Tuesday, November 9, 2004

استبدال العطلة يذكر بتقسيم «شرقية- غربية»!

معارضون يرفضون التخلي عن « الويك أند »... ومؤيدون يتهمون الآخرين بالعمالة لإسرائيل !. استبدال يوم الجمعة بعطلة يوم السبت في الثانويات الرسمية اللبنانية يذكر بتقسيم « شرقية - غربية »!

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,418 كلمة)
تاريخ النشر 09 نوفمبر 2004

تزامنا مع بدء العام الدراسي، شكل وزير التربية اللبنانية سمير الجسر لجنة من الوزارة قوامها: مدير عام التربية جورج نعمة، مدير التعليم الثانوي وائل التنير، مدير التعليم الابتدائي ايلي سماحة، ورؤساء المناطق التربوية. أصدرت اللجنة توصية إلى الوزير يتم بموجبها اتخاذ قرار بيوم التعطيل في المدارس الرسمية، بعد مراجعة المرجعيات الدينية في القرية، او البلدة، أو المدينة. وبناء عليه، اصدر الوزير قرارا دعا بموجبه المدارس الثانوية إلى مراجعة رؤساء الطوائف والاتفاق معهم... وبالنتيجة، استبدلت عطلة يوم السبت في المدارس الرسمية (الواقعة في المناطق الإسلامية) بيوم الجمعة.

رفضت رابطة الأساتذة الثانويين قرار الوزير، معتبرة أن موضوع التعطيل يستلزم قرارا سياسيا من مجلسي الوزراء والنواب. وتماما كما في كل قضية، لم يخفت صوت الموالين، فردت رابطة الطلاب المسلمين على الأساتذة، واتهمتهم بالعمالة لإسرائيل، مؤكدة أن عطلة يوم الجمعة حق للمسلمين، فيما بقي طلاب بعض المدارس الرسمية، مضربين عن الحضور يوم السبت.

طلاب الشرقية وطلاب الغربية

لا أحد يعرف ما الذي يدور في رأس جمال وهي تنزل حقيبتها المدرسية عن كتفيها، لترفع لافتة كبيرة أمام بوابة مدرستها. اللافتة تطالب بـ«توحيد أيام العطلة»، وترتفع قبالة واحدة من أهم المدارس الرسمية في لبنان.

إلى جانب جمال تقف مجموعة من طلاب تلك المدرسة يرددون شعارات ترفض «تدخل رجال الدين في التعليم الرسمي»، و«إثارة النعرات الطائفية» و«التمييز بين المناطق تبعا لاختلاف مذاهبها».

تحرك جمال ورفاقها كان الرد الأول على استبدال يوم العطلة، لكنه لم يكن الوحيد، إذ امتدت الاعتصامات من ثانوية رمل الظريف (رينيه معوض)، إلى ثانويتي زاهية قدوره وفخر الدين المعني (للبنات) في بيروت. و«حاليا هناك اتصالات بين طلاب الثانويات في بيروت الغربية من اجل تنظيم تحرك عام يرفض القرار»، يؤكد سامي (17 عاما)، أن القرار الجديد «ليس إلا محاولة أخرى للفصل بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية» وهما مصطلحان أفرزتهما الحرب الأهلية في لبنان، للتمييز بين المنطقتين المسيحية والمسلمة.

نظرة سامي السياسية إلى القضية، لم تلحظ إلا جانبا واحدا منها. «فالقرار يهدد الشعور بالانتماء إلى الثانوية الرسمية... ويجبرنا على التوجه إلى المدارس الخاصة»، هو إذا «يضرب التعليم الرسمي في الصميم»، بحسب وجهة نظر رانيا. تبدو رانيا اكثر دراية بخلفيات القرار «الممتدة من العام 1973، عندما حاولت وزارة التربية تطبيقه، وفشلت. ثم أعادت الكرة العام 2001 وفشلت، وها هي تحاول مجددا».

تضم المدارس الرسمية في لبنان الفئات الاجتماعية المتوسطة وما دونها. الأكثرية الساحقة من تلك الفئات تنتمي إلى مناطق البقاع والجنوب. وهي بالذات الشريحة التي علا صوتها الرافض لخطوة «تفرض ضغوطا اجتماعية كبيرة» يقول محمود.

ويضيف: «الفصل بين يومي العطلة يمنعنا من التوجه إلى قرانا بعد أسبوع من العمل والدراسة»، وهو بالنسبة اليه السبب الأساسي للاعتصام ضد القرار. يستغل محمود عطلة نهاية الأسبوع ليتوجه إلى البقاع حيث يمضي الفترة الممتدة من مساء الجمعة حتى صباح الاثنين. والد محمود موظف في دائرة رسمية، وبالتالي «عطلة الجمعة والأحد ستمنع العائلة بأسرها من التوجه إلى القرية طيلة العام الدراسي».

الدواعي الأمنية ومتطلبات السلامة شرط آخر يتجاهله الوضع الجديد. فعودة الطلاب وحدهم عند السادسة أو السابعة من مساء يوم السبت، هو ما ترفضه في شكل قاطع والدة مروى. وتقول: «تنقلات المقيمين في ضواحي بيروت وخارجها... والذين يعودون إلى منازلهم مع أهلهم العاملين في بيروت في عطلة نهاية الاسبوع» هي المشكلة التي تسعى الوالدة إلى إثارتها أمام «الرأي العام».

ولكن، من ناحية أخرى، المبدأ الذي يستند إليه القرار صحيح... هو حق المسلمين في يوم للصلاة. وهو بالذات ما يسعى عدد من الطلاب المسلمين إلى الدفاع عنه أمام المعنيين. يرفض رائف كل الضغوط التي يمارسها زملاؤه لإلغاء عطلة يوم الجمعة، معتبرا أنها «اعتداء على حقوقنا وإهانة لمشاعر المسلمين، وحقهم في التوفيق بين دراستهم وممارسة شعائرهم الدينية».

وفي كلتا الحالتين يبقى شعار «نعيش في دولة تحترم كل الطوائف»، حجة فاعلة تتكرر على السنة الموالين والمعارضين على حد سواء. فالعبارة مطاطة، واللبنانيون عموما، ومن ضمنهم طلاب المدارس والثانويات يجيدون استخدام لغة السوق وتسخيرها في خدمة قانون العرض والطلب.

الهيئات والفاعليات والروابط التربوية عنصر آخر في القضية. ومن أهم خصائص هذا العنصر هو إصدار البيانات التي لا تخلو من اتهامات، تاركين للطلاب وحدهم مهمة القيام بالخطوات العملية.

أولا، أعلنت رابطة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان، في بيان، رفضها القاطع «للإصرار على فرض التعطيل نهار الجمعة على بعض الثانويات والمدارس الرسمية في عدد من مناطق العاصمة والمحافظات من دون سواها». وصفت القرار بأنه «لا يستند إلى أي مسوغ قانوني أو تشريعي». وطالبت الوزارة بتحمل مسؤوليتها الوطنية والتربوية بالحفاظ على «التنوع والوحدة والاندماج الوطني الحاصل في مؤسساتنا التعليمية، وترك الخيار إلى الإدارات والأساتذة وأهالي التلاميذ لاختيار أيام التعطيل التي تتناسب ومصالح التلاميذ وتحصيلهم العلمي».

وثانيا، وحتى لا تستفرد رابطة الأساتذة بالميدان، فتستميل العقول لمصلحتها، اجتمع مؤيدو القرار في منزل النائب السابق زهير العبيدي. وأصدرت «رابطة الطلاب المسلمين» بيانا تتفهم فيه «مقاصد وخلفيات بعض أعضاء رابطة الأساتذة الثانويين من العلمانيين والمرتبطين بالتوجه التربوي الغربي والمحافل الصهيونية، كي يضغطوا باتجاه إلغاء قرار التعطيل يوم الجمعة لتأمين عطلة أسبوعية ليومين كاملين، ثم لتعلم الرابطة أن استبدال التعطيل يوم الجمعة بيوم السبت إرضاء لبعض الأساتذة القادمين من القرى والبلدات النائية ويمارسون التعليم في مراكز الأقضية والمحافظات ما هو إلا ذر للرماد في العيون ويصبح الاستبدال خدمة مجانية لبني صهيون ليعززوا سيطرتهم الاقتصادية والثقافية والعسكرية على العالم!!».

الطلاب هم المعنيون الأوائل في هذه القضية. هي قضية توفر لكل منهم الوقت لممارسة شعائره الدينية. لكن لبنان بلد التعايش والحرية والمساواة، هو أيضا بلد الـ19 طائفة التي لا ترضى كل منها بتهميش أي حق من حقوقها.

فالقرار الأخير، واضح وصريح، أن تعطل المدارس بالتوافق مع رجال الدين في المنطقة. ولكن أي مشكلة يحلها القرار؟

في منطقة من لبنان توجد مدرسة رسمية. مدير المدرسة ينتمي إلى الطائفة الأكثر عددا. وكنتيجة: التعليم الديني فيها يخضع إلى المرجعية الدينية الأكثر نفوذا في المنطقة، فهل يمكنك أن تتخيل عدد المتضررين من هذا الأمر الواقع؟:طلاب شيعة في مدارس بيروت الرسمية يشكون التعليم الديني على مبادئ أهل السنة، وطلاب سنة في الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب حيث الأكثرية الشيعية يشكون العكس.

ثم ان هناك الطلاب المسلمين في المناطق المسيحية والدروز الذين يشكون غياب ممثليهم الدينيين عن المدارس كلها.

ونتيجة منطقية، ونظرا إلى استحالة استصدار قرار يحل مشكلات الطوائف التربوية كلها. فهل يفكر المعنيون في إبقاء المدرسة الرسمية صرحا تربويا لا يفصل بين تلاميذه تبعا لطوائفهم، وتكون بذلك متنفسا لجميع اللبنانيين، الهاربين إليها من المدارس المسيحية التي تمنع الحجاب في حرمها، أو الإسلامية التي تفرض الحجاب على طالباتها.

وفي حال لم ينل الاقتراح السابق رضا المعنيين، أليس من الأفضل أن يتم التعطيل في المدارس الرسمية أيام الجمعة والسبت والأحد. وبذلك نزيح عن كاهل الطالب أياما دراسية منهكة، علما أن أيام الدراسة السنوية في المدرسة الرسمية اللبنانية تقارب الـ 180 يوما فقط!

No comments:

Post a Comment