المعزون يتدفقون في حضور نجلي الشهيد وجده ووالده الذي فقد أبناءه الثلاثة
الخبر الصباحي الثقيل يصيب الضاحية بالسكون
منال أبو عبس
Al-Hayat (591 كلمة)
تاريخ النشر 14 فبراير 2008
يقع الخبر الصباحي العاجل ثقيلا. خبر من خارج المعادلة المفروضة على أذهان اللبنانيين منذ أكثر من ثلاث سنوات. استشهاد عماد مغنية، أبرز قياديي »حزب الله«، في تفجير في دمشق. تصديق الخبر يستوجب قراءة ثانية وثالثة. إذ، وفق المعادلة القسرية منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، عماد مغنية ليس أحد قادة 14 آذار (مارس)، والمخاوف كانت حتى ساعة ورود الخبر العاجل منصبة في اتجاه واحد: تفجير على شاكلة جريمة عين علق (قبل يوم واحد من ذكرى 14 شباط الماضي)، لمنع جمهور »ثورة الأرز« من العودة إلى ساحته مرة جديدة.
عنصر المفاجأة يثقل الخبر. اغتيال قائد عسكري وأمني، قد يكون الأرفع في »حزب الله«، في عملية تتطلب خرقا أمنيا دقيقا في قلب العاصمة السورية دمشق، هو مفاجأة من العيار الثقيل. لكن، عدا عن المفاجأة، بدا الهدوء مخيما على مناطق نفوذ »حزب الله« على امتداد نهار أمس.
عند الحادية عشرة ظهرا، كان حارس المبنى في بيروت يردد الخبر العاجل على مسمع السيدة. »انفجار في سورية. ومات عماد مغنية«، يقول. لا تعني العبارة للسيدة شيئا، ولا يبدو عليها أنها عرفت بالأصل من هو مغنية. لكن الجملة تقع وقوع الصاعقة على مسامع رجل يحمل طفلا، كان يهم بمغادرة المبنى. »شو؟«، يسأل الرجل، ولا ينتظر أي جواب: »عماد مغنية؟ عماد مغنية... زلزال. الرجل مثل السيد (حسن نصر الله) في الحزب«.
الذهول الذي خيم للتو على وجه كل من الحارس والسيدة، يغيب عن شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت. هنا، لا شيء يدل على هول الواقعة، وعلى أن الخطر قادر على الضرب في موضع موجع. الحياة عادية كما في كل يوم. زحمة السيارات والمارة وأصوات الباعة والمحال وعناصر الانضباط التابعون لـ »حزب الله« وسط الطرق. كل شيء عادي، حتى يخال المتجول أن الحدث الكبير يعني أشخاصا آخرين غير الموجودين هنا.
أمام جامع »القائم« في قلب الضاحية، يبدو الأسود لونا غالبا. يتجمع عدد من النسوة على أحد الأرصفة. ويصطف الرجال على درج الجامع، في مقابل رجال آخرين على جانب الطريق. وكما هي الحال في مجمع »سيد الشهداء« الذي يتحضر براياته السود لاستقبال المعزين بعد قليل، فإن تعليمات الانضباطيين بأن على الصحافيين التوجه إلى مكتب العلاقات الإعلامية لـ »حزب الله«.
الطريق من المجمع إلى المكتب تمر بأسواق تجارية لم تقفل حدادا. وما يمكن أن يردده أي من الناس هنا، لن يتعدى ما يعرفه سائق سيارة الأجرة المناصر لـ »حزب الله« عن الشهيد: »والله كان مهما جدا بالنسبة إلى الحزب ونفذ عملية قتل جنود المارينز في بيروت عام 1983، كما شارك ميدانيا في حرب تموز (يوليو) الأخيرة«. وباستثناء الأحاديث الشعبية المنقولة بالتواتر، تغيب عن أذهان الناس أي صورة ملموسة تربط الشهيد بذاكرتهم، أو بما يمثله في »حزب الله«.
في مكتب العلاقات الإعلامية تبدو الصدمة أشد وطأة. يتململ الصحافيون من قرارات منعهم من التصوير أو من بث تقاريرهم من الضاحية. وينهمك المسؤول الإعلامي في »حزب الله« الدكتور حسين رحال في محاولة الحصول على قرار، سيصدر قبل الثانية بعد الظهر، يسمح للصحافيين بتغطية التعازي في مجمع سيد الشهداء.
في مجمع سيد الشهداء يبدو المشهد أكثر قسوة. الحزن مؤلم وصادق. في الصدر يجلس نائب الأمين العام لـ »حزب الله« الشيخ نعيم قاسم ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين، ومعهما يقف والد الشهيد فايز ومعظم نواب »حزب الله«، وسياسيون كثر من فريق المعارضة. الوالد متماسك. هذا ابنه الثالث الذي يستشهد بعد فؤاد وجهاد. أما الجد، والد الوالد، فيحضن ابنه الذي خسر أولاده الثلاثة، ويغرق على صدره في بكاء عميق.
على بعد أمتار من الوالد، يرقد الابن في نعش مسجى على المنصة ملفوفا بعلم الحزب الأصفر. تصوير النعش ممنوع، كذلك بضعة رجال يقفون اسفل المنصة. بين هؤلاء شابان لا يتوقفان عن البكاء. هما ولدا مغنية، مصطفى وجهاد. يفصل بينهما وبين المعزين مجموعة من الشبان يصطفون مواجهين لهما، لمنع الكاميرا من التقاط وجهيهما الحزينين على الأب الذي هما من قلة قليلة كانت تعرف وجهه.
عنصر المفاجأة يثقل الخبر. اغتيال قائد عسكري وأمني، قد يكون الأرفع في »حزب الله«، في عملية تتطلب خرقا أمنيا دقيقا في قلب العاصمة السورية دمشق، هو مفاجأة من العيار الثقيل. لكن، عدا عن المفاجأة، بدا الهدوء مخيما على مناطق نفوذ »حزب الله« على امتداد نهار أمس.
عند الحادية عشرة ظهرا، كان حارس المبنى في بيروت يردد الخبر العاجل على مسمع السيدة. »انفجار في سورية. ومات عماد مغنية«، يقول. لا تعني العبارة للسيدة شيئا، ولا يبدو عليها أنها عرفت بالأصل من هو مغنية. لكن الجملة تقع وقوع الصاعقة على مسامع رجل يحمل طفلا، كان يهم بمغادرة المبنى. »شو؟«، يسأل الرجل، ولا ينتظر أي جواب: »عماد مغنية؟ عماد مغنية... زلزال. الرجل مثل السيد (حسن نصر الله) في الحزب«.
الذهول الذي خيم للتو على وجه كل من الحارس والسيدة، يغيب عن شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت. هنا، لا شيء يدل على هول الواقعة، وعلى أن الخطر قادر على الضرب في موضع موجع. الحياة عادية كما في كل يوم. زحمة السيارات والمارة وأصوات الباعة والمحال وعناصر الانضباط التابعون لـ »حزب الله« وسط الطرق. كل شيء عادي، حتى يخال المتجول أن الحدث الكبير يعني أشخاصا آخرين غير الموجودين هنا.
أمام جامع »القائم« في قلب الضاحية، يبدو الأسود لونا غالبا. يتجمع عدد من النسوة على أحد الأرصفة. ويصطف الرجال على درج الجامع، في مقابل رجال آخرين على جانب الطريق. وكما هي الحال في مجمع »سيد الشهداء« الذي يتحضر براياته السود لاستقبال المعزين بعد قليل، فإن تعليمات الانضباطيين بأن على الصحافيين التوجه إلى مكتب العلاقات الإعلامية لـ »حزب الله«.
الطريق من المجمع إلى المكتب تمر بأسواق تجارية لم تقفل حدادا. وما يمكن أن يردده أي من الناس هنا، لن يتعدى ما يعرفه سائق سيارة الأجرة المناصر لـ »حزب الله« عن الشهيد: »والله كان مهما جدا بالنسبة إلى الحزب ونفذ عملية قتل جنود المارينز في بيروت عام 1983، كما شارك ميدانيا في حرب تموز (يوليو) الأخيرة«. وباستثناء الأحاديث الشعبية المنقولة بالتواتر، تغيب عن أذهان الناس أي صورة ملموسة تربط الشهيد بذاكرتهم، أو بما يمثله في »حزب الله«.
في مكتب العلاقات الإعلامية تبدو الصدمة أشد وطأة. يتململ الصحافيون من قرارات منعهم من التصوير أو من بث تقاريرهم من الضاحية. وينهمك المسؤول الإعلامي في »حزب الله« الدكتور حسين رحال في محاولة الحصول على قرار، سيصدر قبل الثانية بعد الظهر، يسمح للصحافيين بتغطية التعازي في مجمع سيد الشهداء.
في مجمع سيد الشهداء يبدو المشهد أكثر قسوة. الحزن مؤلم وصادق. في الصدر يجلس نائب الأمين العام لـ »حزب الله« الشيخ نعيم قاسم ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين، ومعهما يقف والد الشهيد فايز ومعظم نواب »حزب الله«، وسياسيون كثر من فريق المعارضة. الوالد متماسك. هذا ابنه الثالث الذي يستشهد بعد فؤاد وجهاد. أما الجد، والد الوالد، فيحضن ابنه الذي خسر أولاده الثلاثة، ويغرق على صدره في بكاء عميق.
على بعد أمتار من الوالد، يرقد الابن في نعش مسجى على المنصة ملفوفا بعلم الحزب الأصفر. تصوير النعش ممنوع، كذلك بضعة رجال يقفون اسفل المنصة. بين هؤلاء شابان لا يتوقفان عن البكاء. هما ولدا مغنية، مصطفى وجهاد. يفصل بينهما وبين المعزين مجموعة من الشبان يصطفون مواجهين لهما، لمنع الكاميرا من التقاط وجهيهما الحزينين على الأب الذي هما من قلة قليلة كانت تعرف وجهه.
No comments:
Post a Comment