Monday, October 22, 2012

وسام الحسن يرقد بجوار رفيق الحريري

لبنان: وسام الحسن يرقد بجوار رفيق الحريري
والسنيورة يتهم ويدعو ميقاتي إلى الاستقالة


بيروت - منال أبو عبس
الإثنين ٢٢ أكتوبر ٢٠١٢


خرج تشييع اللواء الشهيد وسام الحسن ومرافقه المؤهل أول أحمد صهيوني في ساحة الشهداء- وسط بيروت عن مساره الطبيعي. إذ، ما كاد جثمان اللواء الشهيد يرقد بجوار ضريح الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في باحة مسجد محمد الأمين بعد صلاة العصر، حتى تحولت ساحة رياض الصلح إلى مسرح لمواجهات بالعصي والرصاص بين محتجين حاولوا اقتحام السراي الكبيرة، وبين القوى الأمنية المكلفة حمايتها. خلال دقائق عدة، انقلبت الصورة التي رسمت نهار التشييع الطويل، إلى أخرى ليس الحزن بطلاً فيها، إنما الغضب. عشرات من الشبان يرفعون الصوت والهتافات التي تحمّل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي دم وسام الحسن، وتطلب خروجه لأن «هذه الكرسي بدها رجال»، في وقت كانت حناجر تطالب عبر وسائل إعلامية باقتحام السراي. غير أن الرجال كما الحناجر انكفأوا بعد صوت الرصاص وقنابل الغاز إلى الساحة الأولى، تاركين على الأرض شابين ممدين في انتظار سيارة الإسعاف، وسيدة تبكي لبكاء ولديها المرتعبين، وواجهات محلات محطمة.


الساحة مسرحاً للحزن الكبير
قبل هذه المواجهة، كانت ساحة الشهداء مسرحاً لحزن كبير. حزن سيدات محجبات وسافرات، رجال ملتحون وآخرون يضعون الصليب على صدورهم، وشبان وشابات وأطفال، على الرجل في الصورة الكبيرة المرفوعة في ساحة الشهداء، ويظهر فيها مبتسماً بينما يؤدي التحية. اللواء الحسن بالنسبة إلى مشيعيه ليس إلا ذاك الرجل الأمني الذي كشف قبل وقت قصير «شبكة تفجير كانت تتربص الشر بلبنان. وقبلها شبكات تجسس إسرائيلية». لذلك السبب يبكيه الرجل الستيني الجالس على الأرض في الساحة، ويقول: «اغتالوه ليسرحوا في البلد فلا يحبط مخططاتهم أحد. الله يحمي لبنان ويحمينا». «هم» التي استخدمها الرجل الستيني لتجهيل مرتكب الجريمة، غابت كلياً عن هتافات الشبان في الساحة، كما عن لافتات كثيرة رفعوها. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، نالا حصة الأسد من الهجوم، وإن كان للرئيس السوري بشار الأسد حصة لا تقل وزناً، يليه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون. صور ميقاتي أحرقت أكثر من مرة، ورفعت مكانها لافتات عليها: «الشعب يريد إسقاط النجيب» و «نصف استقالة كذبة كاملة» و «حبل الكذب قصير» «اسحبوا بشار من السراي» و «الكذاب أخو القاتل». كما رفعت صورة تظهره إلى جانب نصرالله وعليها عبارة: «دم وسام برقبتكم».

الحناجر لم تكل من ترداد عبارات تشتم ميقاتي وتحمله مع نصرالله وعون والأسد دم وسام الحسن. غير أن هذه الحناجر لم تكن لبنانية فقط، إذ احتل قسماً من الساحة لأكثر من نصف ساعة من الوقت عشرات الشبان السوريين، رافعين رايات الثورة السورية، ولافتات عليها «ثورة واحدة في دولتين». ورددوا هتافات «الله محيي الجيش الحر» و «حرية للأبد غصباً عنك يا أسد»، وأناشيد ثورية تطالب بأن يكون «دم الشهيد رأس الأسد محلّو». الشبان السوريون رأوا في الساحة متنفساً لثورتهم فهتفوا شاتمين الأسد والمدافعين عنه.

هتافات متفرقة أخرى علت مع وصول الشيخ أحمد الأسير إلى مسجد الأمين. وإن كان وصوله أحدث بلبلة في صفوف المشاركين.

وقع الهتافات خفت مع بدء مراسم تكريم الحسن في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي بثتها شاشة كبيرة مثبتة في الساحة. قوبلت كلمتا رئيس الجمهورية ميشال سليمان والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بتصفيق حاد، في حين قوبل مجرد ظهور ميقاتي عبر الكاميرا بصيحات استهجان، ارتفعت وتيرتها مع إحراق صوره إلى جانب صور الأسد. في حين انعكست دموع نجلي الحسن مازن ومجد عبر الشاشة حزناً إضافياً في الساحة، وصرخات تطالب بحماية دولية للبنان، وصولاً إلى إقامة توازن مسلح في البلد.

«عريت إجرامهم فقتلوك» كتب على إحدى اللافتات، و «راجعين عالساحة أقوى» تقول أخرى. لكن هل أن جمهور 14 آذار مستعد للعودة مرة جديدة إلى الساحة؟ يجيب الياس الياس: «جئنا لنقول إنه لا يزال في البلد أشخاص أوادم وأوفياء للناس الأوادم والأوفياء. ومستعدون للبقاء هنا الى أن يرحلوا (ميقاتي وحكومته)». ينهر الياس كتائبياً آخر قال: «إننا هنا لنقول لزعمائنا أن عليهم أن يسلحونا لنحقق توازن رعب»، ويقول: «نزولنا هو بالأصل رفضاً للسلاح، فكيف نطالب بالتسلح؟ نحن هنا إلى أن يرجع كل من هم خارج الدولة إليها».

يقطع كلام الرجلين صوت النشيد الوطني، واقتراب موكب جنازة الحسن من المكان. كما تعلو الهتافات مع وصول السياسيين واحداً تلو الآخر، بينما تنصرف سيدة تلف رأسها بشارة زرقاء إلى نعي الحسن بمواويل رثائية وتبكي وحدها على وقع صيحات التكبير.


مراسم التشييع
وفي مسجد الأمين سجي النعشان، وأم المصلين مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار ممثلاً مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.

وقال: «إن العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وأنا على فراقك أيها الشهيد مع صحبك الكريم لمحزنون، نودع اليوم شهيدين كبيرين، لواء هماماً، وقائداً مقداماً، عنيت به اللواء وسام الحسن، جدير بك يا وسام أن توضع على صدور الأشراف، وتاجاً على رؤوس الأحرار، وعلى صدر جمهورية لبنان، قدمت شبابك وحياتك من أجل بلدك وأهلك وإخوانك، لكن لا بد من وقفة متأنية لنخاطب أولئك الحاقدين، ماذا يريدون بعد ذلك، ماذا يريدون بعدما قتلوا رفيق الحريري، ماذا يريدون بعد تلك السلسلة الكبيرة من الشهداء، وماذا يريدون اليوم باستشهادك انت يا وسام؟».

وأضاف قائلاً: «أيريدون أن يقتلوا رفيق الحريري ثانية، أيريدون أن يغتالوا لبنان بأسره وشعبه واستقراره؟ يريدون خراب لبنان، يستهدفون البلد وشعبه واستقراره، لكن الشرفاء لن يحيدوا عن تعقلهم ولا عن إيمانهم ولا عن مناقبيتهم ولا عن قيمهم، سنكمل طريق الوفاء الذي رسمه شهيد لبنان الكبير الرفيق الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، وستبقى الراية مرفوعة أبداً مع الرئيس الحاضر معنا أينما كان سعد الحريري، وسنبقى معك يا دولة الرئيس فؤاد، قلب لبنان، فؤاد الخير والضمير، سنبقى معكم جميعاً في مسيرة الوفاء للبنان، متقدمين في هذا البلد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».

وأكد أن «مشكلتهم الأساسية أن رفيق الحريري لم ينس في حياتنا ولم يغب عن مجالسنا، ولم يزل يتقدم مسيرة طموحنا، اغتالوك يا وسام واغتالوا صاحبك ورفيقك لكن لا خيار لنا إلا أن نتمسك بحبل الله عز وجل أن نعتصم بدين الله وأن نكون يداً واحدة مع سعد رفيق الحريري ومع فؤاد السنيورة حتى يبقى لنا لبنان سيداً حراً مستقلاً».

وحيا اللواء ريفي في كلمة مقتضبة «عطفكم الكبير وأقول إن وسام باق فينا، نحن بجانبكم وأمامكم، وهذه المسيرة سنكملها للحفاظ على هذا الوطن وعلى أمنه واستقراره».


السنيورة: مسؤولية ميقاتي
وبعد الانتهاء من الصلاة، ألقى السنيورة كلمة خارج المسجد خاطب من خلالها «جماهير رفيق الحريري، وإخوان اللواء الشهيد وسام، ورفيقه الشهيد أحمد وباقي شهداء وجرحى الأشرفية المنكوبة الصامدة المناضلة، أشرفية بشير الجميل ووسام الحسن وكميل شمعون وكمال جنبلاط». وقال: «لا حوار على دم الشهداء ودماء اللبنانيين. هذه الحكومة هي المسؤولة عن جريمة اغتيال اللواء الشهيد ورفاقه ولذا فلترحل هذه الحكومة. لن ندفن رؤوسنا في الرمال، ولن نتهاون، آخر إنجازاتك أنك كشفت مؤامرة المجرمين سماحة والمملوك، وفضحتهم أمام العالم، فقتلوك».



«مساعدة للقاتل الجبان»
ورأى أن «هناك تآمراً ومساعدة محلية للقاتل الجبان الذي أصدر الأوامر بقتلك، هناك مساعدة ومؤازرة على الأرض بدأت من مطار بيروت وصولاً إلى مكان الجريمة في الأشرفية».

وخاطب ميقاتي قائلاً: «لم يعد بإمكانك يا دولة الرئيس نجيب ميقاتي أن تستمر في موقعك لتغطي هذه الجريمة، قتلوا أحد أهم حماة الدولة، ومن كان يحمي المواطنين اللبنانيين ولذلك فانه لم يعد بإمكانك الاستمرار كما أنت وحيث أنت فاستمرارك في موقفك يعني أنك موافق على ما جرى وعلى ما سيجري وعلى المخطط الإجرامي الذي يعمل على تنفيذه المجرمون».

وشدد على أن «هذه الحكومة ولدت من رحم الانقلاب المسلح الذي نفذه حزب الله والنظام السوري في 7 أيار 2008. وغطت تعرض رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للاغتيال، وغطت تعرض النائب بطرس حرب لمحاولة الاغتيال، ولهذه الأسباب أيضاً اعتبر المتهمون باغتيال الرئيس الشهيد الحريري بمثابة القديسين وتمت حمايتهم بموافقتك أو صمتك وفي ظل رئاستك للحكومة».

وسأل: «لماذا وقف عدد من الوزراء في هذه الحكومة أمس ودماء الشهداء ما زالت على الأرض، ضد قرار تسليم حركة الاتصالات؟ لماذا هذا الإصرار على حماية المجرمين؟ يا دولة الرئيس، لم يعد مقبولاً استمرار الأمور كما كانت، ولم نعد نقبل بتغطية قتلة اللواء الحسن وسائر الشهداء».

وقال السنيورة: «لا لحكومة تعمل على تغطية الجريمة، نعم لحكومة إنقاذية محايدة برئيسها وأعضائها، يطمئن إليها اللبنانيون، تحميهم جميعاً وتعبر بهم الى مرحلة جديدة، ليس هناك من طريق غيره، فاخرج يا دولة الرئيس إلى حيث يريدك اللبنانيون وأهلك في الشمال أن تكون وإلا فانت متهم بالتغطية على المجرمين والمتآمرين والقتلة، اخرج لأن الشعب اللبناني لن يقبل بعد اليوم باستمرار حكومة الاغتيال، الآن أنت المسؤول».



نداءات للانسحاب من محيط السراي
وجه الرئيس سعد الحريري نداء الى المحتجين في الشارع عبر تلفزيون «المستقبل»، قائلاً: «انه يوم حزين، شهدنا خلاله مراسم تشييع اللواء وسام الحسن، وتكريم الشهيد الحسن لا يمكن ان يكون من خلال ما يحصل في وسط بيروت. وأطلب من جميع المناصرين ان يفكوا أي اعتصام او اي حركة في الشارع فوراً وان يعودوا الى منازلهم. لسنا مع العنف بل مع الاساليب السلمية. صحيح اننا طالبنا بإسقاط الحكومة ولكننا نريد ان يحصل هذا الامر بطريقة سلمية».

وتوجه الى كل المناصرين والمتواجدين على الطرق بـ «أن ينسحبوا ويدعموا القوى الامنية المتواجدة لحمايتهم، لانهم ليسوا اعداءهم. اطلب واتمنى على كل مناصرينا ان يفكوا الاعتصام خلال لحظات. اتينا لنكرم اللواء الشهيد وسام الحسن ولنقول للعالم اننا لا نقبل بهذه الجريمة التي نعتبرها كبيرة جداً، ولكننا لسنا هنا لنقول اننا نريد العنف. نريد ان يبقى لبنان سالماً بلداً للحرية والديموقراطية».

وأعلن انه سيطلب «وضع العناصر المولجة حماية الامن في «بيت الوسط» لحماية السراي لأن ما حصل مرفوض تماماً».

وقال الرئيس فؤاد السنيورة عبر «المستقبل» ايضاً: «العنف غير مقبول ولا يتسم بأي صفة من الصفات التي نحن نحبذها ونعلي شأنها، السراي الكبيرة للدولة اللبنانية وعلينا ان نحميها».

وتوجه المفتي مالك الشعار الى المحتجين بالدعوة الى «التعقل والتهدئة وان هذه المؤسسة وغيرها من ادارات الدولة الرسمية خط احمر، كما انتم بالنسبة الينا خط احمر، والتعبير عن الرأي والاحتجاج لا يجوز ان يخرجا على ما هو متعارف عليه».

وطالب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، كل مناصري «القوات» والمحازبين والاصدقاء وشعب قوى 14 آذار في ساحة رياض الصلح، بـ «الكف عن مهاجمة السراي الكبيرة فوراً والاستمرار بالتعبير الهادئ والسلمي عن مطالبهم».

وذكر عضو كتلة «الكتائب» النيابية سامي الجميّل بأن «14 آذار حركة سلمية نضالية لتدعم الدولة وليست ضدها، ولا نذهب الى مشاهد شجبناها واتمنى على كل المناصرين عدم الانجرار الى مواجهات مع القوى الامنية ونقول كلمة الحق بالطرق التي نعرفها».



معزون
بدأت التعازي بالشهيدين اللواء وسام الحسن ومرافقه المؤهل أول أحمد صهيوني صباحاً في القاعة التابعة لمسجد محمد الأمين في وسط بيروت. وحضرت النائب بهية الحريري إلى جانب أركان في قوى 14 آذار و «تيار المستقبل» لتقبل التعازي. وحضر للتعزية وزير الداخلية مروان شربل ممثلاً رئيس الجمهورية ورئيسي مجلسي النواب والحكومة، النائب ياسين جابر ممثلاً كتلة «التنمية والتحرير» وأرسل بري إكليلاً من الورد إلى ضريح الشهيد.

وحضر الرئيس أمين الجميل، والوزراء غازي العريضي ووائل أبو فاعور وعلاء الدين ترو («جبهة النضال الوطني» التي يرأسها النائب وليد جنبلاط)، المنسق المقيم لنشاطات الأمم المتحدة في لبنان روبرت واتكنز، سفراء السعودية والولايات المتحدة وأستراليا وبلجيكا وفلسطين وتركيا، ونواب كتلة «المستقبل» ووفد من «الجماعة الإسلامية» برئاسة النائب عماد الحوت، والسيد علي الأمين ووزراء ونواب سابقون وشخصيات قضائية وعسكرية وشخصيات روحية.

Friday, October 5, 2012

الثورة ستستمر ولو أكلنا التراب

عرسال ترصد جنازات في جوارها الشيعي وترفض تصويرها ملاذاً للمسلحين
نازحون سوريون يشكون إغاثة هزيلة:
الثورة ستستمر ولو أكلنا التراب





عرسال (شرق لبنان) - منال أبو عبس
الجمعة ٥ أكتوبر ٢٠١٢

بين آذار (مارس) الماضي وتشرين الأول (أكتوبر) الجاري تغيرّت عرسال كثيراً. البلدة الواقعة على الحدود الشرقية للبنان والمتاخمة لسورية، إذ تحدها محافظتا حمص وريف دمشق، صارت كأنها قرية من الريف السوري. خرجت عن هدوئها ورتابة عيشها، واكتظت منازلها التي لم يكتمل بناؤها كما دور العبادة فيها بالأطفال السوريين والنسوة، وقلة من الرجال العجّز والمرضى. عدد النازحين ارتفع خلال 7 أشهر من 327 عائلة إلى 1470 عائلة هرب أفرادها من دوامة العنف والقتل. 270 من هذه العائلات النازحة من سورية لبنانية، عاش أفرادها حياتهم سوريين في العلم والعمل، ونزحوا هرباً من آلة القتل إلى بلد آبائهم وأجدادهم، فما أخذهم البلد بالأحضان، ولا اعترفت المنظمات التابعة للأمم المتحدة بهم لاجئين، على قاعدة أن لا لاجئ في بلده. هؤلاء تركوا لمصيرهم ولمعاناة جعلت بينهم من يتمنى، حتى في هذه الظروف، لو كان سورياً!

«الحياة» جالت في عرسال ومحيطها للمرة الثانية منذ بدء حركة النزوح من سورية إلى البلدات اللبنانية القريبة من الحدود، ورصدت تغيراً في يوميات البلدة وأهلها والنازحين إليها، بدءاً من «استياء» الأهالي من تصوير بلدتهم مصدراً لـ «المقاتلين التكفيريين»، وموئلاً للمسلحين، وصولاً إلى ارتفاع حدة الخطاب الطائفي بين صفوف النازحين أنفسهم، إذ بات التصنيف المذهبي أكثر حضوراً، وأصبح من يومياتهم كما الأهالي رصد الجنازات التي يتكرر على ألسنة عدد منهم أنها يومية في القرى الشيعية المجاورة، لعناصر من «حزب الله» يقولون إنهم قضوا في القتال في سورية.

مزاحمة على الفقر
«لا طاقة لعرسال على تحمل المزيد»، تقول الحاجة الجالسة أمام دكان صغير في ساحة البلدة. تقصد النازحين السوريين الذين يتوافدون يومياً ويقطن معظمهم بيوتاً قيد الإنشاء موزعة بطريقة غير منتظمة في الأراضي الجردية الشاسعة. وتتحدث الحاجة عن مزاحمة السوريين لشباب البلدة الفقيرة في مصادر رزقهم القليلة، وإن كانت تبدي تعاطفاً إنسانياً كبيراً مع «مَن تركوا وراءهم بيوتهم وأرزاقهم هرباً من الموت».

في واحد من تلك البيوت غير المنجزة تعيش ثلاث عائلات سورية: 20 سورياً، بينهم 15 طفلاً. عدا عن الأرض والجدران يفتقر البيت إلى كل مسلتزمات السكن، لا أبواب ولا نوافذ ولا حتى إمدادات صرف صحي ومياه. يتراشق الأطفال بالحصى، ويرشقون صبياً يبدو أكبر سناً. الصبي يدعى محمد، عمره 14 سنة ولا يكف عن الضحك.

على فراش رقيق تجلس ثلاث نسوة نزحن وعائلاتهن قبل عشرة أيام من منطقة النظارية في ريف حمص. إحداهن من آل المصري تروي حكاية النزوح الشهيرة: «دخلنا إلى لبنان تهريب. مشينا لأيام على طرق وعرة حتى وصلنا إلى مشاريع القاع، ومنها إلى هنا». الرجال عادوا إلى سورية بعدما اطمأنوا إلى أوضاع عائلاتهم.

في عرسال تقول السيدة: «اهتموا بنا. الطبابة مؤمنة ومجانية»، أما الغذاء، فـ «الحصول عليه أكثر صعوبة. حين وصلنا أعطونا صندوق إعاشة واحد. وما فيه لا يكفي ولكن ما بيدنا حيلة. ليس بيننا شبان قادرون على العمل».

تشارك نازحة أخرى في الحديث، وتبدو أكثر استياء من ضآلة المساعدات. «اعطونا شيكات (كوبونات) لنصرفها ماء وطعاماً. لكننا نقتصد في صرفها كي تكفينا الكمية شهراً. حتى الخبز لم يصلنا منذ عشرة أيام حين وزعوا علينا ثلاث ربطات لتكفي عشرة أنفار».

يدور محمد في الغرفة ويضحك، فيما والدته التي تقيم في عرسال منذ أكثر من شهر، تجـــلس قبالته من دون أن تكف عن البكاء. والدة محمد زوجة ضابط في الجيش السوري من آل الصياصنة، من درعا. نسألها عن سبب بكائها، فتحتار من أين تبدأ.

تشير إلى ابنها الضاحك، وتسأل: «ما ذنب هذا الطفل ليفقدوه عقله»؟. محمد اقتادته القوات السورية من الصف السابع في المدرسة إلى المعتقل، بعد انشقاق والده عن الجيش. أودع الولد في السجن شهراً، تعرض خلاله للتعذيب ووالدته للابتزاز، للضغط على الوالد كي يسلّم نفسه.

يعيد محمد عبارات متقطعة عما حصل معه: «قال لي العساكر خلي أبوك يسلم حاله، أحسن ما نقوصك. جابوا عساكر دعسوا علي. قالوا لي إذا بدك تطلع على بيتك تلعب، قول وين أبوك. قلتـــلهم أبــوي ميت. جابوا صــورته وحــطوها قدامي. قلت هذا لا أعرفه. فضربوني وقالوا أنت واحد ابن ستين كلب». ويخرج محمد ليتراشق بالحصى مع الصغار.

تقول الوالدة إن ابنها «جنّ بعدما صعقوه بالكهرباء في رأسه مرات. اتصلوا بي وأسمعوني صوته وطلبوا أن أرشدهم إلى مكان والده، فرفضت. قلت لهم إن عندي تسعة أولاد آخرين وليس لي إلا زوج واحد. بعد شهر انشق أحد العناصر وهرّب معه محمد الذي هرّبته وأخوته إلى لبنان، وبعدها هرّب الشباب زوجي الذي صار مقعداً نتيجة إصابته».

ترفض الحديث عن إصابة زوجها، وتكتفي بالقول إنه «صاحب دين» أي أنه ينتمي إلى جماعة «الإخوان المسلمين». وتضيف: «ما الذي سأخاف عليه بعد هذا، عندي واحد جننوه والثاني أقعدوه... «الله ينتقم ممن ظلمنا، ويحرق قلبه جزاء ما فعله بنا... الآن نعيش في مسجد في رأس الجبل، تنقصنا الماء والكهرباء والتدفئة». ولكن، هل يدفعهم هذا الوضع لإعادة التفكير في الثورة؟ تجيب: «أبداً. ثورتنا لن نتراجع عنها. بشار ووالده ظلمونا 40 سنة، ولن نهدأ قبل أن يرحل». تروي كيف انطلقت الثورة من درعا «بعد اعتقال أطفال كتبوا على حائط إجاك الدور يا دكتور... لم يترك لنا ما نخاف عليه. أحلى شبابنا سقطوا شهداء، لكن الله سيعوضنا، ويقال إن كل شهيد يشفع لـ40 فرداً من عائلته. سنظل نحارب حتى يرحل. سنة وسنتين وثلاثاً، حتى لو أكلنا التراب».

نقص المياه مشكلة يتقاسمها النازحون مع الأهالي في عرسال، لكن غياب الإمدادات عن البيوت التي تؤوي النازحين يفاقم المشكلة، وتشكو أم حمزة من صاحب صهريج نقل المياه الذي «رفض الاعتراف ببطاقة الإعاشة، وطالب بأجرته نقداً».

إلى المياه، يتحسب النازحون لموسم الشتاء وهو قاسٍ في عرسال، والبيوت تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الصمود، من أبواب وشبابيك استعاض عنها الأهالي بقطع قماش، فضلاً عن الشكوى من عدم تأمين الكمية الكافية من الفرش والبطانيات «فيما الأطفال يرتجفون ليلاً من البرد والخوف».

لا مساعدات لبنانية لنازحي البقاع
الشكوى من عدم كفاية المساعدات لا تقتصر على النازحين، فمن خارج مبنى بلدية عرسال يمكن سماع النقاش الدائر في الداخل بين نائب رئيس البلدية أحمد الفليطي وناشطين في جمعيات أهلية ودولية، حول النواقص من أغطية شتوية وأغذية ومستلزمات الأطفال ووسائل تدفئة قبل حلول الشتاء.

يعرض الفليطي ملفاً دونت عليه عبارة: «مستعجل إنساني مأهول»، وفيه طلبات من مالكي 300 مبنى يقطنها نازحون، إلى المجلس النروجي لدعم اللاجئين الذي يتولى «تأهيل» المنزل بما يجعله صالحاً للسكن الاضطراري شرط قبول المالكين إسكان النازحين مدة لا تقل عن سنة من دون مقابل.

إلى المجلس النروجي تعمل جمعيات لدعم النازحين في عرسال، وليست بينها أي جمعية أو جهة حكومية لبنانية. المجلس الدنماركي لدعم اللاجئين يقدم مواد غذائية وحليباً للأطفال وحفاضات وأغطية وفرش. الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة خليفة بن زايد يقدمان خبزاً ومواد غذائية.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي تساعد في نقل الجرحى السوريين وتأمين أغطية وفرش. «أطباء بلا حدود» والمنظمة الطبية الدولية تقدمان مساعدات صحية، وتغطيان 85 في المئة من كلفة العلاج والنسبة الباقية يغطيها أزهر البقاع، فيما تعمل منظمة «ACF» لتأمين مساعدات مائية وإيجاد حلول لأزمة غياب الصرف الصحي التي يُتوقع أن تؤدي إلى مشاكل صحية وبيئية.

تلك المنظمات تؤمن جزءاً كبيراً من حاجات النازحــين الســـوريين، وإن كانت ثمة شكاوى من عدم التنسيق بينها، ما يؤدي إلى فائــض في مواد معينة وغياب في أخرى أساسية. لكن هذا الأمر يكشف مشكلة أخرى، هي مشكلة اللبنانيين النازحين من ســـورية. فأولئك بحسب الجمعيات الدولية ليســـوا لاجئين بل لبنانيون، بالتالي لا يحق لهم الاستفادة مما يُقَدم للاجئين السوريين. وبالنسبة إلى الحكومة اللبنانية هم نازحون شأنهم في ذلك شأن السوريين في البقاع أي التجاهل التام.

هذه المشكلة يتحايل عليها المعنيون بأمر النازحين في عرسال بأن يحصلوا على تقديمات من جمعيات لا تتبع معايير الأمم المتحدة في تصنيف اللاجئين، كالهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة خليفة بن زايد ومؤســـسات أخرى لا تعمل بالتعاون مع البلدية، مثل مؤسسة «قطر الخيرية» التي تنشط عبر جمعية «الإرشاد والإصلاح» و«الجماعة الإسلامية» وغيرهم. ولكن، يبقى وضع اللبنانيين أكثر صعوبة من أوضاع النازحين السوريين.

ليس بيننا مسلحون
يبدي أهالي عرسال تخوفاً من زج بلدتهم في الصراع السياسي على الأزمة في سورية. ويكثر بينهم من يحمّل المسؤولية للسلطات اللبنانية الغائبة عن ضبط الحدود، على رغم عدم وجود نقاط خلاف بين لبنان وسورية على طول الحدود في عرسال. مع ذلك يؤكد عدد من أبناء البلدة أنهم لم يشاهدوا مسلحين بين النازحين إلى البلدة ومحيطها، وإن كانت الأنباء عامة عن نقل جرحى عبر مشاريع القاع إلى عرسال، ومنها إلى المستشفيات لتلقي العلاج. هؤلاء وفق تأكيد البلدية يعودون إلى بلادهم، ولكن خمسة منهم ماتوا جراء الإصابة ودفنوا في عرسال بسبب عدم القدرة على نقل جثثهم إلى سورية.

كما دفنت في البلدة امرأتان واحدة مسنة وأخرى كانت مصابة بمرض السرطان في حين أعيد آخرون إلى سورية بعد تقديم رشوة إلى حرس الحدود.

لبنانيون يتمنون لو كانوا سوريين!
في الطبقة الثانية من منزل يملكه عضو في البلدية، تقطن عائلة لبنانية نزحت هرباً من القصف في بلدة جوسية السورية. العائلة مؤلفة من أب وأم وسبعة أطفال. يعمل الأب راعي ماشية يملكها أحد أبناء عرسال مقابل 300 ألف ليرة لبنانية (200 دولار) شهرياً، بينما يعمل ثلاثة من الأولاد في ورشة لبيع قطع السيارات المستعملة في البلدة.

تغيّب الأولاد عن المدرسة لعامين بسبب الأحداث في سورية. وعلى رغم قبول المدارس الرسمية تسجيل النازحين فيها، فإن كلفة الكتب وحدها لا طاقة للأهل على تحمّلها، فكيف إذا أضيف إليها بدل النقل (60 ألف ليرة لكل تلميذ).

تتحدث السيدة عن وضع عائلتها في سورية: «لم نكن من ذوي الأملاك، لكننا خسرنا بيتنا وعملنا وهربنا إلى عرسال، لنبدأ من الصفر». تحمل عتباً على البلد الذي تحمل هويته، وتقول: «دولتنا لم تنظر إلينا. والجمعيات تهتم بأمور السوريين فقط»، مشيرة إلى أن في سورية كثيرين من أصل لبناني عاشوا حياتهم سوريين واحتفظوا بالجنسية اللبنانية، فقط للتهرب من الخدمة العسكرية التي تصل في سورية إلى ثلاث سنوات ونصف السنة بينما لا تتعدى في لبنان السنة.

اللبنانيون الذين «تهجروا من سورية كما السوريون» متروكون لمصيرهم، فإن كانت المساعدات المقدمة إلى السوريين من مأوى إلى مأكل ومشرب ومدارس وطبابة، لا تكفي، فكيف حال مَن لم يُقدَّم إليهم شيء، سواء من مؤسسات بلدهم، أو من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تقدم شهرياً لكل فرد سوري (معدل أفراد العائلة هو 5) 46500 ليرة لبنانية. «لا أحد ينظر في وضعنا، وإذا قصدنا المستوصف للعلاج، يكون ذلك على نفقتنا»، تضيف السيدة.

Thursday, October 4, 2012

التلامذة السوريون في مدارس لبنان

التلامذة السوريون في مدارس لبنان:
معضلة اللغة والمناهج... والإكتظاظ



عرسال (شرق لبنان) - منال أبو عبس
الخميس ٤ أكتوبر ٢٠١٢

ينظر المتابعون لشؤون النازحين السوريين الى لبنان تعميم وزير التربية حسان دياب قبول تسجيل الطلاب النازحين في المدارس الرسمية على أنه خطوة في الاتجاه الخطأ. فالاختلاف بين منهجي التدريس اللبناني والسوري جوهري، أساسه قائم على ان اللغات الاجنبية هي المعتمدة في لبنان لتدريس المواد العلمية، بينما يدرس السوريون هذه المواد بالعربية. فضلاً عن القدرة الاستيعابية للمدارس الرسمية التي تكاد، في معظم المناطق، تضيق بطلابها.

بلدة عرسال البقاعية الواقعة على الحدود اللبنانية- السورية تحتضن وحدها نحو الفي طالب نازح، كما يقول نائب رئيس البلدية أحمد الفليطي. وتطبيق تعميم وزير الداخلية في المدارس الرسمية في البلدة التي تضم 30 طالبا في الصف الواحد، لن يؤدي الا الى زيادة الاعباء على كاهل المدرسة والاساتذة والطلاب، لبنانيين وسوريين، وان كان يرفع المسؤولية عن كاهل الدولة. اذ ان الطالب السوري وإن حضر الحصص كاملة، لن يستفيد من المعلومات على اعتبار انها تصله بلغة لا يتقنها، كما انها تختلف اختلافا كبيرا عما اعتاد درسه.

في هذه الاطار، لجأ الناشطون، ومنهم بلدية عرسال ومدير مدرسة خاصة في تعلبايا (البقاع الاوسط) الى مبادرات فردية توجد حلولا بعد توافر مساهمات من متبرعين. ويقول الفليطي: "تقدمنا بعرض الى جهة سعودية كانت قدمت بيوتا جاهزة للنازحين الى الشمال، عرضنا استئجار ارض ووضع هذه البيوت عليها لتكون مدارس، ودرسنا الكلفة بما فيها بدل ايجار الارض وعدد ساعات التدريس وأجر الساعة وكلفة المازوت والقرطاسية والنقل، وسنرفع هذه الدراسة ايضا الى مؤسسة قطر الخيرية والهلال الاحمر الاماراتي والامارات وثمة اشارات ايجابية". ويشير الفليطي الى أن "بين النازحين أساتذة تطوعوا للتدريس من دون مقابل". أما المجلس الوطني السوري فاقتصر دوره على ارسال وفد لابلاغ البلدية باعتماد افادة موحدة للنازحين في مختلف البلدان بعد سقوط النظام في سورية، من دون أن يعرض تقديم مساهمات مالية. يأمل الفليطي بأن يلقى العرض قبولا سريعا كي يبدأ التدريس خلال شهر أو اثنين.

وفي تعلبايا التي تبعد عن عرسال نحو ساعة ونصف الساعة، بدأ 300 طالب سوري ولبناني نازح عامهم الدراسي الاثنين الماضي بمبادرة من مدير مدرسة "افروس كولدج" بلال حشيمي وتمويل من منتدى رجال الاعمال السوريين عبر جمعية "لانماء والتجدد" الذين يتولى دفع نفقات دراسة مئتي طالب فيما تكفل مدير المدرسة بنفقات المئة الآخرين، من دون أن يتسبب ذلك باي ضغط على الطلاب الاصليين. اذ خصص دوام النازحين من الثالثة حتى السابعة عصرا أي بعد مغادرة طلاب المنهج اللبناني، واعتمد المنهج السوري للتدريس الذي تولاه اساتذة سوريون متطوعون.

يقول حشيمي: "طلابنا النازحون يتوزعون على مناطق البقاعين الاوسط والغربي،
والمشكلة الاساسية التي تعترضنا هي تأمين كلفة النقل اذ أنه بحلول السابعة مساء لا تعود ثمة وسائل مواصلات عامة، وكلفة الباصات تفوق قدرة النازحين على التحمل".

والى "افروس" التي تتولى تعليم طلاب المرحلة المتتدة من الصف السادس حتى الثانوي، من المتوقع أن يبدا التدريس بالطريقة نفسها في مدرسة في بلدة دير زنون في البقاع للطلاب من الصف الاول حتى السادس على ان يكون التدريس فيها صباحا. اما الكتب، فيقول حشيمي ان نسخا منها احضرت من سورية، وتم تصويرها وتوزيعها على الطلاب، في حين لم يبادر المجلس الوطني السوري الى عرض أي نوع من انوع الدعم، "بل اقتصر دوره على طلب لوائح بأسماء المسجلين، وهو ما رفضناه في المطلق".

Thursday, August 2, 2012

بزة العسكر تليق بها أيضاً

اللبنانية مجنّدة في قوى الأمن:
بزة العسكر تليق بها أيضاً

بيروت- منال أبو عبس
"الحياة" 02 - 08 - 2012


«نعم سيدي»، تقول الشابة بالبزة العسكرية، وتعرّف عن نفسها بصوت جهوري: «الرقيب المتمرن مها حوّا». ترتسم ملامح قاسية فجأة على الوجه اللطيف، وتزيح النبرة العالية انطباعاً تركته دقائق التعارف الأولى بأن اللباس العسكري، لم يُخرج الصبية الودودة من خجلها وتعثرها بالكلمات ما إن عرفت أنها ستروي للصحافة عن تجربتها الجديدة.
على معاهد قوى الأمن الداخلي في الوروار والضبية وعرمون تتوزع 483 عسكرية برتبة رقيب متمرن ويعشن يوميات لم تسبقهن إليها فتاة لبنانية. يوميات اخترنها على رغم قسوتها، وبدا الجامع بينهن «حبّ للبدلة العسكرية منذ الطفولة»، و «وجود آباء أو إخوة وأقارب شجعونا على الخطوة».
وفي الوروار مثلاً، تدور يوميات مها ورفيقاتها العسكريات منذ 19 آذار (مارس) الماضي وحتى 19 أيلول (سبتمبر) المقبل في محيط بناء حديدي أبيض اللون من طبقتين عليه ملصقات ورق تحدّد أن المكان هو لفصائل الإناث، ويبدو تماماً مثل الأبنية المجاورة المخصصة للذكور.
المسؤولون عن مبنى الإناث وضعوا ستاراً خارجياً أبيض له حجباً ربما ل «أعين المتلصصين»، طالما أن المعهد يجمع على حد سواء عسكرييه الذكور والإناث ويشترك الجنسان فيه ما عدا في أمكنة النوم والاستحمام والتدريب الداخلي.
تجتمع مها ورفيقاتها في مكتب آمر دورة الإناث الرائد بسام الحافي للحديث عن تجربتهن التي تختلف كثيراً عما قد تفكر فيه فتاة تقليدية وهي ترسم صورة مستقبلها. المستقبل هنا ترسمه يوميات عسكرية لا تجيد التفريق بين شاب وشابة، فالمعهد شاهد على حالات انهيار مجندين خلال التدريب كما مجندات.
ما إن يلتحق العسكري (ذكراً أو أنثى على حد سواء) بالمعهد حتى يكون وضع نقطة النهاية على كونه مدنياً. يحجز الجميع 40 يوماً أو أقل وفق الظروف، ويُمنع عليهم أي احتكاك بالعالم الخارجي. في هذه الفترة يبدأ التدريب يومياً من الاثنين حتى مساء الجمعة باستثناء من كان بحقّه مخالفة فيعاقب بالحجز في مركز التدريب خلال العطلة المشتهاة في نهاية الأسبوع.

عقدة حُلّت!
عند الخامسة صباحاً يستيقظ الجميع، وبحلول الخامسة والنصف تبدأ الرياضة الصباحية وتستمر حتى السادسة. من السادسة حتى السابعة والنصف يكون وقت للاستحمام والاستعداد وتناول الفطور. ثم يلتحق العسكريون بالاجتماع الصباحي اليومي في الباحة لتكريم العلم. عند الثامنة تبدأ الدروس وتستمر حتى الثانية، بينها استراحة لعشر دقائق كل ساعة. بين الثانية والرابعة استراحة للغداء، تليها حتى السادسة دروس نظرية وتطبيقية. ومن السادسة حتى السابعة والنصف استراحة عشاء، وبعدها تبدأ حتى التاسعة دروس مسائية إجبارية يعود بعدها العسكريون إلى غرف منامتهم قبل أن تُطفأ الأنوار عند العاشرة.
قائد معهد «قوى الأمن الداخلي» العميد إبراهيم بصبوص يبدو متفائلاً بالتجربة وإن كانت سبقت لبنان إليها دول غربية وعربية. المهم بنظره أن العجلة انطلقت بعد جهود من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي التي أدت إلى موافقة مجلس الوزراء على تطويع 610 شابات، التحقت منهن 553 أنثى موزعات بين 483 رقيباً من حملة شهادات الثانوية العامة وما فوق، و70 دركية من حملة شهادات أدنى من الثانوية العامة. أنهت الشرطيات دورتهن التدريبية التي استمرت أربعة أشهر وتخرجن في 17 تموز (يوليو) الماضي.
تفاؤل بصبوص مردّه إلى أن «هناك مهمات كثيرة تعترضنا وتفرض علينا أن يكون هناك عنصر نسائي مثل المطار وسجون النساء ومراكز التفتيش في الدوائر الرسمية، كما يمكن أن نحتاجها في مهمات حفظ النظام، وفي بقية المهمات التي ينفذها رفاقهن الذكور فيمكن أن تكون واحدة منهن شرطي سير أو في مخفر».
هل يتساوى العسكريون هنا ذكوراً وإناثاً في الاختبارات والتدريب؟ يقول بصبوص: «امتحانات التطوع هي نفسها للأنثى والذكر: الرياضة والصحة والامتحان الخطي. إنما في الرياضة لا نطلب من الأنثى أن تقوم بالعدد نفسه من تمارين السواعد والجذع والركض كما الشاب. وفي امتحانات الصحة نطلب المعايير نفسها كما الذكور مع تعديل شرط الطول، فيكون للذكور أكثر من 167 سنتيمتراً، وللإناث أكثر من 160. الامتحان الخطي مشترك».
وعن التدريب داخل المعهد، يجيب بصبوص: «التدريب لا يختلف بأي شيء. هناك دورات تنشئة عسكرية ومسلكية وقانونية للجنسين. إذ في البداية يأتي الشخص إلى المعهد مدنياً وعلينا أن نحوّله إلى عسكري يتمتع بلياقة بدنية وقادر على تنفيذ عمليات حفظ الأمن والنظام والقتال الفردي واستعمال السلاح سواء كان ذكراً أو أنثى».
أما المشكلات التي واجهت المسؤولين عن الدورة، فيقول: «المشكلة الوحيدة كانت في دخول الضباط المناوبين غرف المنامة والحمامات لتفقّد النظافة والمخالفات. لكن، هذه استدركناها بأن تعاقدنا مع مشرفات يقمن بتهيئة الوضع قبل دخول المناوبين».
المسألة الأخرى التي أثيرت إعلامياً كانت وجود نحو 25 محجبة بين الناجحات في الدورة، وذلك على اعتبار أن نظام اللباس في قوى الأمن الداخلي لا يتضمن بنداً خاصاً بالحجاب، ما يمنع مَنْ ترتدي لباساً عسكرياً من أن تضيف إليه حجاب. يشرح بصبوص إن الموضوع عولج بهدوء من جانب المدير العام، إذ اتفق على أن «ضمن نطاق المعهد لا مشكلة بارتداء العسكرية الحجاب، لكن مع نزولها إلى الخدمة سيتم فرز المحجبات في مراكز لا تلزم الشرطي ذكراً أو أنثى باللباس العسكري بل تلزمه باللباس المدني، كما في مفارز الشرطة القضائية».

تدريب
تجتمع عسكريات في مكتب الرائد الحافي للحديث عن تجربة جديدة عليهن كما على البلد. الرقيبات المتمرنات جيسيكا كرباج وأماني سرحان ورشا العلي. الأخيرة من عكار في شمال لبنان، تروي كيف كان التحاق الفتاة بالسلك العسكري مستغرباً، وصار اليوم مصدر فخر للأهل كما للبلدة. جيسيكا ترى في هذه الوظيفة «تأميناً للمستقبل ومساواة بين الرجل والمرأة». وعن الخوف من مهام صعبة، تقول: «نحن مثل الشباب. تلقّينا التدريب نفسه، كما إننا لن نُرمى في مهمات قبل تدريبنا تدريباً كافياً عليها».
بين العسكريات من شاركن في الشهر الأمني، يروين كيف كان تعاطي الناس معهن مشجعاً. «بعضهم فوجئ بنا في الشارع، وبعضهم طلبوا منّا أن نكون على قدر المسؤولية وأقوى من الرجال».
وما إذا تعرضن لمضايقات من شبان، تضحك إحداهن وتقول: «علينا أن نرد بحزم وصرامة ولا نرتبك ونجبر الآخر على أن يلزم حدوده».
الرائد الحافي هو آمر الدورة، عمل على تدريب ذكور في فترات سابقة. يتحدث عن قدرة الفتيات على تحمل التدريبات القاسية وحماسهن واندفاعهن وانضباطهن أكثر من الشباب.

ويقول، ضاحكاً، إن الفارق الوحيد بين الجنسين هو أن الفتيات لا يتوقفن عن الثرثرة. على أن هذه «النظرية» ليست صحيحة بالطبع، كما ليس صحيحاً أن البزّة العسكرية هي حكر على الرجال، والرقيبات اللبنانيات أثبتن ذلك، ببزاتهن التي تليق بهن ويلقن بها شكلاً ومضموناً.

Tuesday, May 22, 2012


روايات شهود عن اشتباكات الطريق الجديدة 
والسيارات الغامضة التي أجلت شاكر البرجاوي

منال أبو عبس

كثيرة هي الروايات المتناقلة بين أهالي الطريق الجديدة في بيروت عن الاشتباكات المسلحة التي شهدتها المنطقة، وامتدت من ليل اول من امس حتى فجر أمس .تلخص الرواية الاولى ما حصل بأنه إشكال على خلفية فتح الطريق أمام مكتب 'حزب التيار العربي 'تطور الى اشتباك مسلح بين شبان من المنطقة، وأن 'صوت الرصاص منعنا من النوم حتى الخامسة فجرا '.الرواية الثانية بلسان الشاب عبد الرحمن العلي، الذي يقطن شقة مخصصة للطلاب في الطبقة نفسها حيث مكتب الحزب .يقول الشاب إن 'فلسطينيين ملتحين وآخرين من الطريق الجديدة أقفلوا بالإطارات المشتعلة الطريق الرئيسية بين المدينة الرياضية وجسر سليم سلام، على خلفية مقتل الشيخ احمد عبدالواحد في عكار، وإن شبانا من 'تيار المستقبل 'جابوا بدراجات نارية الزاروب أمام مكتب 'حزب التيار العربي 'مرددين هتافات ضد رئيسه شاكر البرجاوي و 'حزب الله '، ما دفع مسلحين من جماعة البرجاوي الى إطلاق النار عليهم، فأصيب اثنان منهم '.يؤكد الشاب أنه رأى البرجاوي يقف على الشرفة ويطلب من مسلحيه عدم إطلاق النار، غير ان عناصر حزبه 'كذبوا عليه فأخبروه بأنهم يردون على إطلاق نار من جماعة المستقبل .وهذا لم يحصل '.مع بدء الاشتباكات، غادر الشاب المنطقة هربا من صوت الرصاص، ليعود الى المحلة في اليوم التالي فيجد شقته احترقت بكامل محتوياتها 'حتى ورق الجدران '.

الرواية الثالثة يرويها أبو رامي، الرجل الخمسيني من أهالي المنطقة .يتحدث الرجل عن حال الخوف والهلع التي عاشها وعائلته ليلة الاشتباكات، ويقول :'الرجال هنا عايشوا حروبا سابقة، ويمكنهم ان يتدبروا أمورهم في اوقات كهذه، غير ان المشكلة كانت في النساء والاطفال الذين تعذر اخراجهم من الشارع، فعاشوا الاختبار الأسوأ '.يعرض الرجل بقايا رصاصة يحملها في يده، ويقول :'ليس من المنطقي ان تنفجر الرصاصة بهذه الطريقة فلا يبقى منها إلا عقبها، في العادة تبقى الرصاصة بعد إطلاقها قطعة واحدة، انما فارغة ...الله اعلم شو كان في بالمكتب فوق (يقصد مكتب حزب البرجاوي )'.




يحمل أبو رامي شاكر البرجاوي مسؤولية الدمار الذي لحق بالشارع، فالبرجاوي (معروف بأبي بكر )-وفق أبي رامي- هو ابن الطريق الجديدة لكنه انقلب على ناسه، و 'كان ينوي اقامة مهرجان في الملعب البلدي في ذكرى التحرير في 25 أيار (مايو )دعما للنظام السوري '، الأمر الذي مثل الشرارة لاشتباكات الأمس، إذ 'لا يمكن أن يمر مرور الكرام في الطريق الجديدة .جميعنا هنا متعاطفون مع الشعب السوري ضد النظام، وكلنا نعرف ان البرجاوي يتلقى دعما من 'حزب الله 'وسورية .بعد الأحداث في سورية، انقلب عدد كبير من أنصار البرجاوي عليه، وكان زود بعضهم السلاح، ولما انشقوا عنه طالبهم بإعادته، فكانت بداية الاشتباك في زاروب الجزار بين جماعة البرجاوي ومنشقين عنه '.يؤكد ابو رامي انه لم ير بين مسلحي الأمس فلسطينيين، بل كلهم اولاد المنطقة وجيراننا .

الامر هذا ينفيه رجل آخر، إذ إن القتيلين اللذين سقطا في بداية الاشتباكات (من جماعة البرجاوي )فلسطينيان، واحد منهما يدعى محمد ابو طه (أبو ليلى )وآخر من آل شرايب (أبو آية )، في حين سقط لاحقا قتيل آخر، وتردد ان احد الجرحى ال18 الموزعين بين مستشفيي المقاصد وبيروت الحكومي في حال حرجة جدا .

أمتار عدة ودمار

لا يتجاوز طول الشارع الذي شهد الاشتباكات امتارا عدة، يقع مكتب البرجاوي في الطبقة الاولى من مبنى في وسطها .يغطي السخام كامل الطبقة الاولى، ولا تزال ترتفع على احد الجدران لافتة حمراء مكتوب عليها 'حزب التيار العربي '.أما في محيط المبنى، فلا وجود لأي من أنصار الحزب او مسلحيه او حتى مسلحي الطرف الآخر، فقط مجموعة من الاهالي يتفرجون على مخلفات اشتباكات الليل الفائت، وسد يشكله عناصر الجيش والقوى الامنية لمنع الدخول الى الشارع 'لمن ليس له عمل '، وعلى جانبي الطريق دراجات نارية محترقة وسيارات متضررة وزجاج متناثر على الارض .

آثار الرصاص تبدو واضحة على المباني على جانبي الشارع الذي يربط بين الكورنيش الممتد بين المدينة الرياضية و 'سليم سلام '، وبين الجامعة العربية-كلية الهندسة، ووفود الأمنيين والخبراء تروح وتجيء لتفقد الأضرار .المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي وقائد شرطة بيروت العميد ديب الطبيلي تفقدا دوريات قوى الأمن الداخلي المنتشرة في المنطقة، والتي تم تعزيزها إثر الأحداث .وأعطى ريفي توجيهاته الى الضباط والعناصر بضرورة اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة والتدابير الميدانية بالتنسيق مع الجيش اللبناني التي من شأنها ان توفر الأمن والاستقرار وتؤمن سلامة المواطنين .

سلاح 'حزب الله '

تعكس أحاديث عدد من اهالي المحلة تخوفا من فتن 'يسعى حزب الله إلى إثارتها للقول إن هناك سلاحا في الطريق الجديدة، وللربط بينه وبين سلاح الحزب .لكن الأكيد أن المنطقة هنا لا تريد مشاكل، بل تريد التعايش والسلام '.

وفي احد المفترقات القريبة من مكان الاشتباكات، يتحدث شاب عشريني عن المعارك منذ بدايتها، ويقول ان روايته مباشرة من الميدان :'على أثر التطورات في الشمال ساد غليان في الشارع، فتوجه عدد من شبان الطريق الجديدة معظمهم مناصرون ل 'تيار المستقبل '، من دون وجود قرار تنظيمي من التيار، الى مكتب البرجاوي لقطع الطريق بالإطارت المشتعلة، وراحوا يهتفون ضد البرجاوي و 'حزب الله '.أطلق مسلحو البرجاوي النار على الشبان فأصيب أربعة، نعرف منهم الفلسطينيين عامر ششنية وأحمد الحبال .بعد ذلك جاء اشخاص من مخيم صبرا القريب الى مكتب البرجاوي وأخبروه ان الوضع لم يعد مقبولا، وان التجاوزات زادت عن حدها، ولدى مغادرتهم حصل تبادل لإطلاق النار بينهم وبين مسلحين من جماعة البرجاوي .ومع انتشار خبر اطلاق النار، تدخل شبان من المنطقة وآخرون من مخيم صبرا، وصارت الاشتباكات أكثر عنفا، وقرروا لاحقا حرق المكتب .سيارات جمعية التقوى والدفاع المدني تولت نقل الجرحى والقتلى، في حين تمكنت بعض العائلات التي تقطن المبنى المستهدف من النزوح، وبقيت أخرى عالقة فيه .بعد الثانية بقليل فجر امس، دخل شبان إلى المكتب بعدما غادره البرجاوي الى ركن قرب مقهى 'أحلى عالم '، حيث انتظر داخل سيارة صغيرة ذات زجاج اسود ترافقه سيارتان من نوع شيروكي .عند الساعة الثالثة تصاعدت وتيرة الاشتباكات وتكثف اطلاق النار وارتفع دوي القذائف، فبدا واضحا أن قرارا اتخذ بإجلائه .وصلت سيارة غراند شيروكي لونها أسود، وعلى سقفها نصب رشاش متوسط وفي داخلها اربعة مسلحين، وقيل إن شبانا رصدوا خروجها من منطقة الناعمة (مقر الجبهة الشعبية-القيادة العامة بزعامة احمد جبريل ).اقتربت السيارة من منطقة الاشتباكات من ناحية الكولا، وبدأ من فيها بإطلاق النار بكثافة بينما تمكنوا من اجلاء جريح كان لا يزال على الارض، وربما كان ذلك للتغطية على خروج البرجاوي من المحلة .بعد وقت قصير توقف اطلاق النار، وعند الرابعة والنصف دخل الجيش الى المنطقة '.

غير أن الحديث عن دور 'القيادة العامة 'في اجلاء البرجاوي ليس مجمعا عليه، اذ يتردد في اوساط الطريق الجديدة أن سيارتين انطلقتا من مكتب ل 'حزب الله 'في محيط المنطقة، وتولتا عملية اجلاء البرجاوي .بينما أفادت مصادر أخرى ان قائد منطقة بيروت في مخابرات الجيش العميد جورج خميس هو من تولى اخراجه .

'المستقبل '

'تيار المستقبل 'كان استنكر في بيان اصدره اول من امس، أعمال الشغب وقطع الطرقات التي شهدتها بيروت، واعتبرها 'أعمالا مشبوهة تقف خلفها زمر معروفة ترتزق عند النظام السوري وأدواته في لبنان '، وأعلن رفضه الكامل 'لأي تعد على بيروت أو أهلها لأي سبب كان '.ودعا الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها كاملة لجهة حماية المواطنين واملاكهم، كما دعا اهل بيروت الى 'التزام أعلى درجات اليقظة وعدم الانجرار وراء فرق المرتزقة حرصا على أمنهم وأمن مدينتهم، والتمسك بالسلم والهدوء والقانون '.

البرجاوي

أما البرجاوي، فاستنكر في مؤتمر صحافي عقده عصر امس في منطقة الجناح 'استباحة بيروت بأبشع انواع الاستباحة من اناس يدعون الحرية وثورة الارز ودولة القانون وان سلاحهم القلم '.ورفض 'استحضار الأزمة السورية من جانب المستقبل والاستقواء بما يسمى المعارضة السورية '، لافتا الى أنه حذر منذ شهر من 'أنهم يدفعون الأمر نحو الفتنة '.

واتهم 'المستقبل 'ب 'توجيه رسائل لتعميم الفوضى، ومشكلتنا معهم أنهم قالوا ان النظام سيسقط في سورية وقلنا إنه لن يسقط '.وأعلن أن 'الف مسلح من تيار المستقبل وقناصي سعد الحريري كانوا يقنصون علينا وينتشرون على المفارق '، وقال :'لا اعرف سبب انسحاب الجيش قبل بدء اطلاق النار باتجاه المركز '، مشيرا الى أن احد عناصر التيار العربي أصيب في المركز ونقل الى المستشفى بعد وساطة مع احد اصدقائه من 'تيار المستقبل 'بعد تأمين وقف لإطلاق النار لمدة 5 دقائق لإخراجه، لكنه 'قتل بدم بارد لحظة وصول السيارة الى الكولا '.وأكد أنه سيقاضي كل من اعطى القرار بالفتنة 'من سعد الحريري الى احمد الحريري الى فؤاد السنيورة الى العميد المتقاعد محمود الجمل '.

وأكد العودة الى 'مكتبنا في الطريق الجديدة .سنترك للأجهزة الامنية يومين او ثلاثة لتتخذ قرارا بتسليم المركز وإعادة اصلاحه '، نافيا تدخل 'حزب الله 'أو حركة 'امل 'في المعركة .

Thursday, May 17, 2012

القتال بين «الشارعين» يحتاج لأقل من سبب

كلام الشارع في طرابلس غير كلام السياسيين
والقتال بين «الشارعين» يحتاج لأقل من سبب


طرابلس (شمال لبنان) - منال أبو عبس
الخميس ١٧ مايو ٢٠١٢

لم يكد يمضي أكثر من ربع ساعة على تأكيد «المقاتل» في باب التبانة في طرابلس (شمال لبنان) أن الامور عادت الى طبيعتها، حتى عاد صوت الرصاص ليطغى على ما عداه، فاتحاً من جديد جبهة القتال التقليدية بين باب التبانة وجبل محسن، وإنْ بصورة اشتباكات متقطعة وعمليات قنص على أكثر من محور، استعملت خلالها الاسلحة الخفيفة والقذائف الصاروخية، في حين أبقى الجيش اللبناني على انتشاره في المنطقة الفاصلة، وردّ على مصادر النيران التي تستهدفه، والتي اوقعت جريحاً في صفوفه و6 جرحى من المدنيين.

وعلى رغم ربط الاشتباكات بقضية توقيف الأمن العام الشاب شادي المولوي الأحد الماضي بطريقة أثارت استنكاراً عاماً، يؤكد مراقبون للتطورات في المحلتين، أن «الحرب بين الجبهتين لم تُقفل يوماً، وهي ليست في حاجة الى سبب لتندلع، وان كانت القضية الأخيرة هي القشة التي قصمت ظهر البعير». أما في ساحة النور في طرابلس، فلم ترفع التيارات والحركات الاسلامية -والمولوي عضو في تيار منها- اعتصامها المفتوح، ولن ترفعه الا بعد الافراج عن المولوي او كشف الادلة حعلى التهم الموجهة اليه. في هذه الساحة يحكى الكثير عن «رد لظلم يتعرض له أهل السنّة في لبنان»، وعن نفوذ «حزب الله» الواسع في الدولة مقابل تهميش الآخرين، وعن «ثمن يراد لطرابلس أن تدفعه لوقوفها الى جانب إخوتنا المظلومين في سورية».

< حتى ظهر أمس كانت الأمور شبه طبيعية داخل كل من جبهتي القتال: آليات الجيش وعناصره ينتشرون على مدخلي باب التبانة والشارع الفاصل بينها وبين جبل محسن، فيما الاهالي في المحلتين منشغلون في احصاء الاضرار وتدبير شؤون اليوميات في انتظار عودة المياه والكهرباء التي قُطعت بسبب الاشتباكات. أما في الشارع، فلا حركة المارة ولا المحلات المقفلة ولا حتى الأحاديث العالية النبرة للشبان الموزعين في مجموعات، كانت تشي بأن صفحة الأمس طويت.

«بين باب التبانة وجبل محسن دم كثير وقضايا قديمة»، يقول خطيب مسجد صغير في الشارع الفاصل بين المحلتين، مستنكراً ما يسميه الفتن المذهبية لأسباب سياسية. يسخر الشيخ من محاولة الربط بين الاشتباكات وبين قضية «الشاب (شادي المولوي) الذي اختطفوه من مكتب الوزير محمد الصفدي»، ويقول ان السبب هو أن شباناً من «التبانة والقبة كانوا آتين من اعتصام في طرابلس حاملين رايات، وصار احتكاك في محلة البقار بين شبان من جبل محسن وآخرين من البقار، فأطلق أحدهم النار على آخر وردوا عليه، وفلتت الأمور تماماً مثل كل مرة». الاحتقان الناجم عن الثورة السورية هو السبب الأكثر اثارة للفتن بين ابناء المحلتين حالياً، فـ «الكل يعرف ان المنطقة هنا تدعم الجيش السوري الحر، بينما في جبل محسن يقفون مع النظام السوري. الانقسام هذا ليس جديداً، في العام 1986 كانت الاشتباكات تندلع على خلفية أن المحلة هنا مع أبي عمار والجبل مع حافظ الاسد». يشير الى مبان مهدمة واخرى محترقة ومهملة ليقول انها من مخلفات اشتباكات العام 1986.

يحمّل الشيخ الدولة مسؤولية «أزمة الاسلاميين»، ويقول: «لماذ يفرج عن عميل صهيوني (فايز كرم) خلال مدة قصيرة ويرمى الاسلاميون في السجن لسنوات من دون محاكمة وتهم. عندما صدر العفو العام عن سمير جعجع افرجوا عن شباب الضنية منعاً للفتنة». وينقل تطمينات من الجيش في اجتماع عقد في حضوره في مسجد حلبا، بأنه لن يتم اعتقال أيٍّ من المشاركين في الاشتباكات، على قاعدة «عفا الله عما مضى». ويحمّل «الدولة» مسؤولية تكرار الحوادث، مطالباً بـ «التعويض على ذوي القتلى والمتضررين في المحلتين منذ العام 1986، على ان يتقاضى كل معوّق من الطرفين راتباً تقاعدياً من الجيش اللبناني على اعتباره عنصراً في صفوفه، مثله مثل اي مصاب من حزب الله».


دشمة هنا مقابل واحدة هناك
على بعد امتار من المسجد يعلو صوت صراخ، بينما يتدافع شبان سيراً وآخرون على دراجات نارية في اتجاه عناصر من الجيش اللبناني يسيرون بما يشبه الدورية الراجلة صوب دشمة من اكياس رمل منتصبة الى جانب محطة للوقود. يصرخ رجل بمجموعة اطفال يلهون باطارات مطاطية كانت تشكل دشمة اخرى فككها عناصر من الجيش، طالباً منهم جمعها في عربة لنقلها الى «الزاروب» في الشارع الفرعي. احتجاجات الشبان في باب التبانة نفسها في جبل محسن، حيث ايضا لم تقابل مهمة الجيش بالورود. وعلى خلاف دشمة الاطارات، لم يفلح العناصر في تفكيك دشمة الرمل بسهولة، إذ للرجال هنا مطالب: «فككوا دشمة في جبل محسن مقابل دشمة هنا»... بينما يعمل شبان آخرون بتوجيهات عناصر الجيش على إزالة اعلام الثورة السورية عن الطرق، من دون ان يشمل الإجراء إزالة الشعارات المنددة بالرئيس السوري بشار الأسد ونظامه المرسومة على الجدران وأبواب المحلات.

الرجل على احدى الدراجات النارية كان قائداً لمجموعة في اشتباكات الامس، يرفض التعليق على الدخان الاسود الذي يكسو مبنى يقع مقابله تماماً في جبل محسن. ويقول: «نحن لا تهمنا إلا منطقتنا. انظري الى آثار الحرائق في أبنيتنا. نحن ندفع الثمن منذ 30 سنة وليس الآن فقط. الجيش السوري ايام حافظ الاسد لم يترك سلاحاً إلا استخدمه ضدنا، ومع ذلك لم ينل منّا».

الحديث عن المولوي يغيب كلياً في باب التبانة وجبل محسن، حتى يكاد يكون الرابط بين الأمرين لا يتعدى الاطار الزمني والقرب الجغرافي.


ساحة النور
تتوزع خيم صغيرة على جوانب ساحة النور في طرابلس، وفي داخلها شبان بعضهم غارق في النوم وآخرون يتلهون بأحاديث مشتركة. الطريق الى الساحة مقفل بالاطارات منذ الاحد الماضي، بينما يغيب الجيش وتعزيزاته عن محيطها القريب، وينتشر شبان يطلقون على انفسهم اسم «انضباط» في المكان المملوء بلافتات عليها صور المولوي وعبارات منها: «كيف لثورتنا ان تهدأ والعلماء داخل السجون والعملاء خارجها»، و «لا لعودة النظام الامني السوري الى لبنان»، و «سنبقى هنا كي يزول الالم عن الموقوفين الاسلاميين والسوريين».

شبان «الانضباط» يرفضون الحديث الى الاعلام، لكن بعض المشاركين يتحدثون عن ظلم يلحق بفئة من الناس، ساخرين من اتهام المولوي بأنه عنصر من «القاعدة» بالقول انه «كان يقصد مركز الخدمات العائد للصفدي طمعا بـ700 الف ليرة».

في الخيمة الكبرى للاعتصام تتحلّق حول الشيخ سالم الرافعي مجموعة من علماء الدين ومسؤولي الحركات الاسلامية ونائب «المستقبل» معين الرعبي. يرفض الرافعي الحديث عن فك الاعتصام «إلا إذا أُفرج عن المولوي أو أظهرت لنا جريمته مع الأدلة، وليس ما نسمعه اليوم من أمنيين، عندها نقدّر اذا كانت تهمة اجرامية ونسلمه الى القضاء والدولة ونسحب الاعتصام».

دعم الثورة
ويقول: «عندنا شك كبير بأن هذا الشاب اعتقل لأنه يدعم الثورة السورية بالمساعدات الانسانية. والامن العام له سوابق في هذا الاطار، اذ سلّم ناشطين سوريين الى النظام السوري، كما يتستّر على الجمعيات التي تخطف السوريين من لبنان»، ساخراً من الاحاديث عن دوافع سياسية وراء الاعتصام، ومحملاً مسؤولية التطورات الى «المجموعة المسلحة (الامن العام) التي خطفت شادي المولوي».

الحديث عن العملاء الإسرائيليين وعن نفوذ «حزب الله» وسعيه الى «حكم البلد بالقوة» و «معاقبة طرابلس لوقوفها الى جانب الثورة السورية» كثير هنا، لكن ما يحدث في باب التبانة وجبل محسن شأن آخر لا ينال رضا أيٍّ من الموجودين في هذه الساحة.

المرعبي بدوره يحمِّل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم مسؤولية كبيرة، ويقول: «بالامس دخلت مجموعات من حزب الله الى سورية واختطفوا نحو 50 سورياً واحتجزوهم في الهرمل والامن العام العظيم لم يحرك ساكناً، هل هؤلاء مغفور لهم لأنهم من فريقه السياسي نفسه؟»، ويضيف: «ما حصل لا سبب له إلا إثارة الفتنة لإشعال طرابلس، الساحة التي تساعد الثورة السورية».

Tuesday, April 17, 2012

:مشروع قانون تنظيم الإعلام الإلكتروني

الوزير يستعجل سد الفراغ والمعترضون يرونه فضفاضا 


منال أبو عبس

خلال آذار (مارس )الماضي، تقدم وزير الاعلام اللبناني وليد الداعوق الى مجلس الوزراء بطلب الموافقة على مشروع قانون أعده لتنظيم الاعلام الالكتروني .المشروع، الذي يؤكد الداعوق انه 'اختياري '، سبقته موجة احتجاجات من مدونين وعاملين في مواقع إلكترونية اعتبروه 'مسا بالحريات العامة والحريات الإعلامية والإلكترونية وتقييدا لها '.ورفع المحتجون الأحرف الأولى من المشروع بالإنكليزية، ليطلقوا حملتهم :'Stop LIRA '، على غرار حملات عالمية لإيقاف مشاريع في أميركا وغيرها .

يستغرب الداعوق الحملة، ويقول ل 'الحياة 'إنه ليس إلا محاولة لسد فراغ في جدار القوانين الاعلامية التي ليس فيها إشارة إلى الإعلام الإلكتروني ريثما تنتهي لجنة الإعلام والاتصالات النيابية من إعداد قانون جديد للإعلام المكتوب والمرئي والمسموع والالكتروني قد يستغرق سنوات طويلة، إذ إن اللجنة تعمل على مشروعين :أحدهما مقدم من النائب غسان مخيبر وآخر من النائب روبير غانم، اضافة الى اقتراحات النقابات .ويقول :'ربما يستغرق الأمر 20 سنة، نكون حينها وصلنا الى عصر آخر في مجال الإعلام '.

ويشير الداعوق الى أنه انطلق في مشروعه من محاولة ل 'تحسين ادارة المعلومات، فالموقع الإلكتروني (الاخباري )يشتري الأجهزة ويدفع الرواتب للعاملين الذين يبذلون جهدا يضعونه على الموقع، ثم يأتي من يأخذ هذا العمل وينسبه الى نفسه من دون بذل أي جهد ومن دون وجود آلية لملاحقته وللدفاع عن حق الموقع، لذلك ارتأيت العمل على وضع مشروع يحمي هذه المواقع ويفسح المجال لتطويرها '.

ويضيف :'من ناحية ثانية، انا املك خبرة في قانون تجارة الغرف، الذي يفرض على كل تاجر، سواء أكان شخصا أم شركة، ان يسجل في السجل التجاري ليمارس تجارته .كما هناك غرف تجارة تعطي المنتسبين اليها ضمانات وصدقية شرط تحديد مكان عملهم .أنا انطلقت من هنا بطلب تحديد الموقع، الاسم والعنوان، لكنني قلت أيضا إن هذا الأمر اختياري، ولمن يرغب بالتعريف عن نفسه في وزارة الإعلام فقط، وليس بالتسجيل '.

ويوضح :'أردت أولا أن أبين للقارئ ما اذا كان الموقع الذي يطالعه عرف وبإرادته عن نفسه في وزارة الاعلام او لا .وبهذا أستفيد من ناحيتين :الاولى حماية مضمون ما ينشره الموقع من السرقة وفقا لقانون حماية الملكية الفكرية، وثانيا السماح للمتضرر من مواد نشرها الموقع برفع دعوى ومطالبته بحق الرد، وفقا للقانون '.

أما عن سبب إلحاق الإعلام الالكتروني بقانون المطبوعات وليس المرئي والمسموع، فيقول الداعوق :'قانون المطبوعات معروف ويكفل حرية التعبير وغيرها '، لكنه يؤكد أن 'هذا كله موقت، ريثما يصدر قانون الاعلام الذي تعمل عليه اللجنة، وبعدها يمكن ان يلغوا هذا المشروع '.

ويتحدث الداعوق عن ركيزة اجرائية في المشروع، قائلا :'استنادا الى أن اصدار القوانين في المجلس النيابي يتطلب وقتا طويلا، طلبت أن ترجع الأمور التطبيقية الى مجلس الوزراء، لأنني أردت شيئا يواكب سرعة التطور في مجال التكنولوجيا '.

وعن الذين استشارهم خلال الإعداد للمشروع، يقول الداعوق :'بحثت الامر مع أشخاص مطلعين ومع جمعيات -مثل 'مهارات '- خلال زياراتهم لي ومع إعلاميين ومواقع الكترونية '، مسجلا على نفسه غلطة 'أنني لم أعمل lobbying للمشروع .تخيلت أن الجميع سيتلقفونه لأنه سيقفل ثغرة في القانون، لكن تبين أن السياسة دخلت '.

مهنا

في المقابل، يستهل مدير مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية 'سكايز 'أيمن مهنا، حديثه عن المشروع بالقول :'الله يرحمه '، معتبرا أنه 'في حال موت سريري '، وأن 'الداعوق نفسه يبدو أنه تراجع عنه عندما قال إنه اختياري '.

لكن قبل طي صفحة المشروع، يعدد مهنا اعتراضات المركز، واولها أنه 'فضفاض، فهو -كما سمي- عن الإعلام الالكتروني، ولكن لم يرد ذلك فيه صراحة، وما ورد في المادة الثانية منه ينطبق على أي موقع، سواء كان إخباريا أو مدونة أو موقع تواصل '.أما الاعتراضات الاخرى، فيضيف مهنا :'ما هي الإمكانية لتطبيق قانون المطبوعات الذي صدر عام 1963 على تكنولوجيا ظهرت بعده ب30 سنة؟ وثالثا، تحدث المشروع على الحريات، وأيضا عن احترام الاخلاق والآداب العامة بطريقة تشبه سلطة الرقابة .ونحن نعلم الاستنسابية التي تستخدمها السلطات في فرض الرقابة '.ويشير أخيرا الى 'عدد كبير من النقاط المبهمة في المشروع، والتي يطمئننا الوزير الى أنه سيتم تفسيرها في مراسيم تطبيقية تصدر عن مجلس الوزراء، لكن لا يمكن أن نترك موضوعا بهذه الاهمية لأهواء الحكومة '.واذ يرفض مهنا تحديد مدير مسؤول للموقع، يستغرب سبب تحديد المشروع أنه لا يسمح لشخص واحد بأن يكون مديرا مسؤولا لأكثر من موقع، سائلا :ما الذي يمنع أن يكون الشخص مديرا مسؤولا عن موقع عن الطبخ وآخر عن السيارات أو موقع اخباري بالفرنسية وآخر بالعربية؟ '.

ويؤكد مهنا أن 'هذا المشروع هو لزوم ما لا يلزم '، ويعتبر أنه 'في حال أراد الوزير أن يفرض التزامات على المواقع الاخبارية نتفهم ذلك، لكن شرط أن يحدد ذلك '.اما عن المواضيع الأخرى، كسرقة الشخصية وحماية الملكية الفكرية، فيقول مهنا إنها 'تشغل العالم، غير ان المشروع مر عليها في شكل عرضي '.

وعن التواصل مع الداعوق، يقول مهنا :'في الفترة الاخيرة لا تواصل في هذا الشأن مع الوزير، لكن علاقتنا معه جيدة، والنقاشات السابقة كانت ايجابية وبناءة '، مجددا التأكيد أن وزير الإعلام 'تسرع في صوغ المشروع، ولم يجر البحث الكافي مع المتخصصين والخبراء '.


الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة






































Monday, March 26, 2012

الحكومة اللبنانية تهملهم فيعتمدون على "ضيافة" عرسال وسعدنايل
السوريون النازحون إلى البقاع "مربعات" آمنة وروايات عن قوافل المنكوبين 


منال أبو عبس

حتى الجمعة الماضي، كانت تعيش في عرسال 327 عائلة سورية بصفتها نازحة، وفي سعدنايل 260 عائلة .البلدتان بقاعيتان تقعان شرق لبنان .ويقول ناشطون في جمعيات أهلية ومدنية محلية إن العدد يرتفع مساء كل يوم وبنسب متفاوتة .
تحاذي عرسال الحدود مع سورية، وتفصلها عن سعدنايل بلدات كثيرة تمتد لنحو ساعة ونصف ساعة بالسيارة .يؤكد نازحون أن اختيار هاتين البلدتين لم يكن عشوائيا، إنما بسبب 'الأمان 'فيهما .والأمان في هذه الحال يعني اللون الطائفي، إذ أن أهالي البلدتين المختارتين من السنة، بينما البلدات بينهما حيث ترفع صور كثيرة للأمين العام ل 'حزب الله 'جنبا إلى جنب مع صور الرئيس السوري بشار الأسد، من الشيعة أو من خليط طائفي .الهاربون من آلة القتل في سورية استعاروا من اللبنانيين عبارتهم الشهيرة 'مربعات أمنية 'للإشارة إلى أن هذه البلدات تقع، في أذهانهم، تحت سيطرة 'حزب الله '.

نازحو البقاع، إضافة إلى سوريين كثيرين (غير مشمولين بتلك الأرقام )لجأوا إلى المنطقة من دون أن يحملوا هذه الصفة، لا اعتراف رسميا لبنانيا بوجودهم .وإذا استثنينا تصريحات متفرقة بعضها لنواب في كتلة 'المستقبل 'تنتقد عدم الاهتمام الرسمي اللبناني بقضية النازحين إلى البقاع وعدم مساعدة الهيئة العليا للإغاثة هؤلاء أسوة بالسوريين النازحين إلى شمال لبنان، واستثنينا تصريحات أخرى لنواب ومسؤولين ضمن قوى 8 آذار تعتبر ما يجري في البقاع زيارات سوريين عادية لأقارب وأصدقاء لهم في لبنان، لا يبقى إلا واقع قاس فرض على عائلات مؤلفة بمعظمها من أم وأطفال كثر، ويوميات يعيشونها قلقا على أقارب لم يحالفهم الحظ في الفرار أو أخوة فضلوا تهريب نساء العائلة 'خوفا على العرض 'ولجأوا إلى الجبال والبساتين خوفا من القتل أو الاعتقال .

هذه اليوميات تشبه يوميات النزوح اللبناني في كل شيء، حتى تكاد تماثلها :من تقاسم جميع الأطفال فراشا رقيقا على أرض مدرسة أو ملجأ أو قبو دار عبادة، إلى انتظار صندوق إعاشة ملصقة عليه ورقة بيضاء تذكر ب 'أهل الخير '، إلى الاحتجاج على انقطاع المياه، إلى دعاء الأمهات المتشحات بالأسود بأن ينزل الله بظالميهن ظلما يفوق ما لحق بهن .

'الحياة 'جالت على النازحين في سعدنايل وعرسال وبلدات أخرى في البقاع، وبدا ما يروى عن المناطق التي نزح الأهالي منها وعن حال النازحين مماثلا لما رواه اللبنانيون النازحون من جنوب لبنان خلال حرب تموز (يوليو )2006 .

< في ساحة شتورة سيارات كثيرة لوحاتها سورية، لكن السوريين هنا وفي بلدات أخرى قريبة لا يحملون صفة نازحين بالمعنى الدرامي للكلمة. غالبية هؤلاء من ميسوري الأحوال خرجوا مع بدء الأحداث في سورية من مناطق كالزبداني ودمشق، ودخلوا إلى لبنان عبر المصنع وبطريقة شرعية، واستأجروا منازل في بلدات كالمرج وبرالياس وقب الياس، وحتى زحلة التي فضلها المسيحيون منهم خصوصا، بسبب الانتماء الديني لأهلها. هؤلاء لا يشملهم التعداد الذي تجريه البلديات والجمعيات المدنية للنازحين السوريين.

على مسجد تعلبايا عند مدخل بلدة سعدنايل، ألصقت أوراق ملونة كتبت عليها عبارات :'لعيونك يا شام 'و 'حملة للتبرع بالمواد العينية والمادية للاجئين السوريين '، في ما يشبه الاعتراف الأول بوجود 'لاجئين سوريين '.أما داخل البلدة فيقول رئيس 'رابطة شباب سعدنايل 'الناشط عمر الحلبي إن النازحين 260 عائلة، وإن المعدل الوسط لأفراد كل عائلة هو 5 .في سعدنايل وحدها حوالى 1300 سوري إذا، وهو رقم يرتفع مع استمرار الثورة السورية .عائلات كثيرة نزحت خلال الأسبوعين الماضيين مع اشتداد القصف على المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان .

غرفة تحت الدرج 
يوصل درج إلى منزل من غرفتين .المنزل قديم، جدرانه من الحجر غير المطلي .تحت الدرج فتحة في الجدار تشكل الباب المؤدي إلى غرفة تنخفض نحو نصف متر عن سطح الأرض .الغرفة بلا نوافذ، ورائحة الرطوبة المنبعثة من جدرانها تزيد كآبة المكان .

السرير على يمين المدخل يتمدد عليه رجل مقعد .أما الفرش الموزعة بطريقة ال 'مدة 'العربية، والأغطية المرصوفة فوق بعضها بعضا على الجانب، فلأفراد عائلتين تتقاسمان المكان، كل منهما مؤلفة من ستة أشخاص .في بضعة أمتار مربعة تحت الأرض يعيش 12 شخصا معظمهم أطفال .

ترفض السيدة الثلاثينية تصويرها داخل الغرفة، وتضحك لدى سماعها كلمة 'لاجئين '.لم يعتد السوريون هذا الوصف لغير الفلسطينيين. تعرف عن طفلاتها الأربع اللواتي يوحين بأنهن من عمر واحد، وتستعيد حكاية الهروب من معرة النعمان قبل أسبوعين :'عندما اشتد القصف علينا خرجنا بالسيارة من المعرة .الوضع كان صعبا، وكلما اقترب القصف كنا نلجأ إلى البساتين لنختبئ، لساعتين أحيانا ثم نعود إلى السيارة ونكمل الطريق .هربنا بما علينا من ملابس، وتركنا حياتنا كلها في المعرة .هكذا فعل جيراننا .لم يبق هناك إلا بضع عائلات .دخلنا إلى لبنان في اليوم الذي قيل فيه إنهم ضبطوا 7 مسلحين .كنا نسمع صوت الرصاص ولا نرى مسلحين '.

تكثر السيدة من حمد الله، وتقول مرة بعد مرة :'نصيبنا .شو بدنا نعمل '.لكن أكثر ما تشكر الله عليه هو معرفتها بالعائلة التي تملك المنزل في سعدنايل :'قدموا لنا الملجأ من دون مقابل .وأمس أحضر لنا سعاة الخير صندوق كرتون فيه أغذية .وأتونا بأغطية وفراش لكل عائلة .أعطونا الحليب للأطفال، الله يعطيهم العافية '.أما الطبابة، فمؤمنة لكل نازح سجل اسمه ومكان سكنه على بطاقة من البلدية، تخوله العلاج والحصول على دواء من دون مقابل '.

الأهالي في سعدنايل لم يعبروا عن انزعاج من وجود هذا العدد من النازحين السوريين في بلدتهم .أئمة المساجد كما الجمعيات، حريصون على اعتبار احتضان هؤلاء قضية دينية وأخلاقية سامية .هذا الأمر تتحدث عنه السيدة وهي تروي أن الجميع لاقاهم بالترحاب، لكن 'الواحد منا، بيننا وبين أنفسنا يحس بالثقل .عندما يكون الشخص في بلده يختلف الأمر .الله يهدي الأحوال بالمعرة، بدنا نروح '.

تتدخل الشقيقة لتروي فصولا أخرى .تقول إن زوجها مقعد، وان زوج شقيقتها خرج بعربة ليبيع الكعك من أجل تأمين المصروف 'فصندوق الإعاشة لا يكفي .وبرقبتنا صغار، والأسعار في لبنان مرتفعة جدا '.تستعيد يوميات المعرة لدى سؤالها عن مسلحين في بلدتها :'أي مسلحين؟ كان كل شيء عاديا، وفجأة دخلوا (الجيش السوري ).كنا نعيش في أمان، ولكن منذ صارت المشاكل، لم يعد أحد يأمن الخروج من داره .من يرونه يذبحونه ولا نعرف من يقتل ولماذا .الآن لا نعرف شيئا عن الحال هناك .حتى الاتصالات انقطعت، وبيوتنا لا نعرف إذا بقيت .احتلوا بيوتا كثيرة غادرها أصحابها '.

ترتفع ضحكات الصغيرات اللواتي تكاد صورتهن أن تكون واحدة :ضفائر شقر ووجوه حمر متشققة وخجل بينما يتحدثن عن اشتياقهن للمدرسة في المعرة و 'المنشية 'والرفيقات .ولدى سماع الأم تتحدث عن ذعر إحداهن من دوي القصف، تبادر أكبرهن :'صار قتلى كتير، لكنني لم أخف .كانت ماما تصرخ وترتجف وتطلب أن نقول :يا لطيف يا لطيف '.

قرب المنزل- الملجأ تقع 'رابطة أبناء سعدنايل 'التي تتولى التواصل مع النازحين .يقول الحلبي إن شبان سعدنايل أخذوا على عاتقهم بداية، تقديم المساعدة للنازحين على قاعدة 'إذا دق شخص خائف باب بيتنا لن نقفله في وجهه '.البداية إذا كانت بتبرعات دعا إليها أئمة المساجد، إضافة إلى مساعدات قدمتها جمعيات ائتلاف الخير والرابطة والهيئة الصحية وأزهر البقاع .وصار كل من يملك غرفة أو دكانا مقفلا يقدمه لعائلة نازحة .عندما ارتفع عدد النازحين، استؤجرت منازل تدفع بدلها البلدية والجمعيات التي انضم إليها سعاة خير عرب وجمعيات محلية وأجنبية وخليجية، أما 'تيار المستقبل 'الذي توسم البلدة باسمه ف 'لم يقدم ليرة واحدة لنازح في سعدنايل 'كما يقول الحلبي .

'النازحون إلى سعدنايل يصلون إليها من مشاريع القاع أو عرسال عبر 'التهريب 'أي أنهم يخرجون من الأراضي السورية في صورة غير شرعية، ولا تسجل أسماؤهم على الحدود .أما الجرحى بينهم، فينقلون عبر أشخاص أو عبر الصليب الأحمر إلى مستشفى شتورة أو الشمال بحسب الحالة .ولمستشفى شتورة قصة صارت معروفة .في البداية كان الناشطون يتعرضون لمضايقات قالوا إنها من مخابرات الجيش ومن عناصر 'حزب الله '، ما اضطرهم أحيانا إلى تهريب جرحى من المستشفى إلى الشمال .أما بدل العلاج فكانت تتكفل به التبرعات '، يضيف الحلبي .

هل نقلتم مقاتلين للعلاج في لبنان؟ يجيب :'لا نعرف إذا كانوا مقاتلين أو مسلحين .ننقل جرحى، وبعد العلاج يعودون إلى بلادهم .نحن لا نعرف أصلا إذا كان بين المصابين من هم مع النظام السوري، ولكن من باب الحذر ولأسباب أخرى أمنية نجمع معلومات عن الشبان الموجودين في البلدة وأماكن سكنهم '.

عرسال 
على بعد نحو ساعة ونصف ساعة من سعدنايل، تبدو عرسال هادئة بينما الأهالي متجهون للمشاركة في تظاهرة دعما للثورة في سورية بعد صلاة الجمعة .على طريق فرعي قرب مدخل البلدة يغص مستوصف رفيق الحريري بالنازحين ومعهم أطفالهم .تتحدث الناشطة العاملة في المستوصف وهيبة الفليطي عن 27 عائلة دخلت عرسال في الليل الفائت .وتقول انه بعدما كان النزوح في الأسابيع الماضية من مناطق حمص وبابا عمرو تحديدا، صار كثيفا من مناطق القصير وجوسية والنزارية، وبين النازحين جرحى كثر .

وتتحدث عن استضافة البلدة النازحين في بيوت لا يشغلها أصحابها وفي مصليات، لكن 'البلدة قد لا تتسع لنازحين جدد .وإذا استمر التدفق لا نعرف ماذا سنفعل '، وهو أمر يبدو رئيس البلدية علي الحجيري قلقا منه، خصوصا أن لا اعتراف حكوميا بقضية النازحين إلى البقاع، ما يحمل البلديات مسؤولية جسيمة .

الفليطي تشير إلى مساعدات طبية كثيرة تقدم للنازحين، بعضها من منظمة 'أطباء بلا حدود 'وتتردد أقاويل عن نيتها إنشاء مستشفى ميداني في البلدة، إضافة إلى مؤسسات أخرى مثل 'أم آي سي 'الطبية، كما قدم بعض الصيدليات إلى المستوصف أدوية مجانا .وتلفت إلى أن السوريين يحاولون التكتم كثيرا لدى الإدلاء بمعلومات عنهم وعن عائلاتهم، خصوصا الشبان .وتروي أن 'أحد الجرحى بدا متكتما على اسمه واسم بلدته، ولما أصررنا، أعطى اسم شاب من البلدة .لاحقا عرفنا من سوريين آخرين أنه مقاتل، وأنه عاد إلى سورية '.

'لعيونك يا حمص .الدم والمال والروح بترخص '، اللافتة هذه رفعت على مدخل عرسال .وفي بيوت كثيرة في البلدة يروي نازحون أن ثيابا وأطعمة وأدوية قدمت لهم، وان أحدا لم يبخل بشيء، إنما على ألسنة كثيرة تكرر عتب على حكومة لبنان التي 'لم تنظر لحالنا '.

في مصلى يصعب الوصول إليه بالسيارة، بسبب رداءة الطريق، تقطن عائلة من ثمانية أشخاص، يقول الشاب من آل عمار والذي لم يتجاوز عمره 16 سنة إن حالها أحسن من أحوال غيرها بكثير .المقارنة هنا بين حال العائلة ووضع أقارب له نزحوا إلى مصلى آخر في البلدة .في ذاك المصلى ترقد صبية تتعافى من إصابة برصاصة في الرأس، بينما العائلة كلها لم تتعاف من صدمة مقتل الابنة الأخرى برصاصة أطلقها العسكري نفسه .

حكاية الصبيتين يرويها الشاب :كانوا طالعين من الزرار، عندما أوقفهم الحاجز طالبا منهم العودة .وبينما تلتف السيارة أطلق العنصر الرصاص عليها فأصاب رغدة (13 سنة )وقتل ملك (18 سنة ).دفنا ملك وخضعت رغدة لعلاج أولي .بعد ثلاثة أيام هربنا مجددا '.

لقصة الهروب شرح يطول .ويقول الشاب :'صرنا نتنقل ضمن مجموعات من خمسة .واتفقنا على أن من يسقط منا برصاص القناص نتركه ويكمل البقية الطريق .دخلنا بيوتا كثيرة نعرف أنها آمنة، إلى أن وصلنا إلى الحدود .هناك وضع الله في طريقنا أولاد حلال أمنوا دخولنا إلى لبنان '.ولكن، لماذا إلى عرسال؟ يجيب الشاب :عرسال آمنة، ويبتسم .وبعد إلحاح، يقول :'المناطق الثانية لحزب الله، ونحن ما صدقنا كيف هربنا من اللي عندنا '.


الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة










Saturday, March 10, 2012


أزمة الكهرباء في لبنان: الحل الآن أو... الكارثة ! 

منال أبو عبس


يسأل المتصل السيدة: حضرتك زوجة وزير الكهرباء (الطاقة) في لبنان الاستاذ جبران باسيل؟ تجيبه: نعم. فيردف: ألف مبروك مدام. صار زوجك مديرا لمرفأ بعلبك. ترد عليه الزوجة بفرح: الله يبارك فيك، لكن هل في بعلبك بحر ليكون له مرفأ؟ فيجيبها: ولماذا السؤال، فهل في لبنان اصلا كهرباء ليكون زوجك وزيرا لها؟

الحوار الافتراضي الذي دار بين المواطن وزوجة الوزير ليس إلا وجها من وجوه السخرية السوداء التي يعتمدها اللبنانيون للرد على ارتفاع معدل التقنين الكهربائي وتردي حال القطاع ككل .ومع ارتفاع أسعار الاشتراك في المولدات الخاصة والعاملة فقط لتغطية ساعات التقنين الى مئة دولار اميركي شهريا لكل خمسة أمبير ومئة وستين دولارا للعشرة أمبير (معدل عام )، انتشرت النكات التي تطال وزير الطاقة والحكومة، في محاولة للتخفيف من معاناة المواطنين الذين لا يبدو أن ثمة حلولا قريبا لمشكلتهم، بل تهويل من ساعات تقنين اضافي سيشهده البلد في الصيف المقبل، بعدما خسر لبنان كمية من الطاقة (نحو 300 ميغاواط )كان يستجرها من مصر وسورية نتيجة الاحداث في البلدين .

اتفاقات فولكلورية

هموم المواطنين، كما سخريتهم، لا تبدو ذات أثر في الواقع السياسي .فالكباش الذي دار بين وزير الطاقة من جهة وبين اطراف داخل الحكومة وخارجها من جهة أخرى، حول تنفيذ خطة الكهرباء التي اقرت في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في حزيران (يونيو )2010 أكسب الواقع المتردي طابعا سياسيا، تحسب فيه الحلول أرباحا سياسية لفريق على آخر تضاف اليها اتفاقات 'فولكلورية 'توقع بين حين وآخر، لاستجرار الطاقة من بلدان مختلفة الى لبنان، وآخرها قبل نحو اسبوعين من طهران، مع أن لبنان لا يوفر البنى التحتية اللازمة لهذه العملية .ووفق متخصصين في أمور الطاقة والكهرباء :'استجرار الكهرباء لا يتم بتوقيع عقود، بل بتأمين الشبكة التي تسمح بنقل الكهرباء من ايران او غيرها إلى هنا .في السابق حصلت محادثات طويلة لنقل كهرباء من تركيا الى لبنان ومن سورية الى لبنان .لكن داخل سورية نفسها هناك نقطة ضعف في الشبكة، ولا يمكنها أن تمرر كهرباء الى لبنان '.وفي الحصيلة، فإن هذا الاتفاق كما غيره لن يقلل ساعات العتمة التي تعيشها بعض المناطق لنحو عشرين ساعة يوميا، خصوصا اذا لم تكن لسكانها قدرة على دفع بدل الاشتراك في المولدات الخاصة .

يرفض مستشار وزير الطاقة سيزار ابي خليل تحميل الوزير باسيل تبعات ما وصلت اليه حال الكهرباء، الذي يرده الى العرقلة السياسية 'بسبب استفادة البعض من الوضع القائم .هم سبق ان قالوا سنبيع الكهرباء بدولار رمزي '.ويقول ان 'البواخر كانت الخطوة التنفيذية الاولى لخطة الكهرباء، وهي تؤمن الطاقة في شكل سريع، لكونها معملا جاهزا وعائما، لكن يتطلب الاستحصال عليها فترة تقارب الستة اشهر أي اواخر الصيف '.

ويرى لحل الازمة، ضرورة تنفيذ البنود ال42 في خطة باسيل، و 'المشاريع الست الاساسية ضرورية ويفترض بدء العمل بها، وهي :1- البواخر، 2- خطة الطوارئ أي ال700 ميغاواط التي اذا لم تنفذ في وقتها لن يعود لها صفة الطوارئ ولن نستفيد منها .والدراسات جاهزة ودفاتر الشروط بانتظار انطلاق المناقصات، لكن يجب تأمين الاموال لأن التلكؤ يكلف الخزينة خسائر فادحة .3- مشروع مقدمي الخدمات الذي سيبدأ العمل به ابتداء مطلع آذار /مارس .هذا المشروع سيؤمن وفرا ب 303 ملايين دولار وسيزيد اصول مؤسسة كهرباء لبنان 282 مليون دولار، وسيوقف كل الهدر التقني وغير التقني الحاصل على الشبكة، وسيؤمن صيانة شبكات التوتر والمنخفض وتشغيلها وصولا الى تركيب العدادات الذكية التي توفر امكان قطع الاشتراكات التي لا تسدد فواتيرها من السنترال مباشرة ما يحل مشكلة الجباية والتعديات والهدر التقني .4 - مشروع وصلة المنصورية لاستكمال الحلقة التي تنقل الطاقة .5- خط الغاز، وهو الذي سيربط معامل انتاج الطاقة الساحلية وسيؤمن لها المحروقات الارخص، أي الغاز الطبيعي، ويحل لنا مشكلة الكلفة .6- مشروع تأهيل معملي الذوق والجية، وحالتهما سيئة واذا انهارت قدرتهما الانتاجية فستتسببان بكارثة كبرى '.

ويستند ابي خليل الى المشروع الاخير وهو ممول من الصندوق العربي ليرد على منتقدي باسيل لرفضه اللجوء الى الصناديق وتمويل المشروع بسلفة من الخزينة، ويقول :'دفاتر الشروط (تأهيل المعملين )موجودة منذ الاول من آب - أغسطس بين مجلس الإنماء والإعمار والصندوق العربي، وكلفة هذا التأخير على الخزينة نحو بليون دولار '.ويؤكد أن الصرف عبر الموازنة اكثر شفافية من الصرف عبر الصناديق ومجلس الإنماء والإعمار، وأسرع، ويوفر علينا خسائر الوقت الاضافي .ويوضح أن 'المناقصات التي تمر عبر هيئة ادارة المناقصات خاضعة للرقابة السابقة واللاحقة لديوان المحاسبة، اما ما يمر في مجلس الإنماء والإعمار فغير خاضع للرقابة السابقة ولا اللاحقة '.

الهدر سبب العجز

الى ذلك، يحذر خبير متخصص في الطاقة من ان العجز في قطاع الكهرباء يتراوح الآن بين 30 و35 في المئة من العجز العام للدولة اللبنانية، وهو عجز خطير لأنه يتصاعد بالنسبة المئوية، وقد يصل الى 50 في المئة، و 'عندما يصير قطاعا واحدا يشكل هذه النسبة العالية من العجر يكون هناك خطر افلاس على البلد '.

ويشير الى ان الهدر هو السبب الاساسي للعجز، ف 'الكهرباء التي تصرف ولا تسجل (الخسائر غير التقنية )تشكل نحو 30 في المئة من مجمل الطاقة المنتجة '.ويعتبر أن 'هذه المشكلة يحلها مشروع مقدمي الخدمات الذي يعد اساسيا لوقف النزيف .لأنه حتى لو جرى تنفيذ مشروع ال700 ميغاواط، فسيضيع تلقائيا 30 في المئة من الطاقة المنتجة بسبب الهدر '.

الاسباب الاخرى للعجز، يقول الخبير، هي 'أن التعرفة الكهربائية ليست على مستوى الكلفة .هذا لا يعني ان الكلفة صحيحة، بل عالية جدا .والسبب اننا ننتج 50 في المئة من طاقتنا تقريبا على المازوت وهذا لم يحدث في تاريخ اي دولة .كان يفترض تشغيل المعامل على الغاز .وإذا اضفنا الى هذا الامر واقع المعامل الاخرى القديمة، تكون الصورة كالآتي :فلنفترض اننا ننتج 1800 ميغاواط .900 منها تنتج في معامل قديمة مهترئة تعمل على الفيول العادي و900 في معامل تعمل على المازوت .الكارثة من الناحيتين '.ويلفت الى ان 'هناك توجها لمعالجة هذا الامر بإنشاء 3 معامل جديدة (700 ميغاواط )، وهي تدخل ضمن خطة ال1200 مليون دولار '.

ويعتبر الخبير أن خطة الكهرباء التي اقرت عام 2010 وشكلت خطة متكاملة تتعاطى مع 3 محاور :البنى التحتية، أي عملية الانتاج والنقل والتوزيع، والمصادر والطلب، وكيف نتحكم بالمصادر وموضوع إنشاء خط غاز بحري ومراكز استيراد غاز وتبويب، كما تعاطت مع الطلب بترشيد الكهرباء واستعمال الطاقة المتجددة، اضافة الى الشق القانوني، أي اعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان وتفعيلها وإعادة صوغ القانون 462 وتحديد المحاور الاساسية للتشركة والخصخصة .

وعن مشروع البواخر، يوضح الخبير أنها 'ليست الا عبارة للتغطية على عجز قائم وسيزداد .البواخر ستخفف من حجم التقنين عما هو عليه اليوم وليس التقنين نفسه .لأنه اذا استمررنا من دون أي حركة، فالتقنين سيزداد تصاعديا '.ويضيف أن 'عددا من المعامل في حاجة الى صيانة، واذا ادخلت الى الصيانة من دون وجود البواخر سيزداد التقنين، واذا لم تدخل الى الصيانة ستتعطل '.ويتابع :'البواخر جزء من حل وليست حلا يحلم به اللبنانيون لأنها احدى طرق استئجار الطاقة، وإذا لم تكن كافية يمكن البحث عن طرق اخرى كالاستيراد من الخارج '.اما الحلول الاخرى، فيقول :'هناك المولدات الموزعة .أي أن نوزع مولدات على خمسة مراكز انتاج في المناطق وتربط مباشرة بمحطات التحويل المركزية '.

وبعيدا من الجوانب التقنية، يرى الخبير أن 'المشكلة في لبنان لم تكن يوما تخطيطية او فنية بل في قدرة القوى السياسية على التآلف حول موضوع مشترك وتحله مع بعضها '.
الموضوع :أخبار
المصدر :الحياة