لجنة من الجيش باشرت مسح الأضرار في الأشرفية ... هنا كل شيء احترق إلا القنصلية الدنماركية !
منال أبو عبس
Al-Hayat (905 كلمة)
تاريخ النشر 02 يوليو 2006
يسقط السؤال عن الذي جرى في شارع التباريس في الأشرفية أول من أمس، على مسمع غابي، كدلو من الماء الساخن. يدور حول نفسه دورة كاملة، ويقول: »بس شاطرين على أهل الأشرفية، لو انهم رجال كانوا راحوا على عين الرمانة (حيث انطلقت الشرارة الأولى للحرب). هناك... لكانت النساء عرفت كيف ترد عليهم«.
يقع محل القهوة الصغير في شارع متفرع من التباريس حيث اندلعت أعمال الشغب خلال التظاهرة ضد القنصلية الدنماركية. يعترض صاحب المحل على كلام غابي، لأن »الذين خربوا المنطقة لم يكونوا من أبناء البلد، ولا يعبرون عن أدياننا«. غير أن كلامه لم يبرد أعصاب أي من الزبائن الذين كانوا من أبناء المنطقة. »رأيت وجوه كثر منهم، وسمعتهم يتكلمون بلهجات غير لبنانية. لم يكن بين الذين خربوا رجال دين مسلمون (معتدلون). بعضهم يشبهون جماعة الضنية الذين أطلق سراحهم أخيراً، وكثير منهم أجانب. لكنهم لا يمثلون المسلمين اللبنانيين«.
يبدو صاحب المحل متعاطفاً مع رجال الدين الذين انطلقت التظاهرة باسمهم، قبل أن يتحولوا وقوداً لها. ويقول: »رأينا بأعيننا متظاهرين يضربون رجلي دين من دار الفتوى بالعصي، بعدما حاولا منعهما من رشق المباني بالحجارة«، مستشهداً بكلام جارته جانيت التي دخلت للتو، مبادرة بعبارة »الحمد لله على السلامة«، للتحية. تقطن جانيت في مبنى أعلى الشارع المتفرع من مبنى سنا، حيث وضع الأمنيون الشريط الشائك لمنع المتظاهرين من التقدم نحو القنصلية، ولم يصمد إلا دقائق عدة. وتبدو مشاعرها اكثر احتقاناً، إذ »شاهدت وعائلتي من وراء الستائر الموت بأعيننا ولم نستطع أن نفعل شيئاً«، شارحة الجهود التي قامت بها لمنع ابنها من النزول إلى الشارع والدفاع عن سيارته تتعرض للتكسير. »السيارة بتتعوض، ما هي أصلاً رينو قديمة ثمنها نحو 300 دولار«، تقول، ثم تستدرك: »من له الحق في التعدي على أملاك الناس، لن يتمكن ابني من استبدالها في وقت قريب«.
يشبه المشهد على الطريق الرئيسية إلى التباريس، المشهد نفسه صبيحة أي تفجير من التفجيرات الكثيرة الأخيرة. الأسلاك الشائكة التي لم تصمد طويلاً في وجه المتظاهرين، رفعت إلى الرصيف. والشركات والمحلات التجارية على الجانبين، لملمت زجاجها المنثور، وباشرت حملة إعادة تأهيل ما أمكن، في حضور رجال الأمن من شركات امنية خاصة، الذين عادوا إلى عملهم المعتاد.
»الحمد لله أن عناصر الجيش كانوا يقفون أمام محلي، وإلا لما عرفنا ما كان سيحصل«، يقول ايلي صاحب محل انطوان حنا دانيال للألعاب. محل ايلي كان مقفلاً أثناء التظاهرة، لكنه نزل مع الجيران إلى الشارع لمتابعة ما كان يحدث في منطقتهم من بعيد. »في بداية الأمر كان رجال قوى الأمن يقفون أمام المحلات، ثم انسحبوا تاركين الساحة للمتظاهرين الغاضبين«، يقول ويضيف: »الشارع المقابل ترك من دون رجال أمن. فكسر المتظاهرون واجهات المحلات الزجاج وضربوا الأبواب الحديد بالعصي والرفوش والمعاول التي أحضروها معهم«. ولم يعتق المتظاهرون محل عبود لبيع الأثاث لغرف الأطفال، فكان حاله كحال محلات أخرى منها واحد لبيع الحلويات وآخر لبيع المجوهرات، ذنبها الوحيد أن واجهتها لم تكن من الحديد!
الشارع المقابل تشبه حاله ما وصفه ايلي. تصطف السيارات المكسرة بالعشرات على جانبي الطريق، وقد غطاها أصحابها بأغطية بلاستيك، وتركوا عليها أرقام هواتفهم وأسماءهم، علها ترشد من قد يكلف البحث في التعويضات.
مبنى من زمن الحرب
يسهل الوصول إلى مبنى التباريس المحترق بسبب عجقة المتفرجين على الرصيف المقابل. يقف الأمنيون على حطام المكاتب المدمرة، خلف الشريط البلاستيك الأصفر، لتفحص هوية الداخلين والخارجين. ويبدو المبنى كأنما خرج للتو من حرب دامت سنوات.
في الداخل لا يمكن تمييز شيء. فقط حطام لما كان شركات تجارية، وبقايا أجهزة محترقة يجمعها العاملون لنقلها إلى مكان آخر، فيما يتفقد أصحاب الشركات الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم. على يمين الداخل إلى المبنى ترتفع لافتة »بنك اللاتي« فوق الأنقاض. مدير المصرف جوزيف اللاتي يجول بين الداخلين سائلاً كلاً منهم عن الجهة التي ينتمي إليها. يحمّل اللاتي المسؤولية إلى الدولة، التي »لو أخبرتنا أنها لن تسيطر على المتظاهرين، لكنا اتخذنا تدابير وقائية«، معلناً أن »الدولة لم تقم بما توجب عليها، وان كل شي في المبنى احترق إلا القنصلية الدنماركية التي لم تتعرض للأذى«.
عند تقاطع الشارعين الذين يمتد إليهما مبنى التباريس المحترق، تقع بناية السريان السكنية، التي كادت تشهد كارثة جماعية، كما يقول أحد سكانها. »قالوا للمتظاهرين أن السفارة في الطابق الرابع، فجاؤوا يحملون قوارير الأوكسيجين لإشعال المبنى. لا أذكر كيف أقنعناهم بأنه مبنى سكني، ليغادروا«، يضيف، مؤكداً أن المبنى تعرض إلى الرشق بالحجارة والى تحطيم مدخله.
يسهل اقتفاء أثر ما خلفته التظاهرة على طول الطريق الرئيسي إلى الأشرفية. هواتف عمومية وماكينة لسحب الأموال الخاصة ببنك »الاعتماد اللبناني« وغيرها شكلت جانباً واحداً من اضرارها. لكن ما بدا جديداً أمس، عدد من المراهقين يقودون سيارات ترتفع منها أصوات أغان حماسية كانت خاصة بالميليشيات المسيحية في زمن الحرب.
منال أبو عبس
Al-Hayat (905 كلمة)
تاريخ النشر 02 يوليو 2006
يسقط السؤال عن الذي جرى في شارع التباريس في الأشرفية أول من أمس، على مسمع غابي، كدلو من الماء الساخن. يدور حول نفسه دورة كاملة، ويقول: »بس شاطرين على أهل الأشرفية، لو انهم رجال كانوا راحوا على عين الرمانة (حيث انطلقت الشرارة الأولى للحرب). هناك... لكانت النساء عرفت كيف ترد عليهم«.
يقع محل القهوة الصغير في شارع متفرع من التباريس حيث اندلعت أعمال الشغب خلال التظاهرة ضد القنصلية الدنماركية. يعترض صاحب المحل على كلام غابي، لأن »الذين خربوا المنطقة لم يكونوا من أبناء البلد، ولا يعبرون عن أدياننا«. غير أن كلامه لم يبرد أعصاب أي من الزبائن الذين كانوا من أبناء المنطقة. »رأيت وجوه كثر منهم، وسمعتهم يتكلمون بلهجات غير لبنانية. لم يكن بين الذين خربوا رجال دين مسلمون (معتدلون). بعضهم يشبهون جماعة الضنية الذين أطلق سراحهم أخيراً، وكثير منهم أجانب. لكنهم لا يمثلون المسلمين اللبنانيين«.
يبدو صاحب المحل متعاطفاً مع رجال الدين الذين انطلقت التظاهرة باسمهم، قبل أن يتحولوا وقوداً لها. ويقول: »رأينا بأعيننا متظاهرين يضربون رجلي دين من دار الفتوى بالعصي، بعدما حاولا منعهما من رشق المباني بالحجارة«، مستشهداً بكلام جارته جانيت التي دخلت للتو، مبادرة بعبارة »الحمد لله على السلامة«، للتحية. تقطن جانيت في مبنى أعلى الشارع المتفرع من مبنى سنا، حيث وضع الأمنيون الشريط الشائك لمنع المتظاهرين من التقدم نحو القنصلية، ولم يصمد إلا دقائق عدة. وتبدو مشاعرها اكثر احتقاناً، إذ »شاهدت وعائلتي من وراء الستائر الموت بأعيننا ولم نستطع أن نفعل شيئاً«، شارحة الجهود التي قامت بها لمنع ابنها من النزول إلى الشارع والدفاع عن سيارته تتعرض للتكسير. »السيارة بتتعوض، ما هي أصلاً رينو قديمة ثمنها نحو 300 دولار«، تقول، ثم تستدرك: »من له الحق في التعدي على أملاك الناس، لن يتمكن ابني من استبدالها في وقت قريب«.
يشبه المشهد على الطريق الرئيسية إلى التباريس، المشهد نفسه صبيحة أي تفجير من التفجيرات الكثيرة الأخيرة. الأسلاك الشائكة التي لم تصمد طويلاً في وجه المتظاهرين، رفعت إلى الرصيف. والشركات والمحلات التجارية على الجانبين، لملمت زجاجها المنثور، وباشرت حملة إعادة تأهيل ما أمكن، في حضور رجال الأمن من شركات امنية خاصة، الذين عادوا إلى عملهم المعتاد.
»الحمد لله أن عناصر الجيش كانوا يقفون أمام محلي، وإلا لما عرفنا ما كان سيحصل«، يقول ايلي صاحب محل انطوان حنا دانيال للألعاب. محل ايلي كان مقفلاً أثناء التظاهرة، لكنه نزل مع الجيران إلى الشارع لمتابعة ما كان يحدث في منطقتهم من بعيد. »في بداية الأمر كان رجال قوى الأمن يقفون أمام المحلات، ثم انسحبوا تاركين الساحة للمتظاهرين الغاضبين«، يقول ويضيف: »الشارع المقابل ترك من دون رجال أمن. فكسر المتظاهرون واجهات المحلات الزجاج وضربوا الأبواب الحديد بالعصي والرفوش والمعاول التي أحضروها معهم«. ولم يعتق المتظاهرون محل عبود لبيع الأثاث لغرف الأطفال، فكان حاله كحال محلات أخرى منها واحد لبيع الحلويات وآخر لبيع المجوهرات، ذنبها الوحيد أن واجهتها لم تكن من الحديد!
الشارع المقابل تشبه حاله ما وصفه ايلي. تصطف السيارات المكسرة بالعشرات على جانبي الطريق، وقد غطاها أصحابها بأغطية بلاستيك، وتركوا عليها أرقام هواتفهم وأسماءهم، علها ترشد من قد يكلف البحث في التعويضات.
مبنى من زمن الحرب
يسهل الوصول إلى مبنى التباريس المحترق بسبب عجقة المتفرجين على الرصيف المقابل. يقف الأمنيون على حطام المكاتب المدمرة، خلف الشريط البلاستيك الأصفر، لتفحص هوية الداخلين والخارجين. ويبدو المبنى كأنما خرج للتو من حرب دامت سنوات.
في الداخل لا يمكن تمييز شيء. فقط حطام لما كان شركات تجارية، وبقايا أجهزة محترقة يجمعها العاملون لنقلها إلى مكان آخر، فيما يتفقد أصحاب الشركات الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم. على يمين الداخل إلى المبنى ترتفع لافتة »بنك اللاتي« فوق الأنقاض. مدير المصرف جوزيف اللاتي يجول بين الداخلين سائلاً كلاً منهم عن الجهة التي ينتمي إليها. يحمّل اللاتي المسؤولية إلى الدولة، التي »لو أخبرتنا أنها لن تسيطر على المتظاهرين، لكنا اتخذنا تدابير وقائية«، معلناً أن »الدولة لم تقم بما توجب عليها، وان كل شي في المبنى احترق إلا القنصلية الدنماركية التي لم تتعرض للأذى«.
عند تقاطع الشارعين الذين يمتد إليهما مبنى التباريس المحترق، تقع بناية السريان السكنية، التي كادت تشهد كارثة جماعية، كما يقول أحد سكانها. »قالوا للمتظاهرين أن السفارة في الطابق الرابع، فجاؤوا يحملون قوارير الأوكسيجين لإشعال المبنى. لا أذكر كيف أقنعناهم بأنه مبنى سكني، ليغادروا«، يضيف، مؤكداً أن المبنى تعرض إلى الرشق بالحجارة والى تحطيم مدخله.
يسهل اقتفاء أثر ما خلفته التظاهرة على طول الطريق الرئيسي إلى الأشرفية. هواتف عمومية وماكينة لسحب الأموال الخاصة ببنك »الاعتماد اللبناني« وغيرها شكلت جانباً واحداً من اضرارها. لكن ما بدا جديداً أمس، عدد من المراهقين يقودون سيارات ترتفع منها أصوات أغان حماسية كانت خاصة بالميليشيات المسيحية في زمن الحرب.