Monday, June 13, 2005

معركة سنية ـ سنية

معركة سنية ـ سنية في البقاع الغربي

منال أبو عبس
Al-Hayat (922 كلمة)
تاريخ النشر 13 يونيو 2005
يخطئ من يظن أن الصورة المرفوعة على مداخل بلدات دائرة البقاع الثالثة مجرد صورة انتخابية تقليدية. فصورة أعضاء لائحة »القرار الوطني«، ما كانت لتستدعي الانتباه لو لم يقف النائب المنتخب سعد الحريري وسط أعضائها الستة، وتحديدا بين المرشحين عن المقعدين السنيين جمال جراح وأحمد فتوح، المتنافسين مع اكثر القوى فاعلية في المنطقة.

حتى بعد ظهر أمس، لم تخض اللائحة الوحيدة المكتملة التي سميت لائحة الرئيس الشهيد رفيق الحريري: جمال جراح واحمد فتوح عن السنة، وناصر نصر الله عن الشيعة، ووائل أبو فاعور عن الدروز وروبير غانم عن الموارنة وانطوان سعد عن الروم الارثوذكس، معركة فعلية. إذ انحصرت المنافسة على المقعدين السنيين، بين مرشحي اللائحة والنائب عبد الرحيم مراد، من لائحة »المرجعية البقاعية« التي تضمه إلى جانب النائب فيصل الداوود عن المقعد الدرزي، والمرشح هنري شديد عن المقعد الماروني، وبين النائب سامي الخطيب من لائحة »القرار الجديد« التي تضمه إلى جانب محمود أبو حمدان عن الشيعة وايلي الفرزلي عن الروم الأرثوذكس.

لكن هذه القاعدة لم تكن عامة، إذ ظهر منافسون آخرون، مثل المرشح المنفرد فاروق دحروج (سني)، وتفاوتت الحماسة بين منطقة وأخرى. ففي بلدة المرج (معقل جراح) تناسى الأهالي خلافات نشبت اثر الانتخابات البلدية بين عائلة جراح وعائلات أخرى. ورفعت في القرية اللافتات المؤيدة لسعد الحريري. وبعد ساعة واحدة من فتح صناديق الاقتراع في الثانوية الرسمية، بلغ عدد المقترعين في أحد الأقلام، 59 من أصل 590 ناخب.

وكما كان متوقعا، شكل الناخبون السنة النسبة الأكبر من المقترعين صباحا، في حين قرر أهالي القرية من طائفتي الموارنة والروم الانتظار حتى وقت متأخر. وان كان أحد المندوبين في »لائحة القرار الحر« (لم يظهر مندوبون للوائح أخرى) رد السبب إلى »غياب التنافس في المعركة ما يشعر الناس بأنهم غير معنيين في الأمر، وان بعض الأهالي ينتظرون إلى حين وصول الدعم (المادي)«.

وعلى رغم تخطي نسبة الاقتراع في حوش الحريمة الـ 13 في المئة بعد ساعتين من فتح الصناديق، إلا أن تأفف مندوبي اللوائح المتنافسة، كان لافتا. »المحافظ لم يوافق على مندوبين ثابتين ولا متجولين للوائح المنافسة لتيار المستقبل«، يقول مندوب لائحة »المرجعية«. ويضيف: »عادة يوافق القائمقام على أسماء المندوبين، اليوم صارت الموافقة تؤخذ من المحافظ«. لا يعرف المندوب سبب التغيير، لكن صديقه يرد الأمر إلى أن »فؤاد السنيورة (وزير المال السابق) وحسن السبع (وزير الداخلية) يديران العملية الانتخابية من شتورا، وينفذان أوامر سعد الحريري«.

وفي جب جنين، بدأت ملامح المعركة الانتخابية تلوح في الأفق، مع ظهور صور النائب مراد إلى جانب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (يحتل مكانة بارزة في قلوب البقاعيين)، وصور اللواء الخطيب، من دون أن تغيب اللافتات التي تحمل توقيع »تيار المستقبل«: »تذكروا زي ما هي«، و«قلت لبيروت شكرا، والبقاع يرد تكرم«. غير أن الزحمة تركزت أمام مراكز الاقتراع، وغابت عن الطرقات الرئيسية، فـ »الناس ما زالت نائمة، وكثيرون لا يريدون الاقتراع بسبب المنافسة بين المرشحين السنيين على لائحة الحريري وأبناء جب جنين الثلاثة: الخطيب وعبد الله وهاب وجميل شرانق«، يقول البائع، أن »أهل البلدة يدعمون أبناءها المرشحين عن المقاعد السنية إلى جانب بقية المرشحين على لائحة الحريري«.

وفي بلدة لالا، كما جب جنين وغزة، لم تكن الصورة افضل حالا، إذ استبدل كثيرون مرشحا أو مرشحي لائحة الحريري السنيين، بمرشحين آخرين. فيما جاهر آخرون بولائهم المطلق لخيار الحريري، كتلك السيدة التي غطت رأسها وصدرها بصور الحريري، ووضعت اللائحة في الظرف قبل الدخول إلى العازل، »محبة بالحريري الذي بنى لبنان وعلم شبابه«. وفي لالا بلغت النسبة 10 في المئة حتى الثانية عشرة ظهرا.

وبدت بلدة القرعون (معقل المرشح المنفرد فاروق دحروج) الأكثر معايشة للمعركة الانتخابية، فتنافس خارج الأقلام المندوبون على اجتذاب الناخبين. وشهدت المنطقة (أوسع انتشارا من بقية البلدات) لوائح ملغومة، ظهر فيها اسم دحروج مكان فتوح أو جراح، كما استبدل في عدد من اللوائح اسم والد المرشح باسم آخر، ما يلغي الورقة عند الفرز. وعلى رغم وجود لوائح الحريري بين أيدي الناخبين، ألا أن اسمي مراد ودحروج كانا الأكثر تردادا في تلك البلدة. وبلغ عدد المقترعين في أحد الأقلام 185 من أصل 653.

وفي بلدة غزة (معقل مراد) ترافقت الأغاني المؤيدة له مع مسيرة نظمها شبان المنطقة تأييدا للحريري. غير أن الصور واللافتات كانت تدل الى تأييد كبير للنائب مراد. ووصلت نسبة الناخبين عند الثانية عشرة والنصف الى نحو 26.5 في المئة.

وفي بلدات الصويري، المنارة، عيتا الفخار، حلوى وكامد اللوز تراوحت النسبة بين 45 و60 في المئة بعد الظهر. وأفادت مصادر الأهالي أن الجيش أوقف عددا من أنصار أحد المرشحين لحيازتهم أسلحة وقنابل يدوية، في حين لفت مندوبون عن توقيف الأجهزة الأمنية لمواطنين سوريين انتحلوا شخصية ناخبين لبنانيين للتصويت لمراد. إلا أن أوساط النائبين الداوود ومراد نفت وصول ناخبين من الأراضي السورية إلى راشيا، واعتبرت »هذا الكلام عاريا من الصحة جملة وتفصيلا».

Monday, June 6, 2005

المعركة غير متكافئة

بنت جبيل : المعركة غير متكافئة ... بوضوح



منال أبو عبس
Al-Hayat (872 كلمة)
تاريخ النشر 06 يونيو 2005

لن يقدر أحد النعمة التي حطت على قضاء بنت جبيل أمس، إلا من تابع الانتخابات البلدية فيها، قبل نحو عام من الآن. فالتحالف الانتخابي بين «حزب الله» و«حركة أمل» أخرج المعركة من طابعها التنافسي التقليدي الشرس، وتحولت إلى ما سماه كثيرون: »استفتاء على نهج المقاومة« أو »رد على الضغوط الأميركية«.

»يكون ابن حرام من يلعب اللعبة«، يقول أبو سعيد (70 عاما) ما إن رأى جاره يدخل إلى قلم الاقتراع الوحيد في بلدة حاريص. فاللعبة هنا تعني التشطيب، أي استبدال مرشحين في إحدى اللوائح بآخرين. والجار معروف بولائه لـ «حركة أمل» وكرهه ما عداها. إلا أن شيئا في المشهد بدا مختلفا أمس، فالجار صار مؤمنا بضرورة التصويت إلى كل أعضاء اللائحة، أي »اللائحة كلها. لأن كل واحد عنده ضمير لن يشطب«، يقول. لكن، ما الذي اختلف منذ عام حتى الآن؟

»ما يحصل هنا هو تلبية لنداء السيد حسن نصر الله والأستاذ نبيه بري ضد من ينادون بنزع سلاح المقاومة«، يقول مندوب »حزب الله«. في الخارج، تغيب أي إشارة الى وجود منافسين لـ »لائحة المقاومة والتنمية والتحرير« التي تضم: نبيه بري، علي عسيران، ميشال موسى، محمد فنيش، علي خريس، حسن حب الله، عبد المجيد صالح، أيوب حميد، علي بزي، وحسن فضل الله. فلا مندوبون ولا حتى لوائح تضم أسماء المرشحين المنافسين.

»النتيجة محسومة«، هذا ما قاله نائب رئيس البلدية علي نصور، موضحا أن »الإقبال جيد، افضل من بيروت، إذ اقترع 60 ناخبا من اصل 500 بعد ساعة واحدة من فتح الصندوق في أحد الأقلام«.

في بلدة تبنين، تنقلب صورة الهدوء المخيم على البلدة منذ الصباح، ما أن يدخل ابن البلدة نبيه بري إلى قلم الاقتراع. تكسو الورود السيارات المرصوفة على الجانبين، وتنطلق الزغاريد المرحبة بـ »القائد«، الذي خاطب جمهوره قائلا إن »المراقبة الحقيقية هي مراقبة الشعب اللبناني ومراقبة الإعلام اللبناني، وهذا الكلام ليس ضد مساعدة المراقبين الدوليين أو الأوروبيين، لكن نعتمد أولا وآخرا على مراقبة شعبنا«.

وفي كونين، رفعت لافتة: »صوتك رصاصة في صدر العدو«، مقابل مدفعية مثبتة في الساحة. مقابل الاثنين صورة عملاقة لبري ونصر الله كتب عليها: »سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم«. خارج هذا المركز أيضا، لا يظهر اثر لمرشحي أو مندوبي الطرف الآخر الذين »ينتقدون المحادل وتحالف الحزب والحركة، إلا أن لا أحد منهم ظهر حتى الساعة«، كما يقول مندوب »حركة أمل«، مشيرا الى غياب مندوبي »لائحة المقاومة والتغيير« التي تضم: رياض الأسعد، أنور ياسين، ناجي بيضون، فوزي أبو فرحات، حسين صفي الدين، وأياد الخليل.

يؤكد المندوب التزام الجميع بلائحة التحالف، مشيرا إلى أن »هذه الانتخابات ليست إلا استفتاء على مبدأ المقاومة وسلاحها، في وجه التدخلات الأميركية«.

في بنت جبيل، يظهر اللون الأحمر (علم الحزب الشيوعي) للمرة الأولى خارج أحد المكاتب الانتخابية، وتعلو صور الأسير المحرر أنور ياسين وناجي بيضون وغيرهما على الحيطان، فيما يجلس في الداخل بضعة شبان، يؤمنون بأن »المعركة غير متكافئة، فالإمكانات المادية محدودة ولا سبيل إلى التعادل مع الطرف الآخر«، يقول أحدهم.

يجلس المرشح بيضون وسط عدد قليل من الشبان، ليتحدث عن ضرورة »تغيير الوضع السيئ في لبنان ومحاربة الفساد«، منتقدا »من قاطعوا الانتخابات وأعلنوا يأسهم وموتهم، لأنه لا يمكن أن تكون على الحياد في معركة التغيير«، وموضحا أن ترشحه »نقطة انطلاق نحو التغيير«.

يرد بيضون غياب المندوبين عن أقلام الاقتراع إلى »ظروف معروفة، فثمة أشخاص يؤيدون التغيير لكنهم لا يريدون التعرض لضغوط معينة«.

وفي ثانوية بنت جبيل الرسمية، يتجول أنور ياسين، مطوقا عنقه بعلم الحزب الشيوعي الأحمر. لا يلتف كثير من الناس حوله، إلا أن ممثل وسائل الإعلام كانوا يطاردونه منذ الصباح، بحثا عن رأي يختلف عن ذلك الطاغي بشدة. »إرادة شعبنا فوق كل المحادل«، يقول ياسين، كاشفا عن تعرضه لمضايقات كثيرة، منها انهم »حجزوا بطاقتي الانتخابية ولم استلمها، كما أطلقوا إشاعات عن انسحابي«. يقطع صراخ »واحد، اثنين، ثلاثة، نصر الله يا حياتي«، حديث ياسين ويغلب عليه.

وأمام مدرسة الشهيد سعيد مواسي المتوسطة في عيترون تبدلت الصورة. واحتلت خيمة للحزب الشيوعي الساحة الخارجية، إلا أن ذلك لم يغير من النتيجة المحسومة سلفا، فـ »تنظيمهم (امل وحزب الله) أقوى، وإمكاناتهم المادية اكبر«، يقول مندوب لائحة التغيير، مشيرا الى ان دور »الشيوعي« تراجع في »ظل تنامي الأولويات والوضع الاجتماعي السيئ».

Saturday, June 4, 2005

ورود وشموع قبالة منزل قصير

ورود وشموع قبالة منزل قصير وجيزيل تصل من سفر مضنٍ


بيروت - منال ابو عبس الحياة 2005/06/4

في اليوم التالي لاغتيال الزميل سمير قصير رفع العلم اللبناني على البناية المجاورة لمسرح الجريمة ولفت السيارة المستهدفة بغطاء بلاستيك، وأنجز الطوق الذي ضربه الأمنيون على محيط مسرح الجريمة الصغير مهمته وأبعد الفضوليين. لكن، ما الذي تغير في شارع فرن الحايك في الأشرفية بعد يوم من وقوع الجريمة؟

في الطابق السابع من البناية المطلة على الشارع، يقع منزل الزميلة جيزيل خوري زوجة الفقيد. يكاد المنزل يكون خالياً إلا من بضعة أقارب وأصدقاء جاؤوا يقدمون واجب التعزية إلى خوري، إلا انه «لا يسمح للإعلاميين بدخول المنزل»، يقول مروان ابن جيزيل. ويضيف: «المصاب أليم والوالدة وصلت للتو من السفر، وترفض التحدث إلى أحد، حتى من خلال الهاتف».

ابن جيزيل كان الأكثر تماسكاً في المكان، جلس في مقدم الصالة حيث يمكنه تقديم المساعدة إلى النسوة المتشحات بالأسود.

لا يعلم مروان شيئاً عن مراسم الدفن، فـ «الوالدة لم تتحدث حتى الآن، ولا اعتقد بأن العائلة بحثت في الطريقة التي تريد بها إجراء التشييع، أي إن يكون مأتماً شعبياً أم رسمياً»، يختم.

على مدخل البناية تقف سيارة درك لحراسة المكان. على الأسوار الحديد المقابلة التي تعزل مسرح الجريمة عن خارجه، أضاء أصدقاء الشهيد قصير شموعاً ليلة استشهاده. الشموع ما زالت على الأرض، والى جانبها نثر كثير من الورود الحمر. عشر وردات حمر رصفت أمام بعضها بعضاً، كانت كافية لترسم خطوات الشهيد الأخيرة من مدخل البناية إلى السيارة حيث قضى.

وكانت خوري وصلت من باريس إلى مطار بيروت الدولي على متن طائرة خاصة للرئيس الشهيد رفيق الحريري ظهر أمس، يرافقها الصحافي عماد الدين أديب. وكان في استقبالها في المطار الملحق الصحافي في السفارة الفرنسية فرنسوا أبي صعب ممثلاً السفير الفرنسي، النائب مصباح الأحدب، رئيس «حركة اليسار الديموقراطي» الياس عطا الله، ابنها مروان وابنتها رنا، رئيس تحرير جريدة «المستقبل» هاني حمود، وعدد من أقربائها.

وغادرت خوري التي بدت منهارة المطار من دون الإدلاء بأي تصريح، أما النائب الأحدب فوصف الجريمة بالسياسية «لأن سمير قصير كان صاحب قلم سياسي بامتياز وكان له دور سياسي خلال انتفاضة الاستقلال»، مشدداً على «ضرورة الوعي للمواجهة ليس فقط على المستوى الأمني إنما أيضاً السياسي».

وأكد الأحدب «أهمية رص الصفوف لدى الأطراف ووضع حد للتدخلات، وإذا اعتبرنا بأن جريمة كهذه هي غير سياسية فسنعطي بذلك تبريراً لمن يعملون على تفكيك الوضع والرجوع إلى السيطرة على الحياة السياسية».

Friday, June 3, 2005

ساحة الانفجار مكان للبكاء

ساحة الانفجار مكان للبكاء... والكلام

منال أبو عبس
Al-Hayat (857 كلمة)
تاريخ النشر 03 يونيو 2005


في وسط شارع فرن الحايك المتفرع من شارع الأشرفية الرئيس يقف رجال ثلاثة. يشد كل منهم بقبضة يده على كتف الآخر، ويجهشون بالبكاء بعدما شكلوا ما يشبه دائرة مقفلة. حوالي الحادية عشرة صباح أمس، وضع البعض حدا لحياة الزميل في جريدة »النهار« سمير قصير. والرجال الثلاثة هم من رفاق درب الصحافي المعارض الذي صار شهيدا.

في ذلك الشارع المكشوف تقع مدرسة زهرة الإحسان. المدرسة لم يصب فيها أحد بأذى. وفي الشارع أيضا يقع عدد قليل من المتاجر الصغيرة وبائع زهور. يرتفع صوت الرئيس السابق لـ »الحزب الشيوعي اللبناني« جورج حاوي، متهما الأجهزة التي »تقتل وتفتك، كي يبقى رئيس الجمهورية في قصر بعبدا«. رئيس »حركة اليسار الديموقراطي« الياس عطا الله، كان أيضا يبكي والى جواره الكاتب الياس خوري، لكن خوري لم يتلفظ بكلمة، اكتفى بالبكاء. ولم يسلم أي من »فلول النظام الأمني« من شتائم عطا الله.

على المقلب الآخر من الشارع يقف النائب المنتخب مدير عام جريدة »النهار« جبران تويني. يدعو تويني المعارضة و«الجنرال إلى توحيد الصفوف كي لا يتمكن أي سوري في هذا النظام الأمني من اقتناصنا الواحد تلو الآخر«. تغلب ملامح القلق والدهشة على وجه تويني، وتطغى على تصرفاته، فيصرخ في وجه مرافقه طالبا منه تركه وحيدا. يعرف المرافق متطلبات الظرف القاهر، فيمشي خطوات عدة ويراقب تويني المنفعل من بعيد.

على بعد خطوات قليلة من السياسيين وكاميرات المصورين، يحرس العسكريون الكثر طوقا اصفر ضربوه لمنع المارة من الاقتراب من مسرح الجريمة. يسور الطوق الذي انتشر فوقها الزجاج المكسور ثلاث سيارات صفت خلف بعضها بعضا، ويسور الشارع الفاصل بين المتجر الصغير ومحل الورد. لكن، الواقف مباشرة خلف هذا الطوق يمكنه مراقبة بقايا أشلاء بشرية ملتصقة بحديد سيارة الفاروميو بيضاء، كان يهم قصير بإدارة محركها لحظة انفجرت.

تصل رائحة اللحم المحترق إلى محل الورد، وترتفع حدة الرائحة ما أن يبدأ الخبراء الجنائيون رفع ما تبقى من أشلاء عن السيارة ومحيطها.

»منزل جيزيل خوري (زوجة قصير) في الطابق السابع«، يقول بائع الورد عادل حسن. البائع كان آخر من شاهد قصير حيا، قرابة العاشرة والثلث، »الشارع هادئ، ولم يكن هناك الكثير من المارة، عندما نزل قصير من البناية، ممسكا بجاكيت بزته على كتفه. ركب في سيارته، فدخلت لأنهي طلبية علي تسليمها خلال وقت قصير. سمعت صوت الانفجار وكانت الكارثة«. لا يعرف عادل، الزميل الشهيد منذ وقت طويل، »فقط منذ بدأ يتردد إلى منزل خوري، منذ عام ونصف، اعرف فقط جيزيل لأنها جارتي وولديها (من زوج آخر) مروان ودانيا«. البائع يلبس الأسود منذ الصباح، ولا يبدو معنيا بإزالة آثار الدمار من محله، الذي نثر فيه الزجاج فوق سلل الورود.

»الكلاب للدرك، لماذا لم يحضروها عند اغتيال الحريري«، يصرخ شاب منعه الأمنيون من اختراق الطوق. »في السان جورج وجدوا جثة بعد شهرين، ربما لو استدعوا الكلاب آنذاك، لبقي صاحب الجثة حيا«، يضيف منفعلا.

تشم الكلاب البوليسية رائحة السيارات المجاورة، والبقايا المتطايرة على الأرض. وتشم حذاء نسائيا صيفيا ونظارة شمسية وجدت في مكان قريب من سيارة قصير. الحذاء والنظارة يعودان إلى امرأة صودف مرورها قرب السيارة لحظة الانفجار. أصيبت المرأة التي قيل بداية أنها زوجة قصير، ونقلت إلى المستشفى. ثم بقيت هويتها مجهولة في وسائل الإعلام، بعدما تأكد أن زوجة قصير موجودة في أميركا منذ أسبوع.

في الطابق السابع من البناية المطلة على الانفجار، كانت ميسا واليانا ابنتا قصير، غير مصدقتين لما حدث لوالدهما. »لا تريدان مقابلة أحد«، يقول ناطور البناية مانعا الصحافيين من الصعود. فـ »الظرف صعب، والشهيد لم يمض على زواجه من خوري اشهرا«، وعلى رغم منع العسكريين للعامة من الاقتراب من موقع الانفجار، ظلت الساحة تغص بالحاضرين، سياسيين وشعبيين. سياسيون كثر سمعوا ما سمعه النائب حرب الذي لاحقته إحدى السيدات قائلة: »الأشخاص يقتلون وانتم تأتون لتتكلموا فقط. لا تتفوه بأي كلمة. منذ عام 1975 وانتم تقتلوننا. أولادنا تهجروا. وقصير مات ولن تحزن عليه إلا زوجته وعائلته. والله يساعد الجنرال عون. المعارضة والموالاة كلهم كذابين«. قبل هذه السيدة قام أربعة آخرون بتصرفات مماثلة، إلا أن أبناء الحي يعرفون أن »هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى التيار الوطني الحر«.

بعد الظهر، انصرف السياسيون من الموقع. وبقي العسكريون يحرسون سيارة بيضاء محترقة، من نوع »الفاروميو« وهي سيارة الشهيد قصير ولوحة تسجيلها كتب عليها: »لبنان 165670« مطوية أمام السيارة وقطعا صغيرة منها متناثرة على الطريق وبعض الأشلاء وجد في موقف سيارات في الجهة المقابلة لها.

Wednesday, June 1, 2005

وديع الصافي يناشد الأسد

وديع الصافي يناشد الأسد إطلاق المعتقلين اللبنانيين في سورية

منال أبو عبس
Al-Hayat (461 كلمة)
تاريخ النشر 01 يونيو 2005


لو لم يذرف الفنان وديع الصافي تلك الدمعة، ويتوقف بعدها عن الكلام، لما كان للمؤتمر الصحافي الذي عقد في نقابة الصحافة أمس، للإعلان عن برنامج ترشيح المهندس سيمون صفير عن أحد المقاعد النيابية المارونية في كسروان - جبيل أي نكهة خاصة.

فالمؤتمر الذي تضمن »إطلاق مبادرة إنسانية من أجل تحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، وإطلاق سراح قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، في مبادرة لطي صفحة الماضي«، لم يخرج عن طابعه السياسي العام طوال المدة التي كان المرشح يتلو فيها بيانه الانتخابي. غير أن جملة واحدة غير مكتوبة تلفظ بها الصافي، أخرجت المؤتمر عن مساره الانتخابي التقليدي: »أناشد ابن أخي، الرئيس السوري بشار الأسد. والده رحمه الله المعلم حافظ الأسد كان أخي. أناشده بشرفه، أن يعمل معروفا ويطلق أولادنا المعتقلين في السجون السورية«، قال الصافي. لم تثر الجملة حماسة الحاضرين القلائل، فاستدرك مضيفا: »أولادنا المعتقلون في سورية يجب أن يخرجوا منها قبل المعتقلين في إسرائيل. سورية شقيقتنا. وأولادنا غالين على قلوبنا. وسورية لها الفضل على وديع الصافي. ومحبة بتاريخنا المشترك وصداقتنا أناشدهم أن يرفعوا أيديهم عن أولادنا ويبرئوهم، ويعيدوهم إلى أهلهم الثكالى. أرجوك يا سيادة الرئيس بشار الأسد. استحلفك بأولادك وبرحمة والدك أن تلبي طلبي«، وبكى الفنان.

قبل هذه اللحظة، كان الصافي يتحدث بجدية عن ضرورة إطلاق سراح جعجع ورفيقه جريس خوري. وقبها أيضا، كان يعدد مزايا المرشح المهندس والرسام والصحافي: »ابني الروحي ورفيق اولادي«، الذي »عنده هم بيئي كبير« والذي اقترح »زراعة شجرة أرز في المناطق اللبنانية، ونفذ المشروع برعاية رئيس الجمهورية«.

وفي بداية المؤتمر، انتقد نقيب الصحافة محمد بعلبكي امتناع البعض عن التصويت أو مقاطعتهم الانتخابات، لأن »ذلك لا يضفي جوا ديموقراطيا على العملية الانتخابية«، معلنا تفاؤله بأن »تحصل معركة انتخابية في كسروان - جبـــيل، بخلاف ما يحصل في مناطق أخرى«.

وكان صفير عرض في برنامجه أمورا عدة، منها: ضرورة »صياغة قانون انتخابي عصري عادل يتلاءم مع تطلعات الشعب اللبناني، طي ملف المهجرين والغاء وزارة المهجرين، خفض الاقتراع الى سن الثامنة عشرة، تفعيل دور الأحزاب اللبنانية وتوجيهها في مسار غير طائفي، تفعيل دور النقابات ورفع يد السياسيين عنها، ضبط الحدود من اجل وضع حد لفرض الخوات على سائقي شاحنات النقل وللنقل والتهريب، الحد من البطالة والهجرة، تأمين التعليم والاستشفاء المجاني وضمان الشيخوخة لجميع المواطنين، وتشجيع السياحة البيئية ... ».