Monday, March 29, 2010




شباب يواجهون 'حماس 'و 'فتح ':لقد فقدنا الثقة
منال أبو عبس


< '
اسمي معاد. أنا فلسطيني... أما سؤالي، فهو التالي: خلال السنوات الماضية، شاهدنا ماذا فعلت حركتا 'فتح' و 'حماس' بالقضية الفلسطينية، من إفقار وفساد وانتهاكات. نحو 1440 فلسطينيا قتلوا في الاقتتال الداخلي. أنتم اليوم تجلسون أمامنا ممثلين للحركتين. ما هي الرسالة التي تريدون إيصالها إلينا، نحن الفلسطينيين الذين نعيش خارج فلسطين؟ ماذا تريدون أن تقولوا لنا فيما قضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية لا يزال متواصلا، وفيما الانقسام لا يزال واقعا بين الضفة الغربية وغزة؟'.

معاد واحد من نحو 300 طالب عربي وأجنبي، حضروا برنامج 'دوحة ديبايتس 'الذي جمع كلا من :نبيل شعث وعبدالله عبدالله عن حركة 'فتح 'وأسامة حمدان ومحمد نزال عن حركة 'حماس 'في العاصمة القطرية قبل نحو أسبوع في حوار مفتوح عن الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني أداره تيم سيباستيان .غير أن سؤال معاد لم يخرج عن سياق 'تشاؤمي 'عام فرضه الطلاب على القاعة، وانعكس وجوما على وجوه المشاركين الأربعة، وفي شكل أكبر على وجوه ممثلي 'فتح '.

ففي هذه القاعة، بدا لافتا بالدرجة الأولى يأس الشبان وغالبيتهم من الفلسطينيين واللبنانيين مما وصلت إليه حال الفلسطينيين بعد 60 عاما من صراعهم مع إسرائيل، وتشاؤمهم من إمكان التوصل الى حل 'مشرف 'للقضية .وعبر عدد ملحوظ منهم عن انحيازهم الى خيار المقاومة المسلحة الذي تمثله 'حماس '، نظرا الى أن '26 عاما من المفاوضات مع إسرائيل لم تحقق أي تقدم، بل أدت الى توسيع الاستيطان وتهجير أعداد إضافية من الفلسطينيين من أراضيهم '، بحسب أحد الطلاب .

الانحياز الطالبي للمقاومة المسلحة بدل المفاوضات ورفض الواقع الفلسطيني والانقسام، لم يستجيبا لدعوات ممثلي 'فتح 'في أحيان كثيرة إلى تفهم ما يجري على أرض الواقع .ف 'فتح 'خاضت مقاومة مسلحة لسنين طويلة، اعتمدت خلالها أساليب أكثر عنفا مما تعتمده 'حماس 'حاليا، للفت أنظار العالم الى ما يدور في فلسطين .

لكن، وبحسب عبدالله :'عندما يصير استعمال نوع محدد من المقاومة يكلفنا اكثر ما يفيدنا نبتعد منه، ونعتمد غيره .اليوم يقاوم شعبنا سلميا من خلال التظاهرات والى جانبه يقاوم كثيرون من غير الفلسطينيين لأنهم مؤمنون بقضيتنا '.

الأمر هذا بالنسبة الى 'حماس 'يبدو غير منطقي، إذ يرد حمدان انه 'بالنظر الى المقاومة السياسية، إسرائيل يمكنها أن تدخل الى رام الله وتعتقل من تريد منها، بينما عام 2009 إسرائيل لم تتمكن من الدخول الى غزة بسبب المقاومة المسلحة '.وبدا واضحا انحياز الجمهور للمقاومة المسلحة من خلال تصفيقه لحمدان ومن بعده لكلام لنزال انتقد فيه 'فتح 'لتخليها عن المقاومة المسلحة واعتمادها أسلوب المفاوضات .

غير أن 'حماس 'نفسها لم يكن صدرها رحبا لانتقادات قليلة طالتها، ومعظمها عن قتل الفلسطينيين خلال الصراع بين الحركتين، فبدا معه رد نزال مستغربا، إذ اعتبر أن 'هناك الكثير من الخلافات بين فتح وحماس، لكنها ليست حربا أهلية، هي بعض الصدامات، لكنها ليست حربا '.

وهنا علق سيباستيان :'لكن 1400 فلسطيني قتلوا خلال هذه الصدامات؟ '.فرد نزال :'ليس 1400، لكنني لا اعرف العدد الفعلي .نحن نستنكر مقتل أي فلسطيني، لكنها ليست حربا أهلية، بل خلافات وصراعات '.

في الحلقة التي استمرت ساعة ونصف الساعة، تحاور ممثلو الحركتين، وسمعوا وردوا على أسئلة الطلاب باللغة الإنكليزية .وعلى رغم أن الفكرة الأساسية للجلسة هي تقريب وجهات النظر بين الحركتين الفلسطينيين، ومن ورائها تقريب وجهات النظر بين القيادات وجماهيرها .

غير أن ما جرى واقعا في تلك القاعة، كشف في شكل واضح عمق الخلاف بين الفريقين الفلسطينيين المنقسمين، وعمق الخلاف بين القيادات والجمهور الشبابي .فالهموم التي طرحها الشباب بدت بعيدة عن هموم القيادات التي تركزت على عدم توقيع 'حماس 'الورقة المصرية، والمفاوضات غير المباشرة approximate talks بين الفلسطينيين والإسرائيليين والأدوار المصرية والأميركية والإيرانية والسورية، والانتخابات ومنظمة التحرير والسلطة .في حين بدا الشباب أكثر اهتماما بحياة الفلسطينيين ومعاناتهم داخل فلسطين وخارجها، وإحباطهم مما تحقق منذ النكبة حتى اليوم و 'خسارة مزيد من الأراضي والحقوق وعدم عودة اللاجئين '.

ولم يخف بعضهم صراحة طلبه من قيادات الحركتين التنحي جانبا وإفساح المجال أمام جيل جديد من الفلسطينيين ليدير الصراع بطريقة مختلفة .فبالنسبة الى هؤلاء، كلا الطرفين فشلا في تحقيق 'المصلحة الفلسطينية '، لكن هل 'فتح 'و 'حماس 'مستعدتان للتنحي والسماح لجيل جديد بأن يقود الصراع؟

بالنسبة الى 'حماس '، يرى حمدان :'نحن الجيل الجديد في فلسطين .وإذا كان أحد مستاء مما حصل، فهذا يحفزنا على الاستمرار في صراعنا مع إسرائيل، آخذين في الاعتبار مصلحة الفلسطينيين وليس المنظمات '.أما شعث، فيرد على استعداد فتح للتنحي في حال أثبتت الأيام فشل أسلوب المفاوضات 'إذا فشلنا، فنحن مستعدون للتنحي جانبا '.

في اختتام الحلقة، وقف شاب لبناني اسمه محمد، واستهل كلامه بالاعتذار سلفا عن السؤال .قال محمد :'الى أي حد تعتبرون أنفسكم اخوة، بينما أمضيتم السنة الماضية تتقاتلون وتقتلون بعضكم بعضا طمعا بالسلطة، وكلنا نعرف أن كلا منكما أكثر ولاء للقوى الخارجية اكثر من ولائكما لبلدكما؟ ثانيا، اعتقد أنكما تحتاجان الى التقدم وإيجاد استراتيجية مشتركة، هل تنويان التنحي إذا فشلت نيتكما الوصول الى استراتيجية موحدة، وترك آخرين يقررون؟ '.فرد شعث مجددا :'بالطبع '، بينما قال نزال :'عندنا حق قتال الصهيوني، لا أحد يمكنه أن يوقف القتال لن نتنحى .سنجرب '.

وقبل أن يعلن سيباستيان انتهاء الحلقة، طلب الى الطلاب أن يصوتوا على سؤال عما إذا كانوا يثقون بالقيادة الفلسطينية الحالية، والمقصود بها 'فتح 'و 'حماس '.فجاءت النتيجة :11 في المئة فقط صوتوا بنعم، مقابل 89 صوتوا بلا .

(
نشر في العدد :17160 ت .م :29-03-2010 ص :25 ط :الرياض )
الموضوع :عام
المصدر :الحياة


Wednesday, March 17, 2010



ممثلو 'فتح' و'حماس' يواجههم سؤال واحد في 'دوحة ديبايتس':
ألم تفشلا في إدارة الصراع؟
منال أبو عبس


استنتاجان أساسيان يخرج بهما المتابع لجلسة النقاش التي عقدت بين مسؤولين من 'فتح 'وآخرين من 'حماس 'في الدوحة ليل أول من أمس .أولهما أن 'لا أمل بأن تبصر الورقة المصرية النور '، وثانيهما أن 'الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني 'ما زال عميقا جدا على رغم اعتراف الممثلين من الطرفين أن 'لا المقاومة ولا التفاوض يمكنهما أن ينجحا في ظل الانقسام الداخلي '.فالخلافات كما عبر عنها المفاوض باسم 'منظمة التحرير الفلسطينية 'نبيل شعث، ورئيس اللجنة السياسية للمجلس التشريعي الفلسطيني عبدالله عبدالله من جهة، وممثلا 'حماس 'في لبنان اسامة حمدان وفي سورية محمد نزال من جهة، خلال مشاركة هؤلاء ليل أول من أمس، في 'دوحة ديبايتس 'في العاصمة القطرية، لا تقتصر فقط على شكل الحكم والحكومة، بل تنطلق اصلا من النظرة الى ادارة الصراع مع اسرائيل لتصل الى كل ما له علاقة في الشأن الفلسطيني .

غير أن البارز في جلسة النقاش التي ادارها المحاور تيم سيباستيان، الى حضور عدد كبير من طلاب الجامعات المجاورة، هو 'يأس 'هؤلاء مما وصل اليه الوضع الفلسطيني وقياداته .وهو ما عكسته نتيجة تصويتهم (غالبيتهم من الفلسطينيين واللبنانيين )على سؤال لسيباستيان عما اذا يثقون ب 'القيادة الفلسطينية الحالية؟ '، كالتالي :11 في المئة منهم فقط يثقون بالقيادة، مقابل 89 في المئة لا يثقون .كما عكست الأسئلة التي وجهها الطلاب انفسهم الى المشاركين دعوات الى ادخال دماء جديدة تتولى ادارة الصراع مع اسرائيل، في ظل تكرار لعبارة :'الا تعتبرون انكم فشلتم خلال 20 سنة في ادارة الصراع؟ '، فرد ممثلو 'فتح 'بالنفي، فيما اعتبر حمدان أن 'حماس 'هي الجيل الجديد .

خلال الجلسة التي أجريت باللغة الإنكليزية وتبث عبر محطة 'بي بي سي 'العالمية نهاية الاسبوع الجاري، أفسح سيباستيان المجال لكل مشارك للحديث دقيقتين، ثم طرح عليه اسئلة، قبل أن ينتقل الى الآخر .فلم تبد الحلقة نقاشا بين الفلسطينيين انفسهم، انما بين سيباستيان وكل طرف .غير أن سيباستيان عكس في جميع اسئلته وجهة نظر الطرف الآخر، وانتزع اجابات عن اكثر الأمور حساسية، كجدوى مقتل 1431 فلسطيني في قتال الأخوة خلال السنوات التسع الأخيرة وفشل 20 سنة من المفاوضات مع اسرائيل وتغير 'الحرس القديم 'وغيرها .

في بداية الجلسة، أكد شعث ان الانقسام الفلسطيني الحالي 'سياسيا وجغرافيا هو الأسوأ في تاريخ الصراع '، مشيرا الى أنه 'يؤدي الى الحرب الأهلية '، وأن 'حل الخلاف بيننا لا يمكن أن يتم عسكريا، بل بالحوار والمصالحة '.

وشدد شعث على أهمية توقيع 'حماس 'ورقة القاهرة، قائلا :'توصلنا الى اتفاق مفصل رعته القاهرة وكتبته بنفسها .وقعناه كفتح بصرف النظر عن تحفظاتنا .'حماس 'لم تفعل، بسبب تحفظاتها على الصياغة النهائية للورقة '.وأضاف :'نحتاج الى توقيع الورقة المصرية قبل القمة العربية في طرابلس .اذا فعلنا ذلك، فسندفع اخواننا العرب الى مساعدتنا في تنفيذ اتفاقنا .واذا لم نفعل، فستضيع الفرصة '.

ثم تحدث نزال عن التزام 'حماس 'بالمصالحة وحكومة الوحدة الوطنية، حيث أكد ان حماس ملتزمة بالمصالحة وحكومة الوحدة الوطنية، مشيرا الى 'سببين لفشل الاتفاق مع اخواننا في 'فتح '، اولا :التدخل السلبي الأميركي والإسرائيلي وفرض شروط مستحيلة .ثانيا، ونتيجة الضغط الأميركي - الإسرائيلي اصر المصريون علينا قبول وتوقيع اتفاق نهائي من دون الأخد في الاعتبار تحفظاتنا '.واعتبر أن 'السبيل الوحيد للمستقبل هو أن نباشر سويا حوارا بناء، من دون شروط مسبقة .ونحن في حماس ننوي ذلك '.وعن قتل الفلسطينيين بعضهم بعضا، أوضح نزال أن 'قتل الفلسطينيين توقف قبل 3 سنوات '.

أما عبدالله، فرأى من جهته، أن 'حماس اقرت ان استمرار الهجمات العسكرية على اسرائيل في هذا الوقت الآن ليس في مصلحة الفلسطينيين 'الأمر الذي نفاه حمدان على هامش الجلسة .وأكد أن 'المقاومة المسلحة في غزة لم تقربنا من التحرير .والتفاوض اذا كنا منقسمين لا يجدي '، داعيا الى الاتحاد لأن 'عدونا في ازمة، يمكننا ملاحقته بتقرير غولدستون وانتهاك سيادة دول عدة ومن خلال مقاومتنا اليومية السلمية '.

وأخيرا، تحدث حمدان عن ان الانقسام 'سياسي وبين موقفين .كيف نتعامل مع الإسرائيلي وكيف نحرر شعبنا وارضنا '، مؤكدا أن 'حماس 'تعتبر أن المشكلة هي في كيفية تنظيم الصراع مع اسرائيل، مستندا الى أن 'التفاوض على مدى 20 سنة لم يقدم لنا شيئا، بل ردنا الى الوراء '.

وعن الورقة المصرية، أكد حمدان أن 'هناك فرقا بين ما اتفقنا عليه مع فتح، وبين ما ورد في الورقة .نحن طالبنا بالعودة الى المسودة الأولى للورقة، والتي وقعنا عليها نحن وفتح خلال التفاوض في القاهرة ...اذا حصل ذلك، فسنوقع '.
الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة


Saturday, March 13, 2010



تركيا تريد التعويض عن خسارة السياح الإسرائيليين
انطاليا الواقفة على صخرة مرتفعة تتهادى الى البحر الأزرق بالتدريج!
منال أبو عبس


أشياء كثيرة يمكن لأنطاليا أن تقدمها لزائرها، فلا يقوى على رفضها .هدوء وبحر بلون السماء وجبال تلوح أمام المدينة كطيف، ترسم للبحر ما يبدو أنه خط نهايته .

يمكن لهذه المدينة المعروفة باسم 'الريفييرا التركية 'الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط جنوب غرب تركيا أن تأسر الزائر بطابعها الذي يبدو مألوفا وجديدا في الوقت عينه .فجمال عاصمة مقاطعة انطاليا لا يقف عند حدود ما أضافته إليها مساهمات الحكومة أو القطاع الخاص من منتجعات سياحية ومرافق عامة وغيرها، وجعلها تتصدر المدن التركية في عدد السياح (زارها 8 ملايين و260 ألف سائح من أصل 27 مليونا و77 ألف سائح قصدوا تركيا العام الماضي ).بل أن الطابع المميز الذي اكتسبته المدينة منذ نشأتها يمتد الى ما قبل ذلك بكثير، الى ذلك الوقت حين ارتفعت جبال طوروس في جنوب الأناضول بموازاة البحر المتوسط في اتجاه الشرق والغرب، مشكلة سهولا ساحلية تحيط بها الجبال من ثلاث جهات والبحر من الجهة الرابعة، وأمامها تتشكل خلجان صغيرة وأشباه جزر .

المدينة بحسب ما كتب للتعريف بجغرافيتها، تتكون من منطقتين مسطحتين مشكلتين من صخور الترافرتين على ارتفاع متوسط 35 مترا .وهي بذلك تبدو كمدينة لا شاطئ لها، تماما كأنها واقفة على صخرة مرتفعة تنظر الى البحر الأزرق تحتها .وتدريجيا ينخفض مستوى سطحها وصولا إلى المدينة القديمة - مدينة خلف الأسوار- حيث تلتقي الطرق نزولا وصولا الى الميناء البحري حيث السفن السياحية الصغيرة وسفن صيد السمك .

النظر الى المدينة القديمة، من الساحة المطلة عليها، يظهرها عتيقة وكئيبة كأنما خرجت منذ زمن من حرب أحرقت قرميد بيوتها وما أعيد تزيينها قط .غير أن الجولة داخلها تكشف جمالها الذي يحتفظ بطابع قديم تتزاوج فيه فنون العمارة والثقافات المختلفة من الليكية والبمفيلية والإغريقية، لكن بصورة رئيسية العمارات والثقافات الرومانية والبيزنطية والسلجوقية والعثمانية .تلتوي طرقها المرصوفة بالحجارة الصغيرة في منحدرات قاسية، وعلى جوانبها تنتشر حانات ومطاعم جدرانها من الخشب، وفنادق صغيرة توحي بالدفء والقدم .كما محلات شعبية لبيع كل ما يحتاجه المتجول من مأكولات ومشروبات وألبسة وحلويات وحلي .

ترتبط المدينة القديمة بباقي أحياء انطاليا المدينة بخط بحري يعتبر السير على طوله متعة لا يستحب تفويتها .فعلى امتداد المدينة تصطف الفنادق الحديثة، مخلية بينها وبين البحر مساحة كبيرة تشكل حدائق خضراء حتى في الشتاء .تتصل هذه الحدائق ببعضها وتوصل الى الكورنيش البحري الذي يشبه الساحات العامة، حيث أطفال يلعبون وكراسي خشب مع طاولاتها مثبتة بالأرض، وحيوانات أليفة .

مؤتمر عن السياحة والإعلام

المواقع الطبيعية والتاريخية والمعالم الأثرية التي ينتشر معظمها خارج مدينة انطاليا، فضلا عن الطابع الودي الذي يميز أهلها، جعلت مطار أنطاليا واحدا من أكثر المطارات ازدحاما في منطقة البحر المتوسط .فبحسب 'المؤتمر الدولي للسياحة والإعلام 'الذي نظمه اتحاد الصحافيين الأتراك 'TURCEV 'في انطاليا قبل أيام بحضور عشرات الصحافيين العرب والغربيين، فإن ثماني رحلات على الأقل تأتي يوميا من اسطنبول الى انطاليا، وقد تصل الى اكثر من عشر رحلات خلال وقت الذروة .هذه الرحلات تجعل عدد سكان انطاليا (المدينة لا المقاطعة )الذين يبلغون نحو مليون شخص، يرتفع صيفا الى نحو عشرة ملايين، من دون أن تفقد المدينة وأهلها شيئا من طابع الود والترحاب .

هذا ما عكسه المؤتمر بينما يروي جانبا من نجاح تجربة انطاليا، المدينة السياحية التي توليها الدولة كما القطاع الخاص الاهتمام اللازم، والذي يراهن القائمون عليها على ارتفاع معدلاته خلال السنوات المقبلة .ففي عام 2009 وبغض النظر عن الأزمة الاقتصادية العالمية، أحرزت تركيا 3 في المئة زيادة على نسبة السياح، لكن العائدات انخفضت بنسبة 3 في المئة بسبب انخفاض الأسعار وتقليص مدة إقامة السياح فيها .غير أن القائمين على القطاع السياحي والبلدية يتوقعون زيادة بنسبة 6 في المئة لعام 2010 الحالي، وبالتالي أن يصل الى 28 مليونا و620 ألف سائح وأن ترتفع العائدات الى 22 مليونا و523 ألف دولار .

غير أن المعضلة التي أراد المؤتمر- الذي تزامن عقده في انطاليا مع مؤتمرات سياحية عدة- طرحها بدت كالتالي :ما الذي يمكن لأنطاليا أن تفعله لتعوض خسارة عائدات السياحة الإسرائيلية؟

وإذا كان المؤتمر الذي لم يدع اليه أي صحافي اسرائيلي لم يتناول مباشرة مسألة التأزم الذي طرأ على العلاقة بين تركيا وإسرائيل على خلفيات سياسية أهمها الموقف التركي من قضية فلسطين، غير أن الأرقام التي طرحت خلاله والتي أشارت الى أن عائدات السياحة الإسرائيلية تدر على تركيا ملايين الدولارات سنويا، تفسر الأمر .فبحسب مراقبين فإن الإسرائيليين يقصدون انطاليا لأكثر من مرة واحدة سنويا .مرة لقضاء إجازاتهم الطويلة مع عائلاتهم، ومرة لقضاء العطلات القصيرة، ومرات لقصد الكازينوات ونوادي القمار (التي نقلت الى قبرص التركية ).وكدليل على أهمية السياحة الإسرائيلية، يندر أن تجد سارية للأعلام أمام أي من الفنادق الفخمة لا ترفع علم إسرائيل الى جانب علم إيران وأعلام غربية روسية والمانية واوروبية، ويندر أن تجد بينها علما لدولة عربية .

وما يجعل خطر خسارة تركيا، وانطاليا تحديدا، سياحها الإسرائيليين واقعا مرتقبا، هو بحسب المراقبين أنفسهم، أن شركات السياحة الإسرائيلية لم تشر في جداول رحلاتها لصيف 2010 الى تنظيمها رحلات الى تركيا ومدنها، ما يعني خسارة الأخيرة نسبة مهمة من عائدات السياحة .لذلك فإن تركيا تهدف الى جذب أنظار العرب والأوروبيين في شكل أساسي الى مدنها ومنها انطاليا، لتعويض خسارتها السوق الإسرائيلية .وقد يكون المؤتمر الأخير وسيلة من الوسائل لخدمة هذا الهدف .غير أن أيا ما كان الغرض من هذا المؤتمر، فإنه نجح في الإضاءة على مدينة تستحق أن تكون مقصدا سياحيا عربيا و غربيا .
الموضوع :اقتصاد
المصدر :الحياة


Tuesday, March 2, 2010




سنة على إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان
الفشل مستبعد وأكلافه كبيرة... لكن تأخر القرار الظني يدفع الى التشاؤم
منال أبو عبس


<
يدور في لبنان كلام كثير عن المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بمحاكمة المتورطين في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، والجرائم ذات الصلة. الكلام هنا تشكيكي في الأغلب، ومرده الانفتاح اللبناني والعربي والدولي على سورية، والمخاوف من أن تطيح تسويات سياسية لبنانية وإقليمية ودولية بالإنجاز الموعود في ضاحية لاهاي والذي لم يقطف لبنان ثماره بعد. هذه المخاوف تترافق مع أخرى تستند الى 'التأخير' في صدور القرار الظني وحقيقة أن لبنان سيبقى يساهم ب49 في المئة من تكاليف المحكمة... إلى أمور أخرى سياسية في الغالب. غير أن معظم الاتهامات التي تطاول عمل المحكمة، ينطلق مؤيدوها من فرضية أن لجنة التحقيق الدولية التي عملت على الجريمة منذ العام 2005 حتى العام 2009 لم تتوصل إلى دلائل تصلح لتكوين ملف غير قابل للنقض، بالتالي لتصنع قرارا ظنيا.

مرت سنة واحدة على انطلاق المحكمة .لكن بالنسبة الى كثيرين ممن هتفوا لقيامها في السنوات الماضية، هي لم تنطلق .فلم يقف أي متهم في قفص الاتهام بعد، ولم يعلن اسم لمتورط في الجريمة .بل، على العكس من ذلك وبعد خمس سنوات على الجريمة، غابت لغة الاتهام المباشر عن ذكرى الاغتيال التي أقيمت في ساحة الشهداء على بعد أمتار من ضريح الحريري ومرافقيه، ورئيس حكومة لبنان سعد رفيق الحريري كان زار قبل الذكرى سورية وصافح رئيسها بشار الأسد، ومن هناك أكد أن المحكمة تعمل في لاهاي .وقبل ذلك أيضا، كان النائب وليد جنبلاط 'المناضل الأشرس 'من أجل قيام المحكمة والمطالب ب 'الثأر 'من الذين اتهمهم بارتكاب الجريمة، يتابع إلتفافه، بعد إطلاق الضباط الأربعة، على خطاباته النارية محاولا استرضاء من شن بالأمس حربه الخطابية ضدهم .

بين 14 شباط (فبراير )2005 والأول من آذار (مارس )2010 تغير الكثير، لكن الأهم يبقى تخوف شارع المحكمة على مصيرها، ومن أن يكون ثمن هذه المصالحات إطالة أمد البحث عن العدالة .

موجتان متناقضتان تتنازعان لبنان ومتابعي المحكمة الدولية، يزيد من تناقضهما اختلاف النظرة نحو المتغيرات السياسية المستجدة .المتفائلون بمستقبلها يرون أن المحكمة أنجزت الكثير خلال سنتها الأولى .فعلى رغم الظروف الصعبة التي رافقت تشكيلها في مجلس الأمن تحت الفصل السابع تمكن لبنان من أن يحصل على محكمة دولية هي الأولى في الشرق الأوسط للنظر في جريمة استتبعتها جرائم أخرى كادت تطيح بأمن لبنان واستقراره .وهي في الحال هذه، تعتبر خطوة أساسية على طريق العدالة الدولية يمكنها أن تضع حدا لحالة الإفلات من العقاب في البلد الذي شهد لسنوات مضت جرائم سياسية لم يعرف مرتكبوها .التقدم هذا، تحدث عنه رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي خلال زيارته الأخيرة لبنان، حيث أوضح انه 'عند إنشاء المحكمة لم يكن لدينا مبنى ولا جهاز إداري ولا قضاة ولا مكتب دفاع .بدأنا من الصفر .ولم يكن لدينا قانون إجراءات جزائية يمكن أن ينظم العمل .وفترة السنة طبيعية لأي محكمة '، مستشهدا بتجربته السابقة عندما كان رئيسا للمحكمة الجزائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، حيث 'بدأنا بمحاكمة أول شخص موقوف بعد ثلاث سنوات على بدء المحكمة عملها '.

لكن ما تحدث عنه كاسيزي لم يلق صدى كبيرا في المقلب الآخر .فهنا لا صوت يعلو فوق صوت القرار الظني على قاعدة أن 'لا قرار ظنيا، لا محكمة '.بالنسبة الى المتشائمين من التحولات السياسية فإنه لا يمكن النظر الى ما يجري في لاهاي بغض النظر عن التسويات السياسية .وبحسب مصدر متابع للقضية، فإن 'القول إن المحكمة تعمل ليس دقيقا .قد يكون جهازها الإداري يعمل، لكن على مستوى التحقيق، منذ مغادرة فريق لجنة التحقيق بيروت لم يحضر أي فريق تحقيق إلى لبنان أو حتى سورية .كيف يمكن إذا بناء أدلة حاسمة لقرار ظني لا يمكن نقضه؟ '.

الكلام هذا يشبه ما نقل عن الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية المستقلة القاضي الألماني ديتلف ميليس في اكثر من مناسبة وآخرها في مقال للصحافي مايكل يونغ في ال 'دايلي ستار 'قبل أيام .إذ نقل عن ميليس قوله إن 'التحقيق خسر كل الزخم الذي تمتع به في كانون الثاني (يناير )2006، عند استلام سيرج براميرتز رئاسة اللجنة '.في حين تظهر تصريحات متفرقة لميليس أو منقولة عنه تململا من العمل الذي ساد فريق التحقيق بعد تسلم براميرتز الذي 'تخلى عن المحققين البوليسيين وجاء بمحللين، ونقل ملف الاتصالات من عهدة الفريق الدولي الى اللبناني، ما افقد برأي ميليس التحقيق معلومات وخيوطا كانت ستوصل الى نتيجة '.

وفي هذا الإطار بالذات، يضع مراقبون سلسلة الاستقالات التي شهدتها المحكمة خلال عام واحد (استقالة مسجل المحكمة روبن فنسنت والقاضي هاورد موريسن والمتحدثة باسم المحكمة سوزان خان ثم مدير قسم التحقيق نجيب كالداس وبعده خلفه فنسنت ديفيد تولبرت ).فقد افسحت الاستقالات المتتالية المجال أمام مزيد من التشكيك بمستقبل المحكمة والمعلومات التي اطلع عليها المستقيلون ودوافع هذه الاستقالات .غير أن الاطلاع على تجارب المحاكم الدولية الأخرى ومنها محكمة يوغسلافيا السابقة يسمح بالقول إن الاستقالات ليست علامة فارقة تميز محكمة لبنان، ففي محكمة يوغوسلافيا السابقة غادر مدير قسم التحقيق بعد سنة واحدة من تسلمه مهماته، كما غادر رئيس قلم المحكمة بعد ثمانية اشهر واستقال المدعي العام بعد شهرين .وعلى رغم ذلك واصلت المحكمة عملها .

لكن مصادر متابعة لعمل المحكمة ترى أن السبب الحقيقي وراء هذه الاستقالات هو أولا أن 'لا بوادر تشير الى أن ثمة قرارا ظنيا سيصدر عن المحكمة قريبا .ولو كان تولبرت على يقين من أن العمل على ما يرام وأن القرار الظني بات وشيكا ما كان ليستقيل، خصوصا أن استقالته تلت مباشرة استقالة موريسن ولن يمكن لأحد أن يتفهم ذلك '.وتبني المصادر على استقالة فنسنت لوجود خلافات بينه وبين بلمار، لتقول إن بلمار لم يعمل يوما في الجرائم السياسية، وبالتالي لا خبرة له في هذا المجال .

لكن هل يمكن أن تكون الاستقالات ومن قبلها تشكيك ميليس بطريقة عمل خلفه كافيا للتشاؤم حول مستقبل المحكمة، ولماذا لم يصدر عن المحكمة ما يؤكد أو ينفي هذا الكلام؟

الانطلاق من لجنة التحقيق للتشكيك بعمل المحكمة، أمر تراه الناطقة الإعلامية باسم المحكمة فاطمة عيساوي في غير محله .تقول ل 'الحياة 'إن 'المحكمة ليست في موقع تقويم العمل الذي قامت به لجنة التحقيق الدولية المستقلة لأن ذلك لا يدخل ضمن مهماتها وخصوصا أن المحكمة جسم قضائي مختلف ومستقل تماما عن اللجنة '.وتوضح أن 'لجنة التحقيق تشكلت بقرار من مجلس الأمن في الأمم المتحدة لمساعدة السلطات اللبنانية في تحقيقاتها في جريمة اغتيال الحريري .مهمة المحكمة الخاصة بلبنان تشمل التحقيق والادعاء ومحاكمة المسؤولين عن جريمة اغتيال الحريري وجرائم أخرى في حال إثبات ارتباطها كما ورد في المادة الأولى من نظام المحكمة الأساسي '.

كلام عيساوي يزكيه كلام آخر لكاسيزي يضع فيه التشكيك بعمل المحكمة في خانة الصعوبات .فخلال لقاءاته في لبنان، أكد أن 'لا علاقة لمحكمتنا بلجنة التحقيق الدولية، لأن هذه اللجنة أنشئت بقرار دولي بهدف جمع الأدلة والمعلومات وهي كانت لجنة تحقيق بينما محكمتنا مؤسسة قضائية وتعمل بموجب قوانيننا '.غير أن الصعوبات التي تواجه محكمة لبنان 'ليست بشيء مقارنة بتلك التي واجهت محكمة يوغسلافيا السابقةبحسب ما يتردد على لسان أكثر من متابع لأعمال المحاكم الدولية .ففي يوغسلافيا المشكلة لم تقف عند حد صعوبة الوصول الى مرتكبي الجرائم، بل تعدتها الى جوانب تقنية أولها عدم توافر التمويل .ويتردد أن قضاة ومحامين في المحكمة اضطروا الى استئجار ملابس المرافعة على نفقتهم الخاصة لحضور الجلسات، إضافة الى الشكوك الكثيرة التي دارت حولها .لكاسيزي نفسه قصته مع محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة التي تولى رئاستها .وهو يستند الى تجربته في تلك المحكمة ليقلل من أهمية الشكوك التي تلقى في وجه محكمة لبنان، والتي لا يمكن مقارنتها بالشكوك التي واجهت محكمة يوغسلافيا، وعلى رغم ذلك أكملت عملها وتوصلت الى نتيجة حقيقية .

التمويل ومراقبة الإنفاق

التمويل الذي لم يكن متوفرا لمحكمة يوغسلافيا، متوافر لمحكمة لبنان حتى العام الحالي .فلبنان يسدد ما يتوجب عليه ونسبته 49 في المئة من تكلفة المحكمة، في حين ساهمت دول أخرى بالقسم الباقي أي ب51 في المئة .غير أن تاريخ المحاكم الدولية الطويل قبل الوصول الى الأحكام، والتسويات السياسية التي يمكن أن تدفع في اتجاه المماطلة لسنوات كثيرة قبل الحصول على نتيجة، تجعل السؤال عن المستقبل واحتمالاته مطروحا .

يعكس الكلام الذي يتردد على ألسنة العامة في لبنان تخوفا من أن يكون ما يدفعه لبنان يذهب لتأمين حياة رغيدة للعاملين في تلك المحكمة البعيدة، طالما أن لا محاكمات جرت حتى الساعة .غير أنه بحسب عاملين في المحكمة ومتابعين لأعمالها، فإن هذه الصورة لا تطابق واقع الحال في لاهاي، حيث رقابة مشددة على كل ما يتصل بالإنفاق، خصوصا أن هناك دولا عدة تساهم في تأمين موازنة المحكمة والتي بلغت للعام الحالي 55 ,4 مليون دولار تم التزام ضمان 90 في المئة منها .

تتحدث عيساوي عن الآلية المعتمدة لمراقبة الأموال المرصودة للمحكمة .وتقول إن 'المحكمة مسؤولة عن تقديم موازنتها كل عام أمام لجنة الإدارة التي تضم ممثلين عن كبار ممولي المحكمة واللجنة مسؤولة عن الموافقة على الموازنة ما يتطلب من المحكمة ان تبرر أي إجراء أو أي نفقة في موازنتها للحصول على موافقة اللجنة عليها '.وتضيف أن 'اللجنة تقوم بتقديم المشورة والتخطيط في كل ما يتعلق بالإدارة المالية للمحكمة ومن دون ان يكون لها اي دور في الإجراءات القضائية للمحكمة '.

وتزيد عيساوي أمثلة من محاكم أخرى إلى قول كاسيزي إن 'المحكمة ملتزمة بمحاكمات سريعة وعادلة تلتزم أعلى معايير العدالة الدولية من دون إضاعة للإمكانات أو الوقت '.تقول :'في المحكمة الجنائية الدولية كان القضاة ال 18 يداومون ويتقاضون راتبا منذ قيام المحكمة على رغم ان أول قرار اتهامي لم يصدر إلا بعد أربع سنوات وأول محاكمة كانت بعد ست سنوات .أما المحكمة الخاصة بلبنان فقد قررت انه من بين القضاة ال11، ثلاثة فقط يداومون الآن ويتقاضون رواتب نظرا الى عدم وجود حاجة الآن لحضور القضاة '.

كلام عيساوي عن مراقبة مالية لا قضائية تمارسها الدول الممولة للمحكمة عليها، قد يطمئن دافعي الضرائب في لبنان مرحليا، بانتظار القرار الظني وبدء العمل الفعلي للمحكمة التي جمعت الى صفها - قبل انطلاقها - المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن، فهل يمكن هؤلاء جميعا أن يسمحوا بفشل تجربة تتصل بالعدالة الدولية؟

المدعي العام دانيال بلمار

مبنى المحكمة الدولية في هولندا

إفادات شهود الزور وإطلاق الضباط

<
شكل إطلاق الضباط الأربعة بعد أربع سنوات على احتجازهم في لبنان، امتحانا أول لعمل المحكمة في لاهاي، وأثار تخوفا إضافيا تلته سلسلة تحولات سياسية في لبنان والمنطقة. وفي حين رآه البعض دليلا على عدم تسييس المحكمة وعلى أن العدالة الدولية في لاهاي لا تقيم اعتبارا للشؤون السياسية اللبنانية، اعتبره آخرون دليلا على أن 'لجنة التحقيق الدولية لم تتوصل الى نتائج يمكن البناء عليها'.

وإذا ما أضيف إطلاق الضباط الى عدم استدعاء المحكمة شهود الزور الذين أدلوا بإفادات كاذبة أمام لجنة التحقيق، فإن مادة دسمة للمنظرين بعدم جدوى المحكمة توافرت .غير أن لقضية شهود الزور تفسيرا قانونيا واضحا في نظام المحكمة الذي يطبق القانون اللبناني فقط بتعريف جرائم الإرهاب، ولم يأخذ بالنظام اللبناني كاملا .

لكن، ما الذي يضمن للمحكمة أن لا شهود زور بعد الآن؟

أدخلت المحكمة على قانونها تعديلات عدة، منها واحد يتطرق الى الحالة التي يدلي فيها شخص عن وعي وإرادة خلال خضوعه للاستجواب بإفادة يعلم أنها كاذبة وأنها قد تستعمل دليلا في الإجراءات أمام المحكمة .الا أن هذا البند لا يمكن أن يكون كافيا لاستدعاء هسام هسام أو محمد زهير الصديق، لسبب بسيط، هو أن لا مفعول رجعيا لهذا البند نظرا لمبدأ عدم رجعية أي نص يتضمن عقوبة جزائية تتناول أفعالا قد تكون تحققت قبل إقراره .ولا يمكن المحكمة أن تنظر في شهادات لم تعط أمام الدفاع أو المدعي العام أو من هو مكلف من جانبهما إذا حصلت بتاريخ سابق لتاريخ التعديل اللاحق للمادة 134 .

هذا الأمر تؤكده عيساوي بدورها، وتقول إن 'المحكمة تعمل ضمن أسس قانونية لا مجال لتجاوزها، كما أن قواعد الإجراءات والإثبات التي اعتمدها القضاة تضمن استقلالية المحكمة ومراعاتها أعلى معايير العدالة الدولية '، مؤكدة أن 'لا مجال لتأثر المحكمة بأي عوامل سياسية لأن القواعد التي تحكم عملها هي قانونية بحتة '.

سنة من مسار عمل المحكمة ومن إجراءاتها

<
في الأول من آذار (مارس) 2009 باشر دانيال بلمار عمله مدعيا عاما للمحكمة، وبعد نحو عشرين يوما اعتمدت بعض الأدوات القانونية الأساسية المتعلقة بتنظيمها وعملها: القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، القواعد المتعلقة بالتوقيف والمبادئ التوجيهية الخاصة بتعيين محامي الدفاع. وباتت المحكمة تملك الأدوات القانونية اللازمة لمعالجة الملفات الأولى المتعلقة بقضية الحريري. وفي 25 آذار وجه بلمار الى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين استدعاء يلتمس بموجبه أن يقوم هذا الأخير بالطلب الى السلطات اللبنانية أن تتنازل عن اختصاصها في القضية وان تحيل الى المدعي العام المستندات والأوراق ذات الصلة وقائمة بأسماء الأشخاص الموقوفين رهن التحقيق. بعد أقل من ثلاثة أسابيع أمر فرانسين مكتب بلمار بإيداع طلب معلل بإبقاء الأشخاص الموقوفين في لبنان رهن التحقيق في القضية قيد الاحتجاز أو إطلاق سراحهم في مدة أقصاها 27 نيسان (أبريل). وفي التاريخ المحدد وجه بلمار طلبا الى فرانسين، أشار فيه إلى أنه لا يطلب إبقاء أربع ضباط لبنانيين قيد الاحتجاز في لبنان. وفي جلسة تمهيدية في 29 نيسان بثت وقائعها مباشرة أصدر فرانسين أمرا بالإفراج عن الضباط الأربعة. ورأى المدعي العام أنه لا يملك أدلة كافية لاتهام الضباط بعد مراجعة كل المواد التي جمعها كل من مكتبه ولجنة التحقيق الدولية المستقلة إضافة إلى الملفات التي أحالتها إليه السلطات اللبنانية في 10 نيسان 2009.

في 24 حزيران (يونيو )أعلن أن القاضي رالف الرياشي تفرغ للعمل في المحكمة بصفة نائب رئيس المحكمة .وبعد يومين أبرم مكتب بلمار والحكومة اللبنانية مذكرة تفاهم في شأن طرق التعاون في ما بينهما .في 3 أيلول (سبتمبر )أبرمت المحكمة والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (انتربول )اتفاقا موقتا في شأن مساعدة ال 'انتربول 'المحكمة في ما يتعلق بتحقيقاتها وإجراءاتها الأخرى المتعلقة بالجرائم الداخلة ضمن اختصاصها .في تشرين الأول (اكتوبر )اجتمع قضاة المحكمة الخاصة بلبنان في هيئتهم العامة للمرة الثانية في خلال هذه السنة .ومن أبرز البنود المدرجة على جدول أعمالهم دراسة اقتراحات التعديلات على قواعد الإجراءات والإثبات، وتهدف هذه التعديلات إلى المضي في تعزيز فعالية وسلامة الإجراءات .

في 17 كانون الأول 2009 أبرمت المحكمة اتفاق تعاون مع ال 'انتربول 'يهدف إلى إقامة إطار للتعاون بين المحكمة وال 'أنتربول 'من أجل التحقيقات والإجراءات المتعلقة بالجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة .كما يتيح هذا الاتفاق للمحكمة إمكان الوصول إلى قواعد البيانات وأنظمة المعلومات الخاصة بال 'أنتربول '.

يذكر أن محكمة لبنان تحتوي على مكتب للدفاع، وهو الأول من نوعه في المحاكم الدولية .ومكتب الدفاع هو أحد الهيئات المستقلة الأربع التي تكون المحكمة الخاصة بلبنان، وتقوم مهمته الأساسية على حماية حقوق الدفاع، بما في ذلك ضمان حق المتهم في الاستعانة بمحام، وتزويد محامي الدفاع بالدعم والمساعدة والمشورة القانونية .وعلاوة على ذلك، يمكن رئيس مكتب الدفاع المثول أمام القضاة في ما يتعلق بأمور ذات أهمية عامة بالنسبة إلى الدفاع .

(
نشر في العدد :17133 ت .م :02-03-2010 ص :15 ط :الرياض )
الموضوع :عام
المصدر :الحياة