومها من أن شرارة الحرب قد انطلقت فيها، ليعود البلد بعدها إلى ما كان يسمى بلغة الحرب »هدوءاً نسبياً« ما زال مستمراً. الثقة الكبيرة عند ناس الطريق الجديدة هي في أن »أبناء المنطقة قادرون على حماية أنفسهم«.

الخوف من الحرب ودرس الإحداثيات حديث تجده حاضراً أيضاً في مناطق نفوذ »الحزب التقدمي الاشتراكي«. في وطى المصيطبة يستعيد رامي حادثة مقتل الزيادين (خطف الشابين زياد غندور وزياد قبلان وقتلهما ورميهما في خلده). يقول إن »الوضع أكثر من سيئ، والناس لم تعد قادرة على الاحتمال«. يذكر بعضاً من أحاديث تدور بينه وبين رفاقه في الجامعة، ولا يخرج أي منها من إطار الجو السياسي الخانق، وأزمة الخوف من الآخر والأسئلة عمن يحمي من؟

رامي في سنته الجامعية الأخيرة. بعد شهور عدة سيصير مهندساً معمارياً، وبحسب توقعاته، فإن شركات كثيرة ستتزاحم لكسبه مهندساً في طاقمها. تفاؤل رامي تقطعه عبارة »إذا ما خربت البلد«، المكررة على ألسنة كثيرة.

»حين أحمل شهادتي في يدي«، يقول رامي، »سأحزم حقيبتي وأسافر إلى الخليج أو إلى أي بلد مثل سويسرا«.