Friday, February 27, 2004

هذه هي الحكاية ...

هذه هي الحكاية ...

منال أبو عبس
Al-Hayat (815 كلمة)
تاريخ النشر 27 فبراير 2004


«اكتب نصا ذاتيا حول التحاقك ببرنامج مدرسة الحياة»، الطلب واضح. ولما كانت الكتابة الذاتية نمطا لم أفكر في اختباره، في المدى المنظور على الأقل، أقترح عليك ان تعيش، متخيلا، هذه الحكاية:

أنت في هذه اللحظة، من طلاب السنة الرابعة - قسم الصحافة المكتوبة في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. تتوجه عند الثامنة والنصف من صباح كل يوم، ما عدا أيام العطلة، إلى الجامعة. تتابع المحاضرات كافة. عند الرابعة والنصف يبدأ دوامك في إحدى المؤسسات الصحافية التي كان التدرب فيها جزءا تطبيقيا من المنهج الدراسي. تبذل أقصى ما في وسعك لتتمكن من إثبات جدارتك في المكان الذي وجدت فيه. تعود ليلا، بعد استراحة تطول أو تقصر تبعا للمناسبة، إلى تلبية موعدك اليومي مع «التثقف»، وهكذا دواليك حتى نهاية العام.

لم يعد التاريخ واضحا في مخيلتك. الفترة تقع بين شهري نيسان (ابريل) وأيار (مايو) من العام الماضي. تسمع بمبادرة قد تمثل فرصة العمر بالنسبة إلى الكثيرين. قسما الصحافة، المرئية المسموعة والمكتوبة، هما المعنييان الرئيسيان. قاعة المكتبة في الجامعة ليست بالواسعة، لكنها، في ذلك اليوم، لم تضق بطلاب السنة الأخيرة (من الاختصاصات كافة) ولا بزائريها المسؤولين عن عرض المبادرة.

المسؤول عن المشروع في ذلك الوقت (اصبح اليوم رئيس تحرير جريدة لبنانية جديدة)، مدير الكلية وبعض أساتذتها المهتمين يجلسون مع الطلاب حول طاولة مستديرة. «البرنامج (مدرسة الحياة) يمهد أمامكم طريق الصحافة لتدخلوا المهنة من بابها الواسع»، يقول الضيف. تتململ في ذاتك محاولا استشفاف ما ورائيات الكلام، فأنت لم تعتد في السابق على طرق الفــرص بابك. كما أن الشــكاوى من قلة فرص العمل التي سمعتها مرارا وتكرارا من المتخرجين قبلك، ضاعــفــت شكــوكك وافكارك المسبقة.

يتحدث المسؤول مطولا عن احتمالات كثيرة، استكتاب، إمكانية توظيف، تعاون... كلامه جميل، معقول، لكنك شخصية سلبية، «ما بتقول فول حتى يصير بالمكيول». يتكلم عن قرار المسؤولين في الجريدة بيعها إلى الطلاب المنتسبين إلى البرنامج بنصف ثمنها تشجيعا لهم على القراءة والمتابعة. «يريدون تسويق جريدتهم»، تقول في نفسك مفاخرا بـ«اكتشافك البارود». «لكنها جريدة عالمية، وستباع بثمن يقل عن تكلفتها، ما المغزى إذن؟»، تعود التحليلات تتصارع في رأسك.

يتناوب المدير فالأساتذة على الكلام. يوجهون الأسئلة إلى الطلاب الذين بدا نصفهم الأول غير مصدق، وغادر القاعة ساخرا، فيما بقي النصف الآخر يستمع ممارسا هواية طلاب الإعلام الموروثة في التحليل. دقائق قليلة وينتهي اللقاء، وتوزع الاستمارات ليملأها الراغبون في الانتساب إلى البرنامج.

تتناول إحدى الاستمارات. تملؤها من باب الفضول. فإمكانية العمل في المؤسسة حيث تتدرب تلوح في الأفق. وتفوقك في الدراسة على مدى السنوات الجامعية الأربع، يؤهلك للسفر إلى مصر والتدرب في جريدة «الأهرام» مدة شهر كامل (من منتصف تموز / يوليو حتى منتصف آب / اغسطس) ضمن برنامج تبادل الطلاب العرب. كما أن ممارستك المهنة من طريق الاستكتاب في أكثر من جريدة، يجعل منك نسبيا ممارسا فعليا للعمل الصحافي. تفكر في كل ذلك، تصرف من رأسك إمكانية التفكير الجدي في الموضوع، بعدما عرفت أن مشروع «مدرسة الحياة» مفتوح أمام الطلاب من جامعات كثيرة في بلدان عدة، مما يعني مئات المنتسبين. كما أن المطلوب هو فقط 6 أشخاص، للالتحاق بالدورة التدريبية بعد انتهاء البرنامج. تفكر في أمور كثيرة قد تحول دون اختيارك، أولها الوساطات.

ولكن خيارك ينتهي بأن يستقر على: «فلنجرب». تقدم تحقيقا عن الانتحار، فينشر في صفحة المدرسة. تتفاءل. ترسل الموضوع الثاني فالثالث. في هذه الفترة تحصل على وظيفة في صحيفة أطلقت حديثا. تعمل لديها مدة أربعة اشهر (شهر ونصف الشهر بعد الصدور)، تفاجأ في ختامها بفاكس يردك من جريدة «الحياة» يعرض عليك الالتحاق بالبرنامج. تشاور المحيطين بك. الرد واحد في الغالب: «إنها فرصتك». تقدم استقالتك من عملك، لتلتحق مباشرة في البرنامج.

أنت اليوم، واحد من ستة خريجين عرب. تتدرب في جريــدة «الحيـــاة» حتى تمـــوز (يوليو) المقبل. أنت بعــد ذلك الـتاريخ قد تكون صحافيا في «الحياة».

أنت اليوم يطلب منك أن تكتب عن برنامج «مدرسة الحياة»...

ما تفكر به انت الآن هو بالضبط ما شعرت به عندما طلب مني ذلك.

No comments:

Post a Comment