Saturday, April 28, 2007

بيروت شيعت « الزيادين » وسط حداد وغضب

جنبلاط وشخصيات من « 14 آذار » رافقوا الجنازة ... ومنعوا هتافات ضد المعارضة ورموزها
 بيروت شيعت « الزيادين » وسط حداد وغضب ... ونداءات التهدئة خفضت التوتر

ناجية الحصري - منال أبو عبس
Al-Hayat (2,364 كلمة)
تاريخ النشر 28 أبريل 2007


نجحت نداءات التهدئة والدعوات الى ضبط النفس التي وجهها كل من رئيس « اللقاء الديموقراطي » النيابي اللبناني وليد جنبلاط ورئيس كتلة « المستقبل » النيابية سعد الحريري والبيانات الصادرة عن حركة « امل » و« حزب الله » والاتصالات التي اجريت مع اقطاب سياسيين، فور العثور على المخطوفين الشاب زياد قبلان والفتى زياد الغندور جثتين هامدتين عند المفرق المؤدي الى بلدة جدرا مساء اول من امس، في خفض منسوب التوتر المذهبي في الشارع البيروتي والجبل، وضبط ردود الفعل الغاضبة خلال الجنازة الرسمية والشعبية التي اقيمت للضحيتين امس، وسط حداد عام في بيروت والمناطق، اغلقت خلاله المؤسسات التربوية.

وكانت الحركة في شوارع العاصمة تراجعت منذ اللحظة التي اعلن فيها عن مقتل المخطوفين، وسجل انتشار كثيف للجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي في الاحياء التي تتداخل فيها تجمعات الاكثرية والمعارضة، وفي محلة وطى المصيطبة حيث يسكن اهالي الضحيتين الغندور وقبلان والتي احكم الجيش اقفالها منعاً لردود الفعل.

وتجلى الحداد على المغدورين في مناطق الكولا والجامعة العربية والطريق الجديدة ومحيط قصقص وكورنيش المزرعة حيث اقفلت المحلات ابوابها ولبست نساء كثيرات الأسود، وتعاطف الناس في أحاديثهم مع اهالي الضحيتين خصوصاً ان احدهما طفل لم يتجاوز 12 سنة وان اشاعات كانت روجت انهما تعرضا الى التعذيب قبل تصفيتهما باطلاق النار على رأسيهما.

التاسعة والنصف صباح امس، تحوّل موقف السيارات المجاور لمنزل منير الغندور في وطى المصيطبة الى دارة لاستقبال التعازي. هناك تجلس سميرة والدة زياد الغندور في حالة تشبه الغياب عن الوعي. وتتمتم بعبارات لا يكاد يسمع منها شيء. ثم تصرخ: »خبرني كيف تحملت كل هذا الضرب. كيف طلعت روحك يا أمي«.

العبارة الأخيرة قاسية. يزيد من وطأتها الحديث الدائر في المكان عن تعذيب شديد تعرض له الشاب والفتى. تقع كلمات سميرة شديدة على مسامع النسوة المتحلقات حولها، فيعلو صوت النحيب: »عندما كنت أرفع يدي في وجهه كان جسمي يرتجف. زياد حساس لا يتحمل الضرب. كيف تحمل ضربهم له«. هنا لا تكاد تخلو يد امرأة من مناديل تمسح العيون التي صارت حمراً. تقطع سميرة الصمت بين حين وآخر. وتفرج عن فكرة موجعة تمر في خاطرها: »وجدوه مقتولاً بثياب المدرسة. لم يودعني قبل أن يرحل. ليه ما ودعتني يا أمي«.

يتشابه كلام الأمهات الثكالى كثيراً. كلام سميرة يختلط فيه الحزن بالعتب. تستغل اقتراب ميكروفون قناة »المستقبل«، لتطلق تمنياً يغلفه استياء من تقصير لحق بابنها: »الدولة يجب أن تبدأ البحث عن المفقودين منذ لحظة التبليغ عن اختفائهم. لماذا الانتظار 24 ساعة؟ الولد يموت في لحظة«. يستفز كلام سميرة جارتها. وتكيل بالشتائم لـ »الدولة التي ما عدت أطيقها، وأجهزتها الأمنية التي لا تبحث عن المفقودين«.

بين المعزيات جارات تربط أبناءهن بزياد صداقات متينة، »زادت من حرقتنا عليه«. الجارة الجالسة على مقربة من سميرة تقول إن ابنها صار يتخيل أشخاصاً يأتون لاختطافه، ويسأل أمه: »لماذا أطلقوا النار على وجه زياد«؟. تخاف الجارة كثيراً على ابنها، ولن تسمح له مجدداً باللعب إلا تحت مرأى منها. سميرة بدورها كانت أخبرتنا أول من أمس، إنها لن تسمح لزياد باللعب خارج المنطقة عندما يرجع.

في مدخل الموقف المشرف على الشارع الضيق تقف خالة زياد. الشارع تحول أيضاً إلى مكان لتقبل التعازي، بعدما قطع مداخله عناصر القوى الأمنية. تبدو الخالة أكثر إصراراً على الظهور متماسكة في وجه المصيبة. لكن دموعها لن تلبث أن تنهمر غزيرة وهي تتحدث عن زياد الذي »قال انه ذاهب إلى ضبية ليتسلى«. تصب الخالة وقريباتها غضبهن على الرسميين الذين يتوافدون للتعزية. وتقول: »كلهم أخفوا الخبر عنا. كانوا يعلمون منذ اليوم الأول أن الشاب والولد مقتولان، وأخفوا ذلك عنا لتسوية المسألة«.

يزيد الحديث عن تعذيب تعرض له الفتى من حرقة الخالة. »يقولون إنهم وجدوا آثار حروق ناجمة عن إطفاء أعقاب سجائر على جسديهما. حتى أمه لا يمكنها أن تودعه. قد يقتلها المشهد. من يفعل هذا بصبي بثياب المدرسة. حتى إسرائيل لم تفعلها«. تصمت قليلاً، ثم تفسر: »إسرائيل رأفت بحال الأسرى في سجونها ولم تقتلهم. وهنا ينتقمون من طفل. والله إسرائيل ارحم منهم«.

تتحدث الخالة عن امرأة جاءت أول من أمس، وقالت إن جثة الفتى موجودة قرب مكب نفايات في الجية. تقول إنها أخبرت وزير الإعلام غازي العريضي بذلك، ولكن لا أحد يعرف شيئاً عن المرأة التي تشك الخالة بصلتها بالحادثة.

في الشارع الضيق المقابل للموقف، يجلس الرجال على كراسي بلاستيك. هنا يجلس منير والد زياد العائد للتو من المستشفى الذي دخله قبل يوم واحد. والى جانبه يجلس شقيقه جميل على كرسي مدولب. يتولى جميل الكلام بالنيابة عن أخيه المنهار، ويوجه رسالة واحدة للقتلة: »الله لا يسامحهم«. ثم يدخل في تفاصيل: »أنهم يلعبون بالنار لإشعال حرب طائفية ومذهبية. ونحن مع دعوات التهدئة التي أطلقتها كل الأطراف من وليد بيك إلى الحكومة وسعد الحريري إلى »حزب الله« والأستاذ نبيه (بري)«. ويدعو »إخواننا في حزب الله وبالأخص السيد حسن. أقول له برحمة الشهيد هادي أن يسعى مع الرئيس بري للكشف عن قتلة طفل البراءة. نحن مع القضاء«.

يقطع حديث جميل نداء رجل: »يللا يا شباب«. عقارب الساعة تقترب من العاشرة والربع. وموعد إحضار النعشين من مستشفى المقاصد حان. يمسك شابان بيدي الوالد المصدوم. وينطلقون في موكب سيراً في اتجاه بيت الفقيد الآخر زياد قبلان.

المشهد في بيت قبلان يبدو أكثر رسمية. لا نساء هنا يبكين ولا صرخات ترافق الإعلان عن موعد الانطلاق. والدة قبلان المنهارة منذ يوم اختفاء ابنها، غادرت البيت في وطى المصيطبة إلى بيت آخر في منطقة سليم سلام. والصدمة تمنعها من لقاء أحد. هنا يجلس الوالد والأقارب وأصدقاء زياد وسط حزن يثقل الجو.

ينطلق الجميع نحو المستشفى. وبعد أكثر من ساعة يدوي في المكان هتاف: »لا اله الا الله والشهيد حبيب الله«. فيستقبله من أمام منزل الغندور طلب بأن »ما حدا يصرخ. استقبلوا شهداءكم بالزغاريد. اولئك عرسان من دون عرائس«.

تخرج سميرة وقد غطت رأسها بحجاب أسود ومنديل أبيض. تتكئ الأم على ابنتها نوال التي تكبر شقيقها الوحيد بعامين. ويدخلها مشهد النعشين المرفوعين على الأكف في الغيبوبة.

تغطي أصوات المفرقعات النارية ومن ثم صوت الرصاص من مسدس أحدهم، على هتافات »الله أكبر« و »لا اله إلا الله، الى هتافات معادية للأمين العام لـ »حزب الله« السيد حسن نصر الله سيعمل الأقارب على منع هاتفه من تكرارهما. ويرتفع صوت العمة: »حرقت لي صميم قلبي يا عمتي«. وعلى وقع الرز والورود المنثورة يغادر النعشان على أكتاف عشرات الشبان الذين رفعوا أيضا رايات »الحزب التقدمي الاشتراكي«.

أمام مقر الحزب التقدمي

ومن منزل الغندور ينتقل النعشان إلى مقر »الحزب التقدمي الاشتراكي«. هناك انضم الى الموكب رئيس »اللقاء الديموقراطي« وليد جنبلاط ووزراء الاتصالات مروان حمادة والإعلام غازي العريضي والسياحة جو سركيس (ممثلاً) رئيس الهيئة التنفيذية لـ »القوات اللبنانية« سمير جعجع) ونواب من »اللقاء« ومن كتلة »المستقبل«: علاء الدين ترو، فيصل الصايغ، وائل أبو فاعور ، وليد عيدو، فؤاد السعد، عاطف مجدلاني، اكرم شهيب، والياس عطا الله وعميد »الكتلة الوطنية« كارلوس اده، رئيس »التيار الشيعي الحر« الشيخ محمد الحاج حسن، إلى حشد كبير من المواطنين.

وتداخلت صيحات التكبير مع الهتافات المعادية للسيد نصر الله ورئيس الجمهورية اميل لحود، والتي تدخل جنبلاط لوقف اطلاقها، فتحولت الهتافات الى »بالروح بالدم نفديك أبو تيمور« و »يا زياد وين ما تروح، دمك هدر ما بيروح«. وبعد وقفة أمام مقر الحزب، انطلق الموكب في اتجاه مسجد الخاشقجي الملاصق لمدافن الشهداء في محلة قصقص.

رايات وهتافات

في الثانية عشرة وصل الموكب إلى منطقة الملعب البلدي. هنا أيضاً انضم حشد كبير من انصار تيار »شباب المستقبل« إلى موكب التشييع وسط حالة من الحزن والأسى عمت المنطقة التي شهدت إقفالاً تاماً. ورفعت أعلام »تيار المستقبل« والحزب التقدمي و »حركة الناصريين المستقلين« (المرابطون)، إضافة إلى رايات إسلامية. وعادت الهتافات المذهبية والشتائم بحق زعماء في المعارضة، وأيضاً تدخل سياسيون من 14 آذار لمنعها. وحلت محلها هتافات: »الله حريري طريق الجديدة«.

ومع وصول الموكب إلى أمام مسجد الإمام علي، تلا المحتشدون في صلاة الجمعة الفاتحة عن روحي الشهيدين. ثم انضمت تظاهرة كبيرة امام مدرسة عمر حمد الرسمية الى الموكب، وتقدمها النائب السابق غطاس خوري والنائب عمار حوري (ممثلاً النائب سعد الحريري).

مسجد الخاشقجي

الطرق الى محيط مسجد الخاشقجي كانت قطعت امام حركة السيارات منذ الصباح، وتعتبر هذه المنطقة شرياناً أساسياً يربط الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت.

دبابات للجيش وعشرات العناصر من المكافحة وأمن الدولة وقوى الامن الداخلي ورجال امن بلباس مدني مزودين بأسلحة بارزة، تولوا الترتيبات لحماية الجنازة من المتطفلين وحماية المشاركين فيها من سياسيين نادراً ما يظهرون في اماكن عامة منذ تزايد وتيرة الاغتيالات.

على الباب الحديد للمسجد الصقت ورقة نعي لـ »شهيد الغدر المأسوف على شبابه« زياد قبلان، وذيلت بأسماء عائلات بيروتية وأخرى من أصل كردي.

وبدا واضحاً ان ثمة قراراً باستبعاد الحشد الحزبي عن التشييع، فالوافدون الى المسجد استباقاً لموكب التشييع جلهم من الاقارب والشبان والفتية من رفاق الفقيدين، وصل بعضهم على دراجات نارية. لكن استبعاد الحضور الحزبي للمشيعيين لم يحل دون حضور راياتهم التي انضمت اليها راية »ط ج - فهود الطريق الجديدة«، الى جانب اعلام لبنانية ضخمة.

اقتراب اصوات ابواق سيارات قوى الامن والاسعافات التي رافقت الموكب، انذر المتجمعين بوصول »الزيادين« الى مكان وداعهما الاخير. اُدخل السياسيون الى قاعة الاستقبال الملاصقة للمسجد، فيما اُدخل النعشان المرفوعان على الاكف الى حرمه وخلفهما دخل المصلـون وسط هتافات خرجت عن خطـوطها الحمر، لتطاول شتائمها النظام السوري، فيما هتف بعضهم لصدام حسين، وبالغ آخرون في الهتافات المذهبية وتعالت دعوات النساء ضد الظالمين، والقتلة.

انضم الى قاعة الاستقبال: الوزير حسن السبع (ممثلاً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة) والوزير جان اغاسبيان، النائب ياسين جابر(ممثلا الرئيس نبيه بري)، النائب بطرس حرب، النائب عبد اللطيف الزين، النائب بيار دكاش، النائب محمد الحجار، النائب عبد الله بو فرحات، ومفتي صور وجبل عامل السيد علي الامين، وممثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ غسان الحلبي، ووفد من الجماعة الاسلامية. وشارك في التشييع ايضاً، النواب السابقون: نسيب لحود، غطاس خوري، كميل زيادة، وغاب عن التشييع أي تمثيل للرئيس لحود و »حزب الله« وحركة »امل«.

ووضعت الورود على الادراج المؤدية الى حرم المسجد، فيما نثر الرز على النعشين، وثبتت امام القاعة اكاليل زهر من الرئيس السنيورة ومن اركان وزارة وصندوق المهجرين، وتولى عناصر من الدفاع المدني تابعون لـ »الجماعة الاسلامية« تنظيم دخول المصلين.

الصلاة على الضحيتين

وفي قاعة الاستقبال، اُجلس والد الضحية زياد الغندور بين النائبين الزين وجابر، واُجلس والد الضحية زياد قبلان الى جانب الوزير العريضي، وبدا الوالدان المنكوبان اكثر تماسكاً مع توالي كلمات التعاطف مع العائلتين والاشادة بحكمتهما. اما الوالدتان فلم تكن تنفع كلمات المواساة في التخفيف من ألم فقدان الابناء بل كانت تزيد من حرقة الافئدة والاجهاش بالبكاء، خصوصاً بعد انتهاء الصلاة عن روحيهما وتسجية النعشين في قاعة الاستقبال لوداع اخير.

وتحلق أفراد العائلتين امام النعشين وراحت الايدي تلامس الصندوقين المتواضعين وقد وضع عليهما علمان لبنانيان صغيران، امتدت يد »ام زياد« الغندور الى الطربوش الموضوع فوق نعش طفلها لتصلح مكانه، فيما غمرت »ام زياد« قبلان نعش ولدها تقبله مرات ومرات وتخاطبه قائلة »باي يا زياد، الله معك«، وتصرخ شقيقتها »قتلوك الجهال«.

ولدى اخراج النعشين من القاعة بعد القاء الكلمات، صفق الجميع للضحيتين واطلقت افواه الشبان والفتية صفيراً للتعبير على طريقتهم عن وداع رفيقي درب الطفولة والشباب.

في مدافن الشهداء حيث اختلط حضور الرجال مع النساء والاطفال تلا الجميع الفاتحة اكثر من مرة اثناء مراسم الدفن، وذرف كثيرون الدمع من جديد، وراح محارب قديم من محازبي »التقدمي« يراقب المشهد من بعيد قلقاً من ان تتكرر حروب قال انه لم يشف حتى الآن من جروح تلك التي سبقتها.

Friday, April 27, 2007

وطى المصيطبة حيث الإشاعات تزيد وقع المصيبة

وطى المصيطبة حيث الإشاعات تزيد وقع المصيبة

منال أبو عبس
Al-Hayat (597 كلمة)
تاريخ النشر 27 أبريل 2007



في الشارع زحمة أصوات وكاميرات وبيت صغير أزرق وأصفر. الشارع متفرع من منطقة وطى المصيطبة في بيروت. والبيت الملون هو الذي غادره زياد الغندور (12 سنة) مع جاره زياد قبلان (25 سنة) الاثنين الماضي إلى اختطافهما.

تلف الوحشة جوانب البيت الملون وتحط بثقل في حضن سميرة والدة زياد »الصغير«، كما تحب أن تسميه. من وراء الكنبة حيث تجلس، يتدلى سلم خشب يصل بين غرفة البيت الوحيدة وبين غرفة أخرى ينام فيها زياد وشقيقته نوال التي تكبره بعامين والتي غادرت باكراً إلى مدرستها.

هناك على الكنبة تعيش سميرة في عالم تدور أحداثه في مخيلتها. تنظر إلى حضنها حيث صورة زياد. وتخاطبه كما لو كان معها على الهاتف: »يا حبيبي يا أمي. بترجع عالبيت اليوم. وبكرا إن شاء الله تروح عالمدرسة«. تفرك إحدى يديها بكف الأخرى، كأنما تنفس عن ألم صار يفوق الاحتمال، قبل أن تستدرك، فتقول: »آه. بكرا الجمعة. ومدرستك مقفلة. حسناً تعود اليوم. وتذهب السبت إلى المدرسة«.

على وجه الوالدة الفلسطينية الشابة والمتزوجة من منير اللبناني ترك الأرق علامات قاسية. ولم تحل محاولاتها للبقاء متماسكة دون دخولها في نوبات بكاء عميق بين حين وآخر، تروي بعدها أن ابنها غادر بيته مع جاره من دون أن يكمل واجباته المدرسية. سميرة عرفت في اليوم التالي لغياب زياد أنه اختطف. »وجدنا السيارة ولم نجدهم في داخلها. تأكدنا أن أحداً أخذهم«، لكنها لا تشك بـ »أي إنسان ولا علاقة لنا بالإشاعات«.

والإشاعات التي تتحدث سميرة عنها، قادت منير والد زياد إلى العناية المركزة في أحد المستشفيات. تروي إحدى قريباتها أن زائرة »ثقيلة« جاءت في الصباح وقالت إنهم وجدوا الفتى مذبوحاً تحت جسر الكولا. لم يحتمل الوالد الذي يعاني مرضاً في القلب الخبر، ووقع أرضاً.

ترد سميرة على إشاعات أخرى تقول إن الخاطفين هم أخوة عدنان شمص الذي قضى في أحداث الجامعة العربية، وان ابنها وقبلان اختطفا بداعي الثأر. وتوجه ما قد يكون رسالة إلى الخاطفين: »الولد كان في المدرسة أثناء أحداث الجامعة. وزياد قبلان كان في عمله. لم يكونا في المنطقة أصلاً«. وتضيف لتزيل أي داع آخر للربط بين القضيتين: »المنطقة محسوبة على »الحزب التقدمي الاشتراكي«. ونحن نسكن في المنطقة فقط، ولا ننتمي نحن أو أهل زياد قبلان إلى أي حزب سياسي«.

منزل حسين قبلان والد زياد (مواليد بيروت) لا يبعد إلا شارعاً واحداً من منزل آل الغندور. يمنع التعب والانتظار الوالد ذا الأصل الكردي (kaplan بالكردية وتعني نمراً بالعربية) والجنسية اللبنانية من الحديث عن الحادثة. ويقول أن »لا جديد في الموضوع«. قبل يوم واحد استدعي أهل المخطوفين إلى المحكمة العسكرية للإدلاء بإفادتهم، وحتى الكشف عن مصير ابنه يفضل حسين أن يتفرغ لاستقبال الأقارب.

الطريق من منزل قبلان تقود مرة أخرى إلى المنزل الملون. هناك كان يقف أربعة فتيان بزي مدرسي موحد. هم رفاق زياد جاؤوا يسألون أمه عن أخبار جديدة. صورتهم أمام البيت أعادت سميرة إلى انهيار جديد. خرجت منه لتناشد الخاطفين أن يعيدوا زياد و«أنا أسامحكم. لا أريد منكم شيئاً. أعيدوه وأنتم مسامحون«.

Saturday, April 14, 2007

اللبنانيون يهجسون بالحرب الأهلية في ذكراها

بعضهم يفاخر بصواريخه « المقاوِمة » وآخرون لا ينفون اقتناء « قطع فردية » 
اللبنانيون يهجسون بالحرب الأهلية في ذكراها والاتهامات المتبادلة بالتسلح تغذي مخاوفهم

منال أبو عبس
Al-Hayat (2,001 كلمة)
تاريخ النشر 14 أبريل 2007


بعد 17 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، عاد الحديث عن « شبح التسلح » ليتصدر واجهة النقاشات السياسية والجماهيرية. وعلى رغم إنكار القوى السياسية الرئيسة اتخاذها قرارات مركزية بالتسلح (باستثناء « حزب الله » الذي يقول إن سلاحه موجه ضد العدو الإسرائيلي)، فإن عينة واحدة من الاتهامات التي يكيلها قياديو 8 و14 آذار في حق بعضهم بعضاً كافية لإشعار المواطن بأن شاحنات السلاح »تمر من تحته من دون أن يدري«. ويدب الرعب في عروق من ليس مسلحاً بعد.

تكثفت اتهامات التسلح خلال الأشهر الأخيرة على ألسنة كل الأطراف السياسيين. ولم تمر مرور الكرام على مسامع اللبنانيين. عامان من التوتر الأمني والتعبئة السياسية والتجييش ضد الأطراف الأخرى، كانا كفيلين بعودة ازدهار تجارة الأسلحة (الفردية) التي خمدت خلال الأعوام الـ15 الماضية.

موجة التسلح الفردي لا ينكرها أي من القائمين على الشأن السياسي في البلد. كما لا تخفي الأحزاب الفاعلة قيام مناصريها أو المنضوين تحت ألويتها بالتسلح »الفردي« خوفاً من هجمة الآخر في خطوة قد تكون الأولى في طريق اعتماد سياسة الأمن الذاتي.

حماية بيتي ومنطقتي!

قبل نحو عام ابتاعت انطوانيت مسدساً حربياً من تاجر أسلحة في البقاع. تقول انطوانيت إن المهمة كانت سهلة: »أخبرت صديقاً لي بأنني وزوجي خائفان بعد هجوم الإسلاميين على منطقتنا (الأشرفية) في 5 شباط (فبراير) من العام الماضي، وبأننا نفكر في شراء سلاح للدفاع عن بيتنا في حال وقوع سوء«. الصديق لم يكذب خبراً، كما تقول انطوانيت. رافقها إلى منزل صديقه الذي بدوره يتاجر بالسلاح سراً، واشترت المسدس بسعر معقول.

تسعى انطوانيت اليوم للحصول على »قطعة أخرى« لأختها التي تقيم في شارع بشارة الخوري. ولكنها تقول إن عليها الانتظار »لأن التاجر وعدنا بتأمين القطعة بعد أسبوع، إنما بسعر يبلغ ضعفي ثمن قطعتي«.

في مقابل أنطوانيت التي تنتمي إلى »التيار الوطني الحر« (من المعارضة اللبنانية)، تقطن في منطقة الطريق الجديدة عائلة من أربعة أولاد وأم وأب. العائلة تناصر »تيار المستقبل« بزعامة النائب سعد الحريري. وتقول الأم التي تعمل في مدرسة رسمية إن »دمنا فدا الشيخ سعد«. بعد أيام من حادثة الجامعة العربية في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي اشترى الابن الأكبر في العائلة (22 سنة) وعدد من رفاقه أسلحة فردية »لحماية المنطقة«.

الأم لا تخفي قلقها من الأمر، ولكنها تقول: »ثارت ثائرتي لأيام وصرت أخاف عليه كلما خرج من البيت، لكن ما الذي يمكن أن نقوله لشبان رأوا منطقتهم تستباح من آخرين؟«.

السلاح الفردي

يجمع ممثلو الأحزاب في فريقي السلطة والمعارضة على عدم وجود قرار مركزي من قياداتهم بتسليح مناصريها. ويدرج كل منهم حركة بيع السلاح التي يؤكدها التجار والمشترون على حد سواء، في خانة الخوف الفردي من الآخر. وقد يكون إدراج مصدر في »القوات اللبنانية« التجارة المتنامية في خانة »ميل اللبناني منذ القدم إلى اقتناء الأسلحة«، أكثر التحليلات وردية من بين كل ما سيسوقه ممثلو الأحزاب المتصارعة. ويضيف إلى نظريته دليلاً آخر: »الميليشيا لا تشتري من تاجر. وارتفاع أسعار الأسلحة في السوق دليل على عدم وجود قوى ممولة له«.

المسؤول الإعلامي في »حزب الله« حسين رحال يرى في التسلح الفردي تصرفاً منطقياً في بعض الحالات. »بعض الناس يريدون حماية أنفسهم«، مشيراً إلى ان »جهات (قوى 14 آذار) تمول الناس ليشتروا السلاح«.

منطقية التسلح الفردي يؤكده مفوض الإعلام في »الحزب التقدمي الاشتراكي« رامي الريس: »ليس هناك حركة تسلح منظمة للأفراد. ما يحصل حالياً هو جزء من نشاط فردي أسهم الخطاب السياسي المتوتر في تغذيته ولا يمكن أن ندرجه في سياق تسلح أحزاب 14 آذار«. ويرمي الكرة في ملعب »حزب الله« الذي »يعترف بامتلاكه السلاح ويفاخر بذلك«.

وسط زوبعة الاتهامات، يبدو »التيار الوطني الحر« حليف »حزب الله«، الفريق الأكثر بعداً من الشبهة بالتسلح. خصوم »التيار« يتهمون النائب ميشال عون بإعادة عسكريين سابقين إلى واجهة المسؤوليات التنظيمية من أجل مواجهة خصومه عندما تبرز الحاجة إلى السلاح. مسؤول لجنة الإعلام في »التيار« طوني نصرالله ينفي علمه بوجود حركة تسلح في صفوف مناصريه. ويقول إن »التيار لم يكن في يوم من الأيام ميليشيا عسكرية، والتسلح يتناقض مع إيمان التيار بالتغيير من خلال المجتمع المدني«.

حرب عون مع »القوات اللبنانية« خلال الحرب الأهلية يدرجها نصر الله في خانة »حرب الجيش اللبناني ضد اللاشرعية«. غير أن أي تسلح محتمل في الصف المسيحي يرده نصر الله إلى خطاب جعجع الذي أخاف المسيحيين من جرهم الى حرب.

الآخرون يتسلحون

»القوات اللبنانية« و »الحزب التقدمي الاشتراكي« حزبان رئيسيان لا تغفل قوى المعارضة مناسبة للحديث عن تسلحهما في شكل مكثف، كما تغمز إلى تسلح بقية قوى 14 آذار.

يؤكد رحال أن »حركة تسلح قوى الأكثرية، تغطيها الأجهزة الأمنية التي تعمل للدولة التي اعترف (وزير الداخلية بالوكالة سابقاً أحمد) فتفت انه تم تعيين 12 ألف عنصر جديد من الجماعة التابعة لهم في هذه الاجهزة«، كما يشير إلى معلومات عن »تنظيم أحزاب الموالاة دورات تدريبية عسكرية لعناصرها في الأردن ودول عربية أخرى«، معلناً انه استقى معلوماته »من أقارب الذين شاركوا في هذه الدورات«.

يشير رحال إلى وجود »مخازن سلاح يملكها الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لم يسلم سلاحه الثقيل بعد الحرب في الجبل«، ويقول إن »السلاح الموجود في أيادي مناصري قوى السلطة ليس فردياً. ويخص بذلك »القوات اللبنانية« التي »تسترجع سلاحها المهرب إلى الخارج«.

يخص رحال »تيار المستقبل«، آخر المستجدين على لائحة المتهمين بالتسلح: »يوظفون شباناً في شركات أمنية (وهمية)، ويقدمون إليهم السلاح والتدريب العسكري«. ويشير إلى »حادثة وقعت في 23 آذار (مارس) الماضي عندما احتجز عناصر من الأجهزة الأمنية في شتورا (البقاع الأوسط) مصوراً صحافياً يصور »بنك البحر المتوسط« (الذي يملكه آل الحريري) خلال توزيع جماعة المستقبل السلاح وضربوه وكسروا كاميراته«. ويضيف: »ترسانة الأجهزة الأمنية التابعة لتيار المستقبل حولت الدولة إلى ميليشيات«.

في صف المعارضة ينضوي أيضاً طوني نصر الله. ولا يبدو كلامه مختلفاً عن كلام رحال. إذ وجود »معلومات من مصادر إعلامية وأمنية ومشاهدات تشير إلى تسلح قوى السلطة«، مبرراً عدم الكشف عن مكان وجود الأسلحة بـ »سهولة نقلها من مكان إلى آخر بتغطية من الأجهزة الأمنية الموالية للسلطة«.

ادعاءات مضادة

اتهامات المعارضة الأخيرة ينفيها المصدر في »القوات اللبنانية«. ويقول إن »قوى 8 آذار ترمي الاتهامات من دون أن يكون عندها دلائل. أين يمكننا أن نخبئ المدافع والدبابات والصواريخ من دون أن يراها أحد. كما أن الأسلحة الثقيلة في حاجة إلى ظروف تخزين لا نمتلكها و »حزب الله« يعرف ذلك جيداً«، غامزا من قناة »مربعات أمنية (تابعة لحزب الله) في الجنوب والبقاع والضاحية لا يسمح بالدخول إليها«.

إيمان المسيحيين بالدولة وتمسكهم باتفاق الطائف، سبب آخر يسوقه المصدر ضد الاتهامات. ويقلل من شأن السلاح الفردي لمناصري قوى 14 آذار »إذا ما قورن باعتراف حزب الله بأنه استعاد ترسانته الصاروخية التي دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة«.

الريس بدوره ينفي الاتهامات، ويقول إن »اتهام حزب الله لقوى الأكثرية بالتسلح ينبع من عدم قدرته على إيفاء الالتزامات التي تعهد بها لجمهوره«، مشيراً إلى أن »التهديد بوثائق خفية لا يظهر لها اثر هو دليل على عدم وجودها«. ويضيف: »آخر من يحق له الحديث عن التسلح هو من يملك ترسانة لا ندري ما جدواها بعد القرار 1701 وانتشار الجيش في الجنوب«.

»حزب الله» والداخل

لا يبدو أطراف الأكثرية مقتنعين بمقولة إن سلاح »حزب الله« موجه فقط ضد إسرائيل. ولا يلقى تأكيد طوني نصر الله حصول »التيار« على تعهد من »حزب الله« بعدم استخدام سلاحه في الداخل أي صدى يذكر.

المصدر في »القوات اللبنانية« يسجل موقفاً متقدماً على تعهدات نصر الله وتأكيد رحال، ويشير إلى أن »حزب الله« يستخدم سلاحه فعلياً في الداخل منذ وقت: »السلاح يمكن أن يستخدم في المعارك المباشرة أو كوسيلة للضغط السياسي، و »حزب الله« يستخدم سلاحه بالطريقة الثانية يومياً. عندما يقول أمينه العام إنه لن يسلم سلاحه إلا وفق شروط سياسية معينة يكون يستخدم سلاحه للضغط«. الريس بدوره يؤكد أن »حزب الله استعمل سلاحه داخلياً في غزوات 23 و25 كانون الثاني الماضي«، مشيراً إلى »شاحنات أسلحة ضبطت وفيها أسلحة لا تنفع في مقاومة إسرائيل، إضافة إلى ضبط مخازن أسلحة في الكورة لحلفاء »حزب الله«. ويحسم بأن مسألة »تسلح قوى 8 آذار واضحة«.

الاتهامان الأخيران يرد عليهما رحال بأنهما »مناورة من جانب فريق السلطة«، مشيراً إلى أن أسلحة »الحزب السوري القومي الاجتماعي التي ضبطت في الكورة كانت موجودة في المخازن منذ زمن الحرب الأهلية والتحقيقات أثبتت عدم صلاحيتها للاستخدام مجدداً«. كما أن »شاحنة السلاح المضبوطة كانت تحوي صواريخ غراد وهاون كالتي استخدمها »حزب الله« في معارك مارون الراس وبنت جبيل، وهي بذلك جزء من سلاح المقاومة الموجه ضد إسرائيل«.

التسلح الفردي والحرب الأهلية

»الأسلحة الفردية لا تؤدي إلى الحرب الأهلية من دون قرار سياسي«، الاستنتاج الأخير يسوقه كل من مصدر »القوات« والريس. ولا ينفيان تسلح أفراد من حزبيهما في شكل فردي.

ويفسر مصدر القوات بأن »سلاح الحرب الأهلية هو العبوات التي يملكها ويستخدمها الفلسطينيون و »حزب الله« ضد إسرائيل. هذه العبوات استخدمت ضد فريق 14 آذار الذي بالتالي لا يملكها«. في حين يؤكد الريس أن »ليس عندنا توازن عسكري (في الاسلحة) مع »حزب الله« لنبدأ الحرب«.

رحال لا يبدو مقتنعاً بمقولة توازن الأسلحة. ويشير إلى أن »السلاح الذي يأتون به (14 آذار) له دور في افتعال نوع من الحرب الأهلية تؤدي إلى تقسيم لبنان«.

ووسط اتهامات الفرقاء الاستباقية لبعضها بعضاً بالتحضير لحرب أهلية قد تكون مقبلة، يؤكد نصر الله أنه »في حال وقعت الحرب يكون انتهاء لصيغة لبنان«.