Monday, March 26, 2012

الحكومة اللبنانية تهملهم فيعتمدون على "ضيافة" عرسال وسعدنايل
السوريون النازحون إلى البقاع "مربعات" آمنة وروايات عن قوافل المنكوبين 


منال أبو عبس

حتى الجمعة الماضي، كانت تعيش في عرسال 327 عائلة سورية بصفتها نازحة، وفي سعدنايل 260 عائلة .البلدتان بقاعيتان تقعان شرق لبنان .ويقول ناشطون في جمعيات أهلية ومدنية محلية إن العدد يرتفع مساء كل يوم وبنسب متفاوتة .
تحاذي عرسال الحدود مع سورية، وتفصلها عن سعدنايل بلدات كثيرة تمتد لنحو ساعة ونصف ساعة بالسيارة .يؤكد نازحون أن اختيار هاتين البلدتين لم يكن عشوائيا، إنما بسبب 'الأمان 'فيهما .والأمان في هذه الحال يعني اللون الطائفي، إذ أن أهالي البلدتين المختارتين من السنة، بينما البلدات بينهما حيث ترفع صور كثيرة للأمين العام ل 'حزب الله 'جنبا إلى جنب مع صور الرئيس السوري بشار الأسد، من الشيعة أو من خليط طائفي .الهاربون من آلة القتل في سورية استعاروا من اللبنانيين عبارتهم الشهيرة 'مربعات أمنية 'للإشارة إلى أن هذه البلدات تقع، في أذهانهم، تحت سيطرة 'حزب الله '.

نازحو البقاع، إضافة إلى سوريين كثيرين (غير مشمولين بتلك الأرقام )لجأوا إلى المنطقة من دون أن يحملوا هذه الصفة، لا اعتراف رسميا لبنانيا بوجودهم .وإذا استثنينا تصريحات متفرقة بعضها لنواب في كتلة 'المستقبل 'تنتقد عدم الاهتمام الرسمي اللبناني بقضية النازحين إلى البقاع وعدم مساعدة الهيئة العليا للإغاثة هؤلاء أسوة بالسوريين النازحين إلى شمال لبنان، واستثنينا تصريحات أخرى لنواب ومسؤولين ضمن قوى 8 آذار تعتبر ما يجري في البقاع زيارات سوريين عادية لأقارب وأصدقاء لهم في لبنان، لا يبقى إلا واقع قاس فرض على عائلات مؤلفة بمعظمها من أم وأطفال كثر، ويوميات يعيشونها قلقا على أقارب لم يحالفهم الحظ في الفرار أو أخوة فضلوا تهريب نساء العائلة 'خوفا على العرض 'ولجأوا إلى الجبال والبساتين خوفا من القتل أو الاعتقال .

هذه اليوميات تشبه يوميات النزوح اللبناني في كل شيء، حتى تكاد تماثلها :من تقاسم جميع الأطفال فراشا رقيقا على أرض مدرسة أو ملجأ أو قبو دار عبادة، إلى انتظار صندوق إعاشة ملصقة عليه ورقة بيضاء تذكر ب 'أهل الخير '، إلى الاحتجاج على انقطاع المياه، إلى دعاء الأمهات المتشحات بالأسود بأن ينزل الله بظالميهن ظلما يفوق ما لحق بهن .

'الحياة 'جالت على النازحين في سعدنايل وعرسال وبلدات أخرى في البقاع، وبدا ما يروى عن المناطق التي نزح الأهالي منها وعن حال النازحين مماثلا لما رواه اللبنانيون النازحون من جنوب لبنان خلال حرب تموز (يوليو )2006 .

< في ساحة شتورة سيارات كثيرة لوحاتها سورية، لكن السوريين هنا وفي بلدات أخرى قريبة لا يحملون صفة نازحين بالمعنى الدرامي للكلمة. غالبية هؤلاء من ميسوري الأحوال خرجوا مع بدء الأحداث في سورية من مناطق كالزبداني ودمشق، ودخلوا إلى لبنان عبر المصنع وبطريقة شرعية، واستأجروا منازل في بلدات كالمرج وبرالياس وقب الياس، وحتى زحلة التي فضلها المسيحيون منهم خصوصا، بسبب الانتماء الديني لأهلها. هؤلاء لا يشملهم التعداد الذي تجريه البلديات والجمعيات المدنية للنازحين السوريين.

على مسجد تعلبايا عند مدخل بلدة سعدنايل، ألصقت أوراق ملونة كتبت عليها عبارات :'لعيونك يا شام 'و 'حملة للتبرع بالمواد العينية والمادية للاجئين السوريين '، في ما يشبه الاعتراف الأول بوجود 'لاجئين سوريين '.أما داخل البلدة فيقول رئيس 'رابطة شباب سعدنايل 'الناشط عمر الحلبي إن النازحين 260 عائلة، وإن المعدل الوسط لأفراد كل عائلة هو 5 .في سعدنايل وحدها حوالى 1300 سوري إذا، وهو رقم يرتفع مع استمرار الثورة السورية .عائلات كثيرة نزحت خلال الأسبوعين الماضيين مع اشتداد القصف على المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان .

غرفة تحت الدرج 
يوصل درج إلى منزل من غرفتين .المنزل قديم، جدرانه من الحجر غير المطلي .تحت الدرج فتحة في الجدار تشكل الباب المؤدي إلى غرفة تنخفض نحو نصف متر عن سطح الأرض .الغرفة بلا نوافذ، ورائحة الرطوبة المنبعثة من جدرانها تزيد كآبة المكان .

السرير على يمين المدخل يتمدد عليه رجل مقعد .أما الفرش الموزعة بطريقة ال 'مدة 'العربية، والأغطية المرصوفة فوق بعضها بعضا على الجانب، فلأفراد عائلتين تتقاسمان المكان، كل منهما مؤلفة من ستة أشخاص .في بضعة أمتار مربعة تحت الأرض يعيش 12 شخصا معظمهم أطفال .

ترفض السيدة الثلاثينية تصويرها داخل الغرفة، وتضحك لدى سماعها كلمة 'لاجئين '.لم يعتد السوريون هذا الوصف لغير الفلسطينيين. تعرف عن طفلاتها الأربع اللواتي يوحين بأنهن من عمر واحد، وتستعيد حكاية الهروب من معرة النعمان قبل أسبوعين :'عندما اشتد القصف علينا خرجنا بالسيارة من المعرة .الوضع كان صعبا، وكلما اقترب القصف كنا نلجأ إلى البساتين لنختبئ، لساعتين أحيانا ثم نعود إلى السيارة ونكمل الطريق .هربنا بما علينا من ملابس، وتركنا حياتنا كلها في المعرة .هكذا فعل جيراننا .لم يبق هناك إلا بضع عائلات .دخلنا إلى لبنان في اليوم الذي قيل فيه إنهم ضبطوا 7 مسلحين .كنا نسمع صوت الرصاص ولا نرى مسلحين '.

تكثر السيدة من حمد الله، وتقول مرة بعد مرة :'نصيبنا .شو بدنا نعمل '.لكن أكثر ما تشكر الله عليه هو معرفتها بالعائلة التي تملك المنزل في سعدنايل :'قدموا لنا الملجأ من دون مقابل .وأمس أحضر لنا سعاة الخير صندوق كرتون فيه أغذية .وأتونا بأغطية وفراش لكل عائلة .أعطونا الحليب للأطفال، الله يعطيهم العافية '.أما الطبابة، فمؤمنة لكل نازح سجل اسمه ومكان سكنه على بطاقة من البلدية، تخوله العلاج والحصول على دواء من دون مقابل '.

الأهالي في سعدنايل لم يعبروا عن انزعاج من وجود هذا العدد من النازحين السوريين في بلدتهم .أئمة المساجد كما الجمعيات، حريصون على اعتبار احتضان هؤلاء قضية دينية وأخلاقية سامية .هذا الأمر تتحدث عنه السيدة وهي تروي أن الجميع لاقاهم بالترحاب، لكن 'الواحد منا، بيننا وبين أنفسنا يحس بالثقل .عندما يكون الشخص في بلده يختلف الأمر .الله يهدي الأحوال بالمعرة، بدنا نروح '.

تتدخل الشقيقة لتروي فصولا أخرى .تقول إن زوجها مقعد، وان زوج شقيقتها خرج بعربة ليبيع الكعك من أجل تأمين المصروف 'فصندوق الإعاشة لا يكفي .وبرقبتنا صغار، والأسعار في لبنان مرتفعة جدا '.تستعيد يوميات المعرة لدى سؤالها عن مسلحين في بلدتها :'أي مسلحين؟ كان كل شيء عاديا، وفجأة دخلوا (الجيش السوري ).كنا نعيش في أمان، ولكن منذ صارت المشاكل، لم يعد أحد يأمن الخروج من داره .من يرونه يذبحونه ولا نعرف من يقتل ولماذا .الآن لا نعرف شيئا عن الحال هناك .حتى الاتصالات انقطعت، وبيوتنا لا نعرف إذا بقيت .احتلوا بيوتا كثيرة غادرها أصحابها '.

ترتفع ضحكات الصغيرات اللواتي تكاد صورتهن أن تكون واحدة :ضفائر شقر ووجوه حمر متشققة وخجل بينما يتحدثن عن اشتياقهن للمدرسة في المعرة و 'المنشية 'والرفيقات .ولدى سماع الأم تتحدث عن ذعر إحداهن من دوي القصف، تبادر أكبرهن :'صار قتلى كتير، لكنني لم أخف .كانت ماما تصرخ وترتجف وتطلب أن نقول :يا لطيف يا لطيف '.

قرب المنزل- الملجأ تقع 'رابطة أبناء سعدنايل 'التي تتولى التواصل مع النازحين .يقول الحلبي إن شبان سعدنايل أخذوا على عاتقهم بداية، تقديم المساعدة للنازحين على قاعدة 'إذا دق شخص خائف باب بيتنا لن نقفله في وجهه '.البداية إذا كانت بتبرعات دعا إليها أئمة المساجد، إضافة إلى مساعدات قدمتها جمعيات ائتلاف الخير والرابطة والهيئة الصحية وأزهر البقاع .وصار كل من يملك غرفة أو دكانا مقفلا يقدمه لعائلة نازحة .عندما ارتفع عدد النازحين، استؤجرت منازل تدفع بدلها البلدية والجمعيات التي انضم إليها سعاة خير عرب وجمعيات محلية وأجنبية وخليجية، أما 'تيار المستقبل 'الذي توسم البلدة باسمه ف 'لم يقدم ليرة واحدة لنازح في سعدنايل 'كما يقول الحلبي .

'النازحون إلى سعدنايل يصلون إليها من مشاريع القاع أو عرسال عبر 'التهريب 'أي أنهم يخرجون من الأراضي السورية في صورة غير شرعية، ولا تسجل أسماؤهم على الحدود .أما الجرحى بينهم، فينقلون عبر أشخاص أو عبر الصليب الأحمر إلى مستشفى شتورة أو الشمال بحسب الحالة .ولمستشفى شتورة قصة صارت معروفة .في البداية كان الناشطون يتعرضون لمضايقات قالوا إنها من مخابرات الجيش ومن عناصر 'حزب الله '، ما اضطرهم أحيانا إلى تهريب جرحى من المستشفى إلى الشمال .أما بدل العلاج فكانت تتكفل به التبرعات '، يضيف الحلبي .

هل نقلتم مقاتلين للعلاج في لبنان؟ يجيب :'لا نعرف إذا كانوا مقاتلين أو مسلحين .ننقل جرحى، وبعد العلاج يعودون إلى بلادهم .نحن لا نعرف أصلا إذا كان بين المصابين من هم مع النظام السوري، ولكن من باب الحذر ولأسباب أخرى أمنية نجمع معلومات عن الشبان الموجودين في البلدة وأماكن سكنهم '.

عرسال 
على بعد نحو ساعة ونصف ساعة من سعدنايل، تبدو عرسال هادئة بينما الأهالي متجهون للمشاركة في تظاهرة دعما للثورة في سورية بعد صلاة الجمعة .على طريق فرعي قرب مدخل البلدة يغص مستوصف رفيق الحريري بالنازحين ومعهم أطفالهم .تتحدث الناشطة العاملة في المستوصف وهيبة الفليطي عن 27 عائلة دخلت عرسال في الليل الفائت .وتقول انه بعدما كان النزوح في الأسابيع الماضية من مناطق حمص وبابا عمرو تحديدا، صار كثيفا من مناطق القصير وجوسية والنزارية، وبين النازحين جرحى كثر .

وتتحدث عن استضافة البلدة النازحين في بيوت لا يشغلها أصحابها وفي مصليات، لكن 'البلدة قد لا تتسع لنازحين جدد .وإذا استمر التدفق لا نعرف ماذا سنفعل '، وهو أمر يبدو رئيس البلدية علي الحجيري قلقا منه، خصوصا أن لا اعتراف حكوميا بقضية النازحين إلى البقاع، ما يحمل البلديات مسؤولية جسيمة .

الفليطي تشير إلى مساعدات طبية كثيرة تقدم للنازحين، بعضها من منظمة 'أطباء بلا حدود 'وتتردد أقاويل عن نيتها إنشاء مستشفى ميداني في البلدة، إضافة إلى مؤسسات أخرى مثل 'أم آي سي 'الطبية، كما قدم بعض الصيدليات إلى المستوصف أدوية مجانا .وتلفت إلى أن السوريين يحاولون التكتم كثيرا لدى الإدلاء بمعلومات عنهم وعن عائلاتهم، خصوصا الشبان .وتروي أن 'أحد الجرحى بدا متكتما على اسمه واسم بلدته، ولما أصررنا، أعطى اسم شاب من البلدة .لاحقا عرفنا من سوريين آخرين أنه مقاتل، وأنه عاد إلى سورية '.

'لعيونك يا حمص .الدم والمال والروح بترخص '، اللافتة هذه رفعت على مدخل عرسال .وفي بيوت كثيرة في البلدة يروي نازحون أن ثيابا وأطعمة وأدوية قدمت لهم، وان أحدا لم يبخل بشيء، إنما على ألسنة كثيرة تكرر عتب على حكومة لبنان التي 'لم تنظر لحالنا '.

في مصلى يصعب الوصول إليه بالسيارة، بسبب رداءة الطريق، تقطن عائلة من ثمانية أشخاص، يقول الشاب من آل عمار والذي لم يتجاوز عمره 16 سنة إن حالها أحسن من أحوال غيرها بكثير .المقارنة هنا بين حال العائلة ووضع أقارب له نزحوا إلى مصلى آخر في البلدة .في ذاك المصلى ترقد صبية تتعافى من إصابة برصاصة في الرأس، بينما العائلة كلها لم تتعاف من صدمة مقتل الابنة الأخرى برصاصة أطلقها العسكري نفسه .

حكاية الصبيتين يرويها الشاب :كانوا طالعين من الزرار، عندما أوقفهم الحاجز طالبا منهم العودة .وبينما تلتف السيارة أطلق العنصر الرصاص عليها فأصاب رغدة (13 سنة )وقتل ملك (18 سنة ).دفنا ملك وخضعت رغدة لعلاج أولي .بعد ثلاثة أيام هربنا مجددا '.

لقصة الهروب شرح يطول .ويقول الشاب :'صرنا نتنقل ضمن مجموعات من خمسة .واتفقنا على أن من يسقط منا برصاص القناص نتركه ويكمل البقية الطريق .دخلنا بيوتا كثيرة نعرف أنها آمنة، إلى أن وصلنا إلى الحدود .هناك وضع الله في طريقنا أولاد حلال أمنوا دخولنا إلى لبنان '.ولكن، لماذا إلى عرسال؟ يجيب الشاب :عرسال آمنة، ويبتسم .وبعد إلحاح، يقول :'المناطق الثانية لحزب الله، ونحن ما صدقنا كيف هربنا من اللي عندنا '.


الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة










Saturday, March 10, 2012


أزمة الكهرباء في لبنان: الحل الآن أو... الكارثة ! 

منال أبو عبس


يسأل المتصل السيدة: حضرتك زوجة وزير الكهرباء (الطاقة) في لبنان الاستاذ جبران باسيل؟ تجيبه: نعم. فيردف: ألف مبروك مدام. صار زوجك مديرا لمرفأ بعلبك. ترد عليه الزوجة بفرح: الله يبارك فيك، لكن هل في بعلبك بحر ليكون له مرفأ؟ فيجيبها: ولماذا السؤال، فهل في لبنان اصلا كهرباء ليكون زوجك وزيرا لها؟

الحوار الافتراضي الذي دار بين المواطن وزوجة الوزير ليس إلا وجها من وجوه السخرية السوداء التي يعتمدها اللبنانيون للرد على ارتفاع معدل التقنين الكهربائي وتردي حال القطاع ككل .ومع ارتفاع أسعار الاشتراك في المولدات الخاصة والعاملة فقط لتغطية ساعات التقنين الى مئة دولار اميركي شهريا لكل خمسة أمبير ومئة وستين دولارا للعشرة أمبير (معدل عام )، انتشرت النكات التي تطال وزير الطاقة والحكومة، في محاولة للتخفيف من معاناة المواطنين الذين لا يبدو أن ثمة حلولا قريبا لمشكلتهم، بل تهويل من ساعات تقنين اضافي سيشهده البلد في الصيف المقبل، بعدما خسر لبنان كمية من الطاقة (نحو 300 ميغاواط )كان يستجرها من مصر وسورية نتيجة الاحداث في البلدين .

اتفاقات فولكلورية

هموم المواطنين، كما سخريتهم، لا تبدو ذات أثر في الواقع السياسي .فالكباش الذي دار بين وزير الطاقة من جهة وبين اطراف داخل الحكومة وخارجها من جهة أخرى، حول تنفيذ خطة الكهرباء التي اقرت في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في حزيران (يونيو )2010 أكسب الواقع المتردي طابعا سياسيا، تحسب فيه الحلول أرباحا سياسية لفريق على آخر تضاف اليها اتفاقات 'فولكلورية 'توقع بين حين وآخر، لاستجرار الطاقة من بلدان مختلفة الى لبنان، وآخرها قبل نحو اسبوعين من طهران، مع أن لبنان لا يوفر البنى التحتية اللازمة لهذه العملية .ووفق متخصصين في أمور الطاقة والكهرباء :'استجرار الكهرباء لا يتم بتوقيع عقود، بل بتأمين الشبكة التي تسمح بنقل الكهرباء من ايران او غيرها إلى هنا .في السابق حصلت محادثات طويلة لنقل كهرباء من تركيا الى لبنان ومن سورية الى لبنان .لكن داخل سورية نفسها هناك نقطة ضعف في الشبكة، ولا يمكنها أن تمرر كهرباء الى لبنان '.وفي الحصيلة، فإن هذا الاتفاق كما غيره لن يقلل ساعات العتمة التي تعيشها بعض المناطق لنحو عشرين ساعة يوميا، خصوصا اذا لم تكن لسكانها قدرة على دفع بدل الاشتراك في المولدات الخاصة .

يرفض مستشار وزير الطاقة سيزار ابي خليل تحميل الوزير باسيل تبعات ما وصلت اليه حال الكهرباء، الذي يرده الى العرقلة السياسية 'بسبب استفادة البعض من الوضع القائم .هم سبق ان قالوا سنبيع الكهرباء بدولار رمزي '.ويقول ان 'البواخر كانت الخطوة التنفيذية الاولى لخطة الكهرباء، وهي تؤمن الطاقة في شكل سريع، لكونها معملا جاهزا وعائما، لكن يتطلب الاستحصال عليها فترة تقارب الستة اشهر أي اواخر الصيف '.

ويرى لحل الازمة، ضرورة تنفيذ البنود ال42 في خطة باسيل، و 'المشاريع الست الاساسية ضرورية ويفترض بدء العمل بها، وهي :1- البواخر، 2- خطة الطوارئ أي ال700 ميغاواط التي اذا لم تنفذ في وقتها لن يعود لها صفة الطوارئ ولن نستفيد منها .والدراسات جاهزة ودفاتر الشروط بانتظار انطلاق المناقصات، لكن يجب تأمين الاموال لأن التلكؤ يكلف الخزينة خسائر فادحة .3- مشروع مقدمي الخدمات الذي سيبدأ العمل به ابتداء مطلع آذار /مارس .هذا المشروع سيؤمن وفرا ب 303 ملايين دولار وسيزيد اصول مؤسسة كهرباء لبنان 282 مليون دولار، وسيوقف كل الهدر التقني وغير التقني الحاصل على الشبكة، وسيؤمن صيانة شبكات التوتر والمنخفض وتشغيلها وصولا الى تركيب العدادات الذكية التي توفر امكان قطع الاشتراكات التي لا تسدد فواتيرها من السنترال مباشرة ما يحل مشكلة الجباية والتعديات والهدر التقني .4 - مشروع وصلة المنصورية لاستكمال الحلقة التي تنقل الطاقة .5- خط الغاز، وهو الذي سيربط معامل انتاج الطاقة الساحلية وسيؤمن لها المحروقات الارخص، أي الغاز الطبيعي، ويحل لنا مشكلة الكلفة .6- مشروع تأهيل معملي الذوق والجية، وحالتهما سيئة واذا انهارت قدرتهما الانتاجية فستتسببان بكارثة كبرى '.

ويستند ابي خليل الى المشروع الاخير وهو ممول من الصندوق العربي ليرد على منتقدي باسيل لرفضه اللجوء الى الصناديق وتمويل المشروع بسلفة من الخزينة، ويقول :'دفاتر الشروط (تأهيل المعملين )موجودة منذ الاول من آب - أغسطس بين مجلس الإنماء والإعمار والصندوق العربي، وكلفة هذا التأخير على الخزينة نحو بليون دولار '.ويؤكد أن الصرف عبر الموازنة اكثر شفافية من الصرف عبر الصناديق ومجلس الإنماء والإعمار، وأسرع، ويوفر علينا خسائر الوقت الاضافي .ويوضح أن 'المناقصات التي تمر عبر هيئة ادارة المناقصات خاضعة للرقابة السابقة واللاحقة لديوان المحاسبة، اما ما يمر في مجلس الإنماء والإعمار فغير خاضع للرقابة السابقة ولا اللاحقة '.

الهدر سبب العجز

الى ذلك، يحذر خبير متخصص في الطاقة من ان العجز في قطاع الكهرباء يتراوح الآن بين 30 و35 في المئة من العجز العام للدولة اللبنانية، وهو عجز خطير لأنه يتصاعد بالنسبة المئوية، وقد يصل الى 50 في المئة، و 'عندما يصير قطاعا واحدا يشكل هذه النسبة العالية من العجر يكون هناك خطر افلاس على البلد '.

ويشير الى ان الهدر هو السبب الاساسي للعجز، ف 'الكهرباء التي تصرف ولا تسجل (الخسائر غير التقنية )تشكل نحو 30 في المئة من مجمل الطاقة المنتجة '.ويعتبر أن 'هذه المشكلة يحلها مشروع مقدمي الخدمات الذي يعد اساسيا لوقف النزيف .لأنه حتى لو جرى تنفيذ مشروع ال700 ميغاواط، فسيضيع تلقائيا 30 في المئة من الطاقة المنتجة بسبب الهدر '.

الاسباب الاخرى للعجز، يقول الخبير، هي 'أن التعرفة الكهربائية ليست على مستوى الكلفة .هذا لا يعني ان الكلفة صحيحة، بل عالية جدا .والسبب اننا ننتج 50 في المئة من طاقتنا تقريبا على المازوت وهذا لم يحدث في تاريخ اي دولة .كان يفترض تشغيل المعامل على الغاز .وإذا اضفنا الى هذا الامر واقع المعامل الاخرى القديمة، تكون الصورة كالآتي :فلنفترض اننا ننتج 1800 ميغاواط .900 منها تنتج في معامل قديمة مهترئة تعمل على الفيول العادي و900 في معامل تعمل على المازوت .الكارثة من الناحيتين '.ويلفت الى ان 'هناك توجها لمعالجة هذا الامر بإنشاء 3 معامل جديدة (700 ميغاواط )، وهي تدخل ضمن خطة ال1200 مليون دولار '.

ويعتبر الخبير أن خطة الكهرباء التي اقرت عام 2010 وشكلت خطة متكاملة تتعاطى مع 3 محاور :البنى التحتية، أي عملية الانتاج والنقل والتوزيع، والمصادر والطلب، وكيف نتحكم بالمصادر وموضوع إنشاء خط غاز بحري ومراكز استيراد غاز وتبويب، كما تعاطت مع الطلب بترشيد الكهرباء واستعمال الطاقة المتجددة، اضافة الى الشق القانوني، أي اعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان وتفعيلها وإعادة صوغ القانون 462 وتحديد المحاور الاساسية للتشركة والخصخصة .

وعن مشروع البواخر، يوضح الخبير أنها 'ليست الا عبارة للتغطية على عجز قائم وسيزداد .البواخر ستخفف من حجم التقنين عما هو عليه اليوم وليس التقنين نفسه .لأنه اذا استمررنا من دون أي حركة، فالتقنين سيزداد تصاعديا '.ويضيف أن 'عددا من المعامل في حاجة الى صيانة، واذا ادخلت الى الصيانة من دون وجود البواخر سيزداد التقنين، واذا لم تدخل الى الصيانة ستتعطل '.ويتابع :'البواخر جزء من حل وليست حلا يحلم به اللبنانيون لأنها احدى طرق استئجار الطاقة، وإذا لم تكن كافية يمكن البحث عن طرق اخرى كالاستيراد من الخارج '.اما الحلول الاخرى، فيقول :'هناك المولدات الموزعة .أي أن نوزع مولدات على خمسة مراكز انتاج في المناطق وتربط مباشرة بمحطات التحويل المركزية '.

وبعيدا من الجوانب التقنية، يرى الخبير أن 'المشكلة في لبنان لم تكن يوما تخطيطية او فنية بل في قدرة القوى السياسية على التآلف حول موضوع مشترك وتحله مع بعضها '.
الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة

Saturday, March 3, 2012


القوى الأمنية تفصل بين الاعتصامين في قلب بيروت فينضبطان... ولا تصل الأصوات من ساحة الى أخرى
سلفيون وبعثيون يتبارزون في مهاجمة الأسد وتأييده والأسير يطمئن المسيحيين: نطلب الحماية منكم

منال أبو عبس


<
اجتاز لبنان أمس، امتحانا أمنيا ظن كثيرون أن نتيجته ستأتي قاسية على البلد ومستقبل الحريات فيه. فالاعتصامان المتضادان اللذان نفذا على بعد مئات الأمتار من بعضهما بعضا في وسط بيروت أمس، وحمل أولهما لواء نصرة الثورة في سورية ودعم الأقصى بدعوة من الشيخ السلفي أحمد الأسير، في حين حمل الثاني لواء نصرة النظام السوري ودعا إليه 'حزب البعث العربي الاشتراكي'، بدوا كأنما يجريان في بلدين في عالم آخر، تفصل بينهما سواتر من الأسلاك الشائكة ومن أجساد عناصر مكافحة الشعب والجيش وقوى الأمن. وبدا صوت المتظاهرين أنفسهم عصيا على الوصول من مكان تجمع إلى آخر، فراحت هتافات 'حرية للأبد غصبا عنك يا أسد' و?'الله. سورية. بشار وبس'، تعلو لتضيع في الهواء الفاصل بين الطرفين، فلا يصل منها إلا مقتطفات وكلمات متناثرة من ساحة إلى أخرى. وزير الداخلية مروان شربل جال بين الساحتين، معربا عن فرحه ب 'النصر الأمني' الذي أدت إليه إجراءات اتخذت على مداخل بيروت وفي بعض أحيائها 'الاستفزازية'.

فأمس، عادت إلى وسط بيروت صورة تشبه صور عام 2005 وتظاهرتي 8 و14 آذار الشهيرتين، حين رفعت الأولى شعار 'شكرا سورية '، بينما نادت الثانية ب 'الثأر من لحود وبشار '، وإن كان عدد متظاهري أمس أقل بما لا يقاس، إذ قدر مطلعون عدد المشاركين في تظاهرة السلفيين بنحو ألف و700 مشارك، بينما بلغ عدد المتظاهرين في المقابل نحو 300 .في حين فاق عدد الأمنيين الألفي عنصر، مع مواكبة مباشرة من كبار الضباط في الجيش وقوى الأمن الموجودين في وسط بيروت .

وكان المشاركون في تظاهرة السلفيين بدأوا التوافد إلى الساحة قبل الواحدة ظهرا، وهو الموعد المحدد لتظاهرة السلفيين التي بدا لافتا فيها مشاركة المطرب فضل شاكر والداعية عمر بكري، ومعظمهم جاء من صيدا، معقل الأسير أمام مسجد بلال بن رباح، وانضم إليهم مؤيدون وسلفيون من الشمال، إضافة إلى سوريين معارضين للنظام .وتجمع المتظاهرون في ساحة الشهداء، رافعين رايات سود وأعلام الاستقلال السوري وصورة لرؤساء سورية والصين وروسيا وكلمة 'قتلة '، ولافتات بالعربية والإنكليزية كتب على بعضها 'فلسطين فتحها عمر وحررها صلاح الدين 'و 'يا ظالم ويلك .مزبلة التاريخ بيتك 'و 'فيتو أميركي+ فيتو روسي =الضحية نحن '، كما هتفوا ضد الرئيس السوري بشار الأسد، مطالبين بدعم الثورة في سورية .وشارك في التظاهرة (ركن خاص بهن )عدد كبير من النساء بينهن كثيرات منقبات، وأطفال حملوا ورودا بيضا وزعوا بعضها على القوى الأمنية .وانتشر بين المتظاهرين شبان ارتدوا قبعات صفرا عليها كلمة 'انضباط 'وشكلوا سدا أمام القوى الأمنية لمنع المشاركين من محاولة الاقتراب من مكان التظاهرة المقابلة، كما عملوا على ضبط الهتافات والتحركات في ما بدا انه اقتباس لعناصر الانضباط في 'حزب الله 'خلال نشاطاتهم .

وتحدث فضل شاكر إلى الإعلاميين، ودعا الجميع إلى 'المشاركة لنصرة إخواننا المظلومين '.وقال :'واجبي كفنان أن أكون هنا '، وسأل الفنانين :'لماذا لا تشاركون، ألا ترون الإجرام وقتل الأطفال، الناس تذبح، والله ينتقم من المجرم الكبير ومن أعوانه '، ودعا ردا على سؤال عن الفنانين المؤيدين للأسد، الله إلى أن 'يحشرهم معه '، وقال إنه سيذهب إلى سورية 'عندما ينتصر المجاهدون '.

ووجه الاسير كلمة إلى المتظاهرين اتسمت بالاعتدال والانفتاح على المسيحيين في لبنان والمنطقة، واستهل كلمته بتحية 'أهلنا في الشام المذبوحة وفي فلسطين المحتلة '، كما شكر الأجهزة الأمنية 'التي واكبت تحركنا منذ منتصف الليل '.وقال :'هناك آلاف القتلى والمشردين والمبعدين في حمص، ثم يقال لنا لماذا تتحركون وتجتمعون .نحن أمة ما زالت فيها حياة '.وتابع :'إذا ظن الظالمون المتكبرون من الحكام الظلمة أنهم داسوا على كرامتنا منذ أمد بعيد، ينبغي عليهم ألا يتكلوا على ذلك، فإن الله أخرج أطفال درعا '.

وأضاف :'بشار (الأسد )صدق وهو كذوب مرتين (وهنا قاطعته هتافات لعمال سوريين :ما منحبك .ما منحبك .ارحل عنا أنت وحزبك )فهو صدق عندما قال إن سورية وأحداثها ليست كغيرها .وهذا صحيح، أحداث سورية أسقطت الأقنعة التي لطالما خدعتنا .والمرة الثانية التي صدق فيها عندما قال إنها مؤامرة عالمية على سورية .وهذا صحيح .إنها فعلا مؤامرة عالمية على سورية الشعب (وهنا أيضا قاطعته هتافات :الله محيي الجيش الحر .فطلب من الهاتفين التوقف )وهذه قلناها منذ بداية الحراك، وإلا لماذا كلما ازداد القتل في سورية خرج علينا من رموز المجتمع الدولي من يقول إن لا تدخل عسكريا في سورية .أصلا نحن لا نعول على تدخلكم، لكن من باب بيان الحق وحقيقة المؤامرة تريدون طمأنة بشار وهو يقتل بأنه لا حسيب عليك ولا رقيب؟ ماذا تقول رسالتك إلى الشعب السوري الأعزل؟ تقول له إن لا حول لك ولا قوة، ولا سبيل لك إلا التوجه إلى السلاح فتثبت ادعاء بشار الكاذب بأنه يقاتل مسلحين ويطول أمد الأحداث ثم يأتي المجتمع الدولي فيفرض تسوية على الشعب الحر السوري، لكن الله خلق عدوى بدأت مع أطفال سورية إرادة لا تنكسر أمام الظالم الفاجر '.

وتابع الأسير :'نقول لأقصانا ابشر، بدأت الطريق بالتعبد .ستتحرر عاجلا أم آجلا، لكن علينا أن نحرر أنفسنا أولا وأن نستعيد كرامتنا وندوس على الطغاة أولا '.واعتبر أن 'تهويد الأقصى أسقط القناع عن المجتمع الدولي '، واصفا 'مجلس الأمن بالمجلس الذي يحمي مصالح الدول الغربية، والأمم المتحدة هي متحدة على أجسادنا وأعراضنا ودمائنا '(فقاطعته هتافات :خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود ).وناشد 'كل شريف وحر في هذه البلاد من المسلمين ومن غيرهم، من شركائنا ليس فقط في لبنان بل في كل المنطقة، من أشراف وأحرار المسيحيين كذلك .لا نريد تحرير الأقصى وحسب بل تحرير كنيسة القيامة وكنيسة المهد '.

وخاطب 'إخواننا في الإنسانية وشركاءنا في هذه المنطقة المسيحيين- واعذروني لست أهلا بنصيحتكم لكنني لا بد أن أقولها وهي كلمة حق- انتم لا تطلبون الحماية من أحد، بل نحن نطلب منكم الحماية من خلال بقائكم وصمودكم معنا في هذه المنطقة، لأن المشروع الصهيوني يريد تفريغ المنطقة منكم، كي تتشوه صورة الإسلام .ونحن تربينا على الإسلام الذي كان فيه باب المسجد لا يبعد إلا أمتار عن باب الكنيسة .ثم يأتي الجزار بشار ليزرع الوهم والخوف في قلوب المسيحيين '.وناشد 'الشباب المسيحي بخاصة في لبنان :إياك والهجرة .اصمد ورابط .بلدك تحتاجك على رغم أنف بشار '.واختتم كلمته مكررا الاعتذار إلى القوى الأمنية، وقال :'الله يشهد أننا دخلنا الطريق السلمي، لكن العابثين هددوا وعكروا، هداهم الله أو أراحنا منهم '.

وقبل تفرق المتظاهرين، توجه شربل إلى ساحة الشهداء وجال بينهم، بعدما كان جال في التظاهرة المقابلة، وأكد أن 'ما يحصل تعبير ديموقراطي '، وقال :'المعتصمون لبنانيون، هم يختلفون بالرأي وما من مشكلة، كل فريق لديه حرية التعبير لكن لا يجب أن نختلف من أجل غيرنا .نتمنى ألا تكون هناك تظاهرات في المستقبل، وليعبر الجميع عن رأيه في شكل حضاري '.

اعتصام 'البعث '

وعلى بعد أكثر من مئة متر من ساحة الشهداء كان اعتصام مناصري 'البعث 'وأحزاب حليفة وعمال سوريين دعما للنظام السوري أمام مبنى اللعازارية أولا، ثم انتقلوا إلى ناحية قرية الصيفي، حاملين أعلام سورية وصور بشار .كما رفعوا لافتات تندد بقادة عرب ومزقوا صورة للنائب وليد جنبلاط مشبهين إياه بموشي دايان .وانضمت إلى المتظاهرين سيارة تبث عبر مكبرات صوت أغاني تأييد للرئيس السوري .

وتحدث الأمين القطري ل 'البعث 'فايز شكر، وقال إن 'شعبي سورية ولبنان شقيقان حقيقيان على رغم أنف الكارهين .ولبنان جزء من هذه الأمة وفيه الكثير من المناضلين والمواطنين الحريصين على وحدتهوانتقد 'الجماعات الأصولية المتطرفة التي عنوانها هذا المسخ في هذه الساحة التي دنسها وأمثاله '.

وانتقد 'المطرب الصغير الذي لا أعرف اسمه، والذي يهددنني .نحن لا يخيفنا هو ولا جماعته ولا هذه المجموعات الإرهابية '.

ومع انتهاء تظاهرة السلفيين، غادر متظاهرو 'البعث 'معلنين أن تظاهرتهم جرت تحت شعار 'ساحة في مقابل ساحة '، في حين أعلن الأسير أن تظاهرة الأمس لن تكون الأخيرة .
الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة