«الحياة» رافقت الجنرال العائد من باريس الى بيروت... وانصاره توافدوا من المناطق واحتشدوا لاستقباله
عون يعلن أسس برنامجه للبنان: تحديث النظام ومواجهة الاقطاع والمال السياسيين
آرليت خوري - منال أبو عبس
Al-Hayat (1,727 كلمة)
تاريخ النشر 08 مايو 2005
تحول الاستقبال الرسمي الذي اعد للعماد ميشال عون في مطار بيروت ودعي للمشاركة فيه عدد محدود من الاشخاص الى هرج ومرج تعذر على جهاز الأمن السيطرة عليه.
وما ان اطل عون من سلم الطائرة، وعلى وجهه علامات تأثر واضحة، حتى طوقه المستقبلون وسط هالة من التدافع جعلت من المتعذر على أفراد أسرته الاقتراب منه.
ولم تتمكن عناصر الأمن من ضبط الامر وإعادة الاستقبال الى السياق الذي اعد له، فاشتد التدافع الى داخل صالة الشرف، مما اثار غضب عون الذي تمكن بالكاد من الاجابة على اسئلة بعض الصحافيين، معتبرا يوم امس »يوم فرح وابتهاج«. وأضاف: »عندما غادرت لبنان قبل 15 عاما كانت هناك غيمة سوداء آتية صوبه، وأعود اليوم وشمس الحرية مشعة ساطعة، أعود كي نتطلع الى المستقبل ونبني جميعا لبنان بمناطقه كلها بعيدا من الحرتقات الصغيرة النيابية وغير النيابية وان يعم هذا الفكر اللبنانيين جميعهم«.
وأكد انه في المرحلة المقبلة يتطلع الى زيارة منزل عائلته في حارة حريك (الضاحية الجنوبية) حيث أبصر النور ونشأ، كما لم يستبعد زيارة الأمين العام لـ«حزب الله« السيد حسن نصرالله.
ولدى سؤاله عن امكان لقاء رئيس الجمهورية اميل لحود لشكره على التسهيلات التي وفرها في شأن العودة الى لبنان، والبطريرك الماروني نصرالله صفير لأخذ البركة الروحية منه، والدكتور سمير جعجع في سجنه من اجل طي صفحة الماضي او ما يسمى بـ«حرب الإلغاء«، قال عون، ان الرئيس لحود »يمثل الدولة التي اضطهدتني 15 عاما، الآن اسامحها لكنني لن أشكرها، أما بالنسبة للبطريرك صفير، أنا عائد بعد 15 عاما من الإبعاد القسري ومن يود استقبالي أرد له الجميل وأشكره. وفي شأن الدكتور جعجع، اتمنى لو انه كان أطلق سراحه ليشاركنا الفرحة في هذا اليوم السعيد، لكن في ظل الظروف الحاضرة، لن أتردد في زيارته متى تسنح لي الفرصة«. وتوجه عون الى الصحافيين والشعب اللبناني كونهم شهودا عمن كان المستفيد من »حكم الاستعباد والدولة الامنية ومن كان يقاوم ذلك طوال الاعوام الـ15 الماضية، وحتى مرحلة التحرير... وليتذكر الجميع ان القرار الرقم 1559 الذي ساعد على تحرير لبنان صدر قبل التمديد للرئيس لحود، وبدأت الضغوط في اتجاهات عدة ليتم التحرير«.
واعتبر عون ان »دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري سرع مسار تحرير لبنان وعجل في إخراج الجيش السوري منه، لكن قرار التحرير اتخذ دوليا منذ العام 2003، والرئيس الحريري كان يعمل ايضا في الاتجاه عينه، وربما اغتيل لأنه عمل ضمن هذا المسار«.
ولفت عون الى انه عاد الى لبنان بجواز سفر »رئيس حكومة سابق منح لي طوال مدة اقامتي في الخارج«.
وعلى غرار الشهر الأخير الذي أمضاه في باريس والذي حفل بالمقابلات الصحافية التي وصل عددها الى حوالى عشرين مقابلة في اليوم، قطع عون المسافة التي تفصله عن بيروت بإعطاء مقابلات للصحافيين الذين رافقوه على الطائرة.
وقال عون ان هناك اليوم خطابا سياسيا جديدا وتعاونا بين الشعب وقياداته وان الخطاب ليس فقط بمحتواه بل بأخلاقياته. وأضاف ان »أشياء كثيرة يجب أن تتغير في لبنان وان الاقطاعية السياسية عنصر ركود« وانه »عازم على محاربة الركود، وعلى ثقة بأن الشعب سيتبع الخطاب الجديد«.
وجدد عزمه على مكافحة الفساد، وتطرق الى ما يقال عن مشكلته مع الاقطاع الديني بالقول: »أنا متدين ومؤمن وكلامي في شأن الاقطاع الديني ليس موجها لرجال الدين إنما للذين يستعملون الدين لهدف سياسي«.
واعتبر ان التفجير الذي وقع ليل أول من أمس في جونيه »رسالة موجهة ضد اللبنانيين، لكنه ينبغي ألا يدفع الى التقليل من العزم«.
وعن تجربته في المنفى، قال عون انها »قاسية فيها مرارة وصراع« وانها أكسبته »مناعة ضد الخطر«.
وعما اذا كان عاد الى لبنان بنية المصالحة أجاب »لا أعداء لي وإذا عاداني أحد يكون ذلك من طرفه«، مشددا على ان المواقف والأفكار المتباينة حول بناء لبنان أمر سليم لبناء الديموقراطية.
وعلم ان نحو أربعين من النواب في البرلمان الفرنسي اقترحوا مرافقة عون خلال رحلة العودة الى بيروت لكنه فضل أن يعود »محاطا باللبنانيين من أصحاب الإرادة الطيبة«.
ورافق عون خلال رحلته حوالى خمسين من أعوانه من بينهم اللواءان ادغار معلوف وعصام أبو جمرا والنقيب حبيب فارس الذين غادروا لبنان معه، اضافة الى عدد من المسؤولين في »التيار الوطني الحر« في دول مثل الولايات المتحدة واستراليا، ومسؤولين عن »التجمع من أجل لبنان« (التنظيم الموالي لعون في باريس) ومنهم رئيس التجمع سيمون أبي رميا وفادي الجميل ونديم فريحة وباتريك باسيل.
وعن الاجراءات المتخذة لضمان أمن عون في لبنان، قال أحد المقربين منه ان كل الاجراءات اللازمة متخذة ويتولاها جهاز المكافحة في الجيش اللبناني بالتنسيق مع المعنيين في التيار الوطني الحر. وأكد ان ليست هناك أي تسوية مع أي طرف على صلة بعودة عون وانه عاد الى لبنان لا ليغادره مجددا انما ليعمل على التغيير، بالتعاون والحوار مع كل الفئات.
وردا على سؤال لأبو جمرا حول ما إذا كان ينوي ترشيح نفسه للانتخابات، أجاب: »نحن نازلين وإذا أرادوا أن نعمل بالسياسة رغما عنا، سواء بالنيابة أو الوزارة، لا فرق، سنعمل لنخدم بلدنا ونريد أن نخدم«.
وعن المشروع الذي ينوي عون العمل على تطبيقه قال النقيب فارس انه يقضي »بجمع المكونات اللبنانية ليس عبر زعماء بل عبر التخلي عنهم«.
وكان فارس واجه تهمة التهرب من الخدمة لمغادرته بيروت برفقة عون، وقال انه عرض عليه تسوية الأمر خصوصا ان التهمة باطلة كونه غادر بإذن من قائد الجيش في حينه العماد إميل لحود، لكنه رفض التسوية وفضل البقاء الى جانب عون.
وكانت للانفجار الذي وقع في جونيه ارتدادات وصلت الى باريس، إذ حرصت الأجهزة الأمنية على اتخاذ أقصى قدر من الاحتياطات، في اطار الاعداد لمغادرة عون.
ونتيجة هذا التوتر، فجرت أجهزة الأمن في مطار شارل ديغول حقيبة الزميل في قناة »ال سي أي« التلفزيونية فنسان هيرفويت بعد اعتبارها مشبوهة كونه أغفلها لبضع لحظات. وعلى رغم عرض هيرفويت على رجال الشرطة فتح الحقيبة للتحقق مما بداخلها، أصروا على ضرب طوق أمني من حولها وتفجيرها آليا.
من المطار الى المتحف
وبعد مغادرته المطار، توجه الجنرال إلى نصب الجندي المجهول في المتحف. خارج ساحة النصب وقف رجال ونساء وشبان وأطفال ساعات عدة، تحت حرارة الشمس الحارقة، ينتظرون قدوم من »كان ثابتا على مواقفه طيلة 15 عاما«. وينصاعون لأوامر الأمنيين الذين انتشروا في المكان، لضمان أمن الزائر، فيما احتل عناصر من الجيش اللبناني شرفات وسطوح المباني المحيطة بتقاطع المتحف، »الذي يعد من اخطر المناطق أمنيا في لبنان«، كما قال أحد الأمنيين.
في الخارج أيضا، رفع المحتشدون سلسلة مطالب إلى »الرئيس الذي عاد منتصرا«، على حد قول »أبو جاد« الواقف خلف لافتتين كتب عليهما: »كنت سباقا إلى التحرير. كن سباقا في العلمانية« و«والآن معا نحو الدولة العلمانية«.
دقائق قليلة فصلت بين مغادرة الموكب للمطار ووصوله إلى المتحف، كانت كافية لإعداد عناصر »التيار الوطني الحر« الموالي للعماد عون، اللمسات الأخيرة على مراسم الاستقبال. غطي الممر المؤدي إلى النصب بسجادة حمراء، ورفع اقل من عشرين شابا وشابة ارتدوا سترات التيار البيض أعلام لبنان على جانبي الممر، يتنفسون الصعداء بانتظار وصول »الرئيس الراجع«، كما تقول الشابة.
»باقي دقيقة واحدة«، تكون بمثابة كلمة السر التي يطلقها الضابط بعدما تلقى المعلومات من جهازه اللاسلكي. تصدح أغنية »عونك جايي من الله، يا لبنان الغالي«، قبل أن يقطع صوت الدراجات النارية التي تقدمت الموكب زحمة المكان، فيعلو الصراخ والهتاف والتصفيق وصرخات »يا حبيب القلب«، ما أن تبدأ سيارات الموكب الكبير السوداء بالظهور واحدة بعد الأخرى.
على مدخل النصب قدم بول باسيل وطوني ادريان اللذان انتدبهما التيار إكليل الزهور إلى الجنرال ليضعه على نصب الجندي المجهول. يتقدم الجنرال مع مرافقيه الخاصين، ومرافقين من الدولة نحو النصب. لا يلتفت إلى الشبان الواقفين على الجانبين، ولا إلى الشابة حاملة العلم وهي ترتجف بعدما غطت الدموع عينيها واحمر وجهها مع دخول العماد عون إلى المكان.
وبعد مقطوعتي نشيد الموت والنشيد الوطني اللبناني، يدير العماد عون ظهره إلى النصب، متوجها إلى ساحة الشهداء. ويخلو المكان الا من عناصر التيار غير المصدقين لما رأوه للتو. تبكي حاملة العلم، ويصرخ الشاب الواقف إلى يسارها: »هيك بتكون العجائب«، لترد عليه: »الله يحميك يا جنرال».
No comments:
Post a Comment