Monday, February 15, 2010




اشتراكيون حضروا بلا دعوة لأن 'لا أنصاف ثورات
ندى شاركت لأنها 'ابنة بيروت' وميراي 'ردا على الخيبة' وراغدة 'لعيني من يعض على الجرح من أجل لبنان'
منال ابو عبس


<
كل الطرق تؤدي الى ساحة الشهداء، هذا ما دلت اليه الاجراءات الامنية التي اتخذها الجيش اللبناني منذ فجر امس عند مداخل العاصمة بيروت وداخل أحيائها. فلا مجال لأي خطأ يرتكب في 14 شباط آخر يحيي فيه اللبنانيون الذكرى الخامسة لاغتيال رئيس حكومتهم السابق رفيق الحريري، في ظل تبدلات في المواقع والمواقف السياسية.

فتلك الأعلام والرايات التي علقها البائع قبالة وزارة المال في نزلة بشارة الخوري، في انتظار المقبلين على الساحة سيرا على الأقدام، تشي بأن ثمة شيئا تغير .ثمة لون غاب، راية 'الحزب التقدمي الاشتراكي 'لم تكن ضمن رزم رايات 'المستقبل 'و 'القوات اللبنانية 'والعلم اللبناني .قال البائع ان 'التاجر الذي يتابع احوال السياسة والسياسيين قلل من امكان وجود زبائن لها، لذلك لم يوص بصنعها كي لا تكون بضاعة كاسدة '.

انها التاسعة صباحا، اي قبل ساعة من الموعد المحدد للقاء في ساحة الشهداء، والناس الذين يخضعون للتفتيش من جانب عناصر قوى الامن الداخلي تحت جسر فؤاد شهاب ما زالوا دون الأعداد المتوقعة .عائلات متفرقة او مجموعات شبان وشابات لبسوا قمصانا زرقا او عصبوا رؤوسهم بأشرطة من اللون نفسه، وحملوا رايات 'تيار المستقبل 'تتوسطها صورة الرئيس رفيق الحريري ونجله رئيس الحكومة سعد الحريري، قصدوا الساحة بصمت الى جانب مجموعات من شبان آخرين لبسوا قمصانا بيضا او سودا وحملوا رايات 'القوات اللبنانية 'وأخرى سودا توسطتها جمجمة وكتب عليها 'حيث لا يجرؤ الآخرون '.وفي الساحة التي ثبتت فيها 120 الف كرسي بلاستيكي بحسب المشرفين على التنظيم، راح هؤلاء القادمون يتخذون مواقع لهم تشرف على المسرح المرفوع عند تمثال الشهداء او تواجه منصة الخطباء التي نصبت بالقرب من ضريح الرئيس الحريري وأحكم إغلاقها بالزجاج الواقي من الرصاص .

هل تملأ الحشود الساحة ام ان الناس ستعزف عن المشاركة هذه السنة؟ الاجابة عن السؤال كانت غير محسومة على رغم مشارفة عقارب الساعة على العاشرة صباحا، واذا كانت الساحة تغيرت معالمها مع انطلاق ورش بناء في اكثر من بقعة تم تزنيرها بالالواح الخشبية، فإن المساحات المتبقية غصت بالقادمين من مناطق بعيدة استبقوا زحمة السير المتوقعة على الطرق وانطلق بعضهم من الثالثة والنصف فجرا ليصل الى الساحة في السابعة صباحا، جلسوا هناك، عائلات من اقصى الشمال والبقاع ومن اقصى الجنوب وراحوا ينتظرون معارف لهم علقوا في منطقة ضهر البيدر او عند مداخل العاصمة .

هل بدلت الساحة وظيفتها؟ ربما، او هكذا توحي الشعارات المرفوعة، اذ ثمة من حرص على إبراز لافتات ضخمة ثبتت في امكنة يمكن الجميع قراءتها :'اخلص مشاعر العزاء والمواساة لأهالي ضحايا الطائرة المنكوبة '، و 'من اعماق احزاننا نتضامن مع مأساة اهالي الطائرة المنكوبة '، وفي المقابل لافتات ثبتت في اكثر من اتجاه موقعة من 'حركة الاستقلال 'كتب عليها :'من يشبهك اكثر؟ باريس -3 ام صاروخ رعد -3 '، و 'لن اذهب الى سورية من دون طائفتي ورعيتي (البطريرك نصر الله صفير )'، و 'نحن عشاق قضية اولها شهادة وآخرها حرية '، و 'رينيه معوض لا تخشى نحن قوم يخشع ولا يركع '.

في ملعب 'الصيفي 'المجاور لساحة الشهداء، برزت طلائع مجموعة من الشبان والفتية يحملون رايات 'التقدمي '، انضموا الى الساحة بعدما سبقتهم اليها مجموعات اخرى تحمل الرايات نفسها ولم تتعرض لانتقاد من احد، بل انها نفسها من وجهت العتب لجنبلاط .وقالت ايمان ابو نكد وهي من مناصري الحزب :'نحن ابناء الجبل لسنا بحاجة الى دعوة من احد لننزل الى الساحة، شعورنا الوطني يحركنا تلقائيا، فهذا رفيق الحريري القيادي الذي لم نعرف مثله، لكن لا انكر انني افتقد نفس وليد جنبلاط في هذه المناسبة هو الذي كان يقول لنا انه لا يوجد أنصاف ثورات، انا افتقد روح الثورة في جنبلاط، اليوم ليس للمحاسبة، نحاسب في 14 آذار '.

اما نصر ابو حاطوم الآتي من بعلشميه، فقال :'صحيح لم يوجه الحزب دعوة الى اهل الجبل للمشاركة لكننا دعينا انفسنا، ربما وليد بك لا يحب الروتين، لكن نحن نقول ان 14 شباط اساس لمسيرة 14 آذار و16 آذار ايضا (تاريخ اغتيال الزعيم كمال جنبلاط )، نحن لا نزال كما كنا لم نتغير، لجنبلاط رؤيته لكن للرفاق في الحزب ايضا رأيهم نناقش وفي النهاية نحتكم الى الديموقراطية والكل يستمر '.

وقال المهندس يوسف السواح :'جئنا بقناعاتنا، نحن رفاق في الحزب لكن نحن مثقفون ولسنا غنما عند قيادتنا، ولنا موقفنا '.

الناس لم تبدل قناعاتها، هكذا قال القادمون من أحياء بيروت، فهم هنا من اجل 'الرئيس الشهيد الذي نفتقده '، لكنهم هنا ايضا لتأكيد ما هو ابعد من ذلك، قالت المهندسة ندى زرقوت :'آتي الى الساحة كل سنة، لكن هذه السنة جئت لأنني ابنة بيروت، قبر جدي بالقرب من قبر الرئيس الحريري '.اما ميراي التي كانت تحمل راية 'القوات 'فقالت انها جاءت كي تؤكد 'اننا باقون وصامدون على رغم خيبة الامل، فنحن ربحنا الانتخابات النيابية لكن كأننا لم نربح، وموقف جنبلاط لا افهمه '.وقالت فاتنة خالد من الطريق الجديدة :'لعيون سعد والحكيم وكل واحد يعمل من اجل لبنان ولا يكوع نستمر بالنزول، ربما موقفنا هذا يجعل الآخرين يثبتون على مواقفهم '.

كثر غير هؤلاء بدوا متسامحين مع المصالحات الحاصلة، وقالت سناء مومنة ان 'ما تغير ان سعد الحريري صار رئيسا لحكومة تجمع كل الاطياف وهذا شيء جيد للبلد '، فيما ايدت قريبتها راغدة مومنة ذهاب الحريري الى دمشق 'لحماية لبنان، هو عض على جرحه وحط يده بيد من لا نريدهم ولكن من اجل لبنان '.

وقال الأمين العام لجامعة بيروت العربية عصام حوري انه يأتي كل سنة وحده الى الساحة، 'كي اشعر بأنني اضيف واحدا اليها، اقف في الشارع الخلفي لعلني اصد شيئا ما يهدد المسيرة او احمي شيئا على المدى البعيد '.

ربما كانت مشاركة شقيقة الضحيتين امل بيضون وابنها الدكتور هيثم طبارة اللذين سقطا في محلة رأس النبع في احداث 7 ايار الاكثر دلالة على عمق جرح صعب ان يندمل، قالت وهي تسير بين الجموع حاملة العلم اللبناني :'لا يجوز ان يسكتونا، نحن لا ننسى، وما دخلنا لكي يحصل لنا ما حصل، انا هنا لأطالب بتجنب الصدام، وعدم تكرار ما حصل '.

من الشمال والبقاع ...

من منطقة الجميزة نزولا نحو الصيفي تقف مجموعة من رجال ونساء في منتصف العمر، يتقاسمون في ما بينهم لافتات كتب عليها :'لسنا أولاد حضانة .لسنا في حاجة الى وصاية 'بالعربية، و 'أين ذهب صوتي (في الانتخابات )'بالانكليزية والفنسية و 'راى من كجاست 'بالفارسية، ولافتة تقول 'ماذا فعلتم بالقرار 1559 'أما سبب هذه اللافتات، فتقول واحدة من السيدات انها 'رسالة المجتمع المدني بكل اللغات '.السيدة جاءت مع رفاقها من محيط الصيفي للمشاركة في التجمع كتقليد سنوي، وتؤكد كما مرافقيها أنهم جميعا لا ينتمون الى أي حزب أو تيار في 14 آذار، 'إنما الى 14 آذار كثورة شعبية واحدة '.هذا الأمر يعكسه أيضا كلام أحد رفاقها :'حتى لو قرر وليد جنبلاط أن يترك 14 آذار، ولو قرر سمير جعجع والحريري والجميل أن يغادروها يوما ما لأسبابهم الخاصة، نحن لن نتوقف .لسنا من يسير وراءهم .هم يسيرون وراءنا لأنهم يحتاجون إلينا '.

المدخل المؤدي الى وسط بيروت من الصيفي مخصص للآتين من البقاع والشمال التي تعتبر في العادة الخزان الرئيس لنشاطات قوى 14 آذار .يترجل الآتون من باصاتهم رافعين رايات أحزابهم التي بغالبيتها ل 'تيار المستقبل 'و 'القوات 'ثم 'الكتائب 'وأعلام لبنان .وعلى بعد أمتار من 'بيت الكتائب 'يخضعون للتفتيش قبل السماح بمرورهم .

عند العاشرة كان عدد كبير من الذين احتشدوا في الساحة منذ الصباح يغادرونها بعدما أتعبهم الانتظار تحت الشمس، فيما لم يتوقف تدفق الآتين حتى بعد بدء الكلمات .غير أن تدفق هؤلاء لا يشبه أبدا حالهم في الأعوام السابقة، حين كان حبل الأجساد لا ينقطع والتحرك من الساحة وإليها يكاد يكون مستحيلا .أمس، كانت للمحتشدين في الساحة وخصوصا في القسم المطل على الصيفي والجميزة، فسحة ملحوظة سمحت لبعضهم بتدخين النارجيلة وعقد حلقات الدبكة على وقع الأغنيات الحماسية وغير الحماسية، فيما التزم كثيرون بالطابع التقليدي للمناسبة الذي هو 'تحية الى رجل أعطى لبنان من قلبه ودفع دمه ثمنا لمواقف سياسية '، بحسب هيفا الآتية بثياب الحداد من منطقة تعلبايا البقاعية .غير بعيد من هيفا، تتقدم مجموعة من أنصار 'القوات 'على وقع قرع الطبل للانضمام الى المحتشدين، وقالت سيدة ان مشاركتها لتأكيد أنها 'مع الحرية، ولأننا نريد لأولادنا وأحفادنا أن يعيشوا في دولة حرة مستقلة لا دولة دينية '.ومع وصول المجموعة الى الساحة، تنقل الشاشة الكبيرة صورة جنبلاط آتيا برفقة الحريري فترتفع صيحات استنكار متفرقة .

يقف حبيب كرم تحت ظل شجرة بلباس 'الكتائب 'الكاكي، ويرى أن صيحة الاستهجان لها ما يبررها :'نأسف على الأستاذ وليد جنبلاط .ليس على شعبيته، فأنصاره مؤمنون بقضيتنا وبعضهم مشارك معنا اليوم، لكننا نأسف على ما فعله بنفسه لأنه لن يكسب شيئا هذه المرة '.

أمام بيت 'الكتائب المركزي 'تكثر رايات 'الكتائب 'و 'القوات '، وبجانبها ترفع لافتات كبيرة عليها صور الرئيس السابق بشير الجميل وعبارات مستوحاة من شعار 'كرمالك نازلين '، ومنها :'كرمال ما يرجع السوري، كرمال لبنان نازلين '، و 'كرمال مبادئك، كرمال لبنان نازلين '.فيما ترتفع لافتة ضخمة على جدار بيت الكتائب، وعليها :'كرمال لبنان كفى تنازلات '.

معاتبة عون

رفض التنازلات والتسويات يتكرر على أكثر من لسان هنا .'نعم للعلاقات الندية (بين لبنان وسورية ).لا للسياحة المخابراتية '، و 'من حقكم أن تقوموا بتسويات، لكن لا انطباحات '، عبارات شكلت جزءا من لافتات رفعت الى جانب اخرى تخاطب النائب ميشال عون :'هل سمعت أنين المعتقلين في سورية يا جنرال؟ '، غير أن العتب الاول بقي على 'حليف الامس الذي انتقل الى الدفة الاخرى '.

بين الآتين من مدخل الصيفي كانت سيدة بلباس اسود وابتسامة عريضة تقول ان سببها أن 'الوضع الامني افضل منه في الاعوام السابقة .صار عندنا اجماع وطني ادى الى حكومة وحدة وطنية، وإن كنا لم نختبرها بعد في الازمات .المهم ألا يقوم احد بافتعال مشاكل تعوق الاستقرار '.السيدة تدعى هدى شهاب الدين الشمعة، آتية من الشوف 'جارة المختارة 'معقل جنبلاط .وعما اذا شارك جيرانها في المختارة في التجمع، تبتسم :'في العادة نحن نأتي بسيارتنا، وهذا العام أيضا، لم نلاحظ زحفا، لكن من رأيناه رافعا العلم الحزبي ومتجها صوب الساحة وجهنا اليه التحية '.

الشمعة تسير رافعة علم لبنان، وبجوارها يسير داني مع راية 'القوات '، وحينما يسأل عن سبب مجيئه، يقول :'ثورة الاستقلال حققت الكثير .أخرجنا الجيش السوري من لبنان وربحنا الانتخابات مرتين، ما زال أمامنا الكثير لننجزه '.

حين اعلن عريف المنصة بدء 'الحفل الفني الوطني '، لم يبد الامر انه يجاري مزاج جموع جاءت تستذكر 'الرئيس الشهيد بوقفة تأمل او تسجيل موقف سياسي '، بعكس آخرين رأوا فيه انه 'استمرار للحياة التي ارادها الرئيس الشهيد للبنانيين '.

خليط من الناس جمعتهم الذكرى هتفوا بصوت واحد 'ابو بهاء 'حين انهت نازك الحريري كلمتها، وهتفوا بحياة السنيورة حين تحدث عن الميليشيات، وهتفوا لسمير جعجع حين نادى ب 'المقاومة الوطنية اللبنانية '، وقال :'كنا وسنبقى في 14 آذار '، وأطلقوا الزغاريد لسعد الحريري وهتفوا له 'بالروح بالدم نفديك '، وأطلقوا صيحة حين قال انه ذهب الى سورية، ثم عادوا وأطلقوا صيحة تأييد حين ذكر خادم الحرمين الشريفين، وصفقوا عاليا لجبران تويني وسمير قصير حين اتى الخطباء على ذكر 'الشهداء '.



(
نشر في العدد :17118 ت .م :15-02-2010 ص :16 ط :الرياض )
الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة


Monday, February 1, 2010




'14    آذار' تدعو الى الاحتشاد في ذكرى استشهاد الحريري
وتؤكد التمسك بمبادئها رغم تغير المقتضيات والظروف
منال أبو عبس


<
أكدت قوى 14 آذار (مارس) خلال اجتماعها الموسع في فندق بريستول في بيروت مساء أمس، أن 'تغير الظروف او المقتضيات لا يغير من تمسكنا بمبادئنا وثوابتنا'، داعية اللبنانيين الى أن يحتشدوا في ساحة الشهداء في 14 شباط (فبراير) ذكرى اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري وفاء لدمائه وكل الشهداء، ولنعلن استمرار مسيرتنا وعزمنا على العبور الى دولة الاستقلال'. وخاطبتهم بالقول: 'احتشادكم في ساحة الحرية يحصن لبنان ويحافظ على 14 آذار ويعزز موقع الرئيس سعد الحريري'.

وكان الاجتماع الموسع لقوى 14 آذار والذي يعتبر الاول على مستوى التمثيل منذ احداث ايار (مايو )2008، عقد في ظل حضور لافت تقدمه رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب 'الكتائب 'الرئيس السابق أمين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية ل 'القوات اللبنانية 'سمير جعجع، فيما غاب عن اللقاء وزراء 'الحزب التقدمي الاشتراكي 'و ?'اللقاء النيابي الديموقراطي 'ونوابهما باستثناء النائب مروان حمادة، كما غابت ايضا حركة 'التجدد الديموقراطي 'التي يرأسها النائب السابق نسيب لحود الذي كان أعلن سابقا انسحابه من '14 آذار '.في حين حضر اللقاء عميد حزب 'الكتلة الوطنية 'كارلوس اده على رغم أنه كان علق في وقت سابق عضويته في قوى 14 آذار .وحضر أيضا الوزراء :سليم وردة، جان اوغاسابيان، ميشال فرعون، سليم الصايغ، ابراهيم نجار وبطرس حرب، والنواب :دوري شمعون، نواب تكتل 'لبنان اولا '، 'تيار المستقبل '، 'الكتائب 'و ?'القوات اللبنانية 'وعدد من الوزراء والنواب السابقين بينهم ادمون رزق (الذي يحضر للمرة الاولى )، ومستشار الحريري نادر الحريري، الاعلامية مي شدياق .

وبعد اجتماع مغلق تلا منسق الامانة العامة فارس سعيد البيان الصادر عن الاجتماع، وفيه تذكير بانطلاقة 14 آذار ومطالبها .وقال :'بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ظهر الاثنين في 14 شباط 2005 تنادت قيادات المعارضة الاستقلالية اللبنانية الى اجتماع استثنائي عقد في دارة الشهيد الكبير وأصدرت بيانا قالت فيه إن هذا التفجير الإجرامي بلغ مستوى لم يرق إليه أي اعتداء آخر منذ انتهاء الحرب سواء من حيث ما يرمز إليه الرئيس رفيق الحريري باعتباره شخصية لبنانية عربية ودولية أو من حيث اللحظة المصيرية التي تعيشها البلاد .إن المعارضة إزاء هذه التطورات الخطيرة تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه لبنان وتدعوه الى تشكيل لجنة تحقيق دولية تضع اليد على هذه الجريمة .في 18 شباط 2005 أعلنت المعارضة انطلاق انتفاضة الاستقلال ودعت الشعب اللبناني بجميع فئاته وقواه السياسية الى التوحد حول مطلبي السيادة والحقيقة .في 14 آذار 2005 اجتمع اللبنانيون من كل المناطق والطوائف والمشارب حول ضريح الشهيد الكبير في ساحة الحرية مطالبين بالحرية والسيادة والاستقلال، وبإظهار الحقيقة في تلك الجريمة المروعة، معبرين عن تخطيهم حواجز الحرب وما بعدها، ومرددين بصوت واحد قسم جبران '.

وأضاف مخاطبا اللبنانيين :'لقد توحدتم فنلتم الاستقلال، واستعدتم قراركم الوطني وحريتكم .بين استشهاد رفيق الحريري وانتفاضة الاستقلال نشأ عهد وقسم وثقتهما قافلة من الشهداء الأبرار وعذابات مشتركة تجاوزناها بالصبر .بين اغتيال رفيق الحريري واستقلال لبنان توهجت لحظة حقيقة أضاءها دم الشهيد ورفاقه على طريق موصول قررتم أنتم في انتفاضة الاستقلال انه طريق يمتد من دم كمال جنبلاط وبشير الجميل وناظم القادري ورينيه معوض والمفتي حسن خالد وداني شمعون الى شهداء المقاومة اللبنانية والوطنية والإسلامية، الى باسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم ورفاقهم الى فرنسوا الحاج ووسام عيد وكل شهداء القوات المسلحة اللبنانية في معارك نهر البارد وسائر المواقع، الى كل نقطة دم سالت من جريح على هذا الطريق، الى كل الشهداء الأحياء، وكل معتقل اختطفته يد القهر والاستبداد، الى كل خيبة أمل لدى فتاة أو شاب غادرا لبنان بحثا عن المستقبل، الى كل الصابرين والعاملين من اجل غد افضل للوطن '.

وتابع سعيد :'بعد انسحاب قوات الاحتلال عام 2000 حققتم في السنوات الخمس الماضية بفضل وحدتكم مسيحيين ومسلمين وقوى حية تعشق الحرية والاستقلال والديموقراطية في جمهورية العيش المشترك سبعة انجازات تاريخية كانت تبدو مستحيلة للقريب والبعيد أولا، حققتم مصالحة وطنية فعلية طوت الحرب الأهلية الى غير رجعة .ثانيا، استولدتم رأيا عاما مشتركا هو الاشد اتساعا وصلابة وتنويرا في تاريخ لبنان .ثالثا، اسقطتم نظاما امنيا استبداديا بقوة الانتفاضة الشعبية .رابعا، حصلتم على انسحاب القوات السورية من بلدكم عام 2005، وعلى العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسورية .خامسا، وضعتم حدا لاستمرار لبنان بلدا ترتكب فيه الجرائم ويبقى المجرمون بمنأى عن العقاب وحصلتم على قيام محكمة دولية خاصة بلبنان لمعاقبة الضالعين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الجرائم ذات الصلة .سادسا، صمدتم بوحدتكم الوطنية في وجه العدو الإسرائيلي ولا تزالون تواجهون تهديداته العدوانية موحدين .سابعا، انتصرتم في صناديق الاقتراع من اجل العبور الى الدولة والحفاظ على وجه لبنان الحضاري وعلى العيش المشترك والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين '.

وقال :'نريد أن نطوي كل الصفحات السود، لكننا نريد أيضا وخصوصا أن نفتح صفحة الأمل على مستقبل واعد لأبنائنا، منسجم مع هويتنا العربية، معزز لرسالتنا ومتسع لحلمنا اللبناني .لهذا وضعنا قضية اغتيال الرئيس الشهيد ورفاقه في يد المحكمة الدولية لجلاء الحقيقة واصدار الحكم العادل .ذلك أن المستقبل الذي نريد ان لا ينهض الا على الحق والحقائق ودولتنا المنشودة لا تبنى على عادة الافلات من العدالة .ولذلك ايضا نعاهدكم علىالتمسك بوحدتنا الوطنية وتوسيع نطاقها لأنها اساس الاستقلال وضمانة اسلوب عيشنا ومصدر قدرتنا على مواجهة التحديات المقبلة .غير ان هذه الوحدة على غنى تنوعنا المشروع والمرغوب لا تقوم ولا تستقيم بشروط فئة من بيننا ولا طبعا بشروط الخارج، انما بشروط الدولة الجامعة، الدولة المدنية القائمة على ميثاق العيش المشترك، المحتكمة الى سلطة المؤسسات الدستورية والقانونية، والى آليات النظام الجمهوري البرلماني الديموقراطي .الدولة السيدة على جميع أراضيها والمقيمين عليها والمسؤولة حصرا عن كل المقدرات في مجال الأمن الداخلي والدفاع الوطني في مواجهة العدو الإسرائيلي وكل الأخطار الاخرى، الدولة التي نوحد فيها إنجاز التحرير مع انجاز الاستقلال الثاني فلا يبقى خارجها ومتنافرا معها بدلا من بقائهما خارجها متنافرين، الدولة التي تلتزم تعهداتها العربية والدولية لأن هذه التعهدات لا تمثل قيودا تضعفها بل هي مظلة حماية لها .الدولة المبنية على الشراكة الوطنية ومصلحة لبنان والتي يرفض ابناؤها تغليب الروابط والمصالح الخارجية عليها، الدولة التي تدعم حق الشعب الفلسطيني في العودة الى ارضه والتي تتمسك برفض التوطين طبقا للميثاق الوطني والدستور، الدولة التي تقوم على التفاهم المستند الى الشراكة الاسلامية - المسيحية، لا على منطق الثنائيات او الثلاثيات الطائفية التي دفع لبنان ثمنها غاليا في مراحل سابقة .الدولة التي تضم مواطنين احرارا وجماعات دينية متنوعة تؤمن برسالة العيش المشترك وتداول السلطة والتغيير عبر الوسائل السلمية والديموقراطية فتستمد من ذلك الثقة بالنفس وبهاء الحضور نابذة فكرة الاقليات الخائفة أو المتواطئة، الدولة التي تبدو على صورة شعبها المتناغم مع بعضه بعضا، الدولة العادلة فلا يكرهها شعبها، والضاربة للفساد فلا يخجل منها شعبها '.

وزاد :'على مدى السنوات الخمس الماضية انتصرتم لرسالة العيش المشترك والشراكة الاسلامية - المسيحية في اصعب الظروف واحلك الأوقات، فكنتم اجمل تحية الى عالمكم العربي الذي توسم في لبنان المتجدد مستقبل العرب والعروبة الحديثة والمنفتحة .لقد قلتم كلمتكم :العيش المشترك رسالتنا، اسرائيل عدوتنا، عروبة الاعتدال والتسامح والحوار والتضامن بساطنا وخيمتنا، عالم العيش معا فضاؤنا، حيث يعيش الناس أحرارا متساوين مع تنوعهم '.وقال :'نحن على الموعد في 14 شباط في ساحة الحرية بالعزيمة ذاتها لنجدد العهد والقسم والأمل '.
الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة