Monday, December 17, 2007

ميشال سليمان : عماد التوافق

ميشال سليمان : عماد التوافق ... ينتظر التعديل


منال أبو عبس
Al-Hayat (1,052 كلمة)
تاريخ النشر 17 ديسمبر 2007
تبدو حركة العماد ميشال سليمان مكثفة. يجول بين مرجعيات تختلف سياسياً حاصداً عبارات تشيد بـ »حكمته« و«حسن إدارته الأزمات«. ويُسجل له الإجماع على وطنيته، وأنه حيّد نفسه والمؤسسة العسكرية عن انقسام الحياة السياسية بين فريقين. يرد سليمان على الزوار والمستقبلين مؤكداً التزام الجيش مسؤولياته ودوره في حفظ الأمن.

بعد نحو أربعة أسابيع على الفراغ في سدة الرئاسة اللبنانية، وشهر ونصف على سحب اسمه من التداول وصدور بيان عن قيادة الجيش ينفي ترشحه للمنصب الأول في الجمهورية، عاد اسم سليمان إلى الواجهة. وبدا انه المرشح الوحيد الباقي، ولا ينقص إلا العملية الإجرائية لانتخابه رئيساً. فمن هو ميشال سليمان الذي تولى قيادة الجيش منذ تولي سلفه اميل لحود الرئاسة عام 1998؟ ولماذا تحول فجأة إلى مرشح لكلا الفريقين المتصارعين، علماً أن اسمه لم يرد في لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير؟ وهل تمهد تجربته في قيادة الجيش لوصوله إلى الرئاسة؟ وكيف يمكن الحكم على تجربته خلال الأزمة السياسية؟

بعد 14 شباط (فبراير) 2005، بدء الاختبار الفعلي لقدرة سليمان على إدارة الأزمات. قبل ذلك التاريخ لم يكن كامل القرار الأمني أو حتى السياسي في أيدي اللبنانيين أنفسهم. والتطورات المتسارعة التي أنتجها اغتيال الرئيس رفيق الحريري تركت الجيش وقيادته أمام مسؤوليات كبرى، لم يختبر نوعها في أي وقت سابق.

في تظاهرة 14 آذار 2005، وضع الجيش عملياً في الميدان. القرار السياسي لحكومة الرئيس عمر كرامي كان بمنع التحرك. لكن أي منع كان في نظر قائد الجيش يعني وقوع اشتباكات بين الجيش والمدنيين، بالتالي دماً كثيراً لن يقوى الجيش على حمله. التقى سليمان مرجعين بارزين في فريق 8 آذار، وكانت النصيحة أن الدستور يحمي حرية التعبير، وهو أقوى من القرار السياسي. بناء على النصيحة، رفض العماد القرار السياسي واحتمى بالدستور. وفي اليوم التالي نشرت وكالات الأنباء العالمية الصور الشهيرة لمتظاهر يقدم وردة حمراء إلى عسكري يفصله عنه شريط شائك. في تظاهرة 14 آذار بدا أن ثمة تغييراً كبيراً ينتظره البلد، وأن الجيش نجح في الاختبار الأول. ولم يرفع ثوار الأرز صور سليمان، على رغم انهم رفعوا صور جميع رؤساء الأجهزة الأمنية أيام الوصاية السورية، مطالبين محاسبتهم. فقائد الجيش لم يخض يوماً في الصراع السياسي الذي كان الضباط الأربعة (المعتقلون منذ أكثر من سنتين) غرقوا فيه مع المعارضين العلنيين لسورية، أمثال القوى المسيحية ولاحقاً النائب وليد جنبلاط، أو مع المعارضين بصمت، وعلى رأسهم الرئيس رفيق الحريري. ولم يكن لدى قوى المعارضة حينها (قوى 14 آذار) سبب لاستعداء مؤسسة الجيش المهابة والمجمع عليها وطنياً، ولا سبب أيضاً لاستعداء قائدها.

في التحركات والتحركات المضادة التي جاءت لاحقاً، مارس الجيش سياسة الحياد ذاتها. ولم يرد قائده مرة على انتقادات اتهمته بأنه لم يقم بدوره خلال تحرك المعارضة في الشارع في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي أو بعده بيومين، فلم يقمع المعترضين بالقوة. غير أن الجيش، ولمرة ثانية، بدا قوة ليس بالإمكان التخاصم معها، فظلت الانتقادات خافتة.

محطتان مفصليتان

يقول عارفون في شؤون اليرزة إن ثمة محطتين مفصليتين في مسيرة سليمان. الأولى كانت العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز (يوليو) 2006 والثانية كانت الاشتباكات في مخيم نهر البارد. في حرب تموز لم يكن الجيش هو المستهدف، لكن سليمان أعلن منذ اللحظة الأولى أن الجيش ليس على الحياد، وتصرف العسكريون على هذا الأساس. ولم يترك سليمان الجنود لقدرهم في أرض المعركة. فطلب من المعنيين أن يُفتح صندوق قائد الجيش وتوزع عائداته على العسكريين في الجنوب، ليتدبروا أمورهم في ظروف الحرب، لئلا يقال إن عسكرياً اضطر للجوء إلى أحد لتدبر سبل حياته.

الإنزال الإسرائيلي في صور كان برهاناً آخر على عدم تحييد الجيش. إذ تزامن مع اتصال إسرائيلي بسنترال مركز الجيش في صور يفيد بأنه ليس هو المستهدف، بالتالي يجب عليه ألا يتدخل. غير أن الجيش تدخل حيث اقتضى الواجب. في إنزال البازورية أيضاً، كان للجيش واستخباراته الدور الأكبر في إفشاله.

في حرب تموز ساند الجيش المقاومة، وليس فقط بالكلام. وعلم أن قائده رفض عدداً من المطالب الإسرائيلية التي كانت تصل في شكل غير مباشر، بينها تزويد الجيش اللبناني إسرائيل جدول مواعيد تحرك آلياته، كما رفض الطلب الإسرائيلي بأن يرفع العلم اللبناني على الجانب الأيمن لآليات الجيش للإشارة إلى أن الآلية تعود إليه وليس لغيره. فبالنسبة إلى قائد الجيش، علم لبنان لن يكون علامة للخيانة.

معركة البارد كانت المحطة الأقسى على قلب سليمان. في بداياتها قال إنها ستستغرق بين 3 و6 أشهر، رغم ما أشاعه آخرون من أنها ستستغرق أسبوعين. تابع مجريات المعارك لحظة بلحظة، فلم يترك مكتبه لأكثر من ثلاثة أشهر. ساءه القول إن المخيم »خط أحمر«، غير أنه لم يقف عنده. وأعلن الحرب على المعتدين على »هيبة لبنان«، وعسكره بعدما فوضت إليه الحكومة اتخاذ الإجراءات المناسبة. وهو لم يعر انتباهاً في اجتماعه مع الحكومة، إلى بعض الوزراء الذين طالبوا بهجوم ساحق. وبرهن قائد الجيش مرة أخرى عن حكمة وهدوء في مواجهة الأزمات الكبرى.

علاقة سليمان لم تكن مقطوعة مع أي من الأطراف اللبنانيين. علاقته مع الرئيس السابق لحود لم تكن وطيدة، ورأى كثر في ذلك »توتراً روتينياً بين قادة الجيش والرؤساء«. غير أن القائد لم يقاطع القصر، وحافظ على الزيارات الدورية.

المجلس العسكري بدوره، استثمره سليمان لمصلحة الجيش. فوظف التنوع الطائفي لضباطه في خدمة المؤسسة العسكرية، وصار كل ضابط جسر اتصال بين قائد الجيش والمرجعية السياسية لطائفة الضابط، على أن يكون الأخير بذلك ممثلاً للمؤسسة أولاً وأخيراً.

على الصعيد الخارجي، لا يبدو أن لأي من الدول ذات الصلة في الشأن الرئاسي اللبنانية »فيتو« على سليمان. إذ يأخذ عليه بعضهم قربه من سورية، في حين يأخذ عليه آخرون أن الأكثرية طرحت اسمه مرشحاً، على رغم أن رموزاً في الأكثرية لطالما انتقدت تجربة العسكر في السلطة، مستندة في ذلك إلى تجربة العمادين ميشال عون واميل لحود. لكن مطلعين على آرائه يقولون إن سليمان وعلى رغم انتمائه إلى المدرسة الشهابية، يبدو مؤمناً بصعوبة تكرار بعض جوانب تجربة الرئيس (اللواء) فؤاد شهاب في الظروف الراهنة، كما أن نظرته إلى العسكر أيام الثمانينات والتسعينات غير إيجابية، إذ يحكى أن وصوله إلى الرئاسة سيشكل نقطة قطع مع تجربة العسكر في تلك الحقبة.

ويقول بعض عارفيه إنه إذا كانت صورة المؤسسة اهتزت نتيجة تجربتي عون ولحود في الحكم، فالعماد يبدو مصراً على محو هذا الاهتزاز في الصورة، إذا حظي بلقب »فخامة الرئيس«.

ولد ميشال نهاد سليمان في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 في عمشيت - قضاء جبيل. يحمل إجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية، ويتقن اللغتين الإنكليزية والفرنسية. تخرج عام 1970 من المدرسة الحربية برتبة ملازم. وعين عام 1990 رئيساً لفرع الاستخبارات في جبل لبنان، ثم بعد سنة أميناً لأركان قيادة الجيش. بين عامي 1993 و1996 تولى قيادة لواء المشاة الحادي عشر، وتخللت الفترة مواجهات عنيفة على جبهة البقاع الغربي والجنوب مع إسرائيل. وفي 1996 رقي سليمان إلى رتبة عميد، وعين قائداً للواء المشاة السادس. وبعد انتخاب القائد السابق للجيش اميل لحود لرئاسة الجمهورية عام 1998، رقي سليمان إلى رتبة عماد وعين قائداً للجيش اللبناني.