6في المئة من الموقوفين المتعاطين طلاب وأقل من 4 في
المئة نساء ولا مراكز حكومية لمعالجتهم
ادمان المخدرات في لبنان انتقل في
زمنالسلم من الميليشيات الى المدارس والجامعات
منالابوعبس
'استهلاك المخدرات في لبنان ازداد خصوصا في صفوفالشباب
'.
هذه العبارة وردت في التقرير السنوي لوزارة الخارجية
الأميركية عنمكافحة المخدرات في العالم لعام 2009 .والتقرير وإن كان لحظ
ما يمكن للخارجيةالاميركية أن تعتبره إيجابيا، وهو أن 'لبنان ليس من الدول
الرئيسة التي تنتجالمخدرات أو تتاجر بها '، غير أن هذا التقرير وضع الإصبع
على جرح لم يفلح البلدالصغير في معالجته موضعيا، فراح يتسع إلى أن تفاقم الأمر
حتى يكاد لا يمر يوم يخلومن أخبار عن توقيف تاجر مخدرات أو عن ضبط محاولة تهريب
للمادة إلى البلد أو منه .
واللافت أكثر من ذلك، هو التطور الدراماتيكي للظاهرة التي
باتت تنذر بماهو أسوأ، انطلاقا من تزايد حوادث إطلاق النار المتبادلة بين
مروجي المخدرات في عددمن المناطق، وبين المتعاطين أنفسهم أو بينهم وبين الآخرين،
مع ما يشكله ذلك من خطرعلى السلامة العامة .وآخر هذه الأحداث إطلاق مجموعة من
الشبان الذين كانوا تحتتأثير المخدرات النار داخل قسم الطوارئ في مستشفى المقاصد
قبل أيام، وتحطيممحتوياته، ما أدى الى إقفاله احتجاجا وطلبا للحماية
الأمنية، حيث لم يعاود العملإلا بعد تأمين هذه الحماية .وكان سبق الاعتداء على المقاصد
اعتداءات على مستشفياتأخرى أيضا .
وإذا أرفقنا ما ورد بتكرار حوادث وفاة شبان دون ال25 سنة
إثرتعاطيهم كميات كبيرة من المخدرات، مضافا إليه صرخات بعض
السياسيين والجمعياتالأهلية والمؤسسات المعنية بإرشاد المدمنين وتأهيلهم، فإن
هذا يدل صراحة على أنالبلد يقف تماما فوق الخط الأحمر لسلامة بنيته الاجتماعية
وأمنه ومستقبله ...
< 'ثلاثة أرباع الذين يقصدون تجمع 'أم
النور' في لبنان لتلقي العلاجمن الإدمان تقل أعمارهم
عن 24 سنة'، هذا ما قالته قبل أسابيع عدة لإحدى الإذاعاتمنى
اليازجي رئيسة تجمع 'أم النور' وهو مركز غير حكومي لتأهيل المدمنين (فلبنان لميشهد
حتى الساعة انشاء مركز لمعالجة المدمنين على رغم لحظ قانون المخدراتذلك).
التجمع هو الوحيد المتخصص في لبنان بمعالجة ضحايا الإدمان
وتأهيلهم،لذلك فإن أي إشارة خطر تصدر منه تدل على خطر حقيقي يضرب
المجتمع .اليازجي أضافت الىتدني سن المدمنين، اختلافا في المواصفات الاجتماعية التي
كان يحملها مدمنو الماضي،ومدمنو الحاضر .وأوضحت أنه 'قبل نحو عشرين سنة، كان الأشخاص
الذين يقصدون المركزللعلاج هم ممن حملوا السلاح خلال الحرب الأهلية واضطروا الى
الانضمام الىالميليشيات وغيرها .الآن الأمر تغير، وصار بين المدمنين طلاب
مدارس وجامعات إناثوذكور '.وأضافت :'عندما أقول عن شخص ما إنه مدمن في عمر
ال24، فهذا يعني أنه يتعاطىالمخدرات من عمر 12 أو 13 سنة '.
صغر سن المدمنين الذي تحدثت عنه اليازجييؤكده
أيضا استطلاع للرأي أجرته شركة 'الدولية للمعلومات 'بين طلاب توزعوا على سبعجامعات
خاصة في لبنان وصدر في أيار (مايو )الماضي .وكشف الاستطلاع أن 'نسبة تقبلفكرة
تعاطي المخدرات ترتفع لتبلغ ذروتها لدى الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 22و24
سنة (35 في المئة )'، وأن '36 في المئة من الطلاب المستطلعين جربوا الحشيشة
ولولمرة واحدة، مقابل 23 في المئة جربوا الماريجوانا، وأن نسبة
الطلاب الذكور الذينجربوا المخدرات أعلى من نسبة الإناث .ونحو نصف الطلاب (48
في المئة )الذين تماستطلاع آرائهم يصفون طريقة الحصول على المخدرات في جامعتهم
بأنها سهلة وأن 51 فيالمئة يعرفون مروجا للمخدرات '.
كما لفت الاستطلاع الى أن 'تجربة المخدراتالأشد
خطورة كالكوكايين والاكستاسي وال 'إل أس دي 'وال 'سبيد 'كانت أعلى ضمن
الفئاتالعمرية بين 25 الى 27 سنة '.وأظهر أيضا أن 'نسبة تجربة
المخدرات الأشد خطورة كانتالأعلى لدى الطلاب الذين يبلغ مصروفهم ما بين 200 و350
دولارا أميركيا أسبوعيا، إذبلغت النسبة بين 44 و52 في المئة، وانعدمت لدى الطلاب الذين
يقل مصروفهم عن 50دولارا أسبوعيا .وكشف أن أكثرية 65 في المئة من الطلاب
المستطلعين يعتقدون أن نصفالطلاب في جامعتهم (50 في المئة )يتعاطون المخدرات '.
ما ورد في الاستطلاعوقبله على لسان اليازجي
لا يحتاج الى شرح كثير، ولا يستدعي وقفة ذهول وتعجب .فكثيرمن
طلاب الجامعات في لبنان وبعض الثانويات (الخاصة خصوصا )يعرفون معلومات يكادبعضها
يكون تفصيليا عن المخدرات .أولئك يسهل اللقاء بهم في أماكن اللهو الخاصةبالطبقة
المتوسطة وما فوق، ولهم حجج لا تنتهي لتبرير ما يقومون به، من 'المساعدةعلى
التركيز وزيادة النشاط '، الى 'المساعدة على الاسترخاء ونسيان المشاكل
'.ولعلالأكثر غرابة في الأمر المجاهرة في التعاطي في الأماكن التي
تكاد تكون عامة .إذ روتسيدة أنها التقت بفتاة شابة تعرف أهلها جيدا وتعرف أنها في
واحدة من أرقى المدارسالخاصة في بيروت، 'رأيتها في حمام تابع لإحدى دور السينما،
وكانت بصحبتها فتاة أخرى .كانتا تدخنان الحشيشة '.
في رأي 'مدخنين '، المخدرات هي الكوكايينوالهيرويين
وملحقاتهما، أما الحشيشة والماريجوانا فهي 'دخان '.أما كيف ذلك؟ فيرويرجل
تجربته العائدة الى سنوات مضت مع الحشيشة .
ويقول :'هي نوع من أنواعالدخان، يساعد على إرخاء
الأعصاب وإطلاق المخيلة .تخيل نفسك تتابع برنامج 'توك شو 'أو اكثر برنامج جدي في
العالم، بينما تلفتك تفاصيل صغيرة كان من المستحيل أن تلتفتاليها
وانت واع '، ويضيف مبتسما :'ذات مرة كنت واصحابي نحشش على انغام ام كلثوم
علىقناة الطرب .واذ بنا ننتبه الى عازف العود مباشرة وراء ام
كلثوم، وصار كل منا يزيدتفصيلا على شكله وملبسه .هذا قادنا الى وصلة ضحك انتهت
بالدموع تنهمر من أعيننا '.ويؤكد الرجل أنه لم يشعر بنفسه مدمنا في يوم الأيام، وان
كان يحن الى سيجارة بينحين وآخر .
وعن 'متعاطين 'غيره، يجيب الرجل :'اعرف أشخاصا تعودوا علىالحشيشة
الى حد الادمان، وآخرين مدمنين على الهيرويين انقلبت حياتهم جحيما بعدالادمان،
وآخرين على الكوكايين يسرقون منازل أمهاتهم لتوفير ثمن جرعة واحدة .أولئكأخاف
عليهم كثيرا، وأخاف منهم '.
مكتب مكافحة المخدرات
كلام الرجللا يبدو منطقيا بالنسبة الى رئيس مكتب مكافحة المخدرات
العقيد عادل مشموشي الذييؤكد بحسب خبرته أن 'الحشيشة هي من اخطر المخدرات، لأن لها
مضار مباشرة على الخلاياالدماغية، كما أنها المدخل الحتمي الى الهيرويين '.وهو وان
كان يؤكد أن ظاهرة تفشيالإدمان على المخدرات تستدعي قلق المسؤولين، يقول ل 'الحياة
'إن هناك تضخيماللأرقام، وإن نسبة الطلاب المدمنين تقارب ال6 في المئة (من
عدد الموقوفين في جرائمالمخدرات والبالغ عددهم 2881 موقوفا ).
ويرى مشموشي أنه من الطبيعي وجودطلاب في عداد المدمنين
لأن 'المستهدفين عادة هم الشباب الذين من المفترض أن يكونوافي
الجامعات والمدارس '، مشيرا الى أن 'الذين يجرون الاستطلاعات يقعون عادة
ضحيةمبالغة الشباب .فقد يخجل الشاب من القول أمام رفاقه إنه لا
يتعاطي المخدرات، بينمافي الحقيقة هو لا يتعاطى '.لكن مشموشي يؤكد أن 'زيادة أعداد
المدمنين طبيعية بسببزيادة عدد السكان في لبنان .غير أنه ثمة زيادة في النسبة
أيضا سببها زيادة نسبةالمتعاطين في العالم، وان كانت في لبنان اقل منها في دول
متقدمة '.ويرد علىالقائلين بأن نسبة النساء المدمنات في لبنان تفوق نسبة
الذكور، بالقول :'نسبةالمتعاطين بين النساء الموقوفات تقل عن أربعة في المئة .في
السابق لم نكن نرى نساءمتعاطيات، لكن مع الوقت ومع انتشار المفاهيم التحررية بدأت
نسبة النساء اللواتييتعاطين المخدرات ترتفع '.
وينتقد مشموشي تضخيم الحديث عن انتشار حبوب ال 'اكستاسي 'وال 'كبتاغون
'في المدارس والجامعات، معلنا أن '6 .4 في المئة منالموقوفين
فقط يتعاطون الحبوب .قليلون جدا يتعاطون 'اكستاسي '، أما البقية فيتعاطونال
'ترامال 'والأدوية التي تحتوي على مواد منبهة أو مخدرة '.
طريق المخدر
وعن طريقة دخول المخدرات الى لبنان، يشرح مشموشي أن 'تهريب
الكوكايين الىلبنان يتم عبر مسالك عدة .بعضها يأتي من دول أميركا
الجنوبية عبر أوروبا الغربية،وصولا الى لبنان .البعض
الآخر من دول أميركا الجنوبية الى تركيا فسورية فلبنان .أومن
الدول الأفريقية التي صارت معتمدة دولا لإعادة تهريب المخدرات، وأيضا من دولأميركا
الجنوبية ثم الأردن برا الى سورية ثم لبنان، وبعضه يأتي مباشرة الى سورية ثمبرا
الى الأراضي اللبنانية عبر الحدود التي تصعب مراقبتها .وبعض المحاولات تتممباشرة
الى لبنان عبر مرفأ بيروت أو المطار أو المداخل الأخرى '، ويشير الى 'بعضالمحاولات
التي تتم عبر البريد وان كانت بكميات قليلة، لكنها متكررة .أما الهيرويينفيتم
تهريبه من أفغانستان برا من طريق تركيا وسورية فلبنان، وعادة تتخذ إجراءاتلازمة
في مراكز العبور للحد من التهريب '، لكنه يلفت الى صعوبة ضبط الحدود البرية،ويقول
:'نعاني والإخوة السوريين من تمكن الضالعين في هذه العمليات من عبور الحدود،أما
عبر الحقول أو القرى المتداخلة بين لبنان وسورية .عادة الضالعون بتهريب هذاالنوع
من المخدرات ينتشرون في المناطق المحاذية للحدود '.
ويشير مشموشي الىأن لبنان 'في الآونة الأخيرة
اعتمد دولة عبور لبعض أنواع المخدرات وتحديدا لحبوبالكبتاغون
التي قمعنا محاولات لتهريبها الى دول الخليج وتحديدا السعودية '.ويؤكد أن 'ليس عندنا صناعة مخدرات
في لبنان '، مضيفا :'في لبنان تتفشى ظاهرة زراعة المخدرات،أما
التصنيع فبدائي .ليس عندنا تصنيع معقد كما في الخارج، ربما لأن المخدراتالمنتجة
في لبنان مثل الحشيشة لا تحتاج الى إجراءات تصنيع معقدة .فقط كبسهاوتوضيبها
لحمايتها من تبخر الرطوبة او الزيت .وبالنسبة الى الهيرويين ال 'باز 'فيقتصر على صناعة
الهيرويين من المورفين في شكل يدوي وبدائي، واحيانا تحويلالهيرويين
والمورفين من 'باز 'الى بودرة .لأن التعاطي يتم اما بحرق ال 'باز 'واستنشاق البخار المنبعث
منه أو عبر شم البودرة '.
وعن تصنيع الحبوب، يجيبمشموشي :'في لبنان لا
يمكننا أن نقول إن عندنا صناعات من هذا النوع، لأن الدول التيتصنع
هذا النوع من الحبوب يكون عندها خبرة في هذا المجال في شكل عام .ولكن فيالسنتين
الماضيتين ضبطنا محاولتين، تمثلت الأولى بجهاز لتصنيع الحبوب في منطقة واديخالد
الواقعة على الحدود اللبنانية - السورية حيث يتواجد عدد من تجار المخدراتالضالعين
بتهريب المخدرات الى السعودية وتحديدا الكبتاغون .كما أحبطنا محاولة تركيبمختبر
لتصنيع المواد الكيماوية التي تصنع منها الحبوب في منطقة بعلبك المجاورةللحدود
اللبنانية - السورية '.
حين يقعون في قبضة القانون
إذا وقعمتعاطي المخدرات في قبضة عناصر المكتب، فكيف يتم التعاطي
معه؟ يستعين مشموشيبالمشرع اللبناني الذي ميز بين الضالعين بجناية المخدرات أي
الذين يبغون من نشاطهمالكسب المادي وبين متعاطي المخدرات، لافتا الى أن 'المشرع
جعل عقوبة الزراعةوالصناعة والتجارة تصل الى الأشغال الشاقة وأحيانا الى
الإعدام فيما لو اقترنتباستعمال السلاح، في حين أن التعاطي جنحة عقوبتها من ثلاث
اشهر الى 3 سنوات '.كمااعتمد المشرع بحسب مشموشي 'سياسة العصا والجزرة .اذ جعل
الملاحقة الجزائية تهديداأو وسيلة ضغط على مدمن المخدرات، بحيث رهن الملاحقة وتنفيذ
العقاب في حقه بقبولهالعلاج '، ويوضح :'اقر المشرع اللبناني إنشاء لجنة الإدمان
على المخدرات وأولى لهادراسة أوضاع المتعاطين (الموقوفين )وتقرير من هو المدمن
بينهم .وبعدما تقرر اللجنةأن هذا الشخص مدمن، تخيره بين الرضوخ الى العلاج أو
الملاحقة .فإذا قبل العلاج توقفالملاحقة .وأيضا يمكنه
بعد صدور مذكرة الملاحقة بحقه، إذا عاد من تلقاء نفسه وطلبأو
قبل عرض الرضوخ الى العلاج توقف الملاحقات وبالتالي لا يحاكم .وأيضا بعد
محاكمتهوإصدار العقوبة بحقه، بمجرد أن يقبل بالعلاج توقف العقوبة
بحقه '.
وعنالمدمنين داخل السجون، يؤكد مشموشي أن 'المدمنين داخل
السجون قلة، لأن المتعاطينيتركون بعد تعهد منهم أو من الأهل بخضوعهم للعلاج في مؤسسة
علاجية .لكن قد يكونهناك بعض المتعاطين الموقوفين بجرائم أخرى، وهؤلاء يحالون
الى السجن .وهناك رعايةخاصة يتلقونها '.
ماذا إذا قرر المدمن أن يخضع للعلاج، ولم يكن يملك المالاللازم
لدخول مستشفى خاص، فماذا يمكنه أن يفعل؟ يرد مشموشي مؤكدا 'ضرورة إنشاءمراكز
للعلاج والرعاية خاصة بالدولة اللبنانية، لأن الوضع الحالي يقتضي أن نبادرالى
تخصيص بعض الأسرة حتى لو في المستشفيات الحكومية أو الخاصة لعلاج المدمنينومجانا،
لأنه لا يمكن أن نترك من لا يملك المال للعلاج يعاني ويموت '.ويوضح أن 'المادة 673 من قانون
المخدرات لحظت إنشاء هذه المراكز الحكومية ونحن ندعو الىالمبادرة
الآن الى إنشاء مركز على الأقل على مستوى بيروت وجبل لبنان يحال إليهالمتعاطون
من المناطق كافة، ثم يصار فيما بعد وضمن الإمكانات المتاحة الى انشاءمركز
على مستوى كل محافظة '، ويضيف أن 'القانون لم يكتف بإنشاء هذه المراكز بل
أوجباعتماد عيادات نفسية ومراكز اجتماعية للعلاج النفسي للمدمن
على مستوى كل محافظة .وهناك إمكانية لذلك الآن من خلال المستوصفات العائدة للدولة
أن نعتمد على الاقلعيادة في كل من هذه المراكز الصحية الرسمية للعناية الطبية
النفسية للمدمنين .الىذلك لحظ القانون إنشاء ما يسمى المراكز العلاجية الاجتماعية
التي تعنى بمتابعةالمدمنين لإعادة دمجهم في المجتمع منعا لعودتهم الى عالم
الإدمان '.
ويقول :'بسبب غياب المراكز العلاج التابعة للدولة قام القطاع الخاص
وبالتحديد المؤسساتالتطوعية بسد بعض الثغرات التي تبقى غير كافية '، مضيفا أن
'المؤسسة المتخصصةالوحيدة بعلاج المدمنين 'أم النور 'إمكاناتها محدودة .وقدرة
استيعابها لا تزيد عن 70 أو 80 سريرا، وهذا غير كاف '.
دور الطب النفسي في العلاج
يعملالطبيب النفسي ماجد كنج منذ سنوات في علاج المدمنين على
المخدرات وغيرها .ويؤكد أنظاهرة الإدمان على المخدرات تشهد ازديادا في شكل كبير حاليا
.يقول كنج ل 'الحياة 'ان 'هذا البلد فيه كثير من التطرف وهناك حلقة مفقودة هي
التربية والسيطرة علىالذات .حس الفرد بالمسؤولية وبالقيمة لذاته وللآخرين، تتدنى
كثيرا في مجتمعنا، لذلكعلينا أن ننتظر ما سيأتي وهو أسوأ مما نشهده الآن '.
ويشير كنج الى أنالمدمنين الذين يعمل على
علاجهم 'جزء كبير منهم شبان، لكن هناك عدد كبير من الكهول '، ويضيف :'في الفترة
الماضية كنت ألتقي بحالات كثيرة من الاولاد المدمنين بعمر عشرسنوات
أو 15 سنة .اما الآن فقلت نسبتهم '.اما الحالات الاكثر خطورة، فيؤكد أنها 'الإدمان على الهيرويين
نزولا الى الكوكايين ثم الحشيشة '، ويتابع :'في فترات ماضيةكان
هناك حالات كثيرة من الإدمان على حبوب 'كبتاغون '.الآن تدنت النسبة، وصار
هناكمدمنون على ادوية السعال التي تحتوي على مادة ال 'كودايين
'وهي من مشتقات الافيون .هذه المادة مستعملة في شكل كبير جدا .كما هناك حالات ادمان
على الكوكايين وهو خاصببعض الفئات الثرية وخصوصا الرياضيين والفنانين يستعملونه
لزيادة النشاط '، ويضيفأن 'هناك حبوبا يكتشفها الطلاب من وقت الى آخر، كالكبتاغون
سابقا، و 'اكستاسي 'الآن، حتى يسهروا ويدرسوا لوقت اطول '.ويؤكد كنج أن
'الادمان على ال 'ال اس دي 'لميكن يوما منتشرا في
لبنان، لكنه موجود '.
لماذا يتجهون الى الادمان
يوضح كنج أن 'الادمان هو تفتيش الشخص عن تأثير ما في المادة
الادمانية .كبحثه عما يشعره بأنه 'مزهزه 'ويخلصه من بعض القلق، مع ان
النتائج قد تكون عكسيةاحيانا '.كيف ذلك، يجيب :'مع الوقت لا تعود الكمية تكفي
الشخص للحصول على هذاالشعور، فيعمد الى جرعات اكبر .في هذه الحالة يكون بدأ
مرحلة التعود .في فترة تاليةلن يعود بإمكانه أن يتخلى عن المادة الإدمانية، لأنه اذا
تركها سيعاني اعراضالفطام، وهي عادة صعبة جدا .يصير قلقه كبيرا جدا، لا يعود
قادرا على النوم، يعانيآلاما في الرأس ويرتجف، وتصيبه هلوسات، ويضطر للعودة الى
المادة الادمانية ليتخلصمن نتائج الفطام .في هذه الحال لا تعود مشكلتنا مع الادمان،
بل مع الفطام .اذ يكونالشخص دخل مرحلة من الادمان لا يقدر معها أن يرجع الى
الوراء، الا بمساعدات منمعالجين ومؤسسات استشفائية وتأهيلية وغيرها '.
لكن لكل شخص بحسب كنج اسبابهليصير مدمنا، ويشرح
:'اليوم أخرجت شابا من المستشفى عنده ادمان كحولي ويتعاطيالحشيشة
بكميات كبيرة .عندما يحتسي الكحول يهتاج ويكسر ويؤذي حتى امه المسنة .اكتشفت بعد علاجه أن هناك
فوضى فكرية وحالة نفسية موصوفة، وعرفت أن والده ايضا كانيعاني
المشكلة ذاتها .هنا الامور واضحة، أن هذا الشخص ليس مدمنا حقيقيا .هو يفتش
عنمكان وصحبة ومادة من خلالها يعبر عن توجهاته الفوضوية التي
تشتغل بعواطفه وأفكاره،وهي بالنهاية بسبب اختلالات دماغية، هناك اوضاع كثيرة تشبه
هذه '.
يضيف :'هناك مدمنون حقيقيون، الصعوبة في علاجهم كبيرة، لأن الواحد
منهم يكون محنكا بشدةوعنده امكانات اقناع وتورية واخفاء للأعراض والادمان لا
نهاية لها، ويتلاعب بكلالناس وبالقضاء وبالمجتمع وحتى بالاطباء والممرضين .لكن كل
هذا الادعاء والنعومة فيالتعاطي والاجتماعيات المتطورة تصب في هدف واحد هو اشراك
اكبر قدر ممكن من الناس فيعالمهم '.
علاج المدمن
يشرح كنج أن 'قضية الادمان ليست فعلا فرديا،يصير
المدمن فردا في مجتمع ادماني .عندما يصير ضمن هذه الحلقة لا يمكنه الخروج
منها '.
يضيف :'الطب النفسي يتعاطى مع فرد .ليس دوره أن يطلق احكاما
أخلاقيةمسبقة .نحن، اطباء النفس، نحاول عندما يصل إلينا مدمن أن
نخرجه من الإدمان .أحياناننجح وأحيانا كثيرة لا ننجح .ممكن أن نقبل بنمط من الإدمان
أخف من النمط الذي كان .يعني بدل الهيرويين يمكن أن نعطيه أدوية مسكنة للقلق .في
الخارج، هناك دول كثيرةفيها برنامج بديل للهيرويين هو نوع من الهيرويين الصناعي
الذي لا يوصل الى النتائجالمدمرة نفسها التي يسببها الهيرويين العادي .نحكي عن مادة
'ميتادون 'الشهيرة التيتوزع ضمن برنامج حكومي بوليسي اجتماعي '.ويكمل :هناك أشخاص
ننجح جيدا في علاجهم،يخرجون من الإدمان ولا يرجعون وهؤلاء قلة، وبعضهم يرجع كل
أربع أو خمس سنوات، لكنهذا أيضا نجاح كبير .يعني إذا أمضى مريضي كل عام 10 أيام في
المستشفى و355 يوما مندون إدمان هذا أمر جيد .ويلفت الى أن 'هناك نسبة كبيرة من
النساء المدمنات، لكنعددهن يبقى اقل بكثير من الرجال والشباب '.
دور الدولة
يحمل القانونرقم 673 الصادر في 16
آذار (مارس )1998، والمتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية،الحل
لمشاكل كثيرة تتعلق بمجرمي المخدرات وعلاج المدمنين عليها ويمتد الى تأمينالمساعدة
لعائلاتهم .في حال تم تطبيقه .
وتنص المادة 205 منه على تشكيلالمجلس الوطني لشؤون
المخدرات الذي يرأسه رئيس الحكومة ويكون نائب رئيس الحكومةنائبه
في المجلس ويضم وزراء العدل والصحة والداخلية والتربية والزراعة والماليةوالشباب
والرياضة والشؤون الاجتماعية والخارجية .
وتنص المادة 199 منه على 'تأليف لجنة الادمان على المخدرات بقرار من وزير العدل '، في
حين تقضي المواد 200، 201، 202، و204 ب 'إنشاء مصح لمعالجة المدمنين '، 'انشاء او اعتماد
وزارة الصحةعيادات نفسية اجتماعية لمعالجة المدمنين من الارتهان
النفساني للتعاطي '، و 'انشاءاو اعتماد وزارة الشؤون
الاجتماعية مؤسسة او اكثر واشخاصا طبيعيين تتوافر لديهمالكفاءات
لرعاية الاشخاص المدمنين بعد شفائهم من الارتهان للمخدرات '، و 'منح اسرةالمدمن
اعانة شهرية، اذا تبين للجنة الادمان ان وجود المدمن في المصح يترك اسرتهبغير
موارد مالية '.
موقوف ستيني :بدأت التعاطي في الثلاثينات وخسرت 3 أولاد ...فكيف أتوقف؟
< يجلس رجل ستيني بثياب بالية وقد أنهكه
التعب.يداه مكبلتان بالأصفاد، يرفعهما في حركة تبدو كأنها عادة
لديه، كلما أراد أن يقسملإضفاء الصدق على حديثه، مستخدما عبارتي 'وشرفك' و
'وحياتك'، مترافقة مع ابتسامةعريضة.
الرجل خرج للتو من جلسة للتحقيق معه في مكتب مكافحة
المخدرات، بعدماأوقف على اثر ضبط كمية من المخدرات في حوزته .ووافق على أن
يتحدث عن تجربته فيتعاطي المخدرات، و 'ليس تجارتها 'كما يقول، من دون أن يبدو
على وجه الموجودين فيالمكتب أنهم يصدقون كلامه .هذه ليست المرة الأولى التي يلقى
القبض عليه فيهابالتهمة نفسها .يتحدث قليلا ثم ينقل الى الزنزانة :
كان عمري 35 سنة عندماتعاطيت الحشيشة للمرة
الأولى في حياتي .كان ذلك في بلدتي (...)في جنوب لبنان .الشخصالذي
عرضها علي مات قبل سنوات .لا اعرف عنه إلا اسمه الأول (...)ولا شيء آخر .لستمدمنا
على المخدرات .فقط أتعاطى الحشيشة .أدخن أربع أو خمس سجائر كل مساء مع الكأس .اشتري الحشيشة حاليا من
شخص اسمه (...).اشتري ب50 ألف ليرة كمية تكفيني شهرا .توقفت عن التعاطي قبل
سنتين .
لمن تبيع الحشيشة؟ يأتيه صوت من المكتب،فيجيب
مكورا أصابع يده كما لو أنه يمسك طابة صغيرة :'أنا لا أبيع، فقط اتعاطى .هذهقطعة
(التي وجدوها بحوزته )كانت موجودة في السيارة منذ المرة الماضية .أنا كنت
نسيتوجودها أصلا .
أنا رجل خسر ثلاثة من أولاده .راحت لي بنت على الروشة
.انتحرتحين كان عمرها 17 سنة، ولا اعرف السبب .وولد قتل بالرصاص
.راح ب10 دقائق بس ...اختفى .وثالث في السجن .مشاكلي مع زوجتي لا تنتهي .تريدني
أن أقلع عن الحشيشة .المسألة لا تتعلق بالعلاج، بل بالإرادة .ظروفي صعبة جدا،
ومصيبتي كبيرة .أسست بيتالم يعد فيه أحد؟ لكن اللي بييجي من الله يا محلاه .أحيانا
أتمنى الموت على أن أبقىفي حالتي هذه .فقط لو رأيتم حال بيتي ...'.