Friday, December 18, 2009


مسيرات واعتصامات ...ومواجهة مع القوى الأمنية أمام السفارة المصرية
لبنان يتضامن مع غزة: أوقفوا المحرقة

منال أبو عبس


<
يرفع الطفل نسخة من القرآن الكريم بإحدى يديه وبندقية بلاستيك بالأخرى. هو لم يتجاوز الخامسة، يلف عنقه بكوفية فلسطينية ورأسه بقبعة خضراء عليها: 'حركة المقاومة الإسلامية - حماس'، ويجلس على كتفي والده يردد كما 'الكبار' هتافات: 'وين الكرامة يا عرب' و'بالروح بالدم نفديك يا غزة'.

الطفل ليس الوحيد في تظاهرة التضامن مع غزة أمام ساحة أسكوا في وسط بيروت أمس .خلفه وأمامه أطفال كثر، فلسطينيون ولبنانيون، يشاركون الكبار في تظاهرة دعت إليها 'حماس 'و 'الجماعة الإسلامية 'في لبنان .وتتلاصق فيها كتفا ممثل 'حركة التحرير الفلسطينية 'في لبنان عباس زكي وممثل حركة 'حماس 'في لبنان أسامة حمدان .وعلى مقربة منهما ترفرف رايات 'الجماعة 'والفصائل الفلسطينية وتتجاور رايات 'حماس 'و 'منظمة التحرير الفلسطينية 'وصور عبد العزيز الرنتيسي وخالد مشعل .

ينشغل رمزا الفريقين الفلسطينيين 'المتعارضين 'في إيصال رسالة جديدة تنفي الخلاف بين الفريقين .يشددان واحدا تلو الآخر على تأكيد أن 'الصف الفلسطيني موحد '.يتحدث حمدان عن 'ضرورة المصالحة بين الأخوة .ومن لا يعمل من أجل الوحدة ولا يتحرك لتحقيقها عليه أن يعيد النظر في موقفه الوطني '، ويقول :'علينا أن نتوحد ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل على صعيد الأمة '، ويدعو إلى 'الإفادة من هذا الموقف لإعادة توحيد الصف الفلسطيني '، مخاطبا المشككين ب 'أننا في الميدان موحدون .المطلوب اليوم موقف عربي ينهي الحصار ويدعم صمود الشعب '.ويقابله زكي بتأكيد الوحدة الفلسطينية، معتبرا أن 'ما يحدث في غزة مذبحة وجريمة منظمة '.ويخاطب العدو بالقول إن 'الحملة الظالمة الإسرائيلية هي لكسر إرادة الشعب الصامد في غزة، لكن العدو لا يعرف الشعب الفلسطيني الذي يخرج دائما قويا من أي ضربة من جانب إسرائيل '.

الكوفية الفلسطينية السوداء والبيضاء تزين أعناق الجميع هنا .حتى رجال الدين، والنسوة المحجبات .'هي شرف الأمة '، تقول ماجدة عن رمز القضية الفلسطينية وغزة .وتصدح حنجرتها كما جارتيها بهتافات لنصرة غزة والعتب على مصر .

تحوز مصر على حصة الأسد في تظاهرات التضامن مع غزة .قادتها وسياسيوها يتحملون بحسب المتظاهرين مسؤولية لا تقل عن مسؤولية إسرائيل .'مصر يا أم الدنيا .أليست غزة من الدنيا '، تسأل إحدى اللافتات، وتلاقيها أخرى :'أين عبدالناصر .أين شعب الثوار والأحرار ...افتحوا المعابر '.وعلى ألسنة الشبان عتب كبير على مصر 'الجارة التي شاركت في الحصار على أطفال غزة '.فيما تسخر سيدة من استدعاء إسرائيل جنود الاحتياط :'ماذا يريدون أن يفعلوا بهم؟ قبل الاحتياط لم يبق أحد، فكيف بعده؟ '.

تتنوع الهتافات بتنوع الفريق .ينضم بضعة يساريين و 'تجمع الحملة الوطنية لنصرة فلسطين والعراق 'إلى التظاهرة .في الجانب الخاص بالجماعة تعلو هتافات :'لا اله إلا الله 'و 'بالروح بالدم نفديك يا غزة '، وفي جانب الفصائل :'أميركا والصهاينة قادة الإرهاب العالمي '، فيما يشترك الجميع في كيل الشتائم ضد الموقف المصري الرسمي، وضد الرئيس الأميركي جورج بوش، وترفع صورته مع 'حذاء منتصر الزيدي '.في الوسط تقدم مجموعة من المراهقين عرضا عسكريا .يلفون رؤوسهم برايات عليها 'كتائب القسام 'ويحملون على أكتافهم مجسمات صواريخ عليها :'الجماعة الإسلامية - قوات الفجر '، وعلى مقربة منهم يحرق آخرون علمي إسرائيل والولايات المتحدة ويدوسونهما بالأقدام .

تتواصل الهتافات ولا تستريح الحناجر .إسرائيل ومصر وغزة والعرب وأميركا والأمم المتحدة، يثني المتظاهرون على واحدة منها ويشتمون الأخرى .وبينما ينتقل متظاهرو الفصائل للاعتصام أمام السفارة المصرية في بئر حسن، تترك الساحة أمام أسكوا لمتظاهري الأحزاب اليسارية، ولافتاتهم المكتوب بعضها منذ اعتصامات المطالبة برفع الحصار عن غزة .وتصدح الأغنيات الثورية والأناشيد الفلسطينية .

لا يختلف الاعتصام اليساري عن الذي سبقه .هنا أيضا تنال مصر حصة الأسد من الشتائم، ومعها إسرائيل والأمم المتحدة و 'الصمت العربي '.وترتفع على سور الساحة مجسمات أطفال ولافتات :'الإنسانية تغتال خلف أسوار غزة 'و 'افتحوا المعابر وهم أحياء ولا تفتحوها وهم أموات '.

أمام السفارة المصرية يختلف المشهد كثيرا .فالعسكريون وعناصر مكافحة الشغب الذين وقفوا يتفرجون على التظاهرات أمام الأسكوا، ينهمك رفاقهم في رد الحجارة والعصي التي يقابلهم بها المعتصمون الثائرون هنا، وهم يحاولون اجتياز الأسلاك الشائكة الموضوعة أمام مبنى السفارة مرتين .

وعلى رغم القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه وانسحاب 'الحزب الشيوعي اللبناني 'من التظاهرة احتجاجا على استهداف المتظاهرين للقوى الأمنية، تمتد المواجهات أكثر من ساعة، ويسقط فيها عدد من الجرحى من المتظاهرين وعناصر قوى الامن .ويقطع المتظاهرون الطريق بالاطارات المشتعلة .ويستنفر الجيش آلياته العسكرية لفك الاشتباكات .

تشبه الصورة أمام السفارة المصرية، صور التظاهرات السابقة التي كانت تحصل أمام السفارة الأميركية في عوكر .رشق الحجارة والقنابل المسيلة للدموع كانت حكرا على التظاهرات أمام سفارة الدولة العظمى .وإن كانت إحدى المتظاهرات ترى أن 'موقف مصر أقسى من موقف أميركا في حق الشعب الفلسطينيمعلنة أنها ورفاقها ينوون السير في اعتصامات تصاعدية وصولا إلى التظاهر أمام السفارة الأميركية .

لا تقتصر التظاهرات والاعتصامات على بيروت ومحيطها .فمدينة صيدا أعلنت الحداد، والمخيمات الفلسطينية على امتداد الأرض اللبنانية لبت نداء التضامن، وتشابهت كلمات المعتصمين الداعية الى نصرة غزة وإنهاء العدوان وتوحيد الصف الفلسطيني والعربي، من دون أن تقع أي اشكالات أو حوادث .

أمام مبنى 'اسكوا 'تتواصل الاعتصامات .اليساريون أعلنوا أن اعتصامهم سيستمر ثلاثة أيام .هنا على الأرض تجلس شابة ورفيقاها يكتبون قصيدة إلى غزة .القصيدة تبدأ بكلمة :'يا عرب '.خلف الثلاثة صورة لأم تحمل طفلا جريحا، وعبارة :

'
أطفال غزة سلام أيها الصامدون '، بجانب الصورة لافتة عليها :'هدية العيد :أشلاء مولود جديد في غزة '، وأخرى بالإنكليزية :'نهاية إسرائيل، مفتاحنا إلى الحرية '، و 'أوقفوا المحرقة في غزة '، وصور ملونة مضرجة بالدماء .

Monday, December 7, 2009






بيروت في أحد الماراتون... وقبل جحيم أول الأسبوع:
الشوارع لا تشبه نفسها ...أزمة السير في عطلة ليوم واحد 




منال أبو عبس 

< 'إن شاء الله خلص الماراتون على خير؟'، يسأل صاحب محل صغير لبيع السمانة في شارع الحمراء زبونا يرتدي سترة رياضية. فيجيبه الأخير مبتسما: 'الحمد لله... خلصنا'. 


'خلصنا 'هذه، وبحسب الحوار اللاحق بين صاحب المحل وزبونه، تحمل تمنيا ضمنيا بأن يكون انتهاء 'ماراتون بيروت 2009 '، مقدمة لانتهاء ازدحام السير الذي خنق بيروت والسائقين فيها على امتداد أكثر من أسبوع مضى، فاستدعى تدخلا على مستوى رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الداخلية والبلديات زياد بارود، لم يفلح (حتى أول من أمس )في التخفيف من حدة الزحمة المرورية . 


لكن، ما الرابط بين الماراتون والزحمة الخانقة؟ 


منذ نحو عشرة أيام بدأت لافتات 'حان وقت الركض .اركض وتبرع '، وأخرى مذيلة بتوقيع 'جمعية بيروت ماراتون 'بالانتشار على أعمدة الكهرباء في الطرق الرئيسية لبيروت .والى هذه اللافتات، توزعت لافتات 'طريق مقطوعة 'على مفترقات حيوية داخل العاصمة وعلى مداخلها الرئيسية مثل الطريق المؤدية من قصقص الى بشارة الخوري وفي شارع بلس في الحمراء وغيرها، إضافة الى إجراءات تنظيمية أخرى اتخذتها الجمعية، ما فاقم من ازدحام السير، فأبقى كثيرين داخل سياراتهم لساعات في رحلة قد تستغرق عشر دقائق في يوم عادي .لكن ما 'قصم ظهر البعير 'بالنسبة الى بعض المستائين من الإجراءات التنظيمية التي فرضتها 'بيروت ماراتون 'للعام الحالي، كان أن هذه الإجراءات تمت من دون مراجعة المعنيين الرسميين، وهو ما أشار إليه بارود في كتاب وجهه الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أول من أمس، للتحقيق في قطع طريق في وسط بيروت، بعد وقوعه شخصيا فريسة للازدحام . 


غير أن الازدحام الذي سبق ماراتون بيروت، وأثار بعض الملاحظات على الإجراءات المرافقة لها، تلاشى أمس .فبدت شوارع العاصمة والمداخل المؤدية إليها خالية إلا من بضع سيارات .وانتشر عناصر قوى الأمن الداخلي، حتى في المناطق التي ما اعتادوا التواجد فيها .فعلى طول طريق صيدا القديمة لوحظ وجود أكثر من عنصر 'دراج 'لقوى الأمن الداخلي .وفي الطريق الممتدة من محلة الصفير في الضاحية لوحظ أيضا وجود دراج آخر من قوى الأمن، لكن هذه المرة على متن دراجة أكبر من تلك المخصصة عادة لقوى الأمن . 


وفي أحياء بيروت، لم يختلف المشهد كثيرا .فقبل الثانية عشرة ظهرا كانت معظم الطرق التي سلكها المشاركون في الماراتون فتحت .وحتى تقاطع بشارة الخوري الذي كان مجرد ذكره يدب الرعب في نفوس السائقين، بدا أمس، شبه خال .وعلى تقاطعه تولى عنصر من قوى الأمن تنظيم السير، وهو أمر لم يكن مألوفا في أي يوم أحد آخر، حيث اعتاد المواطنون أن يتركوا لمصيرهم . 


أما في الحمراء، فكانت الصورة مختلفة نسبيا .إذ بالإضافة الى بعض المشاركين 'الكسالى '، غص الشارع كعادته كما في كل أحد، بعاملات المنازل من جنسيات مختلفة، اللواتي يستغللن يوم عطلتهن الأسبوعية للخروج الى الشارع ولقاء الصديقات وشراء ما يحتجنه من المحال التي بات بعضها يحمل أسماء بلادهن المختلفة . 


الطريق البحري بدوره بدا شبه خال، إلا من بعض المشاة على كورنيشه الطويل قد يكون مرده تخوف رياضيي الكورنيش المعتادين كما مواطنين كثيرين من الخروج من منازلهم بسبب الازدحام الذي توقعوا أن يخلفه الماراتون .كما انتشر على الرصيف البحري عمال تولوا إزالة اللافتات الخاصة بالماراتون وتفكيك قوس الانطلاق والمنصة وبعض الخيم عن جوانب الطريق . 


لا تشبه شوارع بيروت نفسها في أي يوم آخر .فأصوات أبواق السيارات و 'صراخ 'السائقين وتبرمهم الظاهر على الوجوه اختفت أمس، وشرعت العاصمة طرقها ومفارقها الأساسية لاستقبال الوافدين إليها والمتجولين في طرقها بسلاسة خال كثيرون أن زمنها ولى الى غير رجعة 






(نشر في العدد :17048 ت .م :07-12-2009 ص :19 ط :الرياض ) 






















Wednesday, May 20, 2009


أوديت أديب سالم: 24 سنة
في انتظار ريشار وماري كريستين 


بيروت - منال أبو عبس



«شيعت أمس أوديت أديب سالم (78 سنة)، وأقيمت الصلاة لراحة نفسها في حديقة جبران في وسط بيروت، قبل أن ينقل الجثمان ليوارى الثرى في مدافن العائلة في منطقة رأس النبع». 

يمكن للخبر أن ينتهي هنا، وأن تكون النقطة في آخر الجملة السابقة، هي نفسها نقطة النهاية لحياة انسانية قضت السبت الماضي دهسا بسيارة مسرعة، وهي تجتاز الشارع المؤدي الى خيمة اعتصام «أهالي المعتقلين في السجون السورية» و«أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» في حديقة جبران وسط بيروت. غير أن كل ما يدور في الحديقة حيث خيمة الأمهات، يؤكد أن حياة أوديت لا تنتهي بانتهاء الخبر، وأنه قبل وضع النقطة في نهاية الجملة، ثمة كلام كثير ليحكى عن قضية عمرها من عمر حربنا الأهلية، وما زالت تنتظر من يضع عليها نقطة النهاية. فمن هي أوديت سالم؟

في 17 أيلول (سبتمبر) 1985، أعدت أوديت سفرة الغداء كاملة في منزلها الواقع في ساقية الجنزير. كل شيء كان جاهزاً، إلا السلطة كان ينقصها بعض الزيت. لم تضعه عليها لتبقى نضرة، بانتظار وصول ابنها ريشار (22 سنة) وابنتها ماري كريستين (19 سنة) من عملهما. عقارب الساعة كانت تشير حينها الى الواحدة والنصف ظهراً، غير أن الأخوين تأخرا لبضع دقائق فانتظرتهما على قلق، ثم طالت الدقائق وصارت شهوراً وسنوات، وبقيت الأم في الانتظار. مات الزوج لاحقاً، تاركاً حمل مصير الولدين الثقيل على عاتق اوديت، فلم يعد لها في الدنيا كلها الا اخت، وصورة لولدين وقضية ثقيلة. حملت الصورة وسارت بين أمهات يعشن حرقة الفقدان نفسها، الى حديقة جبران المقابلة لمبنى مكتب الأمم المتحدة. هناك في 11 نيسان (ابريل) 2005، دقت الأمهات اسفيناً لقضيتهن، فارتفعت خيمة زينتها كل منهن بصورة مفقودها أو مفقوديها. ومنذ تلك اللحظة، تناوبن على الحضور الى الخيمة التي بقيت مشرعة على رغم العواصف التي هزت البلد في السنوات الأربع الماضية. وكانت أوديت بشهادة الجميع «أمنا جميعاً وناطورة الخيمة التي لا تغيب عن المكان».

عند الثالثة الا دقائق قليلة عصر أمس، دخل نعش اوديت الى الحديقة محمولاً على الأكف. وفي الاستقبال كان أهلها: أمهات المخطوفين وقد اتشحن بالأسود وبسيل من الدموع لم ينقطع. نثرن عليها الورد والرز، وتمايلن بحرقة امام النعش المحمول على أكف رجال بملابس رسمية، ولوحن بمناديل بيض. صورة أوديت رفعت في استقبال نعشها، وبجانبها الصورة التي لم تركنها بعيداً من قلبها منذ 24 سنة. في الصورة ابنتها كريستين تتكىء برأسها على كتف اخيها ريشار ويبتسمان. 

وسط الحديقة زيّن بباقات ورد أبيض كثيرة، وأمامها تحولت طاولة مغطاة بالأبيض الى مذبح، ألقى من ورائه الكاهن الصلاة لراحة نفسها. بين النسوة في الصف الأول كثر محجبات. تفتح الواحدة منهن يديها فتقرأ الفاتحة عن روح الفقيدة، فيما ترسم البقية الصليب فوق الصدر. بكين كثيراً حتى خارت قواهن. الكاهن يناشدهن الصبر، غير ان البكاء هذا لن يخضع لضوابط الكاهن. البكاء على اوديت ليس بكاء على امرأة وضعت سيارة مسرعة حداً لحياتها، هو بكاء على ام فقدت ولدين معاً، فخسرت عالماً كان يمكن أن يكون جميلاً. بكاء كل منهن على أوديت أعاد كل منهن الى سنوات كثيرة مضت في الانتظار والبكاء.

بعد الصلاة، افسح المجال امام محبي اوديت لوداعها. فتليت كلمات أبرزها للنائب غسان مخيبر ولـ «لجنة أهالي المخطوفين والمعتقلين في لبنان» و «مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب» و «حملة من حقنا أن نعرف» و «لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين ـ سوليد»، ومن الحديقة حمل النعش إلى مدافن العـائلة في رأس النبع على أن تقبل التعازي في خيمة الاعتصام اليوم الأربعاء وغداً الخميس وبعد غد الجمعة.

أمس وضعت رسمياً النقطة الأخيرة لرحلة الأم التي حملت قضية غياب ريشار وكريستين 24 سنة، لترحل قبل أن تبصر حقيقة اختفائهما النور. رحلت اوديت سالم غير أن الأمهات في الحديقة تعهدن أمام نعشها أن «القضية لن تموت، وأوديت ستبقى بيننا»، وصرخت احداهن: «لا تخافي على القضية. الأمهات لن يمتن بعد الآن». وفي منزل ساقية الجنزير المقفل منذ غياب اوديت قبل أيام ملابس ريشار وكريستين مطوية كما كانت في اليوم الذي غادرا فيه البيت.

رحلت «ناطورة الخيمة». بقيت رفيقاتها. يحملن مفاتيح الانتظار. يحدقن بعناد في عيني بلد برمته يخجل من النظر في عيونهن، لأنه لم يكشف بعد عن مصير قلوبهن المخطوفة.