Friday, December 23, 2005

« شباب خائف على وطن »

« شباب خائف على وطن » : خط التماس مكان لحوار جديد

منال أبو عبس
Al-Hayat (527 كلمة)
تاريخ النشر 23 ديسمبر 2005



اختارت مجموعة من الشباب أطلقوا على أنفسهم اسم: »شباب خائف على وطن« مبنى بركات الذي دمرته الحرب الأهلية على تقاطع السوديكو ليطلقوا مبادرتهم إلى الحوار. الشباب ينتمون إلى خليط من التنظيمات العلمانية اليسارية وعدد من المحايدين، كما يقولون. وعددهم الذي لا يتجاوز العشرات لا يشير إلى وقوف قوى رئيسية وراءهم. أما مطلبهم الأساس فهو: دعوة الأطراف »الشبابية« إلى الحوار.

أمس، اختار المشاركون في الاعتصام الصامت الذي بدأ الأسبوع الماضي على رصيف المبنى، كسر صمتهم وطرح مطالبهم في مؤتمر صحافي. مسؤول »الشباب« عربي العنداري أعلن أن »اعتصامنا ليس موجها إلى الخارج، لأن الخارج لا يتدخل لمصلحتنا بل لمصلحته. وهو ليس موجها إلى السلطة وزعمائها في الداخل، لأنه لو كان في مقدورهم شيء لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه.

التحرك موجه إلى الشباب المسيس الحريص على البلد والى المنظمات الشبابية: إلى ريان ونادر ويوسف وحسن ودانيال وأحمد وعلي (أسماء مسؤولي المنظمات الشبابية المنقسمة بين 8 و14 آذار (مارس). ندعوهم إلى هذا الرصيف لنبدأ الحوار عند الرابعة من مساء غد السبت«. وأضاف: »من هنا من ساحة غير محسوبة على أحد. يمكننا أن نتحاور ونختلف في شكل متحضر. لن نقف لننتظر الزعماء ونراهم يتعازمون إلى الحوار«.

شارك مسؤول قطاع الشباب في الحزب الشيوعي اللبناني ثائر غندور في انطلاقة التحرك، ويصفه بأنه »موجه ضد التمترس خلف الطوائف والزعامات«، معلنا »أننا لسنا جهة سياسية، بل مواطنون خائفون على البلد. نطلق دعوة إلى الحوار من دون أن نكون طرفا فيه، من خط التماس القريب من الساحتين الشهيرتين لنفضح السياسيين«.

ويقول: »غياب الانتماء السياسي لتحركنا يجذب كثيرا من الشباب المحايد والخائف على البلد إليه«.

الأسبوع الماضي لم يكن عدد المعتصمين يتجاوز الإثني عشر شخصا، لكن اختيارهم الصمت اكسب التحرك طابعا فريدا. أمس، كان عدد المعتصمين تحت المبنى الذي اكتسب اسمه من القناص بركات (خلال الحرب الأهلية) يقارب الخمسين. رفعوا ملصقات كرتونية كانت مخصصة لحفظ الأدوات الكهربائية، مكتوبا عليها: »تذكروا: الاستقواء بالخارج والمترسة خلف الطوائف إلى أين أوصلتنا« و«صامتين خائفين على وطن« و«لوين« و«ما عاد تدعوا إلى الحوار. تحاوروا وخلصونا«.

عند الرابعة عصر غد سيكون على رصيف المبنى الشاهد على الحرب الأهلية طاولة وكراس وعدد من الأشخاص. قد يحضر مسؤولو المنظمات المدعوة وقد لا يحضرون. إلا أن التفاؤل يحتم أن يجلس مسؤولو »8 و14 آذار« مقابل بعضهم بعضا. وفي تلك الحال، هل في إمكان مسؤولي المنظمات الشبابية - في حال حضورهم - خوض حوار لا يرددون فيه خطاب زعمائهم الذي بدوره هو السبب الأول لخوف الشباب المعتصمين على الوطن؟

Friday, December 16, 2005

منظمات 14 آذار تحيي مخيم الحرية

منظمات 14 آذار تحيي مخيم الحرية

منال أبو عبس
Al-Hayat (518 كلمة)
تاريخ النشر 16 ديسمبر 2005

قرر »شباب 14 آذار« (مارس) أمس العودة إلى ساحة الشهداء في مؤتمر صحافي عقدوه في مبنى جريدة »النهار«. وأعلنوا الانطلاق من جديد في مخيم الحرية الذي غادروه قبل اشهر، حتى تحقيق المطالب كلها.

مطالب ممثلي منظمات 14 آذار ليست جديدة. أولها، رحيل رئيس الجمهورية اميل لحود، الذي اعتبروه في بيانهم »رمزا للنظام الأمني اللبناني - السوري المشترك« من خلال مطالبة المجلس النيابي بتحمل مسؤولياته و »تحقيق التغيير وفقا للأطر الدستورية«. وأعلنوا أن »الرئيس الممددة ولايته قسرا وبضغط سوري وخلافا لأحكام الدستور، عنده من الوقاحة ما يكفي ليستمر في الرئاسة على حساب دماء شهدائنا«، مؤكدين أنه »يشكل الغطاء السياسي لفلول النظام السابق وحلفائه، معطلا عمل السلطة الإجرائية«.

ثاني المطالب بدوره ليس جديدا: »مواجهة الاعتداء المستمر للنظام السوري من خلال استكمال عملية إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية وتطهيرها من بقايا النظام السابق«. فـ »تجاوزات النظام السوري واضحة من خلال التهديدات بزعزعة استقرار لبنان، وعدم الاعتراف بوجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية«. واستوحى المجتمعون المطلب الثالث من التطورات الراهنة: »دعم قرار الحكومة ومطالبتها الأمم المتحدة بإنشاء محكمة دولية وتوسيع صلاحيات لجنة التحقيق الدولية«. في حين أصر ممثل »الجماعة الإسلامية« (قبل المؤتمر) على إضافة عبارة: »على أن تكون مهمتها قضائية، بعيدا من أي توظيف سياسي«.

أمس، حضر المؤتمر ممثلون عن »تيار المستقبل« و »القوات اللبنانية« و »الحزب التقدمي الاشتراكي« و »حركة التجدد الديموقراطي« و »حركة اليسار الديموقراطي« و »الجماعة الإسلامية« و »الكتلة الوطنية« و »الكتائب اللبنانية« و »حزب الوطنيين الأحرار« و »القطاع الشبابي في مؤسسة رينيه معوض« و »جمعية أمام 05- المجتمع المدني«. وغاب عنه: »التيار الوطني الحر«.

وعلى رغم تأكيد مسؤول قطاع الطلاب في »لقوات« دانيال سبيرو انه »تم الاتصال بـ »التيار الوطني« لابلاغه السقف السياسي لهذا التحرك، وانه رد بأنه سيدرس الموضوع ويجيب في الفترة الوجيزة المقبلة«، نفى المسؤول الإعلامي في »التيار« طوني نصر الله الأمر، موضحا أن »مثل هذا الاتصال لم يحصل. وان التيار لن يشارك في التحرك، بسبب الخلاف على المطالب«.

وعن مشاركة »أمل« و »حزب الله«، أشار سبيرو إلى »إننا سنتصل بهما لأنه يهمنا تأمين أكبر قدر ممكن من الوحدة الوطنية في التحرك، فيد الجريمة قد تمتد لتطاول أي لبناني«.

وكان المؤتمر تأخر نصف ساعة من موعده المقرر. وأصر الممثلون على التشاور في غرفة اجتماعات النائب والصحافي الشهيد جبران تويني في الطابق السادس من الجريدة حيث مكتبه، والتقطوا صورا لهم فيها، تأكيدا على الوحدة التي حثهم عليها في قسمه في 14 آذار.

Thursday, December 15, 2005

جاؤوا من كل المناطق رفضا للقتل

جاؤوا من كل المناطق رفضا للقتل

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,185 كلمة)
تاريخ النشر 15 ديسمبر 2005

لم يكن يوم ساحة الحرية في وسط بيروت كغيره أمس. يشبه يوم تشييع النائب والصحافي الشهيد جبران تويني قليلا يوم 14 آذار (مارس) الماضي، وان كان أقل عددا واكتسى بالأسود في معظمه.

بدأ نهار الساحة باكرا أمس. ضاقت الطرق الفرعية المؤدية إلى الوسط بالشبان رافعي الأعلام اللبنانية والحزبية. واكتست جوانبها بباصات المدارس فارغة إلا من صور الزعماء وملصقات تدل الى وجهتها.

في تشييع تويني عاد إلى ساحة الحرية كثير من روادها. وجاءت »مدام نصر« إلى ساحة الشهداء بعدما غادرتها للمرة الأخيرة في 14 آذار. انطلقت عند السابعة والنصف صباحا من الشوف مع أولادها والعشرات من أقاربها »تلبية لدعوة وليد بيك (النائب وليد جنبلاط)«. وهتفت عند التاسعة صباحا أمام جريدة »النهار« ضد أعداء الحرية.

تحمل ابنتها ريهام على صدرها صورة جبران تويني، »لأننا نريد الحرية وأن لا نساق وفقا لإرادة سورية أو أميركا«. لا تنتمي نصر ولا ابنتها إلى »الحزب التقدمي الاشتراكي« الذي يتزعمه جنبلاط، لكنهما تؤيدان مواقفه الوطنية.

وعلى عكس عائلة نصر، يرفع الشبان الأربعة رامي وعمر وغابي وشادي أعلام »التقدمي«، هاتفين بحياة »وليد بيك بعد الله منعبدو«. الشبان الأربعة في العشرينات من العمر. وترتفع حرارة دمهم إلى حد الغليان، فتتجاوز هتافاتهم الحدود الأخلاقية لتطاول الشعب السوري الذي يتهمون نظامه باغتيال تويني. الأربعة جاؤوا من المريجات في البقاع مع مئات من الرفاق »في عشرات الفانات تأييدا لقضيتنا الوطنية ضد العدو الديكتاتوري الذي يغتال قياديينا«.

ريما حديفي أيضا اشتراكية، جاءت مع رفاقها »بالمئات« من حاصبيا. »ما عاد لازم نسكت على الوضع«، تقول من دون أن تخفي أن مشاركتها في الدرجة الأولى »تلبية لدعوة البيك، الوحيد الذي يقول الحق وبإشارة منه نذهب إلى حيث يريد«.

أمس، كان حضور الاشتراكيين بارزا في وسط بيروت، لكنهم لم يكونوا الوحيدين. إذ حشد »تيار المستقبل« الصفوف بدوره، فجاء مناصروه من المناطق البعيدة وانتشروا على الطرقات المؤدية إلى الساحة والتي تضج بالأغاني للرئيس الشهيد رفيق الحريري. وحيث »المستقبليون« يتكثف وجود الوشاح الأزرق ولافتات »الحقيقة«.

تجر الحاجة ابنها المقعد وعلى رأسه قبعة بيضاء كتب عليها الشعار الانتخابي للرئيس الشهيد: »قولنا والعمل«. يرفع الرجل على الكرسي المدولب علما وقد غطى صدره بالوشاح وكثير من صور الرئيس الشهيد ونجله النائب سعد.

الحاجة وابنها جاءا مع مجموعة من الأهالي من طرابلس في الصباح الباكر، »لأن القتل حرام. وحرام أن نترك شبابنا يموتون الواحد تلو الآخر«. لا تنتمي الحاجة إلى أي من جمعيات »المستقبل«، لكن ابنها من أشد مناصري »التيار«، وكذلك جيرانها الذين »يشغل معظمهم مناصب مهمة في الجمعية«.

ومن البقاع أيضا، أمنت الجمعية »بولمانات لنقل من يريد المشاركة في التشييع«، كما يقول أيمن الذي كان واحدا من »مئات جاؤوا من القرى البقاعية للمشاركة في تشييع من كان يطالب ببرلمان الشباب«.

ومن الجنوب، من بلدة مغدوشة انطلق مروان الجاموس لافا رأسه بشارة: »الحرية لسمير جعجع« وعلى صدره صليب »القوات اللبنانية« المشطوب.

مروان جاء مع 120 من رفاقه »تلبية لنداء الوطن وللوقوف مع لبنان والشهيد«.

وأمام »النهار« كانت الصورة تعبر عن حزن بالغ. نسوة اتشحن بالأسود ورجال ببزات رسمية تركوا وسط الساحة لشبان يهتفون »لسقوط نظام ديكتاتوري« وسقوط »رئيس متشبث بالكرسي«.

كثير من هؤلاء لم يكن من المحازبين، لكن المكان اتسع لهم. رفع بعضهم لافتات »تالصوت يودي« (شعار تويني في الانتخابات الماضية) و »05 استقلال«، واكتفوا بالصمت احتراما للمناسبة.

جاءت رنده من انطلياس بمفردها لأن »حرام بعد موته أن نوقف القضية«. لا تعرف رنده الشهيد إلا من خلال ما يكتبه في الجريدة، وترى انه »رجل وطني لا حزبي«. تنهمر دموعها احتجاجا على »قتل الرجل لأنه يحمل قلما، في حين لم يقتلوا من حملوا الأسلحة خلال الحرب وقتلوا شبابنا«.

بدورها، لا تجيد باربرة بتلوني التحدث بالعربية، لكنها اختارت مرافقة زوجها وولديها من منطقة خلدة. لبست الأسود حدادا وحملت علم لبنان كولديها: »لنقف من اجل حرية لبنان واستقلاله ولنعترض على قتل القادة الأبرياء«. تعرف باربرة عن جبران ما تسمعه من انه »يتكلم بصراحة وانه صحافي لامع اقدر مواقفه«. إلا أن السبب الأبرز يكون: »لنقف من اجل مستقبل أولادنا«.

جاد ابن باربرة الأصغر (10 أعوام)، يحتج على الـ »bombs« ، ودعما »للبنان من دون قتل«. الأمر نفسه، يحلم به سامر الذي يبحث عن رفاقه المشاركين من المعهد الأميركي الذين »زاروا سويا النهار قبل أيام من استشهاد تويني«.

ولم تغب الأعلام الحزبية عن الساحة بخلاف ما طلب الزعماء السياسيون من مناصريهم. أعلام »التقدمي الاشتراكي« و«المستقبل« كانت الأكثر كثافة، إلى حين انضم المتظاهرون في ساحة ساسين إلى رفاقهم، فكثرت أعلام »القوات اللبنانية« و »الوطنيين الأحرار« و »الكتائب اللبنانية«، في حين ارتدى بعض أنصار »التيار الوطني الحر« الـ »شيرتات البرتقالية«، وعليها صور النائب ميشال عون. وكسابقاتها حشدت هذه الأحزاب الجماهير من المناطق البعيدة والقريبة للمشاركة.

ومع اكتمال الأطراف رفعت لافتات: »فرنسا الحضارة تكرم الأب. وسورية الإرهاب تغتال الابن« وأخرى تدين القادة السوريين والرئيس اللبناني اميل لحود.

وما أن حانت لحظة الانطلاق حتى علا الصراخ والهتافات وتدافعت الحشود كأنما طرأ طارئ. النائب وليد جنبلاط خرج بداية، فركض الشبان وراءه هاتفين: »يا رب ترد عنو«. الأمر الذي أزعج جنبلاط وجعله يتوقف مرات عدة للطلب من مناصريه سحب الأعلام الحزبية، والتوقف عن الهتاف احتراما للمناسبة.

وراء جنبلاط بقليل سارت عائلة تويني ووالده غسان، ترافقهم هتافات »جبران حي فينا«.

Tuesday, December 13, 2005

من مبنى « النهار » الى ساحة ساسين تضامن وغضب

من مبنى « النهار » الى ساحة ساسين تضامن وغضب

منال أبو عبس
Al-Hayat (986 كلمة)
تاريخ النشر 13 ديسمبر 2005

ما كاد خبر استشهاد رئيس مجلس إدارة جريدة »النهار« النائب جبران تويني يتأكد، حتى تحول مبنى الجريدة إلى مزار للسياسيين والمؤيدين على حد سواء. وتحول الطابق السادس حيث قسم التحرير ومكتب تويني، إلى ما يشبه خلية النحل الصامتة. صور الزميل الشهيد سمير قصير مرفوعة فوق مكاتب زملائه منذ استشهاده قبل اشهر، والى جانبها أضيف علم لبنان.

في قاعة التحرير، يبدو الزميل جاد يتيم مذهولا، وقد أحيط بزملاء له يبكون كل على كتف الآخر ويبادل كل منهم الآخر بتحية »العوض بسلامتك«. كان جاد من أوائل الواصلين إلى الجريدة صباح أمس، لكنه كان الوحيد القادر على الكلام وان بجمل تقطعها إيماءة من رأسه دليل أسف وحسرة.

يبدو جاد غير مصدق أن الشهيد تويني عاد من باريس مساء أول من أمس بعد حضور حفلة تسلم والده غسان جائزة هناك، ليلقى حتفه. إلا انه يستعين بحادثة حصلت قبل عشرة أيام، عندما أعلن تويني أمام زملائه انه عاد من باريس نهائيا ليستقر في لبنان. حينها سألوه عما إذا كان مطمئنا على حياته، وإذا »صار الوضع طبيعيا ومرت الغيمة السوداء«، فأجاب بالنفي.

»فدى الجريدة بدمه«، يكون التعليق الوحيد، لأنه »في أحد اجتماعات التحرير طلب منا أن نعذره لعدم تمكنه من الحضور بانتظام. قال انه يحاول أن يحمينا، ويحمي الجريدة، معه حق. كنا نخاف ونحس أنفسنا مستهدفين كمؤسسة«.

لا يقطع الصمت الرهيب المسيطر على القاعة إلا بكاء الزميلات المتشحات بالأسود، وتصريحات بعض النواب والوزراء الداخلين إلى مكتب تويني لتعزية زوجته سهام. هؤلاء السياسيون لم يكونوا محط الاهتمام في ذلك الطابق، فـ »هم يكررون الجمل نفسها في كل مناسبة«، بحسب إحدى الزميلات المستاءات من ردود الفعل الرسمية.

غير أن دخول نواب »حزب الله« وحركة »أمل« لم يترك الأثر نفسه، فالتف معظم الحاضرين حول الكاميرا للاستماع إلى تصريح نائب »كتلة الوفاء للمقاومة« حسن فضل الله، وسماع إجابته عن السؤال الأثمن: »من تتهم؟«، والذي جاء مماثلا لأجوبة نواب »أمل«: »أعداء لبنان ومن المبكر الحديث عن متهمين، فلننتظر التحقيق«. وثارت الانتقادات، بدءا من سؤال إحداهن عن سبب مطالبته بالتروي في إلصاق التهم في جريمة اغتيال تويني، في حين أن زملاءه لم يترووا وألصقوا التهمة فورا بإسرائيل في تفخيخ سيارة المقاوم حسين عساف قبل أيام.

خلاف في الاعتصام

تحولت الساحة الأمامية لـ »النهار إلى مقر لتجمع شبابي حاشد. رفعت أعلام قوى 14 آذار (مارس) جميعها، مع أعلام »التيار الوطني الحر« الذي كان انسحب منها في وقت سابق. وارتفع سقف الهتافات إلى مستوى لم يشهده في أي من التظاهرات السابقة، ليطاول بالشتائم والعبارات النابية قياديين في النظام السوري وزعماء لفئات لبنانية تعارض تشكيل محكمة دولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ومع حلول الظهر كان الطلاب خرجوا من معظم الجامعات معلنين الإضراب، لينضموا إلى المعتصمين، والى »أهالي المعتقلين في السجون السورية« الذين كانوا أول من حضر إلى الساحة فور تبلغهم الخبر.

ورفعت لافتات كتب عليها: »الحقيقة« و »الاغتيالات السياسية إلى أين؟« و«آن الأوان لإسقاط (رئيس الجمهورية اميل) لحود« و«بقاء لحود استمرار للجريمة«، إضافة إلى الأقلام تعبيرا عن حرية الرأي.

ومع ارتفاع عدد المتظاهرين إلى المئات دبت الفوضى بين الصفوف، ووصلت إلى مشاكل متفرقة، إذ احتج المشاركون من »الحزب الشيوعي« على نوعية الهتافات الفئوية، معلنين انسحابهم، في حين وقعت اشكالات بين المتظاهرين وأنصار »التيار الوطني الحر«. كما تكفل البعض بإطلاق صيحات التأييد كلما خرج أحد السياسيين الموالين لـ14 آذار والاستنكار كلما خرج أحد المعارضين ومن بينهم عصام أبو جمرة ووزير الخارجية فوزي صلوخ الذي تردد انه تعرض لاشكال. وأطلقت عبارات تندد بمواقفه خلال دخوله الى الجريدة.

وأمام باب الجريدة المقفل في وجه غير السياسيين والصحافيين، وقف عدد من السيدات المتشحات بالسواد يندبن الشهيد »بطل الاستقلال«. وتخاطب إحداهن النائب عاطف مجدلاني لدى وصوله إلى الباب: »يتهمونكم بالعمالة. عملاء سورية وإيران يتهموننا بالتقوقع والوصاية.

فلنأت بالسريلانكيين والفيليبينيين ليحكمونا، هؤلاء افضل من السوريين«، فترد عليها أخرى: »ليأت الأميركيون، أهلا بالجزمة الأميركية«.

وبعيدا من الساحة، انتقدت إحدى السيدات الطريق الذي سلكه الاعتصام: »عيب كل واحد ماسك علم. جبران مات من اجل لبنان لا من اجل القوات ولا الاشتراكية ولا المستقبل«، في حين تحاول أن تفسر جاهدة إلى مراسلي إحدى الوكالات الأجنبية »انهم قتلوا افضل رجال لبنان، والدته الأديبة اللبنانية ناديا ووالده الرجل الذي يحب لبنان«.

حرق دواليب

وامتدت التظاهرات لتشمل ساحة ساسين في الأشرفية، حيث أحرقت الدواليب ظهرا احتجاجا على اغتيال تويني، في حين شارك »التيار الوطني الحر« في مسيرات سيارة. ورفع أنصار »القوات اللبنانية« صور رئيس الهيئة التنفيذية سمير جعجع. ولوحظ انتشار أمني كثيف للجيش وقوى الأمن الداخلي عند مداخل الساحة. واقفل تجار الأشرفية محلاتهم بدءا من الأمس والى حين انتهاء التشييع.

Wednesday, December 7, 2005

المقبرة الجماعية

أطفال يلعبون فوق الأموات والمختار اعتبر أن « تفجير المقام عام 2002 ليس مصادفة » . «الحياة» في عنجر : المقبرة الجماعية لم تمر مرور الكرام

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,219 كلمة)
تاريخ النشر 07 ديسمبر 2005

لم يمر اكتشاف المقابر الجماعية في عنجر قبل أيام مرور الكرام. وأعاد الحدث قضية »تل النبي« حيث »مقام النبي عزير« إلى الواجهة الإعلامية، بعد ثلاث سنوات من مرور قضية تفجيره عام 2002 مرور الكرام.

»اليوم عرفت أن تفجير المقام، لم يكن صدفة«، يقول المختار شعبان العجمي، رابطا بينه وبين اكتشاف المقبرة أخيرا. المختار منتدب من دائرة الأوقاف الإسلامية للحفاظ على المقام منذ عام 1997، بعد ثلاث سنوات من خروج الجيش السوري منه.

يلعبون فوق الأموات

لم يعد الوصول إلى المقام صعبا كما كان عليه عام 2002. الطريق صارت معبدة، والمفرق الفرعي المخصص له والبعيد من مفرق عنجر الأساسي زود بلافتة للأوقاف الإسلامية تسهل مهمة القاصد. اسفل التل حاجز للجيش اللبناني، يتخذ إجراءات محدودة ويسمح بدخول من له عمل.

يقف العجمي الذي يبدو انه لا يغادر المقام، وسط ساحة التل المرتفعة التي تصلح برجا للمراقبة. ويشير إلى »ما كان مواقع وتحصينات للجيش السوري«. يتوسط الساحة بيت الناطور المبني منذ عهد الأتراك قبل 200 عام، والمصلى غير المجهز، والمقام الذي يعود تاريخه إلى 700 عام، وبئرا رومانية صخرية. أما معمل البصل الذي كان سجنا سوريا فلا يقع في محيط المقام.

خلف المنزل تماما، تضفي الأراجيح والعاب التزحلق الصفر الصدئة، جوا مناقضا لما يضفيه منظر بقايا العظام المتناثرة في المكان. العظام أخرجت من الحفرة الكبيرة التي حفرت في اليوم الأول (السبت الماضي)، ما أستوجب إقتلاع الألعاب المثبتة قوائمها بالباطون وبعض الأشجار الحديثة الغرس، وكانت مخصصة لتسلية الأطفال وزوار المقام.

من الحفرة الكبيرة أخرج العدد الأكبر من بقايا الهياكل العظمية، و »في اليومين التاليين حفروا أيضا اسفل الحفرة الأولى على المنحدر، وتحت الجامع، فوجدوا بقايا أخرى. إلا انهم أوقفوا الحفر وقالوا انهم سيستعينون بالعمال لاكمال الحفر يدويا«، تقول زوجة الناطور الذي غاب عن منزله أمس. الزوجة والناطور سكنا البيت قبل عام، ولم يشهدا أي تحركات مريبة، كما لم تقع بين أيديهما أي بقايا بشرية. تمنع الزوجة أولادها من اللعب على الأراجيح القديمة حيث بقايا العظام، فـ »حرام كيف كان الأولاد يلعبون فوق جثث بالكاد يغمرها التراب«.

انتبه! أنت في خطر

ليل أول من أمس، استدعي المختار العجمي إلى التحقيق في زحلة، بصفته »شاهدا، لا متهما«، كما يقول. أما السبب، فجعبته الغنية بالمشاهدات منذ كلف الإشراف على المقام.

ويروي: »عام 1997 كان المقام شبه مدمر ويحتاج إلى ترميم وتصليح. الطريق كانت غير معبدة ولا يمكن بلوغ التلة إلا من خلال عربات كبيرة، فأصلحنا الطريق«. وهنا تبدأ الحكاية: »ما أن بدأنا نحفر وراء البيت لنزرع الشجر حتى طفا هيكل عظمي على السطح. دفنته، وحفرت في مكان يبعد مترين عن الأول، فوجدت ثلاثة هياكل، عندها أوقفت الحفر. أخبرت رجل أمن لبناني فنصحني بنسيان الموضوع«.

عرف الشك طريقه إلى قلب العجمي، فأوقف أعمال الحفر، واكتفى بترميم المقام حتى عام 1999. ويقول: »وراء بيت الناطور كان التراب غريبا عن التراب الموجود في المنطقة. كان اسود والتراب هنا احمر. أحضرت جرافة لنبش المكان فتدحرجت هياكل كثيرة من أعلى التلة في اتجاه السهل. نحو 25 جمجمة، ما عدا الذين أعدنا دفنهم«.

لا يجهد العجمي نفسه في تذكر التفاصيل، فالصورة حاضرة في ذهنه: »جمجمة أحد الهياكل كانت مغطاة بكلسات، وأخرى مكسوة بالدهن واللحم، ما يدل على أنها حديثة، وهيكل عظمي مقيدة يداه بكنزة عسكرية وجميعها دفنت باللباس الداخلي، عدا واحدة كان صاحبها يرتدي سروالا عسكريا. الهياكل آنذاك كانت كاملة، لكنها تبعثرت بفعل إعادة الردم والنبش«.

في تلك الحفرة وجد العجمي »مجموعة من 30 جمجمة في كومة واحدة، صرنا نلاقي هياكل على عمق 10 سنتيمترات، ما أن نضرب قدمنا بالأرض حتى نجد الجثة«. أخبر المختار ضابطا لبنانيا نصحه مرة أخرى بعدم إثارة الموضوع. و »عام 2002 أبلغت ضابطا أمنيا لبنانيا كبيرا في المنطقة عن الموضوع، فقال انس الموضوع، مضيفــا أن وضعي صار خطيرا. بعد 15 يوما فجر المقام. خضعت إلى عملية جراحية في القلب ولزمت البيت سنة كاملة«.

قبل ذلك، وفي مكان لم تطله أعمال الحفر الحديثة، وجد العجمي جثثا »على بعد 100 متر من المنحدر. الجثث كانت تخرج من طريق الصدفة. وعندما نظفنا البئر وجدنا 6 جثث. البئر لا يتعدى عمقها الأربعة أمتار. كانت تلقى فيها الجثة وتغطى بالتراب ثم تلقى أخرى وتغطى وهكذا وجدناها«.

ومن الساحة التي صارت مغطاة بالباطون اخرج العجمي جثثا أعاد دفنها وراء البيت، كانت نحو 40 جثة، كما يؤكد. ويضيف: »كان مسؤول (سوري لم يكشف عن اسمه) يأتي كل حين إلى المقام بحجة انه يمارس الرياضة، يجول في المكان، ويسألنا عن الحال«. وعلى بعد كيلومتر من الساحة كان يقع سجن التحقيق (للجيش السوري)، حيث يرجح العجمي وجود مقبرة أخرى.

وحديثا، بعد اكتشاف مقبرة وزارة الدفاع، تلقى العجمي اتصالا من ضابط لبناني، »أرشدته إلى مكان المقابر ورحل«. يستنكر كلام الطبيب الشرعي فيصل دلول عن وجود أطفال لأن الجماجم كلها كانت لرجال.

غير أن وزير العدل شارل رزق وجه إلى النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا كتابا طلب فيه اتخاذ كل ما يلزم من اجراءات او تحقيقات للكشف عن حقيقة هذه الجرائم وتحريك الدعوى العامة بخصوصها«.

بدو رحل

في المناطق القريبة من عنجر، تتفاوت ردود الفعل الشعبية على الحدث. تترحم النسوة على الضحايــــا، في حين يبــــدي بعضهــــن التذمــــر من إعادة »فتح جروح« الأهــــل الذين فقدوا أولادهــــم في تلك الحقبة الســــوداء.

وبقيت المفارقة الأكثر إثارة للجدل الحديث عن وجود جثث الأطفال والنساء، ففي حين رأى البعض أنها دليل الى »براءة السورييـــن من الموضــــوع، لأنها قد تعود إلى البدو الرحل الذين كانوا يمرون في المكــــان«، أو »للحروب التي اندلعـــت في المنطقة قبل دخول الجيش السوري«، لم يستبعد آخرون أي احتمال.

Saturday, December 3, 2005

«مخالفات» لجنة التحقيق



وكيل السيد سيطالب بإخلاء سبيله « بعدما ثبت كذب المهرج » هسام . عازوري يرصد « مخالفات » لجنة التحقيق : خالفت الأصول فوصلت إلى نتائج خاطئة



منال أبو عبس
Al-Hayat (777 كلمة)
تاريخ النشر 03 ديسمبر 2005



أعلن المحامي أكرم عازوري وكيل المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد الموقوف في جريمة اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري، انه سبق ان وصف الشاهد السوري هسام هسام بأنه »مهرج« في أيلول (سبتمبر) الماضي. وأوضح ان لجنة التحقيق الدولية »أخذت من أقوال هسام أساسا لتقترح على القضاء اللبناني توقيف السيد بعد ان نسب اليه اشتراكه في اجتماعات حصلت في سورية خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت جريمة الاغتيال«.

وعقد عازوري أمس مؤتمرا صحافيا في نقابة المحررين أعلن فيه أن هسام هسام هو الشاهد المقنع. وأضاف: »لا أحد غيري أنا أو الشاهد أو المحقق الدولي أو السيد، يمكنه أن يعرف أني ذكرت كلمة مهرج (التي ذكرها هسام في مؤتمره الصحافي في دمشق)«. وأعلن انه »قبل فرار هسام إلى دمشق، ومع ظهوره على محطة »نيو تي في«، عرفت انه الشاهد المقنع، وأبلغت القضاء اللبناني (الذي لم يكن يعرف بوجوده منذ أيلول)، طالبا منه تحديد هويته ومواجهة السيد به«.

واعتبر عازوري انه بعد ظهور هسام في دمشق »وفي حال لم تزود اللجنة القضاء اللبناني بالأدلة المتوافرة لديها، فمن واجب القضاء أن يضع حدا فوريا لاستمرار توقيف السيد«، لأن »السبب الوحيد لتوقيف السيد هو شهادة الشاهد المقنع الذي تبين انه كاذب«.

وعرض عازوري خلال مؤتمره الصحافـي تقـريرا إجرائـيا أثار فيه ما اعتبره »المخالفات التي ارتكبتها لجنة التحقيق الدولية«، مشيدا في الوقت نفسه »بتصرفها المحترف والتقني على الصعيد الإنساني«. وانطلق من عبارة »حق الرد من وجهــة نـظر الدفاع«، معـلنا أن »المداخلة محصورة بالإجراءات ولن تتناول مضمون عمل اللجنة«. وأعلن أن تطبيق القرار الرقم 1559 جاء مخالفا له، ومعطلا لدور القضاء اللبناني وخارقا لمعايير المحاكمة العادلة ولحقوق الدفاع.

وأكد عازوري أن »إجراء التحقيق جاء من دون قانون إجراءات«، علما أن »قرار مجلس الأمن الزم في فقرته السادسة اللجنة بوضع قانون إجراءاتها قبل المباشرة بالتحقيقات، إلا أنها لم تفعل«. وأن اللجنة خرقت قاعدة السرية عندما نشرت تقريرها الإجرائي، وعندما أعلنت عبر وسائل الإعلام عن نيتها مداهمة شقتين على صلة بالجريمة وعندما أعلنت عن طلب اللجنة رفع السرية المصرفية عن أشخاص منهم وزير الدفاع الياس المر وعندما تضمن تقريرها تحليلات ووقائع متصلة باتصالات هاتفية. واتهمها بتعطيل التحقيق اللبناني.

وأعلن أن المادة السابعة من مذكرة التفاهم التي وضعتها الحكومة مع اللجنة عطلت دور القضاء اللبناني لأنها ألزمت الأخير بتسليم اللجنة ملف التحقيق الذي في حوزته، في حين سمحت بحجب الأدلة عن القضاء اللبناني طالما أنها لم تنه عملها.

ورأى أن مواجهة هسام والسيد كانت إحدى الإفرازات السلبية لهذه المادة. فـ »السيد أنكر كل الوقائع التي نسبت إليه، وطلبنا الكشف عن هوية هذا الشخص وتكليفه بتحديد تواريخ الاجتماعات المذكورة والصفة التي علم بها بتلك الاجتماعات لتمكين الدفاع من إثبات عدم صحتها، فرفض التحقيق الدولي ذلك، ما شكل خرقا لمبدأ الوجاهية ومساسا بحقوق الدفاع«. وأكد أن »توقيف السيد قضائي في الشكل، وبوليسي في المضمون، اتخذ بناء إلى توصية ضابط عدلي يحجب الأدلة بحكم المذكرة عن القاضي الذي أصدرها، الأمر الذي يحرم السيد من حقه الفعلي في إخلاء سبيله«، نافيا أن يكون موكله قدم تسجيلات مهمة للتحقيق، ومؤكدا أن »التحقيق لم يجر وفق الأصول وأدى إلى نتائج خاطئة«.

وعرض عازوري الإجراءات التي اتخذها لمواجهة الأخطاء. وسأل: »لماذا تزامن إثارة موضوع المحكمة الدولية مع ظهور الشاهد المقنع وتمديد عمل اللجنة«.

وأعلن عازوري أن التعاطي مع قضية »المهرج« تم بطريقة خاطئة. وكمحام للواء السيد أعلن أن »الشاهد إذا كان يعرف شيئا، يكون من المشاركين في الجريمة ويجب توقيفه. وإذا كان يعرف ولم يشارك، يجب الادعاء عليه لعدم إبلاغه السلطات عن الجريمة الإرهابية المخطط لها. وإذا كان يعرف ولم يشارك فيجب توقيفه أيضا والادعاء عليه لأنه يضلل التحقيق«.

وفي الإطار نفسه، غادر المدير السابق للاستخبارات في الجيش اللبناني العميد الركن ريمون عازار مستشفى »اوتيل ديو« أمس إلى مكان توقيفه في سجن رومية.