Thursday, January 25, 2007

أهالي بيروت ينفضون الغبار عن مدينتهم

أهالي بيروت ينفضون الغبار الثقيل عن مدينتهم

منال أبو عبس
Al-Hayat (780 كلمة)
تاريخ النشر 25 يناير 2007



يجلس أبو أحمد أمام محله القريب من مسجد عبدالناصر في منطقة كورنيش المزرعة. إلى جانبه يجلس رجل آخر، في يده سبّحة، مردداً عبارات دينية. من الرصيف حيث يجلس الرجلان، يمكن مشاهدة بقايا الأضرار التي خلفها الاحتكاك بين أنصار المعارضة خلال إضرابهم أول من أمس، وبين شبان المنطقة.

على بعد خطوات من الرجلين تبدو الحياة شبه عادية. ينظم شرطي المرور السير على جانبي الطريق. وترتفع على الشارات الضوئية أعلام »تيار المستقبل«، وفي الساحة القريبة صور للراحلين الرئيس جمال عبدالناصر والمفتي حسن خالد.

النقطة حيث يقف شرطي السير بالضبط، شكلت أول من أمس، »خط تماس« بين الطريق الجديدة ذات الخصوصية السنية وشارع بربور المختلط طائفياً، مع وجود ملحوظ لأبناء الطائفة الشيعية.

يرفض أبو احمد الخوض في تفاصيل ما حدث قبل يوم، ويروي ما شاهده بأم العين، خلال وقوفه بجانب إشارة المرور.

يقول بلهجة بيروتية وبطريقة تشبه أسلوب الفنان الراحل شوشو بالكلام، تاركاً للمستمع أن يسمي الأشياء بأسمائها: »المنطقة تنتمي إلى طائفة معينة. استفاق أهلها على إحراق الدواليب، ووجدوا أبناء طائفة ثانية (من بربور) يقطعون الطرق المؤدية إلى منطقتهم. لم يتحمل شبان المنطقة من أبناء الطائفة الأولى الاستفزاز، فنزلوا إلى الشارع ليدافعوا عن منطقتهم. أزاحوا الإطارات المشتعلة، وعندها أطلق شبان الطائفة الثانية شتائم بحق الطائفة الأولى، فرد شبان الطائفة الأولى بالمثل«. ويلمح إلى أن »عناصر الجيش وقفوا يتفرجون على الشبان في البداية، إلى أن كبر المشكل وبدأ التراشق بالحجارة«. في تلك اللحظة يقول أبو أحمد انه غادر إلى منزله، وشاهد عن الشرفة »سيارات على جانبي الطريق تتحطم، جرحى واعتقالات من الفريقين، وتدخل الجيش في مرات كثيرة، لكن تواصلت الاشتباكات وظلت تتجدد حتى الليل«.

تقود تفرعات الكورنيش إلى الطريق الجديدة، حيث الحياة أمس، كانت تشبهها في أي يوم عادي. فتحت المحال والمدارس والجامعات أبوابها، وإن بدت حركة السير خفيفة إذا ما قورنت بأيام أخرى. ترتفع صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله النائب سعد الحريري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وتكثر لافتات وعبارات مثل: »سيبقى فؤاد السنيورة نجمة في سماء لبنان«. من الشرفات أيضاً، تتدلى أعلام لبنان، ويتوسط الطريق إطاران مثبتان على الأرض، وعلم »تيار المستقبل«.

على مداخل الطريق الجديدة وبربور في المقلب الآخر، حيث الحياة أيضاً عادية وصور زعماء من المعارضة والموالاة، يتكثف وجود عناصر الجيش اللبناني والآليات العسكرية تحسباً لاشتباكات محتملة.

يقع فندق »الديبلومات« في أحد تفرعات منطقة الروشة حيث وقع أحد اعنف الاشتباكات وسقط جرحى بإطلاق نار متبادل، على مقربة من تلفزيون »المستقبل«. يقول أحد الموظفين إن الفندق لم يقفل خلال الإضراب، لكنهم اضطروا إلى إسدال الستائر، ومراقبة »شبان من المنطقة يتصدون لشبان كانوا يقطعون الطريق«، من دون أن يعرف من الذي بدأ المشكل. لا يبدو الموظف معنياً بسرد تفاصيل كثيرة. ويقول إن »في الفندق غرفتين محجوزتين فقط«. آثار الإطارات المحترقة على الأرض، تقود إلى المبنى المدمر مقابل مطعم أميركي للوجبات السريعة، حيث كانت اشتباكات متنقلة. على ركام المبنى رميت سيارة أحرقت خلال الاحتجاجات أول من أمس.

من الروشة إلى وسط البلد، ما زالت آثار الدخان الأسود ورائحة الحريق تعبق في الأجواء. وكلما اقتربنا من الوسط ازداد لون الدخان العالق على الجدران والأرض اسوداداً وكثافة. وبقيت نوافذ منازل كثيرة مقفلة أمس.

في بشارة الخوري كما في البسطة والطيونة، الحياة شبه عادية. على جوانب الطرق ترتفع تلال من الردم والبقايا المحروقة كانت أزيلت عن وسط الطريق تمهيداً لرفعها إلى مكان آخر. على الجوانب أيضاً مستوعبات »سوكلين« المحروقة، وعمال الشركة بلباسهم الأخضر يكنسون الطرق.

في شوارع كثيرة من بيروت لم يترك الأهالي عبء التنظيف على عمال سوكلين وحدهم. مدوا خراطيم المياه من المنازل وغسلوا الطرق والحيطان.

أمس، غطى السائل الأسود شوارع العاصمة، وقال شاب يرش الماء أمام محله في الضناوي إن »يوماً واحد لن يكفي لنزيل دخان الأمس«.

Wednesday, January 24, 2007

اشتباكات متنقلة وأوصال مقطعة

اشتباكات متنقلة وأوصال مقطعة

منال أبو عبس
Al-Hayat (837 كلمة)
تاريخ النشر 24 يناير 2007



يجر الفتى الملثم إطاراً مطاطياً إلى وسط الطريق. يضرم فيه النار، فيشتعل الإطار المطلي بالبنزين بسرعة فائقة. يتبع الفتى ملثمون آخرون، فتنقطع الطريق وتحجب غمامة سوداء كثيفة سماء المكان. يعلو تصفيق حاد مترافقاً مع صيحات التمجيد بـ »انتصار« تحقق للتو.

الساعة الآن تجاوزت السادسة صباحاً. تخترق عبارة: »يا أشرف الناس: انتم مدعوون للتجمع أمام محطة الضناوي وحي اللجا ومارالياس والروشة...« جدران المنزل الواقع بين شارع خندق الغميق ووزارة المالية في بشارة الخوري. ومع انتهاء الدعوة تكون غمامة سوداء كثيفة غطت المكان.

يربط شارع المالية والشارع المقابل له منطقة بشارة الخوري الممتدة من الضاحية الجنوبية، بوسط بيروت حيث اعتصام المعارضة المفتوح. تقطع الإطارات المشتعلة كل الطرق المؤدية إلى الوسط، على مرأى من عناصر الجيش اللبناني المتمركزين قرب دباباتهم. ومع حلول التاسعة يكون الشارع ساحة خالية لشبان انصرفوا إلى أسطح البنايات المجاورة، ليرموا ما عليها من حجارة إلى الشارع، ويضرموا النار في حدائق البنايات المهجورة، قبل أن يدب بينهم الخلاف حول ما إذا سيضرموا النار في وزارة المالية أم يكتفوا بإشعال الإطارات أمامها.

يقود شارع المالية إلى تقاطع بشارة الخوري الذي صار يشبه تقاطع مار مخايل خلال حرب تموز. تشكل شحنات الردم المنقول من الضاحية سواتر ركامية خلف الإطارات المشتعلة، فتسد كل منافذ بشارة الخوري، كما ستسد الكثير من شوارع بيروت. على جوانب الطرق المتصلة في التقاطع، يتبادل شبان المعارضة الأحاديث عن قدرة الحكومة على الاحتمال. ويعصر أحدهم هاتفه النقال، بينما يحاول إقناع المتصل بضرورة إحضار المزيد من الإطارات لأن الذخيرة شارفت على النفاذ.

مناطق البسطة التحتا والفوقا والجسر الرابط بينهما، وصولاً إلى الضناوي وكركول الدروز ومارالياس تعيش حظر تجول مدني. لا اثر فيها إلا لعسكريين يراقبون ملثمين ومراهقين يسكبون البنزين على الإطارات قبل إحراقها. في المناطق المذكورة، كما في حي اللجا لا يمكن الفرار من شبان اغتنموا خلو الساحة، فنصبوا أنفسهم على حواجز سائلين عن هوية المتجول إذا كان من غير مضرمي النيران وحاملي العصي والجنازير، ويرفضون التعريف عن هويتهم »لأسباب أمنية«. في تلك المناطق تعلو وتيرة الأحاديث عن مشكلات »يفتعلها أنصار »المستقبل« و »الحزب التقدمي الاشتراكي«، وتقابل بمسيرات ينطلق بها حاملو العصي على الدراجات النارية إلى المناطق المذكورة.

تغيب في هذا الشارع شحنات الردم، وتحل محلها الحجارة الملونة والمقتلعة من الرصيف، والى جانبها، لافتة: »الطريق مقطوعة، للمراجعة: السلطة المستأثرة« وشبان يشربون النارجيلة. وهنا ايضا ترتفع هتافات: »بري. نجادي. بشار. وأبو هادي« و »يا الله ويا جبار، احمي لنا الدكتور بشار«.

شارع مار الياس الرئيسي يشكل مصباً لأحياء فرعية كثيرة، سدت منافذها بإطارات تولى الملثمون تبديلها مرة كل ساعتين، حتى ولو قام الأمنيون بإزالتها. في نهاية الشارع تقع ثكنة الحلو لقوى الأمن الداخلي، وأمامها الحاجز المشتعل الأول. قريباً من الحاجز كانت تعلق صورة للرئيس فؤاد السنيورة وتحتها عبارة: »الحبيب الغالي«، وقعت أمس، ضحية لـ »حرية تعبير« المتظاهرين.

يتصل شارع مار الياس بمنطقة كورنيش المزرعة التي شهدت توترات أمنية متكررة بين أبناء المنطقة وقاطعي الطرق. ولم تفلح التعزيزات الأمنية المشددة في فض الاشتباكات التي تكررت بعد نزول الشبان الموالين لـ »تيار المستقبل« إلى الشارع، طالبين من عناصر الجيش فتح الطريق بدل أن يقوموا بذلك بأنفسهم. في منطقة الكورنيش وقع عدد لا بأس به من الضحايا بفعل تراشق الحجارة بين الموالين والمعارضين.

برج أبي حيدر أيضاً شهد توترات كثيرة، تلت إحراق المعتصمين صورة عملاقة للرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتعرضهم لصاحب أحد محلات السمانة بسبب تعليقه صورة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.

الطريق الجديدة شارع آخر له خصوصية فائقة، أصر أهله على أن يعيشوا أمس، يوماً من أيامهم العادية، مجاهرين بولائهم لرئيس تيار »المستقبل« النائب سعد الحريري وتمسكهم بحكومة الرئيس السنيورة. خصوصية منطقة »الطريق الجديدة« اقتضت تعزيزات أمنية مكثفة على مداخلها لمنع وصول المعتصمين الذين أدى تسرب بعضهم الى الداخل الى تحطيم عدد كبير من السيارات، بسبب تراشق الحجارة المتبادل.

على مقربة من وسط بيروت ترتفع السنة اللهب من الإطارات التي قطعت جسر فؤاد شهاب منذ الفجر. إلى جانب الإطارات المحترقة تشكل مستوعبات النفايات المحروقة والبقايا وأكوام الردم سواتر تقطع الجسر. على الضفة المقابلة يفترش أنصار المعارضة الأرض، ومن خلفهم تبث مكبرات الصوت: »إيدي وإيدك سوا لنحمي لبنان... سوا منخلي الوطن يصبح جنة عدن«، وتحيط بالجميع غمامة سوداء كثيفة تحجب الرؤية.

Wednesday, January 10, 2007

الملل « بطل » في أربعين اعتصام المعارضة

محلات شعبية في قلب بيروت وصور عملاقة وشعارات تمجد سورية
الملل « بطل » في أربعين اعتصام المعارضة

منال أبو عبس
Al-Hayat (667 كلمة)
تاريخ النشر 10 يناير 2007
 

يتكئ العسكري على سور جسر فؤاد شهاب المطل على وسط بيروت، مسنداً فوهة بندقيته إلى الرصيف، وينظر إلى أسفل. إلى جانبه يراقب عسكري آخر السيارات المارة. لا شيء على وجهي العسكريَين يشي بأن ما يفعلانه يبعث على التسلية.

من السور ذاته تتدلى صور عملاقة للعماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله ومعروف سعد، على ساحة وسط بيروت. ترسم الساحة التي عاشت أمس، مناسبة مرور أربعين يوماً على اعتصام المعارضة اللبنانية المفتوح، صورة جامدة تثير الملل أكثر من أي يوم سابق.

خلف أول حاجز حديد يقف عنصر من انضباط »حزب الله«. على العمود الإسمنتي أمامه، شطبت عبارات تهاجم سورية أيام ثورة الأرز، وحلت محلها: عبارة »لبيك يا نصرالله«. قبل الحاجز، تدب الحياة في عربات البائعين وأكشاكهم، كما لو أن حياً شعبياً سيحيي بعد ساعات أول أيام العيد. غير بعيد من الحاجز تعلق لافتة: »يوجد كنافة صباحاً ومساء« على عربة مثبتة بحجارة. وفوق رؤوس الجميع تفوح رائحة احتراق السمسم المتناثر من كعكات الجبن التي تباع بكثرة هنا.

المعتصمون في الساحة ليسوا زبائن، فمستلزماتهم من الماء والطعام و »المقرمشات« وغيرها، توفرها قوى المعارضة مجاناً. المشاركون في الاعتصام إذاً، ما زالوا في قواعدهم، وإن بدا عددهم قليلاً ظهرا . يقضي بعضهم وقته في متابعة أخبار اعتصام الاتحاد العمالي العام، والذي قال زاهر المكتسي بالبرتقالي انه عائد للتو منه. ويعيش آخرون يومهم في الخيم، براحة تامة كما لو كانوا في بيوتهم: تنشر حرامات الصوف والفرش المخصصة للنوم على أسلاك حديد تحت الشمس بعد أيام ممطرة، ويفترش آخرون الفسحات خارج الخيم لتدخين النارجيلة المنتشرة بكثرة، أو لعب الطاولة وتبادل الأحاديث السياسية.

خريطة الخيم ما زالت كما كانت منذ بداية الاعتصام تقريباً. ترفرف أعلام »التيار الوطني الحر« في الساحة القريبة من كنيسة الأرمن، والى جانبها أعلام »حركة الشعب« الموالية للنائب السابق نجاح واكيم. خيم »المردة« الموالية للوزير السابق سليمان فرنجية في الساحة الوسطى، الى جانب خيم القوى الأخرى في المعارضة ومنها »الحزب الديموقراطي اللبناني« الموالي للوزير السابق طلال ارسلان. صور الأخير تغطي شارات المرور بعدما لم يعد ثمة داع لوجودها، إذ يسمح عناصر انضباط فقط لعدد قليل من السيارات والدراجات النارية بالوصول إلى الساحة. وهنا أيضاً خيم قليلة لـ »التيار الحر«، مغطاة مثل البقية بشوادر نايلون تقيها المطر، ومسوّرة بحواجز حديد، مزينة بورود الميلاد المزروعة في علب سود.

في موقف العازارية حيث خيم أنصار »حزب الله« لا وجود للأعلام الحزبية. على رصيف الموقف ما زالت الغرف البلاستيك المخصصة للوضوء وإن كان بعضها يخضع لتصليحات. الطريق من موقف العازارية إلى ساحة رياض الصلح حيث المزيد من خيم »حركة أمل« وغيرها، تمر بعدد من المحلات التي افتتحت حديثاً. هي تنتمي إلى وسط بيروت ما بعد الاعتصام، ومخصصة لبيع البسكويت بـ250 و500 ليرة والمعسّل والدخان والمناقيش، ويعلق بعض أصحابها أعلام قوى المعارضة.

الألواح الخشب المثبتة إلى جوانب مبنى التياترو الكبير تدل على أن ترميمه لم ينجز بعد. المبنى صار يحمل صوراً عملاقة للرئيس نبيه بري وارسلان، والألواح الخشب تحمل شعارات كتبت فوق شعارات سابقة خطّها متظاهرو قوى 14 آذار (مارس). تمجد الشعارات الجديدة دور »سورية العروبة« و »بعلبك الأبية« و »حي اللجا« و »الضاحية الشريفة« و »رجال الإمارة« وتقول إن »عون للجمهورية« وأن »الرئيس فؤاد السنيورة يدرس على يد كوندوليزا رايس«، وتحمل الألواح شتائم للنواب سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع.

تغيرت ساحات وسط بيروت كثيراً في وقت قياسي. وحدها صورة الرئيس رفيق الحريري العملاقة ظلت معلقة أعلى مبنى العازارية المطل على البلد.