Tuesday, November 30, 2004

تظاهرات طلاب لبنان في الاستقلال تتخذ طابعاً يمينياً

تظاهرات طلاب لبنان في الاستقلال تتخذ طابعاً يمينياً... ولا مكان فيها لأهل الوسط
بيروت - منال ابو عبس الحياة 2004/11/30


لا شيء يشبه بيروت ثمانينات القرن الماضي. رحيل ياسر عرفات المتلفز أعاد إحياء صور بيروت الحرب على شاشات فضائيات كثيرة. خروج الفلسطينيين من لبنان, بملابسهم العسكرية الكاكية, الرز المنثور على رؤوس الفدائيين المبعدين. نساء ورجال مصطفون على جوانب الطرقات, يذرفون الدموع بسبب خروج تنظيم عربي قاسمهم شبانه معاناة التهجير والدمار.

لا شيء يشبه بيروت ثمانينات القرن الماضي, ما عدا امرأة ستينية, بشعر أبيض وفستان أسود, على شرفة منزلها القديم تنثر الرز فوق تظاهرة شبابية تنطلق باتجاه منطقة المتحف القريبة, في الأيام القليلة السابقة لعيد استقلال لبنان الحادي والستين في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
المرأة والشرفة والتظاهرة مشهد كأنما اقتطع من سجل تلفزيوني قديم. في السجل القديم ذرفت فئات من اللبنانيين الدموع ونثرت الرز على رؤوس شبان سيطول فراقهم. آنذاك خرج اللبنانيون إلى الطرقات ليرافقوا المبعدين في رحلتهم الأخيرة عن أرض لبنان, قبل أن يغيبهم البحر.


19 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري, لا يشبه في جوهره يوم خروج الفلسطينيين من لبنان. القضية الحالية حتماً مختلفة, لكن الصورة مشابهة. في السابق رفع بعض اللبنانيين اكفهم مودعين شباناً من تنظيم عربي. اليوم ترفع سواعد فئات أخرى مطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان. القضية مختلفة, لكن المشهد واحد. ثلاثة آلاف شاب من "التيار الوطني الحر" بقيادة العماد ميشال عون, و"القوات اللبنانية" المحظورة, و"القاعدة الكتائبية", و"حزب الوطنيين الأحرار" و"حراس الأرز", ينطلقون من جامعاتهم الموزعة في مناطق مختلفة من بيروت: الأشرفية, فرن الشباك, سن الفيل, الدكوانة وغيرها. يجوبون طرقات بيروت مطالبين بـ"ببلد رجاله أصحاب قرار", معلنين "تمسكهم باستقلال لبنان, استقلالاً حقيقياً وباستعادة قرارهم الحر".

ورفع طلاب جامعة "القديس يوسف" لافتة تعهدوا فيها "بمتابعة مسيرتنا حتى تحرير آخر شبر من أرضنا من كل احتلال سوري, أياً كان نوعه" ثم وقعها المتظاهرون.

مطالب اليوم تماماً كمطالب الأمس, لا تعبر إلا عن فئة قليلة من اللبنانيين. الفئة القليلة المتظاهرة هنا, تحتكر آراء لبنان معتبرة أن "طلاب لبنان والشعب اللبناني كلهم موحدون في المطالبة باستقلال لبنان, وجلاء الجيوش الأجنبية كلها عن لبنان, وعودة القرار إلى يد الشعب اللبناني", يقول مسؤول الهيئة الطلابية في إحدى الجامعات. ينتمي المسؤول إلى "طلاب التيار الوطني الحر" الذي يجاهر بديموقراطيته في التعاطي مع القضية. التيار نفسه يتجاهل آراء فئات لبنانية تطالب ببقاء الجيش السوري في لبنان, وتجد فيه ضمانة وجودها.


... وحده وزير الداخلية تغيّر

المتظاهرون حضاريون, هذا ما أثبتته التظاهرة الأخيرة. القوى الأمنية اكثر حضارة, كما اثبتت في تعاطيها مع الطلاب. المتظاهرون أو بعضهم على الأقل, تعرضوا العام الماضي إلى التوقيف والضرب على أيد أمنية, لرفعهم الشعارات نفسها التي يرفعونها اليوم. وزير الداخلية وحده تغير. سليمان فرنجية حل مكان الياس المر. تبدل الوزير جاء في مصلحة الطلاب. ربما هذا الذي دفع مسؤول الهيئة الطلابية إلى تقديم وردة إلى الضابط المسؤول أمام باب الجامعة طالباً منه الإذن بالخروج لموافاة رفاقه المتظاهرين أمام درج المتحف.

المتحف هو المكان المنشود لأن "استقلال لبنان صار من التاريخ, يعني دخل المتحف", كمـا قـال أحد المتظــاهرين سـاخراً.

عناصر الدرك, والجيش, والدفاع المدني, والصليب الأحمر وقوات مكافحة الشغب, لا يتغيرون كل عام, وان كانت ديبلوماسيتهم الزائدة في التعاطي مع القضية جعلت المتظاهرين لا يصدقون انهم هم نفسهم. أولئك رافقوا المتظاهرين من أماكن انطلاقاتهم الكثيرة حتى نقطة التجمع. وقفوا يراقبون الشبان من بعيد. الطريقة الودية التي تعاطى بها الجميع, صعبت مهمة عنصر آخر لازم الوجود في كل تظاهرة. صاحب النظارة السوداء يندس بين شبان باتوا يعرفونه جيداً. "مخابرات, مش مستحي من حالك؟" هي العبارة الوحيدة التي يوجهها أحدهم اليه.

تظاهرة المطالبين باستقلال لبنان, تضم أحزاب المعارضة اليمينية. اليمينيون أنفسهم حملوا أعلاماً تشبه علم لبنان, لكن لونها اسود. رفعوها عالياً ليسير خلفها سامي نجل الرئيس السابق أمين الجميل, ونديم ابن الرئيس الراحل بشير الجميل. نديم وسامي ومسؤولو الأحزاب الأخرى يطالبون باستقلال لبنان.

أحزاب التظاهرة الرئيسية الأربعة, تطالب باستقلال لبنان... كما أراده ميشال عون, وبشير الجميل, وأمين الجميل, وداني شمعون, وسمير جعجع أو غيرهم... لا يهم. عدد النماذج المطلوبة لاستقلال لبنان لا تهم, طالما أنها جميعاً تصب في خانة خروج الجيش السوري من لبنان. قرار الأمم المتحدة الرقم 1559 نفسه لم يكن محط اتفاق بين الجميع, فأنزلت اللافتات نزولا عند رغبة مسؤول الطلاب في "القوات اللبنانية".

تبث الشاحنة الصغيرة الأغاني الحزبية والوطنية اللبنانية. مكبرات الصوت تجتذب انتباه المشاركين. المكبرات تثبت على أطراف سطح الشاحنة. يتنكر شاب بملابس أسامة بن لادن. في يده كلاشينكوف بلاستيكي يصوبه نحو رأس فتاة لف بالعلم اللبناني. على عباءة الشاب البيضاء ثبتت لافتة "سورية إرهابية". على رأس الفتاة كتبت عبارة "لبنان السلام". هوية الشاب تضيع بين الأحزاب المشاركة. يصعد إلى سطح الشاحنة. يمد يده إلى آخر غير متنكر بزي. يرفع الشاب لافتة كبيرة كتب عليها بالإنكليزية "بوش ساعدنا في إنقاذ لبنان. 1559"520 الآن". اللافتة تحمل توقيع حزب "حراس الأرز" الذي نشأ مع بداية الحرب اللبنانية في منتصف السبعينات.

رئيس الحزب إتيان صقر الملقب بـ"أبو أرز" يقيم في إسرائيل أو قبرص منذ تحرير الشريط الحدودي في جنوب لبنان. في كتابه "فصول في الوعي القومي" الصادر عام 1986يعتبر صقر أن "أمن لبـنان من أمن إسرائيل, وكلما قويت إسرائيل قوي لبنان, وكلما ضعـفت ضـعف". في التظاهرة التي تسـبق الاحتـفال بعيد الاستقلال, يستنجد شاب لبناني تابع إلى حزب رئيسه فار من العدالة اللبنانية, باستقلال لبنان بمساندة جورج بوش!

"لبنان ديموقراطي حتى العظم", هذا ما استنتجه أحد الشبان المشاركين في التظاهرة. الشاب لا ينتمي إلى أي من الأحزاب المشاركة, لكنه يطالب بجلاء الجيوش الأجنبية عن أرض بلاده. "جميع الجيوش الأجنبية", يقول الشاب. يدير ظهره مع نهاية الكلمات السياسية التي توجه بها مسؤولو الأحزاب إلى المتظاهرين. يعرف أن لا مساحة صغيرة تخصص ليتظاهر عليها أمثاله. أولئك الهاربون من التظاهرات الإسلامية التي لا تطالب إلا بجلاء إسرائيل, واطلاق سراح الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية, والهاربون من التظاهرات المسيحية التي لا ترى عدواً غير سورية, ولا معتقلين لبنانيين إلا فـي السـجون السـورية.

Saturday, November 20, 2004

تظاهرة طلاب المعارضة

القوى الأمنية تغاضت عن غياب الترخيص والتحرك مر بسلام . تظاهرة طلاب المعارضة توحدها المناداة بـ« الاستقلال » و« تفرقها » النظرة الى الوجود السوري في لبنان

مالك القعقور - منال أبو عبس - روزيتا عقل
Al-Hayat (1,078 كلمة)
تاريخ النشر 20 نوفمبر 2004

لم تتلطخ التظاهرات الطالبية في بيروت امس بأي نقطة دم، بخلاف ما جرت عليه العادة، إذ لم يسقط جرحى ولم تحصل صدامات بين القوى الأمنية والمتظاهرين. لكن نهار امس سدد مئات اللبنانيين ثمنه سجنا بسياراتهم ساعات على مداخل بيروت الجنوبية والشرقية والشمالية، بسبب حواجز اقامتها القوى الأمنية للحيلولة دون وصول الطلاب - المتظاهرين الى جامعاتهم في بيروت. وذهب في جريرتهم مئات المواطنين والموظفين.

وتمكن المتظاهرون وهم من مناصري »التيار الوطني الحر« (بقيادة العماد عون) و»القوات اللبنانية« (المحظورة) وحزب »الكتائب - القاعدة الكتائبية« و»الأحرار« و»حراس الأرز«، من الوصول الى محلة المتحف من غير جامعة حددوها للتجمع تحسبا لمنعهم. وتمكن عشرات من طلاب »منظمة الشباب التقدمي« و»اليسار الديموقراطي« من التجمع قرب السرايا الحكومية والتظاهر. وتقاطعت التظاهرتان عند المطالبة بـ»الاستقلال الكامل« مع الاختلاف الواضح في النظرة الى الوجود السوري.

لكن بدا ان الحواجز التي اقامتها القوى الأمنية عند مداخل بيروت والتي وصفها الطلاب بـ»حال طوارئ«، كانت جزءا من »ذكاء« السلطة التي سمحت للطلاب بالخروج من الجامعات، »متساهلة« في تطبيق القانون الذي يمنع التظاهر من دون طلب اذن. وأظهر الطلاب »الثائرون« ضد السلطة والوجود السوري في لبنان »ذكاء« ايضا، إذ لم يخرجوا من جامعة »القديس يوسف« قبل ان يستأذنوا القوى الأمنية. فعشرات الطلاب الذين كانوا يستمعون الى زميل لهم يتحدث عن »الهيمنة السورية« وعن »السيادة والاستقلال المفقودين«، راحوا ينشدون النشيد الوطني وأغنية »تسلم يا عسكر لبنان« عندما دنا زميلهم مسؤول الطلاب في كلية الحقوق مروان معلوف من ضابط كبير في القوى الأمنية مقدما إليه وردة، متمنيا عليه »ان تسمحوا لنا بالخروج في تظاهرة سلمية من هنا الى المتحف (نحو 005 متر) لنعبر عن رأينا ومطلبنا السيادة والحرية والاستقلال«. وقبل منه الضابط الوردة وسمح لهم بالخروج »وسنواكبكم«. وقال المسؤول في »التيار« طوني حرب ان عون أوصاه في اتصال معه من باريس بـ»تنفيذ التظاهر مع اعتماد الحكمة بعدم التصادم مع القوى الأمنية«.

وتحولت القوة الأمنية الكبيرة من جيش وقوى امن داخلي مزودة بفرق مكافحة الشغب وسيارات الإطفاء، التي كانت مرابطة امام الجامعات، الى قوة مواكبة لمسيرة الطلاب الذين رفعوا اعلاما لبنانية كثيرة وصور العماد ميشال عون والرئيس الراحل بشير الجميل وقائد »القوات اللبنانية« سمير جعجع.

وأطلق المتظاهرون هتافاتهم المعتادة: »ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني«، و»ما بدنا طائفية إسلام ومسيحية«، و»ما بدنا مجلس نواب يوقف للسوري بواب«. وكذلك رفعوا لافتات، تقدمها شعار »التيار« للمرحلة الراهنة: »9551، لبنان في لبنان وسورية في سورية«.

وفي »جامعة الحكمة« في فرن الشباك بدا عناصر القوى الامنية وسائقو سيارات الاطفاء في حال ترقب، لا تأهب. والطلاب القلائل انطلقوا من بوابة الجامعة للانضمام سيرا الى رفاقهم في المتحف. واعتبر بعضهم الخروج الى الطريق »انتصارا«.

اما في الدكوانة، فتجمع مئات الطلاب المهنيين والجامعيين ولم تسمح لهم القوى الامنية بالتوجه نحو المتحف للانضمام الى مركز التجمع الرئيسي، فاستقلوا الحافلات.

وفي المتحف استقرت القوى الامنية على الرصيف المقابل لدرج المتحف. مئات الشبان والشابات بقمصان بيض خط عليها شعار »التيار« تحت صورة عون، ومئات الوشاحات البرتقالية على رقابهم. واختلطت هذه الصورة بصورة اخرى اقل حضورا لطلاب »القاعدة الاصلاحية الكتائبية« بقمصانهم السود، المكتوب عليها بالأحمر. وبدا ان الطلاب غير مرتاحين لأن القوى الامنية سلمية »أكثر من اللازم«، كما قال »قواتي«، قبل ان يذكره صديقه بضرورة عدم الوثوق بـ»الأجهزة«، لأنهم »عودونا أن يخرقوا الدستور«.

ورفعت في المكان لافتتان تؤكدان المشاركة النسائية للمرة الاولى، خط على احداها »ولدناكم أحرارا فاستعيدوا استقلالكم، الامهات في التيار الوطني الحر«.

حتى الثانية عشرة والنصف كان عدد المتظاهرين مخيبا لآمال المنظمين اذ لم يتجاوز الألفين، وكان احتكاكهم بعناصر القوى الامنية المسالمة اصلا، اقرب الى الود. غير ان بعض المتظاهرين تحدثوا عن اعتراض القوى الامنية سبيل مئات الشبان الآتين من منطقة ضبيه حيث اعتقل احد مسؤولي »التيار«، جينو عون.

عند الواحدة طغى طلاب »القوات اللبنانية«، رافعين اعلام لبنان موشحة بالأسود، وعبارات »مقاومون حتى الحرية« بالأحمر، يتقدمهم نديم بشير الجميل وسامي أمين الجميل، مما ادى الى ارتفاع العدد فجأة الى اكثر من اربعة آلاف ورفعت كثرة من المتظاهرين لافتة حملت عبارة »القرار 9551«. وارتدى احدهم قناع وجه اسامة بن لادن، متنكرا بلباس ابيض كتب عليه »سورية ارهابية«، رافعا بيده كلاشنيكوفا بلاستيكيا. والى جانبه رفع شاب لافتة كبيرة كتب عليها بالانكليزية: »بوش ساعدنا لانقاذ لبنان. 025 + 9551 الآن«، وتحمل توقيع حراس الأرز.

وفي ختام التظاهرة، ألقى مسؤولو التيارات كلمات شددوا فيها على مطالبتهم باستقلال لبنان، في حين اعترض رئيس هيئة الطلاب في »القوات اللبنانية« دانيال سبيرو على رفع لافتات تطالب بتطبيق القرار 9551، داعيا المنظمين الى تطبيق ما اتفق عليه سلفا.

اما في رياض الصلح في وسط بيروت فتظاهرت مجموعة طلاب »منظمة الشباب التقدمي« و»حركة اليسار الديموقراطي« و»منظمة بلا حدود« من الجامعة الاميركية في بيروت، احتجاجا على »قرار منع التظاهر«.

ورفع المتظاهرون شعارات منها »سيادة وطنية، خبز وعلم وحرية«. و»الاستقلال يعني لبنان العربي الديموقراطي« و»لا للتمديد وحكومة ممثلي الأجهزة« و»من اجل استقلال سورية عن لبنان«. وكان عدد عناصر القوى الامنية اكبر من عددهم، حين ساروا في اتجاه ساحة الشهداء.

وعزوا قلة عددهم الى منع القوى الامنية زملاءهم خارج بيروت من الوصول ولم ينضموا الى متظاهري المتحف »على رغم تقاطعنا معا على اعتبار الاستقلال منقوصا«، لأنهم يرفعون شعارات لا نوافق عليها كمفردة »الاحتلال السوري«.

Wednesday, November 17, 2004

« كراكيب » مسرح الدمى

أصوات شبيهة بأصوات الصيصان المسجونين في قفص .« كراكيب » مسرح الدمى اللبناني تخاطب مخيلة الصغار

منال أبو عبس
Al-Hayat (611 كلمة)
تاريخ النشر 17 نوفمبر 2004

كان جاد يجلس في الصف الأمامي لمسرح »سينما استرال« في بيروت. هو تلميذ في الصف الابتدائي الثاني، تلقى كما سائر رفاقه، دعوة من »مسرح الدمى اللبناني« لحضور عرض »كراكيب« الذي نظمته جمعية »خيال« للتربية والفنون، مساء الجمعة الماضي. جاد واحد من عشرات الذين توافدوا إلى المكان قبل بدء العرض بساعات »لمتابعة مسرحية بتضحك«.

في تلك الصالة المظلمة، استمع الأطفال إلى أغنية »شبابيك« للفنان اللبناني احمد قعبور، قبل أن يتابعوا حكايات أبطال المسرحية الخمسة. سلوم، الدمية يملك ألعابا كثيرة لا تحصى، معتاد على تكسيرها ورميها من الشباك... يشبه سلوم الكثير من الأطفال في القاعة. يتفاعل الصغار معه، مدافعين عن تصرفاته بعبارات يطلقونها عالية، علها تصل إلى مسمع الممثلين. الأهالي بدورهم وجدوا في سلوم مثالا عن أطفال »يقودهم الدلع المبالغ فيه إلى الاستهتار بقيمة الأشياء«.

على بعد خطوات قليلة من منزل سلوم المطلي بالأزرق والمليء بالألعاب، تقف سلمى. دمية أخرى، تملك مصباحا فريدا اسمه لطفي، وجدته يوما على شباك بيتها، زهري اللون وفرحت به كثيرا. سلمى نموذج يخاطب به المخرج وكاتب السيناريو كريم دكروب، مخيلة الأطفال... هي طفلة ذكية، غير مستهترة وتجيد الحفاظ على مقتنياتها.

أم كراكيب وأبو كراكيب، عجوزان يعملان على تجميع الألعاب المرمية، تصليحها وإعادة توزيعها على شبابيك الأطفال. وايمن الدمية يظهر في مشهدين من المسرحية، ليساعد العجوزين في مهمتهما.

الديكورات البسيطة، الإضاءة الخافتة، السيناريو المستمد من يوميات الصغار، وموسيقى قعبور وأغانيه الخاصة بالأطفال، هي ما اعتمد عليه المخرج لجذب الجمهور. إذ تكفي لحظات قليلة ليتحول المنزل إلى شجرة، تشق من وسطها كمغارة، ما أن يتلفظ سلوم بالكلمة السحرية.

تقنيات العرض عنصر يجهل الأطفال تفاصيله وضرورياته، لكن المخرج اختار التنويع في عرضه ليضفي عليه حيوية ضرورية. يغيب المحرك (الممثل الحقيقي) خلف الحاجز متى استوجب العرض ظهور »دمية الكف«، كما في مشاهد قليلة. ويتحرك الممثل أمام أنظار الحاضرين، مسيرا أمامه الدمية بحسب تقنية »المحرك الظاهر« التي كان دكروب من أوائل مستخدميها في مسرح الدمى.

الأطفال في الصالة كثيرون. يعرفون القليل عن مسرح الدمى، نشأته، تاريخه وأهدافه، إلا أن ذلك لم يخفف من تفاعلهم العفوي مع النجوم المتحركين على الخشبة أمامهم. تجاوبوا بصدق مع فصول القصة، فانطلقت أصواتهم الشبيهة بأصوات الصيصان المسجونين في قفص، لتوجه باندفاع وحماسة الإرشادات إلى الممثلين، وتجيب عن أسئلة يفترض أنها تدور في رأس الدمية.

على خشبة المسرح غاب الممثلون الثلاثة رشاد زعيتر، وعد شبل وكاترين دكـروب، خلف دمـاهم. تحولت الدمية إلى نجمة حقيقية. وضحى الممثلون الثلاثة بحبهم للظهور المباشر، ملبسين دماهم جزءا من شخصياتهم الحقيقية.

تجدر الإشارة إلى أن مخرج المسرحية خريج أكاديمية سان بطرسبورغ للفنون المسرحية / كلية فن الدمى، وعضو في الاتحاد العالمي لفن الدمى ( مقره فرنسا)، وأستاذ مادة الدمى في الجامعة اللبنانية. وتعتبر فرقة »مسرح الدمى اللبناني« التي أسسها دكروب عام 6991، من الفرق الأولى المتخصصة في الدمى في العالم العربي.

Tuesday, November 9, 2004

استبدال العطلة يذكر بتقسيم «شرقية- غربية»!

معارضون يرفضون التخلي عن « الويك أند »... ومؤيدون يتهمون الآخرين بالعمالة لإسرائيل !. استبدال يوم الجمعة بعطلة يوم السبت في الثانويات الرسمية اللبنانية يذكر بتقسيم « شرقية - غربية »!

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,418 كلمة)
تاريخ النشر 09 نوفمبر 2004

تزامنا مع بدء العام الدراسي، شكل وزير التربية اللبنانية سمير الجسر لجنة من الوزارة قوامها: مدير عام التربية جورج نعمة، مدير التعليم الثانوي وائل التنير، مدير التعليم الابتدائي ايلي سماحة، ورؤساء المناطق التربوية. أصدرت اللجنة توصية إلى الوزير يتم بموجبها اتخاذ قرار بيوم التعطيل في المدارس الرسمية، بعد مراجعة المرجعيات الدينية في القرية، او البلدة، أو المدينة. وبناء عليه، اصدر الوزير قرارا دعا بموجبه المدارس الثانوية إلى مراجعة رؤساء الطوائف والاتفاق معهم... وبالنتيجة، استبدلت عطلة يوم السبت في المدارس الرسمية (الواقعة في المناطق الإسلامية) بيوم الجمعة.

رفضت رابطة الأساتذة الثانويين قرار الوزير، معتبرة أن موضوع التعطيل يستلزم قرارا سياسيا من مجلسي الوزراء والنواب. وتماما كما في كل قضية، لم يخفت صوت الموالين، فردت رابطة الطلاب المسلمين على الأساتذة، واتهمتهم بالعمالة لإسرائيل، مؤكدة أن عطلة يوم الجمعة حق للمسلمين، فيما بقي طلاب بعض المدارس الرسمية، مضربين عن الحضور يوم السبت.

طلاب الشرقية وطلاب الغربية

لا أحد يعرف ما الذي يدور في رأس جمال وهي تنزل حقيبتها المدرسية عن كتفيها، لترفع لافتة كبيرة أمام بوابة مدرستها. اللافتة تطالب بـ«توحيد أيام العطلة»، وترتفع قبالة واحدة من أهم المدارس الرسمية في لبنان.

إلى جانب جمال تقف مجموعة من طلاب تلك المدرسة يرددون شعارات ترفض «تدخل رجال الدين في التعليم الرسمي»، و«إثارة النعرات الطائفية» و«التمييز بين المناطق تبعا لاختلاف مذاهبها».

تحرك جمال ورفاقها كان الرد الأول على استبدال يوم العطلة، لكنه لم يكن الوحيد، إذ امتدت الاعتصامات من ثانوية رمل الظريف (رينيه معوض)، إلى ثانويتي زاهية قدوره وفخر الدين المعني (للبنات) في بيروت. و«حاليا هناك اتصالات بين طلاب الثانويات في بيروت الغربية من اجل تنظيم تحرك عام يرفض القرار»، يؤكد سامي (17 عاما)، أن القرار الجديد «ليس إلا محاولة أخرى للفصل بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية» وهما مصطلحان أفرزتهما الحرب الأهلية في لبنان، للتمييز بين المنطقتين المسيحية والمسلمة.

نظرة سامي السياسية إلى القضية، لم تلحظ إلا جانبا واحدا منها. «فالقرار يهدد الشعور بالانتماء إلى الثانوية الرسمية... ويجبرنا على التوجه إلى المدارس الخاصة»، هو إذا «يضرب التعليم الرسمي في الصميم»، بحسب وجهة نظر رانيا. تبدو رانيا اكثر دراية بخلفيات القرار «الممتدة من العام 1973، عندما حاولت وزارة التربية تطبيقه، وفشلت. ثم أعادت الكرة العام 2001 وفشلت، وها هي تحاول مجددا».

تضم المدارس الرسمية في لبنان الفئات الاجتماعية المتوسطة وما دونها. الأكثرية الساحقة من تلك الفئات تنتمي إلى مناطق البقاع والجنوب. وهي بالذات الشريحة التي علا صوتها الرافض لخطوة «تفرض ضغوطا اجتماعية كبيرة» يقول محمود.

ويضيف: «الفصل بين يومي العطلة يمنعنا من التوجه إلى قرانا بعد أسبوع من العمل والدراسة»، وهو بالنسبة اليه السبب الأساسي للاعتصام ضد القرار. يستغل محمود عطلة نهاية الأسبوع ليتوجه إلى البقاع حيث يمضي الفترة الممتدة من مساء الجمعة حتى صباح الاثنين. والد محمود موظف في دائرة رسمية، وبالتالي «عطلة الجمعة والأحد ستمنع العائلة بأسرها من التوجه إلى القرية طيلة العام الدراسي».

الدواعي الأمنية ومتطلبات السلامة شرط آخر يتجاهله الوضع الجديد. فعودة الطلاب وحدهم عند السادسة أو السابعة من مساء يوم السبت، هو ما ترفضه في شكل قاطع والدة مروى. وتقول: «تنقلات المقيمين في ضواحي بيروت وخارجها... والذين يعودون إلى منازلهم مع أهلهم العاملين في بيروت في عطلة نهاية الاسبوع» هي المشكلة التي تسعى الوالدة إلى إثارتها أمام «الرأي العام».

ولكن، من ناحية أخرى، المبدأ الذي يستند إليه القرار صحيح... هو حق المسلمين في يوم للصلاة. وهو بالذات ما يسعى عدد من الطلاب المسلمين إلى الدفاع عنه أمام المعنيين. يرفض رائف كل الضغوط التي يمارسها زملاؤه لإلغاء عطلة يوم الجمعة، معتبرا أنها «اعتداء على حقوقنا وإهانة لمشاعر المسلمين، وحقهم في التوفيق بين دراستهم وممارسة شعائرهم الدينية».

وفي كلتا الحالتين يبقى شعار «نعيش في دولة تحترم كل الطوائف»، حجة فاعلة تتكرر على السنة الموالين والمعارضين على حد سواء. فالعبارة مطاطة، واللبنانيون عموما، ومن ضمنهم طلاب المدارس والثانويات يجيدون استخدام لغة السوق وتسخيرها في خدمة قانون العرض والطلب.

الهيئات والفاعليات والروابط التربوية عنصر آخر في القضية. ومن أهم خصائص هذا العنصر هو إصدار البيانات التي لا تخلو من اتهامات، تاركين للطلاب وحدهم مهمة القيام بالخطوات العملية.

أولا، أعلنت رابطة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان، في بيان، رفضها القاطع «للإصرار على فرض التعطيل نهار الجمعة على بعض الثانويات والمدارس الرسمية في عدد من مناطق العاصمة والمحافظات من دون سواها». وصفت القرار بأنه «لا يستند إلى أي مسوغ قانوني أو تشريعي». وطالبت الوزارة بتحمل مسؤوليتها الوطنية والتربوية بالحفاظ على «التنوع والوحدة والاندماج الوطني الحاصل في مؤسساتنا التعليمية، وترك الخيار إلى الإدارات والأساتذة وأهالي التلاميذ لاختيار أيام التعطيل التي تتناسب ومصالح التلاميذ وتحصيلهم العلمي».

وثانيا، وحتى لا تستفرد رابطة الأساتذة بالميدان، فتستميل العقول لمصلحتها، اجتمع مؤيدو القرار في منزل النائب السابق زهير العبيدي. وأصدرت «رابطة الطلاب المسلمين» بيانا تتفهم فيه «مقاصد وخلفيات بعض أعضاء رابطة الأساتذة الثانويين من العلمانيين والمرتبطين بالتوجه التربوي الغربي والمحافل الصهيونية، كي يضغطوا باتجاه إلغاء قرار التعطيل يوم الجمعة لتأمين عطلة أسبوعية ليومين كاملين، ثم لتعلم الرابطة أن استبدال التعطيل يوم الجمعة بيوم السبت إرضاء لبعض الأساتذة القادمين من القرى والبلدات النائية ويمارسون التعليم في مراكز الأقضية والمحافظات ما هو إلا ذر للرماد في العيون ويصبح الاستبدال خدمة مجانية لبني صهيون ليعززوا سيطرتهم الاقتصادية والثقافية والعسكرية على العالم!!».

الطلاب هم المعنيون الأوائل في هذه القضية. هي قضية توفر لكل منهم الوقت لممارسة شعائره الدينية. لكن لبنان بلد التعايش والحرية والمساواة، هو أيضا بلد الـ19 طائفة التي لا ترضى كل منها بتهميش أي حق من حقوقها.

فالقرار الأخير، واضح وصريح، أن تعطل المدارس بالتوافق مع رجال الدين في المنطقة. ولكن أي مشكلة يحلها القرار؟

في منطقة من لبنان توجد مدرسة رسمية. مدير المدرسة ينتمي إلى الطائفة الأكثر عددا. وكنتيجة: التعليم الديني فيها يخضع إلى المرجعية الدينية الأكثر نفوذا في المنطقة، فهل يمكنك أن تتخيل عدد المتضررين من هذا الأمر الواقع؟:طلاب شيعة في مدارس بيروت الرسمية يشكون التعليم الديني على مبادئ أهل السنة، وطلاب سنة في الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب حيث الأكثرية الشيعية يشكون العكس.

ثم ان هناك الطلاب المسلمين في المناطق المسيحية والدروز الذين يشكون غياب ممثليهم الدينيين عن المدارس كلها.

ونتيجة منطقية، ونظرا إلى استحالة استصدار قرار يحل مشكلات الطوائف التربوية كلها. فهل يفكر المعنيون في إبقاء المدرسة الرسمية صرحا تربويا لا يفصل بين تلاميذه تبعا لطوائفهم، وتكون بذلك متنفسا لجميع اللبنانيين، الهاربين إليها من المدارس المسيحية التي تمنع الحجاب في حرمها، أو الإسلامية التي تفرض الحجاب على طالباتها.

وفي حال لم ينل الاقتراح السابق رضا المعنيين، أليس من الأفضل أن يتم التعطيل في المدارس الرسمية أيام الجمعة والسبت والأحد. وبذلك نزيح عن كاهل الطالب أياما دراسية منهكة، علما أن أيام الدراسة السنوية في المدرسة الرسمية اللبنانية تقارب الـ 180 يوما فقط!

Monday, November 1, 2004

« عيش أيامك »...

« عيش أيامك »... بين الموعظة والفكاهة

منال أبو عبس
Al-Hayat (545 كلمة)
تاريخ النشر 01 نوفمبر 2004

يستيقظ الرجل من نومه في صباح أحد الأيام، ينظر إلى نفسه في المرآة، كأنما يراها للمرة الأولى: شعره أشيب، ملابسه الرسمية تزيده سنا، نظارته قديمه الطراز. يبدأ بطرح الكثير من الأسئلة عن حياته وشخصيته. يعلم انه لا يملك إجابات واضحة. يلتفت إلى زوجته فتتحول في نظره إلى «هم» لا جمال فيها ولا طباع حسنة، حتى الأكل الذي تعده لم يعد طعمه لذيذا بالنسبة إليه... من هذه التناقضات الواقعية تنطلق فكرة مسلسل «عيش أيامك»... تحاول أن تقارب معضلة «أزمة منتصف العمر» عند الرجال، وتقف قبل أن تكمل خطوتها الأولى!

تدور حلقات المسلسل الثلاثون في فلك رجل واحد، يطغى على ما عداه. سعيد مسعود أبو السعد (نور الشريف) بلغ الخامسة والخمسين من العمر حديثا. زوجته (عبلة كامل) في أواخر الأربعينات، كما يبدو. أولادهما الثلاثة يعيشون مرحلة الشباب في شكل طبيعي. الأسرة ميسورة الحال، وعلى رغم ذلك أصيب الوالد بـ«أزمة منتصف العمر». يلجأ الرجل إلى طبيب نفسي، فيخبره الأخير بأن عليه أن يغير من طريقة حياته، شرط ألا يسبب أذى إلى الآخرين... ويقرر فجأة أن يبدل كل شيء، بدءا من مظهره الخارجي ووصولا إلى علاقاته الاجتماعية.

أن يعوض «ما فات من عمره»، من دون أن يسيب أذى إلى المحيطين به، هي الرسالة التي توجه بها كاتب السيناريو إلى الجمهور. ولكن الفكرة الجديدة التي لم تعالجها الدراما العربية في شكل منفصل من قبل، أوقعت المسلسل في فخ مزج الموعظة بالفكاهة، ليحلق بعيدا من الاثنين. وابتعدت الفكاهة مع مرور الحلقات الأولى. لينكشف معها عجز نور الشريف عن الخروج من قالب «الحاج متولي» وجاذبيته التي لا تفلح اجمل النساء في مقاومتها، وحظه الخارق الذي ينقذه من كل مأزق يقع فيه!

السيناريو بدوره يتعامل باستخفاف فكاهي مع تأثير الأزمة على شركاء الحياة، الأولاد، الأقارب، والأصدقاء. والأغرب من ذلك، انه يتجاهل في شكل لافت تأثير الأزمة المدمر على الزوجة. عبلة كامل لازمة الوجود في المسلسل. لا تدفعها الغيرة على زوجها إلى التعامل بعدائية نسائية مع مواقف مصيرية. ولا تعترض على تجاهل زوجها لوجودها، أو تغيره المفاجئ، وان ورد ما يدل على امتعاضها في كلمات قليلة متناثرة بين الحلقات.

يتناول كاتب المسلسل الأزمة بطريقة إيجابية، ويدافع عن مشكلة عامة مطروحة بصورة دائمة على بساط البحث. ولعل شخصية الممثل نور الشريف ونجوميته أسهمتا في استمالته الجمهور وكسب تعاطفه مع الرجل «المتأزم»، فصور بطريقة مختلفة جدا عن صورة «العجوز الجهلان» المنفر الراسخة في أذهان العامة. كما استغل المسلسل حركات عبلة كامل الشعبية ليطبع المسلسل بفكاهية ترضي الجمهور الذي اعتادها من مسلسلات سابقة.

«عيش أيامك» من تأليف مصطفى محرم، إخراج محمد النقلي، وإنتاج مشترك بين مدينة الإنتاج الإعلامية المصرية و«تلفزيون دبي». ويشارك في بطولته عبدالله فرغلي، منى عبدالغني، رجاء الجداوي، طلعت زكريا، محمود الجندي، عماد رشاد ومحمد متولي.