Monday, May 30, 2005

ثلاثة شهور هزت لبنان

ثلاثة شهور هزت لبنان... فهل أعادت الشباب إلى السياسة؟

منال أبو عبس
Al-Hayat (807 كلمة)
تاريخ النشر 23 مايو 2005


اخترقت عبارة »شبان ساحة الحرية« قائمة التعابير الإخبارية، لتحتل مكانا يوميا في قاموس النشرات على مدى فاق الثمانين يوما. فعندما نزل عشرات آلاف الشبان اللبنانيين إلى وسط بيروت، احتلوا بتلقائية قلب العاصمة لينطلقوا منها نحو معركة ضد السلطة اللبنانيــــة وأجهزتها الأمنية وضد ما رأوه وصايـــــة سورية على شؤونهــم الداخليـة. وسواء كنت من مؤيدي تحرك الشبان أم لم تكن، لا بد من الاعتراف بأن التحرك حقق أهدافا مشتركة لشبان من تيارات ظلت لسنوات كثيرة تناصب بعضها بعضا عداء مكللا بالدم.

لكن، ما الذي فكر فيه كل شاب منهم قبل نزوله إلى الشارع؟ وما الذي دفع كثيرا من الشبان والشابات المستقلين (غير المنتمين إلى أحزاب أو تيارات) إلى الانخراط في تجربة سياسية الطابع؟ وما كانت مطامح مسؤولي القطاعات الطالبية أو الأعضاء في التيارات السياسية؟

ما أن وقف سامر على خشبة المنصة في وسط الساحة، حتى علا الصراخ والهتاف من اكثر من صوب. فسامر الذي أكسبته خبرته »الانتخابية« في الجامعة عقلية سياسية، تضاف إلى مهارته الخطابية، لم يحد يوما عن الهدف الموضوع نصب عينيه، وهو أن يكون »أصغر وزير«. وفي التطورات المتلاحقة التي ضربت لبنان وجد »اصغر وزير« مستقبلي، ضالته و«شعبيته«.

شكلت الأيام التالية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وثورة الرأي العام المحلي والعالمي، الجو الملائم لانخراط سامر في التجربة السياسية في صورة يومية. »في الساحة كنا نلتقي بالسياسيين الذين يمضون اكثر أوقاتهم مع الشبان. هناك نتعلم كيف يتعامل السياسي مع شبان يخالفونه الرأي، وكيف يتعامل السياسيون مع بعضهم بعضا ومع الكاميرات التي كانت مرابطة في دائرة الحدث«، يقول سامر، مؤكدا أن شخصيته باتت أقوى، وكذلك طموحه، إذ »أكسبتني هذه التجربة خبرة في التعامل مع الآخرين من أحزاب مختلفة«. لكن الأهم من ذلك كله، أن من المتوقع في الدورة النيابية بعد المقبلة (2008) أن تعلق صور سامر الحائز (آنذاك) إجازة في العلوم السياسية إلى جانب صور كبار المرشحين الذين »سيخافون على مقاعدهم من شاب شارك في ثورة التحرير قبل أعوام، ولم يوفر سنته الجامعية فداء لمستقبل بلده وحريته وسيادته«.

غير أن ساحة الحرية التي ستسجل انطلاقة شبان كثر نحو السياسة، لم تكن المكان الوحيد لبروز هذه المواهب. فباسم الذي لم يستمع يوما إلى »برنامج حواري أو سياسي«، كما يقول، لم يجد نفسه إلا في الشارع، مشاركا يوميا في التظاهرات المنددة باغتيال الرئيس الحريري. »لم أكن اعرف أنني قادر على التحدث في السياسة بطلاقة. هناك تعلمت أن أناقش وأحلل وأربط الأحداث«، يقول معددا مزايا المشاركة في التحركات التي كان يراها فارغة وغير مجدية في السابق.

في التظاهرات شبه اليومية، تعرف باسم الى مناصرين لتيارات كثيرة، وبالتالي الى برامج متنوعة، اختار منها تيارا اجتماعيا وثقافيا يناسب قناعاته، فانتسب إليه.

إلا أن باسم وخلافا لسامر، لا يفكر يوما بالعمل في الشأن السياسي، في غير إطاره الضيق، أي »كرئيس لإحدى الجمعيات التي تعنى بالشؤون الاجتماعية أو التربوية«. ويرى أن العمل السياسي البحت »يحتاج إلى ماجستير في الدهاء ودكتوراه في الكذب، وسنوات من قيادة التظاهرات«، كما علمته تجربته القصيرة نسبيا في »ظرف بالغ الحساسية«.

وعلى رغم أن تجربة باسم وسامر ما زالت في طور التخمير، ولم تنضج بعد، إلا إن تجربة عضو »الحزب التقدمي الاشتراكي« وائل أبو فاعور، شكلت النموذج الأكثر عملية بالنسبة إلى كثيرين. فمروان الذي انتقل من أحد الأحزاب الطائفية إلى آخر علماني الطابع، يرى في ترشح أبو فاعور عن المقعد المخصص لحزبه في دائرة البقاع الغربي، »قطافا يأتي قبل أوانه«.

ومن وجهة نظر مروان، فإن »فوز أبو فاعور صار محسوما نتيجة للظروف الحالية والتطورات المتلاحقة«، وهذا بالضبط ما دفع مروان نفسه إلى واجهة الإعلام، مشاركا في الندوات السياسية والبرامج الشبابية »على خطى أبو فاعور«.

ولكن، اهتمام مروان المستجد في الشؤون السياسية، والناتج من »الانخراط في التجربة الشبابية التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري واستقالة الحكومة والقبول بلجان تحقيق دولية وأخيرا الانتخابات«، أعطت مروان ورفاقه أملا كبيرا في مستقبل قد يجعل بعضهم »سياسيين يحققون مطالب الفئات الشعبية، والبعض الآخر يناضل للحصول على مطالب لن تنضب بوصول شبان ساحة الحرية أو غيرهم إلى سدة المسؤولية«.

انتخابات: هدوء تام في الثالثة

بيروت: هدوء تام في «الثالثة» وحضور واكيم في «الثانية» يعطيها حيوية

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,614 كلمة)
تاريخ النشر 30 مايو 2005

بين ملصقات »لا مشاركة من دون تمثيل صحيح. بيروت تتسع للجميع« و«قاطعوا التعييات« التي وزعت في المناطق ذات الغالبية المسيحية، ولافتات »اقرأ الفاتحة. وانتخب كل اللائحة« و«من خلف ما مات، لعيونك أبو بهاء« المرفوعة في مناطق الغالبية المسلمة، انتهى يوم انتخابي لم تشهد أي من دائرتي بيروت الثانية والثالثة مثيلا له. وتفاوتت أعداد الناخبين بشكل كبير بين المناطق المسيحية والمناطق الإسلامية.

وفي الدائرة الثانية التي تشمل مناطق: المصيطبة، الباشورة والرميل، تتوزع المقاعد على الشكل الآتي: مقعدان للطائفة السنية، عدد المرشحين 8: وليد عيدو، بهيج طبارة (لائحة الحريري)، إبراهيم الحلبي (حركة الشعب)، بدر الطبش (جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية)، زهير الخطيب، عدنان عرقجي، احمد ياسين، ونبيلة صعب. مقعد للشيعة، عدد المرشحين 4: أمين شري (لائحة الحريري)، ابرهيم شمس الدين، علي شحرور، صلاح عسيران. مقعد للأرثوذكس (عدد واحد) عدد المرشحين 2: عاطف مجدلاني (لائحة الحريري)، نجاح واكيم (حركة الشعب). ومقعد للأقليات (عدد واحد) عدد المرشحين 2: نبيل دو فريج (لائحة الحريري)، وريمون أسمر.

وفي ثانويات »خديجة الكبرى« ومدرستي »عمر فاخوري« و«ابتهاج قدروة« تراوحت نسبة الإقبال التي عدها رؤساء الأقلام جيدة، بين 30 و 35 في المئة، فيما لم تتجاوز نسبة الاقتراع في ثانوية »الرئيس رينيه معوض« العشرة في المئة.

وفي منطقة الباشورة بقيت نسبة الإقبال على أقلام الاقتراع ضعيفة نسبيا ولم تتعد في بعض المراكز العشرين في المئة.

وعلى رغم الطابع التنافسي للعملية، لم ينذر مشهد أي من مراكز الاقتراع في الدائرة الثانية بوجود معركة انتخابية. ومنذ الصباح سيطر الهدوء على الموقف، واقتصرت الخروقات على غياب أسماء عدد من الناخبين عن لوائح الشطب، في حين شهدت بعض الأقلام في مراكز الاقتراع ذات الغالبية المسيحية شبه مقاطعة.

غير أن السلاح الأكثر فاعلية في هذه الدائرة تمثل في اللوائح الملغومة، التي انتشرت بكثرة، وخلطت أسماء مرشحين من لائحة الحريري، بمرشحين آخرين منافسين. كما سببت المعلومات الواردة عبر المندوبين من داخل أقلام الاقتراع، عن تشطيب الناخبين المسيحيين لمرشح »حزب الله« على لائحة الحريري أمين شري، واستبداله بالمرشح إبراهيم شمس الدين، بلبلة في صفوف الناخبين، سرعان ما بددتها تصريحات المرشحين الكثيرة والمتتالية وجولاتهم على أقلام الاقتراع.

وفي هذا الإطار، اعتبر النائب وليد عيدو خلال جولته على المراكز، أن تدني نسبة الاقتراع في الدائرة الثانية »يزعجنا معنويا ولكنه لن يؤثر في نتيجة الانتخابات«، معلنا أن »سماحة السيد حسن نصر الله و«حزب الله« ملتزمان التزاما كاملا باللائحة، وهذا أقصى ما كنا نتمناه ونريده أن يتحقق هذا التحالف وينجح، لاننا في المرحلة المقبلة لا بد من أن نتحالف في مواجهة الاجندة الأميركية«. من جهته، أكد شري أن »التحالف السياسي أقوى من التحالف الانتخابي، ونحن نتعامل بشكل إيجابي«، وأضاف: »الناخبون في الحزب ملتزمون بكل اللائحة والوضع متبادل، ونعتبر أنفسنا ناخبا واحدا تيار المستقبل وحزب الله، وهذا ما أكده لنا مندوبونا ومندوبو تيار المستقبل في كل أقلام الاقتراع«. وعن دور المراقبين الدوليين وهل يعتبر أن وجودهم ضروري أم هو مجرد شكلي لا فائدة منه، قال شري: »وجودهم ضروري ليرى الرأي العام العالمي من خلالهم، أن هناك حرية للناخب وهو يختار من يشاء، وليس عملية إيهامية. أتصور أن نتيجة لجنة المراقبين ستكون إيجابية وحتى الآن ليس هناك أي إشكال أو شكوى، وسجال خارج مراكز الاقتراع«.

وأوضح شمس الدين أنه ليس مرشحا »ضد لائحة الرئيس الحريري إطلاقا، أنا بديل مع اللائحة ولست بديلا منها«. وأضاف:« إن الناس تستطيع أن تختار ما يناسبها من دون مال، وأنا لست خصما لأحد، وعلاقتي مع »حزب الله« جيدة جدا، لكن هذا لا يعني أن لا أترشح«.

ولعل أكثر الأحداث بروزا في يوم الدائرة الثانية الانتخابي، كان هجوم واكيم العنيف خلال تفقده ثانوية المقاصد الإسلامية في الباشورة على وزير الداخلية حسن السبع، معتبرا إياه موظفا لدى آل الحريري، وكذلك على آل الحريري متهما إياهم برشوة الناخبين. وأشار واكيم إلى أن المعركة هي بين لائحة الرئيس الحريري »التي شكلت في السفارة الأميركية«، ولائحة »الشعب اللبناني« الذي هو عضو فيها. وحمل أيضا، على تدخلات السفير السابق جوني عبدو، وسأل آل الحريري: »إذا كان هناك فعلا معركة انتخابية اليوم مع الأموال التي يدفعونها، فهم يريدون أن ينفوا أن لديهم إعلاما وأموالا مصروفة، خصوصا من خلال وزير الداخلية«، مضيفا »أما نحن فمعنا الناس ولدينا ثقتهم«. وكان واكيم في تصريح آخر قال: »إن العملية الانتخابية تجرى في أكثر من مكان بشكل جيد«، واضاف: »لكن أذكر وزارة الإعلام تحديدا، إن ما ترتكبه وسائل الإعلام والفضائيات خصوصا، تطبق عليه أحكام قانون الإعلام الانتخابي، بمعنى أن إذا كانت تخالف، فالأمر يستدعي اقفالها، ولا أعلم لماذا لم يتخذ في حقها ولا أي إجراء، وهذه مسؤولية وزارة الإعلام«.

كلام واكيم هذا، سرعان ما وصلت أصداؤه إلى مدرسة »الجمعية المسيحية للشابات« في عين المريسة، حيث غالبية الناخبين من الطائفة السنية، لينال النائب السابق سيلا كبيرا من الانتقادات. فواكيم كما تراه رندة »استغل مشاعر البيروتيين العروبية، ليصل إلى المجلس بادعائه الناصرية، غير انه وبعد قليل انقلب عليهم وصار شيوعيا«.

وتضيف رندة أمام زمرة من المندوبات يسخرن من واكيم: »ألا يخجل واكيم من نفسه عندما تجول سيارات ماكينته الانتخابية شوارع بيروت، رافعة صور عبد الناصر، هل يظن البيروتيين أغبياء ليصدقوه مرة أخرى«. لكن، »فشة الخلق« الشافية لرفيقة رندة تكون: »الحمد لله، ما بقى يحلم فيها (كرسي النيابة)«.

الدائرة الثالثة

ولعل ابرز توصيف للمعركة في دائرة بيروت الثالثة (دار المريسة، راس بيروت، زقاق البلاط، المدور، المرفأ، ميناء الحصن)، هي التنافس غير المتكافئ. فالمقاعد السنية (عدد 2)، والتي يتنافس عليها كل من محمد قباني وغنوة جلول (لائحة الحريري)، عدنان طرابلسي (المشاريع الخيرية الإسلامية) ويحيى احمد، كانت محسومة منذ الصباح لمصلحة نائبي لائحة الحريري. لكن ذلك لم يمنع مندوبة »المشاريع« من الطلب بلطف من المقترعين أن »نزلي لنا عدنان طرابلسي الله يرضى عليكي«.

وتميزت الدائرة الثالثة بقلة عدد الناخبين، إذ بلغت نسبتهم 12.08في المئة حتى الساعة الواحدة ظهرا، ما دفع أحد العسكريين إلى السخرية من قلة العدد، قائلا إن »عدد المراقبين تجاوز عدد الناخبين بأشواط«.

وفي مدرسة الفرير في الجميزة، كانت الصورة اكثر وضوحا، إذ بلغ عدد المقترعين المسيحيين في أحد الأقلام 26 من اصل 547 ناخبا.

ولم تلق دعوة النائبة غنوة جلول خلال جولتها على المراكز، الى »المشاركة في هذه التظاهرة على رغم حزننا الكبير على رفيق الحريري«، صدى في مراكز الاقتراع. وفي مدرسة »الإنجيلية المركزية الأرمنية« في الرميل كانت الحال تشبه المقاطعة.

وفي »راهبات المحبة« في كليمنصو، أدلى 13 ناخبا بصوتهم من اصل 250 حتى الساعة 12 ظهرا. وفي قلم آخر، اقترع 19 ناخبا (روم، كاثوليك، موارنة) من أصل 446، مسجلين على لوائح الشطب.

من بعد صائب بك لا ننتخب احدا!

البيك في الخارج لأسباب تتصل بالعمل«، يقول مرافق النائب السابق تمام سلام. يجلس المرافق على كرسيه في الطابق الأول من منزل »بيت سلام« في المصيطبة، وفي الناحية الأخرى من مكتبه الحديد القديم لم يوقف الرجل السبعيني التدخين لحظة واحدة، منذ دخولنا إلى المكان. »بيت سلام« هو أحد البيوت السياسية العريقة في بيروت، والتي غاب دورها السياسي تدريجا مع الأيام.

»فوق توجد والدة البيك وزوجته، ولن أخبرك شيئا آخر، لأنني عسكري ممنوع علي التصريح للإعلام«، يضيف المرافق. لكن، في عيني الرجل السبعيني كلام كثير توحي به نظرته إلى صورة صائب سلام المعلقة خلف المرافق. »بيت الزعيم طول عمره مليان. ولا مرة كان يخلو من العالم. أصلا اليوم هو فارغ لأن تمام بيك مسافر، وعندما يرجع ستعود العالم«، يقول الرجل، ويضيف: »البيك لم يسافر بسبب العمل. هو عرف أن الانتخابات معلبة خالصة في السفارات الأميركية والفرنسية والسعودية، لذلك فضل السفر، وعائلته قاطعت التصويت«.

الرجل نفسه، يبدو مقاطعا فـ »من بعد صائب سلام لا ننتخب أحدا، أصلا في تاريخ حياتي كلها، لم ار مثل هذه الانتخابات. 11 مرشحا يفوزون بالتزكية. ما صارت بالعالم«.

بوابة البيت الأبيض الحديد الكبيرة مفتوحة أمام المارة. لا أحد منهم يدخل الى المكان. شبابيك البيت الزرق مقفلة، والدرج العريض يفضي الى غرفة يجلس فيها المرافق والرجل المدخن، خلف صورة قديمة لـ »صائب بيك«.

Sunday, May 8, 2005

الحياة رافقت الجنرال العائد من باريس الى بيروت

«الحياة» رافقت الجنرال العائد من باريس الى بيروت... وانصاره توافدوا من المناطق واحتشدوا لاستقباله
عون يعلن أسس برنامجه للبنان: تحديث النظام ومواجهة الاقطاع والمال السياسيين

آرليت خوري - منال أبو عبس
Al-Hayat (1,727 كلمة)
تاريخ النشر 08 مايو 2005


تحول الاستقبال الرسمي الذي اعد للعماد ميشال عون في مطار بيروت ودعي للمشاركة فيه عدد محدود من الاشخاص الى هرج ومرج تعذر على جهاز الأمن السيطرة عليه.

وما ان اطل عون من سلم الطائرة، وعلى وجهه علامات تأثر واضحة، حتى طوقه المستقبلون وسط هالة من التدافع جعلت من المتعذر على أفراد أسرته الاقتراب منه.

ولم تتمكن عناصر الأمن من ضبط الامر وإعادة الاستقبال الى السياق الذي اعد له، فاشتد التدافع الى داخل صالة الشرف، مما اثار غضب عون الذي تمكن بالكاد من الاجابة على اسئلة بعض الصحافيين، معتبرا يوم امس »يوم فرح وابتهاج«. وأضاف: »عندما غادرت لبنان قبل 15 عاما كانت هناك غيمة سوداء آتية صوبه، وأعود اليوم وشمس الحرية مشعة ساطعة، أعود كي نتطلع الى المستقبل ونبني جميعا لبنان بمناطقه كلها بعيدا من الحرتقات الصغيرة النيابية وغير النيابية وان يعم هذا الفكر اللبنانيين جميعهم«.

وأكد انه في المرحلة المقبلة يتطلع الى زيارة منزل عائلته في حارة حريك (الضاحية الجنوبية) حيث أبصر النور ونشأ، كما لم يستبعد زيارة الأمين العام لـ«حزب الله« السيد حسن نصرالله.

ولدى سؤاله عن امكان لقاء رئيس الجمهورية اميل لحود لشكره على التسهيلات التي وفرها في شأن العودة الى لبنان، والبطريرك الماروني نصرالله صفير لأخذ البركة الروحية منه، والدكتور سمير جعجع في سجنه من اجل طي صفحة الماضي او ما يسمى بـ«حرب الإلغاء«، قال عون، ان الرئيس لحود »يمثل الدولة التي اضطهدتني 15 عاما، الآن اسامحها لكنني لن أشكرها، أما بالنسبة للبطريرك صفير، أنا عائد بعد 15 عاما من الإبعاد القسري ومن يود استقبالي أرد له الجميل وأشكره. وفي شأن الدكتور جعجع، اتمنى لو انه كان أطلق سراحه ليشاركنا الفرحة في هذا اليوم السعيد، لكن في ظل الظروف الحاضرة، لن أتردد في زيارته متى تسنح لي الفرصة«. وتوجه عون الى الصحافيين والشعب اللبناني كونهم شهودا عمن كان المستفيد من »حكم الاستعباد والدولة الامنية ومن كان يقاوم ذلك طوال الاعوام الـ15 الماضية، وحتى مرحلة التحرير... وليتذكر الجميع ان القرار الرقم 1559 الذي ساعد على تحرير لبنان صدر قبل التمديد للرئيس لحود، وبدأت الضغوط في اتجاهات عدة ليتم التحرير«.

واعتبر عون ان »دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري سرع مسار تحرير لبنان وعجل في إخراج الجيش السوري منه، لكن قرار التحرير اتخذ دوليا منذ العام 2003، والرئيس الحريري كان يعمل ايضا في الاتجاه عينه، وربما اغتيل لأنه عمل ضمن هذا المسار«.

ولفت عون الى انه عاد الى لبنان بجواز سفر »رئيس حكومة سابق منح لي طوال مدة اقامتي في الخارج«.

وعلى غرار الشهر الأخير الذي أمضاه في باريس والذي حفل بالمقابلات الصحافية التي وصل عددها الى حوالى عشرين مقابلة في اليوم، قطع عون المسافة التي تفصله عن بيروت بإعطاء مقابلات للصحافيين الذين رافقوه على الطائرة.

وقال عون ان هناك اليوم خطابا سياسيا جديدا وتعاونا بين الشعب وقياداته وان الخطاب ليس فقط بمحتواه بل بأخلاقياته. وأضاف ان »أشياء كثيرة يجب أن تتغير في لبنان وان الاقطاعية السياسية عنصر ركود« وانه »عازم على محاربة الركود، وعلى ثقة بأن الشعب سيتبع الخطاب الجديد«.

وجدد عزمه على مكافحة الفساد، وتطرق الى ما يقال عن مشكلته مع الاقطاع الديني بالقول: »أنا متدين ومؤمن وكلامي في شأن الاقطاع الديني ليس موجها لرجال الدين إنما للذين يستعملون الدين لهدف سياسي«.

واعتبر ان التفجير الذي وقع ليل أول من أمس في جونيه »رسالة موجهة ضد اللبنانيين، لكنه ينبغي ألا يدفع الى التقليل من العزم«.

وعن تجربته في المنفى، قال عون انها »قاسية فيها مرارة وصراع« وانها أكسبته »مناعة ضد الخطر«.

وعما اذا كان عاد الى لبنان بنية المصالحة أجاب »لا أعداء لي وإذا عاداني أحد يكون ذلك من طرفه«، مشددا على ان المواقف والأفكار المتباينة حول بناء لبنان أمر سليم لبناء الديموقراطية.

وعلم ان نحو أربعين من النواب في البرلمان الفرنسي اقترحوا مرافقة عون خلال رحلة العودة الى بيروت لكنه فضل أن يعود »محاطا باللبنانيين من أصحاب الإرادة الطيبة«.

ورافق عون خلال رحلته حوالى خمسين من أعوانه من بينهم اللواءان ادغار معلوف وعصام أبو جمرا والنقيب حبيب فارس الذين غادروا لبنان معه، اضافة الى عدد من المسؤولين في »التيار الوطني الحر« في دول مثل الولايات المتحدة واستراليا، ومسؤولين عن »التجمع من أجل لبنان« (التنظيم الموالي لعون في باريس) ومنهم رئيس التجمع سيمون أبي رميا وفادي الجميل ونديم فريحة وباتريك باسيل.

وعن الاجراءات المتخذة لضمان أمن عون في لبنان، قال أحد المقربين منه ان كل الاجراءات اللازمة متخذة ويتولاها جهاز المكافحة في الجيش اللبناني بالتنسيق مع المعنيين في التيار الوطني الحر. وأكد ان ليست هناك أي تسوية مع أي طرف على صلة بعودة عون وانه عاد الى لبنان لا ليغادره مجددا انما ليعمل على التغيير، بالتعاون والحوار مع كل الفئات.

وردا على سؤال لأبو جمرا حول ما إذا كان ينوي ترشيح نفسه للانتخابات، أجاب: »نحن نازلين وإذا أرادوا أن نعمل بالسياسة رغما عنا، سواء بالنيابة أو الوزارة، لا فرق، سنعمل لنخدم بلدنا ونريد أن نخدم«.

وعن المشروع الذي ينوي عون العمل على تطبيقه قال النقيب فارس انه يقضي »بجمع المكونات اللبنانية ليس عبر زعماء بل عبر التخلي عنهم«.

وكان فارس واجه تهمة التهرب من الخدمة لمغادرته بيروت برفقة عون، وقال انه عرض عليه تسوية الأمر خصوصا ان التهمة باطلة كونه غادر بإذن من قائد الجيش في حينه العماد إميل لحود، لكنه رفض التسوية وفضل البقاء الى جانب عون.

وكانت للانفجار الذي وقع في جونيه ارتدادات وصلت الى باريس، إذ حرصت الأجهزة الأمنية على اتخاذ أقصى قدر من الاحتياطات، في اطار الاعداد لمغادرة عون.

ونتيجة هذا التوتر، فجرت أجهزة الأمن في مطار شارل ديغول حقيبة الزميل في قناة »ال سي أي« التلفزيونية فنسان هيرفويت بعد اعتبارها مشبوهة كونه أغفلها لبضع لحظات. وعلى رغم عرض هيرفويت على رجال الشرطة فتح الحقيبة للتحقق مما بداخلها، أصروا على ضرب طوق أمني من حولها وتفجيرها آليا.

من المطار الى المتحف

وبعد مغادرته المطار، توجه الجنرال إلى نصب الجندي المجهول في المتحف. خارج ساحة النصب وقف رجال ونساء وشبان وأطفال ساعات عدة، تحت حرارة الشمس الحارقة، ينتظرون قدوم من »كان ثابتا على مواقفه طيلة 15 عاما«. وينصاعون لأوامر الأمنيين الذين انتشروا في المكان، لضمان أمن الزائر، فيما احتل عناصر من الجيش اللبناني شرفات وسطوح المباني المحيطة بتقاطع المتحف، »الذي يعد من اخطر المناطق أمنيا في لبنان«، كما قال أحد الأمنيين.

في الخارج أيضا، رفع المحتشدون سلسلة مطالب إلى »الرئيس الذي عاد منتصرا«، على حد قول »أبو جاد« الواقف خلف لافتتين كتب عليهما: »كنت سباقا إلى التحرير. كن سباقا في العلمانية« و«والآن معا نحو الدولة العلمانية«.

دقائق قليلة فصلت بين مغادرة الموكب للمطار ووصوله إلى المتحف، كانت كافية لإعداد عناصر »التيار الوطني الحر« الموالي للعماد عون، اللمسات الأخيرة على مراسم الاستقبال. غطي الممر المؤدي إلى النصب بسجادة حمراء، ورفع اقل من عشرين شابا وشابة ارتدوا سترات التيار البيض أعلام لبنان على جانبي الممر، يتنفسون الصعداء بانتظار وصول »الرئيس الراجع«، كما تقول الشابة.

»باقي دقيقة واحدة«، تكون بمثابة كلمة السر التي يطلقها الضابط بعدما تلقى المعلومات من جهازه اللاسلكي. تصدح أغنية »عونك جايي من الله، يا لبنان الغالي«، قبل أن يقطع صوت الدراجات النارية التي تقدمت الموكب زحمة المكان، فيعلو الصراخ والهتاف والتصفيق وصرخات »يا حبيب القلب«، ما أن تبدأ سيارات الموكب الكبير السوداء بالظهور واحدة بعد الأخرى.

على مدخل النصب قدم بول باسيل وطوني ادريان اللذان انتدبهما التيار إكليل الزهور إلى الجنرال ليضعه على نصب الجندي المجهول. يتقدم الجنرال مع مرافقيه الخاصين، ومرافقين من الدولة نحو النصب. لا يلتفت إلى الشبان الواقفين على الجانبين، ولا إلى الشابة حاملة العلم وهي ترتجف بعدما غطت الدموع عينيها واحمر وجهها مع دخول العماد عون إلى المكان.

وبعد مقطوعتي نشيد الموت والنشيد الوطني اللبناني، يدير العماد عون ظهره إلى النصب، متوجها إلى ساحة الشهداء. ويخلو المكان الا من عناصر التيار غير المصدقين لما رأوه للتو. تبكي حاملة العلم، ويصرخ الشاب الواقف إلى يسارها: »هيك بتكون العجائب«، لترد عليه: »الله يحميك يا جنرال».

Monday, May 2, 2005

خلافات المعتصمين تؤجل اخلاء مخيم الحرية

قسم غادر لتحقق المطالب وقسم ينتظر تحقيق مطالب اخرى 
لبنان : خلافات المعتصمين تؤجل اخلاء «مخيم الحرية»

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,017 كلمة)
تاريخ النشر 02 مايو 2005

دفع إصرار شبان بعض الأحزاب المشاركة في اعتصام مخيم ساحة الحرية على عدم الانصياع إلى اتفاق التيارات المشاركة على فض الاعتصام ونزع الخيم ليل أول من أمس، إلى تأجيل تفكيك الخيم إلى اليوم التالي. وفي اليوم التالي (أمس) أدى الخلاف في الرأي بين مناصري حزب »القوات اللبنانية« الذين أرادوا مواصلة الاعتصام حتى إطلاق قائدهم المعتقل سمير جعجع وبين مناصري »التيار الوطني الحر« الذين فضلوا البقاء حتى عودة العماد ميشال عون في 7 أيار (مايو) الجاري، ومناصري »حزب الوطنيين الأحرار« المعترضين على قانون انتخاب العام 2000، وبعض المستقلين لأهداف أخرى، إلى عقد اجتماع موسع لمسؤولي المنظمات الطلابية والشبابية للاتفاق على موعد جديد لإنهاء الاعتصام.

وفي الاجتماع اتفق المسؤولون على تأجيل اعلان نتائج اجتماعهم الى حين عقد المؤتمر الصحافي عند السادسة مساء اليوم. وحتى تلك الساعة يبقى المعتصمون في خيمهم، يمارسون طقوسا اعتادوها منذ اكثر من شهرين.

حققنا الأهداف

»الاعتصام حقق أهدافه كاملة«، ترافق العبارة المتجول في أرجاء مخيم الحرية. المخيم نصب في ساحة الشهداء، قبل شهرين وأكثر من عشرة أيام ماضية. وكان من المتوقع أن يفكك القائمون عليه خيامهم ليل أول من أمس، بعد حفلة توزع فيها الميداليات على المشاركين في »انتفاضة الاستقلال«.

ولكن، ماذا تعني عبارة: »كان من المفترض« في ظروف مماثلة؟

تحت عناوين: »لجنة تحقيق دولية للكشف عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إقالة قادة الأجهزة الأمنية، وانسحاب القوات العسكرية السورية وأجهزة إستخباراتها من لبنان«، اجتمع شبان من تيارات سياسية متنوعة، وأحزاب كانت حتى وقت قريب من انطلاق »ثورة الشباب« تناصر بعضها بعضا العداء المنظم. في تلك الساحة المقابلة لضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، صاغ أعداء الأمس عناوين مشتركة في ما بينهم، وأعلنوا اعتصاما مفتوحا حتى تحقيق المطالب.

بعد أكثر من شهرين على بدء الاعتصام، تحققت مطالب الشبان، و«تعلمنا أن نعيش ونأكل ونشرب ونتظاهر معا«، يقول أحد الشبان المنتمين إلى تيار »القوات اللبنانية«، معلنا أن من »أهم إيجابيات المخيم، انه علمنا كيف نتحدث مع أشقائنا من الطوائف الأخرى، ونكتشف أوجه الشبه الكثيرة بيننا«.

على مقربة من خيمة الشاب القواتي وصورة قائده المعتقل سمير جعجع، ترفع صورة الجنرال ميشال عون. شبان »التيار الوطني الحر« ونظراؤهم »القواتيون«، قلما اجتمعوا حول أهداف مشتركة، لكن غاية »في نفس يعقوب« جعلتهم يتشاطرون الساحة نفسها، ليفخر أحدهم قبل أيام »بتأدية واجبي الوطني والمشاركة في رسم مستقبل البلاد نيابة عن ازلام الأجهزة الأمنية«.

حتى وقت قريب من ليل أمس، أو الأسبوع الماضي على أبعد تقدير، كان المخيم مرتعا للمنادين بالوحدة الوطنية، وكان كلام مشابه لكلام الشبان المذكور، وحده يتردد على ألسنة الأحزاب المشاركة، ومنها: »الحزب التقدمي الاشتراكي« و«القوات اللبنانية« و«تيار المستقبل« و«حزب الوطنيين الأحرار« و«القاعدة الكتائبية« و«اليسار الديموقراطي« وغيرها. فما الذي تغير وقلب صورة »وحدة المخيم« رأسا على عقب، وأخرج انقسامات أحزاب المشاركين التي ظن كثيرون أنها ذهبت إلى غير رجعة، إلى العلن؟

»يقولون أن الاشتراكي (جنبلاط) طعنهم (المعارضة) في الظهر، ووافق على قانون الـ2000، مع العلم أن قياداتهم وافقت عليه، بعدما كان عليهم الاختيار بين تأجيل الانتخابات أو الموافقة على قانون الـ2000«، يرد أحد أعضاء »التقدمي« على أعضاء من التيارات الأخرى الرافضة لتفكيك الخيم وإنهاء الاعتصام اعتراضا على إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الـ2000. يهرع الشاب لنزع علم حزبه من يد زميل له رفعه ردا على »استفزاز القواتيين«، الذين كانوا أول من رفع العلم الحزبي مع العلم انه مخالف لقوانين خيمة الحرية حيث رفع المشاركون فيها لأكثر من شهرين وعشرة أيام علم لبنان وحده.

تحرك الشبان الحزبيون وغطت الأعلام التي تسابقوا إلى رفعها الساحة في وقت قياسي، ما جعل من حضروا لمتابعة اختتام الاعتصام يسخرون مما »كان يفترض انه اختتام اعتصام وحدة المسلمين والمسيحيين بعدما انتصر شبابهم«، تقول إحدى الأمهات ساخرة من »عودة الكل إلى قواعدهم سالمين، بعدما أزاحونا بأخوتهم ووحدتهم الوطنية«.

»المطالب التي رفعناها في بداية تحركنا تحققت جميعها، فما الجدوى من بقائنا هنا«، يقول أحد مناصري »اليسار الديموقراطي«، موضحا أن التحرك الأجدى في هذه المرحلة، هو إنهاء الاعتصام، »مع إعلان أننا انتصرنا، لأننا إذا لم نفعل ذلك اليوم فمشاكل كثيرة سوف تقع في ما بين المعتصمين«، ومن ثم »ينطلق من كان عنده مطلب جديد في اعتصام جديد بعد إنهاء الحالي«.

شبان ساحة الحرية لم يعودوا واحدا، كما خالهم كثيرون في الوقت السابق، فعند السابعة والنصف من مساء اول من امس، فكك عدد من الأحزاب المشاركة خيمهم، وانهمك العشرات من الشبان في تفكيك الشعارات الحزبية وصور الرئيس الشهيد وقادة الأحزاب المعارضة, وأزالوا الأعلام اللبنانية والحزبية واللافتات التي كانت تغطي الخيم، بعدما انتهت المهلة التي كان أعطاها رئيس جمعية »شباب المستقبل« نادر النقيب أول من أمس بتمديد مدة الاعتصام 24 ساعة.

ليل أول من أمس، وقف السياسيون أمام الشبان، تحدث كل منهم عن مطالبه واعتراضاته، فبدت الصورة اقرب إلى معركة انتخابية يخوضها السياسيون وفق حسابات ظن كثيرون قبل وقت قصير انهم أخرجوها من سجلاتهم. ليل أول من أمس، دخل المخيم عمليا معركة أول انتخابات نيابية بعد تحقيق المطالب.