مئة يوم على الاعتصام في قلب بيروت : ضجيج ورواد أقل ... بلا جمهور
منال أبو عبس
Al-Hayat (795 كلمة)
تاريخ النشر 10 مارس 2007
قبل مئة يوم بالتحديد دق إسفين الخيمة الأولى في وسط بيروت. في الأول من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلنت المعارضة اللبنانية أن أهدافها إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. حشدت ما اعتبرته محطاتها التلفزيونية « أكبر حشد » في تاريخ لبنان. ودعت مناصريها إلى الاعتصام والمبيت في ساحات الوسط التجاري حتى تحقيق غايات قيل إنها « ستستغرق أياما ».
لم يتحقق هدف المعارضة حتى الآن، ولم يصدر بالتالي أمر إخلاء الساحات. الخيم التي ضجت بالرواد في بداية التحرك، ما زالت تغطي الساحات، وإن خلت من روادها. وتركت الساحة بعد مئة يوم الى عناصر انضباط »حزب الله« المنظمين، وزادت إلى رتابة الصورة، سمات الملل التي تغطي وجوه من بقوا فيها.
من جسر فؤاد شهاب يبدو المخيم شبه مقفر. تنتصب الحبال التي ترفع أغطية منشورة في الشمس بين الخيم. ووسط الطرق رفعت شوادر يجلس تحتها عدد من مدخني النارجيلة.
في موقف رياض الصلح تظهر الخيمة الكبيرة التي تتسع لـ500 معتصم، وفي داخلها يلعب أحمد مع أربعة شبان آخرين كرة القدم، من دون جمهور.
أحمد لا يتفق مع القائلين إن التحرك لم يحقق أهدافه. ويشرح ابن العشرين عاما، أن »نحن لم نسقط الحكومة، لكننا نمنع تحويل لبنان إلى جسر للمشروع الأميركي«. ويضيف أنه باق »ما دام (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله لم يأمرنا بمغادرة الساحة«.
في محيط الخيمة الكبيرة، يجلس رجل تحت الشادر وحيدا. يعرف الرجل أن المخيم فارغ، وينطلق في تحليل ذلك بالقول إن »حزب الله« يفسح المجال أمام مناصريه لممارسة أعمالهم، ويبدو مقتنعا بان »حزب الله« (قوى المعارضة) لن تتوانى عن ملئه حين الحاجة إلى ورقة اكثر ضغطا.
في مقابل الرجل، تنتصب لوحات خشب تحمل اسم مشروع »لاندمارك« السياحي الذي توقف العمل به مع بدء الاعتصام. إلى جانب اللوحات، غيّر المنظمون ديكورات المسرح المخصص للمهرجانات الخطابية. زيّنوه بلوحات ملونة تكتب مجتمعة عبارة: »المعارضة الوطنية اللبنانية«. وتحيط بها صور »شهداء المعارضة اللبنانية«، ومن بينها الطالب الشاب محمد غازي الذي سقط في أحداث الجامعة العربية ورفعت في تشييعه صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعلت خطابات حملت قادة المعارضة مسؤولية مقتله.
تقتصر الحركة هنا على عناصر الانضباط المزودين بأجهزة لاسلكية في غياب عناصر قوى الأمن الداخلي أو الجيش اللبناني. يتمركز العناصر على المداخل المؤدية إلى الوسط خلف دعائم إسمنت وشرائط نايلون صفر عليها عبارة: »يمنع التجاوز«، وتوقيع: »نصر من الله«. وستقتصر مهمتهم، إلى أن »يأتي أمر المغادرة من قادة المعارضة«، كما يقول أحدهم، على التدقيق بهويات السيارات المسموح بمرورها وهويات بعض المارة.
داخل المخيم، الصورة على حالها، وان زاد غياب المشاة إليها رتابة ووحشة. يغسل صاحب عربة لبيع المشروبات الساخنة الأكواب من خزان مثبت على الرصيف، ويقول إن »الحركة لم تعد كما السابق. يمكن أن يمضي النهار من دون أن نبيع إلا ثلاثة أو أربعة أكواب شاي إلى شباب الأمن«. يرى أن بيع النارجيلة بات مهنة اكثر ربحا، لكنه يؤكد أن »عدد الشبان الذين يمضون نهارهم في الساحة محدود، ومعظمهم يدخن النارجيلة لتقطيع الوقت، بانتظار المساء«.
خلال ساعات الظهر، تتوقف معظم الأكشاك عن البيع. حتى الكشك المخصص لبيع اسطوانات »مهرجانات النصر الإلهي« يسدل ستاره النايلون، بانتظار حلول الخامسة عصرا: موعد بث أغاني المعارضة مترافقة مع خطابات لشخصيات غير معروفة تعتلي المسرح في موقف رياض الصلح.
المهرجانات ذاتها، تتولى المحطات الموالية للمعارضة بثها خلال المساء. يسأل المراسلون المشاركين عن رأيهم في الاعتصام، فيظهر هؤلاء شراسة في الدفاع عن حقوق المعارضة. لا تتطرق المحطات إلى الحديث عن انخفاض نسبة المشاركين في شكل كبير يوما بعد يوم، ولا إلى سبب اختيار خطباء من الصفوف الخلفية لتجييش الجماهير.
لم يحمل اليوم المئة أي مفاجأة إلى المعتصمين في وسط بيروت. فالاتصالات ما زالت في لبنان ودول أخرى بعيدا من عيونهم. لكن الخبر الأهم يبقى أن المعارضة تواصل اعتصامها بنجاح لا تراه إلا المحطات الموالية لها.
منال أبو عبس
Al-Hayat (795 كلمة)
تاريخ النشر 10 مارس 2007
قبل مئة يوم بالتحديد دق إسفين الخيمة الأولى في وسط بيروت. في الأول من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلنت المعارضة اللبنانية أن أهدافها إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. حشدت ما اعتبرته محطاتها التلفزيونية « أكبر حشد » في تاريخ لبنان. ودعت مناصريها إلى الاعتصام والمبيت في ساحات الوسط التجاري حتى تحقيق غايات قيل إنها « ستستغرق أياما ».
لم يتحقق هدف المعارضة حتى الآن، ولم يصدر بالتالي أمر إخلاء الساحات. الخيم التي ضجت بالرواد في بداية التحرك، ما زالت تغطي الساحات، وإن خلت من روادها. وتركت الساحة بعد مئة يوم الى عناصر انضباط »حزب الله« المنظمين، وزادت إلى رتابة الصورة، سمات الملل التي تغطي وجوه من بقوا فيها.
من جسر فؤاد شهاب يبدو المخيم شبه مقفر. تنتصب الحبال التي ترفع أغطية منشورة في الشمس بين الخيم. ووسط الطرق رفعت شوادر يجلس تحتها عدد من مدخني النارجيلة.
في موقف رياض الصلح تظهر الخيمة الكبيرة التي تتسع لـ500 معتصم، وفي داخلها يلعب أحمد مع أربعة شبان آخرين كرة القدم، من دون جمهور.
أحمد لا يتفق مع القائلين إن التحرك لم يحقق أهدافه. ويشرح ابن العشرين عاما، أن »نحن لم نسقط الحكومة، لكننا نمنع تحويل لبنان إلى جسر للمشروع الأميركي«. ويضيف أنه باق »ما دام (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله لم يأمرنا بمغادرة الساحة«.
في محيط الخيمة الكبيرة، يجلس رجل تحت الشادر وحيدا. يعرف الرجل أن المخيم فارغ، وينطلق في تحليل ذلك بالقول إن »حزب الله« يفسح المجال أمام مناصريه لممارسة أعمالهم، ويبدو مقتنعا بان »حزب الله« (قوى المعارضة) لن تتوانى عن ملئه حين الحاجة إلى ورقة اكثر ضغطا.
في مقابل الرجل، تنتصب لوحات خشب تحمل اسم مشروع »لاندمارك« السياحي الذي توقف العمل به مع بدء الاعتصام. إلى جانب اللوحات، غيّر المنظمون ديكورات المسرح المخصص للمهرجانات الخطابية. زيّنوه بلوحات ملونة تكتب مجتمعة عبارة: »المعارضة الوطنية اللبنانية«. وتحيط بها صور »شهداء المعارضة اللبنانية«، ومن بينها الطالب الشاب محمد غازي الذي سقط في أحداث الجامعة العربية ورفعت في تشييعه صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعلت خطابات حملت قادة المعارضة مسؤولية مقتله.
تقتصر الحركة هنا على عناصر الانضباط المزودين بأجهزة لاسلكية في غياب عناصر قوى الأمن الداخلي أو الجيش اللبناني. يتمركز العناصر على المداخل المؤدية إلى الوسط خلف دعائم إسمنت وشرائط نايلون صفر عليها عبارة: »يمنع التجاوز«، وتوقيع: »نصر من الله«. وستقتصر مهمتهم، إلى أن »يأتي أمر المغادرة من قادة المعارضة«، كما يقول أحدهم، على التدقيق بهويات السيارات المسموح بمرورها وهويات بعض المارة.
داخل المخيم، الصورة على حالها، وان زاد غياب المشاة إليها رتابة ووحشة. يغسل صاحب عربة لبيع المشروبات الساخنة الأكواب من خزان مثبت على الرصيف، ويقول إن »الحركة لم تعد كما السابق. يمكن أن يمضي النهار من دون أن نبيع إلا ثلاثة أو أربعة أكواب شاي إلى شباب الأمن«. يرى أن بيع النارجيلة بات مهنة اكثر ربحا، لكنه يؤكد أن »عدد الشبان الذين يمضون نهارهم في الساحة محدود، ومعظمهم يدخن النارجيلة لتقطيع الوقت، بانتظار المساء«.
خلال ساعات الظهر، تتوقف معظم الأكشاك عن البيع. حتى الكشك المخصص لبيع اسطوانات »مهرجانات النصر الإلهي« يسدل ستاره النايلون، بانتظار حلول الخامسة عصرا: موعد بث أغاني المعارضة مترافقة مع خطابات لشخصيات غير معروفة تعتلي المسرح في موقف رياض الصلح.
المهرجانات ذاتها، تتولى المحطات الموالية للمعارضة بثها خلال المساء. يسأل المراسلون المشاركين عن رأيهم في الاعتصام، فيظهر هؤلاء شراسة في الدفاع عن حقوق المعارضة. لا تتطرق المحطات إلى الحديث عن انخفاض نسبة المشاركين في شكل كبير يوما بعد يوم، ولا إلى سبب اختيار خطباء من الصفوف الخلفية لتجييش الجماهير.
لم يحمل اليوم المئة أي مفاجأة إلى المعتصمين في وسط بيروت. فالاتصالات ما زالت في لبنان ودول أخرى بعيدا من عيونهم. لكن الخبر الأهم يبقى أن المعارضة تواصل اعتصامها بنجاح لا تراه إلا المحطات الموالية لها.
No comments:
Post a Comment