قلقلدى الجنوبيين يتقاسمونه مع 'ضيوفهم' الجنود الدوليين
منالأبوعبس
على بعد خطوات من مقر للقوات الدولية في جنوبلبنان
(يونيفيل )يقع مطعم عائلي صغير، فيه بضع طاولات بأغطية بيض وحمر، وكراس
قديمةمن خشب، وليس فيه زبون واحد .الانارة الملونة والشمعدانات،
تحيل المشهد الى صورةسينمائية لمقاهي بيروت قبل الحرب، وإن أضيفت اليها الطبلة
والدف والمعدات الصوتيةالمركونة على ارتفاع درجتين توصلان الى حانة صغيرة، لصار
المشهد مأخوذا من فيلمغربي عن ليالي الشرق . المطعم-المقهى انشأته العائلة المهجرة من شرق صيداالى
الناقورة قبل 28 سنة، ليستقبل الجنود الدوليين الآتين من بلدان تبعد من
لبنانبعد السينما من الواقع، كما ليؤمن للعائلة اللبنانية مورد
رزق في منطقة يخالونهانهاية العالم . غير ان 'الحال تتدهور منذ عام 2006، وإن كانت الاشهر
الاخيرةالأسوأ على الاطلاق '، تقول صاحبة المطعم وعلى وجهها
المستدير ابتسامة عريضة لم تكنمرسومة على وجوه أخرى
التقيناها خلال يوم جنوبي طويل . ابتسامة السيدةالجنوبية وودها لا يخفيان
قلقا يحلق فوق رؤوس الجميع في جنوب لبنان ويشترك فيهالجنوبيون
مع 'ضيوفهم 'الجنود الدوليين .القلق يكاد يكون عاما في البلدات التي تغيبعنها
زحمة السيارات والمارة مع انه يوم مشمس .وتلتقي أحاديث جنوبيين في البلداتالحدودية
على 'خوف من يد غريبة تريد تخريب الوضع '، مستندين الى سلسلة أحداث بطابعأمني
جديد صودف وقوعها كلها في عام واحد، بدءا بتظاهرة للاجئين فلسطينيين إلى
بلدةمارون الراس الحدودية في ايار (مايو )الماضي، وسقط فيها
قتلى وجرحى وكادت تتطور الىمواجهة بين الجيشين اللبناني والاسرائيلي، ثم تعرض دوريتين
ليونيفيل، واحدة للكتيبةالايطالية وثانية للفرنسية الى تفجيرين في صيدا في ايار
(مايو )وتموز (يوليو )، ثمإطلاق صواريخ مجهولة المصدر في تشرين الثاني (نوفمبر ) من
جنوب لبنان في اتجاهاسرائيل ورد اسرائيل عليها، تلاه اعتداء آخر على الكتيبة
الفرنسية قرب صور في كانونالاول (ديسمبر )الماضي، وبعد اقل من اسبوع اطلاق صاروخ من
جنوب لبنان على اسرائيل،سقط خطأ على منزل في حولا الحدودية . هذه الحوادث والتي وصفها سياسيون ب 'رسائل امنية 'تثير خوف
الجنوبيين، كما الجنود الدوليين، الذين وإن اكدت قيادتهمباسم
الناطق الاعلامي باسمها نيراج سينغ ل 'الحياة 'أن لا شيء تغير في نشاطاتهمالعملانية
بعد الاعتداءات، يؤكد أحد اللبنانيين العاملين مع 'يونيفيل 'ان حركتهمتبدلت،
وأنهم 'يتلقون رسائل تحذير على هواتفهم النقالة .معظمها ينصحهم بعدم التوجهالى
الاماكن العامة في فترات محددة .كما ان حركتهم على الأرض تبدلت كثيرا .بعضالجنود
من جنسيات مستهدفة لم نعد نشاهدهم خلال النهار، ودورياتهم صارت في اوقاتمحددة
'. يبدو الشاب مستاء من الوضع الحالي الذي يعيشه الجنوب، و
'الحظر 'الذي يقول إن رفاقه الدوليين يفرضونه على تحركاتهم، وعلى
المنطقة التي يكاد مؤشرهاالاقتصادي يقتصر على حركتهم .
الخوف الجنوبي والدولي لا يزكيه كلام سينغ .فلا شيء تغير في النشاطات
اليومية المطلوبة والدوريات المشتركة مع الجيش اللبناني،لكن
الذي تغير 'اننا قمنا بمراجعة لتدابيرنا الامنية .نحن نأخذ الاعتداءات بجدية .وضمان امن القوات الدولية
هو مسؤولية لبنانية '.ويسند سينغ ارتياحه الى التعاطفالذي
نالته 'يونيفيل 'من المسؤولين اللبنانيين على اعلى المستويات و 'تعاطيهم
بجديةمع المخاوف الامنية، واعترافهم بالحاجة الى تعزيز المراقبة
الامنية في المنطقة '.غير ان ارتياح المسؤول الدولي لا يخفف من وقع الاعتداءات
التي لا يضعها كلها فيسلة واحدة، ف 'اعتداءا ايار وتموز وقعا خارج منطقة
عملياتنا، لكنهما وقعا على طريقالإمداد الرئيسي مع بيروت
.وهذا كانت له دلالة مختلفة بالمقارنة مع الاعتداء الذيحصل
في كانون الاول في منطقة عملياتنا قرب صور .خلال اسبوعين حصلت عمليتا اطلاقصواريخ
من منطقة عملياتنا، واعتداء على دورية ليونيفيل، أي ان ثلاثة حوادث وقعت فيفترة
قصيرة في منطقة عملياتنا، وهذا له دلالة مختلفة نظرا الى كون هذه الحوادث
تمثلتهديدات امنية خطيرة .كما تدل ايضا على انه على رغم عملنا
لا تزال هناك اسلحة غيرشرعية وفرقا مسلحة على الارض مستعدة لاستخدامها، وهذا يناقض
القرار 1701 '. لكن، هل هذا يعني أن أمن القوات الدولية في خطر؟ يقول سينغ
ان 'أي حادثعلى يونيفيل يعني ان امننا في خطر، وأن علينا ان نتخذ
الاجراءات المناسبة لزيادةالتدابير الامنية .كما على اللبنانيين مسؤولية ايضا .هناك
اجراءات كثيرة اعتمدت منالسلطات اللبنانية ويونيفيل '، ويؤكد ان 'الاجراءات لا يمكن
أن تؤدي الى تقليصقدرتنا على الحركة وعلى الإيفاء بالتفويض الموكل الينا
.لدينا مهمة هنا وعلينا اننقوم بها وإلا لن يكون هناك جدوى لوجودنا '. الرسالة التي يختصرها كلام سينغهنا، يعيها سكان الجنوب
كما الرؤساء اللبنانيون الذين جاوبوا على الاعتداءات برسائلدعم
.الرسائل تقول ان 'أي اعتداء على يونيفيل ليس في مصلحة الاستقرار في لبنان '.ويكشف صدق الرسالة واقع
المطاعم والمقاهي الخالية من روادها، تماما كما المحالالتي
ترفع أمام ابوابها أعلام بلدان غربية ورايات الامم المتحدة وتبيع تذكارات منلبنان
.لكن الرسائل السياسية او حتى الامنية، امر لا يعني المدنيين في الجنوب،
بقدرما يعنيهم وجود الفاعلين ومعرفة خلفياتهم وأسبابهم .وهو امر
يقول سينغ انه لم يتمبعد، ف 'التحقيقات لا تزال جارية '، ويوضح انه في كل حادث
تتولى ثلاث جهات مختلفةالتحقيق، الاولى هي 'يونيفيل 'اذا كان الحادث ضمن نطاق
عملها، والثانية السلطاتاللبنانية التي تتولى التحقيق الجنائي، والثالثة هي السلطة
المحلية للكتيبةالمستهدفة، لكن 'مسؤولية الكشف عن المرتكبين وتوقيفهم
ومحاكمتهم هي مهمة لبنانية '،غير ان شيئا لم يرشح عن
هذه التحقيقات . الوضع في سورية عندمااستشهد الرجل الجنوبي بكلام وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه
عن مسؤولية سورية فيالاعتداء الذي استهدف كتيبة فرنسية في 'يونيفيل '، من دون
ان يثير كلامه سخطالرجلين بجانبه، بدا ان ثمة اختلافا في بعض المزاج الجنوبي
الذي رد مرات كثيرة علىالمواقف الفرنسية البعيدة بسد طرق البلدات الجنوبية امام
دوريات الكتيبة الفرنسية .بالامس، بدت فرنسا والجنوب في خندق واحد، اذ إن الاعتداء
على جنود الاولى يهددالاستقرار في الثاني .وظهرت في الجنوب اصوات لا تستنكر
الربط بين العنف في سوريةوالاعتداءات في الجنوب . الربط بين الامرين، لا يرى سينغ انه من اختصاص 'يونيفيل '، ويقول
:'مهمتنا تقع في اطار وقف الاعمال العدائية بين لبنان واسرائيل .وهذا يتطلب اولا التزام
لبنان وإسرائيل بالاتفاق، واحترامهما التزاماتهما الدوليةوتعاونهما
مع يونيفيل والمبادرات التي نأخذها لتفادي وقوع أي حادث على طول الخطالازرق،
ولمنع التصعيد في حال وقع الحادث '.ويضيف :'كلا الطرفين يريد استمرار وقفالاعمال
العدائية وهذا مهم لنا ولاستمرار الاستقرار '.
10 آلاف دورية شهريا الربط بين العبوات التي استهدفت الجنود الدوليين وبين
'الاحتكاكات 'معالجنوبيين، امر يقول سينغ انه غير ممكن .ف 'ما يربطنا بأهل
الجنوب علاقة صداقة .هميستضيفوننا هنا وما ينقله الإعلام ليس واقعيا دائما '.ويشرح
:'نقوم يوميا ب350دورية في المنطقة، أي ما يعادل 10 آلاف دورية شهريا .وهذه
الدوريات تجول بينالمنازل وعلى رغم ذلك، ما عدد الحوادث التي يتحدثون عنها؟
اننا نسير بآليات عسكريةوسط منطقة لكل واحد فيها مشكلته الخاصة قد يكون أقلها عرقلة
الآلية العسكرية للسيرفي المنطقة، ما يؤدي الى تأخره عن عمله .المشكلات ليست
دائما لأسباب سياسية '. الحديث عن المشكلات مع الاهالي، يقود الى السبب الرئيس
لتعزيز القواتالدولية عام 2006 بموجب القرار 1701، لضمان ان تكون المنطقة
من الخط الازرق حتىالليطاني خالية من السلاح غير الشرعي والمجموعات المسلحة
.ويقول سينغ ان هذا 'منمسؤولية الجيش اللبناني القرار 1701، يفوض يونيفيل مرافقة
الجيش اللبناني ومؤازرتهلضمان انتشاره في الجنوب حتى الخط الازرق بعد انسحاب الجيش
الاسرائيلي، وهذا حصل .كما يفوضها بمساعدة الجيش في اخذ خطوات لضمان ان تكون
المنطقة بين الليطاني والخطالازرق خالية من أي اسلحة غير مشروعة او مسلحين '.ويضيف
:'بين عامي 2006 و2008وجدنا دبابات وبنى تحتية عسكرية، لكنها تعود الى قبل حرب
تموز .وكان الجيش اللبنانييصادرها او يدمرها .وأي معلومات ذات صدقية نحصل عليها عن
وجود اسلحة غير مشروعة فيمنطقة عملياتنا، نقوم فورا بالتحري عنها مع الجيش اللبناني
'. والحصيلة؟يجيب سينغ :'لم تجد يونيفيل ولم تزود بأي ادلة عن عمليات
نقل اسلحة غير مشروعة الىمنطقة عملياتنا .وأبلغنا مجلس الامن بذلك .كما لم نعثر على
ادلة على بناء بنى تحتيةعسكرية جديدة في منطقة عملياتنا '.لكنه يلفت الى أن الحوادث
الاخيرة جنوب الليطاني 'تشير الى ان على رغم جهودنا مع الجيش اللبناني لا تزال هناك
اسلحة غير مشروعة فيهذه المنطقة وأشخاص مستعدون لاستعمالها '. الخط الأزرق وجدار إسرائيل العازل الى جانب الاسلحة غير الشرعية ومخاوف الجنوبيين، يبدو سينغ
متفائلا بأمركان حتى ايار الماضي مادة خلاف بين البلدين العدوين، ثم اتفق
الجانبان فجأة فبدأتالعلامات بالارتفاع فوق قواعد إسمنتية على خط الانسحاب
الاسرائيلي، أي الخط الازرق . عملية 'وضع العلامات المرئية على الخط الازرق 'نموذج ايجابي
للدورالتنسيقي الذي تلعبه 'يونيفيل 'بين الجانبين .فكل علامة
ترتفع على الارض، يقولسينغ، 'تسبقها موافقة من الطرفين .نحن نقوم اولا بالتنسيق
على الخريطة مع كل طرف .إذا وافق الطرفان على نقطة، نقوم بتنظيف المنطقة من الالغام
.عندما تصبح آمنة،يذهب مختصون من يونيفيل اليها، ويحددون الإحداثيات
بالاعتماد على نظام 'جي بي اس 'ونضع علامتنا، ثم نذهب مع ضباط من الجيش اللبناني يقيسون
بدورهم ويضعون علاماتهمثم نذهب مع الجانب الاسرائيلي فيقيسون ويضعون علاماتهم .اذا
كانت العلامات كلها ضمن 50 سنتيمترا، عندها فقط يمكن تعليم النقطة، فيضع مهندسو
يونيفيل قاعدة اسمنتية فيحفرة كبيرة في المكان ويرفعون عليها العلامة .بعدها يعود كل
من الطرفين مع يونيفيلللتأكد '. ويشرح سينغ انه 'قبل ايار ولعام تقريبا، كانت هناك اختلافات
بينلبنان وإسرائيل حول الموضوع .لكن العام الماضي توصلنا الى
اتفاق مع الفرقين بأننمضي قدما، في الاشهر الستة الاخيرة وضعنا نحو 130 علامة،
لكننا نحتاج الى تعليم 470 نقطة لنغطي مساحة الخط الازرق، اي 119 كيلومترا '. الجدار الذي تحدثتتقارير عن ان اسرائيل
تنوي رفعه بينها وبين لبنان مقابل منطقة كفركلا، يشكل مادةجديدة
للقلق الجنوبي، على رغم ان لا اشارة اليه على الارض على طول الخط الازرق .ويقول سينغ انه لا يزال
في طور ال 'افكار '.ويضيف :'نناقش مع الاطراف الاجراءاتالتي
يمكن اتخاذها، اذ يجمع الفرقاء على انها منطقة حساسة جدا .مقاربة يونيفيل
انهيجب ان نصل الى حل يتفق عليه الجانبان، لا ان يقوم طرف
بخطوة أحادية '.
No comments:
Post a Comment