Sunday, February 29, 2004

وداعا « عالهوا سوا »

الثامنة بتوقيت بيروت : ميرفت تنتظر أهل العريس . وداعا « عالهوا سوا »... أهلا « بيغ براذر » والمشاكل !

منال أبو عبس
Al-Hayat (1,152 كلمة)
تاريخ النشر 29 فبراير 2004



لم تمر سهرة الاثنين مرور الكرام في منزل سوزان (22 سنة) وأهلها. العائلة الصغيرة يتحلق أفرادها (الأم، الفتاتان والصبي) حول شاشة التلفزيون استعدادا لاستحقاق «مصيري». اليوم كل الناس يتابعون برنامج «ع الهوا سوا». لأن ميرفت (إحدى المشتركات) اختارت عبدالكريم عريسا لها وأهله سيحضرون بعد قليل للتعرف إليها. لا تبدو الأم مستعدة لسماع المزيد من التعليقات. تسكت ابنتيها بحركة سريعة فهي تحس بأنها «أم العروس اليوم». تتابع تحركات ميرفت التي «مزقزق» قلبها منذ ليلة الجمعة الفائتة حتى انه لما اتصلت أم العريس بالمحطة نادتها ميرفت بـ«ماما زهرة». تضحك والدة سوزان وهي تروي التفاصيل التي تستجمعها نتيجة سهرها «كل ليلة حتى الثالثة فجرا لمتابعة المستجدات».

الثامنة مساء بتوقيت بيروت: ميرفت تنتظر وصول أهل العريس بتلبك واضح وخجل مصطنع، والدة ميرفت تحاول الحفاظ على برودة أعصابها، عائشة (مشتركة أخرى - جزائرية) تتقن دور صديقة العروس المحبة، بينما تكتفي رنا (مشتركة سورية) بالتفرج. شقيقة سوزان لا تبدو راضية عن ملابس ميرفت: «كان لازم تلبس احسن من هيك، ملابس رسمية يعني». لا تعجب العبارة سوزان التي تعتبر ان اللباس لن يؤثر، فـ«أهل العريس يشاهدونها 24 على 24 ساعة ويعرفون تفاصيل يومياتها».

دقائق معدودة ويصمت الجميع، ويعلن «فويسي» وصول والدة العريس، عمته وشقيقته. طقوس تبدو والدة سوزان راضية عنها لأنها «تقاليدنا الشرقية نفسها: أولا يعجب العريس بالعروس، يتقدم أهله لطلب يدها ثم تستكمل المراسم». ويزداد رضاها ما ان تعلم ان أهل العريس لم يكونوا على علم بطلب ابنهم الزواج من ميرفت عبر محطة «عالهوا سوا» إلا أخيرا. تتابع العائلة الحديث المفتعل بين والدتي العروسين والحاضرين، ثم قطع قالب الحلوى. تشارك سوزان الموجودين الفرحة بأن تقدم بنفسها حلوى أعدتها خصيصا للمناسبة.

سوزان وأفراد عائلتها لم يكونوا من متتبعي البرنامج في بدايته. أما اليوم فقد اصبح البرنامج جزءا لا يتجزأ من يوميات الوالدة التي لم تعد تحس بالملل: «هناك إحساس دائم بوجود ضيوف في المنزل». تسخر الوالدة من ابنتها، «كانت تضحك علي. تقول إني لا أقوم بعمل مفيد. عندما تابعته تعلقت به اكثر مني».

تفكر سوزان جديا في الاشتراك بالدورة المقبلة لأنها تتيح لها فرصة الزواج من بلد آخر. كما انها تجد في «ع الهوا سوا» واقعية اكثر من برامج «الرياليتي تي في» الأخرى: «التوقيت حقيقي والمشاهد لا تخضع للمونتاج، فقط filtration على عكس بقية برامج تلفزيون الواقع». إضافة الى «الحشمة» وغياب الكاميرات في غرف النوم.

إهانة للإنسان العربي؟

وإذا كانت عائلة سوزان واحدة من عائلات كثيرة تجد في البرنامج متعة وتسلية كبيرتين، فإن ذلك لا ينفي وجود شريحة كبرى ترى ان البرنامج «فاسد وخارج عن المألوف». وأكثر ما يتجلى ذلك على صفحات الإنترنت، حيث يعتبر أحدهم ان «الغرض المعلن من هالحبسة عرض البنات في سوق الزواج على شبان العالم العربي يمكن واحد فيهم يحن وتعجبه واحدة منهن وهي جالسة ولا واقفة ولا حتى مثنية نفسها ترفع الأكل من على الطاولة أو الأرض..!! كيف تتزوج امرأة قد عرضت نفسها لآلاف غيرك وتصنعت وتمايلت من اجل الحصول على المزيد من الأصوات». وتتصاعد وتيرة الانتقادات لتصل إلى حد طلب «تقديم شكوى إلى لجان حقوق الإنسان للتدخل لأن ما يحدث هو إهانة للإنسان العربي».

وفي وقت يرى بعضهم ان هدف البرنامج هو حل مشكلة الزواج في العالم العربي، يقول آخرون انه تجاري يلعب على فضول الشباب العربي ورغبته في مشاهدة البنات في خصوصياتهن داخل البيت. بينما يجمع كثيرون على انه يهدف إلى قتل وقت الفراغ لدى المواطن العربي من دون ان يضيف إلى المتلقي أي معلومة مضرة أو مفيدة.

تباينت الآراء حول «الرئيس»

وغير بعيد من تلفزيون الواقع، أطلقت قناة MBC 2 برنامج «الرئيس» أو «بيغ براذر» (نسخة عربية عن برنامج بريطاني الأصل مستوحى من رواية جورج اورويل «1984»)، وما أن انطلق بثه حتى بدأت الضجة من حوله، والمشاكل ذات الطابع السياسي في البحرين (راجع «الحياة» يوم أمس). تقوم فكرة البرنامج على وضع 12 شابا وصبية في منزل مشترك (تشبه ديكوراته إلى حد بعيد تلك الخاصة بمنزل ستار أكاديمي وان كانت ألوان البرنامج الجديد غير موفقة) والإقامة مدة سبعين يوما في جزيرة أمواج في البحرين. يمنع خلالها على المشتركين استخدام أي وسيلة من وسائل الاتصال أو التقنيات الحديثة، في خطوة تهدف إلى إعادتهم إلى نمط الحياة البدائية. ويحظر على الشبان دخول غرف البنات أو العكس (جناحان منفصلان للشبان والبنات).

ويثير برنامج big brother أو «الرئيس» منذ خطواته الأولى سلسلة من الانتقادات في أوساط رسمية في دولة البحرين.

وتبث المحطة تقريرا عن يوميات المشتركين مدته نصف ساعة مساء كل يوم، وساعة ونصف الساعة مساء السبت (تحتل الإعلانات نصف المدة تقريبا بحيث لا يبقى للمتابع إلا مشاهد متفرقة). ويظهر المتسابقون في التقرير، عادة في غرفة الجلوس يتبادلون أحاديث متفرقة لا تبدو مثار اهتمام الحاضرين جميعهم. كما يغيب عن البرنامج، وفق ما يرد التقرير، أي نوع من أنواع النشاطات الهادفة أو حتى حلقات الحوارات التقليدية. وكانت سبقت إطلاق البرنامج حملة ترويج تولتها المقدمة رزان المغربي، ولكن المذيعة لم تظهر الا في الحلقة الأولى منه، مكتفية بمراسم استقبال المشتركين، لتغيب بعد ذلك عن التقارير اليومية.

وعلى رغم ان البرنامج ما زال في بداياته، تباينت الآراء حوله إلى حد بعيد. واعتقد بعضهم انه تقليد للبرنامج الأميركي big brother, big sister الذي يهتم برعاية الأطفال الأيتام، ويؤمن الجو الأسري الطبيعي لهم تمهيدا لانخراطهم في المجتمع.

وبدا آخرون اكثر دراية بتفاصيل البرنامج: «على هؤلاء المتسابقين ان يتعايشوا بعضهم مع بعض في الأوضاع التي خصصت لهم في البرنامج... وكل أسبوع بعد سلسلة من التصويت المستمر من المتسابقين ومن ثم المشاهدين يتولى Big Brother إخراج أحد المتسابقين من البيت كي يبقى فيه شخص واحد فقط». ويضيف: «هدف هذا البرنامج هو تسلية المشاهدين بالأوضاع الحقيقية التي تختلق داخل المنزل، من مشاجرات وحفلات ليلية وقصص غرامية بين المتسابقين، ونميمة». ويختتم: «سيكون البيت مزودا غرفتين للصلاة إحداهما للرجال، والأخرى للنساء».

Friday, February 27, 2004

هذه هي الحكاية ...

هذه هي الحكاية ...

منال أبو عبس
Al-Hayat (815 كلمة)
تاريخ النشر 27 فبراير 2004


«اكتب نصا ذاتيا حول التحاقك ببرنامج مدرسة الحياة»، الطلب واضح. ولما كانت الكتابة الذاتية نمطا لم أفكر في اختباره، في المدى المنظور على الأقل، أقترح عليك ان تعيش، متخيلا، هذه الحكاية:

أنت في هذه اللحظة، من طلاب السنة الرابعة - قسم الصحافة المكتوبة في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. تتوجه عند الثامنة والنصف من صباح كل يوم، ما عدا أيام العطلة، إلى الجامعة. تتابع المحاضرات كافة. عند الرابعة والنصف يبدأ دوامك في إحدى المؤسسات الصحافية التي كان التدرب فيها جزءا تطبيقيا من المنهج الدراسي. تبذل أقصى ما في وسعك لتتمكن من إثبات جدارتك في المكان الذي وجدت فيه. تعود ليلا، بعد استراحة تطول أو تقصر تبعا للمناسبة، إلى تلبية موعدك اليومي مع «التثقف»، وهكذا دواليك حتى نهاية العام.

لم يعد التاريخ واضحا في مخيلتك. الفترة تقع بين شهري نيسان (ابريل) وأيار (مايو) من العام الماضي. تسمع بمبادرة قد تمثل فرصة العمر بالنسبة إلى الكثيرين. قسما الصحافة، المرئية المسموعة والمكتوبة، هما المعنييان الرئيسيان. قاعة المكتبة في الجامعة ليست بالواسعة، لكنها، في ذلك اليوم، لم تضق بطلاب السنة الأخيرة (من الاختصاصات كافة) ولا بزائريها المسؤولين عن عرض المبادرة.

المسؤول عن المشروع في ذلك الوقت (اصبح اليوم رئيس تحرير جريدة لبنانية جديدة)، مدير الكلية وبعض أساتذتها المهتمين يجلسون مع الطلاب حول طاولة مستديرة. «البرنامج (مدرسة الحياة) يمهد أمامكم طريق الصحافة لتدخلوا المهنة من بابها الواسع»، يقول الضيف. تتململ في ذاتك محاولا استشفاف ما ورائيات الكلام، فأنت لم تعتد في السابق على طرق الفــرص بابك. كما أن الشــكاوى من قلة فرص العمل التي سمعتها مرارا وتكرارا من المتخرجين قبلك، ضاعــفــت شكــوكك وافكارك المسبقة.

يتحدث المسؤول مطولا عن احتمالات كثيرة، استكتاب، إمكانية توظيف، تعاون... كلامه جميل، معقول، لكنك شخصية سلبية، «ما بتقول فول حتى يصير بالمكيول». يتكلم عن قرار المسؤولين في الجريدة بيعها إلى الطلاب المنتسبين إلى البرنامج بنصف ثمنها تشجيعا لهم على القراءة والمتابعة. «يريدون تسويق جريدتهم»، تقول في نفسك مفاخرا بـ«اكتشافك البارود». «لكنها جريدة عالمية، وستباع بثمن يقل عن تكلفتها، ما المغزى إذن؟»، تعود التحليلات تتصارع في رأسك.

يتناوب المدير فالأساتذة على الكلام. يوجهون الأسئلة إلى الطلاب الذين بدا نصفهم الأول غير مصدق، وغادر القاعة ساخرا، فيما بقي النصف الآخر يستمع ممارسا هواية طلاب الإعلام الموروثة في التحليل. دقائق قليلة وينتهي اللقاء، وتوزع الاستمارات ليملأها الراغبون في الانتساب إلى البرنامج.

تتناول إحدى الاستمارات. تملؤها من باب الفضول. فإمكانية العمل في المؤسسة حيث تتدرب تلوح في الأفق. وتفوقك في الدراسة على مدى السنوات الجامعية الأربع، يؤهلك للسفر إلى مصر والتدرب في جريدة «الأهرام» مدة شهر كامل (من منتصف تموز / يوليو حتى منتصف آب / اغسطس) ضمن برنامج تبادل الطلاب العرب. كما أن ممارستك المهنة من طريق الاستكتاب في أكثر من جريدة، يجعل منك نسبيا ممارسا فعليا للعمل الصحافي. تفكر في كل ذلك، تصرف من رأسك إمكانية التفكير الجدي في الموضوع، بعدما عرفت أن مشروع «مدرسة الحياة» مفتوح أمام الطلاب من جامعات كثيرة في بلدان عدة، مما يعني مئات المنتسبين. كما أن المطلوب هو فقط 6 أشخاص، للالتحاق بالدورة التدريبية بعد انتهاء البرنامج. تفكر في أمور كثيرة قد تحول دون اختيارك، أولها الوساطات.

ولكن خيارك ينتهي بأن يستقر على: «فلنجرب». تقدم تحقيقا عن الانتحار، فينشر في صفحة المدرسة. تتفاءل. ترسل الموضوع الثاني فالثالث. في هذه الفترة تحصل على وظيفة في صحيفة أطلقت حديثا. تعمل لديها مدة أربعة اشهر (شهر ونصف الشهر بعد الصدور)، تفاجأ في ختامها بفاكس يردك من جريدة «الحياة» يعرض عليك الالتحاق بالبرنامج. تشاور المحيطين بك. الرد واحد في الغالب: «إنها فرصتك». تقدم استقالتك من عملك، لتلتحق مباشرة في البرنامج.

أنت اليوم، واحد من ستة خريجين عرب. تتدرب في جريــدة «الحيـــاة» حتى تمـــوز (يوليو) المقبل. أنت بعــد ذلك الـتاريخ قد تكون صحافيا في «الحياة».

أنت اليوم يطلب منك أن تكتب عن برنامج «مدرسة الحياة»...

ما تفكر به انت الآن هو بالضبط ما شعرت به عندما طلب مني ذلك.

Thursday, February 26, 2004

فضائية « الحرة » تحريض مدروس ام مؤشر إلى إحساس اميركا بفداحة اخطائها


مصري يسأل عما اذا كانت تسهل الحصول على فيزا ولبناني « يحلم » بأن يعمل فيها ومواقع الكترونية سعودية تعتبر مقاطعتها « واجبا شرعيا ». فضائية « الحرة » تحريض مدروس ام مؤشر إلى إحساس اميركا بفداحة اخطائها ؟

أمينة خيري - مصطفى الانصاري - باسل رفايعة - إبراهيم حميدي - منال أبو عبس
Al-Hayat (4,327 كلمة)
تاريخ النشر 26 فبراير 2004


بدأت قناة «الحرة» التلفزيونية الناطقة بالعربية والممولة من الكونغرس الاميركي السبت الماضي بثها الذي يغطي 22 دولة في الشرق الاوسط. ويأتي اطلاق القناة الجديدة في اطار الجهود الاميركية لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم العربي والحد من نفوذ القنوات الاخبارية العربية في هذه المنطقة، خصوصا قناتي «الجزيرة» و«العربية» اللتين تتمتعان بنسبة عالية من المشاهدين، واللتين لم تخف واشنطن منذ حربها على العراق العام الماضي انزعاجها مما اعتبرته «انحيازا» في تغطيتهما للأحداث.

ورصد للقناة الاميركية موازنة بقيمة 30 مليون دولار لسنة 2004 ويتوقع ان يعمل في مقرها 150 شخصا، ويتحدر معظم صحافييها من دول الشرق الاوسط. وهي بدأت ببث 14 ساعة يوميا من البرامج يتم تمديدها الى 24 ساعة خلال اسابيع. ويقول المسؤولون عنها ان من بين اهم اهدافها ان تكون شبكة اخبارية «متكاملة ومتوازنة ومثالا على الصحافة الحرة على الطريقة الاميركية، تقدم افاقا جديدة للمشاهدين في الشرق الاوسط وتخلق درجة اكبر من الفهم الحضاري والاحترام (...) في سوق اعلامية تهيمن عليها الاثارة والتشويه».

ويدير المكتب الاميركي للبث الاذاعي (بي بي جي)، الوكالة الفدرالية المكلفة الاشراف على هذه القناة التلفزيونية الجديدة، فضلا عن «الحرة»، «راديو سوا» الذي يبث بالعربية، و«صوت اميركا» و«راديو فري يوروب/ راديو ليبرتي» و«راديو فري آجيا» و«تي في مارتي» الموجه الى كوبا.

المشاهد العربي الذي ظل لسنوات سجين وسائل الاعلام الرسمية التابعة للدول وبدأت تتوافر له بفضل المنافسة الاعلامية الدولية والاقليمية حرية اوسع لاختيار ما يروق له، كيف يرى الى القناة الجديدة؟ وهل تتمكن «الحرة» من اكتساب صدقية لديه وتنال ثقته، أم تبقى في نظره شاشة أميركية بلسان عربي تروج لمشاريع «مشبوهة» وتجسد «غزوا» اعلاميا أميركيا طال الحديث عنه؟ وعلى رغم انه لا يزال مبكرا رصد الأثر الذي أحدثته هذه المحطة في العالم العربي، يحاول التحقيق الآتي من القاهرة والرياض وعمان ودمشق وبيروت رصد الاستقبال الأولي للمحطة الجديدة.

كثيرون في مصر يشاهدون «الحرة» من احد منطلقين: «حب الاستطلاع» او «اعرف عدوك». نيهال محمد (32 عاما) تعمل محامية وتهوى السياسة عن بعد. تقول: «شاهدت تقريرا اخباريا في محطة اجنبية قبل اطلاق «الحرة» يشير الى أن القناة الجديدة تهدف الى الحد من نفوذ قناتي «الجزيرة» و«العربية» الاخباريتين، وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم العربي، ما حفزني لترقب «الحرة» ومتابعتها بدقة». وعن نتيجة المتابعة تقول: «اكتشفت انها نسخة منقحة لكتاب مادة الاخلاق المقررة حديثا على ابني التلميذ في الصف الثالث الابتدائي. كلام محشور عن التسامح والحرية والسلام والتعايش والحقوق في شكل مباشر وكأننا تلاميذ».

«اعرف عدوك»

وإذا كان حب الاستطلاع دفع المحامية الى متابعة «الحرة» فإن حسنة (40 عاما) تشاهد مقتطفات من «الحرة» في محاولة لفهم «عقلية العدو» أو بالاحرى «ما يريدنا العدو أن نعرف عنه». وتقول حسنة التي توزع وقتها بين حضور الدروس الدينية في مساجد عدة، وتحفيظ القرآن لمجموعات الاطفال في بيتها: «الانتصار على العدو يبدأ بالتعرف الى طريقة تفكيره ولما كانت لغتي الانكليزية لا تسمح لي بمتــابــعة محطات مـثل «ســي إن إن» وجدت في الحرة فرصة جيدة للتغلغل في عقل الشيطان الاميركي». وماذا وجدت؟ ترد: «مؤامرة محاكة بدقة متناهية لغسل دماغ امة المسلمين من طريق العقل، حوارات واخبار وبرامج منوعات تغرس الفكر الاميركي الاعوج في عقول العرب بعدما غرسوا الفجور في قلوب شبابنا بموسيقاهم ونـسائهم وثقافتهم».

عادل منسي (مصرفي مصري، 42 عاما) يصف نفسه بأنه متابع جيد للفضائيات وهاو للسياسة. يقول: «كنت اتابع الفضائية العراقية بشغف في الاسابيع التي سبقت الغزو الاميركي للعراق واثناءه، وحين بدأ بث القناة ينقطع إثر تعرض مبنى التلفزيون العراقي للقصف ادمنت مشاهدتها. لم أكن اتابع برامج الفضائية العراقية قبل الازمة إذ كانت خالية تماما من اي عوامل جذب، لكن الازمة حولتها اشبه بالجندي المجهول». ويشير منسي الى أنه فوجئ قبل اسابيع بالاعلان عن قناة «الحرة» الجديدة على التردد نفسه الذي كانت الفضائية العراقية تبث عبره، «فأسقط في يدي، وشعرت كأن اميركا ترقص على جثة العراق». وتتدخل زوجته لتقول انه تعامل مع القناة الجديدة من منطلق عاطفي بحت وصل حد المبالغة، إذ ألغاها تماما من جهاز فك الشفرة محذرا كل من في البيت من مجرد محاولة اعادتها الى جهاز التلفزيون.

وأمام جهاز التلفزيون يرابط محمد (19 عاما) الطالب في كلية العلوم السياسية كل مساء، مسلحا بقلم وأوراق يسجل عليها «القضايا التي تطرحها البرامج الحوارية، وترتيب اختيار الاخبار في النشرات الاخبارية، والعبارات المستخدمة في الاشارة الى الفلسطينيين، واسرائيل، والانظمة العربية، وكل ما له صلة بالمجريات السياسية والثقافية في الشرق الاوسط هذه الايام»، وهو يعلل انشغاله بكتابة تلك النقاط بأنها «رغبة في الحكم على القناة الجديدة بعيدا من الاحكام المسبقة».

لكن الاحكام المسبقة ذاتها هي التي دفعت منى حسين (23 عاما) التي تعمل في تصميم الازياء والاكسسوارات والتي تنفي عن نفسها باصرار «تهمة» الاهتمام بالسياسة الى متابعة «الحرة» بعض الوقت، اذ «كنت اسمع بعض زبائننا يتحدث عن قناة اميركية جديدة تهدف الى غسل الادمغة». وعلى رغم ضحالة ثقافتها السياسية باعترافها، تقول: «هالني الاعلان الذي تبثه القناة للترويج لنفسها ويقول فيه شاب عربي انه مل الاعلام العربي المتكرر لذا اتجه الى «الحرة». في الحقيقة لم يعجبني ما قال على رغم انني اتفق معه في رأيه حول الاعلام العربي، لكنني لا احترم مبدأ نشر الغسيل القذر أمام الاغراب خصوصا الأميركان».

لكن لـ«الاميركان» رأيا مخالفا، اذ يتحدث استاذ الاعلام في الجامعة الاميركية في القاهرة ومدير مكتب محطة تلفزيون NBC العاصمة المصرية (سابقا) عبدالله شلايفر (وهو اميركي مسلم) عن فكرة محطة اميركية موجهة الى العرب، «فالولايات المتحدة هي القوة الاكبر في العالم، وعلينا ان نتأقلم معها ونستمر في حياتنا». وعلى رغم مقته الشديد للثقافة الشعبية الاميركية من موسيقى وبرامج «تلفزيون الواقع»، يشيد شلايفر بالاسلوب الاميركي في الاعلام، مستشهدا، مثلا، بصحيفتي «هيرالد تريبون» و«نيويورك تايمز» «اللتين «تخصصان صفحات للرأي بخلاف صفحات التغطيات الاخبارية». ويضيف: «اعتاد العالم العربي على أنه لو رأت القيادة السياسية ان الطقس في النشرة الجوية يجب أن يكون مشمسا فسيكون كذلك حتى لو كان ممطرا»! ويعتبر أن المشكلة الوحيدة في «الحرة» هي في ان جهة تمويلها معلنة، على عكس قنوات اخرى كثيرة، «وفي ظل الشعور المعادي للولايات المتحدة في المنطقة يكون ذلك عقبة».

ويتساءل شلايفر مجددا عن حجم ونوعية المعلومات التي يقدمها الاعلام العربي، ويقول: «اجمع عددا من طلابي من الخريجين على انهم يداومون على قراءة جريدة «الاهرام» اليومية ومشاهدة قناة «الجزيرة» الفضائية، لكن حين سألتهم عن الخلفيات السياسية والدينية لأي من اعضاء مجلس الحكم الانتقالي في العراق لم يرد احد منهم، فماذا يعكس ذلك؟».

وعلى طرف النقيض، يقف الباحث والكاتب في المنظمة العربية لحقوق الانسان علاء شلبي الذي يقول ان «الولايات المتحدة لو كانت تسعى الى ازالة سوء الفهم بينها وبين العرب، فعليها تغيير سياستها وليس افتتاح قناة تلفزيونية، لأن سياساتها في المنطقة هي السبب في العداء المتنامي لها». ويتساءل: «كيف تحدثنا الدولة الاكبر المسؤولة عن انتهاك حقوق الانسان عن ضرورة احترام حقوق الانسان؟ ولا اظن ان المواطن العربي يستجيب لخطاب الوعظ التبشيري كما أن تحسين صورة اميركا لن يتم من خلال دعم نظم استفزازية في المنطقة». وينتقد شلبي اعلان «الحرة» عن «الحياد الاعلامي متسائلا: «عن أي حياد يتحدثون حين ينتقدون قناة عربية لصوغ خبر ضرب الطيران الاسرائيلي لمدنيين فلسطينيين باستخدام طائرات اميركية الصنع، بحجة ان المعلومة الاخيرة لا علاقة لها بالخبر؟».

ويشيد استاذ الاعلام الدكتور حسين امين «بالجودة التقنية الرفيعة جدا» لـ«الحرة» ويقول: «الصوت والصورة والتقنيات الرقمية المستخدمة أكثر من ممتازة، ويعكس اختيار المقدمين والمحاورين مهنية عالية. فاضافة الى كفاءاتهم الواضحة يمثلون اصولا مختلفة وهناك توزيع عادل في النوع Gender وعليهم المضي قدما وفي تقديم تقارير خاصة بهم لضمان استمرارية النجاح».

حواجز نفسية

البداية اذا مشجعة كما تشير كلمات امين، لكنه يعترف بوجود حواجز نفسية لدى المشاهد العربي، الذي نشطت لديه ميكانيزمات الدفاع ما أن اعلن عن جهة تمويل «الحرة». ويقول: «نحن لا نعرف من يمتلك ايا من القنوات العربية، إذ لا توجد موازنات معلنة، ومعرفة الملكية الكاملة لأي منها شبه مستحيلة». ويعتبر أن الحكم على «الحرة» حاليا «صعب جدا، اذ بدأت بثها قبل ايام، وتقويم عمل محطة تلفزيونية موضوعيا لا يمكن ان يتم قبل مضي ثلاث سنوات على الاقل»، مشيرا الى ان لدى «الحرة» مقومات النجاح، «اذ يمكنهم طرح القضايا العربية بتميز وانفراد على أن يكونوا على درجة من الذكاء ليتعايشوا مع من يخاطبونهم، اضف الى ذلك قدرتهم على الاستفادة من الآلة الرهيبة من المعلومات في داخل الولايات المتحدة وتلك المتوافرة لدى الاجهزة العاملة مع الحكومة وغيرها».

لكن الاختصاصي الاعلامي الدكتور سعيد صادق لا يرى في «الحرة» سوى «زيطة وسط زيطة» ويقول: «الساحة الفضائية متخمة بالخيارات، وأجد ان رد الفعل العربي للحرة مشابه للفضائية الاسرائيلية عند بدايتها، إذ شحن الرأي العام بشدة ضدها، ثم تبين ان لا وزن لها وأنها مملة».

طارق الشامي الذي يعمل مراسلا لـ«الحرة» في القاهرة، يؤكد أنه قبل الاختيار من دون تردد، ويقول: «لا توجد موضوعية مئة في المئة، فهذا ضد طبيعة البشر، فأي جهة لديها توجهات وسياسات تحريرية يلتزمها من يعمل فيها، ومن الطبيعي ان تكون هناك قنوات موجهة في العالم، لكن «الحرة» تتمتع بقدر كبير من الموضوعية والصدقية، والحقيقة هي الاهم سواء اعجبت المشاهدين أم لم تعجبهم». ويتعجب كثيرا من «الهواجس» التي تسيطر على البعض تجاه «الحرة» ويؤكد انه منذ بدء نشاط القناة لم يواجه اي مشاكل او امتناع عن التعامل معه.

حسين شديد (22 عاما) حاصل على شهادة من معهد متوسط خاص منذ ثلاث سنوات وما زال يبحث عن فرصة عمل مستقرة لم يسمع عن «الحرة» من قبل، لكنه سأل: «هل تقدم القناة فرصا للهجرة أو حتى الحصول على غرين كارد؟».

«حرب الانترنت»

في السعودية، استبقت منتديات الانترنت انطلاق القناة بالتنديد والدعوة الى مقاطعتها حتى قبل ان تباشر المحطة الأميركية بثها.

موقع «الإسلام اليوم» التابع للداعية السعودي سلمان العودة أجرى استفتاء حول مدى تقبل الشعوب العربية لـ«الحرة»، فصوت 45 في المئة من أصل 800 شخص ضد القناة فيما ذهب 25 في المئة الى أنها لن تؤثر في نظرة المواطن العربي إلى الولايات المتحدة، فيما تقبل 30 في المئة رسالة القناة.

لكن اللافت ما اتخذه منتدى «راصد» الذي يشرف عليه سعيد صالح الغامدي والذي دشن موقعا خاصا سماه «الأصلية» كرسه لمواجهة «الحرة» وشن فيه هجوما عنيفا على القناة قبل أسبوع من بثها، صدره بـ«فتوى» مفادها أن «مقاطعة الحرة واجب شرعي وموقف حضاري وفرض استراتيجي». وحشد الموقع مقالات مناهضة للمحطة حذر أحدها «صحافيي الوطن العربي من الانضمام إلى القناة المشبوهة»، معتبرا ذلك «نوعا من التعاون مع الحرب ضد المسلمين».

لكن عددا من المهتمين بالإعلام امتنعوا عن تقويم القناة حتى مرور زمن على إطلاقها ليمكن انتقادها أو الإشادة بها «عن علم وليس رجما بالغيب».

إلا أن آخرين، حتى من الليبراليين، لم يترددوا في التعبير عن قلقهم واستبعدوا أن تخرج «الحرة» عن سياق السلوك الأميركي نحو الشرق الأوسط، خصوصا أن القناة «اختارت توقيتا مريبا تستهدف فيه عددا من وسائل الإعلام الأميركية السعودية في شكل خاص، وتتخذ منها هدفا لتشويه سمعتها، فضلا عن احتلال العراق والموقف من الصراع العربي - الاسرائيلي».

واستبعد الدكتور عبدالله اللحيدان أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود في الرياض نجاح القناة الأميركية «في تحقيق الأغراض التي كانت الدافع الأساسي لتأسيسها لأن المشكلة في السياسات والممارسات المضادة للمثل الإنسانية والثقافية التي تسوقها الإدارة الأميركية، وما لم تتراجع الولايات المتحدة عن سياسات الهيمنة والعنجهية وتبدأ في التعاون مع المجتمع الدولي وتتفهم قضايا الأمم وتسعى إلى حلها وفي مقدمها القضية الفلسطينية، فإن الريبة ستطارد أي مشروع ينطلق من الولايات المتحدة على مستوى العالم أجمع، وليس فقط على مستوى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي».

ورأى اللحيدان أن تأثير القناة سيكون محدودا في ظل السيل الهائل من القنوات العربية المضادة ما يجعلها تجد صعوبة في إيجاد موقع لها على الساحة الإعلامية العربية.

«محاولة للتذاكي»

بين من يعتبرها «محاولة مكشوفة للتذاكي» على وعي جمهور لم تجلب له الولايات المتحدة سوى الموت واحتلال الأرض وتشريد اصحابها، وبين من يدعو «الى الانتظار وعدم استباق الأمور»، استقبل الأردنيون الذين يتحدر اكثر من نصفهم من اصول فلسطينية قناة «الحرة» التي حرصت على ان تلتقطها اجهزة الاستقبال العادية الزهيدة الثمن المنتشرة على نحو واسع في المناطق الفقيرة ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث لا يتاح لذوي الدخول المتدنية والمعدومة امتلاك اللواقط الرقمية المتطورة.

«الحرة» التي سبقتها حملة عداء واسعة في اوساط المعارضة الإسلامية والنقابية بلغت حد تخوين من يقبل العمل فيها من الإعلاميين الأردنيين لا تواجه اختبار الصدقية في مضامينها الإخبارية والبرامجية لدى الجمهور الأردني الذي ظل عقودا مواظبا على استقبال وسائل الإعلام الإسرائيلية، ليتعرف على المسكوت عنه في احوال الأردن والعالم العربي في الإعلام الرسمي، مع إدراكه العميق لأهدافها الدعائية. فلسان حال الكثيرين ان الصدقية لا مكان لها سلفا في وسيلة إعلام مثل «الحرة» تسعى الى «تجميل صورة اميركا الأكثر قبحا في العالم العربي والإسلامي، وتتورط في التحريض من حيث هي تقدم نفسها بديلا للفضائيات العربية التي تستقطب عواطف الشارع العربي وتغذي عداءه المتزايد للولايات المتحدة».

«على الناس ان يصدقوا اولا ان اميركا محايدة على الساحة الفلسطينية، وأنها قتلت الآلاف في افغانستان من اجل مكافحة الإرهاب، وأنها ايضا احتلت العراق لإحلال الديموقراطية وحقوق الإنسان فيه، وبعد ذلك سيسهل عليهم تصديق القناة الأميركية الجديدة». هذا ما يقوله لـ«الحياة» الصحافي الأردني جمال اشتيوي الذي يسكن في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين قرب عمان، مشيرا الى انه «لم تساوره الأوهام حيال المعايير المهنية التي تتعاطى المحطة بموجبها مع العالم العربي وجمهوره المستهدف اساسا، اذ اتضحت للمشاهد الذكي مع الساعات الأولى لبث المحطة ان مساحة المحذوف من الخبر الفلسطيني والعراقي كبيرة جدا وأن عبارة «عندما تنظر لا بد إلا ان ترى الحرة لأفق جديد» التي تظهر ترويجيا على شاشة القناة «ليست سوى الترويج لأفق اميركي خاص، وعلى أعيننا ان ترى صورته كما يشاء الأميركيون الذين رأينا بوضوح تام مهنية جنودهم في العراق».

ويرى إعلاميون اردنيون ان «الحرة» أخفقت على نحو ذريع في الترويج لخطابها، ويشيرون الى انها وقعت في «المباشرة والتسطيح، إذ لم تجد وسيلة لتقول فيها للمشاهد انها منبر للاختلاف والحداثة سوى بثها تكرارا صور شبان ونساء وكهول يفتحون النوافذ والشبابيك ليتسنى للشمس تبديد عتمة مفترضة»، كما ان الولايات المتحدة التي انفقت الملايين عليها لم يسعها إلا ان «تقتبس نموذج إعلام الدول الشمولية عبر قناة اميركية رسمية يشعر اصحابها بعدم صدقيتها، ولذلك اطلقوا عليها اسم الحرة» على حد تعبير الكاتب والإعلامي سميح المعايطة الذي لاحظ ان «بعض الحوارات التي بثتها القناة تحاول القول ان اميركا تدعم حق الشعوب العربية في الديموقراطية، وتستضيف من يتحدثون عن معاناة هذه الشعوب من انظمتها، وهذا الحديث يفقد صدقيته لمجرد صدوره من الإدارة الأميركية وتلفزيونها الرسمي، فالاحتلال اعلى مراتب القمع والديكتاتورية ولا يجوز لدولة تمارس الاحتلال في العراق وتدعم احتلالا لشعوب عربية اخرى في فلسطين وسورية ان تحاول اقناعنا بأن قلبها يتفطر على الشعوب العربية من قمع انظمتها»، كما ان «هذه المحطة ليست وسيلة اعلام بريئة او محايدة، بل هي جزء من آلة الحرب الأميركية على الشعوب المستضعفة، وهي معنية بتبرير الاحتلال والقتل، ومعها ماكينة متطرفة تضم جيوشا وأجهزة استخبارات وهيمنة سياسية واقتصادية».

ومع ذلك كله، ثمة من يرى ان القناة الجديدة «مؤشر صارخ على احساس الولايات المتحدة بفداحة اخطائها الاستراتيجية في العالمين العربي والإسلامي»، وهي تبعا لذلك «تسعى بقوة لتسويق جانب آخر من ثقافتها وحداثتها لشعوب تجرعت طويلا مرارات سياستها». وفي هذا الصدد يرى المحلل السياسي جمال طاهات ان من «المهم الآن ان تسارع «الحرة» الى الإطلالة على المجتمع الأميركي وتكويناته الثقافية والمعرفية، وأن تنقذ المشاهد العربي من التطرف والمغالاة وسائر اساليب التحشيد والتحريض التي تتسابق إليها وسائل الإعلام العربية» كما ان على «المتلقي العربي ان يتريث في محاكمتها قليلا، لئلا يقع في ورطة الأحكام المسبقة التي تقودها اذهان تفتش عن المؤامرة وراء الأشياء».

سورية: انتقادات مهنية وتريث رسمي

وفي سورية، استبق عدد من كتاب الاعمدة في الصحف الرسمية اطلاق «الحرة» بنزع مبدأي الحرية والموضوعية عن عملها المهني، لكن الحكومة فضلت التريث قبل «اطلاق الحكم النهائي عليها الى حين متابعة تغطيتها القضايا العربية».

وكانت السفيرة الاميركية في دمشق مارغريت سكوبي اجتمعت مع وزير الاعلام احمد الحسن الخميس الماضي. ولم يعرف ما اذا كان اللقاء الذي تركز على «التمسك بالحوار البناء» تضمن طلب سكوبي الموافقة على عمل «الحرة» في سورية. وقالت مصادر اعلامية لـ«الحياة»: «لم نتلق الى الآن طلبا رسميا لاعتماد مراسل لهذه المحطة. وعندما يصلنا طلب كهذا يدرس كبقية المؤسسات الاعلامية الاخرى العاملة في سورية وفق القوانين الناظمة للعمل الصحافي في البلاد».

وأشار خبراء اعلاميون الى وجود اتجاه نحو «التريث قبل اطلاق حكم نهائي، لأنه لا يمكن الحكم على المحطة الا بعد مرور فترة معينة لنرى كيفية تغطيتها حدثا كبيرا يتعلق بالقضايا العربية». لكن الكاتب نصر الدين البحرة استبق اطلاق «الحرة» بتوجيه انتقادات الى المشروع والقيمين عليه. وكتب في «تشرين» ان «المشرف العربي» على المشروع التلفزيوني قال ان الفضائيات العربية «تصف الطائرات الاسرائيلية المغيرة على الفلسطينيين بأنها اميركية الصنع، وهو ما لن نفعله»، ما دفع البحرة الى الاعتقاد بأن «الحرة لن تكون حرة» وأن هدفها هو «التدليس وتضليل الرأي العام العربي.

الا ان كتابا يحملون صفات رسمية فضلوا تناولها بطريقة هادئة سياسيا واعلاميا. اذ كتب السفير السوري في عمان رياض نعسان آغا ان مهمة المحطة «اختراق منظومة القيم والمفاهيم والتقاليد العربية الاسلامية ونشر اسلوب حياة وعيش ونظم اجتماعية على الطريقة الغربية، الامر الذي يفسر الاهتمام بالموسيقى والغناء» فيها، وصولا الى القول ان «الادارة الاميركية غير قادرة على اغضاب اسرائيل، فلجأت الى الاعلام لتحسين صورتها وحملت الاعلام ما يعجز عن تحقيقه إن لم يرافقه عمل على الارض وموقف سياسي عادل ومنصف ومقنع».

وفيما كتبت صحيفة «الثورة» في صدر صفحتها الاسبوع الماضي «ان الاعلام العربي اعتبر المحطة جزءا من الغزو الاميركي» للشرق الاوسط وان «العالم العربي استقبلها بتشكيك لا بل بازدراء»، حاول الزميل احمد صوان مستشار وزير الاعلام «الوقوف على الجانب المهني والاعلامي فيها» بدلا من النظر الى البعدين السياسي والدعائي. وبعدما كتب «ان الحرة ليست حرة، وكيف يجوز ان نستنكر على الولايات المتحدة محطة تلفزيونية في الفضاء العربي وهي التي تهيمن وتسيطر قبل ذلك على المنافذ العربية برا وبحرا بالدبابات والبوارج والجنود والطائرات المقاتلة. اذا، نحن مع تجييش الاعلام برؤى ووجهات نظر اميركية»، لاحظ ان انطلاقة المحطة «كانت ضعيفة» وانها لم تملك «ادوات التعبير عن المشروع الاعلامي والسياسي (الاميركي) او تجسيده في مقدماته، وهو ما ظهر في اخطاء مهنية وفنية متكررة في الحرة حتى في المسائل السياسية المباشرة من مقابلات واختيار للاحداث وتسليط الضوء على بعضها وتجاهل كل ما يعوق او يتناقض مع المشروع المحدد مسبقا والمرسوم» لها، لافتا الى ان المذيعين خضعوا لـ«النمطية بسبب الاسئلة المعدة مسبقا»، ما ادى الى «عدم اغناء الحوار العميق»، وخلص الى ان «الاداء للمحطة لا يجعل منها منافسا قويا للفضائيات العربية سيما وأنها مكبلة بمواقف اميركية معلبة لا تتماشى» مع اعلان المسؤولين عليها بتمسكهم بـ«الاستقلالية» التي تتمتع بها التلفزيونات العربية غير الرسمية «خصوصا جرأة فضح السياسة الاميركية التي تحتاج الى مراجعة وإعادة النظر وليس الى تجميل وتزيين...لان ليس ما كل يلمع ذهبا، وليس في مقدور الاعلام ان يكون بديلا عن السياسة».

«مقاطعة»

في 14 الشهر الجاري، تابع جزء من اللبنانيين برامج «الحرة» لأسباب مختلفة، فيما آثر جزء آخر منهم التمسك بخيار «المقاطعة».

في كافيتيريا كلية الإعلام والتوثيق في بيروت كان المشهد شبه مألوف. مجموعة من الطلاب يناقشون قضية تختلف باختلاف الحدث. والآراء المتضاربة عنصر لا يغيب عن اللقاءات اليومية. والنقاش اليوم، يتناول المحطة الأميركية. ترمي أمل (22 سنة) حقيبتها على الطاولة. «قاطعوا البضائع الأميركية»، شعار لم تنزعه منذ الحرب الأميركية على أفغانستان. تعدل حجابها معلنة احتدام النقاش: «الحمد لله على أن مؤجر خدمات الصحن اللاقط (في الضاحية الجنوبية من بيروت)، يرفض تزويد زبائنه بخدمات محطة العدو».

تثير العبارة زميلها احمد (23 سنة) الذي يعتبر أن الجمهور العربي يحكم على المحطة انطلاقا من قناعات مسبقة. يسخر من الذين يرفضون مشاهدتها، لئلا يكونوا من مموليها. يفاخر بمتابعته الكثير من نشرات أخبار «سي أن أن» الأميركية، فهي بالنسبة اليه المنقذ الوحيد من الكلام «الفارغ من المحتوى» الذي تبثه الفضائيات العربية. يحلم بأن يصبح يوما من العاملين في المحطة. يتجاوز حلمه رحابة صدر أصدقائه، فيخرج الحوار عن هدوئه. «العاملون فيها تابعون للاستخبارات الأميركية، وكل الشعوب العربية تعرف خلفياتهم»، يكون تعليق علي (23 سنة). علي هو الوحيد بين الطلاب الذي شاهد برامج المحطة، لكنه لا يعلق على مضمونها لأن ساعات البث لا تتجاوز الـ«14 ساعة، ثلاثة أرباعها مخصص للتعريف بالبرامج». ويتوقع فشل المحطة في تحقيق أهدافها، لأن «العالم العربي ليس أرضا خصبة للأفكار التي ستطرحها، كما انه ليس سهلا خرق الرأي العام العربي بعد الذي حصل في فلسطين والعراق». ولكن «يجب ان نشاهدها ثم نحكم». يكون قرار كثيرين.

ما إن يرد ذكر «قناة الحرة» حتى يتخذ كلام عقاب (30 سنة - صحافي) منحى تصعيديا. ينتقد رافضيها وخطابهم «الضعيف»، فبالنسبة اليه انتقاد «الحرة» عجز في الخطاب العربي نلقيه على الآخرين. «الدماغ المملوء بالوعي لا يقبل الغسيل، أما الدماغ الفارغ فيحتاج إلى من يغسله»، عبـارة يـكررها كثيــرا.

يعدد مزايا القناة الجديدة التي تفتح أمام العرب (العاملون فيها جميعهم من العرب) مساحة إعلامية عليهم الاستفادة منها، لأن «من يملأ هذه المساحة هو الذي يستغلها للتعبير عن رأيه في المستقبل». ولا يغفل الإشارة إلى التحديات التي ستواجه المدير والهيكل الإداري الذين «إذا تمكنوا من استغلال ما هو متوافر ستصبح المحطة بعد فترة الرقم واحد عربيا». ويسخر من منتقدي برنامج «ماغازين» وتجربة «بذور السلام» الذي يفتح الحوار بين طلاب عرب ويهود، مستشهدا بواقع معظم الأنظمة العربية التي «تجلس يوميا مع إسرائيليين»، مدعما وجهة نظره بـ«إذا كنا مؤمـــنين بقضيتنا فلنجلس مع الإسرائيليين ونـــناقشهم، أما اذا كنا نتفادى النقاش، فهذا يعني أننا إما خائفون من المطالبة بحقنا أو خجلون منه».

ولا يرى عقاب، الذي يتابع برامج المحطة في أوقات فراغه، سببا لفشل «الحرة» التي تملك كل مقومات التفوق: «هامش حرية، كفاية، مادة، مراسلون في قلب الحدث، تقنية عالية، مكاتب محصنة لن تقوى على إقفالها الأنظمة العربية على عكس ما يحصل للفضائيات العربية». ويتوقع أن تنال ثقة المشاهد العربي لأنها ستعمد بعد فترة إلى نقل «الحكي الثقيل» الذي لا تجرؤ الفضائيات العربية على بثه، ما يسبب للمحطة أزمة مع السلطات العربية. ولكن المتضرر الأول، من وجهة نظره، هو التيار القومي الذي سيكون أمام خيارين: «إما أن يستغل هذه المساحة الإعلامية المتوافرة للتعبير عن رأيه أو أن يستمر في البكاء على الأطلال». و«إذا كانوا مستائين فليطلقوا فضائية مضادة لا تتحدث عن زيارات الرؤساء العرب ولا تتكلم على انتصارات صــلاح الدين».

لا يبدو الدكتور اياد عبيد، الأستاذ في كلية الاعلام، في موقع المحايد ما إن تسأله عن المحطة. «ماذا تريد من قناة عبرت عن انطلاقتها بمقابلة مع بوش؟». ويستشهد عبيد بنظرية القصف الإعلامي لوزير الدعاية الألماني غوبلز ليشير الى أن الولايات المتحدة تستخدم كل شيء في سبيل التسويق لسياستها. ولا يجد في استضافة زياد نجيم في برنامج «ساعة حرة» الصحافي في جريدة «السفير» اليســـارية إبراهيـــم الأمين ما يشـــير إلى نـــية المحطة بأن تكـــون حيادية. «فــأن تخصص 96 في المئة من برامجــك لليمينيين وأربعة في المئة لليساريين لا يجعل منك يساريا».

Thursday, February 19, 2004

« يوم الحب » تلك الليلة في استديو « ستار أكاديمي »...

« يوم الحب » تلك الليلة في استديو « ستار أكاديمي »...


منال أبو عبس
Al-Hayat (737 كلمة)
تاريخ النشر 19 فبراير 2004


عشية يوم الحب يتم الإعلان عن نتائج التصويت في استديوات «ستار أكاديمي» في ادما. دقائق معدودة ويتنفس أحمد وصوفيا الصعداء فيما يخرج برونو من البرنامج. يلتفت نحو جمهوره موجها «تحية من الشاب اللبناني في الأكاديمية». لم يبد برونو حزينا، فالتصويت ضده تم بطلب منه. فقط احتضن سينثيا صديقته منذ ايام الدراسة. تناسى الكاميرات محاولا الإستمتاع بالمعجبين وبيوم الحب. خاطب الثمانية «شبان وصبايا» المتبقين في البرنامج، «ما حدا يزعل. على الأقل أنا طالع نهار الحب».

«نعتذر عن عدم قبول المراهقين دون 15 سنة»، كتب على اللافتة المعلقة فوق مدخل استوديو «ستار اكاديمي» في ادما. عبارة لم ترض الوالدة الأردنية، فابنتها (13 سنة) تتابع البرنامج منذ بدئه، ومن المؤكد انها لن تقبل بالعودة الى الأردن من دون حضور السهرة. تحاول استمالة الحارس بعرض جواز السفر عليه، لكنه يبدو صارما في تنفيذ التعليمات. في الزاوية الأخرى شابان سعوديان وصلا للتو الى لبنان لتشجيع محمد الخلاوي. ينفي الأول علمه بضرورة الحصول على البطاقات مسبقا. يتجه صوب رئيس مجلس ادارة المؤسسة اللبنانية للإرسال بيار الضاهر شارحا «معاناته». «المقاعد في المسرح مساوية لعدد البطاقات التي وزعت»، يشرح الضاهر رافضا طلب الشبان حضور العرض وقوفا. دقائق من الإنتظار ويأتي الحل: «كلما تخلف احد الحاصلين على البطاقات عن الحضور تدخلون مكانه».

امام الباب عشرات الأطفال يتأبطون اذرع اهاليهم الذين لم يوفر بعضهم جهدا للحصول على البطاقات، وان تم ذلك عن طريق السوق السوداء. الطريق الى الداخل ليست طويلة، لكنها كافية لتبادل الملامة بين الأصدقاء، «كيف تصوت لغير اللبنانيين، عيب عليك».

مدير المسرح يعتلي الخشبة. يوجه تعليماته الى الجمهور الذي بدا مستعدا لتحمل الكثير من الإنتقادات والإرشادات مقابل حضور البرايم. «اذا كان الريبورتاج ناجحا، نصفق كثيرا، اذا وسط قليلا... والآن سنجرب ما تعلمناه»، عبارة ما ان يتلفظ بها المدير حتى يقوم الشبان والشابات في القاعة بإطلاق الصرخات والهتافات المتناسقة. و«الزقفة على الأغاني بتكون عالريتم»، تكون الإرشاد الأخير قبل 6 دقائق من بداية البرنامج.

الحاضرون تتراوح اعمار غالبيتهم بين العشرة والعشرين سنة. السعوديان، الأم الأردنية وابنتها يجلسون في الجهة المقابلة. يتسامرون مع احد الفتيان (13 سنة) الذي كانت معرفته بأحد الموظفين في المؤسسة السبب في حصوله على بطاقة الدخول. الثامنة والنصف مساء: مقدمة البرنامج تصعد الى المسرح، أعضاء فرقة الرقص يتمركزون على الخشبة. الأساتذة المتخصصون يجلسون في الصف الأمامي. واللون الأحمر قاسم مشترك بين الجميع.

ريبورتاج عن زيارة المطرب وائل كفوري للأكاديمية، وأغان من وحي عيد الحب. كاتيا حرب بلباسها «الوشم». الطلاب يؤدون أغاني الحب بينما اعصاب الجميع مشدودة بانتظار الإعلان عن نتائج التصويت. رقصات متتالية، تبديلات كثيرة في ديكور الإستوديو: بيانو، أوسدة حمر وبيض، أشكال قلوب، كيوبيد وغيرها كثير، عناصر تضافرت لتضيف الى الجو الرومانسي الذي اراد منظمو البرنامج اضفائه على السهرة.

ريبورتاج عن تسجيل اول اغنية مشتركة بين الطلاب. وسينثيا تظهر احترافا في اغاني الحب الإنكليزية والفرنسية. اهل محمد عطية يصعدون الى الخشبة. أمين وليلى يؤدون اغنية مشتركة. برنامج أعد مسبقا ليكون لائقا بسهرة الحب.

العاشرة والنصف ليلا. ساعة ونصف الساعة على بدء يوم الحب. ودقائق على الإعلان عن نتائج التصويت. الأعصاب مشدودة كما في كل برايم. أحمد يكون أول الناجين، تليه صوفيا، فيما يخرج برونو «راضيا». ينتهي البرايم ويخرج الجمهور من المسرح. تنصرف هيلدا، مقدمة البرنامج، الى توقيع التذكارات للمعجبين. هناك في الخارج، يجلس أحد الآباء مع صديقه. يحدثه عن سعادته بالحصول على البطاقات «صديقي طبيب جراح، هو الذي تمكن من احضار البطاقات». هو ليس من متتبعي البرنامج ولا يعرف حتى اسماء الطلاب. يحتضن ابنته بشدة، «نصحت اوقية اليوم، اعتقد انها كانت ستجن لو لم تتمكن من الحضور. ما قاشعة غير محمد عطية»، يقول الوالد.

صحافية لبنانية في مدرسة الحياة.