« فهود ط. ج » انتشروا بكثافة ... وفاء للشهيد
منال أبو عبس
Al-Hayat (941 كلمة)
تاريخ النشر 15 فبراير 2007
يسير الشبان تحت راية بيضاء مكتوب عليها حرفا: ط. ج. TJ بالإنكليزية. يتصل الحرفان بصورة فهد اسود في وضعية قتالية كأنه يخوض معركة شرسة، وفوق صورته كتب: فهود.
لقب »فهود ط.ج«. الذي اتخذه شبان الطريق الجديدة لأنفسهم، ليس قديما. ظهر مباشرة بعد حادثة الجامعة العربية على شاشات الهواتف النقالة لأبناء المنطقة وعلى الكنزات البيض كجزء من حال الاصطفاف الحزبي الشديد في البلد. وأمس، انتشر بكثرة خلال تظاهرة الوفاء للرئيس رفيق الحريري في ذكرى استشهاده.
يحيط بالشبان القادمين من منطقــة الطريق الجديدة، نسوة معــظـــمهن محجبـــات وعدد كبيــر مــن الأطفـــال والأولاد. هنـا يغلب اللون الأزرق وشــارات »تيـار المستقبل«، ولا تظهر وسط الحشد الا صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله سعد... ولاحقاً تنضم اليها صور رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
أهالي الطريق الجديدة، كما قصقص والمصيطبة وعين المريسة ومارالياس، والوافدون إليها من المناطق اللبنانية الأخرى، سلكوا ما بقي متوافراً من الطرق الداخلية للمدينة سيراً على الأقدام للانضمام إلى تظاهرة وسط بيروت. في شارع »ستاركو« نزولاً نحو جريدة »النهار« تتلاصق الأجساد منذ التاسعة صباحاً، وتضيق الشوارع بالأهالي الذين سيستمرون بالتوافد حتى انتهاء الاعتصام. يجهد عناصر الجيش المنتشرون بكثافة في المكان لإبقاء المتظاهرين بعيداً من فتحة الحاجز المخصصة لعبور السياسيين نحو المنصة، وخلفهم ثبتت لافتات عملاقة تحمل صور الرئيس الشهيد على خلفية ملونة بألوان علم لبنان وأقوال من خطابات الحريري.
في الطريق المؤدية إلى الساحة، يصير الحاجز اثنين. الأول يشكل ممراً للسياسيين بحماية عناصر الجيش اللبناني ومكافحة الشغب، والآخر على تماس مع المتظاهرين ويحميه عناصر »انضباط« تابعين لقوى 14 آذار. يتسلح الانضباطيون بعصي خشبية، ويقول حكيم، الموالي لـ »الحزب التقدمي الاشتراكي«، انهم »أمن للعسكر« ومدنيون.
ولا يخفي حكيم العصا التي يحملها في يده، فـ »على القليلة ما معنا سلاح مثل غيرنا«، والحجة: »إذا هجموا علينا كما فعلوا في الطريق الجديدة، ماذا سنفعل؟«. يرتدي العناصر سترات نايلون رمادية ويعتمرن قبعات حمراً، عليها: »والله اشتقنالك«.
أعلام »المرابطون« تظهر بكثـــرة في الساحة كمــــا فــي شــوارع كثيــرة مـــن بيروت، ومعهــا صور قائد »جيش لبنان العربي« أحمد الخطيب. إلى جانبها يرفرف علم عملاق لـ »التقدمي«.
في قلب الساحة على مقـــــربة من الضريح والتمثــال، تضج العــروق بدماء الشباب الغاضب. وينال زعماء المعارضة نصيبهم من الشتائم، قبل أن يتدخل »المصلحون« لتهدئة الشباب، فتعود الأجساد إلى القفز على صرخات: »سعد سعد« و»الله وحريــري وطريـق الجديدة« و»يا سعد (يا سنيورة) لا تعبس بدك عسكر رح نلبس« ويحرصون على تكرار: »لا خيبر ولا رعد. نحنا رجالك يا شيخ سعد«، وتليها: »يا سعد يا عينينا، سلحنا والباقي علينا«. وترتفع هتافات النسوة إلى الزعماء وهم يعبرون الممر خلف الحاجز، وصرخات: »الله يحميكم«.
يوم أمس الدافئ، كان نقطة لمصلحة النسوة اللواتي اصطحبن أطفالهن إلى التظاهرة. تقرص الأم فخذ صغيرها الجالس على أحد أرصفة الساحة ما أن يهم بـ »الحكي بالسياسة«. وتقول إنها جاءت مع أقاربها من إقليم الخروب وأصدقاء لها من كسروان »لأننا نريد أن نعيش ببلدنا بسلام، ونطالب بالمحكمة الدولية لمعرفة من اغتال الوطن قبل سنتين«.
غير بعيد من وفد الإقليم، يوجه رجل من دوحة عرمون نداء إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري »بأن يفتح دورة استثنائية للمجلس ليصادق على المحكمة من اجل روح الرئيس الشهيد«، ويقول إن المصادقة هي »أولاً لمصلحته ومصلحة الأمين العام لـ »حزب الله) (السيد حسن نصر الله)، في حال تعرضهما لأي حادث مستقبلاً، فهم أصلاً رجالات لبنان«.
كلمــا اقتربنــا من السياج المكهرب الذي رفعه الأمنيون للفصل بين اعتصام 14 آذار ومخيم المعارضة، تختلط الوفود. تتنوع لهجات المشاركين من جبل لبنان والبقاع والشمال. وتكثر عبارات مثل: »الله يرحم رفيق الحريري«، و»جئنا لنقرأ الفاتحة عن روح الرئيس الشهيد«، وتدمع عينا شابة تنتمي إلى »تيار المستقبل«، بينما تقول: »قدمنا لهم الكثير في حرب تموز، لكنهم لم يتركوا لنا فرصة إحياء ذكرى رئيسنا كما نشاء. لم يحترموا أي شي«.
على مقربة من تمثال الشهداء الذي اعتلاه شبان يرفعون أعلام قوى 14 آذار، يقف شاب فرنسي اسمه اوليفيه المقيم في فندق فينيسيا. يعمل مراسلاً حراً في لبنان منذ أيام عدة، ويستعين بحركات يديه ووجهه محاولاً إيصال أفكاره باللغة الإنكليزية.
يدق اوليفيه بيده على صدره، ويقول إن قلبه »يخفق بقوة عندما يرى هذا المشهد«. يبتسم بينما يروي كم كان فرحاً عندما »شاهد انتفاضة 14 آذار على التلفزيون«، ويحكي أنه »سعيد اليوم لأن شباب لبنان لم ينسوا رفيق الحريري«، وان لا شيء أحلى من »رؤية أعلام لبنان ترفرف فوق رؤوس شبابه«.
ويتأثر الفرنسي الأشقر كثيراً بالصورة الماثلة أمامه. ينظر إلى السياج المنتصب على بعد خطوات منه، ويهز رأسه بحسرة: »ماذا لو سقط جدار الفصل بين الأخوة الأعداء؟«.
منال أبو عبس
Al-Hayat (941 كلمة)
تاريخ النشر 15 فبراير 2007
يسير الشبان تحت راية بيضاء مكتوب عليها حرفا: ط. ج. TJ بالإنكليزية. يتصل الحرفان بصورة فهد اسود في وضعية قتالية كأنه يخوض معركة شرسة، وفوق صورته كتب: فهود.
لقب »فهود ط.ج«. الذي اتخذه شبان الطريق الجديدة لأنفسهم، ليس قديما. ظهر مباشرة بعد حادثة الجامعة العربية على شاشات الهواتف النقالة لأبناء المنطقة وعلى الكنزات البيض كجزء من حال الاصطفاف الحزبي الشديد في البلد. وأمس، انتشر بكثرة خلال تظاهرة الوفاء للرئيس رفيق الحريري في ذكرى استشهاده.
يحيط بالشبان القادمين من منطقــة الطريق الجديدة، نسوة معــظـــمهن محجبـــات وعدد كبيــر مــن الأطفـــال والأولاد. هنـا يغلب اللون الأزرق وشــارات »تيـار المستقبل«، ولا تظهر وسط الحشد الا صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله سعد... ولاحقاً تنضم اليها صور رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
أهالي الطريق الجديدة، كما قصقص والمصيطبة وعين المريسة ومارالياس، والوافدون إليها من المناطق اللبنانية الأخرى، سلكوا ما بقي متوافراً من الطرق الداخلية للمدينة سيراً على الأقدام للانضمام إلى تظاهرة وسط بيروت. في شارع »ستاركو« نزولاً نحو جريدة »النهار« تتلاصق الأجساد منذ التاسعة صباحاً، وتضيق الشوارع بالأهالي الذين سيستمرون بالتوافد حتى انتهاء الاعتصام. يجهد عناصر الجيش المنتشرون بكثافة في المكان لإبقاء المتظاهرين بعيداً من فتحة الحاجز المخصصة لعبور السياسيين نحو المنصة، وخلفهم ثبتت لافتات عملاقة تحمل صور الرئيس الشهيد على خلفية ملونة بألوان علم لبنان وأقوال من خطابات الحريري.
في الطريق المؤدية إلى الساحة، يصير الحاجز اثنين. الأول يشكل ممراً للسياسيين بحماية عناصر الجيش اللبناني ومكافحة الشغب، والآخر على تماس مع المتظاهرين ويحميه عناصر »انضباط« تابعين لقوى 14 آذار. يتسلح الانضباطيون بعصي خشبية، ويقول حكيم، الموالي لـ »الحزب التقدمي الاشتراكي«، انهم »أمن للعسكر« ومدنيون.
ولا يخفي حكيم العصا التي يحملها في يده، فـ »على القليلة ما معنا سلاح مثل غيرنا«، والحجة: »إذا هجموا علينا كما فعلوا في الطريق الجديدة، ماذا سنفعل؟«. يرتدي العناصر سترات نايلون رمادية ويعتمرن قبعات حمراً، عليها: »والله اشتقنالك«.
أعلام »المرابطون« تظهر بكثـــرة في الساحة كمــــا فــي شــوارع كثيــرة مـــن بيروت، ومعهــا صور قائد »جيش لبنان العربي« أحمد الخطيب. إلى جانبها يرفرف علم عملاق لـ »التقدمي«.
في قلب الساحة على مقـــــربة من الضريح والتمثــال، تضج العــروق بدماء الشباب الغاضب. وينال زعماء المعارضة نصيبهم من الشتائم، قبل أن يتدخل »المصلحون« لتهدئة الشباب، فتعود الأجساد إلى القفز على صرخات: »سعد سعد« و»الله وحريــري وطريـق الجديدة« و»يا سعد (يا سنيورة) لا تعبس بدك عسكر رح نلبس« ويحرصون على تكرار: »لا خيبر ولا رعد. نحنا رجالك يا شيخ سعد«، وتليها: »يا سعد يا عينينا، سلحنا والباقي علينا«. وترتفع هتافات النسوة إلى الزعماء وهم يعبرون الممر خلف الحاجز، وصرخات: »الله يحميكم«.
يوم أمس الدافئ، كان نقطة لمصلحة النسوة اللواتي اصطحبن أطفالهن إلى التظاهرة. تقرص الأم فخذ صغيرها الجالس على أحد أرصفة الساحة ما أن يهم بـ »الحكي بالسياسة«. وتقول إنها جاءت مع أقاربها من إقليم الخروب وأصدقاء لها من كسروان »لأننا نريد أن نعيش ببلدنا بسلام، ونطالب بالمحكمة الدولية لمعرفة من اغتال الوطن قبل سنتين«.
غير بعيد من وفد الإقليم، يوجه رجل من دوحة عرمون نداء إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري »بأن يفتح دورة استثنائية للمجلس ليصادق على المحكمة من اجل روح الرئيس الشهيد«، ويقول إن المصادقة هي »أولاً لمصلحته ومصلحة الأمين العام لـ »حزب الله) (السيد حسن نصر الله)، في حال تعرضهما لأي حادث مستقبلاً، فهم أصلاً رجالات لبنان«.
كلمــا اقتربنــا من السياج المكهرب الذي رفعه الأمنيون للفصل بين اعتصام 14 آذار ومخيم المعارضة، تختلط الوفود. تتنوع لهجات المشاركين من جبل لبنان والبقاع والشمال. وتكثر عبارات مثل: »الله يرحم رفيق الحريري«، و»جئنا لنقرأ الفاتحة عن روح الرئيس الشهيد«، وتدمع عينا شابة تنتمي إلى »تيار المستقبل«، بينما تقول: »قدمنا لهم الكثير في حرب تموز، لكنهم لم يتركوا لنا فرصة إحياء ذكرى رئيسنا كما نشاء. لم يحترموا أي شي«.
على مقربة من تمثال الشهداء الذي اعتلاه شبان يرفعون أعلام قوى 14 آذار، يقف شاب فرنسي اسمه اوليفيه المقيم في فندق فينيسيا. يعمل مراسلاً حراً في لبنان منذ أيام عدة، ويستعين بحركات يديه ووجهه محاولاً إيصال أفكاره باللغة الإنكليزية.
يدق اوليفيه بيده على صدره، ويقول إن قلبه »يخفق بقوة عندما يرى هذا المشهد«. يبتسم بينما يروي كم كان فرحاً عندما »شاهد انتفاضة 14 آذار على التلفزيون«، ويحكي أنه »سعيد اليوم لأن شباب لبنان لم ينسوا رفيق الحريري«، وان لا شيء أحلى من »رؤية أعلام لبنان ترفرف فوق رؤوس شبابه«.
ويتأثر الفرنسي الأشقر كثيراً بالصورة الماثلة أمامه. ينظر إلى السياج المنتصب على بعد خطوات منه، ويهز رأسه بحسرة: »ماذا لو سقط جدار الفصل بين الأخوة الأعداء؟«.
No comments:
Post a Comment